:: تنزيه السلفية عن الكذب ::
رد على عبد العزيز بن يحيى البرعي
في كلمته:
" كلمة إنصاف في موقف مشايخ أهل السنة من حرب كتاف"
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين -صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا- ورضي الله عن الصحب أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد
فهذا ردٌّ موجَز على المدعو بأبي ذر عبد العزيز بن يحيى البرعي، صاحب مفرق حبيش، بمحافظة إب الخضراء ببلاد اليمن؛ إذ تكلَّم بكلمة سَمَّاها:
" كلمة إنصاف في موقف مشايخ أهل السنة من حرب كتاف"!!
خَبَطَ فيها خَبْطَ عشواء، وركب فيها مَتْنَ عمياء، وتَقَحَّم فيها من الكذب ما يَنْدَى له جبين أهل السنة، وما ينأى عنه أهل الصدق والإيمان، فأحببتُ أن أضع الأمر في نصابه؛ دفعًا ورفعًا لغائلة هذا المقال، وهذا أوان الشروع في المقصود.
قال البرعي في عنوان كلمته:
"كلمة إنصاف من موقف مشايخ أهل السنة من حرب كتاف"!!
قلت: تعصيب مشايخ أهل السنة باليمن بكم وبمن وافقكم ليس من الإنصاف، بل هو حزبية جديدة، وعصبية مقيتة، وكذب مُجانِب للإيمان.
وتسميتكم الجهاد في كتاف ضد الرافضة بحرب كتاف، ليس من الإنصاف، ولقد قلتَ بعدُ:
"الجهاد أو القضية الثالثة: قضية كتاف"
فلم تستقر على تسميته جهادًا، وسمَّيته "قضية"!!
وتارة تقول: هو جهاد طلب وحرب طلب، فأعقَبتَ كلمة الجهاد بكلمة حرب كالمستدرك!! على نفسك تسميتك للجهاد في جبهة كتاف جهادًا.
يُقَوِّي هذا قولك على إثر ذلك: "واقتنعوا أنه جهاد"
فنسبتَ الاقتناع بكونه جهادًا إليهم لا إليك، ثم قلتَ:
"وهو طلب ليس بدفع"
فقولك: "واقتنعوا أنه جهاد" يُشعِر بأنك غير مقتنع بذلك، يؤكِّد ذلك قولك في جوابك على اتصال ابن حجر بك، إذ قلتَ ما نصه:
"أنا مانش مقتنع بهذه حق وائلة من أولها لآخرها".
ثم إن كلمة: "حرب طلب" لَمْ يَجْرِ عليها عُرف أهل العلم في تقسيم الجهاد قسمين، وأنه جهاد طلب وجهاد دفع.
وقلتَ بعدُ: "ثم كان الرأي الثالث وهو حرب!! كتاف"
ثم قلتَ: "ما خلَّفته الحرب"!!
ثم قلتَ: "وكنا نقول لهم في بداية الحرب"!!
ثم قلتَ: "حرب!!كتاف".
فقولك: "حرب طلب" غير مألوف عندهم.
ثم إنك ادَّعيتَ في جهاد جبهة كتاف -ادَّعيتَ كذبًا- أنه طلب وليس بدفع!! مع أنه ما أُقيمت تلك الجبهة إلا لدفع بغي الرافضة عن دماج، وعن دار الحديث، وعن طلبة العلم بها، وعن أهل تلك البلاد، ولإجبار الرافضة على تَرْك ذاك العدوان حتى تُؤَمَّن سبل الدخول إلى دماج والخروج منها!!
قال البرعي: "أَحْوَجَنَا إلى الكلام في هذا الموضوع أن هذه القضية اسْتُغِلَّتْ أيَّما استغلال في الطعن في مشايخ أهل السنة، ومراكزهم، وطلابهم، ودعوتِهِم، ووصل الحال عند الكثير إلى تبديع مشايخ أهل السنة، ومراكز أهل السنة، وتضليلهم، وإنزال آيات النفاق عليهم".
