• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رسالة: أفغير السلفية يبغون؟! للشيخ أبي بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رسالة: أفغير السلفية يبغون؟! للشيخ أبي بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    رسالة:


    أفغير السلفية يبغون؟!


    للشيخ أبي بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري -حفظه الله-.


    وهي مادة مفرغة من أشرطة ثلاثة سُجلت من نحو خمس سنوات، أحببنا نشرها على ثلاث مرات تباعًا -إن شاء الله-.



    وهي بمثابة إسهام منا في درء فتنة عبد الله البخاري في بغيه على دار الحديث السلفية بدماج –حرسها الله-.



    الشريط الأول -مادة مفرغة-.


    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} أما بعد.
    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    قال أبو عبد الله أبو بكر بن ماهر بن عطية بن عبد المحسن بن حسين بن أحمد بن جمعة، المصري ثم المنصوري ثم الجوجري -حفظه الله تعالى والمسلمين- قال:
    هذه قصيدة نظمتها، وهي بعنوان (أفغير السلفية يبغون) قلت فيها:

    إِلَى نُصَرَاءِ مِلَّتِنَا الفِخَــامِ ... إِلَى عُلَماءِ شِرْعَتِنَا العِظَــامِ

    سَلاَمُ إِلَـ'ـهِنَا أَبَدًا عَلَيْكُمْ ... أَيَا كُبَرَاءُ يا سُرُجَ الظَّــلاَمِ

    أَيَا شُرَفَاءُ يا عَمَدَ الحَيَــاةِ ... بِكُمْ عُرِفَ الحَلاَلُ مِنَ الحَرَامِ
    أَيَا كُرَمَاءُ يا أَمَلَ العِبَــادِ ... لِنَصْرِ دِيَانَةِ المَلِكِ السَّــلاَمِ

    أَأَتْرُكُ مَذْهَبَ السَّلَفِ الكِرَامِ ... لأَجْلِ مَكَائِدِ الخَلَفِ اللِّئَامِ؟!

    أَأَتْرُكُ سُنَّةً هُجِرَتْ دُهُـورًا ... لأَجْلِ عَدَاوَةٍ ظَهَرَتْ أَمَامِي ؟!

    أَأَتْرُكُ مَذْهَبَـًا هُوَ دِينُ رَبِّي ... بِلا بِدَعٍ وَلاَ شَطَطِ الفِئَامِ(1)؟!

    أَأَتْرُكُهُ لأَجْلِ هَوَى الغُـوَاةِ؟! ... أَأَتْرُكُهُ لِنَيْلِ رِضَا الأَنَـامِ(2)؟!

    أَأَتْرُكُهُ لأَجْلِ دُرَيْهِمَــاتِ؟! ... أَأُسْرِعُ جَاهِدًا قِبَل الحُطَامِ(3)؟!

    أَأَتْرُكُهُ مَخافَةَ سِجْنِ قَوْمِـي؟! ... أَأَتْرُكُهُ لأَجْلِ أَذَى الحُسَامِ(4)؟!

    أَأَتْرُكُهُ لِزَمْجَرَةِ(5) الغِضَـابِ؟! ... أَأَتْرُكُهُ لِلاَئِمَةِ(6) الطِّغَـامِ(7)؟!

    إِذَا نُشِرَتْ شَرَائِــعُ غائِبَاتٌ ... عَلاَ لِحَسُودِهِمْ لَهَبُ الخِصَامِ
    وَلَسْتُ إِخَالُكُمْ(8) أَبَدًا حَيَارَى لِرَدِّ جَوَابِ نَاظِمِ ذَا الكَـلاَمِ

    سَأَتْرُكُهُ إِذَا رَجَعَ الحَــلِيبُ ... لِضَرْعِ كَرَائِمِ(9) البَقَرِ الضِّخَامِ

    سَأَتْرُكُهُ إِذَا رَقِيَ(10) الْكَفُــورُ ... إِلَى دَرَجِ الجِنَـانِ بِلاَ مَـلاَمِ
    سَأَلْزَمُ وَحْيَ خَالِقِنـَا العَظِيـمِ ... ُوَإِنْ أَجَلِي تَطَاوَلَ أَلْفَ عَـامِ*

    وَمَـنْ تَرَكَ الدَّلِيلَ بِغَيْرِ عُـذْرٍ ... تَعَثَّرَ فِي القُعُودِ وَفِي القِيَــامِ
    وَمَنْ أَخَذَ العُلُومَ بِلاَ انْتِفَــاءٍ ... حَشَا بِجِرَابِهِ(11) وَسَخَ السُّخَامِ(12)

    وَمَنْ تَبِعَ الفَلاَسِفَةَ الحَيَــارَى ... جَنَى تَلَفَ الجَنَانِ(13)مَعَ الصِّمَامِ(14)

    وَمَنْ يَذَرِ الشَّرِيعَةَ يَلْقَ عــَارًا ... وَيَقْتَحِـمِ السَّعِـيرَ بِلاَ مُحَامِي

    وَتِلْـكَ إِذَنْ خَسَارَةُ خَـاسِرِينَا ... وَشِقْوَةُ أَشْقِيَـاءَ بِـلاَ انْصِرَامِ(15)

    وَإِنْ تَكُـنِ الجَرِيمَةُ نَصْـرَ دِينِي ... فَلَسْتُ عَنِ الجَرِيمَـةِ فِي انْفِطَامِ

    رَضِيتُ بِنَهْـجِ قَافِلَةِ الرَّسُـولِ ... فَنِعْـمَ صَحَـابَةُ العَـلَمِ الإِمَامِ

    بِـهِ خَتَمَ الإِلَـ'ـهُ مُنَبَّئِيـهِ(16) ... فَكَانَ خِتَـامُهُ مِسْـكَ الخِتَـامِ

    فَحَيَّ(17) عَلَى الهِدَايَةِ فِي ذُرَاهَا(18) ... وَحَيَّ عَلَى الصُّعُودِ إِلَى السَّنَـامِ(19)

    هِيَ السَّـلَفِيَّةُ انْفَتَحَتْ جِهَـارًا ... صَحَائِفُهَــا بِـلاَ أَثَرِ الرَّغَامِ(20)

    هِيَ السَّــلَفِيَّةُ اتَّسَعَتْ بِأَرْضِي ... طَرَائِقُـهَا بِـلا ضَـرَرِ الزِّحَامِ

    هِيَ السَّــلَفِيَّةُ انْسَبَكَتْ قَدِيمًا ... سَبَائِكُـهَا بِلاَ شَـرَرِ الصِّدَامِ

    هِيَ السَّــلَفِيَّةُ انْفَجَرَتْ عُيُونًا ... مِنَ الحُجَجِ البَـوَاتِرِ(21)كَالسِّهَامِ

    هِيَ السَّــلَفِيَّةُ القَمَـرُ المُنِـيرُ ... بِـلاَ سُحُبٍ تَلُـوحُ(22) وَلاَ غَمَامِ

    هِيَ السَّلَفِيَّةُ الشَّرَفُ الرَّفِــيعُ ... فَهَلْ تَجِدُونَ أَفْضَلَ مِنْ وِسَامِي(23)؟!

    فَيَا سَلَفِيُّ لاَ تَدَعِ السَّبِيـــلاَ ... فَمَنْ لِكَتَائِبِ البِدَعِ الجِسَـامِ(24)؟!

    وَمَنْ لِغَيَاهِبِ(25) الظُّلُمَاتِ فِيـنَا ... إِذَا ذَهَبَ الضِّيَاءُ عَـلَى الـدَّوَامِ؟!

    وَيَـا سَلَفِيُّ لاَ تَعِـبِ الزَّمَـانَا ... وَلاَ تَـكُ عَـنْ عُيُوبِكَ فِي تَعَامِي
    وَيَـا سَلَفِيُّ سَـدَّدَكَ الإِلَـ'ـهُ ... وَعِشْتَ مَعِيـشَةَ البَـطَلِ الهُمَامِ(26)

    أَوَائِلُنَا مَضَـوْا قُـدُمًا أُسُـودًا ... أَوَاخِرُنَا أَتَـوْا شَــبَهَ النّـَعَامِ**

    وَلِلْمُتَهَـوِّكِ(27) الخَلَـفِيِّ قَـالٌ(28)يُفَضِّلُ مَـذْهَبَ الخَـلَفِ النِّـيَامِ

    يَقُولُ عُلُومُـنَا حِـكَمٌ عَـوَالٍ ... وَمَـذْهَبُكَ السَّلاَمَةُ مِنْ سَـقَامِ(29)

    فَهَـلْ أَتَتِ السَّلاَمَةُ دُونَ عِـلْمٍ ... فَيَـا عَجَـبًا لِـذَلِكَ مِـنْ نِظَامِ

    وَإِنْ تَكُنِ العُـلُومُ بِـلاَ سَـلاَمٍ ... فَتِـلْكَ كُلُومُ(30) صَالِيَةِ الحِمَـامِ(31)

    وَمَنْ رُزِقَ السَّلاَمَةَ عَاشَ حُــرًّا ... وَإِنْ أَكَـلَ البُقُولَ بِـلاَ حَمَـامِ

    وَمَنْ عَبَدَ الإِلَـ'ـهَ أَصَـابَ عِـزًّا ... وَإِنْ سَكَنَ القِـفَارَ(32) بِـلاَ خِيَامِ

    رَفَعْتُ إِلَى السَّمِيعِ يَـدَيْ دُعَـائِي ... فَـلاَ رَجَـعَتْ مُخَـيَّـبَةَ المَرَامِ(33)

    أُرِيـدُ رِضَا الكَرِيمِ وَدَارَ خُـلْـدِ ... بِهَـا الدَّرَجَـاتُ عَالِـيَةُ المَـقَامِ

    بِهَا الصُّلَـحَاءُ وَالشُّهَـدَاءُ حَـقًّا ... بِـلاَ نَصَـبٍ هُـنَاكَ وَلاَ مَـنَامِ

    إِذَا غُمِسَ السَّعِـيدُ بِـهَا قَلِيـلاً ... أَحَـسَّ بِـلَذَّةِ الظَّـفَرِ التَّــمَامِ

    فَـيَا غَـفَرَ الغَفُـورُ لِـيَ الذُّنُوبَا ... وَيَا رَحِـمَ الرَّحِـيمُ أَخَـا وِئَـامِ(34)


    قال أبو بكر:
    ليعلم القريب والبعيد، والقاصي والداني، والعالم والجاهل، والعدو والصديق، والمؤيد والمعارض، والحاضر والبادي، والمسافر والمقيم، والمشرِّق والمغرِّب، ليعلم أنَّا للكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ناصرون.
    وأنَّا لما في الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة معتقدون متبعون مستمسكون.
    وأنَّا في الخارجين عن عقيدة ومنهج السلف الصالح في فهم الكتاب والسنة طاعنون وذامّون ومبدِّعون، وأنَّا منهم فارُّون، وعنهم ناءون، ولهم مهاجرون،
    وأنَّا لأستارهم هاتكون، ولعقيدتهم الفاسدة كاشفون، ولمنهجهم الباطل مبَيِّنون.
    وأنَّا من سلوك طريقتهم ومنهجهم واعتقاد عقيدتهم حذرون ومحذِّرون ومنفرون.
    وأنَّا عن حضور مجالسهم وتكثير سوادهم ومودتهم صادُّون، وأنَّا لقاصديهم رادُّون.
    وأنَّا بالقلة أو بالكثرة من الأتباع غير معتبِرين.
    وأنَّا بالحق وحده معتبرون.
    وأنَّا لأهل العلم مؤيدون وناصرون، غير خاذلين ولا مخذلين ولا مثبطين.
    وأنَّا معهم متعاونون، ولهم معينون, ولهم موقرون، وبعضدهم شادّون.
    وأنَّا على المكاره والعواقب المؤلمة -إن شاء الله- صابرون محتسبون.
    وأنَّا للمحزبين للأمة والمفرقين لجمعها بالأحزاب والجماعات معادون.
    وأنَّا لهم بالقرآن والسنة مجاهدون.
    وأنَّا لهم مبدِّعون ولضلالهم مُبَيِّنون.
    وأنَّا منهم محذرون.
    وأنَّا نعتقد أن مذهب الموازنات القاضي بأن المبتدع إذا ذُكرت سيئاته وبدعته فلابد من ذكر حسناته ولو كان المقام مقام تحذير من المبتدع وبدعته لا مقام ترجمة، نعتقد أن هذا المذهب باطل ومحدَث ومخترع ومبتدع ومصطنع، مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة قديمًا وحديثًا في التحذير من المبتدع وبدعته دون التزامهم بوجوب منهج الموازنات المدعى المزعوم.
    ونعتقد أن المعتقدين لهذا المذهب ضُلاّلٌ مبتدعة زائغون عن الحق، هدّامون لأصل من أصول أهل السنة والجماعة في منهجهم.
    ونعتقد أنه يجب الحذر من هؤلاء والتحذير منهم، وصد الناس عنهم، وردهم عن مجالسهم، وتحذيرهم من تكثير سوادهم واستماع شبههم.
    ونعتقد أن هذه البدعة -بدعة الموازنات- بدعة خطيرة جدًا، ومن أخطر البدع في هذا العصر وفي هذا القرن، وتزداد خطورتها إذا كان يعتقدها ويؤيدها وينصرها من ينتسب إلى مذهب السلف الصالح، وينسب تلك البدعة المذمومة الشنيعة إلى مذهب السلف الصالح، مع العلم بأن مذهب السلف الصالح بريء من تلك البدعة، وأن السلفيين برآء من تلك البدعة ومن حاملها وناصرها ومؤيدها ومعتقدها.
    وهؤلاء المبتدعون سلفيون قولاً وادعاءً وليسوا بسلفيين فعلاً وواقعًا وحقيقة، بل إنهم من أشد المبتدعة ابتداعًا، ومن أضل الناس في هذا العصر لخفاء بدعتهم على كثير من الناس -وما أكثر المغترين بهم!!- ولكون هؤلاء يدّعون السلفية، وينسبون إليها ما ليس منها، ويُلبِسون الباطلَ ثوبَ الحقِ، فتنطلي البدعة والشبهة، وينطلي الباطل على كثير من الناس الذين قلّ علمهم وقلّ فقههم.
    وأصحاب هذا المذهب المبتدع -مذهب الموازنات- يدورون بين أمرين أحلاهما مر، يدورون بين الجهل بمنهج السلف الصالح بخصوص التحذير من المبتدعة، وبين تعمد مخالفة منهج السلف الصالح في هذا الباب العظيم، أما من كان جاهلاً فإنه يجب عليه التعلم أو سؤال أهل العلم أو السماع لما يقول به أهل العلم، ولا يجوز له الإعراض عن ذلك، قال الله -عز وجل-:
    {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}
    وقال -عز وجل-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}
    فإن فعل وتعلم ورجع، وإلا كان الواجب منع هؤلاء الجهلة من التصدر للتدريس أو الخطابة أو الفتوى، حماية للمسلمين من جهلهم ومن شرهم، وحماية للدين من إفسادهم له، وأما من كان متعمدًا للمخالفة فإنه يجب منعه ويجب عدم تمكينه من باب أولى، ويجب تعزيره وتأديبه وتقريعه وتوبيخه وتأنيبه وكشف أمره وهتك ستره وغير ذلك من أنواع التعزيرات والعقوبات التيتردعه وتردع أمثاله المقتحمين للبدعة عن عمد، المفسدين للدين، الملبسين على الناس، المتشبهين بأهل الكتاب الكفرة الذين قال الله فيهم:
    {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}
    وأن تكون أساليب منع تلك البدعة متدرجة آخذة بالأشد فالأشد، كما هو الشأن في تغيير المنكر.
    ثم ليُعلم أن الفتنة هي مخالفة الحق، يقول الله -عز وجل-:
    {... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة ضالة مبتدعة زائغة عن الحق، وأنها من أشد الأحزاب الإسلامية عداوة للسلفيين، ومن أكثر الأحزاب تلبيسًا وإيرادًا للشبهات الباطلة، ونعتقد أنه يجب الحذر منها بشتى وسائل الحذر، ويجب التحذير منها بشتى وسائل التحذير.
    ولقد صدق شيخنا العلامة المحدث الفقيه مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله تعالى- صدق في وصفهم بالإخوان المفلسين، وذلك؛ لأنهم مفلسون في العلم وفي السياسة أيضًا، فإن هذه الجماعة من أبعد الجماعات عن العلم الشرعي وعن منهج السلف الصالح -رضي الله عنهم أجمعين-.
    ثم إنها جماعة سياسية تنازع الأمر أهله، وتنتظر فرصة الخروج على الحاكم المسلم حتى تنقض على كرسيه وعلى عرشه، ولا يخفى ما في هذا الخروج من الفساد والإفساد -لا مكّن الله لهم-.
    ويجب حظر نشاط تلك الجماعة المشبوهة المريبة المبتدِعة، ويجب عدم تمكينهم من دعوتهم الملبِّسة والمشبِّهة على الناس.
    وليُعلم أن هذا الحزب وأن هذه الجماعة ملفِقَةٌ لسائر الطوائف والفرق، فإن الطوائف والفرق تدخل في شرط هذه الجماعة، فلا تمييز عندهم بين السني وبين غيره، فلذلك يجب على السلفي أن يتميز عنهم، فإنهم من أشد الجماعات والأحزاب المعادية لمذهب السلف -ثبتنا الله على مذهب السلف حتى نلقاه سبحانه وتعالى-.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن جماعة الجهاد جماعة ضالة مبتدِعة زائغة عن الحق مفسدة في الأرض، وأنه يجب الحذر منها والتحذير منها بشتى وسائل الحذر والتحذير والتنفير، وأنه يجب درء فتنتهم ومنع إفسادهم للدين والدنيا، ويجب الأخذ على أيديهم بالوسائل المناسبة الكفيلة بردعهم عن إفسادهم، ولقد صدق شيخنا العلامة الشيخ مقبل -رحمه الله تعالى- في تسميته لهم بجماعة الفساد.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن جماعة التبليغ جماعة جاهلة ضالة مبتدِعة بعيدة عن منهج السلف، وذلك؛ لأن منهجهم فاسد بدعي تجهيلي مضلل مخالف لمذهب السلف ومعادٍ له، وليس قائمًا على أصول أهل السنة والجماعة ولا على منهج أهل السنة والجماعة، فيجب الحذر والتحذير منهم بشتى وسائل الحذر والتحذير، كما يجب منع الجهلة منهم ومن أمثالهم من قيادة المجتمع أو توجيهه وتربيته على مذهب ومنهج مخترع مبتدع، فإن الجهل داء وبيل فتّاك قتّال.
    ويجب حظْرُ نشاطهم ومنعهم من ذاك الخروج الجاهلي الذي يفتقد أصوله العلمية الشرعية ومنهجه العلمي الشرعي.
    إنهم ليخرجون هذا الخروج الجاهلي بدعوى الدعوة إلى الله، وإن فاقد الشيء لا يعطيه، فإن القوم من أجهل عباد الله بمنهج السلف الصالح، ومن أجهل عباد الله بكتاب ربنا وبسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
    وعلى هذا فلا يجوز تكثير سوادهمولا حضور مجالسهم ولا مودتهم ولا غير ذلك من أنواع الولاء لهم، بل يجب التبرؤ منهم ومن منهجهم ومذهبهم وطريقتهم وتحزبهم وتفريقهم للأمة كما هو الشأن في جميع الجماعات والأحزاب، فإنه يجب البراءة من سائر المبتدِعة ومن مناهجهم المبتدِعة المبتدَعة المخترَعة، ثم إنه قد بدا لي أن أسميهم بجماعة التجهيل والتضليل.

