الحقائق المفصّلة
لما عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب (الوصابي) من التناقضات والعجائب المذهلة
كتبه
أبو عمار ياسر بن علي الشريف الحديدي
مقدمة
حمل الرسالة من الخزانة العلمية
...................................
لما عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب (الوصابي) من التناقضات والعجائب المذهلة
كتبه
أبو عمار ياسر بن علي الشريف الحديدي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي أنزل كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فأحكم آياته وأخبر بالحق، وشابه بينها في الإعجاز والصدق، فلا يعتريه النقص، ولا يدخله النقض.
قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)_.
قال الشيخ السعدي: ومن فوائد التدبر لكتاب الله: أنه بذلك يصل العبد إلى درجة اليقين، والعلم بأنه كلام الله؛ لأنه يراه يصدق بعضه بعضًا؟ ويوافق بعضه بعضًا!! فترى الحكم والقصة والإخبارات تعاد في القرآن في عدة مواضع كلها متوافقة لا ينقض بعضها بعضًا، فبذلك يعلم كمال القرآن، وأنه من عند من أحاط علمه بجميع الأمور؛ فلذلك قال تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)_ أي: فلما كان من عند الله لم يكن فيه اختلاف أصلًا. اهـ
والصلاة والسلام على نبينا محمد – من أكد حكم القرآن، وبينه، وزاد عليه.
القائل كما عند الإمام أحمد من حديث عبدالله بن عمرو بسند حسن (6702): مهلاً يا قوم: بهذا أهلكت الأمم من قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه.
فهما الأصلان اللذان عليهما ركائز الدين، وإليهما ترجع أصول المسلمين.
قال الإمام الشافعي في "الرسالة" (ص182): ....، لأن الله جل ثناؤه أقام على خلقه الحجة من وجهين أصلهما في الكتاب: كتابه ثم سنة نبيه بفرضه في كتابه اتباعها.
وقال ابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/33): وأما أصول العلم فالكتاب والسنة.
وقال أبو القاسم الجنيد كما في "الاعتصام" (1/161): ومذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة.
وقال أبو سعيد الخراز كما في "الاعتصام" (1/162): كل باطل يخالفه ظاهر فهو باطل.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (19/5): وذلك أن الحق الذي لا باطل فيه هو ما جاءت به الرسل عن الله، وذلك في حقنا، ويعرف بالكتاب والسنة والإجماع.
قال ابن القيم رحمه الله في (إعلام الموقعين) (2/275): وأما طريقة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث كالشافعي والإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة وأبي يوسف والبخاري وإسحاق فعكس هذه الطريق، وهي أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، ويأخذون من المحكم ما يفسر لهم المتشابه ويبينه لهم، فتتفق دلالتهم مع دلالة المحكم وتوافق النصوص بعضها بعضًا ويصدق بعضها بعضًا، فإنها كلها من عند الله، وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره. اهـ
وقال ابن أبي العز في "شرح الطحاوية": ...، أي: سلم لنصوص الكتاب والسنة، ولم يعترض عليها بالشكوك، والشبه، والتأويلات الفاسدة، أو بقوله: العقل يشهد بضد ما دل عليه النقل، فالعقل أصل النقل، فإذا عارضه قدمنا العقل، وهذا لا يكون قط. اهـ
فإن الذي لا يضبط أقواله بنصوص الشريعة، ولا يزن أفعاله بالكتاب والسنة، فليتهم خواطره، ولينكس معالمه، فإنه لا يعد في ديوان الرجال، لأن آفته التناقض في أقواله وأفعاله، والتخبط في أحكامه وآرائه، فلن يستقيم له نهج صحيح، بل إن دينه جعله عرضة للتحسين والتقبيح، فالناس في ذلك طرفان ووسط، فالطرفان بين التفريط والشطط والوسط، لا وكس فيها ولا شطط، فغالت المعتزلة وشطحت في جعل العقل أصلًا كليًّا أوليًّا يستغني بنفسه عن الشرع، وجمدت الأشاعرة العقل وفرطت في تجميده وذمه والقدح فيه، وتوسط أهل السنة فيه فلا يخلو عندهم من أمرين إما أن يثبته السمع ويدل عليه، وإما أن يأذن فيه ويسكت عنه، وبذلك يعلم أن السمع والعقل لا يتعارضان أبدًا.
