إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سئل عن : وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن (لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سئل عن : وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن (لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى)

    سئل عن : وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن



    سئل شيخ الإسلام عن قوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل ‏ : ‏ ‏ ( ‏وما ترددت عن

    شيء أنا فاعله ترددي عن
    قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته‏ ) ‏ ما معنى تردد

    الله‏؟‏


    فأجاب‏ : ‏


    هذا حديث شريف ، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة ، وهو أشرف حديث روي في صفة

    الأولياء ، وقد رد هذا الكلام طائفة وقالوا‏ : ‏ إن الله لا يوصف بالتردد ، وإنما يتردد من لا يعلم عواقب

    الأمور ، والله أعلم بالعواقب‏ . ‏
    وربما قال بعضهم‏ : ‏ إن الله يعامل معاملة المتردد‏ . ‏


    والتحقيق أن كلام رسوله حق ، وليس أحد أعلم بالله من رسوله ، ولا أنصح للأمة منه ، ولا أفصح

    ولا أحسن بيانًا منه ، فإذا كان كذلك كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس ؛ وأجهلهم وأسوئهم

    أدبًا ، بل يجب تأديبه وتعزيره ، ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظنون

    الباطلة ؛ والاعتقادات الفاسدة ، ولكن المتردد منا ، وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم

    عاقبة الأمور ، لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا‏ . ‏ فإن الله ليس كمثله

    شيء ، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، ثم هذا باطل ؛ فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم

    بالعواقب ، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد ، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة ،

    ويكرهه لما فيه من المفسدة ، لا لجهله منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه ، كما

    قيل‏ : الشيب كره وكره أن أفارقه فأعجب لشيء على البغضاء محبوب



    وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه ، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها

    النفس هو من هذا الباب ، وفي الصحيح‏ : ‏‏ ( ‏حفت النار بالشهوات ، وحفت الجنة بالمكاره‏ ) ‏ وقال

    تعالى‏ :
    ‏ ‏ { ‏كُتِبَ عليكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ‏ } ‏ الآية ‏ [ ‏البقرة‏ : ‏ 216‏ ] ‏



    ومن هذا الباب ، يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث ، فإنه قال‏ : ‏ ‏ ( ‏لا يزال عبدي يتقرب إلى

    بالنوافل حتى أحبه‏ )
    ‏ فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوبًا للحق ، محبًا له ، يتقرب إليه أولًا

    بالفرائض ، وهو يحبها ، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها ، فأتي بكل ما يقدر عليه من

    محبوب الحق ، فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين ، بقصد اتفاق الإرادة ، بحيث يحب ما يحبه

    محبوبه ، ويكره ما يكرهه محبوبه ، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه ، فلزم من هذا أن يكره

    الموت ليزداد من محاب محبوبه‏ . ‏



    والله سبحانه وتعالى قد قضي بالموت ، فكل ما قضي به فهو يريده ولابد منه ، فالرب مريد لموته لما

    سبق به قضاؤه ، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده ؛ وهي المساءة التي تحصل له بالموت ، فصار

    الموت مرادًا للحق من وجه ، مكروهًا له من وجه ، وهذا حقيقة التردد وهو‏ : ‏ أن يكون الشيء

    الواحد مرادًا من وجه ، مكروهًا من وجه ، وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين ، كما ترجح إرادة

    الموت ، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده ، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته ،

    كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته‏ . ‏



    ثم قال بعد كلام سبق ذكره‏ : ‏ ومن هذا الباب ما يقع في الوجود من الكفر والفسوق والعصيان ، فإن

    الله تعالى يبغض ذلك ويسخطه ، ويكرهه وينهي عنه ، وهو سبحانه قد قدره وقضاه وشاءه بإرادته

    الكونية ، وإن لم يرده بإرادة دينية ، وهذا هو فصل الخطاب فيما تنازع فيه الناس ، من أنه سبحانه

    هل يأمر بما لا يريده‏؟‏



    فالمشهور عند متكلمة أهل الإثبات ، ومن وافقهم من الفقهاء أنه يأمر بما لا يريده ، وقالت القدرية