    قال أبو بكر -وفقه الله والمسلمين أجمعين-:
    ونعتقد أن جماعة التوقف والتبين التي تتوقف في الحكم على المسلمين بالإسلام حتى يتبين إسلامهم، نعتقد أن تلك الجماعة جماعة ضالة منحرفة عن الحق، زائغة عنه، زائغة عن منهج أهل السنة والجماعة، منهج السلف الصالح، ذلك؛ لأن الأصل في المسلمين هو الإسلام، كما أن الأصل في الكفار هو الكفر، فلا يجوز لنا أن نتوقف في الحكم بالإسلام على المسلمين حتى نتبين إسلامهم، كما أنه لا يجوز لنا أن نتوقف في الحكم بالكفر على الكفار حتى نتبين كفرهم، ذلك؛ لأن الأصل في المسلمين هو الإسلام، وأن الأصل في الكفار هو الكفر، فلا يجوز لنا العدول ولا الخروج عن هذا الأصل، فلابد من استصحاب الأصل في كلٍ من المسلمين والكفار.
    فلا يجوز التوقف في الحكم على المسلم بالإسلام حتى نتبين من إسلامه، ولا يجوز لنا التوقف في الحكم بالكفر على الكافر حتى يتبين لنا كفره.
    إذا ثبت هذا، فاعلم أنه يجب الحذر من هذه الجماعة الضالة المنحرفة، ويجب التحذير منهم والتنفير عنهم بشتى وسائل الحذر والتحذير والتنفير -أعاذنا الله من تلك المذاهب والجماعات والأحزاب المبتدِعة المبتدَعة المفرقة للأمة-.

    قال أبو بكر -سلمه الله والمسلمين أجمعين-:
    ونعتقد أن جماعة التكفير الذين يكفرون المسلمين بالكبيرة أو بالمعصية التي هي دون الشرك الأكبر، والذين يرون الخروج بالسيف على المسلمين حكامًا ومحكومين، نعتقد أن تلك الجماعة خوارج هذا العصر؛ لمخالفتهم لمذهب السلف الصالح القاضي بأنه لا تكفير إلا بمكفِر، وذلك المكفر لا يكون كبيرة دون الشرك الأكبر، ولا يكون معصية دون الشرك الأكبر.
    ونعتقد أن هذه الجماعة من أضل الفرق الإسلامية وأبعدها عن منهج أهل السنة والجماعة، وأن هؤلاء المكفرين للمسلمين يناظَرون ويناصَحون ويناقَشون وتقام عليهم الحجج من أهل العلم الذين هم أهل لإقامة الحجة ولإزالة الشبهة عن المخالف وعن المبتدع وعن الكافر وعن كل مارق عن الدين أو عن السنة أو عن منهج السلف الصالح.
    فإذا أقيمت عليهم الحجة ممن هو أهل لإقامة الحجة، ولم يرجعوا عن بدعتهم، وجمعوا مع تكفيرهم المسلمين الإفساد في الأرض وقتل المسلمين وجب قتالهم وقتلهم حتى تُستأصل شأفتهم، وحتى يستريح العباد والبلاد من شرهم.
    وليُعلم أن الذي يقوم بقتالهم وقتلهم هو ولي أمر المسلمين بمن معه، فلا يجوز لأحد أن يركب رأسه ويمتطي فرسه ويأخذ رمحه وسيفه ثم يذهب ليقاتل هؤلاء ويقتلهم، ذلك؛ لأن في هذا مفاسد عظيمة وفوضى جسيمة، وخروجًا على ولي الأمر وافتياتًا عليه.
    إن الذي يقاتلهم ويقتلهم هو ولي أمر المسلمين بمن معه دفعًا للفوضى وللخروج على الحاكم المسلم، ودفعًا للفتن وللمفاسد.
    فإذا أفسد هؤلاء الخوارج في الأرض ولم ينكف إفسادهم إلا بقتلهم قُتلوا وإن لم يَقتُلوا.
    وإذا كان الخوارج الجدد، إذا كانوا يعتقدون أنهم لا يرون الخروج اليوم وفي هذا العصر، لا يرون الخروج بالسيف على المسلمين وعلى حكامهم بدعوى أو باعتبار أنهم مستضعفون وأنهم أشبه ما يكونون بالعصر المكي، فنقول:
    أدام الله عليهم ذلك الضعف، وأدام الله عليهم ذلك العصر المكي -أعاذنا الله والمسلمين حكامًا ومحكومين من شرهم ومن فسادهم ومن إفسادهم، وردهم إلى الحق ردًا جميلاً-.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد وجوب السمع والطاعة منا لحكام المسلمين وولاة أمورهم؛ لأن الأصل فيهم أنهم مسلمون، فإذا أمروا بطاعة وجبت طاعتهم، وإذا أمروا بمعصية لم تجب طاعتهم، بل لم تجز طاعتهم.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أنه ليس كل من وقع في الكفر يعتبر كافرًا، إذ لا يجوز تكفير مسلم إلا بعد استيفاء شروط التكفير وانتفاء موانعه.
    ونعتقد أن الذين يعلمون ويدرون ذلك هم العلماء، فهم الموكول إليهم هذا الباب، لا الجهلة والعوام وأصحاب الجهالات والضلالات والأهواء والحزبيات الذين يتخذون رؤوسًا جهالاً فيسألونهم فيفتونهم بغير علم فيَضلون ويُضلون ويَفتتنون ويَفتنون.
    وإذا كان لابد من استيفاء شروط تكفير المعين وانتفاء موانع ذلك التكفير، إذا كان لابد من ذلك في تكفير المعين من آحاد الناس فإنه لابد من ذلك قبل الحكم بالكفر على المعين من حكام المسلمين من باب أولى وأولى وأولى لعظم وخطر ما يترتب على ذلكم الحكم الخطير، خاصة بعد قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان))
    ألا بعدًا لأصحاب الفتن والثوْرات وأصحاب الفتاوى الزائغة والجهالات، وبعدًا للمكفرين للمسلمين والمكفرات، وبعدًا للمفلسين في العلم والحجج والمفلسات، وبعدًا للحائدين عن منهج السلف الصالح والحائدات، والحائرين والحائرات، والبائرين والبائرات، المشعلين لنيران الفتنة والمشعلات -وقانا الله شرهم وأمَّننا وإخواننا والمسلمين وبلادنا من فتنهم، ورد كيدهم في نحورهم، واستأصل الله شأفتهم وأسكت نأمتهم-.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد عدم جواز الخروج على الحاكم المسلم خلافًا للخوارج الذين يخرجون على حكام المسلمين ويعيثون في الأرض فسادًا.
    ندين الله -عز وجل- ظاهرًا وباطنًا بعدم جواز الخروج على حكام المسلمين، وإن جاروا وظلموا، وإن أخذوا المال، وضربوا الظهر، وإن سجنوا، وإن قتلوا.
    ونستعين بالله -عز وجل- في الصبر على أي أذى منهم، ولا نرى مع ذلك جواز الخروج عليهم للأدلة الشرعية الدالة على عدم جواز الخروج عليهم، حقنًا لدماء المسلمين، ودرءًا للمفاسد، وجمعًا لكلمة المسلمين.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن الحاكم -حاكم المسلمين- لو أنه كفر كفرًا بواحًا عندنا فيه من الله برهان، نعتقد -والشأن ما ذكر- أنه لا يجوز للمسلمين مقاتلة هذا الحاكم إذا كانوا غير قادرين على مقاتلته والإطاحة به وإزاحته عن العرش، وكذلك إذا كان القتال يكون دائرًا بين المسلمين فإنه لا يجوز أيضًا أن يقاتل هؤلاء المسلمون ذلك الحاكم الكافر حقنًا لدماء المسلمين، ودرءًا للمفاسد العظيمة المترتبة على مثل ذلك القتال، وهذا مستفاد من معنى كلام لشيخنا العلامة مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله-.
    كما أنه إذا كانت الغلبة والجولة والقَهر لحاكم كافر أصلي واستتب واستقر الأمر له فإنه لا يجوز والحالة هذه، لا يجوز للمسلمين أن يقاتلوا ذلك الحاكم الكافر إذا كانوا غير قادرين على مقاتلة ذلك الحاكم، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وصحابته الكرام، لنا فيهم أسوة حسنة حيث كانوا بمكة -شرفها الله تعالى- وكان للمشركين الغلبة والقوة والقهر والسلطان، فلم يؤذن للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن يقاتل المشركين وهم في مكة -شرفها الله تعالى- ومن لم يكن له في رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أسوة في مثل هذا الموطن وفي غيره فليس له في أحد أسوة، وعليه، فإن المسلمين الموجودين في بلاد الكفر لا يجوز لهم مقاتلة الحاكم الكافر الذي يحكم الكفار في تلك البلاد، ذلك؛ لعدم قدرتهم على مقاتلته، ولما يترتب على ذلك القتال من سفك دماء المسلمين وتحقيق المفاسد العظيمة، على هذا دل كلام أهل العلم المبني على الأدلة والقواعد الشرعية.

    قال أبو بكر:
    اعلم -رحمني الله وإياك- أن الواجب على السني السلفي أن ينصح للمبتدعة، وأن يقيم الحجة عليهم، وأن يحذرهم من البدعة، وأن من والاهم بأي نوع من أنواع الموالاة كمصاحبة أو مجالسة أو نحو ذلك من أنواع الموالاة، نعتقد أن من فعل ذلك فهو مبتدع مثلهم مريض القلب.
    وكذلك نعتقد أن من أثنى على المبتدعة، ومن مدحهم، ومن سكت عن بيان بدعهم رضًا منه بها، ومن أنِسَ بهم، ومن ألِفَهُم، ومن دافع عنهم، وذب عنهم، ومن عظَّم قدرهم، وشَهَرَ مذهبهم، وأشاد بذكرهم، نعتقد أن من فعل ذلك فإنه مبتدع مثلهم يجب الحذر منه والتحذير منه والتنفير عنه والبراءة منه ومن زيغه وضلاله وابتداعه.
    ونعتقد أن من حامى عن المبتدعة، ومن رد على أهل السنة الذين يردون على المبتدعة، نعتقده مبتدعًا ضالاً زائغًا عن الحق منحرفًا عن منهج السلف ا لصالح إلى البدعة والضلالة، يقول الله -عز وجل-:
    {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}
    فمن تعاون مع المبتدعة على نشر وإذاعة بدعهم فإنه مبتدع مثلهم، كما أن من أعان فاسقًا على نشر فسقه فإنه فاسق مثله.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن المسلمين صنفان، سلفي، وخلفي، فمن لم يكن سلفيًا كان خلفيًا.
    فالسلفي سني مهتدٍ بالحق، هادٍ به، وبالحق يعدل، والخلفي ضال مبتدع زائغ عن الحق، لهواه متبع، ناكبٌ عن الصراط المستقيم، ضال ببدعته، ومضل لغيره إن كان داعيًا إلى بدعته، فاختر لنفسك.
    وأقول: لو لم أكن سلفيًا، لوددت أن أكون سلفيًا.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن أهل الأهواء والبدع والضلالات ساقطون في الفتنة مثيرون لها، وأن السلفيين بعيدون ومبتعدون عن الفتنة، وليسوا مثيرين لها، بل إنهم سبب للأمن والأمان في المجتمعات،ذلك؛ لأنهم يدعون إلى كتاب ربهم وإلى سنة نبيهم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بفهم السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- وقد قال الله -عز وجل-:
    {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن الله -عز وجل- حافظٌ دينه، فلا يُمْكن لأحد أن يزيد في الدين، أو أن يدخل فيه ما ليس منه، وإن زعم أنه من الدين، وإن زعم أنه مذهب السلف، فليس كل دعوى مقبولة، وإن الدعاوى إن لم يقم عليها أصحابها البينات فأصحابها أدعياء، يقول الله -عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}
    وقد قال الله -عز وجل-:
    {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}
    ويقول الله عز وجل-:
    {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
    وقد هيأ الله -عز وجل- لهذا الدين علماء أجلاء ذبوا عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وردوا الناس من البدعة إلى السنة، وحَفِظ الله -عز وجل- بهم الدين، وأعلى بهم كلمته، ونصر بهم دينه، وخذل بهم البدعة وأهلها، والشرك وأهله، والكفر وأهله، والإلحاد وأهله، والفسق وأهله، وأعلى الله -عز وجل- ذكرهم، ورفعه، وجعلهم ظاهرين على العباد، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن العبرة بالحق والدليل والبرهان، وليست بكثرة الأتباع والصخب والصياح، يقول الله -عز وجل-: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}
    فلسنا أكثريين، ولسنا جمهوريين، وإنما نحن أثريون دليليون برهانيون، أعني بذلك أننا متبعون للدليل وللحجة وللبرهان من كتاب ربنا ومن سنة نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بفهم سلف هذه الأمة، وقد أثنى الله -عز وجل- على القلة، ومدحها في غير موضع من كتابه، فقال: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}
    وقال -عز وجل- عن داوود -صلى الله عليه وسلم-:
    {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ}

    قال أبو بكر:
    وإلى من ينتسب إلى مذهب السلف في الظاهر، وليس هو كذلك في الباطن ولا في حقيقة الأمر، إليه أسوق قول الله -عز وجل-:
    {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} وأسوق إليه قول الله –عز وجل- في سورة الحجر:
    {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ}.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن الأهواء والبدع من أكبر الكبائر وأنها من جنس الشرك بالله -تعالى- قال الله -عز وجل-:
    {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
    واعلم أن العلماء قدَروا البدعة حق قدرها، وأدركوا خطرها وجرمها، ولذلك نبهوا على خطر أمرها وعلى خطر أمر المبتدعة، وحذَّروا من البدعة والمبتدعة وحذِروا من البدعة والمبتدعة، بخلاف أهل الجهل والهوى الذين يهوِّنون من أمر البدعة والمبتدعة ومن أمر المخالفة والمخالفين.
    أما العلماء فهم على عكس ذلك، يقول الله -عز وجل-:
    {وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ}
    وقال -عز وجل-: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، وأن البدعة لا يتاب منها بخلاف المعصية فإنه يتاب منها، وأن البدعة غلو في الدين وزيادة فيه، وإلحاق ما ليس من الدين بالدين، وأنها من جنس الشرك، وأن صاحبها يعتقد أنه على الحق والصواب، فلذلك لا يتوب منها كما أنه لا يُرجى له أن يتوب منها إلا أن يشاء الله -عز وجل- ذلك، قال الله -عز وجل-:
    {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}
    وقال الله -عز وجل-: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}
    وقال الله –عز وجل-: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}
    وقال -تعالى-:
    {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
    أما العاصي فإنه يعلم أنه يقترف المعصية وهو يعتقد أنها معصية ولا يعتقد أنها من الدين، فلذلك يُرجى له أن يتوب من تلك المعصية، وهذا حال كثير من العصاة، فإن كثير من العصاة يتوبون إلى الله -عز وجل- بخلاف المبتدعة، فإن الغالب على حالهم عدم التوبة إلى الله -عز وجل- من بدعتهم -عافانا الله عز وجل وإياكم من البدع والضلالات والمعاصي-.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد مجانبة أهل البدع وبدعهم، قال الله -تعالى-: {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}
    وقال -تعالى-: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا}
    وقال: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} إلى غير ذلك من الآيات القرآنية.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن زمن ومدة وأمد هجر المبتدع قد يزيد فوق ثلاث ليال، فليس زمن هجر المبتدع وليس زمن وأمد ومدة هجر المبتدع محدودة بثلاثة أيام أو بثلاث ليال، وليست مقصورة ولا محدودة بهذا التأقيت الزمني –أعني ثلاث ليال أو ثلاثة أيام- فقد يزيد الهجر أكثر من ذلك، بل قد يتمادى الهجر حتى موت المبتدع، فما دام المبتدع قائمًا على بدعته فإنه يُهجر، أما إذا رجع عن بدعته يوصل له ما للسلفي وعليه ما على السلفي، أما تحديد الهجر بثلاث ليال فإن هذا متعلق بالتقصير في حقوق الأخوة وفي حقوق العِشرة وفي حقوق الصحبة ونحو ذلك مما لا يترتب عليه الحكم بتفسيق أو تبديع، أما باب هجر المبتدع فباب آخر كما علمت لدلالة الأدلة على هجر المبتدع أو هجر الفاسق المجاهر بفسقه لدلالة الأدلة على هجر هؤلاء أكثر من ثلاث ليال، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث كعب بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أمر الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- أن يهجروا كعب بن مالك وصاحبيه، فلم يكلموهم قرابة خمسين ليلة، فأُخِذ من هذا الحديث ما سبق من الحكم الذي ذكرته آنفًا، ثم إن عمل السلف قائم على هذا أيضًا، فلم يجعلوا الحديث الناطق بأنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، لم يجعلوا هذا الحديث ضابطًا وحدًا ومعيارًا لمدة هجر المبتدع، فباب هجر المبتدع باب آخر، والله تعالى أعلى وأعلم.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن جرح المبتدعة، والحذر منهم، والتحذير منهم، والتنفير عنهم، والذب عن الشريعة من أفضل الأعمال والقربات التي يعملها المسلم ويتقرب بها إلى الله -عز وجل- وقد صرح بعض الأئمة -رحمهم الله تعالى- صرحوا بأن الذب عن الشرع أفضل من الجهاد في سبيل الله.
    وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:
    إن الكفار يفسدون القلوب تبعًا، أما المبتدعة فإنهم يفسدون القلوب ابتداءً.
    هذا معنى كلامه -رحمه الله-.
    إذا عرفت وعلمت ما سبق، قدَرت قدر أهل العلم المجتهدين المجاهدين الذين يردون على المبتدعة ويحذرون منهم، فكن على ذُكر من ذلك، قال الله -عز وجل-: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}
    فإن الجهاد بالقرآن وبالسنة جهاد كبير، والله تعالى أعلى وأجل وأعلم.

