مراده - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في قوله : ( عترتي ) !
فضيلة العلامة المحدث/محمد ناصر الدين الألباني.
وأعلم - أيها القارىء الكريم - : أن من المعروف : أن الحديث مما يحتج به الشيعة ، ويلهجون بذلك كثيرًا ، حتى يتوهم أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك ، وهم جميعًا واهمون في ذلك ، و بيانه من وجهين :
- الأول : أن المراد من الحديث في قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : ( عترتي ) . أكثر مما يريده الشيعة ، ولا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون به ، ألا وهو : أن العترة فيهم هم أهل بيته - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، و قد جاء ذلك موضحًا في بعض طرقه ؛ كحديث الترجمة : ( عترتي أهل بيتي ) .
وأهل بيته في الأصل هم : نساؤه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وفيهن الصديقة عائشة - رضي الله عنهن - جميعًا ؛ كما هو صريح قوله تعالى في الأحزاب : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) . [ الأحزاب : 33 ] .
بدليل الآية التي قبلها والتي بعدها : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا . وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا . وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) . [ الأحزاب : 32 - 34 ] .
وتخصيص الشيعة " أهل البيت " في الآية بعلي وفاطمة ، والحسن والحسين - رضي الله عنهم - دون نسائه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارًا لأهوائهم ؛ كما هو مشروح في موضعه .
وحديث " الكساء " وما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة الآية ، ودخول علي وأهله فيها ؛ كما بينه الحافظ ابن كثير وغيره .
وكذلك حديث " العترة " قد بين النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : أن المقصود أهل بيته - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى الشامل لزوجاته وعلي وأهله .
ولذلك قال التوربشتي - كما في " المرقاة " : (5/600) : ( عترة الرجل : أهل بيته ورهطه الأدنون ، ولاستعمالهم العترة على أنحاء كثيرة بينها رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بقوله : ( أهل بيتي ) . ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه ) .
- والوجه الآخر : أن المقصود من " أهل البيت " إنما هم : العلماء الصالحون منهم والمتمسكون بالكتاب والسنة .
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي - رحمه الله تعالى - : ( العترة : هم أهل بيته - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الذين هم على دينه وعلى التمسك بأمره ) .
وذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفًا . ثم استظهر : أن الوجه في تخصيص " أهل البيت " بالذكر ما أفاده بقوله : ( إن أهل البيت غالبًا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله ؛ فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون بحكمه وحكمته . وبهذا يصلح أن يكون مقابلاً لكتاب الله سبحانه ؛ كما قال : وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) .
قلت : ومثله قوله تعالى في خطاب أزواجه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في آية التطهير المتقدمة : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ ) .
فتبين : أن المراد بـ " أهل البيت " المتمسكين منهم بسنته - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، فتكون هي المقصود بالذات في الحديث ، ولذلك جعلها أحد " الثقلين " في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل الأول وهو القرآن .
وهو ما يشير إليه قول ابن الأثير في " النهاية " : ( سماهما ثقلين ؛ لأن الآخذ بهما - يعني : الكتاب والسنة - والعمل بهما ثقيل ، ويقال : لكل خطير نفيس ثقل ، فسماهما : ثقلين إعظامًا لقدرهما وتفخيمًا لشأنهما ) .
قلت : والحاصل أن ذكر " أهل البيت " في مقابل القرآن في هذا الحديث ؛ كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في قوله : ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ... ) .
قال الشيخ القاريء (1/199) : ( فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي ، فالإضافة إليهم ، إما لعملهم بها ، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها ) .
إذا عرفت ما تقدم ؛ فالحديث شاهد قوي لحديث " الموطأ " بلفظ : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة رسوله ) . و هو في " المشكاة " : (186) .
وقد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سود صفحات من إخواننا الناشئين اليوم في تضعيف حديث الموطأ . والله المستعان .
المصدر : " السلسلة الصحيحة " : [ حديث رقم : 1761 ]
- الأول : أن المراد من الحديث في قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : ( عترتي ) . أكثر مما يريده الشيعة ، ولا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون به ، ألا وهو : أن العترة فيهم هم أهل بيته - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، و قد جاء ذلك موضحًا في بعض طرقه ؛ كحديث الترجمة : ( عترتي أهل بيتي ) .
وأهل بيته في الأصل هم : نساؤه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وفيهن الصديقة عائشة - رضي الله عنهن - جميعًا ؛ كما هو صريح قوله تعالى في الأحزاب : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) . [ الأحزاب : 33 ] .
بدليل الآية التي قبلها والتي بعدها : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا . وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا . وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) . [ الأحزاب : 32 - 34 ] .
وتخصيص الشيعة " أهل البيت " في الآية بعلي وفاطمة ، والحسن والحسين - رضي الله عنهم - دون نسائه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارًا لأهوائهم ؛ كما هو مشروح في موضعه .
وحديث " الكساء " وما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة الآية ، ودخول علي وأهله فيها ؛ كما بينه الحافظ ابن كثير وغيره .
وكذلك حديث " العترة " قد بين النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : أن المقصود أهل بيته - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى الشامل لزوجاته وعلي وأهله .
ولذلك قال التوربشتي - كما في " المرقاة " : (5/600) : ( عترة الرجل : أهل بيته ورهطه الأدنون ، ولاستعمالهم العترة على أنحاء كثيرة بينها رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بقوله : ( أهل بيتي ) . ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه ) .
- والوجه الآخر : أن المقصود من " أهل البيت " إنما هم : العلماء الصالحون منهم والمتمسكون بالكتاب والسنة .
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي - رحمه الله تعالى - : ( العترة : هم أهل بيته - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الذين هم على دينه وعلى التمسك بأمره ) .
وذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفًا . ثم استظهر : أن الوجه في تخصيص " أهل البيت " بالذكر ما أفاده بقوله : ( إن أهل البيت غالبًا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله ؛ فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون بحكمه وحكمته . وبهذا يصلح أن يكون مقابلاً لكتاب الله سبحانه ؛ كما قال : وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) .
قلت : ومثله قوله تعالى في خطاب أزواجه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في آية التطهير المتقدمة : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ ) .
فتبين : أن المراد بـ " أهل البيت " المتمسكين منهم بسنته - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، فتكون هي المقصود بالذات في الحديث ، ولذلك جعلها أحد " الثقلين " في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل الأول وهو القرآن .
وهو ما يشير إليه قول ابن الأثير في " النهاية " : ( سماهما ثقلين ؛ لأن الآخذ بهما - يعني : الكتاب والسنة - والعمل بهما ثقيل ، ويقال : لكل خطير نفيس ثقل ، فسماهما : ثقلين إعظامًا لقدرهما وتفخيمًا لشأنهما ) .
قلت : والحاصل أن ذكر " أهل البيت " في مقابل القرآن في هذا الحديث ؛ كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في قوله : ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ... ) .
قال الشيخ القاريء (1/199) : ( فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي ، فالإضافة إليهم ، إما لعملهم بها ، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها ) .
إذا عرفت ما تقدم ؛ فالحديث شاهد قوي لحديث " الموطأ " بلفظ : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة رسوله ) . و هو في " المشكاة " : (186) .
وقد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سود صفحات من إخواننا الناشئين اليوم في تضعيف حديث الموطأ . والله المستعان .
المصدر : " السلسلة الصحيحة " : [ حديث رقم : 1761 ]
تعليق