• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

::تبشير الأخيار بعزيز الانتصار على شيعة الشيطان الروافض الفجار:: لأبي عبدالله أبي بكر بن ماهر بن جمعة المصري.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ::تبشير الأخيار بعزيز الانتصار على شيعة الشيطان الروافض الفجار:: لأبي عبدالله أبي بكر بن ماهر بن جمعة المصري.


    تبشير الأخيار
    بعزيز الانتصار
    على شيعة الشيطان
    الروافض الفُجَّار
    أهل الزندقة والنفاق والإضرار


    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمـدًا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين -صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا- ورضي الله عن الصحب أجمعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
    فإنَّ جهاد أهل الإسلام للرافضة البغاة المعتدين على أهل السنة والجماعة في دار الحديث السلفية بدماج بصعدة بشمال اليمن، إنَّ جهادهم لأمثال هؤلاء وإغلاظهم عليهم لَمِن أعظم القربات،وأَجَلِّ الطاعات، والمجاهِد لهم تابعٌ للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في العمل بالأمر الوارد في قوله -تعالى-:
    {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}
    وهذه الآية قد جاءت بنصها في موضعين من كتاب الله، أحدهما في سورة "براءة" وثانيهما في سورة "المنافقون"بما يدل على تأكيد الأمر بجهاد الكفار والمنافقين، والإغلاظ عليهم، وتبشير المسلمين بسوء مآل هؤلاء، ولا شك في وجوب مقاتلة الفئة الباغية لقوله -تعالى-:
    {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}
    هذا إذا كانت الفئة الباغية مؤمنة!! فكيف إذا كانت أهل زندقة ونفاق -مع إظهار ما يُظهِرون من ذلك- وكانت بوابة من أعظم بوابات النفاق التي يَدخل منها المنافقون للكَيْد للإسلام وأهله، والطعن في الإسلام وأهله، والنَيْلِ من الإسلام وأهله، وكانت مستحِلَّةً للدماء المحرَّمة والأعراض المصونة، والأموال المعصومة؟!
    إنَّ الأمر بقتالهم -لاشك- أولى.
    فمَن جاهَدهم مخلِصًا ظَفِرَ بإحدى الحسنيين،النصر أو الشهادة، ويالهما!! من بشارتين.

    إذا عُلِمَ هذا، فليُعْلَم أن المُخَذِّل عن جهاد أمثال هؤلاء يبوء بإثم تخذيله وبإثم مَن استنَّ به في سنة التخذيل عن جهادهم، وبإثم من تخاذل عن جهادهم صادرًا في تخاذله عن تخذيل هذا المخذِّل، وقد أعاذ اللهُ أهلَ العلم والإيمان عن التخذيل عن جهاد هؤلاء الرافضة، بخلاف مَن تدثَّر بدثار العلم وليس من أهله.


    (التخذيل عن الجهاد سنة شيطانية)

    واعلم -رحمني الله وإياك، ووقاني وإياك الاقتداء بإبليس في سننه- اعلم أن التخذيل عن الجهاد وسبُل الخير سنة شيطانية، ففي الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:

    «إنَّ الشيطان قَعَد لابن آدمَ بأطْرُقِهِ، فقعدَ له بطريق الإسلام، فقال: تُسْلِم وتذرُ دينَك ودينَ آبائك وآباء آبائك؟! فعصاه فأسلَم، ثم قَعَدَ له بطريق الهجرة، فقال: تُهاجِر وتدعَ أرضَك وسماءك، وإنما مَثَلُ المهاجِر كَمَثَل الفرس في
    الطِّوَلِ؟! فعصاه فهاجَر، ثم قَعَدَ له بطريق الجهاد، فقال: تُجاهِدُ، فهو جَهْدُ النفس والمال، فتُقاتِلُ فتُقْتَل،فتُنْكَحُ المرأةُ، ويُقْسَمُ المال؟! فعصاه فجاهَد، فمَن فَعَلَ ذلك كان حقًّا على الله أن يُدْخِله الجنة، ومَن قُتِل كان حقًّا على الله أن يُدْخِله الجنة، وإن غَرقَ كان حقًّا على الله أن يُدْخِلُه الجنة، وإن وَقَصَته دابته كان حقًّا على الله أن يُدْخِلُه الجنة»
    الحديث في صحيح الجامع برقم ( 1652) عن سَبْرَة بن أبي فاكِه،مرموزًا له برمز أحمد والنسائي وابن حبان.
    "والطِوَل والطِيَل بالكسر:
    الحبل الطويل يُشَدُّ أحدُ طَرَفَيه في وَتَدٍ أو غيره والطرفُ الأخر في يدِ الفرس ليدورَ فيه ويرعى ولا يَذهبَ لوجهه".
    انتهى من النهاية، وهو في حاشية صحيح الجامع.

    (عَدْلُ أهل السنة)

    هذا، وإن أهل السنة العدول لا يُسَوون بين مَن ناصَر أهل السنة في جهادهم ضد هؤلاء الروافض، ولو كان المناصِر لهم من أهل البدع، لا يسوون بينه وبين مَن خَذَلَهم، فليس سواءً ناصرٌ وخذول.

    (من التوبة التصدُّق)

    فعلى المتخاذِل عن جهاد الروافض، أو المخذِّل عن جهادهم، مع وجوب جهادهم عليه، أو مناصرته للمجاهدين لهم، عليه أن يتوب إلى الله -تعالى- وقد جاء الأمر بالتوبة إلى الله -تعالى- في غير ما آية من كتاب الله -سبحانَه- منها قوله -تعالى-:
    {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
    فمَن اعتـرف بتخاذله أو تخذيله عن الجهاد، وتاب إلى الله مِن ذلك، تاب الله عليه، قال الله -عز وجل-: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
    وعسى مِن الله موجِبة، كما جاء عن بعض السلف.

    وإنَّ مِن توبة المتخاذِل -فضلًا عن المخذِّل- عن الجهاد التصدُّق بشيء من ماله، وقد قال الله -عز وجل- بعد الآية السابقة في سورة التوبة التي أَكَّدَتْ على أمر الجهاد، ونوَّهَت بشأنه، وأطنبَت في مدحه:

    {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}؟!

    وقد ثبت في الصحيحين من حديث كعب بن مالك في قصة توبته وتوبة صاحبيه -رضي الله عنهم- مِن التخلُّف عن غزوة تبوك أنه قال للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:

    يا رسول الله! إنَّ مِن توبتي أن أَنْخَلِع مِن مالي صدقةً إلى الله وإلى رسول الله، فقال له النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
    «أَمْسِك عليك بعض مالِك، فإنه خير لك»
    قال:
    فإني أُمسك سهمي الذي بخيبر.

    (استبدالُ مَن تولَّى عن الإنفاق في سبيل الله سنة كونية)

    أمَّا المتخاذل الذي لا يعترف بتخاذله، والمخذِّل الذي لا يعترف بتخذيله، والبخيل الذي لا يعترف ببخله، فلا حيلة لنا فيهم، ونسأل الله أن يُبْدِل أهلَ الجهاد خيرًا منهم، فقد قال-تعالى-:
    {هَا أَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّه فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّه الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}
    وَعْدَ الله لا يُخْلِف الله الميعاد.

    (تجاري هوى التخذيل بأصحاب البيان)

    هذا، وقد خرج علينا بعض الناس ممن ينتسب إلى العلم ببيانٍ أبان عن جهلهم وضلالهم، وتخذيلهم عن جهاد الرافضة،
    فهذا البيان عمش وعور وليس ببيان، نعم، هو بيان تخذيلي، فقد تَفَارَط بأصحابه العناد، وتجارى بهم الهوى في التخذيل، كتجاري الكَلَبِ بصاحبه،وكتجاري الوَسْواسِ بصاحبه
    -عياذًا بالله من ذلك- وقد قال -تعالى- في سورة الأنفال المتعلقة بالجهاد من أولها إلى آخرها:
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}
    فالاستجابة لداعي الجهاد بالمال أو النفس أو بهما معًا مِن أعظم أسباب الحياة الطيبة، في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد،فبالجهاد يعيش المؤمنون سعداء أعِزَّاء أو يموتون شهداء، وبالجهاد تتحقق كثير من المصالح للإسلام وأهله، وبالجهاد يُقْتَل أعداء الله، وقد قال الله في هذه السورة:
    {فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}
    وَلَمَّا كان قَتْلُ أعداءِ الله مشروعًا كان سببًا للحياة، كما قال الله -تعالى-:
    {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

    فللمؤمنين في الجهاد حياة، كما أن لهم في القصاص حياة، بل إن للمجاهدين حياة طيبة قبل يوم القيامة، وذلك على إثر مقتلهم،قال -تعالى-:

    {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ}
    وقال: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}

    ويمكن -فيما يظهر لي- أن تدخل تلك الحياةالمذكورة في هذه الآيات، يمكن أن تدخل في الحياة المذكورة في قوله -تعالى-:

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}

    فالمجاهِد مستجيبٌ لله وللرسول، فإذا قُتِل حييى حياة طيبة، كما يدخل فيها -أي في الحياة المذكورة في الآية -فيما يظهر لي- الحياة الأخروية -أيضًا- فالحياة الأخروية هي الحياة الحقيقية التامة الكاملة التي لا يَلْحَقُها زوال، ولا يَلْحَق أهلها فناء، قال -تعالى-:
    {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}
    والذي يؤكِّد ما استظهرتُه من دخولِ الحياة الأخروية في قول الله -تعالى- في الآية: {لِمَا يُحْيِيكُمْ} أنه لم يُقيِّده بقوله: في الحياة الدنيا، والله أعلم.
    فالمجاهد حيٌّ حياة طيبة على كل حال، والمتخاذل -فضلًا عن المخذِّل- محرومٌ من ذلك الفضل كله، والله المستعان.

    قلت:

    قد قلت هذا الكلام تفقُّهًا، ثم راجعتُ بعض التفاسير، فوجدت في تفسير القرطبي عند تفسير قوله تعالى-:
    {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}
    قوله:
    "وقال مجاهد والجمهور: المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي ففيه الحياة الأبدية، والنعمة السرمدية، وقيل: المراد بقوله: {لِمَا يُحْيِيكُمْ} الجهاد، فإنه سبب الحياة في الظاهر؛ لأن العدو إذا لم يُغز غَزَا وفي غزوه الموت، والموت والجهاد الحياةُ الأبدية قال الله -عز وجل-:
    {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ}
    والصحيح العموم كما قال الجمهور"

    قلت:

    فهذا لا ينافي ما ذَكَرنا -ولله الحمد والمنة-.

    ثم إنه ليس بين قول الجمهور وقول غيرهم ممن نقل القرطبي عنهم قولهم منافاة ولا تعارض، فليُتَفَطَّن.
    وقد نبَّه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على نفي التعارض في مثل هذا، وأقره عليه ابن كثير -رحمه الله- وسار عليه في تفسيره في غير ما موضع.

    وإليك ما يدل على تخذيل أصحاب البيان مِن بيانهم حيث قالوا:

    "... ألا وإنَّ من الاعتداءات المتكررة، ما هو حاصل من الحوثي وأتباعه على أهل السنة بدمّاج، ظلمًا وبغيًا وعدوانًا، فاضطرّ أهل السنة للدفاع عن أنفسهم وأهليهم وأموالهم، وهم يعتبـرون في ذلك مجاهدين في سبيل الله، وهذا ما يسميه أهل العلم بجهاد الدفع المأذون به شرعًا، ومَن قُتل منهم رجونا له الشهادة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد"
    ونحن ندعوا الدولة وفقها الله لكل خير بالقيام بما أوجبه الله عليها من نصرة المظلوم ودفع هذا الظلم والأخذ على يد الظالم ، وأن تحلّ القضية حلًّا تعصم به الدماء والأموال والأعراض ، وتؤمن السبل .
    ونهيب بالعلماء ومشايخ القبائل وأعيان الناس الخيّـِرين الصالحين، أن يقفوا مع الدولة لتحقيق ذلك .
    ونناشد الجميع بالله أن يعجّلوا بذلك، حيث وإخواننا في دمّاج قد مسّهم الضرّ .
    كذلك ندعوا الدولة والعلماء ومشايخ القبائل وأعيان الناس الخيّـرين، إلى أن يتعاونوا في إخماد كل فتنة في جميع المحافظات، ليعمّ الأمن والاستقرار جميع اليمنيين في ربوع اليمن، لقول الله تعالى :
    " وتعاونوا على البـرِّ والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوٰن واتقوا الله إن الله شديد العقاب "(المائدة:2)
    فإنّ الأمن والاستقرار من أعظم مقاصد الشريعة.
    ...
    ولكن من استطاع أن يذهب إلى دمّاج لدفع الظلم عن إخوانه فليفعل .
    وندعو أهل السنة في جميع المدن والقرى اليمنية من طلاب العلم وغيرهم إلى الاستمرار على طلب العلم والدعوة إلى الله، والرجوع إلى أهل العلم، والبعد عن الفتن، والمحافظة على دعوة أهل السنة والجماعة كلٌ بحسبه"ولينصرنّ اللهُ من ينصره إنّ الله لقويّ عزيز "(الحج:40)
    وأن يدعو لإخواننا في دمّاج أن يعجّل الله لهم الفرج،وأن يكشف ما بهم من ضرٍّ...
    مكة ليلة 1434/12/15 هــ
    كتبه ...
    محمد بن عبدالوهاب الوصابي / محمد بن عبدالله الإمام.
    محمد بن صالح الصوملي / عبدالله بن عثمان الذماري.
    عبدالعزيز بن يحيى البرعي".

