عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :
" مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " .
هل صلاة التراويح في المسجد مع الجماعة أفضل أم في البيت ؟
اختَلَفَ أهلُ العِلم -على قولين مشهورين- في أفضلية صلاة التراويح في البيت أم مع الجماعة ، فذهب الجمهور (كأحمد وإسحاق وابن المبارك وغيرهم) إلى أنها مع الجماعة أفضل ، وذهب مَالِكٌ والشافعيُّ إلى أنها في البيت بانفراد أفضل ، وذهب غيرُهم كالحسن البصري إلى أنَّ المكان الذي يكون فيه الخشوع ورِقَّةُ القلب أكثر تكون الصلاة فيه أفضل .
ورجَّحَ كثيرٌ من العُلَماءِ المُحَقِّقِين قولَ الجمهور كابن حجر ، والنووي ، والألباني ، وابن عثيمين ، مستدلين بحديث أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه ، عند أصحاب السنن ، قال عليه الصلاة والسلام : " مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ (حُسِبَ) لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ " ومثل هذا الأجر –أجر قيام ليلة كاملة– لا يحصل للمرء في بيته سواء صلى منفرداً أو حتى صلَّى بأهله إلا بدليل شرعي ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (مع الإمام) ، والتطبيق العَمَلِيُّ لكثير من السلف لهذا الحديث يدلُّ على ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وأما حديثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الأنصَاريِّ عند البخاري، " أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ حُجْرَةً ، قَالَ : حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ : مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ " فهذا يدل على أن صلاة التراويح في جماعة مشروعةٌ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، غيرَ أنَّه تَرَكَهَا خشية أن تُفْرَضَ على الأمَّة ، فلما مات النبي صلى الله عليهوسلم زال هذا المحذور ، لاستقرار الشريعة ، وهذا الذي ترجَّحَ لعُمرَ بن الخطاب رضي الله عنه لمَّا قال : إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ (أي : أفضل) ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍرضي الله عنه ، لأن الاجتماع على إمامٍ واحدٍ أنشَطُ لكثير من المصلِّين ، كما قال الحافظ في الفتح (5/447).
وأما قول عُمَرَ رضي الله عنه : "وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا (يعني الصلاة في آخر الليل) أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ (يعني أول الليل) " ، ففيه تصريحٌ –كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح (5/448) – منه بأن الصلاةَ في آخر الليل أفضلُ مِنْ أَوَّلِهِ ، لَكِنْ لَيْسَ فيه أن الصلاةَ في قيام الليل فُرَادَى أفضلُ مِنَ التَّجْمِيعِ . اهـ
وحديثا عمر الماضيان هما حديثٌ واحدٌ في صحيح البخاري ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : " خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ، قَالَ عُمَرُ : نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ " .
قال الحافظ ابن حجر (فتح الباري 5/447) عِنْدَ قَوْلِ عَبْدِالرحمن بن عَبْدٍ القَارِيِّ «فَخَرَجَ –يعني عُمَرُ رضي الله عنه– ليلةً والناسُ يصلون بصلاة قارئهم» : وفيه إشعارٌ بأن عُمَرَ كان لا يواظب على الصلاة معهم . اهـ
وقال الإمام النووي في "المجموع" (3/526) :
صَلاةُ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ . . . وَتَجُوزُ مُنْفَرِدًا وَجَمَاعَةً ، وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ، الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ ، الثَّانِي : الانْفِرَادُ أَفْضَلُ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : الْخِلافُ فِيمَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ ، وَلا يَخَافُ الْكَسَلَ عَنْهَا لَوْ انْفَرَدَ ، وَلا تَخْتَلُّ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ لِتَخَلُّفِهِ ، فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ هَذِهِ الأُمُورِ فَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ بِلا خِلافٍ . اهـ
وقال أبوالعُلا المُبَارَكْفُورِيُّ في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (3/448) :
قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : يُعْجِبُكَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مَعَ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ أَوْ وَحْدَهُ ؟
قَالَ : يُصَلِّي مَعَ النَّاسِ
قَالَ : وَيُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ مع الإمام وَيُوتِرَ معَه
قال النبي : إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ بَقِيَّةُ لَيْلَتِهِ .
قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَقُومُ مَعَ النَّاسِ حَتَّى يُوتِرَ مَعَهُمْ وَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ : شَهِدْتُهُ -يَعْنِي أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ- شَهْرَ رَمَضَانَ [كُلَّهُ] يُوتِرُ مَعَ إِمَامِهِ إِلَّا لَيْلَةً لَمْ أَحْضُرْهَا .
وَقَالَ إِسْحَاقُ رَحِمَهُ اللَّهُ : قُلْتُ لِأَحْمَدَ : الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ يُصَلِّي وَحْدَهُ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ ؟ قَالَ : يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْجَمَاعَةِ يُحْيِي السُّنَّةَ .
