بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ، وصلَّى الله و سلم على نبينا محمدٍ الذي بعثه الله فرقاناً و معلما؛ أما بعد :
فإن معرفة الفروق أمر مهم جداً ، ونفعه شامل لجميع العلوم الشرعية و عدم الإعتناء به صاحبه معرض للوقوع فيما يذم عليه .فرأيت أن أجمع شيئاً و إن لم أكن أرى نفسي أهلاً لما هنالك ، و لا من فرسان ميادين تلك المسالك ، فلا يمنعني من أن أجود بقلمي و أفضل الصدقة جهد المقل كما قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-(1)
ورحم الله القائل:
أسير وراء الركب ذا عرج *** مؤملاً جبر ما لا قيت من عرج
فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا *** فكم لربِّ الورى في الناس من فرج
و قد وقفت على كلمة للإمام ابن القيم-رحمه الله- حث فيها على الإعتناء بهذا الفن وذكر شيئاً من فوائده ؛ قال –رحمه الله- : ((وهذا باب من الفروق مطول ولعل إن ساعد القدر أن نفرد فيه كتابا كبيرا وإنما نبهنا بما ذكرنا على أصوله واللبيب يكتفي ببعض ذلك والدين كله فرق وكتاب الله فرقان ومحمد فرق بين الناس ومن اتقى الله جعل له فرقانا يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا وسمى يوم بدر يوم الفرقان لأنه فرق بين أولياء الله وأعدائه فالهدى كله فرقان والضلال أصله الجمع كما جمع المشركون بين عبادة الله وعبادة الأوثان ومحبته ومحبة الأوثان وبين ما يحبه ويرضاه وبين ما قدره وقضاه فجعلوا الأمر واحد واستدلوا بقضائه وقدره على محبته ورضاه وجمعوا بين الربا والبيع فقالوا إنما البيع مثل الربا وجمعوا بين المذكي والميتة وقالوا كيف نأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل الله وجمع المنسلخون عن الشرائع بين الحلال والحرام فقالوا هذه المرأة خلقها الله وهذه خلقها وهذا الحيوان خلقه وهذا خلقه فكيف يحل هذا ويحرم هذا وجمعوا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وجاءت طائفة الاتحادية فطموا الوادي على القرى وجمعوا الكل في ذات واحدة وقالوا هي الله الذي لا إله إلا هو وقال صاحب فصوصهم(2) و واضع نصوصهم : واعلم أن الأمر قرآن لا فرقانما الأمر إلا نسق واحد ... ما فيه من مدح ولا ذموإنما العادة قد خصصت ... والطبعُ والشارع بالحكمِ والمقصود أن أرباب البصائر هم أصحاب الفرقان فأعظم الناس فرقانا بين المشتبهات أعظم الناس بصيرة .والتشابه يقع في الأقوال والأعمال والأحوال والأموال والرجال، وإنما أتى أكثر أهل العلم من المتشابهات في ذلك كله ، ولا يحصل الفرقان إلا بنور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده يرى في ضوئه حقائق الأمور ويميز بين حقها وباطلها وصحيحها وسقيمها {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور:40].
ولا تَستَطِلْ هذا الفصل فلعله من أنفع فصول الكتاب، والحاجة إليه شديدة، فإن رزقك الله فيه بصيرة خرجت منه إلى فرقان أعظم منه وهو الفرق بين توحيد المرسلين وتوحيد المعطلين ،والفرق بين تنزيه الرسل وتنزيه أهل التعطيل والفرق بين إثبات الصفات والعلو والتكلم والتكليم حقيقة وبين التشبيه والتمثيل، والفرق بين تجريد التوحيد العملي الإرادي وبين هضم أرباب المراتب مراتبهم التي أنزلهم الله إياها ، والفرق بين تجريد متابعة المعصوم وبين إهدار أقوال العلماء وإلغائها وعدم الالتفات إليها ، والفرق بين تقليد العالم وبين الاستضاءة بنور علمه والاستعانة بفهمه ، والفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، والفرق بين الحال الإيماني الرحماني والحال الشيطاني الكفري والحال النفساني، والفرق بين الحكم المنزَّل الواجب الاتباع على كل واحد والحكم المؤول الذي نهايته أن يكون جائز الإتباع عند الضرورة ولا درك على مخالفه.))اهـ."الروح"(ص/350-351).
كما أرجوا من إخواني الأفاضل-حفظهم الله تعالى- في هذه الشبكة العلمية الطيبة-حرسها الله - أن يدلوا كل واحد بدلوه و يشارك في هذا الموضوع حتى يثرى الموضوع فبعد ذلك يتعدى النفع و يحصل القصد-إن شاء الله تعالى- .فالله نسأله التوفيق والسداد فمنه نستمد العون فإياه نعبد وإياه نستعين .
بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين :
(1)- الابتهار و الابتيار:
قال صاحب "تاج العروس"(مادة بور) : ((ويقال للرجل إِذا قَذَفَ امرأَةً بنفسِه أَنْه فَجَرَ بها فإِن كان كاذباً فقد ابْتَهَرَها ، وإِن كان صادقاً فهو الابْتِيارُ ، بغير همزةٍ ، افتعالٌ مِن : بُرْتُ الشيءَ أَبُورُهُ : اختبرتُه ، وقال الكُمَيت :
قَبِيحٌ بِمِثْلِيَ نَعْتُ الفَتا*** ةِ إِمَّا ابْتِهاراً وإِمّا ابْتِيارا
يقولُ : إِمّا بُهْتَاناً وما اختباراً بالصِّدْق ، لاستخراجِ ما عندَهَا .))اهـ.
قال ابن سيده في"المحكم والمحيط الأعظم": ((وقيل : الابتهار : أن ترمي الرجل بما فيه ، و الابتيار : أن ترميه بما ليس فيه .))اهـ.انظر. "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" (ص/425) ،"تهذيب اللغة" (15/161) ، "لسان العرب"(1/371)"، "تفسير ابن كثير"(1/429)-سورة النساء (الآية:06)- .و الله أعلم .
(2)- الإباحة و الامتنان:
قال ابن النجار في "شرح الكوكب المنير"(3/22) :((وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِبَاحَةِ: أَنَّ الإِبَاحَةَ مُجَرَّدُ إذْنٍ ، وَالامْتِنَانُ لا بُدَّ فِيهِ مِنْ اقْتِرَانِ حَاجَةِ الْخَلْقِ لِذَلِكَ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ.))اهـ.
انظر "فتح الرحموت"(1/372)،"نهاية السُّول"( 2/18) ،"الإبهاج في شرح المنهاج"(2/19)،"المحلي على جمع الجوامع" (1/373)،"البحر المحيط"(2/93)للزركشي.
---------------------------------------------------------------------------------------------------
(1)- أخرجه البغوي في " حديث أبي الجهم العلاء بن موسى " ( 2 / 2 ) من حديث جابر-رضي الله عنه- و له شواهد يصحح بمجموعها.انظر"الصحيحة"(2/105) .الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ، وصلَّى الله و سلم على نبينا محمدٍ الذي بعثه الله فرقاناً و معلما؛ أما بعد :
فإن معرفة الفروق أمر مهم جداً ، ونفعه شامل لجميع العلوم الشرعية و عدم الإعتناء به صاحبه معرض للوقوع فيما يذم عليه .فرأيت أن أجمع شيئاً و إن لم أكن أرى نفسي أهلاً لما هنالك ، و لا من فرسان ميادين تلك المسالك ، فلا يمنعني من أن أجود بقلمي و أفضل الصدقة جهد المقل كما قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-(1)
ورحم الله القائل:
أسير وراء الركب ذا عرج *** مؤملاً جبر ما لا قيت من عرج
فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا *** فكم لربِّ الورى في الناس من فرج
و قد وقفت على كلمة للإمام ابن القيم-رحمه الله- حث فيها على الإعتناء بهذا الفن وذكر شيئاً من فوائده ؛ قال –رحمه الله- : ((وهذا باب من الفروق مطول ولعل إن ساعد القدر أن نفرد فيه كتابا كبيرا وإنما نبهنا بما ذكرنا على أصوله واللبيب يكتفي ببعض ذلك والدين كله فرق وكتاب الله فرقان ومحمد فرق بين الناس ومن اتقى الله جعل له فرقانا يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا وسمى يوم بدر يوم الفرقان لأنه فرق بين أولياء الله وأعدائه فالهدى كله فرقان والضلال أصله الجمع كما جمع المشركون بين عبادة الله وعبادة الأوثان ومحبته ومحبة الأوثان وبين ما يحبه ويرضاه وبين ما قدره وقضاه فجعلوا الأمر واحد واستدلوا بقضائه وقدره على محبته ورضاه وجمعوا بين الربا والبيع فقالوا إنما البيع مثل الربا وجمعوا بين المذكي والميتة وقالوا كيف نأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل الله وجمع المنسلخون عن الشرائع بين الحلال والحرام فقالوا هذه المرأة خلقها الله وهذه خلقها وهذا الحيوان خلقه وهذا خلقه فكيف يحل هذا ويحرم هذا وجمعوا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وجاءت طائفة الاتحادية فطموا الوادي على القرى وجمعوا الكل في ذات واحدة وقالوا هي الله الذي لا إله إلا هو وقال صاحب فصوصهم(2) و واضع نصوصهم : واعلم أن الأمر قرآن لا فرقانما الأمر إلا نسق واحد ... ما فيه من مدح ولا ذموإنما العادة قد خصصت ... والطبعُ والشارع بالحكمِ والمقصود أن أرباب البصائر هم أصحاب الفرقان فأعظم الناس فرقانا بين المشتبهات أعظم الناس بصيرة .والتشابه يقع في الأقوال والأعمال والأحوال والأموال والرجال، وإنما أتى أكثر أهل العلم من المتشابهات في ذلك كله ، ولا يحصل الفرقان إلا بنور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده يرى في ضوئه حقائق الأمور ويميز بين حقها وباطلها وصحيحها وسقيمها {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور:40].