    قلت:
    لم يُشِر البيان من قريب ولا من بعيد، ولا مِن طرف جلي ولا خفي إلى وجوب اللحاق بجبهات القتال المفتوحة لاستقبال المجاهدين لقتال الروافض، مِن أمثال جبهة كتاف بوائلة التي كانت السبب الأعظم -بعد توفيق اللهوفضله- في رفع الحصار عن إخواننا في دماج في الحرب السابقة، وفي هزيمة الرافضة هزيمة منكرة، إلى غير ذلك من الجبهات -حرسها الله-.
    ولاشك في وجوب اللحاق بجبهة كتاف وغيرها من الجبهات المتاحة والمهيأة الآن لجهاد الروافض من أجل الضغط عليهم لرفع الحصار عن إخواننا في دماج، ومِن أجل إيقاف ضرباتهم لإخواننا هناك بشتى أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة.

    أقول:

    لاشك في وجوب هذا اللحاق بمثل تلك الجبهات وجوبًا مؤكَّدًافوريًّا بلا تمهُّلٍ ولا تراخٍ،
    فالمقام يستوجب المبادرة والإسراع والتعجيل بجهادالدفع؛ دفعًا للضرر ورفعًا له، وهذا -أعني اللحاق بتلك الجبهات- هو المستطاع الذي لا يمكن رفع الحصار ودفع بغي الرافضة على إخواننا الآن إلَّا به، وقد أَمَرَ الله بفِعْل المستطاع من تقواه فقال:
    {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
    فَتَـرْكُ الإشارةِ في هذا البيان -فضلًا عن التصريح- إلى سلوك هذا السبيل الممكن الذي يقتضيه مقام جهاد الدفع هو مِن أعظم الخِذلان والتخذيل عن القيام بواجب جهاد دفع الرافضة عن حصارهم لإخواننا في دماج،وبغيهم عليهم.

    أرأيتَ لو أن داءً
    أو سببًا للداء كهذا الذي يسمى بالميكروب أو الفيـروس،هاجَم أو أصاب عضوًا ما من الأعضاء كالقلب -مثلًا- فأصابه، ولم يمكن دفع أذى وضرر هذا الداء عن هذا العضو المهاجَم أو المصاب مِن جهة هذا العضو نفسه، وأَمْكَن هذا الدفع من جهة أخرى ومكان وعضو آخر، ولم يمكن سوى ذلك الدفع -بالنظر إلى الواقع- إذ إنه هو المتاح والممكن والمستطاع، أليس يكون واجبًا متعيِّنًا على الطبيب أن يقوم بدفع هذه المهاجمة، ورَفْعِ هذه الإصابة بإبطال مفعول هذا السبب المهاجِم المتسبب في إصابة هذا العضو، ولا يجوز العدول أو السكوت عن هذا السبيل في العلاج وفي دفع هذا الداء ورفعه عن هذا العضو، ولا إخفاء ولا كتمان بيان هذا السبيل الممكن؟!
    إذ إنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة تحت دعوى مناشدة وزارة الصحة أو منظمة الصحة العالمية -مثلًا- بأنْ تعالِج هذا الداء، والله أعلم هل ستستجيب لهذه المناشدة؟ أمر يكون أو لا يكون، خاصة إذا كانت تلك الوزارة أو المنظَّمة قد نوشِدَت من قبل لعلاج هذا الداء نفسه في هجوم سابق على ذاك العضو نفسه، فلم تستجب ولم تفعل، وقد تم البُـرء منه ودفعه ورفعه، والشفاء منه بفضل الله، ثم بسلوك السبيل الممكن والمتاح والمستطاع في علاج هذا الداء في حينه وأوانه، لا بسبيل الوزارة ولا تلك المنظمة.
    أليس إعراض الطبيب عن سلوك مثل هذا السبيل الممكن وعدم الأخذ بالأسباب الممكنة، واللجوء إلى مناشدات تتحقق أم لا، ويستجاب لها أم لا، وإلى اقتـراح معالَجات لا تفي بالمقصود، أليس كل هذا يُعَدُّ قدْحًا من هذا الطبيب في الطب؛ إذ تَرَكَ الأسباب الطبية الممكنة، وأحال على محال أو متعذِّر أو عَسِر أو محتمل، أوغير موفٍ بالمقصود؟!
    أليس هذا المسلك من هذا الطبيب يُعَدُّ قدْحًا في عقله ونقصًا فيه؟!
    ويُعَدُّ حماقة وغباوة وبَلادَة منه -في أحسن أحوالِه-؟!
    أليس هذا المسلك من هذا الطبيب يُعَدُّ غِشًّا منه، وخيانة للأمانةالطبية المنوطة به، ويُعَدُّ عدم نُصْحٍ لهذا المريض من هذا الطبيب -في أسوأ أحواله-؟!
    اللهم بلى.

    فهذا المَثَل الذي ضربناه هو مَثَلُ أصحاب هذا البيان، وحالهم كحال هذا الطبيب -إنْ صـح أن يسمى طبيبًا- فهل مِثلُ هذاالطبيب الأحمق الغبي البليد -في أحسن أحواله- الغاش، الخائن للأمانة، الكتوم للنصيحة للمريض، التارِك للواجب عليه تجاهه -في أسوا أحواله-؟! هل يصح أو يصلح أن يكون مثل هذا طبيبًا معالِجًا، عالِمًا بالطب،مَرْجِعًا فيه عمومًا، وفي نوازل الطب خصوصًا؟!

    اللهم لا.

    وكذلك أصحاب هذا البيان، فإنهم لا يَخرجون عن أحد حالي هذا الطبيب في بيانهم هذا، بل هم متهمون بأسوأ الاتهامَين، وموسومون بأسوأ الحالَين، بل هم أسوأ من هذا الطبيب بمراحل، ذلك؛ لتعلُّق أمرِ تخذيل أصحاب هذا البيان بدين ودماء وأعراض وأموال طائفة عظيمة من المسلمين بأرض دماج، وهي طائفة أهل السنة والحديث والعلم والإيمان والتقوى -فيما نحسبهم والله حسيبهم، ولا نزكي على الله أحدًا- والجهاد لأعداء الله عمومًا بالبيان، والجهاد لأعداء الله الرافضة بصعدة بشمال اليمن، وذلك بالسنان والبنان واللسان.


    وهذا الموقف التخذيلي من هؤلاء القوم اليوم هو موقفهم بالأمس في الحرب السابقة، إن لم يكن أسوأ من سابِقِه في التخذيل، وقد أكَدُّوا تخذيلهم هذا بقولهم في جديد بيانهم، وحديث تخذيلهم:

    "وندعو أهل السنة في جميع المدن والقرى اليمنية من طلاب العلم وغيرهم إلى الاستمرار على طلب العلم والدعوة إلى الله، والرجوع إلى أهل العلم ، والبعد عن الفتن، والمحافظة على دعوة أهل السنة والجماعة كلٌ بحسبه)
    فمَن مِن الناس إذًا أبقاه أصحاب هذا البيان لجهاد الروافض ؟!
    فالقوم -والله- مخذِّلون متخاذلون معوِّقون عن جهاد الرافضة، فما أشبههم بمن قال الله فيهم:
    {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا}
    فكيف بمَن لا يأتي البأسَ قليلًا ولا كثيرًا؟!


    هذا،

    وقد قال العالِم المجاهِد ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله-:
    "وعلى الحكومة اليمنية وإخوانهم من أهل السنة أن ينهضوا معهم لمواجهة هذا الطغيان والقضاء على أهله، وتخليص المسلمين من رجس هؤلاء الروافض إناستطاعوا ذلك
    {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }
    {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ}
    إن الصراع بين أهل السنة والروافض الباطنية صراعٌ بين الكفر والإسلام،فعلى أهل السنة في كل مكان في اليمن وغيـره أن يهبوا لنصرة إخوانهم، ونسأل الله أن يقطع دابر الروافض الباطنية وكل أعداء الإسلام في كل مكان"

    قلت:

    هذا الكلام الواضح الصريح من الشيخ -سدد الله خطاه- يتضمن الرد البليغ على ما تضمنه بيان القوم من تخذيل في قولهم:

    " ولكن من استطاع أن يذهب إلى دمّاج لدفع الظلم عن إخوانه فليفعل .
    وندعو أهل السنة في جميع المدن والقرى اليمنية من طلاب العلم وغيرهم إلى الاستمرار على طلب العلم والدعوة إلى الله، والرجوع إلى أهل العلم، والبعد عن الفتن، والمحافظة على دعوة أهل السنة والجماعة كلٌ بحسبه"
    فجزى الله الشيخ ربيعًا خيرًا على نصرته أهل السنة في دماج.

    هذا، وليس لأصحاب هذا البيان عذر في تخذيلهم هذا، فالحجة قائمة عليهم بالكتاب والسنة، وفتاوى العلماء، وردود أهل العلم المدعومة بالأدلة من الحرب السابقة إلى اليوم.

    ولا تظن أننا تقوَّلنا على أصـحاب هذا البيان، وإنما آخذناهم بقولهم وصنيعهم قديمًا وحديثًا، وهذا بيانهم شاهد عليهم، فأَمْرُهم كما قال ابن القيم -رحمه الله-:
    يامَن يَظُنُّ بأننا حِفْنَا عليهم*** كُتْبُهُم تُنْبِيكَ عَن ذا الشانِ

    (المخذِّل مفتونٌ ومُعينٌ على الفتنة)

    اعلم -رحمني الله وإياك- أن المجاهِد ساعٍ في إطفاء الفتن والقضاء عليها بخلاف المخذِّل، فقد قال الله -عز وجل-: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}
    وقال:
    {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّـى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}
    فمَن خالَف هذا الأمر المذكور في الآيات بالتخذيل عن جهاد أمثال هؤلاء، فهو فاتن مفتون، قال الله -عز وجل-:
    {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

    قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية:

    "وقوله:
    {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}
    أي عن أَمْر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته، فتوزَن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافَق ذلك قُبِلَ وماخالَفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنًا مَن كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال:
    «مَن عمل عملًا ليس عليهأمرنا فهو رد»
    (1)أي فليحذر وليخشَ مَن خالف شريعة الرسول باطنًا وظاهرًا.
    {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك " انتهى

    قلت:

    فمَن خالَف أَمْر رسول الله فقد خالَف أمر الله، ومَن خالف أمر الله فقد خالف أمر رسول الله، ومَن خالف أمْر الله ورسوله فهو مفتون واقعٌ في الفتنة ويجب عليه أن يحذر مما هو أعظم منها -من الفتنة- كالشرك والكفر، كما قال الله-:

    { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيـرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَـرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَـرُ مِنَ الْقَتْلِ}

    وبهذا تعلم مدى إمعان أصحاب البيان في الإجمال في بيانهم -والإجمال في المقال مع اقتضاء المقام للبيان هو سبيل أهل البدع- وتعلم مدى تخذيلهم في بيانهم هذا الذي هم فيه أعون للرافضة منهم لأهل السنة، حيث قالوا فيه:

    " وندعو أهل السنة في جميع المدن والقرى اليمنية من طلاب العلم وغيرهم إلى الاستمرار على طلب العلم والدعوة إلى الله، والرجوع إلى أهل العلم، والبعد عن الفتن، والمحافظة على دعوة أهل السنة والجماعة كلٌ بحسبه"

    قلت:

    فالفتنة هي في التخذيل عن اللحاق بجبهات القتال المفتوحة لمَن أحَبَّ اللحاق بها تحت ستار دعوة جميع أهل السنة إلى الاستمرار على طلب العلم والدعوة إلى الله والرجوع إلى أهل العلم، وقد عُلِمَ من مواقفهم التخذيلية السابقة أنهم كانوا يخذِّلون عن اللحاق بمثل تلك الجبهات في الحرب السابقة، وهم يؤكدون هذا التخذيل في هذا البيان تحت الستار المذكور وتحت ستار البعد عن الفتن والمحافظة على دعوة أهل السنة والجماعة كلٌّ بحسبه -زعموا-.

