مثال ما يصح أن يطلق عليه الحسن على اصطلاح الترمذي
قال الدكتور نور الدين عتر ـ وفقه الله ـ :ونمثل للحديث الحسن الجامع ، لبيان ما ذكرناه ولتوضيح طريقة الترمذي في بيان حسن الحديث وعنايته بهذا النوع .ثم ضرب مثالاً لا يسلم له بتحسينه ثم ضرب مثالاً يصح أن يقال فيه حسن على اصطلاح الإمام الترمذي ـ إن شاء الله ـ فقال : وقال الترمذي ـ باب ما يقول عند دخول المسجد ـ : حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ عَنْ جَدَّتِهَا فَاطِمَةَ الْكُبْرَى قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ وَقَالَ « رَبِّ اغْفِرْ لِى ذُنُوبِى وَافْتَحْ لِى أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ». وَإِذَا خَرَجَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ وَقَالَ « رَبِّ اغْفِرْ لِى ذُنُوبِى وَافْتَحْ لِى أَبْوَابَ فَضْلِكَ ».
وَقَالَ عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ بِمَكَّةَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِى بِهِ قَالَ كَانَ إِذَا دَخَلَ قَالَ « رَبِّ افْتَحْ لِى بَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ قَالَ رَبِّ افْتَحْ لِى بَابَ فَضْلِكَ ». قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ وَأَبِى أُسَيْدٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ فَاطِمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ. وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ لَمْ تُدْرِكْ فَاطِمَةَ الْكُبْرَى إِنَّمَا عَاشَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَشْهُرًا.
قال المباركفوري ـ رحمه الله ـ : قوله ( حديث فاطمة حديث حسن وليس إسناده بمتصل إلخ ) فإن قلت قد اعترف الترمذي بعدم اتصال إسناد حديث فاطمة فكيف قال حديث فاطمة حديث حسن قلت الظاهر أنه حسنه لشواهده وقد بينا في المقدمة أن الترمذي قد يحسن الحديث مع ضعف الإسناد للشواهد وهذا الحديث أخرجه أحمد وبن ماجه أيضا فإن قلت لم أورد الترمذي في هذا الباب حديث فاطمة وليس إسناده بمتصل ولم يورد فيه حديث أبي أسيد وهو صحيح بل أشار إليه قلت ليبين ما فيه من الانقطاع وليستشهد بحديث أبي أسيد وغيره . [ تحفة الأحوذي 1/262] اه المراد من كتاب الدكتور المذكور " 155"وكما ترى حسن الحديث مع حكمه عليه بالإنقطاع وإنما حسنه لشواهده كما هو مبين في كلام المبركفوري ـ رحمه الله ـ
والحديث صححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ انظر صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم"771"
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وإنما وقع هذا الاستبهام في تعريف الترمذي ـ رحمه الله ـ : لكونه أول من عرف مثل هذا النوع من الحديث و التعاريف كلما كانت قريبة العهد جديدة الطور يقع فيها شيء من الخلل الذي منشأه إما عدم امتناع الحد من الإيرادات أو من عدم جمع الحد لأفراد المحدود وانظر مثلاً ما في تعريف الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ للشاذ حيث لا يمتنع من الإيرادات وتعريف الحافظ ابن حجر له حيث يتميز بالدقة لأنه وجد شيئاً مجهزاً فهذبه ـ والله أعلم ـ فالخلاصة في تعريف الترمذي ـ رحمه الله ـ : أنه تعريف يصلح أن يكون تعريفاً للحسن لغيره وأنه يصلح أن يؤخذ منه تعريفاً عاماً لهذا النوع من الحديث فتعريف الترمذي هو الأصل في معرفة هذا النوع بهذه الصورة والوصف الدقيق ـ والله أعلم ـ
تنبيه مهم جداً
: قولي و التعاريف كلما كانت قريبة العهد جديدة الطور يقع فيها شيء من الخلل ليس على إطلاقه وإنما في مثل هذه الأمور التي تؤخذ بالأقايسس والنسب أما أن يقال : إن متأخري كل فن أحذق من متقدميه فهذا ما لم أقصده ولم أتفوه به فلزم التنبيه وللفائدة قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ وَأَمَّا تَوَهُّمُهُمْ أَنَّ مُتَأَخِّرِي كُلِّ فَنٍّ أَحْذَقُ مِنْ مُتَقَدِّمِيهِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَمَّلُوهُ فَهَذَا مُنْتَقَضٌ أَوَّلًا : لَيْسَ بِمُطَّرِدِ فَإِنَّ كِتَابَ سِيبَوَيْهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يُصَنَّفْ بَعْدَهُ مِثْلُهُ بَلْ وَكِتَابُ بَطْلَيْمُوس بَلْ نُصُوصُ بقراط لَمْ يُصَنَّفْ بَعْدَهَا أَكْمَلُ مِنْهَا . ثُمَّ نَقُولُ هَذَا قَدْ يُسَلِّمُ فِي الْفُنُونِ الَّتِي تُنَالُ : بِالْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ وَالْحِيلَةِ . أَمَّا الْفَضَائِلُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِاتِّبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ إلَى الْأَنْبِيَاءِ أَقْرَبَ مَعَ كَمَالِ فِطْرَتِهِ : كَانَ تَلَقِّيهِ عَنْهُمْ أَعْظَمَ وَمَا يَحْسُنُ فِيهِ هُوَ مِنْ الْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ ؛اهـ [المجموع - (ج 3 / ص 8)]وقال : وَيَتَمَسَّكُونَ تَارَةً بِشُبَهِ عَقْلِيَّةٍ أَوْ ذَوْقِيَّةٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مُتَأَخِّرِي كُلِّ فَنٍّ يَحْكُمُونَهُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ . فَإِنَّهُمْ يَسْتَفِيدُونَ عُلُوَّ الْأَوَّلِينَ مَعَ الْعُلُومِ الَّتِي اخْتَصُّوا بِهَا كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي أَهْلِ الْحِسَابِ والطبائعيين وَالْمُنَجِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ .اهـ
وقال : فَلَيْسَ عَلَى هَذَا دَلِيلٌ أَصْلًا . أَنَّ كُلَّ مَنْ تَأَخَّرَ زَمَانُهُ مِنْ نَوْعٍ يَكُونُ أَفْضَلَ ذَلِكَ النَّوْعِ فَلَا هُوَ مُطَّرِدٌ وَلَا مُنْعَكِسٌ اهـ
الخلاصة في تعريف الترمذي
وعلى كل قال العلامة أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري ـ رحمه الله ـ : .. وبالجملة فأجود هذه التعاريف للحسن ما قاله الترمذي وعليه من الاعتراض ما رأيت ، وهو أبو عذرة[1] هذا المنزع ، ولم يسبقه أحد إلى هذا المراد بالحسن ، ولم يعد من بعده مراده .. الخ "النفح الشذي 1/274 ـ 278" وناقشه المحقق في قوله " فأجود هذه التعريف للحسن " أقول : وهذا خلاصة ما يسر الله في تعريف الترمذي وبقيت مباحث ـ منها التعريف الصحيح للحسن لغيره ـ سنطرقها في بابها والله ولي التوفيق
[1] هذا مثل سائر فيمن ابتدأ شيئاً وتوارد الناس عليه فيها . قال الثعالبي كما في ثمار القلوب له برقم "339 " ( أبو عذرة ) يقال فلان أبو عذرة هذا الكلام أى هو الذى اخترعه ولم يسبقه إليه أحد وهو مستعار من قولهم هو أبو عذرتها أي : هو الذي افتضها .. الخ
تعليق