    قال أبو بكر:
    نصيحة:أنصح إخواني الذين يريدون معرفة الحق، أنصحهم بالاطلاع على ما كتبه أهل العلم والمجاهدون بالقرآن وبالسنة الذين يردون على المبتدعة في هذا العصر وفي غابر العصور.

    قال أبو بكر:
    تحذير:أحذر إخواني من القراءة في كتب المبتدعة، فإنهم يوردون شُبَهًا، وقد تنقدح الشبهة في القلب، فإن القلوب ضعيفة والشُبه خطّافة، ومتى اعترضتك شبهة فعليك باللجأ إلى أهل العلم السلفيين، سؤالاً لهم، واطلاعًا على كتبهم، وسماعًا لهم.

    قال أبو بكر:
    وصية:أوصي إخواني بمعرفة أهل العلم السلفيين في هذه البلاد أو في خارجها، وبالاطلاع على كتبهم والسماع لأشرطتهم والاستفادة منهم سواءً كانوا أحياءً أم أمواتًا، فمن هؤلاء العلماء الأجلاء الأفاضل السلفيين:
    الشيخ الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله تعالى- والشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى- والشيخ العلامة الفقيه محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله تعالى- والشيخ العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله تعالى- والشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى- والشيخ العلامة صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان -حفظه الله تعالى-
    ننصح بالاستفادة من كتب هؤلاء العلماء الأجلاء السلفيين ومن ردودهم على أهل البدع، فإنهم يتتبعون ما أمكنهم من البدع ويردون عليها وعلى أصحابها حتى يُصَيِّرُوها كأمس الذاهب، أو كالدخان في الهواء إذ لا قرار له ولا بقاء، أو كالملح في الماء إذ سرعان ما يذوب، أو كالزجاج المكسور المنثور، هؤلاء هم العلماء المشهورون بالعلم الراسخون فيه، المعروفون بالعلم وبالثبات على مذهب السلف الصالح، وبجهاد أهل البدع، وبالرد على أهل البدع، ورد الشبهات، هؤلاء العلماء هم الذين يُركن إلى منهجهم وإلى مذهبهم وطريقتهم، إذ إن طريقتهم ومنهجهم هو منهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، وهم مشهورون ولله الحمد، ودعك من الحاسد الحاقد الذي نقول له:
    ليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ؟!
    ونقول له -أيضًا-: قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن الحق فوق كل أحد، وأن الحق أجل من كل أحد، وأن الحق أعلى من كل أحد، فاعرف الحق تعرف أهله، اعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال.

    قال أبو بكر:
    اعلم أن من علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الحديث والسنة والأثر والجرح والتعديل، فمن وصفهم بوصف سوء أو نبزهم بلقب سوء، أو طعن فيهم بأي وجه من وجوه الطعن، فإنه مبتدع أثيم خبيث فاسق ظالم، قال -تعالى- عن بعض المنافقين: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
    وقال -عز وجل-: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}
    وقال -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}
    فمن قال عن أهل الحديث والسنة والأثر والجرح والتعديل إنهم رافضة سبابة، فإنه هو الرافضي السباب الأثيم الخبيث على الحقيقة، وأقول:
    إن كان أهل الحديث والسنة والأثر والجرح والتعديل رافضة سبابة؛ لاشتغالهم بهذه العلوم النافعة ولجرحهم وذمهم وطعنهم في المبتدعة، إن كان أهل الحديث والسنة والأثر والجرح والتعديل رافضة سبابة لاشتغالهم بهذه العلوم، فإني أشهد الله تعالى أني -والشأن ما ذُكر- رافضي، فأقول:

    إن كان رفضًا ذم كل مُبَدّعٍ فليشهد الثقلان أني رافضي

    فالحقيقة أن هؤلاء وأمثالهم يقال فيهم: رمتني بدائها وانسلت.
    ومن قال فيهم إنهم نابتة السوء، فإنه هو وأمثاله نابتة السوء على الحقيقة.

    قال أبو بكر:
    واعلم أن السلفيين وعلماء السلفيين حينما يتكلمون في المبتدعة فإنهم يتكلمون بالدليل والبرهان الجلي والحجة النيّرة الساطعة، أما إن تكلم المبتدعة في أهل الحديث والسنة والأثر فإنهم يتكلمون بالباطل والزور والبهتان، كقول قائلهم مثلاً عن أهل السنة والجماعة والحديث والأثر والجرح والتعديل:
    إنهم لا يفقهون الواقع، أو إنهم لا يفقهون، أو إنهم علماء حيض ونفاس -يقصد بذلك ذمهم- أو إنهم مشتغلون بالقشور عن اللباب، إلى غير ذلك من الطعون والفرى والأكاذيب.

    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن بيان سبيل المجرمين من المبتدعين وغيرهم يكون على سبيل التفصيل حتى يتميز سبيل المؤمنين عن سبيل المبتدعين والمجرمين، قال –تعالى-: {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}
    فلا يُكتفى بالإجمال مع الحاجة إلى التفصيل والبيان، وما أشد الحاجة في هذه الأزمان وفي هذه الأعصار إلى ذلك التفصيل وذلكم البيان!! ذلك لمعرفة سبيل المجرمين للحذر منه والتحذير منه والتنفير عنه، ولقد صدق من قال:

    عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ... ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه


    قال أبو بكر:
    ونعتقد أنه لا يجوز التهوين ولا التقليل من أمر البدعة ولا المبتدعة ولا من خطر البدعة ولا المبتدعة بأي عبارة من عبارات التهوين والتقليل، كأن يقول الشخص عن المبتدع الذي خالف أصلاً أو أصولاً أهل السنة والجماعة، أو خالف منهج أهل السنة والجماعة، كأن يقول هذا المتكلم عن من هذا حاله:
    إن فلانًا له أخطاء، وليس هناك أحد معصوم إلا الأنبياء، ولا يبين هذا المتكلم نوع هذه الأخطاء هل هي أخطاء في العقيدة أو في المنهج تخرج الرجل عن دائرة أهل السنة والجماعة إلى دائرة البدعة والضلالة؟!
    فإن الرجل قد يكفر بكلمة، قال الله -عز وجل- عن قوم: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ}
    وقال -عز وجل-: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}
    وقال الله -عز وجل-: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}
    وقال الله -عز وجل-: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ}
    وقد يكفر ويضلضلالاً مبينًا بكلمة -أيضًا- كأن يقول: إن الله في كل مكان، أو أن يقول: القرآن مخلوق، أو أن ينفي عن الله أسماءه أو صفاته أو كليهما، أم هي أخطاء تتعلق بمسائل وأمور يسوغ في مثلها الاجتهاد، ولا يعنف بسببها المجتهد، ويكون للمجتهد أجر على اجتهاده مع رد خطئه عليه؟!
    فمثل هذا الصنيع، ومثل هذا الإجمال، ومثل ذاك الإبهام من هذا المتكلم، مثله يسبب فسادًا كبيرًا؛ لأن في ذلك تهوينًا لأمر المخالفة ولأمر البدعة والمبتدعة؛ ولأن في ذلك تغريرًا بالمستمع أو بالقارئ، وخداعًا له، وغشًا له، وتلبيسًا عليه، وإدخالاً للبدعة عليه، وإضعافًا للبراءة من البدعة والمبتدعة، وإضعافًا لبغض البدعة والمبتدعة، وتقريبًا للسني إلى البدعة والمبتدعة قلبًا وقالبًا، روحًا وبدنًا، وإيهامًا للسامع أو القارئ أن أمر المخالفة للحق وأن أمر البدعة أمر هين، وأن المبتدع ليس ذا خطر، إلى غير ذلك من أنواع الإيهامات الباطلة المضلة، ثم إن ذلك -أيضًا- خيانة للأمانة التي أُمر بأدائها، ويعتبر قعودًا عن واجب النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، ولا يخفى ما في كل ذلك وغيره من الفساد والإفساد العريضين، والله المستعان.

    قال أبو بكر:
    بهذا نختم هذا الشريط الأول المبارك –إن شاء الله تعالى- ويليه الشريط الثاني وأوله خمسة أبيات أرسلتُ بها إلى اليمن في حياة شيخنا مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله تعالى-.


    1- الفِئام: الجماعة من الناس لا واحد له من لفظه.

    2- الأنام: الخَلْق.

    3- الحُطام: ما تكسر من اليبس.

    4- الحُسام: السيف القاطع أو طرفه الذي يضرب به.

    5- الزمجرة: كثرة الصياح والصخب والصوت.

    6 ، 7- أي للوم اللائمين أوغاد الناس، والوغد: هو الأحمق الضعيف الرَّذْل الدنيء.



    8- إِخالكم: بكسر أوله أي: أظنكم .

    9- كرائم: جمع كريمة .

    10- رَقِيَ: بفتح الراء وكسر القاف وفتح الياء المثناة التحتية ، أي: صَعِدَ.

    * أقول: إن شاء الله تعالى، عملاً بقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ...}

    11- الجراب: المِزْوَدُ أو الوعاء، والمزود: وعاء الزاد.

    12- السُّخام: الفحمُ وَسَوَادُ القِدْر.

    13- الجَنَان: القلب.

    14- الصِّمام: السِّداد.

    15- بلا انصرام: بلا انقطاع.

    16- مُنَبِّئِيهِ: أنبياءَه.

    17- حَيَّ: هَلُمَّ وأَقْبِل.

    18- الذُّرَى: جمع ذُرِوة، وذُرِوة الشيء بالضم والكسر أعلاه.

    19- سَنَام البعير: أعلاه، والمقصود هنا: معالي الأشياء والأمور.

    20- الرَّغَام: التراب أو التراب الليِّن أو الرمل المختلط بالتراب.

    21-البواتر: القواطع .

    22- تلوح: تظهر وتلمع.

    23- أي: السِّمة والعلامة المميزة.

    24- الجِسام: العِظام.

    25- الغيهب: الظُّلْمَة والشديد السَّواد من الخيل والليل، والغياهب جمع غَيْهَب.

    26- الهُمَام: الملك العظيم الهمَّة، والسيد الشجاع السَّخيُّ، خاص بالرجال.

    ** أعني الحائدين عن مذهب السلف، وبعبارة أخرى أقول:
    باستثناء السلفيين فإنهم أهل الحق، ولله الحمد.


    27- المُتَهَوِّك: المُتَحَيِّر.

    28- قالٌ: أي قولٌ، والمراد هنا القول السيئ.

    29- السَّقَام: المرض والعلة.

    30- كُلُوم: جمع كَلْم ، وهو الجرح.

    31- صالية الحِمَام: أي داخلة ومقتحمة وواردة حياض الموت.

    32- القِفَار: جمع قَفْر، وهو الخلاء من الأرض.

    33- المَرَام: الطَلَب.

    34-وِئَام: وِفَاق.
    # وقد استعنت بالقاموس في ترجمة ألفاظ هذه القصيدة. انتهى
    يتبع إن شاء الله
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو إبراهيم علي مثنى; الساعة 26-12-2010, 09:33 AM. سبب آخر: التنسيق

  • #2
    الشريط الثاني
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} أما بعد.
    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    قال أبو عبد الله أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة -حفظه الله تعالى والمسلمين أجمعين- قال:
    هذه خمسة أبيات نظمتها ثم أرسلتُ بها من مصر إلى شيخنا العلامة المحدث الفقيه أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- وذلك في حياته بعد رحلتي في طلب العلم باليمن -حرسه الله- وقد أُودِعَت في ترجمته -رحمه الله تعالى- قلت فيها:
    من المنصورة الغراء أُهدي إلى دماج بالقطر اليماني
    سلام([1]) زفه شوق دفـين وحب كامن في ذا الجنان
    أخص الوادعي بلا نزاع وأدخله العموم بلا تَـوان
    أيا دماج يا دار الحديث أيا طلابه مني التهــاني
    فصبرًا في مجال العلم صبرًا فذاك سبيلكم نحو الجنان
    قال أبو بكر:
    اعلم أن من ظن من المبتدعة أنه سيطفئ نور السلفية ببدعته التي يعتقدها بجنانه أو يقولها بلسانه أو يخطها ببنانه، مَنْ ظن هذا الظن فقد ظن ظن السَوء وكان بائرًا، فلييأس من تحقيق ظنه كل اليأس وتمامه وأكمله كائنًا من كان ذاك الظانّ، ولْيَعلمْ أن الله مُتم نوره ولو كره المبتدعون، وليَعلم أن به شَبهًا بالمشركين والكافرين الذين يظنون ظن السَّوء، الذين يظنون ظن السَّوء بالله أو بالمؤمنين، والذين يريدون إطفاء نور الله بأفواههم، وليعلم أن له نصيبًا من الوعيد الذي توّعد الله به هؤلاء المشركين والكافرين من أهل الكتاب أو من غيرهم بقدر تشبهه بهؤلاء المشركين والكافرين، فلكل متشبه من الوعيد بقدر تشبهه بالكافرين، فكل بحسبه، فهم بين مقلِّ من ذلك التشبه ومستكثر منه، وإن لم يلزم من هذا التشبه ومن ذاك الوعيد كفر أولئك المبتدعة المتشبهة بالكافرين وردتهم، واعلم أنه قد يلزم من التشبه بالكافرين كُفر المتشبِه وقد لا يلزم ذلك، ثم إن من تشبه بالكافر راضيًا بذكر الباطل ومعتقدًا صحة دينه ومذهبه فهو كافر مثله له من الوعيد ما للكافر الأصلي، هذا الحكم بالتكفير على سبيل العموم، أما الحكم بالتكفير على سبيل التعيين فلابد من استيفاء شروط التكفير وانتفاء موانعه، فمن استيفت شروط التكفير في حقه وانتفت عنه موانع الكفر كان كافرًا، ومن لم تُستوف في حقه شروط التكفير، ولم تنتفِ عنه موانع التكفير، نجا من دائرة الكفر الأكبر، نجا من دائرة الكفر الاعتقادي، نجا من الكفر المخرج من الملة، إلا أنه بقي في دائرة الكفر العملي، وفي دائرة الفسق والظلم، والله المستعان.
    قال الله -عز وجل- عن اليهود والنصارى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}
    وقال الله -عز وجل-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}
    وقال الله -عز وجل-: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}
    وقال الله –عز وجل-: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}
    وقال الله -عز وجل-: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا}
    قال أبو بكر -سدده الله تعالى والمسلمين أجمعين-:
    اعلم أن أهل الباطل من أهل البدع وغيرهم يتهمون السلفيين، أهلَ الحق، أهلَ السنة والجماعة، يتهمونهم بالحسد، وهم برآء من هذا الداء، وأهل الباطل من أهل البدع وغيرهم هم أهل الحسد حقيقة لا ادعاءً، ومن اتهم السلفيين بالحسد فإن له سلفًا فليعلم سلفه، وبئس السلف سلفهم، إن سلفهم هم أعداء الأنبياء والمرسلين، وقد رد الله عليهم هذه التُهَمَة، ونسب إليهم الحسد لا إلى الأنبياء والمرسلين ولا إلى المؤمنين السالكين سبيل الأنبياء والمرسلين، وعلام يحسدُ السلفيُ البدعي؟! أيحسده على بدعته؟! أم يحسده على زيغه وضلاله؟! أم يحسده على انحرافه عن الحق؟! فليمت الحاسد بحسده، وليمت الحاقد بحقده، قال الله -تعالى-: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً}
    وقال الله -عز وجل-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا}
    وقال الله -عز وجل-: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