    فهذا البيان منهم أشأم بيان؛ حيث إنه مبنيٌّ على التخذيل بطريق الإمعان في الإجمال في المقال،
    وقد قال ابن القيم -رحمه الله- في كافيته وشافيته:

    فعليــــك بالتميــــــيز والتبييـــن فــــــالــ ***الإطلاق والإجمال دون بيانِ
    قدأفسدا هذا الوجود وخبَّطا الــ*** الأذهــــــان والآراء كـــــل زمــــــــــــان


    وقال:
    فعليك بالتفصيل إن هم أطلقوا*** أو أجمـــلـوا فعليــك بالتبيــــان
    فموقفهم وبيانهم هذا في هذه الحرب أشأم وأخطر وأضر من مواقفهم وبيانهم في الحرب السابقة لجلاء موقفهم التخذيلي في الحرب السابقة وخفائه هنا، وقد عُلِم أنَّ الشر كلَّما اشتد خفاؤه اشتد خطره وضرره وشؤمه.

    (خطر الرافضة على الإسلام وأهله)

    هذا، وَلْيُعْلَم أن الحرب القائمة الآن ليست حربًا بين بلدين أحدهما قوي والآخر ضعيف يريد أن يتغلَّب القوي عليه لمجرد قوة وضعف، وليست حربًا بين قليل وكثيـر، يريد الكثيـر أن يحوز عليه وأن يضمَّه ويحوزه إليه لمجرد قلة وكثـرة، وإنما الأمر أعظم من ذلك، ومما يدور هنالك، فهي حرب بين حق وباطل وأهل كلٍّ، وبين زندقة ونفاق ورفض من جهة، وقرآن وسنة وإيمان من جهة أخرى، وأهل كلٍّ، ورقعة الحرب ليست مقتصرة عند الباغي على الحق وأهله بأرض دماج، وإنما المقصود الحرب على الإسلام وأهله، وعلى السنة وأهلها بكل بقعة ورقعة بأرض الله.

    (حثُّ أهل الإسلام على الدفاع عن الإسلام)
    وإذا عُلِم عِظَم الخَطْب عُلِم عِظَم خطر تخذيل المخذلين، فالله الله -معشر المسلمين- في الإسلام والسنة ومذهب السلف، ولا عُذر لكم -معشر اليمنيين- عند الله إن خَلصَ الرافضة إلى أهل السنة ومذهبهم بسوء وأنتم قادرون على أن تمنعوا ذلك، وَتَحُولُوا دون وصول الرافضة إلى أهل السنة بدماج أو بغيرها بأدنى أذى أو بأي أذى، فهبُّوا هَبَّة رجل واحد، وكونوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، وانفروا لمقاتلة أعداء الله الرافضة البغاة في عقر دارهم، فإنهم لو تمكَّنوا وَأَتَوْكم في دياركم لَسَلَبوا وغَصَبوا أموالكم، وانتهكوا أعراضكم، وروَّعوكم، وبَدَّلوا أمنكم خوفًا، وجعلوا حياتكم تَعْسًا وضنكًا، وَلَأفسدوا عليكم دينكم، وفعلوا بكم الأفاعيل، وبَدَّلوا عزكم ذلًّا،فـ {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}

    (إساءة الظن بالرافضة)

    وإياكم وإحسان الظن بالرافضة، فإنه لا يُحسن الظن بالرافضة إلَّا غبـي أو غوي، وارفضوهم كما رفضوا أهل الحق.

    (قيام سوق الجهاد)
    واعلموا أن الجهاد سوق قائم اليوم، يربح فيه مَن يربح، ويخسر فيه من يخسر، وياله من ربحٍ!! ويالها من خسارة!! فكونوا عباد الله رابحين غانمين، وإياكم أن تكونوا من الخاسرين أو المغبونين أو الغارمين، وعيشوا أعزة كرامًا، أو موتوا شهداء بررة، وعيشوا على ما عاش عليه أسلافكم الأخيار من المهاجرين والأنصار الذين نصروا الله ورسوله، وموتوا على ما ماتوا عليه ففازوا برضوان الله، والنعيم المقيم بدار القرار.

    (إثم عموم المسلمين إذا لم يَقم بعضهم بالفرض الكفائي في جهاد الرافضة)

    هذا، ولْيُعلَم
    أنه لا يجوز لأهل القدرة باليمن على دفع بغي الرافضة عن إخواننا أهل السنة بدار الحديث السلفية بدماج بصعدة باليمن، لا يجوز لهم أن يتخاذلوا عن القيام بما أوجَب الله عليهم -حكامًا ومحكومين- مِن دَفْع هذا البغي الرافضي الخبيث لأي مقصد لا يُغني عن صاحبه يوم القيامة شيئًا، فإنَّ من الأمانة قيامَ العبد بما أوجب الله عليه من دفع بغي الباغي عن المبغي عليه.
    وكلٌّ بحسبه، فيجب على القوي مالا يجب على الضعيف، ويجب على القادر مالا يجب على العاجز، ولاشك في أن الجيش اليمني داخلٌ في هذه القدرة دخولًا أوليًّا وأولويًّا.

    (جهاد الرافضة أمانة، وتركه خيانة)

    وإنَّ من الخيانة
    تَرْكَ العبد القيام بما أَوْجَبَ الله عليه من ذلك مع قدرته على القيام به، وقد نهى الله عن خيانة الأمانة في سورة الأنفال التي فيها الأمر بالتحريض على الجهاد،والأمر بإعداد عُدَّة الجهاد، فقال:
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}
    وهذا يدل على أن الجهاد مِن أعظم الأمانات التي يجب أداؤها، والقيام بها، ولا يجوز خيانتها، ثم قال:
    {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}
    فلا يجوز التلهِّي بالأموال والأولاد عن الجهادالواجب في سبيل الله، فإن التلهِّي بذلك عنه فتنة للمفتونين.
    وقد جعل النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-خيانة الأمانة من آية النفاق، فقال -كما في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-:
    «آية المنافق ثلاث، إذا حدَّث كذب، وإذاوَعَدَ أَخْلَف، وإذا اؤتمن خان»
    رواه البخاري برقم: (33) ومسلم برقم: [107- (59)].
    والخائن مأخوذٌ، ومقدورٌ عليه، ومُمْكَنٌ منه، قال -تعالى-:
    {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}

    قلت:

    ولاشك في كَوْن الرافضة وغيرهم من البغاة المحاربين وجواسيسهم خَوَنَة، فلهم نصيب من هذه الآية.


    (الجهاد عزٌّ، وتركه ذل)
    إنَّ تَرْك الجهاد سببٌ للهَلَكة وإدالة أعداءالإسلام على أهل الإسلام، وسبب للذل والصغار، قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
    «إذا تبايعتم بالعِينَة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سَلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»
    الحديث في صحيح الجامع برقم (423) مرموزًا له برمز أبي داود وغيره عن ابن عمر -رضي الله عنهما-.
    والذلُّ والمسكنة وَصْفٌ لليهود، قال -عز وجل-:
    {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ من اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ من اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ }
    فمَن صار ذليلًا بمعصيته كان فيه شبه باليهود المساكين الأذلة، الذين تركوا العمل بما علِموا.

    (التارك للجهاد الواجب شبيهٌ ببني إسرائيل)

    هذا، وإن مَن ترك الجهاد الواجب عليه كان فيه شبه ببني إسرائيل الذين تركوا ما أوجب الله عليهم من ذلك، حيث قال الله عنهم:
    {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}

    (حقارة الرافضة)

    هذا، ولا يجوز لأهل الإسلام باليمن أن يَقْدروا قوة الرافضة فوق قدرها، ولا أن يتجاوزوا بها حدَّها، ولا أن يَستعظِموا قوة الرافضة استعظامًا يمنعهم من القيام بما أوجبه الله عليهم وأقدرهم عليه من جهاد هؤلاء الرافضة البغاة، ولا أنْ يَنكِلوا عن جهادهم، فإن أهل الإسلام باليمن أضعاف الرافضة، وعندهم من السلاح ما يُرهِبون به أهل الرفض، ويجاهدونهم به، فمَن نَكَلَ عن جهادهم ولم يُجِب داعيَ الجهاد -وشأنه ما ذُكِر-كان فيه شبه ببني إسرائيل، وخُشي عليه من سوء عاقبته كالوقوع في التِّيه في الأرض كوقوع بني إسرائيل في تِيههم حيث لم يستجيبوا لأمر موسى إياهم بدخول الأرض المقدسةمع ما آتاهم الله -عز وجل- قال الله -عز وجل-:

    {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ * يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}
    فمَن خالَف أمر الله بجهاد أعدائه، تخبَّطَ في حاله، وتحيَّر في مقاله، وضلَّ في سعيه، فهو في تِيهٍ ولو كان في عقر داره، وقد قال الله في المنافقين:
    {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلًا * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا }

    (ماذا يكون لوتمكَّن الرافضة باليمن؟)

    هذا، ويجب على أهل الإسلام أن يُعِزُّوا ويُعَزِّزوا دولة الإسلام والسنة، وأهل الإسلام والسنة، ويُذِلُّوا أهل الزندقة والنفاق من الروافض شيعة الشيطان، وألَّا يكونوا سببًا لتمكينهم في الأرض، فإن الرافضة في صعدة لو تمكَّنوا من إعلان استقلال محافظة صعدة أو غيرها عن حُكْم اليمن، وتمكنوا مِن جَعْلِها دولة رافضية مستقلة لَفَعلوا،ولَصَاروا شوكة في ظهر بلاد اليمن من جهة الشمال، وشوكة في ظهر بلاد الحرمين من جهة الجنوب، وَلَأصبحت تهدِّد أمن المنطقة بأسرها، وَلَأصبح أهل السنة ذليلين تحت وطأة حكمهم، تابعين لدولتهم بعد أن كانوا أعِزَّةً حاكمين لهم، وياله حينئذٍ مِن ذل!! -أعاذ الله أهل السنة من ذلك- .

    إن الرافضة
    لو أعلنوا استقلالهم عن حُكْم اليمن، وجعلوا أنفسهم دولة مستقلة ذات حكم مستقل وسيادة، لرأيتَ المنظمات الدولية والهيئات العالمية التي يرأسها بلاد الكفر تهرول زرافاتٍ ووحدانًا إلى الاعتراف بها، وَدَعْمها كَيْدًا للإسلام وأهله، وما أمْر انفصال دولة جنوب السودان عن السودان الإسلامية الكبرى، ووقوعها تحت حُكْم النصارى، ما أَمْر ذلك مِنَّا ببعيد، وأي عاقل أو حر يرضى لنفسه أن يُغَلَّ بأغلال الرافضة أو أن يُشَدَّ بوَثاقها؟!
    فجاهِدوا الرافضة الزنادقة -أعزكم الله-.

    يُتبَع إن شاء الله


    [1]-قلت: لفظ الصحيحين: «مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهورد» أمَّا هذا اللفظ فقد رواه مسلم في صحيحه ورواه البخاري في صحيحه معلَّقًا بصيغة الجزم، فليس هو على شرط البخاري في صحيحه، واللفظان كلاهما من حديث عائشة-رضي الله عنها-.
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله أسامة بن محمد; الساعة 15-11-2013, 08:55 AM.