قال ابن القيم في "الصواعق المرسلة" (3/955): إن المعارضة بين العقل ونصوص الوحي لا تتأتى على قواعد المسلمين المؤمنين، حقًّا، ولا على أصول أحد من أهل الملل المصدقين بحقيقة النبوة وليست هذه المعارضة بالنبوة في شيء وإنما تتأتى هذه المعارضة ممن يقر بالنبوة على قواعد الفلسفة.
وقال أيضًا (2/457): الحجج السمعية مطابقة للمعقول، والسمع الصحيح لا ينفك عن العقل الصريح، بل هما أخوان نصيران، وصل الله بينهما وقرن أحدهما بصاحبه، واستدل بآيات كثيرة ثم قال: فالكتاب المنزل والعقل المدرك حجة على خلقه.
وقال الشاطبي في "الاعتصام" : ... العقل إذا لم يكن متبعًا للشرع لم يبق إلا الهوى والشهوى وأنت تعلم ما في اتباع الهوى وأنه ضلال مبين. اهـ
ولأجل ذلك ضل أهل الأهواء، وتناقضوا في الأقوال والآراء، فردوا النصوص، وعطلوا الأحكام، بشبهة التناقض والاضطراب.
وهذا الذي دفع الإمام أحمد في الرد عليهم، وتوضيح تناقضهم في رسمه ووسمه الرد على الجهمية والزنادقة، وكان من جملة، ما وصف به المتناقضين الذين في الكتاب كانوا مضطربين.
قال -رحمه الله- (ص170 -171): هم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون على مخالفة الكتاب، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويلبسون على جهال الناس، بما يتكلمون به من المتشابه.
والنقض: عند أهله يدور على نكت الشيء. قاله ابن فارس.
والنقيضان: هما في اللذان لا يجتمعان معًا ولا يرتفعان معًا كوجود زيد وعدمه فيستدل بوجود أحدهما على عدم الآخر وبعدمه على وجوده. [انظر تنقيح الفصول (ص97) و"القاموس المبين" (194)].
والتناقض: هو اختلاف القضيتين بالإيجاب والسلب، اختلافًا يلزم منه لذاته كون إحداهما صادقة، والأخرى كاذبة كقولنا: زيد إنسان، زيد ليس بإنسان. ["التعريفات" (68) و"الكليات" (305)].
وقد ذم الله هذا الصنف وذم أصحابه لما تنطوي به سريرتهم، وتكمن حقدًا قلوبهم على الإسلام وأهله، فمن صفات هذا الصنف:
1- الكذب والجبن: قال الله تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ﴾ فلما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- خبره استدعاه – أي: ابن سلول – فاجتهد يمينه أنه لم يقل ذلك وناقض مقولته.
2- محاولة الزعزعة في صفوف المسلمين: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) ﴾.
3- الحسد والحقد والكبر والغطرسة: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) ﴾.
4- التلون والنفاق: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾.
وهذا من أعظم أسبابها، لأن صاحبه يقصد بذلك الخلاص بنفسه، والانتقام لشخصه في ذلك الوقت والحين، حين يتحدّر عرقه من الجبين، ولو برد الحجج الدامغة، والبراهين القاطعة، فإن انعكس عليه الخبر، وتفاقم عليه الخطر، وكان من الخلاص، إثبات المنفي ونفي المثبت، لم يجد في ذلك من مناص فيعيش دهره وهو شاك في أمره، متحير في نهجه.
قال شيخ الإسلام في (الصفدية) (1/294): ... ثم من جمع منهم بين هذه الحجج أداه الأمر إلى تكافؤ الأدلة، فيبقى في الحيرة والوقف، أو إلى التناقض وهو: أن يقول هنا قولًا ويقول هنا قولًا يناقضه.
