الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين كالمبتدعة والمشركين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد:
فهذه فوائد وفرائدة نفيسة تشد لها الرحال من قصة الشرك في قوم نوح ، وقوله تعالى:﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح : 23]
للباحث المحقق والناقد المدقق أبي العباس الشحري حفظه الله ، وهي الفصل الأخير من بحثه الماتع النافع الموسوم بــــ ["سبيل الرشاد إلِى تَحقِيْقِ صِّحةِ مَاصَحَّحَهُ أَمِيْرُ الُمؤمِنيَن فِي الَحدِيْثِ أَبُو عَبدِالله البُخَارِيُّ عَنْ عَطَاء بنِ أَبي رَبَاحٍ عَن ابْنِ عَباَّس في تَفْسِيْرِ وَدٍّ وسُواَع وَيغُوثَ وَيعُوقَ ونَسْرٍ ودَفْعِ ما أُورد عليه من انتقاد"].
قال حفظه الله وجزاه خيراً:
الفَصْلُ السَّادِسُ:
إيقاظ الوسنان إلى فوائد عظيمة في الآية وما في آثار السلف من معان:
اعْلَمْ – وَفَّقَنيِ اللهُ وإيَّاكَ لمرَاضيهِ-أنَّ قِصَّةَ الشِّرك فِي قَومِ نُوح فٍيِهَا مِن
الفَوَائدِ العَظيمَةِ مَاُ تَشُّد لَهَا الرِّحَالُ، ويَسْتَعْظِمُهَا ذُكورُ الرِّجالِ، وإنَّمَا يُدْرِكُ عَظيِمَ
مَعَانِيهَا أهْلُ العِلْمِ، والحِلْمِ، والفَهْمِ ، وجمَيِلِ الخِصَالِ.
فأَصْغِ بأُذُنَيْ قَلْبك- قبْلَ رَأْسِك!-:
الفائدة الأولى:
خطر الغلو في الصالحين وأنه سبب الشرك:
قالَ الإماُم الرَّبانِّي ابُن القيِّم -رَحِمهُ اللهُ تَعَالَى- فِي
« إغَاثَةِ الَّلهَفانِ »(1/208-209):
ومِن أَعْظَمِ مَكَايِدِهِ -يَعنيِ الشَّيطَانَ -الَّتي كَادَ بهَا أَكثرَ النَّاسِ، ومَا نَجَا »
مِنها إلَّامَن لم يُرِد اللهُ تَعَالَى فِتنَتَهُ:
مَا أوحَاهُ قَديمًا وحَديثًا إلى أوليَائهِ مِن الفِتنةِ بالقُبُورِ، حتَّى آلَ الأمرُ فيِهَا إلى أنْ عُبِدَ أربَابُها مِن دُونِ اللهِ، وصُوِّر تْصُوَرُ أربَابهَا فيِهَا، ثُمَّ جُعِلتْ تلِكَ الصُّوَرُ
أجسَادًا لهاَ ظِلٌّ، ثُمَّ جُعِلتْ أصنَامًا، وعُبدِتْ معَ اللهِ.
وكانَ أوَّلُ هذا الدَّاءِ العَظيمِ فِي قَومِ نُوحٍ،كمَا أخبَرَ سُبحَاَنُه عَنُهْمِ في كتِابِهِ
حيثُ يَقُولُ: ﴿قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا﴾ [نوح : 21 - 24]
-ُ ثَّمَ ذَكَرَ تْفِسَير الأئمَّةِ، ورِوَايَةَ البُخَارِيِّ ...) انتهى المراد
وقال -أيضًا-رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:
«...فأبَى المشُركُونَ إلَّامَعِصيَةً لأَمْرِهِ، وارتِكابًا لنهيهِ، وغَرَّهُمْ الشَّيطَانُ، فقَالَ:بَلْ هَذا تَعْظيِمٌ لقُبُورِ المشَايخِ، والصَّالحِينَ، وكُلَّمَا كُنتَ أشَدَّ لَهَا تَعْظِيمًا، وأشَدَّ فيِهِمْ غُلُوا كُنتَ بِهِمْ أَسعَدَ !، ومِنْ أَعْدَائهِمْ أَبْعَدَ!!.
ولَعَمْرُ اللهِ مِن هَذا البَابِ بِعَينهِ دَخَلَ عَلى عُبَّادِ يَغُوثَ، ويَعُوقَ، ونِسرٍ، ومِنهُ
دَخَلَ عَلى عُبَّادِ الأصنَامِ مِنهُ إلى يَومِ القِيَامَةِ، فَجَمَعَ المُشرِكُونَ بَينَ الغُلُوِّ فِيهِمْ،والطَّعْنِ فِي طَرِيقَتهِمْ، وهَدَى اللهُ أهلَ التَّوحيدِ لِسلُوكِ طَرِيقَتهِمْ، وإنزَالهِم مَنَازِلهَمْ الَّتيِ أَنْزَلهَمُ اللهُ إيَّاهَا مِن العُبُودِيَّةِ، وسَلْبِ خَصَائصِ الإلَهيَّةِ عَنهُمْ، وهَذا غَايَةُ تَعْظِيمِهِمْ، وطَاعَتهِمْ». انتهى (215/1).
وبَّوبَ شَيخُ الإسْلامِ مُحَمَّدُ بنُ عبدِالوَهَّابِ-رَحِمهُ اللهُ تَعَالَى-في «كِتابِ التَّوحيدِ» فقَالَ عَلَى –حَدِيثنا :- «باب مَا جَاءَ أنَّ الغُلُوَّ فِي قُبُورِ الصَّالحِينَ يُصَيِّرُهَا أَوثاًنا تُعبُد مِن دُونِ اللهِ، وبَّوبَ قَبلَهُ فَقاَل: بَابُ مَا جَاءَ أنَّ سَببَ كُفْرِ بني آدمَ وتَركَهُمْ دِينَهُمْ هُو الغُلُوُّ فِي الصَّالحين»
فَرَاجِعهُمَا؛ فَإنَّهما فِي غَايَةِ الإفَادَةِ.
وانْظُرْ:"إعانة المستفِيد"(372-371/1).
تعليق