  • #2
    (حُرْمة تقليد المخذِّلين)

    واعلموا أنه
    لا يَبلغ الناس من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه، فالذين يُخَذِّلون عن جهاد الرافضة من أمثال أصحاب البيان المشئوم يجهلون مصلحة أنفسهم، ويَضُرون أنفسهم قبل أن يَضروا غيرهم ممن يقلدهم بغير علم، وقد آخذ الله المقلِّدين في كتابه كما آخذ المقلَّدين،مِن ذلك قوله -تعالى-:
    {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}
    وقوله -تعالى-:
    {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَاكَانُوا يَعْمَلُونَ}
    وقوله -تعالى-:
    {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا *خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوارَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}

    فقَبول قول مَن ليس بحجة بلا حجة صحيحة حرام، ويُعَدُّ القابل لذلك مقلِّدًا مذمومًا، وكل أحدٍ دون الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فليس كلامه حجة، مالم يقم على كلامه الحجة والبرهان من الكتاب والسنة، فلا عذر للمقلِّد في ترْك الدليل إلى قول أي أحدٍ كائنًا من كان.

    وقد قام الدليل في هذا الجهاد وسابِقه على مخالفة أصحاب مثل هذا البيان للأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، الآمرة بالجهاد والذامَّة للمخذِّلين عنه، فالرافضة لا يزالون يقاتلون أهلَ السنة، ولا يزال أهل التخذيل يخذِّلون عن مقاتلتهم بأسلوب أو بآخر .


    (رجاؤنا النصر العزيز لإخواننا)

    هذا، وإن رجاءنا من الله
    أن يَنصر إخواننا أهل السنة بدماج وغيرها ببلاد اليمن في حربهم ضد الرافضة في هذه الأيام نصرًا أعظم من نصرهم في سابقتها من الحروب على الرافضة، أقول:
    إن رجاءنا هذالمعقود من جهتين
    الأولى:
    أن المستقيم على السنة والثابت عليها والمهتدي بها يزيده الله هدى واستقامة وثباتًا وتقوى، قال الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْازَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}
    ومَن كان شأنه كذلك زاده الله نصرًا على عدوه، وهكذا ينتقل أهل السنة والإيمان من نصر إلى نصر هو أعظم من النصر الأول.

    (الابتلاء بشيرالنصر، كالرياح بشير الغيث، بل كالمخاضِ -أي كالطَلْق- بشير الوَضْع)

    فإذا كانت سنة الله الكونية جارية بابتلاء عباده للمؤمنين، فإن الله -عز وجل- يمكِّن لهم بعد ابتلائهم، كما مكَّن لهم بالمدينة بعد أن كانوا مستضعفين بمكة، وهم في الحالَين -حال الضعف وحال القوة- منصورون، وقد يبتلى المؤمنون في مقام واحد في أوله وأثنائه، ويمكَّن لهم في آخره،كما هو الشأن في غزوة الأحزاب، فقد قال الله -عز وجل-:
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا
    }
    إلى أن قال:

    {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}
    وقال بشأن غزوة أحد:

    {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِمَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْتُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}
    وقال بشأن غزوة حنين:

    {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًالَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌرَّحِيمٌ}

    فأمْر المؤمنين كما قال الله:
    {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} في موضع من كتاب الله و{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} في موضعين منه، وقال: {إنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} في موضعٍ آخر، وما ذَكَرَ الله العاقبة في موضعٍ إلَّا ذَكَرَ قبلها الصبر أو الاصطبار، فقدقال -عز وجل- في سورة طه:

    {
    فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى * وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌوَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَانَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}


    وقال في سورة الأعراف:

    {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّافَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}
    وقال في سورة القصص:
    {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ *وَقَالَ الَّذِينَ أُتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَابِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}
    وقال في سورة هود:

    {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ *تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}

    قلت:
    فما مِن موضعٍ مِن هذه المواضع إلَّا وذُكِرَ فيه الصبر، والصبر له أنواعٌ ثلاثة، صبر على الطاعة، أو اصطبارٌ عليها كالصلاة، وصبر على المقدورات المؤلمة كالصبر على أذى خصوم الحق لأهل الحق بالقول أو بالفعل،وصبر عن المعصية كالافتتان بالدنيا، وهذه الآيات تدل على أنه بالصبر تحصل تقوى الله التي لها العاقبة ولأهلها -أي التقوى- المتقين، بيان ذلك أن تقوى الله هي العمل بالهدى الذي هو العلم، والتقوى غير الهدى، يدل على ذلك قوله -تعالى-:
    {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}
    فالهدى شيء والتقوى شيء آخر؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، وإذا كان الهدى هو العلم، فإنَّ التقوى غيره، وهي العمل بهذا العلم، وهي التي تكون العاقبة لها ولأهلها المتقين.

    ولَمَّا كان الصبر مذكورًا في الآيات السالِفات قبل ذِكْرِ العاقبة التي جعلها الله للتقوى ولأهلها، دلَّ ذلك على أن الصبر تقوى، وأنَّ العاقبة له -أي للصبر-.

    وكذلك لَمَّا كان الصابرون مذكورين قبل ذِكْر العاقبة التي جعلها الله للمتقين، دلَّ ذلك على أن الصابرين متقون، وأن العاقبةلهم -أي للصابرين-.

    فلا عاقبة بلا تقوى، ولا تقوى بلا صبر، وبناءً عليه فلا عاقبة بلا صبر.

    وإذا كان الهدى هو العلم، والتقوى هي العمل بهذا العلم، دلَّ ذلك على أن جَعْل العاقبة للتقوى في الآيات السالفة الذِكْر هو بمعنى جَعْلِ العاقبةِ للعامِلين بعلمهم، ومفهوم ذلك أنَّ غير المتقي -وهو الذي لايعمل بعلمه، أو يعمل بخلافه- ليست العاقبة له.

    هذا، وقد يقال في فتوى عالِم: "
    خالَفَتْ فَتْوَاه تَقْوَاه" أي خالَف قولُه عملَه، وعلى هذا فالتقوى غير الفتوى.

    إذا عُلِمَ هذا فليُعلَم أن الابتلاء بالمؤلمات حاصلٌ للمؤمنين مِن قِبَل أعدائهم، وأن تحقيق الصبر بأنواعه الثلاثة في جهادهم مطلوب،فمَن حقَّق ذلك كانت العاقبة له، وقد قيل:
    لن تبلغ المجد حتى تَلْعَق الصَبِرا.

    وقد قال الله -عز وجل-:
    {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}
    وقال:
    {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}
    وقال:
    {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}
    وقال:
    {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}
    وقال:
    {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُلِلْمُتَّقِينَ * قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}

    (وجوب إحسان الظن بالله)


    فعلى المجاهِد أن يحسِّن الظن بقائده الذي يقوده بالسنة، ويؤمُّه بها، وعليه أن يحسِّن الظن بربه ولا يسيء به الظن، فقد قال الله -عز وجل- عن المخلَّفين من الأعراب:

    {بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا}
    وقال بشأن ظن أعداء الله أصحاب النار:

    {وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُ ممِّنْ الْخَاسِرِينَ}

    وروى البخاري في صحيحه
    برقم:(7405) ومسلم برقم: [1-(2675)] عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:
    قال النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
    «يقول الله -تعالى-: أنا عند ظن عبدي بي»

    وقد قال الله -عز وجل-:
    {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}

    فالقتال كُرْه للمؤمنين عمومًا، وإذا كان كرهًا للمؤمنين في زمن نزول الوحي، فكيف بما بعده؟!
    فلا يزال القتال كرهًا منذ شرعه الله -عز وجل-فهو كُرْهٌ في كل مواضعه ولا يشعر العبد بلذة الظفر والنصر تمام الشعور ،ولا يقدره حق قدره إلَّا بعد الابتلاء والتمحيص، كما لا يقدر العبد الحلوى -حق قدرها- إلَّا بعد ذَوْق مرارة الشيء المر كالحنظل والعلقم، وكما لا يقدر العبد نعمة الصحة حق قدرها إلَّا بعد ابتلائه بالمرض، وقد قيل:
    والضدُّ يُظْهِر حُسْنَه الضدُّ.
    وقيل: وبضدها تتميز الأشياء.


    (وما النصر إلَّا من عند الله)

    فلابد من الابتلاء تمحيصًا من الله للمؤمنين،لا مقتًا منه لهم، بل يبتليهم ليمحصهم، ويتخذ منهم شهداء، وحتى يحققوا التوكُّل على الله، ولا يغتروا بالأسباب، ولا يركنوا إليها، وإن كان واجبًا عليهم الأخذ بها، وحتى يعلموا أن النصر من عند الله حقًّا، وحتى لا يغتروا بنصرٍ سابقٍ-فالمؤمن يُسَرُّ ولا يغتر- وإنما عليهم الجهاد والصبر كما جاهد وصبر أسلافهم، فلا يجوزالاغترار بشجاعة ولا طاعة، ولا عدد ولا عُدَّة، ولا يجوز التطيُّر بالابتلاء، وقدقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- :
    «لا عدوى ولا طِيَرة»
    متفق عليه من حديث أبي هريرة.

    وقد روى مسلم في صحيحه برقم:
    [64-(2999)] عن صهيب قال:
    قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- :
    «عَجَبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إنْ أصابته سرَّاء شَكَرَ فكان خيرًا له، وإنْ أصابته ضَرَّاءصَبَرَ فكان خيرًا له»

    وروى مسلم أيضًا برقم:
    [53-(2575)] من حديث جابر بن عبدالله أن رسول الله -صلىالله عليه وعلى آله وسلم- دخل على أم السائب أو أم المـُـسيَّب فقال:
    «مالَكِ يا أم السَّائب!أو يا أم المسيَّب! تزفزفين؟»قالت: الحمَّى لا بارك الله فيها، فقال:
    «لا تسبي الحمَّى،فإنها تُذهب خطايا بني آدم كما يُذهِب الكيرُ خَبَثَ الحديد»


    (تمام النصر مع تمام التقوى)

    وتدبَّر وَصْفَ
    الله لنصره رسوله في أواخر حياته بأنه نصرٌ عزيز، حيث قال -عز وجل-:
    {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}

    فأكَّد الفتح تأكيدًا، وبيَّن نوعه بأنه مبين، وكان هذا الفتح -ألا وهو صلح الحديبية- في العام السادس من الهجرة، ولم يُذْكَر غفرانُ ما تقدَّم من ذنب النبي وما تأخَّر مصرَّحًا به في كتاب الله إلَّا في هذاالسياق، وَذَكَرَ إتمام النعمة عليه فيه -أيضًا- كما ذكر فيه -أيضًا- هدايته إياه صراطًا مستقيمًا، ووصف نصره إياه بأنه نصر عزيز.

    وقد ذَكَرَ الله الفعل (فتح) ملحقًا به ضمير(نا) الدال على عظمة الله -سبحانه وتعالى- وعظمة صفاته، والدال بدوره على عظمة هذاالفتح.
    وتدبَّر التصريح
    بلفظ الجلالة
    {اللَّه} عند ذِكْر نصره إياه دون إضمار بما يؤكِّدُ شرف هذا النصر وعظمته وعلو قدْره، فالأصل الغالب في زيادة المبنى أنها تدل على زيادة المعنى، وقد جاء ذِكْر لفظ الجلالة مصرَّحًا به في سياق ذِكر النصر في غير ما آية من كتاب الله، كقوله:
    {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}
    وقوله: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عند اللهِ} في موضعين من كتاب الله، وقوله: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ ...} الآية،
    وقد جمع الله في هذا الموضع من سورة الفتح بين الفتح والنصر على الوجه الذي علمتَ، وقد جمع بينهما في سورة النصر بقوله:
    {إِذَاجَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} مضيفًا النصر إليه صراحةً دون إضمار، وذَكَر الفتح في سورة النصر معرَّفًا بـ "ألـ" بما يدل على كمال هذا الفتح وعلو قدره وعظمته وشرفه، وأنه -فتح مكة، فإنه الفتح المعهود المعروف المشهور، وقد جاء في صحيح مسلم ما يدل على أنه فتح مكة.