    قال أبو بكر:
    اعلم أنه يجب على كل طوائف المسلمين وفرقهم أن يعودوا إلى مذهب السلف الصالح -رضي الله عنهم- وأن يتولَّوا السلفيين، وأن يعينوهم، وأن يشدوا من أزرهم، وأن ينصروهم، وأن يؤيدوا مذهبهم ومنهجهم، فإن منهجهم هو المنهج الصحيح، وهو الصراط المستقيم، واعلم أن السلفيين هم حزب الله الغالبون المفلحون المنصورون، واعلم أن أهل العلم السلفيين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون، وهم ظاهرون بالحق على كل مبتدع ومبطل مخالف للحق، وهذه علامة ظاهرة تدل على أنهم على الحق، فتجد كل عالم سلفي قد رفع الله ذكره، وأعلى شأنه، وأحيا به السنن، وأمات به البدع، وأغاظ به أهل البدع.
    واعلم أن من ابتدع فإنه مهزوم مغلوب مخذول مرذول خاسر، وكذلك من تولى أهل البدع، ونصرهم، وأيدهم، واحتج لباطلهم وشبههم بالحجج الداحضة الذاهبة الواهية، من تولاهم بهذا أو بغيره من وجوه التولي فإنه منهم، سواءٌ منهم من أسر بهذا التولي ومن جهر به، وإذا كان من تولى المبتدعة فإنه منهم، فكذلك من تولى الكفار فإنه منهم، وقد نهى الله -عز وجل- المؤمنين عن اتخاذ أعداء الله وأعداء المؤمنين أولياء، ولاشك أن المبتدعة فيهم من العداوة للسلفيين ما فيهم، وعلى هذا فإنهم متشبهون بالكفار في هذا الباب، قال الله -تعالى-:
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ * إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}
    وقال الله -عز وجل-:
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ}
    وقال الله -عز وجل-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
    وقال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}
    وقال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}
    واعلم -رحمني الله وإياك- أن السلفيين بما فيهم العلماء هم أولياء الله حقيقة لا ادعاءًا ولا زعمًا، وإن لم يكن السلفيون وعلماؤهم أولياء الله فلا أعلم لله وليًا، وكيف لا يكونون هم المؤمنين والمتقين؟! وهم يعبدون الله -عز وجل- على بصيرة، متبعين في ذلك كتاب ربهم، وسنة نبيهم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وسالكين سبيل السلف الكرام -رضي الله عنهم- وسالكين سبيل من تبعهم بإحسان، وقد وعدهم الله -عز وجل- بالبشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وعدًا لا تبديل له، ونفى عنهم الخوف والحَزَن، فقال -عز وجل-:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
    ولقد أخبر الله -عز وجل- في كتابه، وخبره حقًا وصدق، أخبر أن رسله هم المنصورون، وأن جنده هم الغالبون، وأقول:
    إن لم يكن السلفيون وعلماء السلفيين، إن لم يكونوا هم جند الله الغالبين فلا أعلم لله جندًا غالبين، قال الله -عز وجل-:
    {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}
    وقال الله -عز وجل-: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}
    ولاشك في أن السلفيين هم الذين يتولون الله ورسوله والذين آمنوا حق التولي، والله تعالى أعلى وأعلم.
    قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، في (كتاب الاعتصام) باب قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: {لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون، وهم أهل العلم}
    ثم ساق -رحمه الله تعالى- بسنده إلى المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون))
    الحديث أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، في (كتاب الإمارة) بنحوه.
    وروى الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، في (كتاب الإمارة) بسنده إلى معاوية -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس))
    الحديث رواه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، في (كتاب المناقب) بنحوه.
    واعلم أنه ليس كل من تولى الكافرين يعتبر كافرًا كفرًا أكبر مخرجًا من ملة الإسلام أو كفرً اعتقاديًا، فقد يكون كافرًا وقد لا يكون كذلك.
    فمن تولى الكافرين، ونصرهم على المسلمين، وأعانهم على ذلك، معتقدًا صحة مذهب الكافرين، وصحة دينهم، أو كان مبغضًا لدين الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أو محبًا لرفع دين الكافرين وإعلائه، أو محبًا لخفض دين الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أقول:
    من تولى الكافرين على هذا الوجه، وعلى هذا النحو، فإنه يعتبر كافرًا كفرًا أكبر حاكمًا كان أو محكومًا.
    واعلم أنه لا سبيل إلى معرفة ما يعتقده مثل ذلك المعتقِد إلا بإقراره بلسانه، فإن أقر بلسانه، وإلا، فلا سبيل إلى معرفة ما يعتقده، فيبقى على إسلامه، إذ يجب علينا أن نستصحب الأصل في المسلم، ألا وهو الإسلام؛ لأنه مسلم في الأصل يقينًا، فلا ننتقل عن هذا اليقين المعلوم بما لا نعلمه من اعتقاده.
    واعلم أن هناك فرقًا بين الحكم على العموم والحكم على التعيين، فإن الحكم على التعيين لابد فيه من استيفاء شروط التكفير، ولابد فيه من انتفاء موانع التكفير، ولقد سبق في هذا الشريط ما يدل على ذلك.
    وأما من تولى الكافرين، وأيدهم، ونصرهم، وأعانهم على المسلمين، لا بالقصد السابق، ولا بالاعتقاد المتقدم، وإنما حمله على ذلك رغبة أو رهبة، رغبة في حطام الدنيا، وطمعًا فيما عند الكافرين من أمور الدنيا ومن حظوظها، ورهبة من الكافرين وخوفًا منهم لقوتهم وشدة بأسهم، فإن هذا المتولي لهؤلاء الكفار على هذا النحو الأخير لا يكون كافرًا كفرًا أكبر، ولا يكون كافرًا كفرًا اعتقاديًا، ولا يكون كافرًا كفرًا مخرجًا له من ملة الإسلام إلى الكفر، سواء كان هذا المتولي للكافرين حاكمًا أو محكومًا، فكن على ذُكر من هذا التفصيل؛ حتى لا تضل، ولا تذل، ولا تعجل بتكفير المسلمين حكامًا كانوا أو محكومين، فتصير بذلك مكفرًا للمسلمين بالمعاصي التي لا تبلغ بصاحبها إلى حد الشرك الأكبر، ولا تصل بصاحبها إلى حد الكفر المخرج من الملة.
    فلا تك بدعيًا خارجيًا، مكفرًا لأمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالكبيرة أو بالمعصية التي هي دون الشرك الأكبر، والتي هي دون الكفر المخرج من الملة، فإياك وتكفير المسلمين بما لم يكفرهم الله ولا رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- به، وإياك والخروج بالسيف على المسلمين حكامًا كانوا أو محكومين.
    اللهم إني أبرأ إليك من كل بدعة، ومن كل صاحب بدعة، سواء كان المبتدع خارجيًا أم كان غير ذلك.
    قال أبو بكر:
    ونعتقد أن من قال إن هذا الزمن ليس زمن تفريق وإنما هو زمن تجميع، نعتقد أن من قال هذا القول قاصدًا بذلك عدم الكلام في البدع وأهلها، نعتقد أنه -والحال ما ذكر- مبطل مبتدع زائغ عن الحق، ونعتقد أن قوله باطل مردود عليه كائنًا من كان ذاك القائل، إذ ليس على الدعاة ولا على العلماء إلا البلاغ المبين وتبيين سبيل المؤمنين، وتمييزها عن سبيل المجرمين، ليهلك من هلك على بينة، ويحيى من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم، وقد قال الله -تعالى- لرسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}
    وقال -عز وجل-: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}
    وقال الله -تعالى-: {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}
    ثم إن إرضاء كل الناس غاية لا تُدرَك، فإما أن تُرضي الله وترضي عباده المؤمنين وتُسخط عليك المبتدعة، وإما أن ترضي المبتدعة وتسخط عليك الله وتسخط عليك عباد الله المؤمنين، الذين كان واجبًا عليك أن ترضيهم وأن ترضي ربهم، ولو سخط عليك من سخط.
    فإنك إن أرضيت الله -عز وجل- وأرضيت السلفيين سخط عليك المبتدعة، وإن أرضيت المبتدعة سخط عليك الله وسخط عليك السلفيون، فأنت بين أمرين، فاختر لنفسك -هداك المليك وسددك-.
    ولقد أمر الله -عز وجل- بالاعتصام بحبله، ونهى عن التفرق فقال -سبحانه وتعالى-: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}
    فيجب علينا الاعتصام بالكتاب والسنة وإن تفرق من تفرق، فليس لنا أن نسلك مسلك المتفرقين في الكتاب والسنة؛ لأننا مأمورون بالاعتصام بالكتاب والسنة، وهذا هو التجميع الحقيقي، أن يجتمع الناس على كتاب ربهم وعلى سنة نبيهم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وبفهم سلف هذه الأمة -رضي الله تعالى عنهم-.
    فإننا إذا سلكنا مسلك المبتدعة ومسلك المتفرقين في الكتاب والسنة تركنا ما أمرنا به ربنا -عز وجل- أعني بذلك الاعتصام بالكتاب والسنة.

    وأقول -والحق أقول إن شاء الله تعالى-:
    إن مذهب التجميع بلا تمييز بين السنة والبدعة، وبلا تمييز أهل السنة من أهل البدعة، وبلا تمييز بين العقائد الفاسدة الباطلة والعقائد الصحيحة السليمة، وبلا تمييز بين المنهج السلفي والمناهج المخترعة المبتدعة المحدثة، إن مذهبًا هذا شأنه حقيق بأن يقال فيه:
    إنه مذهب تمييع وتضييع للمذهب السلفي، وحقيق بأن يقال فيه:
    إنه مذهب يعود بالفساد والإفساد في السلفيين، ولقد قال الله -عز وجل- عن المنافقين المثبَّطين عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
    {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ}
    ثم قال: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ}
    إذا علمت هذا، فاعلم أن المبتدعين يريدون أن يكون السلفيون معهم على بدعهم، فكن على حذر من ذلك؛ لأنه لا سبيل لك إلى الخلاص والنجاة من أهواء المبتدعة ومن بدع المبتدعة إلا بالحذر منهم ومن أهوائهم، ومن ذلك البعد عنهم وتجنبهم وهجرهم في الله -عز وجل-.
    وأقول: إن هذا المذهب -أعني مذهب التجميع الباطل- إن مَثله كمثل جسد به أعضاء تالفة تستحق البتر والاستئصال حتى لا تفسد سائر الأعضاء الصحيحة، فقال أولياء ذلك المريض للطبيب: لو تركت هذه الأعضاء التالفة، فإنا نشفق على هذا المريض من قطع تلك الأعضاء الفاسدة، ونكره أن نراه ناقص الأعضاء، فلو قبل الطبيب ذلك منهم، لاتَّهَم الناس العقلاء ذلك الطبيب بأنه ليس خبيرًا بالطب، لاتهموه في طبه، أو لاتهموه في عقله، ذلك؛ لأنه لا يمكن الإبقاء على حياة هذا المريض، ولا يمكن الإبقاء على صحته إلا باستئصال الأعضاء الفاسدة فيه، حتى لا تضر بالأعضاء الصحيحة، وحتى لا تفسد الأعضاء الصحيحة، ومالا يدرك كله لا يترك جله.
    فإذا لم نستطع أن نجمع الناس على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، فحسبنا أن نجمع الذين يتبعون الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
    فالواجب هو تجميع الناس على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، لا تجميعهم على غير السنة، ولا تجميعهم على البدع، ولا تجميعهم على السنة المختلطة بالبدعة.
    قال أبو بكر -حفظه الله تعالى وجميع المسلمين-:
    قد ذكرت لك في الشريط الأول جماعة من أهل العلم السلفيين الكبار الراسخين في العلم، وها أنا أضيف لك عالمين جليلين، أضيف لك العالم الشيخ الجليل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ -حفظه الله تعالى- والشيخ الفاضل الجليل أحمد بن يحيى النجمي -حفظه الله تعالى([2])-.
    قال أبو بكر:
    إن سبيل السلفيين في جهادهم للمبتدعة سبيل قويم، فليعلم ذلك السلفيون، وليعلم ذلك المبتدعون، وإن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، وقد قال الله -تعالى-: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}
    وقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
    فليُبْشِر السلفيون بالخير، وليبشر المبتدعون بالشر.