وقال أيضًا: بل تجد أحدهم يجمع بين النقيضين أو بين رفع النقيضين والنقيضان اللذان هم الإثبات والنفي لا يجتمعان ولا يرتفعان بل هذا يفيد صاحبه الشك والوقف فيتردد بين الاعتقادين المتناقضين وهما الإثبات والنفي، كما يتردد بين الإرادتين المتناقضتين.
وقال في (ص295): وسبب ذلك جعل ما ليس بمعقول معقولًا، لاشتباه الأمر، ودقة المسائل وإلا فالمعقولات الصريحة لا تتناقض، والمنقولات الصحيحة لا تتناقض. اهـ
وإنه قد ظهر في الآونة المؤخرة قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يأخذون من قول خير البرية، مما يلبسون به على الأمة المحمدية، فتعصبت لهم زمرة الأحقاد، ونشبت في قلوبهم نار الحساد، فأخضعوا أصول الشريعة لأهوائهم، وعطلوا الأحكام لنشر آرائهم، فأعقبهم الله ذلًا في الحياة الدنيا، ويخشى عليهم النكال في الدار الأخرى.
وكان من جملة من وصفته، وحددته ورسمته:الحزبي المنحرف/ عبد الرحمن بن مرعي العدني.
فثار بآرائه وأفكاره، بحشد جنده وأحزابه، على شيخ الدعوة السلفية، وشيخ دماج الأبية، بأصوله الفاسدة، وقواعده الكاسدة، ليفرح الحاسدين، ويناله حظًا من الكنز الثمين، لكن الله يغار على دينه وحرماته، ويفضحه بجنده وأوليائه، فكشفوا ستره، وأظهروا عورته، وأبادوا سيرته.
ولكن كانت سنة في خلقه، جارية إلى فناء دهره أن لكل ناعقٍ روادًا ولكل مبطل أفرادًا.
وكان من خيرة خلانه بل من صفوته وغلمانه: الشيخ محمد بن عبدالوهاب الوصابي العبدلي، نزيل الحديدة هداه الله.
فسخر كلامه وأقواله وملازمه وطلابه في نصرة الباطل وحزبه، وخذل الحق وأهله، بدون انضباط بالنصوص الشرعية، والأصول السلفية، فتناقضت أقواله واضطربت عباراته، وصار لا يعدو كلامه أحد ثلاث أمور: إما أن يقول:
1- إن بين المتناقضين إجمالًا وتفصيلًا مع أنهما في الحقيقة ظواهر لا تحتمل التأويل، فإن سلك هذا المسلك سلك سبيل أهل البدع.
2- إن أحدهما يحمل على أهل البدع والآخر على أهل السنة، فإذا كان في أحدهما حرمة وفي الأخرى حل فهو لطائفة دون أخرى، فنصبت نفسك مشرعًا في دين الله.
3- إن كلامي ليس منضبطًا بنصوص الشريعة، فتناقض.
وكان من أعظم ما أوقعه في الاضطراب والتناقض ما يدندن به على مسامع العامة والخاصة بشكه الباطل، وقوله العاطل: اتهم نفسك أن كلامك غير صحيح وما أشبه الليلة بالبارحة، بقاعدة أهل التصوف والتضليل: كلامك خطأ يحتمل الصواب، وكلامي صواب يحتمل الخطأ.
قال شيخ الإسلام في "درء تعارض العقل والنقل" (1/181): ... فإنه ما من خبر أخبروا به ولم يعلم هو ثبوته بعقله إلا وهو يجوز أن يكون في نفس الأمر دليل يناقضه فلا يعلم شيئًا مما أخبروا به بخبرهم.
وقال أيضًا: فبين أن تجويزهم في نفس الأمر دليل يناقض السمع ويوجب أن لا يكون في نفس الأمر دليل سمعي يعلم به مخبره، وهذا مما تبين به تناقضهم حيث أثبتوا الأدلة السمعية ثم قالوا ما يوجب إبطالها، وحيث أثبتوا الأدلة العقلية ثم قالوا: ما يوجب تناقضها. اهـ
وإليك هذه التناقضات: وهي على الإجمال إحدى عشرة، وإلا فإن بعض التناقضات أو أغلبها إن لم تكن كلها فإنها تحوي في طياتها تناقضات أخر، وإنما جمعت بينها لاتصال الكلام وتقاربه، وبينت ذلك كما ستراه – بإذن الله – في سبرك للرسالة..............
قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)_.
قال الشيخ السعدي: ومن فوائد التدبر لكتاب الله: أنه بذلك يصل العبد إلى درجة اليقين، والعلم بأنه كلام الله؛ لأنه يراه يصدق بعضه بعضًا؟ ويوافق بعضه بعضًا!! فترى الحكم والقصة والإخبارات تعاد في القرآن في عدة مواضع كلها متوافقة لا ينقض بعضها بعضًا، فبذلك يعلم كمال القرآن، وأنه من عند من أحاط علمه بجميع الأمور؛ فلذلك قال تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)_ أي: فلما كان من عند الله لم يكن فيه اختلاف أصلًا. اهـ
والصلاة والسلام على نبينا محمد – من أكد حكم القرآن، وبينه، وزاد عليه.
القائل كما عند الإمام أحمد من حديث عبدالله بن عمرو بسند حسن (6702): مهلاً يا قوم: بهذا أهلكت الأمم من قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه.
فهما الأصلان اللذان عليهما ركائز الدين، وإليهما ترجع أصول المسلمين.
قال الإمام الشافعي في "الرسالة" (ص182): ....، لأن الله جل ثناؤه أقام على خلقه الحجة من وجهين أصلهما في الكتاب: كتابه ثم سنة نبيه بفرضه في كتابه اتباعها.
وقال ابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/33): وأما أصول العلم فالكتاب والسنة.
وقال أبو القاسم الجنيد كما في "الاعتصام" (1/161): ومذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة.
وقال أبو سعيد الخراز كما في "الاعتصام" (1/162): كل باطل يخالفه ظاهر فهو باطل.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (19/5): وذلك أن الحق الذي لا باطل فيه هو ما جاءت به الرسل عن الله، وذلك في حقنا، ويعرف بالكتاب والسنة والإجماع.
قال ابن القيم رحمه الله في (إعلام الموقعين) (2/275): وأما طريقة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث كالشافعي والإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة وأبي يوسف والبخاري وإسحاق فعكس هذه الطريق، وهي أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، ويأخذون من المحكم ما يفسر لهم المتشابه ويبينه لهم، فتتفق دلالتهم مع دلالة المحكم وتوافق النصوص بعضها بعضًا ويصدق بعضها بعضًا، فإنها كلها من عند الله، وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره. اهـ
وقال ابن أبي العز في "شرح الطحاوية": ...، أي: سلم لنصوص الكتاب والسنة، ولم يعترض عليها بالشكوك، والشبه، والتأويلات الفاسدة، أو بقوله: العقل يشهد بضد ما دل عليه النقل، فالعقل أصل النقل، فإذا عارضه قدمنا العقل، وهذا لا يكون قط. اهـ
فإن الذي لا يضبط أقواله بنصوص الشريعة، ولا يزن أفعاله بالكتاب والسنة، فليتهم خواطره، ولينكس معالمه، فإنه لا يعد في ديوان الرجال، لأن آفته التناقض في أقواله وأفعاله، والتخبط في أحكامه وآرائه، فلن يستقيم له نهج صحيح، بل إن دينه جعله عرضة للتحسين والتقبيح، فالناس في ذلك طرفان ووسط، فالطرفان بين التفريط والشطط والوسط، لا وكس فيها ولا شطط، فغالت المعتزلة وشطحت في جعل العقل أصلًا كليًّا أوليًّا يستغني بنفسه عن الشرع، وجمدت الأشاعرة العقل وفرطت في تجميده وذمه والقدح فيه، وتوسط أهل السنة فيه فلا يخلو عندهم من أمرين إما أن يثبته السمع ويدل عليه، وإما أن يأذن فيه ويسكت عنه، وبذلك يعلم أن السمع والعقل لا يتعارضان أبدًا.