    ولعل من الحكمة في تقديم الله للفتح على النصر في سورة الفتح وتأخير الفتح على النصر في سورة النصر تأخُّر فتح مكة، وَتَقَدُّم الفتح الأول وهو صلح الحديبية،والله أعلم.

    وقد ثبت في صحيح البخاري
    برقم: (4970) أنَّ عمر وابن عباس فَهِما من سورة النصر -وهي من آخر ما نزل من القرآن، كما في التفسير- أنها حضور أجل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فعن ابن عباس قال:
    كان عمر يُدْخِلُني مع أشياخ بدرٍ، فكأن بعضهم وَجَدَ في نفسه، فقال: لِمَ تُدْخِلُ هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مِن حيث عَلِمتم، فدعاه ذات يوم فأدْخَله معهم، فما رُئيتُ أنه دعاني يومئذٍ إلَّا لِيُرِيَهم، قال: ما تقولون في {إِذَاجَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}؟
    فقال بعضهم: أُمِرْنا أنْ نَحْمَدَ الله ونستغفره، إذانُصِرنا وفُتِحَ علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟
    فقلت: لا، فقال: فما تقول؟ قلتُ: هو أجل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أَعْلَمَه له، قال: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} وذلك علامة أجلك {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا *فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}
    فقال عمر: ما أعلم منها إلَّا ما تقول.

    وروى مسلم في صحيحه
    برقم: [220-(484)] عن عائشة قالت:كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يُكثِر مِن قول:
    «سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه»
    قالت: فقلت: يارسول الله! أراك تُكْثِر مِن قول: «سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه»
    فقال:
    «خَبَّرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذارأيتُها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها {إِذَا جَاء نَصْرُاللَّهِ وَالْفَتْحُ} فتح مكة {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}».

    قلت:
    فهذا مما يدل على أن أعظم النصر وأعظم الفتح كان في أواخر حياة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالنسبة لما قبلها،فكمال الدين وتمام النعمة يورِّثان تمام النصر وكماله.

    فنسأل الله أن يرزق إخواننا المجاهدين تقوى بعدتقوى، وتقوى فوق تقوى، وأن يَنصرهم نصرًا بعد نصر، ونصرًا فوق نصر، وفتحًا بعدفتح، وفتحًا فوق فتح، وأن يَفتح عليهم بلدة صعدة الرافضية وسائر بلاد الرفض بالسنة وسيفها، بعز عزيز أو بذل ذليل.


    (عِظَم جزاء المجاهدين)

    ومن باب الشيء بالشيء يُذكَر
    ،
    فقد قال -تعالى- بعدُ:
    {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا حَكِيمًا * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عند اللهِ فَوْزًا عَظِيمًا}
    فوصَف الله جزاءه هاهنا للمؤمنين بالعظمة، ووعدفي السورة نفسها المؤمنين المبايعين على الجهاد والموت الأجر العظيم -أيضًا- فقال:
    {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}
    ووعدالله المؤمنين الذين مع محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو في سياق وصفهم بالشدة على الكفار، وَعَدَهُم المغفرة والأجر العظيم، فقال:
    {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}
    إلى أن قال:
    {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}
    وهذا ونظائره يحدو بالمسلمين إلى التنافس في أبواب الجهاد، وإعداد العدة والإغلاظ على العدو المحارب، وبذل النفس والمال في سبيل الله.

    (العلم والعمل سببا الرفعة والظهور)


    وتدبَّر سورة الفتح -وهي أهلٌ لأنْ تُتَدَبَّر-تجد أن الله -عز وجل- ذكر فيها في سياق الجهاد قوله -تعالى-:
    {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى باللهِ شَهِيدًا}
    فهذه الآية مُكْتَنَفَة بما يدل على الجهاد قبلها وبعدها، فقد قال قبلها:
    {فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا}
    وقال بعدها:
    {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ...}الآية.

    وهذا نظير قوله -تعالى- في سورة التوبة في سياق الجهاد -أيضًا-:
    {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْنُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْكَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}

    فهاتان الآيتان مُكْتَنَفَتَان بآيات الجهاد قبلها كقوله:
    {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ باللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}

    ومكتَنَفَتَان بآيات الجهاد بعدها، وآيات ذم القاعدين عن الواجب منه بغير عذر لهم، وآيات ذم البخلاء عن النفقة في سبيل الله،فمِن ذلك قوله:
    {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
    وقوله:
    {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}
    وقوله:{لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِأَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّه عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ*إِنَّمَايَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِوَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ...}
    إلى آخر الآيات في ذلك.

    وهذا أيضًا نظير قوله -تعالى- في سورة الصف:
    {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَاللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ *هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}
    فإن هاتين الآيتين مسوقتان في سياق الجهاد؛ حيث إنهما مُكْتَنَفَتَان بآيات الجهاد قبلها وبعدها، فقد قال -تعالى- قبلها:
    {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}
    وقال بعدها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ باللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}


    (المجاهِد عامِل بعلمه)

    وبهذا تعلم
    أن مِن أعظم أسباب ظهور دين الإسلام على الدين كله الجهاد في سبيل الله، وأن الجهاد مِن أجَلِّ الأعمال، فالهدى في الآيات هو العلم، ودين الحق هو العمل بالعلم، كما ذكرالحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره، في سورة التوبة، حيث قال ما نصه:
    "ثم قال-تعالى-:
    {هُوَالَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ}
    فالهدى هو ما جاء به من الإخبارت الصادقة والإيمان الصحيح والعلم النافع، ودين الحق هي الأعمال الصالحة النافعة في الدنيا والآخرة.

    {
    لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}
    أي على سائر الأديان كما ثبت في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أنه قال:
    «إنَّ الله زوى لي الأرض, مشارقها ومغاربها, وسيبلغ مُلْك أمتي مازوى لي منها»(1) ..."

    إلى أن قال الحافظ ابن كثير:

    "وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة حدثناصفوان حدثنا سليم بن عامر عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
    «ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار, ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أَدْخَلَه هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل, عزًّا يعز الله به الإسلام وذلًّا يذل الله به الكفر»
    فكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذل والصغار والجزية"(2)

    وقال في سورة الفتح عند قوله -تعالى-:
    {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}"
    ثم قال -تبارك وتعالى- مبشرًا للمؤمنين بنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم على عدوه, وعلى سائر أهل الأرض:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ}أي بالعلم النافع والعمل الصالح, فإن الشريعة تشتمل على شيئين: علم وعمل, فالعلم الشرعي صحيح, والعمل الشرعي مقبول, فإخباراتها حق وإنشاءاتها عدل {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}أي على أهل جميع الأديان من سائر الأرض من عرب وعجم ومليين ومشركين{وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}أي أنه رسوله وهو ناصره, والله سبحانه وتعالى أعلم" انتهى.

    فبالعلم والعمل يكون ظهور أهل العلم العامِلِين بعلمهم، وقدَّم الله الهدى في الآيات على الدين، لأن العمل الصحيح المقبول إنما يكون مسبوقًا بالعلم، ومبنيًّا عليه، وقد قال البخاري -رحمه الله- في صحيحه في كتاب العلم: "باب العلم قبل القول والعمل" ثم ذَكَرَ قوله -تعالى-:
    {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ}
    ومَن عَمِلَ بعِلْمه وَرَّثه الله عِلْم مالم يعلم، يدل عليه قوله -تعالى-:
    {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}
    فمَن جاهد في الله فقد عمل بعلمه، ومَن عمِل بعلمه هداه الله سبله -أي علَّمه وأرشده- وكان الله معه إذ كان هذا العامل بعلمه محسنًا، قال -تعالى- في آخر الآية: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}

    وقال -عز وجل- في قصة طالوت وجنوده، وقَتْلِ داود جالوت:
    {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَـرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلًا مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ* وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء}

    فتدبَّر هذا تعلَم أن الجهاد سببٌ لتحصيل الحكمة والعلم، بخلاف أصحاب البيان المخذلين عن الجهاد تحت ستار دعوة
    "جميع أهل السنة في المدن والقرى اليمنية من طلاب العلم وغيرهم إلى الاستمرار على طلب العلم والدعوة إلى الله، والرجوع إلى أهل العلم، والبعد عن الفتن، والمحافظة على دعوة أهل السنة والجماعة كلٌ بحسبه" كما في بيانهم.

    وعِلْمٌ بلا عمل كشجر بلا ثمر، والمجاهد في سبيل الله عامِلٌ بعلمه وبالهدى الذي آتاه الله إياه، ومثل هذا العامل ثمارُ عمله طيبة حلوة، ومنافعه جمَّة.

    وقد قرن الله بين الهدى ودين الحق، أي بين العلم والعمل في الآيات السالفات، وكذلك قرن بين العلم والعمل من جهادٍ ونحو ذلك في قوله -تعالى-:
    {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}



    (تَرْكُ الجهاد غيٌّ، والتعبُّد بتركه ضلال)

    وقد نفى الله عن رسوله الضلال والغواية، وقرن بينهما في قوله:
    {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَاغَوَى}
    فنفى عنه عَدَمَ العلم المورِّثَ للضلال، ونفى عنه تركَ العمل بالعلم المورِّثَ للغواية، ذكر نحوًا من ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في منهاج السنة، فالرسول عالم عامل، كامل في علمه وعمله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- .


    (التارك للعمل بالعلم شبيهٌ باليهود)

    فمَن لم يَعمل بعلمه، كان فيه شبه باليهود، وقدجاء عن سفيان بن عيينة قوله:
    "مَن فَسَدَمن علمائنا ففيه شبه باليهود، ومَن فسد من عُبَّادِنا ففيه شبه بالنصارى"
    وقد ذَمَّ الله أحبارَ اليهود الذين لم يعملوا بعلمهم، وقدَّمهم في الذم على رهبان النصارى وهم عبادهم، فقال:
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}وقدَّم المؤمنون في دعائهم في الفاتحة ذِكْرَ اليهود وأشباههم من المغضوب عليهم، الذين تركوا العمل بالعلم، قدَّموهم على ذِكْرِ الضالين من النصارى وأشباههم الذين عبدوا الله بغير علمٍ، فقالوا:
    {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ الـمُستَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ الـمَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}
    فالمغضوب عليهم الذين تركوا العمل بعلمهم شر من الضالين الذين عبدوا الله بلا علم، وإن كانوا جميعًا شرًّا، وإن كانوا جميعًا مغضوبًا عليهم وضُلَّالًا، غير أن وَصْف الغضب أخص باليهود وغيرهم ممن لم يعملوابعلمهم، ووصفَ الضلال أخص بالنصارى وغيرهم ممن عبدوا الله على ضلال وعلى غير علم،ذكر نحوًا من هذا بعض أهل العلم.

    (مَثَلُ التارِك للعمل بالعلم كمثل الكلب والحمار)

    وقد ضرب الله لمن ترك العمل بالعلم أبشع الأمثال وأشنعها، فضرب له المثل بالكلب في موضع، وضرب له المثل بالحمار في موضع آخر، قال -عز وجل-:


    {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
    وقال -عز وجل-:
    {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُواالتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}

    وفي صحيح البخاري
    برقم:(3267) وفي صحيح مسلمبرقم:[2989] من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال:
    سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول:
    «يُؤْتَى بالرجل يوم القيامة، فيُلْقى في النار، فتندلقُ أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان! مالَك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! فيقول:بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه»
    قلت:
    هذا الحديث يؤكِّد أنَّ مَن لا يعمل بعلمه لا يُقْتَدى به في الخير ، ولا يكون إمام هدى، وأَمْرُه كما قيل:
    ما خرج من القلب وَصَلَ إلى القلب، وما خرج من اللسان لا يتعدَّى الآذان
    فها أنت ترى في هذا الحديث أن المأمورين والمنهيين مع الآمِر والناهي، فلم يستفيدوا بأمره ولا نهيه.
    وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «... والقرآن حجة لك أو عليك»
    الحديث رواه مسلم في صحيحه، برقم (1/223) عن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه-.
    وقال -عز وجل-: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ}
    فقدَّم اليهود في الذِكْر على الذين أشركوا مع أنهم جميعًا مشركون؛ لأن اليهود كان عندهم من العلم ما ليس عند المشركين، ولكن لايعملون به ولا يتَّبعونه، وقد قال الله -عز وجل-:
    {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ} أي محمـدًا-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- {كَمَايَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّوَهُمْ يَعْلَمُونَ}


    (التارِكُ للعمل بالعلم حاسِدٌ للعامل به)

    وقد حَمَلَهم الحسد منهم له على عداوتهم له -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعلى عدم الإيمان به ولا بما جاء به.
    وقد قال:
    {
    أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ...}
    إلى أن قال: {
    أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}
    فأشباه اليهود لهم نصيب مِن تَرْكِ العمل بالعلم، ونصيبٌ من حسد أهل الإيمان، أهلِ العلم والعمل.

