اللجوء إلى السلطان شأن المبتدعة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .
﴿ يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾
﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً﴾
﴿يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً﴾
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد
فإن مما فوجئنا به اليوم أن البربراوي وحزبه قدموا شكوى إلى المحكمة والقائمين عليها، تجاه دعوة السلفية والقائمين عليها، وأن شرطة العسكرية طلبوا خمسة من الإخوة وهم محمد بن إسماعيل وخضر بن عبد الله ومحمد بن عبد العزيز وحمزة بن معلم وأنا ليحققوا ما أُدين عليهم، نسأل الله تعالى أن يحفظنا من كيد حزب البربراوي وشرهم وأن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
واللجوء إلى السلطان شأن المبتدعة في كل زمان ومكان؛ لفقدهم الدليل المقنع، فيلجَئون إليه، ويداهنونه، ويطْرُونه، ليدافع عنهم وعن باطلهم، ويدفع خطر خصومهم
ولا يفزعون إلى الدليل وإنما عند العجز يفزعون إلى السلطان .
ويقول العلامة الحسين بن عبدالرحمن الأهدل في كلامه عن الصوفية: (فإن عادة هذه الطائفة أعني "ابن عربي "وأتباعه التحبب إلى الدولة وإيراد أحاديث وروايات في فضائلهم، حتى يجعلوا السلطان الجائر من الأبدال والعادل هو القطب، وربما ألقوا في سمعه أن له درجة التحكيم والتفويض فيما فعله بلا حرج؛ ولذلك لم يكد يتبع إنكار العلماء من قديم الزمان وهذا من مكرهم، قاتلهم الله)
واجه علماء اليمن القبورية وتصدوا لها رغم ما كانت تقوم به من أساليب كثيرة لمواجهة هؤلاء العلماء، منها اللجوء إلى السلطان، وتسخير القبائل لضرب من ينازعها واستخدام الاختراق والاحتواء والتشويه للخصم، وقد يصل الأمر إلى التصفية الجسدية أو الضرب المبرح.القبورية في اليمن - (1 / 371)
وما ضرّ ابن حجر ابن تيمية ما قال فيه
قال محمد بن حسين بن سليمان كما في الكشف المبدي لتمويه أبي الحسن السبكي - (1 / 178)
وأمّا قول ابن حجر: «حتّى قام عليه بعض علماء زمانه؛ فكلّموا السّلطان في حبسه وقتله».
فجوابه: هذا صحيح؛ وهذه سُنّة الله في حقّ كلّ مَن قام لله منتصرًا؛ لأجل أن يجعل له أسوة بالأنبياء والرّسل ـ صلوات الله تعالى وسلامه عليهم ـ ؛ لأنّ العلماء ورثة الأنبياء، وقد قال ـ سبحانه وتعالى ـ : ﴿وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدوًّا شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا﴾، وقال ـ تعالى ـ : ﴿وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدوًّا من المجرمين﴾. والحاصل: أنّ عداوة أهل الجهل للعلماء معروفة، لا ينكرها أحد؛ فلو أقنعوه بالحُجج والبراهين النّقليّة والعقليّة؛ لأرضوا بفعلهم ربّهم والنّاس أجمعين، ولكن من أين لهم علم يقاومون به هذا الطّود العظيم؛ فلما عجزوا عن مناظرته أمام السّلطان في مصر؛ أخذوا يسعون في أذاه، ويُغرون به الملوك والأمراء؛ فكان له في ذلك أجر وعليهم وزر، وعند الله تجتمع الخصوم.
فقد افتروا أيضاً على شيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي الأنصاري رحمه الله كما ذكره الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ 97 . وقد بلغ بالمبتدعة الغل والحقد إلى حد أن صنعوا صنماً نحاسياً صغيراً وجعلوه تحت سجادته ، ثم شكوه إلى السلطان ألب أرسلان وزعموا أنه يعبد هذا الصنم ويقول إن الله على صورته ! ولما حقق الأمير علم أنهم كذبوا عليه وأنه لم يكن على علم بهذا الصنم . فانقلب شيخ الإسلام بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء ، وباء المفترون بغضب من الله وإعراض من السلطان .
ومحنة محمد بن إسماعيل بن صلاح الكحلاني ثم الصنعاني المعروف بالأمير، ويكنى بأبي إبراهيم، وخير شاهد على ذلك كتبه العديدة التي أفردها في هذا الباب العظيم، ولاسيما كتابه العظيم (تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد) الذي فند فيه شبه القبوريين وزيف فيه باطلهم، ونصر الحق وبينه أحسن بيان، بل لقد لقي في سبيل ذلك الأذى الشديد من قومه وعشيرته، وجرّت له معهم محنٌ وخطوب، فقد وشوا به إلى السلطان غير مرة، وتآمروا على قتله، وتسببوا في سجنه، ورموه بالنصب لكونه عاكفاً على الأمهات وسائر كتب الحديث عاملاً بما فيها. قال رحمه الله:
وكم رام أقوام وهموا بسفكهم……دمي فأبى الرحمن نيلي بالضر(6)
إلا أنه مضى في دعوته صابراً محتسباً ينشر العقيدة الصحيحة ويحذر من البدع والأهواء، ويحث الناس على لزوم الكتاب والسنة، ومن جميل شعره في هذا قوله:وقد أخذ الرحمن جل جلاله…على من حوى علم الرسول وعلما
بنصح جميع الخلق فيما ينوبهم…ولا سيما فيما أحل وحرما
ولاسيما علم العقيدة إنها الأ…ساس عليه ينبني العبد كلما(7)
وأقول لهذا الحزب عامله الله بما يستحق نتحاكم إلى الله كما قال أحمد بن علي بن حجر الشافعي العسقلاني أنه جرى بيني وبين بعض المحبين لابن عربي منازعة كبيرة في أمر ابن عربي حتى قلت منه بسوء مقالته فلم يسهل ذلك بالرجل المنازع لي في أمره وهددني بالشكوى إلى السلطان بمصر بأمر غير الذي تنازعنا فيه ليتعب خاطري فقلت له ما للسلطان في هذا مدخل تعال بنا نتباهل.ولاسيما علم العقيدة إنها الأ…ساس عليه ينبني العبد كلما(7)
وأن ابن تيمية -رحمه الله- كان ينزل إلى الأسواق مع تلاميذه فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بيده، وأن أهل دمشق شكوه إلى السلطان لأنه ذهب لقلْع صخرة يعتقدون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قعد عليها فكانوا يعظمونها ويسألون الله عندها ، فأخذ بن تيميه فأساً ونزعها فلما بلغ الامر السلطان أثني عليه لذلك وكان يوقم بنفسه بإزالة المنكرات فيقلب الرقع التي توضع عليها الشطرنج ويمر ومن معه على الخمارات وأماكن الفواحش فيربقوا ويكسروا أونيها . [عقد الجمان 4]/357 [العقود الدرية 288] [البداية والنهاية 14/11].