    والمعتزلة وغيرهم‏ : ‏ إنه لا يأمر إلا بما يريده‏ . ‏



    والتحقيق أن الإرادة في كتاب الله نوعان‏ : ‏ إرادة دينية شرعية وإرادة كونية قدرية ، فالأول كقوله

    تعالى‏ :
    ‏ ‏ { ‏يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ اليسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ‏ } ‏ ‏ [ ‏البقرة‏ : ‏185‏ ] ‏ ، وقوله تعالى‏ : ‏ ‏ { ‏يُرِيدُ

    اللّهُ بِكُمُ اليسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ‏ }
    ‏ ‏ [ ‏المائدة‏ : ‏ 6‏ ] ‏ ، وقوله تعالى‏ : ‏ ‏ { ‏يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ

    وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ‏ }
    ‏ إلى قوله‏ : ‏ ‏ { ‏وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عليكم‏ }

    [ ‏النساء‏ : ‏ 26 : 27‏ ] ‏ ، فإن الإرادة هنا بمعنى المحبة والرضا وهي الإرادة الدينية‏ . ‏ وإليه

    الإشارة بقوله‏ : ‏ ‏ { ‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‏ } ‏ ‏ [ ‏الذاريات‏ : ‏ 56‏ ] ‏ ‏ . ‏



    وأما الإرادة الكونية القدرية فمثل قوله تعالى‏ : ‏ ‏ { ‏فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن

    يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء‏ }
    ‏ ‏ [ ‏الأنعام‏ : 125‏ ] ‏ ، ومثل قول

    المسلمين‏ :
    ‏ ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن‏ . ‏ فجميع الكائنات داخلة في هذه الإرادة والإشاءة لا

    يخرج عنها خير ولا شر ، ولا عرف ولا نكر ، وهذه الإرادة والإشاءة تتناول ما لا يتناوله الأمر

    الشرعي ، وأما الإرادة الدينية فهي مطابقة للأمر الشرعي لايختلفان ، وهذا التقسيم الوارد في اسم

    الإرادة يرد مثله في اسم الأمر والكلمات ، والحكم والقضاء ، والكتاب والبعث ، والإرسال ونحوه ؛

    فإن هذا كله ينقسم إلى‏ : ‏ كوني قدري ، وإلى ديني شرعي‏ .



    والكلمات الكونية هي‏ :
    ‏ التي لا يخرج عنها بر ولا فاجر ، وهي التي استعان بها النبي صلى الله عليه

    وسلم في قوله‏ :
    ‏ ‏ ( ‏أعوذ بكلمات الله التامات ، التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر‏ ) قال الله تعالى‏ : ‏ ‏ { ‏

    إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏ }
    ‏ ‏ [ ‏يس‏ : ‏ 82‏ ] ‏ ‏ . ‏



    وأما الدينية فهي‏ : ‏ الكتب المنزلة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم‏ : ‏ ‏ ( ‏من قاتل لتكون كلمة

    الله هي العليا فهو في سبيل الله‏ )
    وقال تعالى‏ : ‏‏ { ‏وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ‏ }‏ ‏ [ ‏التحريم‏ : ‏ 12‏
    ] ‏ ‏ . ‏



    وكذلك الأمر الديني ، كقوله تعالى‏ : ‏ ‏ { ‏إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا‏ }

    ‏ ‏ [ ‏النساء‏ : ‏ 58‏ ] ‏ ، والكونية‏ : ‏ ‏ { ‏إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا‏ } ‏ ‏[ ‏يس‏ : ‏ 82‏ ] ‏‏ .