    فالذي لا يعمل بعلمه -وقد علمتَ من شأنه ماعلمتَ- كيف يكون إمامًا يُقتدى به في الخير؟! هذا من المحال.

    وقد قال الله -عز وجل- عن بني إسرائيل:
    {
    وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}
    فاليقين هو العلم الذي لاشك فيه، والصبر هوالعمل بهذا العلم، وذلك بالصبر على الطاعات والمقدورات المؤلمة والملائمة -كما قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- والصبر عن المعاصي.
    فالذي لا يعمل بعلمه لا يكون إمامًا يُقتدى به في الخير أبدًا، ولا يكون ظاهرًا على أهل العلم والإيمان العاملين بعلمهم أبدًا،وقد قدَّم الصبر على اليقين في الآية؛ لأن المقصود بالعلم هو العمل به، فعِلمٌ قليل مع عمل، خير من علم كثير بلا عمل.

    قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية:

    "وقوله:
    {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}
    أي لما كانوا صابرين على أوامر الله, وترك زواجره, وتصديق رسله واتباعهم فيما جاؤوهم به, كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله, ويدعون إلى الخير, ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر, ثم لما بدلوا وحرفوا وأولوا, سلبوا ذلك المقام, وصارت قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه, فلا عملًا صالحًا ولااعتقادًا صحيحًا, ولهذا قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} قال قتادة وسفيان : لما صبروا عن الدنيا وكذلك قال الحسن بن صالح قال سفيان: هكذا كان هؤلاء, ولا ينبغي للرجل أن يكون إمامًا يقتدى به حتى يتحامى عن الدنيا قال وكيع: قال سفيان: لا بد للدين من العلم, كما لا بد للجسد من الخبز
    ....
    قال بعض العلماء: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ولهذا قال تعالى:
    {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ} الاَية, كما قال هنا {إِنّ رَبّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي من الاعتقادات والأعمال"
    انتهى.

    قلت:
    وقد قال بعض أهل العلم: بالصبر تُدْفَع الشهوة، وباليقين تُدفع الشبهة، قلت:وتقديم ما تُدْفَع به الشهوة في الآية وهو الصبر على ما تُدْفَع به الشبهة وهو اليقين دالٌّ على عِظَم رتبة الصبر وتقدُّمها، ودالٌّ على أن العالِم المتهتِّكالمسرِف على نفسه في الشهوات المتعدي لحدود الله والمتجاوِز لها، خارِجًا عن حد المباح إلى المحرَّم لا يصير إمامًا يَهدي بأمر الله أبدًا، ولا يكون إمامًا يُقْتَدى به أبدًاولو كان عنده من العلم ما عنده، فعِلْم مثله حجة عليه، والواقع شاهد على ما ذَكَرْنا قديمًا وحديثًا، وقدأحسن مَن قال:

    ولو أن أهل العلم صانوه صانهم***ولو عظَّموه في النفوس لَعُظِّمَا
    ولكـــــــــن أهـــــــــــــانوه فهــــــــــانوا ودنَّســـوا
    ***مُحَيَّـــــاهُ بالأطمـــــــاعِ حتى تجَهَّما
    يُتبَع إن شاء الله


    [1]- هو جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه برقم: [19-(2889)] من حديث ثوبان، وقد رواه الحافظ ابن كثير بالمعنى فقدَّم فيه وأخَّر، ولفظه: «إن الله زَوَى لي الأرض، فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وإنَّ أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِىَ لي منها» وقد عزاه المعلِّق على تفسير ابن كثير، طبعة دار ابن الهيثم إلى مسلم والترمذي، ولم يُشِر إلى ما ذَكَرْنا، والخَطْب في ذلك سهل.
    [2]-قلت: إسناده صحيح، وأبو المغيرة وصفوان وسليم ثلاثتهم ثقات حمصيون، وتميم صحابي انتقل إلى الشام بعد مقتل عثمان، ونزل بيت المقدس، وكان إسلامه سنة تسع، كما في تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر -رحمه الله-.
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله أسامة بن محمد; الساعة 15-11-2013, 10:05 AM.

    تعليق


    • #3
      (المجاهد ظاهر على القاعد فضلًا عن المخذِّل والباغي)

      والله -عز وجل- له الظهور المطلق، فهو الظاهر فليس فوقه شيء، ففي صحيح مسلم برقم: [61- (2713)] من طريق سهيل قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام، أن يضطجع على شقه الأيمن، ثم يقول:

      «اللهم ربَّ السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالِقَ الحبِّ والنوى، ومنزِل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخِذٌ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقضِ عنَّا الدَّين وأغننا من الفقر»
      وكان يَروي ذلك عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

      فما أنفع!! هذا الدعاء للمجاهدين وغيرهم، وكما أن الله هو الظاهر فليس فوقه شيء فإن دينه -سبحانه- هو الدين الظاهر فليس فوقه دين، وكذلك أتباع دينه الهداة العالِمون العامِلون فإنهم هم الظاهرون على كل مَن خالَفهم، فليس فوقهم مخالف لهم أبدًا.

      ففي صحيح مسلم
      برقم: [173–(1923)] من حديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- أنه قال:
      سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يقول:
      «لا تزال طائفة مِن أمتي يُقَاتِلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة»
      وفي حديث معاوية المتفق عليه:
      «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم مَن خَذَلهم أو خالفهم، حتى يأتي أَمْرُ الله وهم ظاهرون على الناس»
      الحديث رواه البخاري برقم: (3641) ومسلم برقم: [174- (1037)] وهذالفظ مسلم.

      إذا علمتَ ما سبق
      ،
      وعلمتَ ذِكْر الهدى ودين الحق، وظهوره على الدين كله في الآيات المذكورة،وعلمتَ أن هذه الآيات التي فيها ذِكْر الهدى ودين الحق مذكورة في سياق الجهاد،
      عَلِمْتَ أن أظهرالناس على غيرهم هم أهل العلم والجهاد؛ إذ قد جمعوا بين الجهادين، الجهاد بالحجة والبيان، والجهاد بالسيف والسنان.

      (حِرمان المتخاذل -فضلًا عن المخذِّل- عن الجهاد منالرفعة والظهور)

      إنَّ شأن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وشأن أصحابه الكرام، وشأن أتباع دينه على مر السنين والأعوام، هو الجهاد بنوعيه السابقَين، المورِّثَين للرفعة والظهور، بخلاف القاعدين عن الجهاد -مِن غير أولي الضرر وأصحاب الأعذار- المتخاذلين والمتخلِّفين عنه -فضلًا عن المخذِّلين عنه- فإن هؤلاء مذمومون في كتاب الله في غير ما موضع من كتابه ذُكِر فيه الجهاد،فكيف يكون أمثال هؤلاء المذمومين ظاهرين؟!

      وسورة التوبة مشحونة بآيات الجهاد، وفيها آيات كثيرة في ذم المتخلفين القاعدين عنه يطول المقام بإحصائها، وقد ذَكَرْنا طَرَفًا من ذلك فيما سبق.

      وسورة الأحزاب مشتملة على ذِكْر غزوة الأحزاب،وفيها قوله -تعالى- عن طائفة من المنافقين المتخاذلين والمعوقين والمخذلين:
      {وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ...}
      و قوله:
      {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} الآيات.

      وسورة الفتح فيها بيعة الرضوان والفتح المبين، وفيها ذكر المخلَّفين في قوله -تعالى-:
      {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} الآيات.
      وسورة الصف فيها ذِكْر الجهاد، وفيها ذكر من يقول ولا يفعل في قوله -تعالى-:
      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}
      فإن هاتين الآيتين مذكورتان قبل قوله -تعالى- :
      {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}وقبل سائر آيات الجهاد في هذه السورة.


      (الجهاد محنة)


      وإذا تدبَّرت هذه السور،
      علمتَ أن الجهاد محنة يتبين ويتميز بها الصادق الذي يُصدِّق فعلُه قولَه فهو قوَّال فعَّال، مِن الذي يكذِّب فعله قوله فهو قوَّال فحسب، معتذر عن تركه الجهاد بالأعذار الكاذبة.


      (محبة الله للجهاد وأهله)


      إذا علمتَ ما سبق،
      علمت أن مَن كَتَبَ الله عليه الجهاد شرعًا فقد أراد الله به خيرًا من نصره أو اتخاذه شهيدًا، فهو -أي المجاهد-محمود في الحالين، لا يخلو عن إحدى الحُسنيين، وعلمتَ أنه ظاهر على عدوه في الدارين، لِمَ لا؟! وهو قائم بفريضة مِن أعظم فرائض الدين، وشعيرة مِن أعظم شعائر الإسلام، وصدق ربنا إذ قال:
      {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
      ولا يكتب الله على عبده كتابةً شرعية، ولايأمره بأمر شرعي إلَّا وهو يحب ذلك.

      فالجهاد محبوب لله، وأهل الجهاد محبوبون لله.

      قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّاكَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}
      وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءوَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}

      وقد روى البخاري في صحيحه
      برقم:(527) ومسلم في صحيحه برقم: [139-(85)] من طريق أبي عمرو الشيباني قال: حدثني صاحب هذه الدار (وأشار إلى دار عبدالله) قال:
      سألتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
      أي الأعمال أَحَبُّ إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها» قلت: ثم أي؟ قال: «ثم بر الوالدين» قلت: ثم أي؟ قال: «ثم الجهاد في سبيل الله» قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني.


      وكلما تجدَّد الجهاد ازداد المجاهدون
      رِفعة وظهورًا، وازدادالمتخاذلون والمخذِّلون عنه ضَعَة وسفولًا، ولله في خلقه شئون وحِكَم.



      (تردِّي حال المتخاذلين والمخذِّلين عن الجهاد)


      وتدبَّر قوله -تعالى-:
      {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ}

      فإن هاتين الآيتين مذكورتان بعد قوله -تعالى-:

      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْقَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}
      ومذكور بعد هاتين الآيتين قولُه -تعالى-:

      {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللَّه قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون}.

      وقال في سورة محمد أو القتال:

      {فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّه لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ * فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ *أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّه فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا * إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ}.

      فالذي يُتَـرَبَّص بالمُتَوَلِّي عمَّا أوجب الله عليه من الجهاد هو إفساده في الأرض وتقطيعه الأرحام، لا إصلاحه في الأرض ووصله الأرحام، وإن ادَّعى خلاف ذلك، ذلك؛ لأن من جزاء السيئة السيئةَ بعدها،على حد قوله -تعالى-: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوابِمَا عَمِلُوا}
      وقوله: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون}
      وقوله:{وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى *فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
      إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك.

      ثم قال -عز وجل- في أواخر سورة محمد أو القتال:

      {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}

      فتبين بذلك أن الجهاد محنةٌ يَمتَحِن الله بها عباده ليميـز الصادقَ من الكاذب، وإذا كان الإمام الآجري-رحمه الله- قد قال في كتاب الشريعة:

      "وعندالفتن يُفْتَضَحُ خَلْقٌ كثير"

      فيمكن أن يقال:
      "وعند الجهاد يُفْتَضَحُ خَلْقٌ كثير"

      فكم من مرة يُدعى فيها إلى الجهاد، وتُرْفَع فيها رايته، ومع ذلك ترى بعض الناس ينتسبون إلى العلم -وليسوا منه- يخذلون ويتخاذلون عنه، ولا يأخذون بفتاوى العلماء، ويتمسـحون بهم -وليسوا منهم- ولا هم يذكرون؟!وإذا كان الله -عزوجل- قد ضرب بالكلب مثلًا لِمَن آتاه الله آياته فانسلخ منها وكذَّب بها، فإنَّ مَن آتاه الله القرآن والسنة فانسلخ منهما، وكذَّب بهما، فإنه أولى بضرب مثل الكلب له،وكذلك مَن حُمِّل القرآن والسنة، ثم لم يحملهما، وكذَّب بهما، فإنه أولى بضرب مثل الحمار له، ذلك؛ لأن القرآن أشرف الكتب؛ ولأن سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أشرف من سنة غيـره، والمكذِّب بالأشرف يكون ذَمُّهُ أبلغ.