قلت: ثَبِّت عرش دعواك أنهم من مشايخ أهل السنة الذين لا يستحقون أن يُطعَن فيهم ثم انقش، وهيهات تثبيتك لفرش تلك الدعوى فضلًا عن عرشها.
أَمَّا أمر التبديع فما هو منكم ببعيد، ولا من أهل الكذب والتلبيس والتحزب والتعصب ببعيد، وهل خفي عليك ما كتبه الشيخ الشهيد[1] سعيد بن دعاس بشأن تبديع رَيْمِيِّكُم صاحب معبر الملقَّب بالإمام؟!
قلت: وحُكْم سعيد بن دعاس عليه حكمٌ معتبر عندنا، يُلحَق فيه النظير بنظيره، والقرين بقرينه، وقد قيل:
عَن المرء لا تَسأل وسَلْ عن قرينه*** فكل قرين بالمقارن يقتدي
قال البرعي عن حصار الرافضة لدماج:
"وأيَّدنا إخوانَنا في دماج، في ذلك الوضع، وفي ذلك الحال أيَّما تأييد"
قلت: هذا كذب صراح بواح، فقد استنصروكم في الدين، فما قمتم بواجب النصر المطلوب، المتمثِّل في دعم جبهة كتاف، التي ما قامت في أصل قيامها إلا من أجل رفع الحصار عن دماج، ودفع بغي الرافضة، والتي لولا الله ثم هي -أي الجبهة- ما رضخ الرافضة الأشرار للصلح وما طلبوه.
قال البرعي: "وكان أشد ما كان قتال الواحد من محرم الذي اعتدى فيه الحوثيون على إخواننا، وحصلت تلك المجزرة"
قلت: فماذا كان من أمركم وشأنكم؟!
إن حق تتمة الكلام أن يقال عن تلك المجزرة!! مثلًا:
تلك المجزرة!! التي كادت أن تُذيب قلوب المؤمنين الصادقين الغيورين على حرمات المؤمنين ودمائهم، والتي كادت أن تُحَرِّك سكون الحجارة الصماء والصخور الصلدة، والجبال الشمَّاء، في الوقت الذي لم تحرك ساكنكم للقيام بالواجب الشرعي الممكن والمقدور في حقكم من الحث -على الأقل- على الجهاد ضد الرافضة بالسيف والسنان، واللحاق بجبهة كتاف، مع أن قتال الرافضة وجهادهم في هذه الحرب أوجب من جهاد الحاكم للرافضة في الحروب الست، والذي قلتم بشرعيته وأيدتموه، ذلك؛ لامتياز هذه الحرب الأخيرة ضد إخواننا بمزايا منها: وجود الحصار الشديد الطويل الأمد الذي لم يُسمَع له نظير في العصر الحديث، بل في كثير من العصور المتقدمة.
ومنها: قلة عُدَّة إخواننا وضعفها.
ومنها: أن هذه الحرب كانت ضد خواص عباد الله المؤمنين وأوليائه الصالحين.
فإذا كان لا يجوز في الشرع التفريق بين المتماثلات، فكيف بمن يخالف الأولويات؟!
بل كيف بمن يخالف العلم الضروري الذي يستوي فيه العالم والجاهل، ولا يُحتاج في مثله إلى بحث ولا نظر ولا استدلال، وإنما هو علم يَضطر إليه العبد، ويَهجم على قلبه هجومًا، كيف بمن هذا حاله؟!
ولاشك عند العقلاء كلهم في أن قيام جبهة كتاف إنما كان ضرورة لدفع بغي الرافضي الصائل، ولا يُماري في ذلك إلا من طفح كيله وجرابه بالجهل، أو نضح لسانه بالكذب، أو طفح قلبه بالعناد أو جمع كل ذلك، وقد قيل:
وليس يصح في الأذهان شيء*** إذا احتاج النهار إلى دليل
قال البرعي عما سمَّاه بالمجزرة -أي مجزرة البراقة-:
"ولقد أشبهوا في حالهم وطغيانهم آنذاك حال قريش الذين جاءوا أَشِرِين بَطِرين يظنون أنهم سيلتهمون محمدًا وأصحابه، فلهذا كان النصر بحمد الله -عز وجل- حليف إخواننا ..."