وَقَالَ إِسْحَاقُ : كَمَا قَالَ . اهـ
وقال العلامة الألباني في «قيام رمضان» (ص26) :
وإذا دَارَ الأمرُ بين الصلاةِ أَوَّلَ الليل مع الجماعة ، وبين الصلاةِ آخِرَ الليل منفرداً ، فالصلاة مع الجماعة أَفْضَلُ ، لأنه يُحسَبُ له قيامُ ليلةٍ تامَّةٍ .
ورَوَى أبوداود في «مسائله 438» (ص62) :
أن الإمام أحمد سُئِل : يُؤَخِّرُ القيامَ –يعني التَّرَاويحَ- إلى آخِرِ الليلِ ؟
فقال : لا ، سُنَّةُ المسلمين أحبُّ إليَّ .
وقال العلامة ابن عثيمين في «مجالس شهر رمضان» (ص 22) :
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أولَ مَنْ سَنَّ الجماعة في صلاة التراويح في المسجد ، ثم تركَهَا خوفاً مِنْ أن تُفْرَضَ على أُمَّتِهِ .... ثم قال : ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح لينالَ ثوابها وأجرها ، ولا ينصرف حتى ينتهيَ الإمامُ منها ومن الوتر ، ليحصل له أجر قيام الليل كله . اهـ
وقال العلامة الألباني في «قيام رمضان» (ص19-21) :
وتُشْرَعُ الجَمَاعَةُ في قيام رمضان ، بل هي أفضل من الانفراد ، لإقَامَةِالنبي صلى الله عليه وسلم لها بنفسِهِ ، وبَيَانِهِ لفضلها بقوله : " مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ " ... وإنما لم يَقُمْ بهم عليه الصلاة والسلام بَقِيَّةَ الشَّهرِ خَشْيَةَ أن تُفْرَضَ عليهم صلاةُ الليل في رمضان ، فَيَعْجِزُوا عنها كما جاء في حديث عائشة في «الصحيحين» وغيرهما ، وقد زَالَتْ هذه الخَشْيَةُ بِوَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أن أكمل الله الشريعةَ ، وبذلك زال المعلولُ ، وهو تَرْكُ الجماعةِ في قيام رمضان ، وَبَقِيَ الحكمُ السابقُ ، وهو مشروعية الجماعة ، ولذلك أحياها عُمَرُ رضي الله عنه كما في «صحيح البخاري» وغيره . اهـ
وكتب
محمد بن إبراهيم الماحي
" مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " .
[متفق عليه]
هل صلاة التراويح في المسجد مع الجماعة أفضل أم في البيت ؟
اختَلَفَ أهلُ العِلم -على قولين مشهورين- في أفضلية صلاة التراويح في البيت أم مع الجماعة ، فذهب الجمهور (كأحمد وإسحاق وابن المبارك وغيرهم) إلى أنها مع الجماعة أفضل ، وذهب مَالِكٌ والشافعيُّ إلى أنها في البيت بانفراد أفضل ، وذهب غيرُهم كالحسن البصري إلى أنَّ المكان الذي يكون فيه الخشوع ورِقَّةُ القلب أكثر تكون الصلاة فيه أفضل .
[الاستذكار لابن عبدالبر (2/70) ، والمجموع للنووي (3/526)]
ورجَّحَ كثيرٌ من العُلَماءِ المُحَقِّقِين قولَ الجمهور كابن حجر ، والنووي ، والألباني ، وابن عثيمين ، مستدلين بحديث أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه ، عند أصحاب السنن ، قال عليه الصلاة والسلام : " مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ (حُسِبَ) لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ " ومثل هذا الأجر –أجر قيام ليلة كاملة– لا يحصل للمرء في بيته سواء صلى منفرداً أو حتى صلَّى بأهله إلا بدليل شرعي ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (مع الإمام) ، والتطبيق العَمَلِيُّ لكثير من السلف لهذا الحديث يدلُّ على ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وأما حديثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الأنصَاريِّ عند البخاري، " أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ حُجْرَةً ، قَالَ : حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ : مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ " فهذا يدل على أن صلاة التراويح في جماعة مشروعةٌ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، غيرَ أنَّه تَرَكَهَا خشية أن تُفْرَضَ على الأمَّة ، فلما مات النبي صلى الله عليهوسلم زال هذا المحذور ، لاستقرار الشريعة ، وهذا الذي ترجَّحَ لعُمرَ بن الخطاب رضي الله عنه لمَّا قال : إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ (أي : أفضل) ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍرضي الله عنه ، لأن الاجتماع على إمامٍ واحدٍ أنشَطُ لكثير من المصلِّين ، كما قال الحافظ في الفتح (5/447).
وأما قول عُمَرَ رضي الله عنه : "وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا (يعني الصلاة في آخر الليل) أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ (يعني أول الليل) " ، ففيه تصريحٌ –كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح (5/448) – منه بأن الصلاةَ في آخر الليل أفضلُ مِنْ أَوَّلِهِ ، لَكِنْ لَيْسَ فيه أن الصلاةَ في قيام الليل فُرَادَى أفضلُ مِنَ التَّجْمِيعِ . اهـ
وحديثا عمر الماضيان هما حديثٌ واحدٌ في صحيح البخاري ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : " خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ، قَالَ عُمَرُ : نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ " .
قال الحافظ ابن حجر (فتح الباري 5/447) عِنْدَ قَوْلِ عَبْدِالرحمن بن عَبْدٍ القَارِيِّ «فَخَرَجَ –يعني عُمَرُ رضي الله عنه– ليلةً والناسُ يصلون بصلاة قارئهم» : وفيه إشعارٌ بأن عُمَرَ كان لا يواظب على الصلاة معهم . اهـ
وقال الإمام النووي في "المجموع" (3/526) :
صَلاةُ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ . . . وَتَجُوزُ مُنْفَرِدًا وَجَمَاعَةً ، وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ، الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ ، الثَّانِي : الانْفِرَادُ أَفْضَلُ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : الْخِلافُ فِيمَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ ، وَلا يَخَافُ الْكَسَلَ عَنْهَا لَوْ انْفَرَدَ ، وَلا تَخْتَلُّ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ لِتَخَلُّفِهِ ، فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ هَذِهِ الأُمُورِ فَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ بِلا خِلافٍ . اهـ
وقال أبوالعُلا المُبَارَكْفُورِيُّ في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (3/448) :
قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : يُعْجِبُكَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مَعَ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ أَوْ وَحْدَهُ ؟
قَالَ : يُصَلِّي مَعَ النَّاسِ
قَالَ : وَيُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ مع الإمام وَيُوتِرَ معَه
قال النبي : إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ بَقِيَّةُ لَيْلَتِهِ .
قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَقُومُ مَعَ النَّاسِ حَتَّى يُوتِرَ مَعَهُمْ وَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ : شَهِدْتُهُ -يَعْنِي أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ- شَهْرَ رَمَضَانَ [كُلَّهُ] يُوتِرُ مَعَ إِمَامِهِ إِلَّا لَيْلَةً لَمْ أَحْضُرْهَا .
وَقَالَ إِسْحَاقُ رَحِمَهُ اللَّهُ : قُلْتُ لِأَحْمَدَ : الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ يُصَلِّي وَحْدَهُ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ ؟ قَالَ : يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْجَمَاعَةِ يُحْيِي السُّنَّةَ .
وَقَالَ إِسْحَاقُ : كَمَا قَالَ . اهـ
[انظر قيامَ رمضان للمَرْوَزِيِّ ، ومسائلَ أبي داود للإمام أحمد]
وقال العلامة الألباني في «قيام رمضان» (ص26) :
وإذا دَارَ الأمرُ بين الصلاةِ أَوَّلَ الليل مع الجماعة ، وبين الصلاةِ آخِرَ الليل منفرداً ، فالصلاة مع الجماعة أَفْضَلُ ، لأنه يُحسَبُ له قيامُ ليلةٍ تامَّةٍ .
ورَوَى أبوداود في «مسائله 438» (ص62) :
أن الإمام أحمد سُئِل : يُؤَخِّرُ القيامَ –يعني التَّرَاويحَ- إلى آخِرِ الليلِ ؟
فقال : لا ، سُنَّةُ المسلمين أحبُّ إليَّ .
[ذكره العلامة الألباني في «قيام رمضان»]
وقال العلامة ابن عثيمين في «مجالس شهر رمضان» (ص 22) :
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أولَ مَنْ سَنَّ الجماعة في صلاة التراويح في المسجد ، ثم تركَهَا خوفاً مِنْ أن تُفْرَضَ على أُمَّتِهِ .... ثم قال : ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح لينالَ ثوابها وأجرها ، ولا ينصرف حتى ينتهيَ الإمامُ منها ومن الوتر ، ليحصل له أجر قيام الليل كله . اهـ
وقال العلامة الألباني في «قيام رمضان» (ص19-21) :
وتُشْرَعُ الجَمَاعَةُ في قيام رمضان ، بل هي أفضل من الانفراد ، لإقَامَةِالنبي صلى الله عليه وسلم لها بنفسِهِ ، وبَيَانِهِ لفضلها بقوله : " مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ " ... وإنما لم يَقُمْ بهم عليه الصلاة والسلام بَقِيَّةَ الشَّهرِ خَشْيَةَ أن تُفْرَضَ عليهم صلاةُ الليل في رمضان ، فَيَعْجِزُوا عنها كما جاء في حديث عائشة في «الصحيحين» وغيرهما ، وقد زَالَتْ هذه الخَشْيَةُ بِوَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أن أكمل الله الشريعةَ ، وبذلك زال المعلولُ ، وهو تَرْكُ الجماعةِ في قيام رمضان ، وَبَقِيَ الحكمُ السابقُ ، وهو مشروعية الجماعة ، ولذلك أحياها عُمَرُ رضي الله عنه كما في «صحيح البخاري» وغيره . اهـ
وكتب
محمد بن إبراهيم الماحي
تعليق