      وبناءً على ذلك فمَن تخاذل أو خذَّل عن الجهاد مع رسول الله أو مع أصحابه أو مع أتباعه على دينه، فهو أشد ذمًّا ممن تخاذل أو خذَّل عن الجهاد مع غير رسول الله من الأنبياء أو مع أصحابهم أو أتباعهم.

      ومن هذا تعلم

      أن أصحاب البيان المشئوم لم يكونوا ناصحين لأنفسهم ولا لقومهم وبني جِلْدتهم حينما خَذَّلواعن الجهاد بالتواءاتهم، فهم -والذي لا إله غيره ولا رب سواه- مُخَذِّلون بكلامهم المذكور في بيانهم عن جهاد الروافض الخبثاء، ولو كره هؤلاء المخذِّلون أن يوصَفوا بالتخذيل.

      كما أننا نقول:
      إن أهل السنة انتصروا بالأمس على أعدائهم، وينتصرون اليوم، وسينتصرون غدًا-إن شاء الله-على خصوم السنة، ولو كره هؤلاء الخصوم.


      (تعسًا للحوثي الرافضي)


      ونقول -أيضًا-:
      إن أهل السنة باليمن قد انتصروا بالأمس على الرافضة، وينتصرون اليوم،وسينتصرون عليهم غدًا -إن شاء الله- ولو كره المخذِّلون والمعوِّقون، ولو كره الروافض الخبثاء، ولو تألَّم الحوثي ما تألم من شوكة دار الحديث السلفية التي في ظهره، تَعِسَ الحوثي الرافضي، تعس عبد الحسين، تعس عبد علي، تعس عبد المتعة، تعس عبد القات، تعس عبد السحر، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انْتَقَشَ.

      وقد روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:

      «تعس عبدالدينار وعبدالدرهم وعبدالخميصة،إنْ أُعْطي رضي، وإن لم يُعْطَ سَخِط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتَقَش، طوبى لعبدٍ آخذ بعِنان فرسِه في سبيل الله، أَشْعَثَ رأسُه، مُغْبَرَّة قدماه، إنْ كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في السَّاقَة كان في الساقة، إذا استأذن لمْ يؤذَن له، وإنْ شَفَعَ لم يُشَفَّع»

      فتعْسًا لعُبَّاد الدنيا، وطوبى لعبَّاد الله المجاهدين، فالدنيوي ليس مجاهِدًا، والمجاهد ليس دنيويًّا، فما أعظم!! هذا الحديث الذي قابَل بين الفريقين.


      (تلقيب المخذِّل عن الجهاد بذلك اللقب وإنْ كره)


      وتدبر قوله -تعالى-:
      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
      فإن هذه الآية مسوقة في سياق الجهاد في سورةالتوبة.

      وقد ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- عند تفسيره هذه الآية أن الله -عز وجل- ذكر فيها الأصناف الثلاثة، العلماء والعُبَّاد والأغنياء أصحاب الأموال، وأن فسادهم سبب لفساد الناس، قال رحمه الله- ما نصه:
      "فإن الناس عالةٌ على العلماء وعلى العُبَّاد وعلى أرباب الأموال، فإذا فسدتْ أحوال هؤلاء، فسدتْ أحوال الناس، كماقال ابن المبارك:

      وهل أفسد الدين إلَّا الملوك وأحبار سوء ورهبانها"
      انتهى.

      قلت:

      ومَن انتسب إلى العلم وصدَّ عن الجهاد في سبيل الله، وخذَّل عنه فهو صادٌّ عن سبيل الله، وفيه شبه بأحبار اليهود ورهبان النصارى.
      وكراهة هؤلاء المخذلين للقب التخذيل لا يمنعنا من رميهم به، فما مِن مجروح إلَّا وهو يتألم من جرحه، فلم يمنع ذلك الجارحين العدول عن جرحهم، وإلَّا أُغلِقَ باب جرح المجروحين من الرواة والشهود والمخبِرين وغيرهم، وهذا باطل، أمَّا مَن شذَّ فلم يتألم من جرح العدول له، فأمْره كما قيل:
      ما لجرحٍ بميِّتٍ إيلامُ.

      هذا، وللرافضة الزنادقة نصيب وافر من الصد عن سبيل الله، فلهم حظٌّ ونصيب وافر من قوله -تعالى-:
      {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}
      فالرافضة الزنادقة -الذين هم أشباه اليهود- يفعلون بأهل السنة مالا يفعله اليهود بهم، فهم يفعلون بأهل السنة الموبقات باسم الإسلام!!


      (شدة البغي من الباغي تورِّث المبغي عليه نصرًا أكيدًا)


      هذا، وإنَّ المبغي عليه منصور، وكذلك وليُّه، قال الله -عز وجل-:
      {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ}والقسم يفيد التوكيد.
      وقال:
      {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}
      وإِنَّ تفيد التوكيد.
      فنسأل الله أن يَنصر المجاهدين للرافضة، وأن ينصر أولياء المظلومين من المقتولين والجرحى والمصابين، والجائعين، والمبرودين، أوالمحرورين، والمرضى من الرجال والنساء والأطفال، وأن ينصر كل مَن اعتُدي عليه في دينه أو دمه أو ماله أو عرضه أو غير ذلك، آمين.


      (ما أعجل!! العقوبة للباغي)


      الجهة الثانية
      من جهتي انعقاد رجائنا أن ينصر الله إخواننا أهل السنة في جهادهم للرافضة في هذه الأيام نصرًا أعظم من نصرهم على الرافضة في حروبهم السابقة، الجهة الثانية من ذلك هي:
      أن الباغي كلما اشتد بغيه وظلمه اشتدت عقوبته، وعُجِّلَت له مصيبته، ومِن المعلوم أن الرافضة قد بغوا على إخواننا قديمًا فهُزِموا هزيمة منكرة، فرجعوا بغيظهم ليُعِدُّوا
      العدة ويعيدوا الكرة على إخواننا ليثأروا منهم، وهيهات هيهات -إن شاء الله- لما يؤمِّلون، فإن ما يُتَرَبَّص بهم من الهزيمة في هذه الحرب أعظم من مامضى في سابقتها من الحروب، فالقوم متعجِّلون بنحر أنفسهم وقتْلِها، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حين قال:
      «ما من ذنب أجدرَ أن يعجِّل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم»
      الحديث في صحيح الجامع برقم: (5704) مرموزًا له برمز أبي داود والترمذي وغيرهما من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-.

      وقُدِّم البغي في الحديث على قطيعة الرحم، فدل على أن عقوبة الباغي أعجل من عقوبة قاطع الرحم، فكيف إذا كان القوم -أعني الرافضة- قد جمعوا بغيًا وقطيعة رحم، بل قتْل رحم -وأي رحم!!- فقد تسببوا في قتل خلق كثير من آل البيت كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في منهاج السنة.

      قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية،
      مجلد1، جـ2، صـ 258، طبعة دار الكتب العلمية- بيروت -لبنان،التي بهامشها كتاب شيخ الإسلام:
      "بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول":
      "ومن العجيب من هؤلاء الرافضة أنهم يدعون تعظيم آل محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وهم سعوا في مجيء التتر الكفار إلى بغداد دار الخلافة حتى قتلت الكفار من المسلمين مالا يحصيه إلَّا الله تعالى من بني هاشم وغيرهم، وقتلوا الخليفة العباسي، وسَبَوا النساء الهاشميات وصبيان الهاشميين، فهذا هو البغض لآل محمد صلى الله تعالى عليه وسلم بلا ريب، وكان ذلك من فعل الكفار بمعاونة الرافضة، وهم الذين سَعَوا في سبي الهاشميات ونحوهم إلى يزيد وأمثاله" اهـ

      قلت:
      والمتسبب يأَخذحُكْم الفاعِل المباشر، فإذا كان هذا هو فعلهم بآل البيت الذين يتمسحون بهم وبحبهم، فكيف بغيرهم؟!
      فليتذكر أولوا الألباب ولا ينخدعوا بهم، فهم كالحرباء والحية الرقطاء.

      وقد قال شيخ الإسلام في المرجع المذكور، المجلد الأول،الجزء الأول، صـ3:
      "ومنهم مَن أدخل على الدين من الفساد مالا يحصيه إلَّا رب العباد، فملاحدة الإسماعيلية والنصيرية وغيرهم من الباطنية المنافقين من بابهم دخلوا، وأعداءُ الإسلام من المشركين وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا، واستولوا على بلاد الإسلام وسَبَوا الحريم، وأخذوا الأموال وسفكوا الدم الحرام، وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد الدنيا والدين مالا يعلمه إلَّا رب العالمين"

      وقال -رحمه الله- في المجلد الثاني، الجزءالرابع، صـ 206:
      "والرافضة يوالون اليهود والنصارى والمشركين على قتال المسلمين كما قد عُرف عنهم في وقائع"
      انتهى.

      قلت:

      وللرافضة الزنادقة نصيبٌ من قوله -تعالى-:
      {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا}
      أمَّا المؤمنون فشأنهم هو تولِّي الله ورسوله والمؤمنين، وهؤلاء لهم الغَلَبَة والنصر على الكافرين وأوليائهم، قال -تعالى-: {وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}
      فأبشِر أيها السني
      بتعجيل العقوبة للحوثي الرافضي، وأيُّ تعجيل للعقوبة أعْجَل من أن يُقتَل الرافضي أو يُجرَح أو يؤسَر على إثر بغيه على أهل السنة، مع ما أعده الله للرافضة في الآخرة من العذاب؟

      فأنا أُبَشِّر الحوثيين

      الرافضة البغاة المعتدين الزنادقة المنافقين بالهزيمة العاجلة في الدنيا وبالعذاب في الآخرة إن ماتوا على بغيهم ونفاقهم وزندقتهم، وقد جاء في كتاب الله من الآيات الدالة على أن بغي الباغي يعود عليه، وأن المبغي عليه منصورٌ، فمِن ذلك قوله-تعالى-:
      {فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم}

      وتدبَّر
      الخطاب بقوله: {النَّاسُ} فلو كان كل الناس بغاة لرد الله بغيهم جميعًا عليهم.
      وقوله:
      {بِغَيْرِ الْحَقِّ} بعد قوله: {يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ} صفة كاشفة كما يقول اللُّغويون، أي لتأكيد البغي وأنه إنما يكون بغير الحق، لا أنَّ هناك بغيًا بحق وبغيًا بغير حق.
      وقال -تعالى-:
      {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ}
      وقال -عز وجل- عن فرعون وبغيه:
      {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا}
      فأغرقه الله وجنودَه عاجلًا غير آجل، كما قال-عز وجل-:
      {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}
      وقال في آية أخرى:
      {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ}
      ولاشك في أن الله -عز وجل- قد أخزى فرعون وجنوده قبل هذا الإغراق كما حصل في يوم الزينة، يوم اجتماع السحرة، فقد قال الله عن فرعون وجنوده:
      {فَغُلِبُواْهُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ}
      فلما اشتد بغيهم وإيذاؤهم للمؤمنين، وإفسادهم في الأرض، وتحقيرهم للمؤمنين، أخزاهم الله بما هو أعظم مما حصل لهم يوم الزينة،وذلك بإغراقهم في اليم، وبتعذيبهم في برزخهم وأُخراهم، كما قال -تعالى-:
      {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَاغُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}
      وقال:
      {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ}
      أي بئس العطاء المُعطَــــــى.

      وقال:
      {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ *وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ}

      فعاقبة أمور البغاة المتمادين في بغيهم شرعليهم، فيومهم شر من أمسهم، وغدهم شر من يومهم، كما هو الشأن في مَن أهلكهم الله من قبلهم من أعداء الأنبياء، من أمثال قوم نوح، وعاد قوم هود، وثمود قوم صالح،ومدين قوم شعيب، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وغيرهم، وقد قال الله -تعالى-:

      {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا * وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا *وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا * وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا}
      فصار عذاب الله لهؤلاء في الدنيا موصولًا بعذاب البرزخ، وصار عذاب البرزخ موصولًا بعذاب النار في الآخرة.