قلت: قد قاتل رسول الله وأصحابه المشركين، وجاهدوهم بالسنان واللسان، فلم يكونوا متخاذلين عن قتالهم ولا مخذلين، وهكذا فعل إخواننا بجبهة كتاف، فأخذوا بالأسباب الممكنة، فأعزهم الله، ونصرهم، وأذل عدوهم، وهزمهم، وكبتهم، فأين أنت من رسول الله وأصحابه؟!
بل أين أنت من إخواننا؟!
قال البرعي:
" قمنا بزيارة آنذاك لرئيس الجمهورية علي عبد الله صالح آنذاك، وطرحنا عليه الأمر، وحمَّلناه المسئولية بين يدي الله -عز وجل- حيث والخصمان رعيته، وهو مسئول عنهم بين يدي الله -عز وجل- أَسْمَعْنَاه ما أسمعناه، وَأَسمَعَنَا ما أسمعنا، وسمِعنَا من الوعود ما سمِعنا، وهذا الذي كان في وسعنا أن نفعله معه"
قلت: قد أذن المسئولون لإخواننا أن يُدافعوا عن أنفسهم؛ لأنهم لا يملِكون لهم شيئًا حينئذ -على حد كلامهم الذي ذكره بعض إخواننا- إذ تزامن اعتداء الرافضة على إخواننا بدماج مع فتنة الخوارج على حاكم اليمن، ومع انتشار الفوضى في البلاد، فما معنى التخاذل والتخذيل عن جبهة كتاف -والشأن ما ذُكِر-؟!
وإذا كنتم حَمَّلْتُم رئيس الجمهورية المسئولية بين يدي الله!! فأهل السنة يحمِّلُونكم -أيضًا- عهدة تخاذلكم وتخذيلكم عن الجهاد في جبهة كتاف؛ إذ إن تحميلكم للرئيس المسئولية!! لا يُبَرِّئ ساحتكم وعهدتكم من تحمُّل مثل تلك المسئولية!! على أن جهاد الدفع لا يشترط فيه إذن ولي الأمر.
أما قولك: "وهذا الذي كان في وسعنا أن نفعله معه".
فلا ينفي، ولا ينافي ما في وسعكم من الحث على الجهاد مع جبهة كتاف، والتحريض عليه -على الأقل- فما هو إلا قول ميسور، ومَن ادَّعى خلاف ذلك فهو كذاب.
قال البرعي: "ولقد أُصيب أهل اليمن بكثير مما سبق ذكره على يد مَن يدَّعون أنهم من آل بيت النبوة، وتميَّزوا عن غيرهم، إلى جانب ما سبق ذكره بالسب والشتم واللعن والتكفير لكثير من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-"
قلت: التعبير بكثير فيه تفريط وقصور، مما يُنَبِّئ عن جهل شنيع بحقيقة الرافضة تجاه أصحاب محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ورضي الله عنهم، وإليك ما جاء في كتاب الشيعة وأهل البيت، تأليف الشيخ إحسان إلهي ظهير-رحمه الله- الطبعة الأولى، لدار الإمام المجدد لسنة 1426هـ حيث قال في صــ45:
"فقد قال قائلهم: إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله (ص) [هكذا] غير أربعة ...
إلى أن قال صـ46:
"ولقد تقدم بخاري القوم محمد بن يعقوب الكُليني إلى أبعد من ذلك، فقال:
كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة، المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي"اهـ.