وأن هذا الفعل يدل على عداوة راسخة على الخير الذي نحن فيه لله الحمد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى } قال : كذلك أهل الباطل مختلفة شهادتهم ، مختلفة أهواؤهم ، مختلفة أعمالهم ، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق .
{وقلوبهم شتى} أي: متفرقة أشدّ افتراقاً، وموجب هذا الشتات اختلاف الأهواء التي لا جامع لها من نظام العقل كالبهائم، وإن اجتمعوا في عداوة أهل الحق كاجتماع البهائم في الهرب من الذئب.[تفسير السراج المنير - (1 / 4607)].
وقال إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي في [نظم الدرر - (1 / 216)].
وتلخيص ذلك أن يقال إنه لما كان حاصل ما تقدم في هذه السورة أن أهل الأرض كلهم قريبهم وبعيدهم وثنيهم وكتابيهم مطبقون على عداوة أهل هذا الدين وكان كثيراً ما يأمرهم بالصبر على أذاهم اشتد تشوّف النفوس إلى أنه هل بعد هذا الكف من فعل ، فأشار إلى أنه سيأمر بعد الصبر على أذى اللسان بالصبر على جلاد السيف والسنان أمراً عاماً فقال عاطفاً هذا النهي على الأمر بالصبر ، أي اصبروا الآن على هذا الأذى ثم اصبروا إذا أمرتكم بالجهاد على وقع السيوف واقتحام الحتوف وفقد من يقتل منكم ولا تصفوهم بالموت .
وقال أيضاَ في [نظم الدرر - (9 / 472)].
{ الذي ينهى * } أي على سبيل التجديد والاستمرار .
ولما كان أفحش ما يكون صد العبد عن خدمة سيده ، قال معبراً بالعبودية منكراً للمبالغة في تقبيح النهي والدلالة على كمال العبودية : { عبداً } أي من العبيد { إذا صلّى * } أي خدم سيده الذي لا يقدر أحد أن ينكر سيادته بإيقاع الصلاة التي هي وصلته به ، وهي أعظم أنواع العبادة لأنها مع كونها أقرب وصلة إلى الحق انقطاع وتجرد بالكلية عن الخلق ، فكان نهيه له عن ذلك نهياً عن أداء الحق لأهله حسداً أو بغياً ، فكان دالاًّ على أن من طبع أهل كل زمان عداوة أهل الفضل وصدهم عن الخير لئلا يختصوا بالكمال .
ومن علامات أهل البدع شدة عداوتهم لحملة أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الإمام الصابوني في اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب الحديث - (1 / 182)وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة ، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدةُ معاداتهم لحَمَلَة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم واحتقارهم لهم واستخفافهم بهم .
وقال عبد الله بن عبد الحميد الأثري في [الوجيز في عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة - (1 / 144)].
ومن علامتهم :
الجهل بمقاصد الشريعة ، والفرقة والتفرق ومفارقة الجماعة ، والجدل والخصومة ، واتباع الهوى ، وتقديم العقل على النقل ، والجهل بالسنة ، والخوض في المتشابه ، ومعارضة السنَّة بالقرآن ، والغلو في تعظيم الأشخاص ، والغلو في العبادة ، والتشبه بالكفار ، وإطلاق الألقاب على أَهل السُّنة ، وبغض أَهل الأَثر ، ومعاداتهم لحملة أَخبار النبي- صلى الله عليه وسلم - والاستخفاف بهم ، وتكفير مخالفيهم بغير دليل ، واستعانتهم على أَهل الحق بالولاة والسلاطين .
وأن هذا العمل لا يظهر إلا من شرب البدعة
قال الإمام الشافعي كما في الاعتصام2-273-270إن الذي أشربها من شأنه أن يدعو إلى بدعته فيظهر بسببها المعاداة .
وقال أيضاً أن من أشربها ناصب عليها بالدعوة المقترنة بالخروج عن الجماعة.
إن صاحب الهوى إذا دخل قلبه وأشرب حبه لا تعمل فيه الموعظة و لا يقبل البرهان.
وإلى الله المشتكى من قوم يسعون إلى المخالفات ولا يعون .
ونطلب من الإخوة القائمين على هذه الشبكة المباركة أن يرسلوا هذا الخبر إلى العلماء. وخاصة الوالد العلامة ربيع السنة الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله وعافاه لأنهم تظاهروا أمام الشيخ السلفية وأبطنوا انحرافهم. وهذه العداوة تدل ذلك ونعوذ بالله من الحور بعد الكور.
وصلى الله على محمد وآله وأصحابه وسلم .
تعليق