      (ظهور الأنبياء وأتباعهم على أعدائهم)


      هذا، وقد قال الله -عز وجل- بشأن مَن آمن بعيسى ومَن كفر به:
      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواكُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَ االَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}

      وهكذا كل أتباع الأنبياء وإن قَلُّوا فإنهم ظاهرون على أعدائهم في الدنيا والآخرة، فما مِن حربٍ تدور بين المؤمنين الصادقين وغيرهم من الكافرين والفاجرين والمنافقين والكاذبين إلَّا كانت الدائرة على خصوم المؤمنين،وكان الظفر والنصر والعاقبة للمؤمنين، وأتم ما يكون ذلك مع تمام الاستقامة وكمال الإيمان، وأتم ما تكون سوء العاقبة مع تمام النفاق وكمال الكذب.


      (فضل الله على المؤمنين وعدله في الكافرين)


      ومعلوم اعتقاد أهل السنة بأن الإيمان يزيد بالطاعة، ولاشك في أن الجهاد لأعداء الله من أعظم الأعمال التي تَزيد الإيمان، وتورِّث الهداية، قال -تعالى-:
      {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
      ومَن رُزِق الهداية وُرِّث التقوى، قال-تعالى-:
      {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}

      فتدبَّر فضل الله -عز وجل- على هؤلاء المهتدين حيث زادهم هدى -أي زادهم من جنس ما هم عليه من الهدى- وليس هذا فحسب، وإنما آتاهم تقواهم -أيضًا- وهذا كقوله:
      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتَ أَقْدَامَكُم}
      فمَن نصر الله نصره الله جزاءً وفاقًا، وزاده وتفضَّل عليه بتثبيت أقدامه-أيضًا- فضلًا من الله ونعمة ورحمة.

      أمَّا المُسيئون فعاقبتهم سوء وشر ، قال -عز وجل-:
      {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون}


      وإليك ما ذكره الله في كتابه من عقوبته لمن تطورت به الحال من سيء إلى أسوأ حيث قال:
      {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ *فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ *ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ *سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}
      والشيء بالشيء يُذْكَر،
      فإن الرافضة معتزلة يقولون بخَلْق القرآن، ويجعلونه كـــــــــ "بيت الله، وناقة الله"فاستحقوا الوعيد.


      (التبشير للرافضي بالشر)


      فَلْيُبْشِر الحوثي الرافضي
      بسوء المنقلَب، وسوء المآل، وسوء العاقبة، وليُبشِر بأن ما يؤمِّله من الحاسمة لأهل السنة إنما يكون -إن شاء الله- حاسمة وقاصمة له، وقاضية عليه، وفاصلةبينه وبين أهل السنة.

      يا معشر الحوثيين البغاة على أهل السنة

      قد جاءكم أهل السنة بالذبح، وستنال أسلحتهم منكم منالها، وتأخذ منكم مأخذها -إن شاء الله تعالى- فلا يغرنَّكم إخوانكم في إيران ولا في غيرها، فإنما يوردونكم الموارد والمهالك.

      واعلموا أنه
      لو بُعِثَ أكاسرة فارس وقياصرة الروم، واجتمعوا وتعاضدوا مع الأحياء من خصوم السنة على البغي على أهل السنة والإيمان لرد الله سهم بغيهم عليهم، ولعاجلهم بالعقوبة، سنة الله في البغاة، ولن تجد لسنة الله تبديلًا، ولن تجد لسنة الله تحويلًا.


      (انبتار الرافضة)


      ومعلوم أن الرفضة يقاتِلون أهلَ السنة اليوم في اليمن،
      لا لشيء إلَّا لأنهم أهل سنة، ومَن حارب أهل السنة لأنهم أهل سنة متبعون لسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأبغضهم بهذا الاعتبار، فإنه في الحقيقة خصمٌ للسنة، مبغضٌ لها، خصمٌ لرسول الله، مبغضٌ له.

      ومَن كان هذا شأنه، فإنه مهزوم، منبَتِرٌ -لاشك-قال -تعالى-:
      {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}
      وكما كفى الله النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خصومه من المستهزئين في قوله:
      {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}
      فإن الله كافٍ أهلَ سنته خصومَهم -أيضًا-


      (انتصار المبغي عليه من الباغي محمود)

      وكما أن الاعتداء على سنته وأهل سنته اعتداء عليه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالاعتبار المذكور، فإن الانتصار لسنته ولأهل سنته، والانتصار من أعداء سنته، وأعداء أهل سنته، انتصارٌ له -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
      قال الله -عز وجل- مادِحًا عباده المؤمنين المبغي عليهم المنتصرين من البغاة:
      {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ}


      (جَمْعُ المجاهِد بين الذلة على المؤمن ورحمته له والعزة على الكافر وشدته عليه)

      قال -عز وجل-:
      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
      وقال:
      {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}

      فالذلة على المؤمن والعزة على الكافر والجهاد في سبيل الله من غير خوف لومة لائم كمخذِّل أو معوِّق أو غيرهما فضلٌ من الله يؤتيه من يشاء كما في الآية الأولى، كما أن الشدة على الكافر والتراحم بين المؤمنين في الجهاد وغيره من الأعمال الصالحة التي وَعَدَ الله أصحابها مغفرة وأجرًا عظيمًا، بل هي مِن أفضل الأعمال الصالحة؛ لأن الوَعْدَ المذكور مَسوقٌ في سياق ذلك، فيَدخل أصحابها في هذا الوَعْدِ دخولًا أوليًّا وأولويًّا.


      (جمع المجاهدين بين التخلية والتحلية)


      هذا، ومما يجب على إخواننا المجاهدين وعلى غيرهم الاستغفار والتوبة إلى الله -سبحانه- فإن الاستغفار والتوبة سببٌ للفلاح والمتاع الحسن، قال -تعالى-:
      {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}
      والتوبة زائدة على الاستغفار، فإن العطف في الآية يقتضي المغايرة، وقال -عز وجل-:
      {
      وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
      فالاستغفار والتوبة سبب للنصر والغنيمة والمتاع الحسن، وتحصيل فضل الله -سبحانه- .


      (ما أحوج!! المجاهدين إلى الاستغفار)


      أقول:
      ما أحوج!! المجاهدين إلى الاستغفار، فهو شأن أتباع الأنبياء في الجهاد -إضافة إلى ذِكْر الله -سبحانَه- قال -عز وجل-:
      {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}

      ففي هذه الآية إثبات ذنوبٍ للمجاهدين مِن أتباع الأنبياء، وإثبات إسرافهم في أمرهم، فلم يَمنع ذلك -مع دعائهم واستغفارهم- من فضل الله عليهم بثوابه لهم في الدنيا والآخرة ومحبته إياهم، فكيف بالمجاهدين من أتباع محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو أشرف الأنبياء وأمته أشرف الأمم؟!

      إنَّ نصر الله لهم وفضله عليهم أولى من سائر الأمم كما أن نصر الله وفضله عليه أولى من سائر الأنبياء والرسل.
      وبالتوبة والاستغفار من الذنوب والمعاصي تحصُل التخلية، وبالجهاد وغيره من الطاعات تحصل التحلية، فإذا اجتمعا في عبدٍ فاز وأفلح.


      (استغفار ولي الأمر لرعيته وجنوده وعفوه عنهم ولينه لهم)

      قال -عز وجل-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}
      فقد جاءت هذه الآية في سياق الجهاد في سورة محمد حيث قال قبلها:
      {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ...} الآيات.
      وقال -عز وجل- بعدها:
      {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ...} الآيات.

      وقال -عز وجل- في سورة آل عمران:
      {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}

      فهذه الآية مَسوقة في سياق الجهاد، فقد ذَكَرَالله -عز وجل- قبلها غزوة أحد من قوله -تعالى-:
      {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ}
      إلى آخر الآيات في ذلك وقال بعدها:
      {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ}
      وقد جاءت هذه الآية في سياق الجهاد -أيضًا- كما مر في أثناء المقال.


      (الاستغفار بعد النصروالفتح)

      وقد أَمَرَ الله رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعد مجيء النصر والفتح، وبعد رؤية الناس داخلين في دين الله أفواجًا أن يسبِّح بحمد ربه ويستغفره، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنه كان يقول في ركوعه وسجوده:
      «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفرلي»
      قالت: يتأوَّل القرآن، أي يعمل به.

      فالعبد مفتقِر إلى الاستغفار والتوبة إلى الله ،وإلى التسبيح بحمده دائمًا وأبدًا.

      قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسيره:
      "وقد عُهِد أن الأمور الفاضلة تُختَم بالاستغفار كالصلاة والحج وغير ذلك، فأمْر الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال إشارة إلى أن أجَلَه قد انتهى، فليستعِد ويتهيأ للقاء ربه، ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه، فكان يتأوَّل القرآن، ويقول ذلك في صلاته يُكْثِر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفرلي»"
      انتهى.

      فسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلَّاأنت، أستغفرك وأتوب إليك.


      هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليمًا.


      تم تحريره في ليلة الجمعة، الموافق الحادي عشر من شهر الله المحرم، لسنة خمسٍ وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية، على صاحبها الصلاة والسلام.


      وكتب
      أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري

      أبو عبدالله
      التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله أسامة بن محمد; الساعة 15-11-2013, 10:27 AM.

      تعليق


      • #4
        ماشاء الله
        اللهم احفظ الشيخ أبابكر بن ماهر المصري
        وبارك له فى عمره ووقته
        وكالعادة
        كتابات الشيخ تظهر فيها القوة والتمكن
        لله درّك

        تعليق


        • #5
          هذا سهم من أرض الكنانة، اللهم احفظ الشيخ وبارك له في وقته وأهله

          تعليق


          • #6

            يمكنكم تحميل الرسالة منسَّقة ومراجعة



            التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله أسامة بن محمد; الساعة 17-11-2013, 09:27 AM.

            تعليق


            • #7
              يا معشر الحوثيين البغاة على أهل السنة
              قد جاءكم أهل السنة بالذبح، وستنال أسلحتهم منكم منالها، وتأخذ منكم مأخذها -إن شاء الله تعالى- فلا يغرنَّكم إخوانكم في إيران ولا في غيرها، فإنما يوردونكم الموارد والمهالك.

              واعلموا أنه
              لو بُعِثَ أكاسرة فارس وقياصرة الروم، واجتمعوا وتعاضدوا مع الأحياء من خصوم السنة على البغي على أهل السنة والإيمان لرد الله سهم بغيهم عليهم، ولعاجلهم بالعقوبة، سنة الله في البغاة، ولن تجد لسنة الله تبديلًا، ولن تجد لسنة الله تحويلًا.

              ================================================== =
              نعم صدقت وجزاك الله خير ياأيها الشيخ الجليل
              { إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ{54} مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ{55} إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{56}}هود

              تعليق


              • #8
                جزاك الله خيرا أخانا أسامة
                (ولو تٌرفع على الخزانة يكون أنفع )
                ودونكم الرسالة منسَّقة ومراجعة من الشيخ
                (كما تفضل أخونا أسامة )
                برابط مباشر
                من هنا
                للقراءة مباشرة بدون تحميل
                من هنا
                التعديل الأخير تم بواسطة أبوحاتم خالد بن جلال الشاهيني; الساعة 17-11-2013, 09:43 AM.

                تعليق


                • #9
                  جز الله خيراً الشيخ أبوبكر بن ماهر وبارك فيه ونفع به الإسلام والمسلمين

                  تعليق


                  • #10
                    لله درك أيها الشيخ الفاضل وعلى الله أجرك
                    لله درك وأنت تفضح فتوى كوكبة التخذيل بأبسط الأمثلة
                    لله درك وأنت تنصر إخوانك في قلعة السنة بدماج كما عودتنا
                    أسأل الله عزوجل أن يحفظك وأن يبارك فيك وفي وقتك
                    وأسأله سبحانه أن يطهر اليمن من شر الرافضة ومكرهم إنه جواد كريم

                    تعليق

                    يعمل...
                    X