قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
في ضمن جواب له عن الغيبة :
" و إذا كان النصح واجبا في المصالح الدينية الخاصة و العامة مثل نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون كما قال يحيى بن سعيد : سألت مالكا و الثوري و الليث بن سعد – أظنه – و الأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ ؟ فقالوا : بين أمره . و قال بعضهم لأحمد بن حنبل : انه يثقل علي أن أقول فلان كذا و فلان كذا . فقال : إذا سكت أنت و سكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم ؟ ! .
و مثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب و السنة ; أو العبادات المخالفة للكتاب و السنة فإن بيان حالهم و تحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل : الرجل يصوم و يصلي و يعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال : إذا قام و اعتكف فانما هو لنفسه و إذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل . فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله إذ تطهير سبيل الله و دينه و منهاجه و شرعته و دفع بغي هؤلاء و عدوانهم على ذلك واجب باتفاق المسلمين, و لولا من يقيمة الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين و كان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب و ما فيها من الدين إلا تبعاً, و أما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء .
و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم " إن الله لا ينظر إلى صوركم و أموالكم ,و إنما ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم " و ذلك أن الله يقول في كتابه " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب " فأخبر أنه أنزل الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط ,و أنه أنزل الحديد ,كما ذكره فقوام الدين بالكتاب الهادي, و السيف الناصر " و كفى بربك هاديا و نصيرا "
و الكتاب هو الأصل , و لهذا أول ما بعث الله رسوله أنزل عليه الكتاب, و مكث بمكة لم يأمره بالسيف حتى هاجر و صار له أعوان على الجهاد.
و أعداء الدين نوعان : الكفار و المنافقون . و قد أمر الله نبيه بجهاد الطائفتين في قوله "جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم " في آيتين من القرآن .
فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب, و يلبسونها على الناس ,و لم تبين للناس: فسد أمر الكتاب ,و بدل الدين, كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله .
و إذا كان أقوام ليسوا منافقين, لكنهم سماعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقاً, و هو مخالف للكتاب و صاروا دعاة إلى بدع المنافقين, كما قال تعالى "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا و لأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة و فيكم سماعون لهم " فلابد أيضاً من بيان حال هؤلاء ,بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم , فإن فيهم إيمانا يوجب موالاتهم و قد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين, فلابد من التحذير من تلك البدع, و إن اقتضى ذلك ذكرهم و تعيينهم ,بل و لولم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق ,لكن قالوها ظانين أنهم هدى, و أنها خير, وأنها دين ,و لم تكن كذلك لوجب بيان حالهم .
مجموع الفتاوى (28\231 – 233)
تعليق