    قال أبو بكر متسائلاً:
    أين السلفيون؟!
    فأجاب: هم موجودون ولكنهم قليل -كثرهم الله تعالى، وحفظهم الله تعالى، ولا خلت منهم أرض ولا خلا منهم مِصرٌ، ولا خلا منهم عصر-.
    قال أبو بكر:
    أُذكِّر السلفيين بقول الله -عز وجل-: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}
    قال أبو بكر:
    واعلم أن أهل الأهواء والبدع يجب عليهم تولي السلفيين ومحبتهم، ويجب على السلفيين بغض المبتدعة؛ لأن السلفيين على الحق؛ ولأن أهل الأهواء والبدع على الباطل، فيجب على المبطل محبة أهل الحق، ويجب على المحق بغض أهل الباطل.
    قال أبو بكر:
    واعلم أن أهل البدع والأهواء لو سكتوا عن الوقيعة في السلفيين وعن ذمهم وعيبهم وشينهم، لما جاز للسلفيين أن يسكتوا عن التحذير من البدع وأهلها، ولما جاز للسلفيين أن يسكتوا عن ذم البدع وأهلها، ذلك؛ لأن سكوت أهل الأهواء والبدع -إن سكتوا عن الكلام في السلفيين- واجب؛ لأنهم مبطلون، إذ لا يجوز لهم أن يتكلموا في السلفيين بالباطل والكذب والزور والبهتان والفرية، وليس أمام المبتدعة حينما يتكلمون في السلفيين، ليس لهم ولا أمامهم ولا عندهم إلا الأكاذيب والفرى، أما السلفيون فإنهم إذا تكلموا في أهل البدع، وحذروا من البدع وأهلها، فإنهم يتكلمون بالحق وبالدليل وبالبرهان.
    إذا علمت ذلك فاعلم أن كلام السلفيين في البدع وأهلها، وأنجرح السلفيين لأهل البدع واجب شرعي، ليس لهم أن يتنازلوا عنه ولا أن يتركوه مداهنة لأحد، أو من أجل مداهنة أحد لهم، ولقد قال الله -عز وجل- لنبيه محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}
    فاعلم أن الواجب على أهل البدع هو الرجوع إلى السنة وإلى السلفية، ونصرة السنة والسلفية والسلفيين، واعلم أن السلفيين يجب عليهم أن يتكلموا في أهل البدع، وأن يحذروا منهم ومن بدعهم، وإن داهنهم أي مداهن، والله المستعان.
    فكل يجب عليه أن ينصر السنة وأهلها والسلفية وأهلها، ذلك؛ لأن الله -عز وجل – يقول :
    {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}
    ولا شك في أن مذهب السلف الصالح بر وتقوى، وأن مذهب أهل البدع الأهواء إثم وعدوان.
    اللهم إنا نسألك أن تجمعنا على التعاون على البر والتقوى، ونعوذ بك اللهم من التعاون على الإثم والعدوان، والله المستعان.
    قال أبو بكر:
    ونعتقد بقاء علم الجرح والتعديل في سائر الأعصار وفي سائر الأمصار، ولا نعتقد أن علم الجرح والتعديل خاص وقاصر على رواة الحديث النبوي، بل نعتقد عموم هذا العلم وشموله لسائر الناس في سائر الأعصار وفي سائر الأمصار، على اختلاف هؤلاء الناس، واختلاف مذاهبهم ومناهجهم، وعلى اختلاف تلك الأمصار وتلك الأعصار، ونعتقد بقاء الجرح ما بقي المجروحون، ونعتقد بقاء التعديل ما بقي العدول، يدل على ذلك أدلة كثيرة من كتاب الله -عز وجل- ومن سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويدل على ذلك صنيع أهل العلم المتتبعين لأهل البدع، المتكلمين فيهم بما يوجب القدح فيهم والطعن فيهم، ولم يقتصروا على زمان رواية الحديث النبوي، فمن هذه الأدلة قوله -تعالى-:
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}
    فدلت هذه الآية على أنه إن جاءنا فاسق، أي فاسق، بنبإ، أي نبإ، وجب علينا أن نتبين من خبر ذلك الفاسق في أي مكان أو في أي زمان، إذ ليس في الآية ما يدل على تخصيص ذلك بمكان ولا بزمان، بل في الآية ما يدل على تعميم هذا الحكم في كل الأعصار ولكل الأشخاص، في كل الأمصار، فوجوب التبين المأخوذُ من الأمر بالتبين فرع عن الحكم بفسق المخبر، وهذا تجريح للمخبِر بأنه فاسق، ولو كان ذلك المخبر مسلمًا، ولقد سمى الله -عز وجل- القاذفين بالفاسقين، ولو كان هؤلاء القاذفين مسلمين، قال الله -عز وجل-:
    {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}
    فسمى الله -عز وجل- هؤلاء القاذفين فاسقين، مع أنهم قد يكونون مسلمين، فثبت بهذا أن الفاسق غير مقبول الشهادة، وأنه مردود الشهادة أبدًا، إلا إذا تاب وأصلح، كما قال الله -عز وجل- بعد الآية السابقة:
    {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
    ولقد تبين مما سبق أن علم الجرح والتعديل ليس قاصرا على رواة الحديث النبوي، وليس قاصرًا على عصر من العصور دون سائر العصور، وليس قاصرًا على طائفة من الناس دون سائر الطوائف، وليس قاصرًا على مذهب أو منهج دون سائر المذاهب والمناهج، بل إن علم الجرح والتعديل شامل لكل ذلك في كل الأعصار وفي كل الأمصار، بل إنه شامل للأحياء والأموات، فتنبه لذلك هداك المليك وسددك.
    ثم إن صنيع العلماء قديمًا وحديثًا يدل على ذلك، فما زال العلماء يجرحون المجروح، ويبدعون المبتدعة، ويحذرون من المبتدعة، ويحذرون من بدعهم، ويحذرون من وسائل نشر بدعتهم.
    ثم اعلم -رحمني الله وإياك- أن هاهنا أمرًا عظيمًا يجب التنبيه عليه والتنبه له، ألا وهو بدعة مذهب وجوب الموازنات.
    اعلم -رحمني الله وإياك- أن هذا المذهب، وأن هذه البدعة المحدثة المعاصرة تقضي بأنه لا يجوز لك أن تذكر المبتدع ببدعته إلا إذا ذكرت حسناته، وهذا أمر عجيب وغريب ليس من مذهب السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم- فإن مذهب السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا من العلماء الراسخين في العلم لا يرون هذا المذهب المبتدع، ولا هذا المنهج المخترع، لا يرون هذا المذهب ولا تلك البدعة الحديثة المعاصرة، ذلك؛ لأنها ليست من مذهب السلف الصالح، وإن نسبها إلى مذهب السلف الصالح من نسبها من أدعياء الدعوة السلفية.
    إن هذا المذهب مخالف لصنيع العلماء قديمًا وحديثًا، حيث إن علماء الجرح والتعديل وعلماءَ الحديث لا يلتزمون بوجوب هذا المذهب، ولا يلتزمون بوجوب ذكر حسنات المبتدع إذا ذكروا بدعته وحذروا منه، ذلك؛ لأن المقام إذا كان مقام تحذير وجب التحذير من البدعة، ولم يجب ذكر حسنات ذلك المبتدع، ذلك؛ لأن ذكر حسنات المبتدع يعتبر دعوة إلى بدعته التي يُحذَّر منها.
    ثم اعلم -رحمني الله وإياك- أن من ينسب هذا المذهب إلى مذهب السلف الصالح يعتبر كاذبًا على السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم-؛ لأن مذهب السلف الصالح بريء من هذا المذهب، وأن السلف الصالح -رضي الله عنهم- برآء من هذا الكاذب عليهم في نسبته إليهم هذا المذهب وتلك البدعة الحديثة المعاصرة إليهم.
    ثم اعلم -رحمني الله وإياك- أن هذا المذهب -أعني مذهب وجوب الموازنات- كما أنه لا يعرفه الأولون من علماء هذه الأمة، فإنه لا يعرفه -أيضًا- التابعون لهم بإحسان إلى يومنا هذا، ومذهب هذا شأنه هو مذهب مبتدع، يجب الحذر منه والتحذير منه.
    وليُعلم أن الذين يتبنون هذا المذهب يعتبرون هدامين لمذهب السلف الصالح -رضي الله عنهم- في جرحهم للمجروحين من المبتدعة بجميع أصنافهم وطوائفهم، هذا المذهب يعتبر هادمًا لمذهب أهل السنة والجماعة، ويعتبر هادما لمنهج علماء الحديث والجرح والتعديل، وكفى بذلك ابتداعًا في الدين وإحداثًا فيه، ثم إن هذا المذهب يضعف الولاء للسنة وأهلها، ويضعف البراءة من البدعة وأهلها، فكن على حذر من هذا المذهب المبتدع، واحذر من أن يُدخل عليك من قِبل من ينتسبون إلى مذهب السلف الصالح، أو من قبل من لا ينتسب إلى مذهب السلف الصالح، واعلم أن الأمر كلما خفي واشتد اشتباهه، اشتد خطره، فاحذر من أن يدخل عليك من أي أحد، واحذر من أن يدخل عليك ممن ينتسبون إلى مذهب السلف الصالح أشد الحذر، ذلك؛ لأن مذهب السلف الصالح بريء من هذا المذهب المبتدع المخترع، وأن السلف الصالح برآء من هؤلاء المبتدعة الذين يُدخِلون في الدين ما ليس من الدين باسم الدين، وهذا شأن المبتدعة، في كل زمان وفي كل مكان.
    وقانا الله وإياكم شر البدعة، وشر المبتدعة، وشر كل ذي شر.
    ثم اعلم أنه قد يقول قائل: إننا نرى بعض الأئمة من المتقدمين يذكرون المبتدعة فيذكرون حسناتهم وسيئاتهم في كتب التراجم.
    فأقول:
    اعلم -رحمني الله وإياك- أن هناك فرقًا بين مقام التحذير من البدعة وبين مقام الترجمة، فإذا رأيت أحدًا من الأئمة يترجم لمبتدع فيذكر حسناته وسيئاته، فاعلم أن مقام الترجمة غير مقام التحذير من البدعة ومن أهل البدعة([3])؛ لأن هذا المذهب المزعوم المدَّعى يقضي بأنه لا يجوز لأحد أن يذكر مبتدعًا، ولو كان في مقام التحذير من بدعته، إلا أن يذكر حسناته، وهذا باطل باطل باطل، دل على بطلانه الأدلة الكثيرة من كتاب ربنا ومن سنة نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وكذلك فإن مذهب السلف الصالح يضاد هذا المذهب وتلك البدعة أشد المضادة، فإن صنيع السلف الصالح هو التحذير من المبتدع ومن البدعة إذا كانوا في مقام التحذير، ولا يوجبون على أنفسهم الالتزام بذكر حسنات المبتدع وهم في مقام التحذير من بدعته.
    فسحقًا لأصحاب هذا المذهب المبتدع، وسحقًا لهذه البدعة الحديثة المعاصرة، المنسوبة زورًا وبهتانًا وافتراءً إلى مذهب السلف الصالح.
    وقد علمت أن مذهب السلف الصالح بريء من هذه البدعة، وأن السلف الصالح برآء من هذه البدعة، فكن على حذرٍ، وكن محذرًا لغيرك من هذا المذهب المبتدع المخترع.
    ومن الأدلة الدالة على بطلان هذا المذهب المزعوم من كتاب ربنا -سبحانه وتعالى- قوله -تعالى- في سورة النور، والذي قد تلوناه آنفا:
    {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}
    فوصفهم الله -عز وجل- بالفسق ولم يذكر لهم حسنة واحدة، مع أن القاذف قد يكون مسلمًا، ولا يخفى أن المسلم عنده حسنات وأجلها توحيده لربه -سبحانه وتعالى- وشهادته بأنه لا إله إلا هو وأن محمدًا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عبده ورسوله.
    فأين الموازنات يا أصحاب مذهب الموازنات، ويا أصحاب بدعة الموازنات، ويا أصحاب منهج الموازنات؟!
    أتوجبون على الله -عز وجل- أن يذكر حسنات القاذف الفاسق؟!
    هذا دليل من كتاب الله -عز وجل-.
    ولنذكر دليلاً آخر من سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يبين بطلان مذهب وبدعة ومنهج الموازنات المزعوم.
    قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في (كتاب الطلاق) ما نصه:
    حدثنا يحي بن يحي، قال قرأت على مالكٍ عن عبد الله بن يزيدَ مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص، طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله! ما لكِ علينا من شيءٍ، فجاءت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فذكرت ذلك له، فقال: ((ليس لك عليه نفقة)) فأمرها أن تعتد في بيت أم شَريك، ثم قال: ((تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدِّي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني)) قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله -صلى اله صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد)) فكرهته، ثم قال: ((انكحي أسامة)) فنكحته، فجعل الله فيه خيرًا واغتبطتُّ.
    فهذا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يذكر حسنة واحدة لأبي جهم، ولم يذكر حسنة واحدة لمعاوية -رضي الله تعالى عنهما- فهل لم يكن لأبي جهم أي حسنة؟!
    وهل لم يكن لمعاوية أي حسنة؟!
    ألم يكونا صاحبي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟!
    ألم يكونا مسلمَيِْن؟
    ألم يكونا مصليَيْنِ؟
    ألم يكونا فاعلي خير في عهد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟!
    ألم يكونا؟! ألم يكونا؟! ألم يكونا؟! إلى آخر تلك التساؤلات.
    فأين الموازنات؟! وأين وجوب الموازنات يا أصحاب بدعة الموازنات، ويا أصحاب منهج الموازنات؟!
    أتوجيبون على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو في هذا المقام؟!
    أتوجيبون عليه أن يذكر حسنات أبي جهم وأن يذكر حسنات معاوية؟!
    إن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يذكر حسنات أبي جهم، ولم يذكر حسنات معاوية -رضي الله تعالى عنهما- ولكن مذهبكم الباطل يوجب ذكر هذه الحسنات، أتوجبون على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن يذكر حسنات هذين الصحابيين الجليلين؟!
    إن هذا لازم مذهبكم ولازم منهجكم ولازم بدعتكم التي تقضي بوجوب ذكر الحسنات إذا ذكرت السيئات، وإن مذهبًا هذه إحدى لوازمه، ألا وهي اتهام النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بأنه لم يقم بالواجب عليه، إن مذهبًا هذه إحدى لوازمه لمذهب باطل مردود على صاحبه، وعلى قائله، وعلى معتقده، كائنًا من كان.
    ثم إن الأمر العجيب الغريب هاهنا أن القائلين بمذهب الموازنات في حق المبتدعة لا يأخذون بهذا المذهب مع السلفيين، أليس هذا كيلاً بمكيالين؟!
    وأليس هذا وزنًا بميزانين؟!
    أليس الذين يطلقون على السلفيين أنهم الرافضة السبابة دون أن يذكروا لهم حسنة ً واحدة أليس هذانقضًا لمذهبهم وبدعتهم الباطلة، إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، فاعتبروا يا أولي الأبصار، يا أصحاب بدعة الموازنات أين حسنات السلفيين؟! فما أكثر حسنات السلفيين!!
    أين ذكركم لهذه الحسنات؟!
    اكتفيتم بالتحذير من السلفيين، وتبعكم على ذلك من تبعكم تقليدًا، يصدق على المقلد في هذا قول الله -تعالى-:
    {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}
    ويدخل في هؤلاء الكبراءِ والسادةِ المشايخُ، فمن قلد شيخًا في بدعةٍ فإنه يناله نصيب من هذه الآية، وكذلك قوله -تعالى-:
    {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ}
    فما أكثر المسرعين وراء من يقلدونهم من المشايخ!!
    ما أكثرهم في هذا الزمان وفي هذا العصر، وفي هذا الوقت خاصة!!
    إنهم اقتدوا بمشايخهم بلا برهان جلي، ولا حجةٍ نيرة.
    أليست هذه هي الحزبية؟!
    وأليس هذا هو التقليد يا معشر المقلدين لأصحاب مذهب وجوب الموازنات؟!
    إنكم قلدتم أو اقتديتم بغيركم في الباطل، فإن الاقتداء قد يكون في الباطل، يقول الله -عز وجل-:
    {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}
    فإياك يا عبد الله أن تقدِّم قول المشايخ على قول الله وقول رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
    وإياك أن تقدم رأي المشايخ على فهم سلف هذه الأمة.
    إياك والتقليد.
    إني أحذرك من وعيد الله -سبحانه وتعالى-.
    واعلم أن التقليد هو قبول قول غيرك بلا حجة، أو قبول قول من ليس بحجة بلا حجة، وقد أجمع العلماء أن المقلد ليس عالمًا، وأن الشيخ نفسه ليس له أن يأمر طلابه بتقليده، ولا أن يحثهم على ذلك، ولا أن يحملهم عليه، فما زال العلماء قديمًا وحديثًا يحذرون أتباعهم من تقليدهم، ويحثونهم على اتباع كتاب الله -عز وجل- وسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأن يقدِّموا قول الله وقول رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على قولهم، مع أنهم علماء أجلاء أفاضل راسخون في العلم.
    وقد أدركتُ شيخنا العلامة المحدث الفقيه محدث الديار اليمنية، مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- أدركته يحذر طلبته من التقليد.
    هذا هو حال وشأن كبار العلماء، وهذا هو حال وشأن الراسخين في العلم قديمًا وحديثًا.
    أما الجهلاء وأشباه العلماء الذين هم ليسوا بعلماء فإن أحدهم يفرح بكثرة من تبعه.
    وعلى أي شيء تبعه؟!
    تبعه على الباطل الذي ليس عنده فيه من الله برهان، وليس عنده فيه من رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- برهان، وليس عنده فيه برهان عن سلف هذه الأمة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم – والتابعين لهم بإحسان.
    قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
    فلا يجوز لأحد أن يقدم رأيه على قول الله -عز وجل- ولا على قول رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا يجوز له أن يقدم فهمه للنصوص القرآنية، والنصوص النبوية، ليس له أن يقدم فهمه لهذه النصوص على فهم سلف هذه الأمة، فهم الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان .
    ولا تكن كمن قال:
    أنا حنبلي ما حييت وإن أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا
    ولا تكن كمن قال:
    أنا شافعي ما حييت وإن أمت فوصيتي للناس أن يتشفعوا
    ولا تكن كمن قال :
    فلعنة ربنا أعداد رمــل على من رد قول أبي حنيفة
    ولا تكن كمن قال:
    إذا قالت حزامِ فصدقوها فإن القول ما قالت حزامِ
    لأنه إذا كان قول حزامِ مخالفًا لقول الله -عز وجل- أو لقول رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فلا عبرة بقول حزام، ولا بقول غيرها كائنًا من كان هذا القائل.
    والصحيح أن نقول:
    إذا قال الإله فصدقوه فإن القول ما قال الإلهُ
    ونقول أيضا:
    إذا قال الرسول فصدقوه فإن القول ما قال الرسولُ
    ثم إننا نقول:
    إذا نطق الكذوب فأسكتوه فإن الزور ما قال الكذوبُ
    ثم إياك والمعاندة، وإياك والجدال بالباطل، وإياك والمكابرة عن قبول الحق من قائله كائنًا من كان .
    واعلم أن المجتهد المخطئ خير من المقلد المصيب، وأن المجتهد يدور بين الأجر والأجرين، فإن كان مخطئًا كان له أجرٌ على اجتهاده، وإن كان مصيبًا كان له أجران، أجرٌ على اجتهاده وأجرٌ على إصابته، إذ إن كل مجتهد مصيب، من إصابة الأجر لا من الصواب.
    وإياك ثم إياك أن تكون جاريًا على مذهب: عنزٌ ولو طار، فيحكى أن رجلين رأيا شيئًا من بعيد فاختلفا فيه، فقال أحدهما: إنه طائر، وقال الآخر: إنه عنزٌ، فلما اقترب منهما طار، فقال أحدهما: عنز ولو طار.
    فاللهم هداك وتسديدك وتوفيقك دائمًا سرمدًا أبدًا.




    (1) - يصح أن أقول: سلامًا بالنصب، وسلامٌ بالرفع، وهو أبلغ، واقرأ -إن شئت- لذلك تفسير قوله -تعالى- المتعلق بدخول الملائكة على إبراهيم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ}أي: سلام دائم ونحو ذلك.
    [2] - رحمه الله تعالى.
    [3] - على أن من أهل العلم من لم يوجب ذكر حسنات أهل الأهواء والبدع عند الترجمة لهم، وهذا حق، وله أعتقد، وبه أقول.
    يتبع إن شاء الله