وفي كتاب "الانتصار لكتاب العزيز الجبار ولأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- الأخيار -رضي الله عنهم- على أعدائهم الأشرار" للشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى- طبعة دار الإمام أحمد لسنة 1428هـ صـ132:
"قال العياشي: ... عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر[2]-رحمه الله تعالى- قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا قُبِض صار الناس كلهم أهل جاهلية إلا أربعة: علي، والمقداد، وسلمان، وأبو ذر، فقلت: فعمار؟
فقال: إن كنت تريد الذين لم يدخلهم شيء، فهؤلاء الثلاثة" اهـ.
قلت: أي غير علي!!
وقال الشيخ -حفظه الله- في صـ140:
"الآية (195)-قلت أي من سورة آل عمران-
قال القمي (1/129):
ثم ذكر أمير المؤمنين -رحمه الله- وأصحابه المؤمنين، فقال:
{فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ}... يعني أمير المؤمنين، وسلمان، وأبا ذر حين أُخرِج" اهـ.
وقال الشيخ -حفظه الله- في صـ 158:
"ثم قال الباطني القمي (1/140-141):
قال علي بن إبراهيم في قوله {فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ} يعني: أمير المؤمنين -رحمه الله- وهم: سلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمار -رضي الله عنهم- {وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ}وهم غاصبو (كذا) آل محمد -صلى الله عليه وسلم- حقهم ومن تبعهم، قال: فيهم نزلت: {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا}"
وقال الشيخ -حفظه الله- صـ159:
"أقول: إن الرفض الحاقد على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليمسخ العقول؛ حتى يصير المصابون به أكذب الناس، وأحطهم أخلاقًا، وأشدهم على الله افتراءً وتحريفًا لكتابه العظيم، فالآيات في سياق طويل كلها تتحدث عن اليهود، وكفرهم بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وما جاء به، بل بكفرهم بما آتى الله إبراهيم وخيار ذريته من الأنبياء والمؤمنين، فيحوِّلها الروافض إلى أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- لعنًا، وتكفيرًا، وتخليدًا في النار، والمراد بالإيمان عندهم: الإيمان بعلي فقط والأئمة!! والمؤمنون فقط هم أربعة سلمان، وأبو ذر، وعمار، والمقداد! ..."اهـ.
قلت: فبإضافة علي يَصيرون خمسة!!
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في كتاب:
"منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية" المجلد الأول، الجزء الأول، طبعة دار الكتب العلمية بيروت -لبنان- صـ9 بعد أن ذكر العشرة المبشرين بالجنة -رضي الله عنهم أحمعين- قال عن الرافضة:
"يُبغضون هؤلاء إلا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ويبغضون السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين بايعوا رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم- تحت الشجرة، وكانوا ألفًا وأربعمائة ...
إلى أن قال:
وأنهم يتبرءون من جمهور هؤلاء، بل يتبرءون من سائر أصحاب رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم- إلا نفرًا قليلًا نحو بضعة عشر" اهـ.
قال البرعي: "ولم نجد لهم سلفًا في هذا الإجرام إلا المشركين، الذين حاصروا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه في شعب أبي طالب، وقد رقَّ بعض المشركين، فقام بتمزيق الصحيفة، فهل في هؤلاء مَن يرحم، ولو رحمة المشركين؟!"
قلت: وإذا كان هذا هو شأن الرافضة، فأين تنزيل حكم الشرع المناسب على هذا الواقع؟!
وما قيمة هذا البيان الذي يُشبه خطابات وبيانات كثير من حكام العرب -أو كثير منها- المتعلقة بعدوان اليهود على أهل فلسطين، والتي لا تعدو أن تكون شجبًا وتنديدًا بذلك العدوان، إن لم يكن هذا البيان دونها؟!
يا هذا! إن الرافضة الحوثيين المعتدين لا يردعهم إلا السيف، وقد حصل بقيام جبهة كتاف التي خذَّلتم عنها، وإن أبيتم.