قال ابن القيم في "الصواعق المرسلة" (3/955): إن المعارضة بين العقل ونصوص الوحي لا تتأتى على قواعد المسلمين المؤمنين، حقًّا، ولا على أصول أحد من أهل الملل المصدقين بحقيقة النبوة وليست هذه المعارضة بالنبوة في شيء وإنما تتأتى هذه المعارضة ممن يقر بالنبوة على قواعد الفلسفة.
وقال أيضًا (2/457): الحجج السمعية مطابقة للمعقول، والسمع الصحيح لا ينفك عن العقل الصريح، بل هما أخوان نصيران، وصل الله بينهما وقرن أحدهما بصاحبه، واستدل بآيات كثيرة ثم قال: فالكتاب المنزل والعقل المدرك حجة على خلقه.
وقال الشاطبي في "الاعتصام" : ... العقل إذا لم يكن متبعًا للشرع لم يبق إلا الهوى والشهوى وأنت تعلم ما في اتباع الهوى وأنه ضلال مبين. اهـ
ولأجل ذلك ضل أهل الأهواء، وتناقضوا في الأقوال والآراء، فردوا النصوص، وعطلوا الأحكام، بشبهة التناقض والاضطراب.
وهذا الذي دفع الإمام أحمد في الرد عليهم، وتوضيح تناقضهم في رسمه ووسمه الرد على الجهمية والزنادقة، وكان من جملة، ما وصف به المتناقضين الذين في الكتاب كانوا مضطربين.
قال -رحمه الله- (ص170 -171): هم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون على مخالفة الكتاب، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويلبسون على جهال الناس، بما يتكلمون به من المتشابه.
والنقض: عند أهله يدور على نكت الشيء. قاله ابن فارس.
والنقيضان: هما في اللذان لا يجتمعان معًا ولا يرتفعان معًا كوجود زيد وعدمه فيستدل بوجود أحدهما على عدم الآخر وبعدمه على وجوده. [انظر تنقيح الفصول (ص97) و"القاموس المبين" (194)].
والتناقض: هو اختلاف القضيتين بالإيجاب والسلب، اختلافًا يلزم منه لذاته كون إحداهما صادقة، والأخرى كاذبة كقولنا: زيد إنسان، زيد ليس بإنسان. ["التعريفات" (68) و"الكليات" (305)].
وقد ذم الله هذا الصنف وذم أصحابه لما تنطوي به سريرتهم، وتكمن حقدًا قلوبهم على الإسلام وأهله، فمن صفات هذا الصنف:
1- الكذب والجبن: قال الله تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ﴾ فلما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- خبره استدعاه – أي: ابن سلول – فاجتهد يمينه أنه لم يقل ذلك وناقض مقولته.
2- محاولة الزعزعة في صفوف المسلمين: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) ﴾.
3- الحسد والحقد والكبر والغطرسة: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) ﴾.
4- التلون والنفاق: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾.
وهذا من أعظم أسبابها، لأن صاحبه يقصد بذلك الخلاص بنفسه، والانتقام لشخصه في ذلك الوقت والحين، حين يتحدّر عرقه من الجبين، ولو برد الحجج الدامغة، والبراهين القاطعة، فإن انعكس عليه الخبر، وتفاقم عليه الخطر، وكان من الخلاص، إثبات المنفي ونفي المثبت، لم يجد في ذلك من مناص فيعيش دهره وهو شاك في أمره، متحير في نهجه.
قال شيخ الإسلام في (الصفدية) (1/294): ... ثم من جمع منهم بين هذه الحجج أداه الأمر إلى تكافؤ الأدلة، فيبقى في الحيرة والوقف، أو إلى التناقض وهو: أن يقول هنا قولًا ويقول هنا قولًا يناقضه.
وقال أيضًا: بل تجد أحدهم يجمع بين النقيضين أو بين رفع النقيضين والنقيضان اللذان هم الإثبات والنفي لا يجتمعان ولا يرتفعان بل هذا يفيد صاحبه الشك والوقف فيتردد بين الاعتقادين المتناقضين وهما الإثبات والنفي، كما يتردد بين الإرادتين المتناقضتين.