    تعليق


    • #3
      الشريط الثالث
      إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
      {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} أما بعد.
      فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
      قال أبو بكر: هذا هو الشريط الثالث من سلسلة (أفغير السلفية يبغون) قلت:
      اعلم -رحمني الله وإياك- أن أهل البدع والأهواء لا يزالون بالسلفي يوردون عليه الشُبَه حتى يخرجوه عن سلفيته، أو يكادوا أن يخرجوه عن سلفيته، فاحذر أيها السلفي من أي مبتدع تمام الحذر، وأشد الحذر، وأكمل الحذر، ذلك؛ لأن الأمر عظيم، والخطب جسيم، فإن القلوب ضعيفة، والشبه خطّافة، فلا تصغ بأذنيك إلى شُبَه القوم، حتى لا يفتنوك عن دينك، وعن مذهب السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم- واسمع إلى قول الله -عز وجل- في سورة الإسراء، يقول الله -عز وجل-:
      {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً * إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا * وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً}
      إن أهل الأهواء والبدع لا يزالون يلقون بالشُبَه على السلفي حتى يخرجوه عن سلفيته أو حتى يقترب منهم، ولا يزالون يشككونك فيما أنت عليه من مذهب أهل الحق حتى تشك فيما أنت عليه، وعلى نفسها براقش تجني، فمن أصغى بأذنيه إلى أهل الأهواء والبدع، وحضر مجالسهم، واستمع إلى أشرطتهم وأقوالهم، وقرأ في كتبهم، فإنه يُخاف عليه أن ينسلخ انسلاخًا من سلفيته، كما تنسلخ الحية من قشرها، بل قد يصير بعد ذلك من ألد أعداء الدعوة السلفية، ومن ألد أعداء المذهب السلفي والمنهج السلفي، ومن ألد أعداء السلفيين، فكن على حذر -رحمك الله تعالى- من مخالطة هؤلاء.
      ثم اعلم -رحمني الله وإياك- أننا لا نعتقد العصمة للسلفي، ولكن نعتقد أنه أعلم الناس بالحق، وأرحم الناس بالخلق، وأقرب الناس إلى الحق، فمهما وُجد من خطأ عند أحد السلفيين فاعلم أن وجود الأخطاء أكثر عند غير السلفيين، واعلم أنه إذا وُجد صواب أو حسنة عند أهل البدع فاعلم أن الحسنات والصوابَ أكثر وأكثر وأكثر عند السلفيين، فكن على حذر ممن يتمسك ببعض الأخطاء التي يقع فيها بعض السلفيين ثم يشنَع عليهم متذرعًا بهذه الأخطاء قاصدًا بذلك تشويه المذهب السلفي، والمنهج السلفي، وقاصدًا بذلك تشويه السلفيين أجمعين، فكن على حذر يا عبد الله من هذه الشبهة، واعلم أنه إذا أخطأ أحد السلفيين فلا يلزم من ذلك خطأ غيره من السلفيين، ولا يلزم من ذلك وجود خطأ في المنهج السلفي، فإن المنهج السلفي حجة على جميع الناس، وواجب على جميع الناس أن يتمسكوا به وإن أخطأ من أخطأ، واعلم أنه لا يلزم من خطأ السلفي الطعن في المنهج السلفي، كما أنه لا يلزم من خطأ المسلم الطعن في الإسلام، فالسلفي يتبنى أصول السلف الصالح، ويتبنى منهجهم، بخلاف أهل البدع والأهواء، فإنهم يخالفون أصول أهل السنة أو بعض تلك الأصول، ويخالفون منهج السلف الصالح أو بعض ذلك المنهج، فلذلك زاغوا وضلوا وأضلوا.
      قال أبو بكر -وفقه الله تعالى وجميع المسلمين-:
      اعلم –رحمني الله وإياك- أن أي دعوة لا تركز ولا تؤكد على الدعوة إلى توحيد الله -عز وجل- ونبذ الشرك بجميع صوره، اعلم أن دعوة هذا شأنها فاشلة غير ناجحة، دعوة قاصرة؛ لأنها مخالفة لدعوة الأنبياء والمرسلين، ومخالفة لدعوة خاتم النبيين محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ومخالفة لمنهج السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم- في الدعوة إلى الله.
      إن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بدأ دعوته بالتوحيد، فدعا إلى التوحيد وإلى نبذ الشرك، ثم إنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بقي بمكة ثلاثة عشرَ عامًا مركزًا ومؤكدًا على توحيد الله -عز وجل- ولم يترك الدعوة إلى التوحيد بعد هجرته -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى المدينة، فلم يبدأ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- دعوته بالدعوة إلى مجرد تجميع الناس مع غض النظر عن اختلاف مذاهبهم ومناهجهم ومشاربهم ومللهم ونحلهم، ولم يبدأ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- دعوته بالدعوة إلى إقامة خلافة، خلافًا لما يتبناه بعض المذاهب المعاصرة وبعض الأحزاب المعاصرة الذين يركزون في دعوتهم إلى إقامة خلافة، مع أنهم مخالفون لمنهج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولمنهج السلف الكرام في الدعوة إلى الله، وإن أولئكم لا يمكن لهم أن يقيموا خلافة على منهاج النبوة، ذلك؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وأن من لم يعرف منهج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الدعوة إلى الله، ولم يعرف منهج السلف الكرام في الدعوة إلى الله، فكيف له بخلافة راشدة؟!
      إن السلفيين، والسلفيين وحدهم هم الذين يُعنَون بدعوة الناس إلى توحيد الله -عز وجل- ونبذ الشرك بجميع صوره، أما غير السلفيين فإنهم قد حادوا عن منهج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعن منهج السلف الكرام في هذا الباب، كما حادوا عن منهج السلف الصالح في أبواب كثيرة غير هذا الباب، ولقد روى الإمام مسلم -رحمه الله-في صحيحه حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- في إرسال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لمعاذ بن جبل إلى اليمن لدعوتهم، ولقد رواه الإمام مسلم في (كتاب الإيمان) ورواه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في عدة مواضع، وفي عدة كتب من صحيحه منها (كتاب الزكاة) فقال -رحمه الله تعالى-:
      حدثنا محمد، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا زكريا بن إسحق، عن يحيى بن عبد الله بن صيفي، عن أبي معبد، مولى ابن عباس، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:
      قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى: أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب))
      وفي لفظ الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-:
      ((واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))
      والحديث قد رواه الإمام البخاري في (كتاب التوحيد) ونحب أن نورد لفظ الحديث في هذا الموضع –أعني (كتاب التوحيد)- للمناسبة بين لفظ الحديث وبين (كتاب التوحيد) فقال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-:
      وحدثني عبد الله بن أبي الأسود قال: حدثنا الفضل بن العلاء قال: حدثنا إسماعيل بن أمية، عن يحيى بن عبد الله بن محمد بن صيفي: أنه سمع أبا معبد، مولى ابن عباس -رضي الله عنهما-، يقول: سمعت ابن عباس-رضي الله عنهما- يقول: لما بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- معاذ بن جبل إلى نحو أهل اليمن، قال له: ((إنك تَقدَم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلَّوا، فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم، تؤخذ من غنيِّهم فتردُّ على فقيرهم، فإذا أقرُّوا بذلك فخذ منهم، وتوقَّ كرائم أموال الناس)).
      هذا الحديث يبين البدء بالأولى فالأولى في الدعوة إلى الله -سبحانه-، ويبين البدء بالأهم فالأهم، خلافًا للجماعات والأحزاب الإسلامية المعاصرة التي تنتهج مناهج في دعوتها مخالفة بذلك منهج السلف الكرام -رضي الله تعالى عنه-، ومتبعة في ذلك لأهوائها.
      فاحرص أيها السلفي على دعوة الناس إلى توحيد الله -عز وجل-، ولا يمنعنك لوم لائم، ولا معاتبة معاتب، لا يمنعنك ذلك ولا غيره من أن تهتم، وأن تعنى بأمر التوحيد، ذلك؛ لأن التوحيد هو الأصل الذي يُبنى عليه غيره، فإذا لم يكن هناك أصلٌ صحيحٌ فعلى أيُ شيءٌ تبنى سائر العبادات؟!
      إن سائر العبادات، وجميع العبادات لا تُقبل إلا إذا كان المرء موحدًا، فإذا صح الأصل صح الفرع، وإياك أن يُشَبِّه عليك مشبهٌ مبتدعٌ زائغٌ ضالٌ منحرفٌ عن الحق وعن مذهب أهل السنة والجماعة كأن يقول لك: إنك أيها السلفي تهتم بأمر التوحيد وتهتم بأمر شرك القبور وتترك شرك القصور، يريد منك هذا الخلفي الزائغ أن تقدم الاهتمام بأمر الحكام على الأمر الذي يشمل جميع الناس من حكام ومحكومين -أعني بذلك توحيد الله -عز وجل- ذلك الأصل الذي يلزم كلَّ مسلم حاكمًا كان أو محكومًا، وهذه هي دعوة الأنبياء جميعًا، فدعوة الأنبياء جميعًا تبدأ بالتوحيد، يقول الله -عز وجل-:
      {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}
      وقال -تعالى-:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}
      فكل الأنبياء يُعنَون بأمر التوحيد انتهاءً بنبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خلافًا لأهل الزيغ والضلال الذين انحرفت بهم الأهواء عن منهج أهل السنة والجماعة، فأخبروني مَن الذي يقوم بدعوة الأنبياء والمرسلين، من الذي يمشي على مذهب السلف الصالح في الدعوة إلى الله، إنهم السلفيون، والسلفيون وحدهم، ليسوا هم الإخوان المفلسين، المفلسين في العلم وفي السياسة، وليسوا هم جماعة التبليغ الجاهلة بدين الله -عز وجل- وبأصول الإسلام، وبمنهج أهل السنة والجماعة، وليسوا هم جماعة التكفير، الخوارج الجدد في هذا العصر الذين يكفرون المسلمين بالكبيرة أو بالمعصية التي هي دون الشرك، وليسوا هم جماعة الجهاد التي لا تعرف ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويفسدون في الأرض بزعم الإصلاح والجهاد، وليسوا هم جماعة التوقف والتبين الذين يتوقفون في الحكم على المسلمين بالإسلام مع أن الأصل في المسلمين هو الإسلام، وليسوا هم جماعة القطبيين المنتسبين إلى سيدهم سيد بن قطب الذي قد زاغ، وضل عن كثير من أصول أهل السنة والجماعة، والذي قد زاغ، وضل عن منهج أهل السنة والجماعة فاتبعه أناس على مذهبه ومنهجه الزائغ الضال المبتدع المخترع الذي وافق فيه كثيرًا من أصول أهل البدع والأهواء وأتى في كتبه بطامات عظيمة لا تمت إلى الإسلام بصلة ولا تمت إلى مذهب السلف الصالح -رضي الله عنهم- بأي وسيلة وبأي صلة، وليسوا هم الصوفيين القبوريين الذين يقعون في الشرك بأنواعه ويقعون في الفسق ويقعون في البدع، وكذلك ليسوا هم هؤلاء الذين يهتمون بأمر الترغيب والرهيب حفاظًا على كثرة الجماهير، ولم يعنوا بأمر التوحيد ودعوة الناس إلى التوحيد، ودعوة الناس إلى نبذ الشرك بجميع صوره ودعوة الناس إلى نبذ البدعة.
      إن هؤلاء جميعًا وغيرهم ليسوا هم الداعين إلى توحيد الله -عز وجل- على الوجه الذي جاء به رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعلى الوجه الذي كان عليه سلف هذه الأمة، وهم صحابة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والتابعون لهم في القرون الثلاثة المفضلة، ثم تبعهم على ذلك المسلك كل علماء السلفيين في كل عصر وفي كل مصر إلى زماننا هذا، وإلى أن يشاء الله رب العالمين.
      إن هؤلاء السلفيين هم بحق أتباع الأنبياء والمرسلين، وأتباع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وورثة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ لأنهم ورثوه في عقيدته، وفي منهجه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خلافًا لأهل الزيغ والضلال الذين استحسنت عقولهم مذاهب وطرائق انتحلوها وظنوها حسنة، وهي باطلة زائفة، قال الله -عز وجل-:
      {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ}
      وقال الله -عز وجل-: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}
      وقال الله -عز وجل-:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}
      إن هذه الآيات وأمثالَها لتنطبق على هؤلاء الزائغين الضالين من الجماعات والأحزاب الإسلامية المعاصرة الزائغة عن أصول أهل السنة والجماعة، أو عن بعضها، والزائغة عن منهج أهل السنة والجماعة، أو عن بعضه، فإنهم بين مقلٍ من هذا الزيغ ومستكثر منه.
      فإياك أيها السلفي أن تغتر بكثرة المخالفين، وبكثرة الهالكين، وبكثرة الزائغين الضالين المنحرفين، واسلك سبيل الهدى ولا يضرك قلة السالكين، اسلك سبيل محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وسبيل السلف الصالح -رضي الله عنهم- تفزْ وتنجُ في الدنيا والآخرة.
      فاحذر أيها السلفي أن تحزب الناس حولك لكي يكون الولاء والبراء من أجلك، اجعل الأمر لله -عز وجل- فإن العمل لا يقبل إلا إذا كان موافقًا لشرع الله -عز وجل- وكان العبد مخلصًا فيه لله رب العالمين، يقول الله -عز وجل-:
      {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}
      فإياك والحزبية، وإياك وتحزيب الناس، فإن الحزبية ممقوتة، وإن الحزبية بغيضة، وإن الحزبية مفرقة للأمة، وإن الحزبية ليست من منهج أهل السنة والجماعة، بل من منهج أهل البدعة والفرقة، وقد قال الله عز وجل-:
      {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}
      ويقول الله -عز وجل-: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}
      فإن الحزبية والتحزب من فعل المشركين كما سبق في هذه الآية، ثم إنها سنة فرعونية -أيضًا- يقول الله عز وجل-:
      {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}
      فالتحزب إفساد في الأرض -والعياذ بالله- أما السلفيون فإنهم بحق أهل السنة والجماعة، فهم متبعون لسنة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهم -أيضًا- مجتمعون على الحق الخير متآلفون متوادون، والحمد لله رب العالمين، وهم سلفيون؛ لأنهم يتبعون السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم- فهم بحقٍ أتباع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وهم أهل الحديث والأثر؛ لأنهم يتبعون النصوص والأدلة من كتاب ربنا، ومن سنة نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويذبون عن الشرع، ويدفعون عنه أي دخيل عليه مما ليس منه، ويميزون بين الصحيح والضعيف من حديث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وليسوا معتزلة آرائيِّيِن ولا هوويين، يقدمون عقولهم الفاسدة على النقول الصحيحة من كتاب الله أو من سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بل إنهم يؤمنون بما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من غير أن يعارضوا شيئًا من هذه الأدلة بحججهم، ويعتقدون أن العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، فإذا وجد أحدٌ نصًا أو دليلاً صحيحًا ثابتًا عن الله -عز وجل- أو عن رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ورأى أن عقله لا يقبل هذا الدليل أو هذا النص، فعليه أن يتهم عقله، فالسلفيون يتهمون العقول التي تخالف الدليل الصحيح الثابت من كتاب الله أو من سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويعتقدون أن الفساد في العقل لا في النقل؛ لأن النقل ثابت صحيح فهو من عند الله -عز وجل- ولا يخالف عقول العقلاء، أما من كان بعقله فساد فإن هذا هو الذي يخالف عقلُه النقلَ الثابت، أما أصحاب العقول الصحيحة فإنهم يقبلون كل ما جاء عن الله على مراد الله، وكل ما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا يرون تعارضًا وتناقضًا بين العقل الصريح وبين النقل الصحيح؛ إذ إن العقل لا يمكن أن يكون صريحًا إلا إذا وافق النقل الصحيح، فإذا خالف العقل نقلاً صحيحًا ثابتًا فليُتَّهمِ العقلُ، ولا يجوز أن يُتَّهم النقل ولا أن يُضَعَّف النقل الصحيح أو أن يُرَد النقل الصحيح بدعوى أنه مخالف للعقل، لأن الفساد في العقل لا في النقل، فتفطن لذلك ولا تكن معتزليًا آرائيًا هوويًا.
      واعلم -رحمني الله وإياك- أن السلفيين غرباء في هذا العصر، ذلك؛ لكثرة أعدائهم، وكثرة أهل الأهواء والبدع، وكثرة البدع، وكثرة الضلالات والانحرافات عن منهج أهل السنة والجماعة وعن منهج السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم- فإذا كنت غريبًا فلتأنس بصحبة العلماء والأئمة المتقدمين، وذلك بالاطلاع على سِيَرِهم وأخبارهم، ولْتأنسْ بالاطلاع على سيرة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعلى سيرة السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم- فإنك إذا فعلت ذلك أنست من وحشتك، والله المستعان.
      والعزلة خير من رفيق السوء، فإن لم تجد سلفيًا لتصحبه فلا تصحب بدعيًا، ولا تركن إليه.

      فالمستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار

      إن استجارتك بالمبتدع لا تزيدك إلا شدة وكربة فوق شدتك وكربتك، يقول الله عز وجل-:
      {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}
      ويقول الله عز وجل-: {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}
      ويقول الله عز وجل-: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً}
      وأقول لك أيها السلفي: لأن تعيش وحيدًا فريدًا غريبًا سعيدًا خير من أن تعيش وتموت مبتدعًا مفتونًا شقيًا طريدًا.
      يا أيها السلفي: بشرى من النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذا شعرت بالغربة، فقد روى الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب "الإيمان" بسنده إلى أبي هريرة رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
      ((بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا فطوبى للغرباء))
      وقد روى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، في (كتاب الرقاق) بسنده إلى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))
      وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول:
      «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك»
      وأقول للمبتدعة المورِدين للشُبَه، والمشبهين بها على غيرهم من الناس حتى يفتنوهم ويصدوهم مذهب السلف الصالح -رضي الله عنه- وحتى تنطلي عليهم الشُبَه ويقعوا في حبالها وشباكها، أقول لهم:
      إن مثل تلك الشُبَه لا تنطلي و لا تروج إلا على الجهلة والمبتدعة من أمثالكم، أما أن تروج على السلفيين فلا، ثم لا، ثم لا.
      وأما أن تروج على أهل العلم فلا، ثم لا، ثم لا.
      وأما أن تروج على أهل الحديث والأثر فلا، ثم لا، ثم لا.
      إنكم تذهبون وتجيئون ببدعكم، وتصولون وتجولون بها في نادي وساحة العوامّ الجهلة، وفي ساحة المبتدعة وناديهم، وفي ساحة مرضى القلوب وزائغيها، حتى إذا دنوتم من السلفيين من أهل السنة والجماعة، من أهل الحديث والأثر، حتى إذا دنوتم منهم وحللتم بواديهم ونزلتم بساحتهم صباحًا أو مساءًا، ساء صباحكم وساء مساؤكم، إذ أرسلوا عليكم الحجج البالغة، والأدلة الواضحة، والبراهين النيرة الساطعة كالشهب الثاقبة، فقُذِفتم بها من كل جانب دحورًا لكم، ودفعًا لباطلكم، وإزهاقًا له، كما قال -تعالى-:
      {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}
      وأُتي بنيانكم الباطل المبني على الشبه الباطلة والحجج الداحضة، أُتي من القواعد فخر عليكم السقف والعرش، عرش البدعة، وأتتكم الفضيحة والعار من حيث لا تشعرون أو من حيث تشعرون، إذ لا ينفعكم الشعور.
      إن شُبَهكُم وتلبيساتكم لتتحطم عند سقوط حجج أهل السنة الصخرية القوية، ولا تتخطى ولا تجاوز عتبة بابهم إن وصلت إليه، بل تطرد طردًا، وتدفع دفعًا، وتولي بأهلها وأصحابها كسيرة غير مجبورة، وذليلة مهينة غير عزيزة ولا منصورة.
      وأقول لكم: يا أيها المبتدعة تذكروا سلفكم الماضين، كيف كان الأقدمون منكم فريسة لأهل السنة والجماعة؟! إذ انقض عليهم العلماء فأبطلوا شبههم، وزيفوا مقالاتهم، فلا إخالكم أكثر تلبيسًا منهم، ومع ذلك فقد ذهب سادتكم، وذهب ذكرهم، وبقي من بقي منهم موسومًا بالبدعة، وإن أخطأ ظني، وكنتم أكثر تلبيسًا منهم فقد أبقى الله لكم ما يخزيكم، ويكشف حقيقة أمركم، ويهتك ستركم، ويبين شبهكم، ويبين بدعكم، فلكم من ردود أهل العلم النصيب الموفور، والجهد المشكور، ألا تعرفون قدركم وقدر أهل العلم الراسخين الذين لا تؤثر فيهم شبهكم ولا يُزَعْزَعون بها ولا يُزَلْزَلون؟! لأنهم أثبت وأرسخ من الجبال الرواسي، تزول الجبال الرواسي ولا يزولون.
      فيا أهل البدع ألا تخافون وتحذرون من أهل العلم الذين يعرفون داءكم ومرضكم حق المعرفة، ويعرفون دواء أمراضكم؟!
      إن أدواءكم وأمراضكم ملخصة في الابتداع في الدين، واتباع الهوى، والافتتان بعقولكم الفاسدة، واشتغالكم بآراء الرجال، وتقديمها على الوحي، وعدم مبالاتكم بطلب العلم الشرعي عند أهله، واحتقاركم لأهل العلم، واشتغالكم بالسياسة والحكم والخلافة والإمارة عما هو الأصل والأساس الذي من أجله خلقتم ألا وهو توحيد الله -عز وجل- وعبادته، والتعلم للكتاب والسنة، وتعليمهما الناس، وتربية المسلمين على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
      أردتم أن تقطفوا الزهور، وتجنوا الثمار مِن قبل أن تحرثوا، ومن قبل أن تبذروا، ومن قبل أن تسقوا، ومن قبل أن تزرعوا، لا تجروا جري الظمآن وراء سراب بقيعة يحسبه ماءًا حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا،وما هو إلا إجهاد النفس وإعياؤها، وإكلال الراحلة وإتعابها، وإنفاق الأموال وإتلافها، وضياع الأوقات والأعمال وإذهابها، فأْتوا البيوت من أبوابها، واتقوا الله لعلكم تفلحون.
      إن أهل العلم -أهلَ الذكر- هم دواؤكم من أدوائكم.
      لو أنكم استنصحتموهم لنصحوا لكم، ولو أنكم سألتموهم عما أشكل عليكم لأجابوكم، ولو أنكم استفتيتموهم لأفتوكم بالحق العلي والبرهان الجلي والدليل القوي، ولو أنكم استشرتموهم لأشاروا عليكم بالثبات، ولهدوكم سبيل الرشاد، وإلى ما ينفعكم يوم التناد، ولكن أبيتم إلا عقوق العلماء، ورثة الأنبياء، واتخذتموهم وراءكم ظهريًا، وتشعبت بكم الضلالات والأهواء في كل واد، ومن يضلل الله فما له من هاد.
      فإن زعمتم أنكم من أهل الذكاء والدهاء، قلنا لكم:
      لا خير في ذكاءٍ ولا دهاءٍ يوردكم حياض البدع والفتن لتشربوا منها، وبئس الوِرْد وردكم.
      فيا قوم ارجعوا إلى الكتاب والسنة بفهم سلف هذه الأمة، ولا تبتدعوا فقد كُفيتم، ولا تَدْعوا إلى بدعتكم، ولا تتبعوا الشبهات ولا الشهوات، ويا قوم استروا عوراتكم، واستحيوا من الله ومن عباده، واستروا جهلكم واتباعكم للهوى، لا يكشفن الله للناس أمركم، ولا يهتكن أهل العلم بليل أو نهار ستركم، لقد تذكرت قول الله -تعالى-: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}
      ألا تكونون كهذه النملة إن أبيتم ورفضتم أن تكونوا خيرًا منها وأعقل؟! ولقد ذكرتموني بقول القائل:

      أبني حنيفة أَحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكمُ أن أغضبا

      فما أكثر السفهاء من أهل البدع!! وما أكثر الكذابين من أهل البدع!! الذين يكذبون ويفترون على أهل السنة، حمية وعصبية جاهلية لمتبوعيهم ولمذاهبهم.
      قال أبو بكر -حفظه الله تعالى وجميع المسلمين-:
      اعلم أن من قال بمذهب الموازنات القاضي بأنه يجب أن تُذكر حسنات المبتدع إذا ذكرت سيئاته وبدعه أو بدعته ولو كان الجارح للمبتدع في مقام التحذير من المبتدع وبدعته، اعلم أن من قال بهذا المذهب يعتبر مبتدعًا ضالاً زائغًا عن الحق، وأن قوله محدث، وبدعة مردودة على صاحبها وعلى قائلها كائنًا من كان.
      واعلم -رحمني الله وإياك- أن جرح المجروح دون ذكر حسناته إذا كان الجارح في مقام التحذير من هذا المجروح، اعلم أن ذلك ليس خاصًا برواة الحديث وإنما هو عامٌّ في رواة الحديث وفي المبتدعة وفي الأشخاص المحذَّر منهم في جميع الأعصار وفي جميع الأمصار.
      واعلم -ثبتني الله وإياك على الحق- أن من قال بأن الاقتصار على جرح المجروح دون ذكر حسناته للتحذير منه خاصٌّ برواة الحديث، اعلم أن من قال بذلك يعتبر ضالاً مبتدعًا زائغًا عن الحق، وأن قوله يعتبر إحداثًا في الدين وبدعة وضلالة مردودة عليه، وأن قوله هذا أكذوبة من الأكاذيب الكبرى على منهج السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم- في تجريحهم للمبتدعة والرواة والشهود والطوائف والأشخاص المحذَّر منهم دون التزامهم بوجوب ذكر حسناتهم.
      ولقد سبق لك بعض الأدلة الدالة على فساد هذا المذهب المخترع المبتدع المُدَّعَى بلا بينة ولا برهان من نقل أو عقل، وإنما هو قول ولَّده الهوى أو الجهل بمذهب السلف، وهما أمران أحلاهما مر.
      وها أنا أبين لك أن هذا المذهب مخالف للعقل وللواقع ولعمل الناس فضلاً عن مخالفته لعمل السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم- وفضلاً عن مخالفته للدليل الشرعي النقلي من كتاب الله ومن سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
      فمن حيث مخالفته للواقع فإن الناس لا يلتزمون بهذا المذهب المتكَلَّف الذي يحمل في ثناياه وطياته الإصر والعنت والمشقة والحرج والخروج عن وسع النفس.
      ولْأضربْ لك بعض الأمثلة الدالة على فساد هذا المذهب القاضي بأنه يجب ذكر الحسنات والمدائح إذا ذُكرت العيوب والنقائص والمثالب.
      فمثلاً إذا رأى الناس مشتريًا قاصدًا تاجرًا غاشًا ليشتري منه، حذروه من الشراء منه وقالوا له: إنه تاجر غاش دون أن يقولوا: لكنه يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويصل الرحم ويتصدق و... و... و... إلى آخره، لماذا؟ لأنه في مقام تحذير المشتري من الشراء من هذا التاجر.
      إن المحذر للمشتري من الشراء من هذا التاجر لا يجد نقيصةً ولا عيبًا ولا غضاضةً ولا ذمًا في اقتصاره على ذكر عيب التاجر، ألا وهو الغش تحذيرًا للمشتري من الشراء منه ومن التعامل معه دون أن يوجب المحذر على نفسه ذكر حسنات هذا التاجر.
      ثم إن هذا المشتري -أيضًا- لا يعيب هذا المحذِّر ولا يقول له: ولكن هذا التاجر يصلي ويصوم ويحج ويعتكف و... و... و... إلى آخره، فكان يجب عليك أيها المحذر أن تذكر حسناته هذه وغيرها!!
      ولأضرب لك مثالاً آخر:
      لو أن شخصًا ذهب إلى السوق ليشتري شيئًا من الفاكهة، ولْيكنْ هذا الشيء المشترَى رُطبًا، وكان هذا الرطب رديئًا لا يصلح للأكل، كأن يكون أصابه الفساد والحموضة، فإذا رجع هذا الشخص من السوق ولم يشترِ ذاك الرطب وسأله أهله: لِمَ لَمْ تشتر لنا رطبًا؟ أتعتقد أن هذا الشخصَ المشتري سيقول: إنني لم أشتره لأنه رديء لا يصلح للأكل، ويكتفي بذلك؟ أم تعتقد أنه سيقول: إنه رديءٌ حامضٌ عفنٌ لا يصلح للأكل، ولكنه آية من آيات الله؟!! ودال على وجود الله؟!! وأن شجرته هي الشجرة التي لا يسقط ورقها؟!! وأنها مثل المسلم أو المؤمن؟!! وأنها الشجرة الباسقة التي لها طلع نضيد؟!! وأنها الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء؟!! وأنها الشجرة التي ينتفع بكل شيء فيها؟!! وأن نوع الرطب جيدٌ وإن كان الرطب عفنًا غير صالح؟!! أتعتقد أنه سيقول إذا سئل: لم لم تشتري رطبًا؟ أتعتقد أنه سيقول ذلك كله؟!! أم أنه سيكتفي بقوله: لم أجد رطبًا جيدًا في السوق، وإن الموجود منه قد أصابته العفونة والحموضة والفساد بحيث لم يصر صالحًا للأكل؟!! لاشك أنه سيكتفي بقوله هذا الأخير أو نحوه.
      فإذا كنا لم نأخذ بمذهب وجوب الموازنات في رطب أو تمر أو عنب أو بر أو شعير أو غير ذلك من الأمور الدنيوية بحيث لا نلتزم بوجوب ذكر الفضائل والخصائص والمزايا؛ لأن ذكر ذلك غير مناسب للمقام، أفنأخذ بمذهب وجوب الموازنات في ذكر الحسنات إذا ذكرنا السيئات في الأمور الدينية كالتحذير من البدع ومن أهلها؟! لا والله.
      إننا لم نأخذ بمذهب الموازنات في هذه الأمور الدنيوية؛ ذلك لأننا بصدد بيان عيبها ولسنا بصدد الترجمة لها، لسنا بصدد الترجمة للرطب ولا للتمر ولا للعنب ولا للبر ولا للشعير، كذلك المحذر من المبتدع وبدعته ليس بصدد ترجمة وافية مستوفية لأخبار ذلك المبتدع بحيث تذكر هذه الترجمة حسناته وسيئاته، وبحيث تذكر ماله وما عليه.
      على أن من أهل العلم المعاصرين من لم ير وجوب ذكر حسنات المخالف في مقام الترجمة، وهو قول قوي.
      إن مذهب وجوب الموازنات لا نرضاه لدنيانا أفنرضاه لديننا؟! لا والله.
      إن كانت الموازنات بين القبائح والمدائح ليست واجبة في أمور الدنيا التي يجب الحذر منها، فإن عدم وجوب الموازنات بين الحسنات والسيئات في مقام التحذير من المبتدعين الضارين للناس في أمور دينهم أولى وأولى وأولى، والله المستعان.
      ثم اعلم أن هذا المشتري الذي حذره المحذر من الشراء من هذا التاجر الغاش، إن هذا المشتري لا يقول لذلك المحذر: إنك غير منصف وغير عادل في هذا التاجر، ولا يتهمه بعدم العدل، ولا يقول له: إنك لست عادلاً؛ لأنك لم تذكر حسنات ذلك التاجر!!
      إن هذا لا يقوله أحد عنده مُسكة من عقل،بل لو أن رجلاً أو أن شخصًا أراد أن يشتري شيئًا من بائع أو تاجر، وذهب إلى رجل خبير بهذا التاجر أو البائع ليستشيره أأمين هذا التاجر وصادق في تجارته ليشتري منه أم لا؟ فإذا كان ذلك التاجر غاشًا فإن المستشار يحذر المشتري من الشراء منه؛ لأن ذاك التاجر أو ذاك البائع غاشٌ كذوبٌ غير أمين ولا صدوق في تجارته وفي بيعه ولا يرى المستشار أنه يجب عليه أن يذكر للمشتري حسنات هذا التاجر أو ذاك البائع الغاش، بل لو ظل المستشار يعد محاسن التاجر من صلاته وصيامه وحجه ووصله للرحم وغير ذلك لقال له المستشير -أعني المشتري- ما عن هذا سألتك، وما لأجل ذلك أتيتك وجئتك، ولَعد ذلك منه سفهًا وخبلاً، ذلك؛ لأن المقام بالنسبة للمستشير مقام استنصاح في أمر معين، وأن المقام بالنسبة للمشير مقام تحذير من شيء معين، فيُكتفى به خلافًا لمذهب الموازنات المزعوم الذي يقضي بوجوب ذكر الحسنات إذا ذُكرت السيئات بدعوى العدل هكذا ظلمًا وجورًا.
      إن مذهب وجوب الموازنات القاضي بأنه يجب على الجارح للمبتدعة المحذِّر منهم ومن بدعتهم، اعلم أن هذا المذهب القاضي بأنه يجب عليه أن يذكر حسنات المبتدعة المحذَّر منهم إذا ذكر سيئاتهم، اعلم أن هذا المذهب مذهب باطل، عاطل، أعرج، أعوج، ذائب، ذاهب، بائر، جائر، لا عدل فيه، ذلك؛ لأنك إذا ذكرت حسنات المبتدعة وأنت في مقام التحذير منهم ومن بدعهم فقد دعوت إلى بدعهم بذكرك لتلك الحسنات، وتكون بذلك قد غششت الناس وظلمتهم بذكرك لتلك الحسنات؛ لأنك غررت بالناس وأوقعتهم في تلك البدع، وخدعتهم ودعوتهم إلى هذه البدع، فهل هذا عدل؟! إن هذا لظلم بيِّن، ووضع للشيء في غير موضعه، إن ذكرك لحسنات المبتدع وأنت في مقام التحذير من بدعته لَوضع للشيء في غير موضعه وظلم وغش وتغرير للناس وخداع وخيانة لهم، فتفطن لذلك.
      ولأضرب لك مثالاً آخر:
      لو أننا رأينا رجلاً معه مالٌ كثير، وسيمشي وحده من طريق فيه سارقون وقُطَّاعُ طرق، لو أننا رأينا هذا الرجل على هذه النية وبهذا العزم، لوجب علينا أن نحذره من المشي في هذا الطريق ولما وجب علينا أن نقول له: إن السارقين وقطاع الطرق هؤلاء مسلمون ويصلون ويصومون أو أنهم من خلق الله وجودهم يدل على وجود الله أو أنهم آية من آيات الله أو ... أو... إلى آخره فلا وجود لمذهب وجوب الموازنات هاهنا.
      فأين عقولكم يا أصحاب بدعة مذهب الموازنات العصرية الذي توجبون به على المسلمين ما لم يوجبه الله عليهم، وتوجبون به على علماء المسلمين ما لم يوجبه الله عليهم، وتُدخلون به في مذهب السلف الصالح ما ليس منه؟!
      أين عقولكم؟! وأين ذهبت؟! أرجو أن تدركوا حقيقة الأمر، وإلا، فأنتم الزائغون المبتدعة الضُلاّل المدخلون في الدين ما ليس منه باسم الدين وباسم السلفية، والسلفية براء من مذهبكم المبتدَع.
      ولنضرب مثالاً آخر يدل على بطلان بدعة الموازنات المعاصرة الحديثة:
      لو أننا رأينا رجلاً أعمى يقترب من نار لوجب علينا أن نحذره من النار بأن نقول له: النارَ النارَ، أي احذر النار ولا تقترب منها، ولا يجب علينا أن نقول له:
      إن من صفات النار الإحراقَ!! والطيشَ!! وإنضاجَ الطعام!! وتسخين الماء!! وتدفئة الجو في الشتاء!! وأنها يُعذب بها الكافرون يوم القيامة!! وأنها آية من آيات الله!! وأنها خلق من خلق الله تدل على وجود الله!!
      إنه لا يجب علينا أن نقول له كل ذلك، بل يجب علينا أن نحذره من النار، ولا يجب علينا أن نذكر كل ما سبق من الأوصاف لتلك النار، فلا وجود لمنهج الموازنات في مقام التحذير هاهنا ولا في أمر التحذير من المبتدعة.
      ولنضرب مثالاً آخر:
      لو أننا رأينا رجلاً حاملاً لسكين يريد أن يقتل رجلاً معصوم الدم لوجب علينا أن نحذر هذا الرجل المقصود المعصوم الدم من ذاك القاتل بأي أسلوب مناسب من أساليب التحذير، كأن نقول له: إن خلفك أو وراءك رجلاً يريد قتلك فاحذره، ولا يجب علينا في هذا المقام -أعني مقام التحذير- لا يجب علينا أن نعمل بمذهب الموازنات بحيث نقول لهذا الرجل المقصود للقتل من قِبَل ذلك القاتل، لا يجب علينا أن نذكر له حسنات هذا القاتل.
      إن مذهب وجوب الموازنات في مقام التحذير بحيث يجب على الجارح للمبتدعة ذكر حسناتهم إذا ذكر سيئاتهم وبدعهم، إن هذا المذهب لمذهب مردود على صاحبه وعلى قائله كائنًا من كان؛ لأنه مذهب مضاد لكتاب الله ولسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولمذهب السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم- ولأنه مذهب لا يدل عليه عقل صحيح صريح ولا عرف قويم، والله المستعان.
      إننا لو ذهبنا لنعدد الأمثلة الدالة على بطلان ذاك المذهب ما أحصينا تلك الأمثلة.
      إن هذا المذهب يكفي في رده وبطلانه مجرد ذكره لولا ما وُجد من عميان البصيرة الذين لا يرون الحق حقًا والباطل باطلاً، وإنما يرون الحق باطلاً والباطل حقًا، ويرون السنة بدعةً والبدعة سنة.
      ولولا ما وُجد من التشويش على مذهب أهل السنة والجماعة، ولولا ما وُجد من التشويش على السلفيين أهل السنة والجماعة، ولولا ما وُجد من الفساد والإفساد العريضين في الدين المبنيين على هذا المذهب الأخرق الباطل، ولولا ما وُجد من المغترين بهذا المذهب من الجهلة، ولولا ما وُجد من الآخذين بهذا المذهب الناسبين له إلى مذهب السلف الصالح، ومذهب السلف الصالح بريء منه والسلف الصالح –أيضًا- برآء من حامل هذا المذهب والداعي إليه ومعتقده، لولا هذا كله وغيره لاكتُفي بذكر هذا المذهب مجردًا عن أدلة بيان بطلانه وفساده واختلاله واعتلاله، ذلك؛ لأن بطلانه بيّنٌ لأصحاب الفهوم السليمة، ولأصحاب العقول الصحيحة، ولمتبعي الأثر، ولمتبعي الوحي من كتاب ربنا ومن سنة نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولمتبعي مذهب السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم.
      فبعدًا لهذه البدعة الحديثة المعاصرة وبعدًا لمبتدعيها، والله المستعان.
      ونقول للعائب على أهل السنة والجماعة، أهل الحديث والأثر، أهل الجرح والتعديل، أتباع منهج السلف الصالح، نقول للائمهم والعائب عليهم والطاعن فيهم إذ قاموا ببيان بطلان وفساد مذهب وجوب الموازنات المذكور، وإذ قاموا بجرح أهل البدع والتحذير منهم ومن بدعهم، نقول لجارح أهل الحق ولسابهم ولراميهم بأنهم رافضة سبابة أو بأنهم نابتة السوء أو أنهم ستة عشر وجهًا لعملة واحدة أو بغير ذلك من الطعون، نقول له:
      أبا جهلٍ فـلا تعجل عليـنا وأنظــرنا نخبرك اليقيـنا.
      ونقول له -أيضًا-: أتهجوهم ولست لهـم بكفءٍ فخيركم لشركم الفــداء
      ونقول: أوَكلما طنّ الذبابُ زجـرته إن الذباب إذًا عليّ كــريم