قال البرعي:
"وكما هو معلوم أن المسلمين يتراحمون فيما بينهم ويتناصرون، وإن أهل السنة أرحم الخلق بالخلق، فلتكُن رحمتهم بإخوانهم في دماج أكثر وأكثر، كلٌ بحسب ما يقدر عليه، وبحسب ما يحسنه، وببذل ما يقدر عليه في إزاحة ما نزل بهم، وتفريج كرباتهم بعد الله -سبحانه وتعالى-"
قلت: قد قيل: أسمع جَعْجَعَةً ولا أرى طِحنًا، وقد قال -عز وجل-:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}
وتدبر قوله تعالى- على إثرها:
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}
وكأن هذه الآيات ما نزلت إلا للرد على البرعي في هذا الموضع!!
يا هذا! لو كانت الألسنة منكم مقطوعة، والأفواه منكم بكماء، والأيدي منكم شلاء، لأمكنكم أن تحرضوا على الجهاد في جبهة كتاف ضد الرافضة بالإشارة بالرأس ونحو ذلك.
فكيف إذا كنتم أصحاء، لا يمنعكم من ذلك مرض حِسِّي ولا داء؟!
قال البرعي: " ثم كان الرأي الثالث وهو حرب كتاف، ونعود إليه فهو قضيتنا في هذا الكلام، رأينا أن هذا القتال لا يعود على دعوة أهل السنة بالنفع، بل يعود عليهم بالضرر، نظرنا إلى مصالح ومفاسد، أدَّى اجتهادنا فيها إلى صواب ما قلناه، ولقد انتهى الأمر على الرأي الذي طرحناه في بداية الأمر، وهو الصلح"
قلت: لا اجتهاد في مورد النص، هذا إن كنتم للاجتهاد أهلًا، فكيف إذا كنتم فاقدين لأهلية ذلك؟!
هذا، وقد بيَّن أهل العلم، وفصَّلوا الأدلة على وجوب مقاتلة الروافض، وأيَّدوا قيام جبهة كتاف؛ إذ لم يمكن دفع ضرر وبغي الرافضة إلا بقيام تلك الجبهة، فكان قيامها أمرًا واجبًا، وحتمًا مؤكدًا لازمًا، فمخالفة المخالف -والشأن ما ذكر- داخلة في خلاف التضاد المذموم من أوسع أبوابه.
أما قوله: "أدَّى اجتهادنا فيها إلى صواب ما قلناه"
فكذبُ كذابٍ، أو عنادُ معاندٍ؛ إذ إن ما حصل من الصلح الأخير قد اضطُر إليه الرافضة، وكان فيه إعزاز لأهل السنة، وإذلال لأهل الرفض، فحصل هذا الصلح على غير القصد الذي قصدتموه، أو على غير الوجه الذي أردتموه، والذي كان يعود -لو حصل- على أهل السنة بالإذلال، فقد قلتَ قبل:
" فكنا نقول لهم: الصلح خير -ولو فيه ما فيه- ..."!! فأين هذا من ذاك؟!
قال البرعي: "فكنا نقول لهم: الصلح خير -ولو فيه ما فيه-"!!
قلت: هذا كذب وباطل بهذا الإطلاق، عند مَن له أدنى مُسْكَة من عقل فضلًا عمن عنده بقية من علم ودين، وإلَّا، فهل يجوز أن يتم صلح مثلًا بين أهل السنة والرافضة على أن يُسَلِّم أهل السنة نساءهم للرافضة ليتمتعوا بهن؟!
والأمثلة كثيرة، نكتفي منها بذلك، فإنه كافٍ في إلقام أمثاله حجرًا.
قال البرعي: "وتم الأمر بعد سبعة أشهر مِن القتال بالصلح الذي رأيناه من البداية، بعد التضحية بمئات القتلى، إضافة إلى أكثر منهم من الجرحى، والمعوقين، وأصحاب العاهات المستديمة، إضافة إلى ما خلَّفته الحرب من أيتام، وأرامل"
قلت: نَظَرَ هذا الناظر إلى أمر الجهاد بعيني أعور؛ إذ نظر إلى جانب أهل السنة بهذا المنظار، ولم ينظر إلى الرافضة الذين قُتِل وجرح منهم أضعاف أضعاف أهل السنة، حتى قيل: إن عدد الرافضة الذين أُصيبوا نحو سبعة آلاف ما بين قتيل وجريح، فالحمد لله على نصره.