وقال في (ص295): وسبب ذلك جعل ما ليس بمعقول معقولًا، لاشتباه الأمر، ودقة المسائل وإلا فالمعقولات الصريحة لا تتناقض، والمنقولات الصحيحة لا تتناقض. اهـ
وإنه قد ظهر في الآونة المؤخرة قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يأخذون من قول خير البرية، مما يلبسون به على الأمة المحمدية، فتعصبت لهم زمرة الأحقاد، ونشبت في قلوبهم نار الحساد، فأخضعوا أصول الشريعة لأهوائهم، وعطلوا الأحكام لنشر آرائهم، فأعقبهم الله ذلًا في الحياة الدنيا، ويخشى عليهم النكال في الدار الأخرى.
وكان من جملة من وصفته، وحددته ورسمته:الحزبي المنحرف/ عبد الرحمن بن مرعي العدني.
فثار بآرائه وأفكاره، بحشد جنده وأحزابه، على شيخ الدعوة السلفية، وشيخ دماج الأبية، بأصوله الفاسدة، وقواعده الكاسدة، ليفرح الحاسدين، ويناله حظًا من الكنز الثمين، لكن الله يغار على دينه وحرماته، ويفضحه بجنده وأوليائه، فكشفوا ستره، وأظهروا عورته، وأبادوا سيرته.
ولكن كانت سنة في خلقه، جارية إلى فناء دهره أن لكل ناعقٍ روادًا ولكل مبطل أفرادًا.
وكان من خيرة خلانه بل من صفوته وغلمانه: الشيخ محمد بن عبدالوهاب الوصابي العبدلي، نزيل الحديدة هداه الله.
فسخر كلامه وأقواله وملازمه وطلابه في نصرة الباطل وحزبه، وخذل الحق وأهله، بدون انضباط بالنصوص الشرعية، والأصول السلفية، فتناقضت أقواله واضطربت عباراته، وصار لا يعدو كلامه أحد ثلاث أمور: إما أن يقول:
1- إن بين المتناقضين إجمالًا وتفصيلًا مع أنهما في الحقيقة ظواهر لا تحتمل التأويل، فإن سلك هذا المسلك سلك سبيل أهل البدع.
2- إن أحدهما يحمل على أهل البدع والآخر على أهل السنة، فإذا كان في أحدهما حرمة وفي الأخرى حل فهو لطائفة دون أخرى، فنصبت نفسك مشرعًا في دين الله.
3- إن كلامي ليس منضبطًا بنصوص الشريعة، فتناقض.
وكان من أعظم ما أوقعه في الاضطراب والتناقض ما يدندن به على مسامع العامة والخاصة بشكه الباطل، وقوله العاطل: اتهم نفسك أن كلامك غير صحيح وما أشبه الليلة بالبارحة، بقاعدة أهل التصوف والتضليل: كلامك خطأ يحتمل الصواب، وكلامي صواب يحتمل الخطأ.
قال شيخ الإسلام في "درء تعارض العقل والنقل" (1/181): ... فإنه ما من خبر أخبروا به ولم يعلم هو ثبوته بعقله إلا وهو يجوز أن يكون في نفس الأمر دليل يناقضه فلا يعلم شيئًا مما أخبروا به بخبرهم.
وقال أيضًا: فبين أن تجويزهم في نفس الأمر دليل يناقض السمع ويوجب أن لا يكون في نفس الأمر دليل سمعي يعلم به مخبره، وهذا مما تبين به تناقضهم حيث أثبتوا الأدلة السمعية ثم قالوا ما يوجب إبطالها، وحيث أثبتوا الأدلة العقلية ثم قالوا: ما يوجب تناقضها. اهـ
وإليك هذه التناقضات: وهي على الإجمال إحدى عشرة، وإلا فإن بعض التناقضات أو أغلبها إن لم تكن كلها فإنها تحوي في طياتها تناقضات أخر، وإنما جمعت بينها لاتصال الكلام وتقاربه، وبينت ذلك كما ستراه – بإذن الله – في سبرك للرسالة..............
فإلى الرسالة............
حمل الرسالة من الخزانة العلمية
...................................
تعليق