      إن من سنة الله -عز وجل- أن يقيض لهذا الدين من ينصره ويؤيده من أعدائه ومن حساد أهله، وقد قيل:

      وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتـاح لها لسـان حسـود


      لولا اشتعال النار في جِذل الغضا ما كان يُعرف طِيبُ نشرِ العود

      إن أهل البدع والأهواء والحزبيات ليقومون -من حيث لا يشعرون- بنشر ما عليه أهل السنة والجماعة ونشر ما عليه السلفيون الذين لا يستطيعون أن ينشروا كل ما يريدون، وها نحن اليوم نرى أهل البدعة والهوى والحزبية يُكثرون في هذه الأيام من الدندنة حول انتقاد السلفيين وانتقاد علم الجرح والتعديل بما يكون في حقيقة الأمر ومآله فضيحة لهم ونصرًا لمذهب أهل السنة والجماعة، مذهب السلف الصالح رضي الله عنهم، ونصرًا للسلفيين.
      إنهم وإن قصدوا الصد عن هذا السبيل، وعن هذا المنهج، وإن قصدوا التحذير والتنفير عن علماء الجرح والتعديل فإن رياح الحق لا تأتي بما تشتهي سفن الباطل، وإن رياح السنة لا تأتي بما تشتهي سفن البدعة، شاء ذلك ركاب الباطل والبدعة أم أبوا.
      إن إنزالهم للكتب الكثيرة في هذه الأيام لدليل واضح على عدائهم لمذهب السلف الصالح الذي يفرق بين السني والبدعي، وبين السنة والبدعة حتى يميز الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه على بعض.
      نقول لهؤلاء الحزبيين ولهؤلاء المبتدعين:
      أين تحذيراتكم الشديدة من جماعة الإخوان المفلسين، ومن جماعة الفساد التي تسمى بجماعة الجهاد، ومن جماعة التجهيل والتضليل التي تسمى بجماعة التبليغ، ومن جماعة التوقف والتبين، ومن القطبيين، ومن جماعة التكفير وغيرهم من فرق الضلال.
      أين كتبكم التي أنزلتموها في هؤلاء؟! وأين تحذيراتكم الشديدة من هؤلاء من فوق المنابر ومن تحتها؟! أين أنتم من هؤلاء المبتدعين الضُلال؟! أم أن شأنكم كما قيل:

      أسد علي وفي الحروب نعامــة خرقاء تهرب من صفير الصافرِ

      إن السلفيين -والسلفيين وحدهم- هم الذين يتولون ويتبنون بيان ما عليه جميع أهل الزيغ والضلال والبدعة والانحراف عن مذهب السلف الصالح، ومؤلفاتهم في الرد على تلك الأحزاب الإسلامية المعاصرة الضالة، مؤلفاتهم في هذا الباب موجودة وكثيرة، والحمد لله رب العالمين، فمن ذلك ما هو مبثوث في بطون كتب شيخنا مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله تعالى- وما أكثرها!!
      ومن ذلك كتاب «المورد الزلال في التنبيه على أخطاء تفسير الظلال» للشيخ عبد الله بن محمد الدويش -رحمه الله تعالى-.
      ومن ذلك كتاب «المورد العذب الزلال فيما انتقد على بعض المناهج الدعوية من العقائد والأعمال» وكتاب «الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية» للشيخ أحمد بن يحيى بن محمد النجمي -حفظه الله تعالى([1])-.
      ومن ذلك كتاب «أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره» وكتاب «نظرات في كتاب التصوير الفني في القرآن الكريم -لسيد قطب-» وكتاب «المحجة البيضاء في حماية السنة الغراء من زلات أهل الأخطاء وزيغ أهل الأهواء» وكتاب «العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم» وكتاب «الحد الفاصل بين الحق والباطل» كلها للشيخ ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى- والأخير منها يرد فيه على الخطاب الذهبي لبكر بن عبد الله أبي زيد.
      ومن ذلك كتاب «الصبح الشارق على ضلالات عبد المجيد الزنداني في كتابه توحيد الخالق» للشيخ أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى- وقد قدم للكتاب كل من الشيخين مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله تعالى- وأحمد بن يحيى النجمي -حفظه الله تعالى([2])-.
      تنبيه: إن الشيخ يحيى بن علي الحجوري مؤلف كتاب «الصبح الشارق» هذا هو خليفة الشيخ مقبل -رحمه الله تعالى- على كرسي التدريس من بعد وفاته، رحم الله الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، وحفظ الله الشيخ يحيى.
      وهناك ردود كثيرة للشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي على أبي الحسن المصري نزيل مأرب، وغير هذه الكتب في القديم والحديث كثير بثير والحمد لله.
      ثم إني أقول: إن من سب علماء الجرح والتعديل في هذا العصر من أئمة السنة وأئمة السلفيين وأئمة الحديث والأثر من أمثال الشيخ العلامة المحدث الفقيه أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله تعالى- والشيخ العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى- والشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي -حفظه الله تعالى- والشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان -حفظه الله تعالى-.
      إن من نصب العداء لهؤلاء أو سب غيرهم من العلماء ممن يسير على مذهب السلف الصالح في النقد والجرح والتعديل وفي بيان مذهب أهل السنة والجماعة وفي تجريح أهل البدع والتحذير منهم وبيان أمرهم وكشف حقيقتهم، إن من نصب العداء لهؤلاء وسبهم إنه أولى بالسب منهم، ونعتبر هؤلاء ناصبة عيّابة -لا كثر الله أمثالهم-.
      ثم إني أقول: إن من وقع في أمثال هؤلاء العلماء الأجلاء الراسخين، وسبهم وعابهم وتنقصهم إنما يحرق نفسه، وعلى نفسها براقش تجني، وعلى الباغي تدور الدوائر، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
      فيا أيها الباغي أقصر.
      إننا والله لا نعتقد في هؤلاء العلماء الأجلاء وأمثالهم العصمة، وإنما نعتقد أنهم أقرب الناس إلى الحق، وأولى الناس بالحق، وأنهم يُثَبتون الناس على سنة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعلى كتاب الله -عز وجل- بفهم السلف الصالح، بخلاف مخالفيهم، فإن من قرأ في كتبهم فإنه يشعر بالمرض يدب إلى قلبه دبيبًا، ويُحس بضعف الولاء للسنة والسلفية وأهلها، ويحس بضعف البراء من البدعة وأهلها، ويحس بتمييع الأمور وتضييعها.
      إن أهل السنة والجماعة يعظمون شعائر الله، ويعظمون حرمات الله، ويعظمون أمر المخالفة للكتاب والسنة.
      أما أهل الأهواء والبدع والمخالفات فإنهم يهونون من أمر البدع والأهواء والمخالفات.
      فيا قوم اعلموا أن الخير عند السلفي، وأن الشر والخَلْف عند الخلفي، ويا قوم اثبتوا على منهج السلف الصالح يثبتكم الله في الدنيا والآخرة، قال الله -عز وجل-: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}
      وقال الله -عز وجل-: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}
      واعلم أن التثبيت من الله -عز وجل- قال -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
      {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً}
      ثبتنا الله وإياكم على مذهب السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين-.


      تمت المراجعة والتعديل في ليلة الجمعة الموافقة الثامن عشر من شهر الله المحرم لسنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام.


      - [1] رحمه الله.

      [2] - رحمه الله.
      يمكنكم تحميل الرسالة من المرفقات
      الملفات المرفقة

      تعليق


      • #4
        حفظ الله الشيخ الثبت أبا بكر بن ماهر بن عطية وجزاه الله خيراً



        وجزى الله الأخ أسامة بن محمد خير الجزاء لجهوده الطيبة

        تعليق


        • #5
          جزاك الله خيراً شيخنا أبا بكر ووفقك وسدد رميتك

          يقول شيخنا أبا بكر :
          هذه قصيدة نظمتها، وهي بعنوان (أفغير السلفية يبغون) قلت فيها:



          إِلَى نُصَرَاءِ مِلَّتِنَا الفِخَــامِ ... إِلَى عُلَماءِ شِرْعَتِنَا العِظَــامِ

          سَلاَمُ إِلَـ'ـهِنَا أَبَدًا عَلَيْكُمْ ... أَيَا كُبَرَاءُ يا سُرُجَ الظَّــلاَمِ

          أَيَا شُرَفَاءُ يا عَمَدَ الحَيَــاةِ ... بِكُمْ عُرِفَ الحَلاَلُ مِنَ الحَرَامِ

          أَيَا كُرَمَاءُ يا أَمَلَ العِبَــادِ ... لِنَصْرِ دِيَانَةِ المَلِكِ السَّــلاَمِ

          أَأَتْرُكُ مَذْهَبَ السَّلَفِ الكِرَامِ ... لأَجْلِ مَكَائِدِ الخَلَفِ اللِّئَامِ؟!

          أَأَتْرُكُ سُنَّةً هُجِرَتْ دُهُـورًا ... لأَجْلِ عَدَاوَةٍ ظَهَرَتْ أَمَامِي ؟!

          أَأَتْرُكُ مَذْهَبَـًا هُوَ دِينُ رَبِّي ... بِلا بِدَعٍ وَلاَ شَطَطِ الفِئَامِ(1)؟!

          أَأَتْرُكُهُ لأَجْلِ هَوَى الغُـوَاةِ؟! ... أَأَتْرُكُهُ لِنَيْلِ رِضَا الأَنَـامِ(2)؟!

          أَأَتْرُكُهُ لأَجْلِ دُرَيْهِمَــاتِ؟! ... أَأُسْرِعُ جَاهِدًا قِبَل الحُطَامِ(3)؟!

          أَأَتْرُكُهُ مَخافَةَ سِجْنِ قَوْمِـي؟! ... أَأَتْرُكُهُ لأَجْلِ أَذَى الحُسَامِ(4)؟!

          أَأَتْرُكُهُ لِزَمْجَرَةِ(5) الغِضَـابِ؟! ... أَأَتْرُكُهُ لِلاَئِمَةِ(6) الطِّغَـامِ(7)؟!

          إِذَا نُشِرَتْ شَرَائِــعُ غائِبَاتٌ ... عَلاَ لِحَسُودِهِمْ لَهَبُ الخِصَامِ

          وَلَسْتُ إِخَالُكُمْ(8) أَبَدًا حَيَارَى لِرَدِّ جَوَابِ نَاظِمِ ذَا الكَـلاَمِ

          سَأَتْرُكُهُ إِذَا رَجَعَ الحَــلِيبُ ... لِضَرْعِ كَرَائِمِ(9) البَقَرِ الضِّخَامِ

          سَأَتْرُكُهُ إِذَا رَقِيَ(10) الْكَفُــورُ ... إِلَى دَرَجِ الجِنَـانِ بِلاَ مَـلاَمِ

          سَأَلْزَمُ وَحْيَ خَالِقِنـَا العَظِيـمِ ... ُوَإِنْ أَجَلِي تَطَاوَلَ أَلْفَ عَـامِ*

          وَمَـنْ تَرَكَ الدَّلِيلَ بِغَيْرِ عُـذْرٍ ... تَعَثَّرَ فِي القُعُودِ وَفِي القِيَــامِ

          وَمَنْ أَخَذَ العُلُومَ بِلاَ انْتِفَــاءٍ ... حَشَا بِجِرَابِهِ(11) وَسَخَ السُّخَامِ(12)

          وَمَنْ تَبِعَ الفَلاَسِفَةَ الحَيَــارَى ... جَنَى تَلَفَ الجَنَانِ(13)مَعَ الصِّمَامِ(14)

          وَمَنْ يَذَرِ الشَّرِيعَةَ يَلْقَ عــَارًا ... وَيَقْتَحِـمِ السَّعِـيرَ بِلاَ مُحَامِي

          وَتِلْـكَ إِذَنْ خَسَارَةُ خَـاسِرِينَا ... وَشِقْوَةُ أَشْقِيَـاءَ بِـلاَ انْصِرَامِ(15)

          وَإِنْ تَكُـنِ الجَرِيمَةُ نَصْـرَ دِينِي ... فَلَسْتُ عَنِ الجَرِيمَـةِ فِي انْفِطَامِ

          رَضِيتُ بِنَهْـجِ قَافِلَةِ الرَّسُـولِ ... فَنِعْـمَ صَحَـابَةُ العَـلَمِ الإِمَامِ

          بِـهِ خَتَمَ الإِلَـ'ـهُ مُنَبَّئِيـهِ(16) ... فَكَانَ خِتَـامُهُ مِسْـكَ الخِتَـامِ

          فَحَيَّ(17) عَلَى الهِدَايَةِ فِي ذُرَاهَا(18) ... وَحَيَّ عَلَى الصُّعُودِ إِلَى السَّنَـامِ(19)


          هِيَ السَّـلَفِيَّةُ انْفَتَحَتْ جِهَـارًا ... صَحَائِفُهَــا بِـلاَ أَثَرِ الرَّغَامِ(20)


          هِيَ السَّــلَفِيَّةُ اتَّسَعَتْ بِأَرْضِي ... طَرَائِقُـهَا بِـلا ضَـرَرِ الزِّحَامِ


          هِيَ السَّــلَفِيَّةُ انْسَبَكَتْ قَدِيمًا ... سَبَائِكُـهَا بِلاَ شَـرَرِ الصِّدَامِ


          هِيَ السَّــلَفِيَّةُ انْفَجَرَتْ عُيُونًا ... مِنَ الحُجَجِ البَـوَاتِرِ(21)كَالسِّهَامِ


          هِيَ السَّــلَفِيَّةُ القَمَـرُ المُنِـيرُ ... بِـلاَ سُحُبٍ تَلُـوحُ(22) وَلاَ غَمَامِ


          هِيَ السَّلَفِيَّةُ الشَّرَفُ الرَّفِــيعُ ... فَهَلْ تَجِدُونَ أَفْضَلَ مِنْ وِسَامِي(23)؟!


          فَيَا سَلَفِيُّ لاَ تَدَعِ السَّبِيـــلاَ ... فَمَنْ لِكَتَائِبِ البِدَعِ الجِسَـامِ(24)؟!


          وَمَنْ لِغَيَاهِبِ(25) الظُّلُمَاتِ فِيـنَا ... إِذَا ذَهَبَ الضِّيَاءُ عَـلَى الـدَّوَامِ؟!


          وَيَـا سَلَفِيُّ لاَ تَعِـبِ الزَّمَـانَا ... وَلاَ تَـكُ عَـنْ عُيُوبِكَ فِي تَعَامِي

          وَيَـا سَلَفِيُّ سَـدَّدَكَ الإِلَـ'ـهُ ... وَعِشْتَ مَعِيـشَةَ البَـطَلِ الهُمَامِ(26)


          أَوَائِلُنَا مَضَـوْا قُـدُمًا أُسُـودًا ... أَوَاخِرُنَا أَتَـوْا شَــبَهَ النّـَعَامِ**


          وَلِلْمُتَهَـوِّكِ(27) الخَلَـفِيِّ قَـالٌ(28)يُفَضِّلُ مَـذْهَبَ الخَـلَفِ النِّـيَامِ


          يَقُولُ عُلُومُـنَا حِـكَمٌ عَـوَالٍ ... وَمَـذْهَبُكَ السَّلاَمَةُ مِنْ سَـقَامِ(29)


          فَهَـلْ أَتَتِ السَّلاَمَةُ دُونَ عِـلْمٍ ... فَيَـا عَجَـبًا لِـذَلِكَ مِـنْ نِظَامِ


          وَإِنْ تَكُنِ العُـلُومُ بِـلاَ سَـلاَمٍ ... فَتِـلْكَ كُلُومُ(30) صَالِيَةِ الحِمَـامِ(31)


          وَمَنْ رُزِقَ السَّلاَمَةَ عَاشَ حُــرًّا ... وَإِنْ أَكَـلَ البُقُولَ بِـلاَ حَمَـامِ


          وَمَنْ عَبَدَ الإِلَـ'ـهَ أَصَـابَ عِـزًّا ... وَإِنْ سَكَنَ القِـفَارَ(32) بِـلاَ خِيَامِ


          رَفَعْتُ إِلَى السَّمِيعِ يَـدَيْ دُعَـائِي ... فَـلاَ رَجَـعَتْ مُخَـيَّـبَةَ المَرَامِ(33)


          أُرِيـدُ رِضَا الكَرِيمِ وَدَارَ خُـلْـدِ ... بِهَـا الدَّرَجَـاتُ عَالِـيَةُ المَـقَامِ


          بِهَا الصُّلَـحَاءُ وَالشُّهَـدَاءُ حَـقًّا ... بِـلاَ نَصَـبٍ هُـنَاكَ وَلاَ مَـنَامِ


          إِذَا غُمِسَ السَّعِـيدُ بِـهَا قَلِيـلاً ... أَحَـسَّ بِـلَذَّةِ الظَّـفَرِ التَّــمَامِ


          فَـيَا غَـفَرَ الغَفُـورُ لِـيَ الذُّنُوبَا ... وَيَا رَحِـمَ الرَّحِـيمُ أَخَـا وِئَـامِ(34)
          التعديل الأخير تم بواسطة علي بن إبراهيم جحاف; الساعة 27-12-2010, 01:32 PM.

          تعليق

          يعمل...
          X