قال البرعي: "وكنَّا نقول -ولا نزال-: نحن نعلم أن الرافضة غَدَرَة، ولا ذمة لهم، ولكن لتحصل غدرة، غدرتان، ثلاث، في السنة والَّلوم عليهم، خير من حرب استنزاف مستديمة على مدى العام"
قلت: لا نامت أعين الجبناء، الـمَهينين الأذِلَّاء، أيرضى أهل السنة الشجعان بمثل هذا الذل والهوان مع قدرتهم على صد العدوان؟!
إذا كان الأمر كذلك، فليهنأ الرافضة بهذا الكلام اليوم كما هنئوا بتخاذلكم وتخذيلكم بالأمس، وليُصالِحوا أهل السنة، ثم لْيَغدِروا بهم غدرة، غدرتين، ثلاثًا في السنة، ما دام أنه ليس هناك من عقوبة للرافضة سوى اللوم عليهم!!
يا له من عار يا صاحب المفرق!!
ثم نقول له: ما أنت قائل لو كانت الغدرة الواحدة منهم -فضلًا عن غدرتين أو ثلاث- تَعْدل حرب استنزاف مستديمة على مدى أو مدار العام أو تزيد عليها؟!
سَلَّم الله -عز وجل- أهل السنة من مثل هذا الهراء، وحفظ ثغر دماج، وجعله ثغرًا باسمًا لأهل السنة، مكشرًا عن أنيابه للرافضة، وجعله ردءًا للإسلام وأهله.
قال البرعي:
"أيها الإخوة! لسنا ولست الآن بصدد تصويب أنفسنا أو تخطئة غيرنا"
قلت: هذا كذب أصلع، ألست القائل:
"لقد قلنا ماقلنا، ونحن مقتنعون بصحة ما قلناه"؟!
ألست القائل:
"نظرنا إلى مصالح ومفاسد، أدَّى اجتهادنا فيها إلى صواب ما قلناه"؟!
ألست القائل لعبد الرزاق النِهمي:
"هذا رأي المشايخ، وهذا كلامهم: أن إرسال القافلة ليس بصواب"؟!
ألست القائل:
"ثم كان الرأي الثالث وهو حرب كتاف، ونعود إليه فهو قضيتنا في هذا الكلام، رأينا أن هذا القتال لا يعود على دعوة أهل السنة بالنفع، بل يعود عليهم بالضرر"؟!
أليس هذا كله تخطئة منك لهم؟!
وأليس تصويبكم لموقفكم هو تخطئة لموقف مخالفكم؟!
ما أقل الصادقين!!
وما أكثر الكاذبين المراوغين!!
قال البرعي:
"ليس التقليد مفروضًا علينا، وليس لأحد أن يفرض علينا تقليده"
قلت: تدبَّر كيف سَمَّى الشيء بغير اسمه؛ إذ جعل اتباع الأدلة تقليدًا!!
وهذا يُعَدُّ تحريفًا وتقليبًا للحقائق، وهذا صنيع الكذابين.
قال البرعي عن مشايخ المملكة الذين أفتوا بخلاف فتوى البرعي ونظرائه:
"ولم يخرج منا ما يسيء إليهم، وإن كنا سمعنا من بعضهم بعض الشيء، إلا أننا لا نخسر علماءنا من أجل كلام صدر في ظرف معين، حصل فيه لَبْس، فهي سحابة تزول"
قلت: أما سحابة الصيف فسرعان ما تزول، وأما سحابة الشتاء فوقتها طويل، ونحن على مشارف فصل الشتاء، وأما سحابة الكذب، فلا تزول إلا بالتوبة والإصلاح والبيان، ليس غير.