    والبعث الديني ، كقوله تعالى‏ : ‏ ‏ { ‏هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ‏ } ‏ ‏ [ ‏الجمعة‏ : ‏ 2‏ ] ‏ ،

    والبعث الكوني‏ : ‏ ‏ { ‏بَعَثْنَا عليكم عِبَادًا لَّنَا‏ } ‏ ‏ [ ‏الإسراء‏ : ‏5‏ ] ‏ ‏ . ‏



    والإرسال الديني
    ، كقوله‏ : ‏ ‏ { ‏هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ‏ } ‏ ‏ [ ‏الفتح‏ : ‏ 28‏ ] ‏ ،

    والكوني‏ : ‏ ‏ { ‏أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا‏ } ‏ ‏ [ ‏مريم‏ : ‏ 83‏ ] ‏ ‏ . ‏



    وهذا مبسوط في غير هذا الموضع‏ . ‏ فما يقع في الوجود من المنكرات هي مرادة لله إرادة كونية ،

    داخلة في كلماته التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ، وهو -سبحانه- مع ذلك لم يردها إرادة دينية ، ولا

    هي موافقة لكلماته الدينية ، ولا يرضي لعباده الكفر ، ولا يأمر بالفحشاء ، فصارت له من وجه

    مكروهة‏ . ‏ ولكن هذه ليست بمنزلة قبض المؤمن ، فإن ذلك يكرهه ؛ والكراهة مساءة المؤمن ، وهو

    يريده لما سبق في قضائه له بالموت فلا بد منه ، وإرادته لعبده المؤمن خير له ورحمة به ، فإنه قد

    ثبت في الصحيح‏ : ‏ ‏ ( ‏أن الله تعالى لا يقضي للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له ، إن أصابته سراء شكر

    فكان خيرًا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له‏ ) ‏‏ . ‏



    وأما المنكرات ، فإنه يبغضها ويكرهها ؛ فليس لها عاقبة محمودة من هذه الجهة إلا أن يتوبوا منها

    فيرحمون بالتوبة ، وإن كانت التوبة لابد أن تكون مسبوقة بمعصية ؛ ولهذا يجاب عن قضاء

    المعاصي على المؤمن بجوابين‏ : ‏



    أحدهما‏ : ‏ أن هذا الحديث لم يتناولها وإنما تناول المصائب‏ . ‏



    والثاني‏ : ‏ أنه إذا تاب منها كان ما تعقبه التوبة خيرًا فإن التوبة حسنة وهي من أحب الحسنات إلى

    الله ، والله يفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه أشد ما يمكن أن يكون من الفرح ، وأما المعاصي التي لا

    يتاب منها فهي شر على صاحبها ، والله سبحانه قدر كل شيء وقضاه ؛ لما له في ذلك من الحكمة ،

    كما قال‏ : ‏ ‏ { ‏صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ‏ } ‏ ‏ [ ‏النمل‏ :‏ ‏‏ 88‏ ] ‏ ، وقال تعالى‏ : ‏ ‏ { ‏الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ

    شَيْءٍ خَلَقَهُ‏ }
    ‏ ‏ [ ‏السجدة‏ : ‏ 7‏ ] ‏ ، فما من مخلوق إلا ولله فيه حكمة‏ . ‏



    ولكن هذا بحر واسع قد بسطناه في مواضع ، والمقصود هنا التنبيه على أن الشيء المعين يكون

    محبوبًا من وجه ، مكروهًا من وجه وأن هذا حقيقة التردد ، وكما أن هذا في الأفعال فهو في

    الأشخاص‏ . ‏ والله أعلم‏ . ‏




    مجموع فتاوي ابن تيمية (مجلد٩ الجزء الثامن صفحة ٧٦)


  • #2

    جزاك الله خيراً أبا حذيفة على هذه الدرر البهية .



    و قال في مكان آخر ( 10 / 58 - 59 ) :

    “ فبين سبحانه أن يتردد لأن التردد تعارض إرادتين , فهو سبحانه يحب ما يحب عبده , و يكره ما يكرهه , و هو يكره الموت , فهو يكرهه كما قال : “ و أنا أكره مساءته “ و هو سبحانه قد قضى بالموت فهو يريد أن يموت , فسمى ذلك ترددا . ثم بين أنه لابد من وقوع ذلك “

    تعليق


    • #3
      وأنت من أهل الجزاء أخانا حسين ونفع بكم

      تعليق

      يعمل...
      X