ولا تَستَطِلْ هذا الفصل فلعله من أنفع فصول الكتاب، والحاجة إليه شديدة، فإن رزقك الله فيه بصيرة خرجت منه إلى فرقان أعظم منه وهو الفرق بين توحيد المرسلين وتوحيد المعطلين ،والفرق بين تنزيه الرسل وتنزيه أهل التعطيل والفرق بين إثبات الصفات والعلو والتكلم والتكليم حقيقة وبين التشبيه والتمثيل، والفرق بين تجريد التوحيد العملي الإرادي وبين هضم أرباب المراتب مراتبهم التي أنزلهم الله إياها ، والفرق بين تجريد متابعة المعصوم وبين إهدار أقوال العلماء وإلغائها وعدم الالتفات إليها ، والفرق بين تقليد العالم وبين الاستضاءة بنور علمه والاستعانة بفهمه ، والفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، والفرق بين الحال الإيماني الرحماني والحال الشيطاني الكفري والحال النفساني، والفرق بين الحكم المنزَّل الواجب الاتباع على كل واحد والحكم المؤول الذي نهايته أن يكون جائز الإتباع عند الضرورة ولا درك على مخالفه.))اهـ."الروح"(ص/350-351).
كما أرجوا من إخواني الأفاضل-حفظهم الله تعالى- في هذه الشبكة العلمية الطيبة-حرسها الله - أن يدلوا كل واحد بدلوه و يشارك في هذا الموضوع حتى يثرى الموضوع فبعد ذلك يتعدى النفع و يحصل القصد-إن شاء الله تعالى- .فالله نسأله التوفيق والسداد فمنه نستمد العون فإياه نعبد وإياه نستعين .
بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين :
(1)- الابتهار و الابتيار:
قال صاحب "تاج العروس"(مادة بور) : ((ويقال للرجل إِذا قَذَفَ امرأَةً بنفسِه أَنْه فَجَرَ بها فإِن كان كاذباً فقد ابْتَهَرَها ، وإِن كان صادقاً فهو الابْتِيارُ ، بغير همزةٍ ، افتعالٌ مِن : بُرْتُ الشيءَ أَبُورُهُ : اختبرتُه ، وقال الكُمَيت :
قَبِيحٌ بِمِثْلِيَ نَعْتُ الفَتا*** ةِ إِمَّا ابْتِهاراً وإِمّا ابْتِيارا
يقولُ : إِمّا بُهْتَاناً وما اختباراً بالصِّدْق ، لاستخراجِ ما عندَهَا .))اهـ.
قال ابن سيده في"المحكم والمحيط الأعظم": ((وقيل : الابتهار : أن ترمي الرجل بما فيه ، و الابتيار : أن ترميه بما ليس فيه .))اهـ.انظر. "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" (ص/425) ،"تهذيب اللغة" (15/161) ، "لسان العرب"(1/371)"، "تفسير ابن كثير"(1/429)-سورة النساء (الآية:06)- .و الله أعلم .
(2)- الإباحة و الامتنان:
قال ابن النجار في "شرح الكوكب المنير"(3/22) :((وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِبَاحَةِ: أَنَّ الإِبَاحَةَ مُجَرَّدُ إذْنٍ ، وَالامْتِنَانُ لا بُدَّ فِيهِ مِنْ اقْتِرَانِ حَاجَةِ الْخَلْقِ لِذَلِكَ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ.))اهـ.
انظر "فتح الرحموت"(1/372)،"نهاية السُّول"( 2/18) ،"الإبهاج في شرح المنهاج"(2/19)،"المحلي على جمع الجوامع" (1/373)،"البحر المحيط"(2/93)للزركشي.
---------------------------------------------------------------------------------------------------
(2)- يعني الزنديق ابن عربي صاحب كتاب "الفصوص" .
تعليق