قال البرعي: "فإن قيل: إن موقفكم ثبط الناس عن الذهاب إلى كتاف، فأقول: هذا غير صحيح؛ لأن العلماء الذين أفتوا بالقتال أعلم منَّا، وأكثر منَّا، كالشيخ ربيع، والشيخ عبيد، والشيخ محمد بن هادي، وغيرهم من العلماء، وأيضًا فإن هذا الكلام لو أن له شيئًا من الواقع فإنه لم يؤثر، فقد كان العدد في كتاف يزيد على خمسة ألاف مقاتل فيما بلغنا، فالعدد كبير"
قلت: هذا الرجل ما شبع من الكذب السابق، فأضاف إليه كذبًا آخر، ونقول له: قولك:
"هذا غير صحيح"
هو كذب، يشهد عليكم به أتباعكم قبل خصومكم.
ألم يقل عبد الرحمن العدني:
إن الشيخ محمدًا -يعني الوصابي- لَمَّا جاء هنا-أي إلى الفيوش- قال:
"لا تسمحوا لطلابكم بالذهاب"
أي إلى جبهة كتاف، وهذا ضَمٌ لصوت العدني إلى صوت الوصابي؛ إذ حكاه مقرًّا له، راضيًا به، وقاله على الملأ، ألم يقل العدني ذلك؟!
أليس طلابكم ألصق بكم، وأكثر تأثرًا بكم من تأثرهم بمخالفيكم في هذه الفتنة، سواء في بلاد الحرمين، أو في بلاد اليمن؟!
أليسوا يعرفون موقفكم من هذه الفتنة ولو بغير سؤال منهم لكم، فلسان الحال يُغني عن لسان المقال، أليس الأمر كذلك؟!
ألستم أنتم مشايخ وعلماء اليمن -زعمتم- في نظرهم؟!
وعلى هذا، فأهل مكة أدرى بشعابها، وأهل البيت أدرى بما فيه!!
هذا، وقد قلتَ: "فنحن نعايش مالا يعايشون، ونرى ونسمع مالا يسمعون"
ومعلوم أن الطالب يكون على مذهب شيخه -ولو في الجملة- ولهذا يتخذه ويرتضيه شيخًا له!!
ألست القائل عن جبهة كتاف: "ما هي رايحة تنجح"؟!
فإن قلتَ -وقد قلتَ-: أحمد فرحان حجر سَجَّل في الهاتف الجوَّال بغير إذنك، قلنا:
فلِمَ أعقبتَ هذا التسجيل المنشور بمقطع صوتي بيَّنتَ فيه موقفك في الفتنة، وأفصحت عنه بما يؤكِّد صدقه في نقله ما نقله عنهم عنك، وبما يؤكد تخذيلكم عن الجهاد في جبهة كتاف؟!
ولِمَ لَمْ تكف عن ذلك؟!
خاصة أن أحمد حجر لم يَكذب عليك، ولم يُقَوِّلكَ ما لم تقل، وإنما سألك عن كلام وصله من الشباب الذين تخلَّفوا عن السفر معه إلى جبهة كتاف، وأن هذا الكلام منقول عنكم بشأن جبهة كتافٍ، وأنه عندكم ليس بجهاد!! مما يصدِّق قولي بانتشار موقفكم بين الناس وظهوره، وليس سرًا خفيًّا ولا كتيمًا.
ألم يكن كل هذا منكم تثبيطًا وتخذيلًا بحيث يُعَدُّ نفيكم له إحدى حلقات سلسلة أكاذيبكم؟!
ألستَ القائل:
"غاية أمرنا أننا مَن سألَنا أجبناه بما يقربنا إلى الله -عز وجل-"؟!
ومعلوم أن مثل هذه الأجوبة تنتشر سريعًا بين الناس عن طريق السائلين والسامعين خاصة أننا في عصر وسائل الاتصال السريع كالهواتف والجوَّالات المحمولة وغيرها!! فلم الكذب؟!
قال البرعي: "وكنا نقول لهم في بداية!! الحرب: إن كتافًا كاسمها، كتاف!! لن تتجاوزوها"
قلت: هذا يؤكِّد كذبك في نفي تثبيط الناس عن الذهاب إلى جبهة كتاف.
ثم إن هذه طيرة، وقد ثبت في صحيح البخاري برقم (5754) ومسلم برقم (2223) من حديث أبي هريرة، قال: سمعت رسول النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا طِيَرَة، وخيرها الفأل»
قيل: يا رسول الله! وما الفأل؟
قال: «الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم».
فلا أنت تركتَ الطيرة، ولا أنت تفاءلت، فلا تخلية للشر منكم، ولا تحلية بالخير فيكم.
ثم إن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أمر بالتبشير، ونهى عن التنفير، فقد روى مسلم في صحيحه برقم (6-1732) بسنده عن أبي موسى، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعض أمره، قال: «بَشِّروا ولا تُنَفِّروا، ويَسِّروا ولا تُعَسِّروا»
وقد جاء الحديث بألفاظ أُخَر في البخاري ومسلم على تفاوت بينهما في بعض الألفاظ، فمالك كنت بالأمس عن الجهاد بجبهة كتاف نافرًا منفِّرًا، وفي بيان موقفكم اليوم من هذا الجهاد في هذه الجبهة وغيرها كاذبًا؟!
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلَّم تسليمًا
تم الفراغ منه في ليلة الثلاثاء الموافق السادس عشر
من شهر ذي القعدة، لسنة ثلاث وثلاثين
وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية
على صاحبها الصلاة
والسلام
وكتب
أبو بكر بن ماهر بن عطية المصري
أبوعبد الله
[1] - هذا بناءً على ظاهر الحال، وليس في الأدلة ما يمنع من الحكم بالظاهر، بل فيها ما يثبته، فمِن ذلك، ما رواه مسلم في صحيحه برقم [182-(114)] بسنده إلى عبدالله بن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال:
لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«كَلَّا، إنِّي رأيتُه في النار في بُرْدة غَلَّها أو عباءة ...» الحديث.
قلت: فالصحابة حكموا بالظاهر، فلم يُنكِر عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ينههم، بل أَقَرَّهم على ذلك، ولكنه لَمَّا كان مطَّلِعًا على أمر باطن بشأن الأخير هنا قال ما قال، ومِن أين لنا نحن العلم بالباطن؟!
لا سبيل لنا إلى ذلك، فالأصل هو حسن الظن بالمسلمين المشهود لهم بالعلم والفضل والسنة، وسرائرهم موكولة إلى الله-تعالى- على أننا نرجو أن تكون بواطنهم وسرائرهم كظواهرهم أو خيرًا منها.
وحديث الثلاثة الذين هم أول من يقضى عليهم يوم القيامة، والذي رواه مسلم في صحيحه برقم
[152- (1905)] فيه الحكم بالظاهر؛ إذ إن فيه: «فقد قيل»
أي قيل: جريء، وقارئ، وجواد، فلم يذم الله مَن حَكم بالظاهر، وإنما ذمهم هم لريائهم، وهو أمر باطن، لا يطلع عليه الناس في الدنيا، إلى غير ذلك من الأدلة التي فيها شهادة أهل الحق بالظاهر، جعلنا الله وإياكم منهم .
قلت: وإذا جاز أن نحكم على المسلم بالإسلام، ونرتب أحكام الإسلام عليه بناءً على ظاهر حاله في حياته وبعد مماته، مع إمكان أن يكون منافقًا في الباطن، جاز ما ذكرناه من الحكم بالشهادة ظاهرًا مع إمكان ألا يكون كذلك في الباطن.
فرحم الله الشيخ سعيدًا، وجعله الله عنده صديقًا شهيدًا. (أبو بكر)
[2]- أبو جعفر: هو محمد بن علي بن الحسين بن علي الملقَّب بالباقر، وقد أعاذه الله من هذا الذي كُذِب عليه.
تعليق