قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم
بين المصدقين و المنكرين
بين المصدقين و المنكرين
أعدها : محمد جميل حمامي ... غفر الله له
فإن الناس في قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم على أصناف :
- منهم من سمع و صدق فآمن و اختار أحسن الوجوه فيا سعده .
- ومنهم من علم ولكن أخطأ وزل ! وتأول ولبس عليه فهو مع أنه معذور لا يتابع .
- و منهم من علم و عادى و تمادا فهذا مردود عليه مهجور مأزور .
- و منهم من جهل أصلاً ومع ذلك تجرأ و هذر بلا خطام ولا زمام ، فهذا لا نلتفت إليه أصلاً .
و للمنكرين حج يستترون بها :
الأولى : أن الحديث معلول سنداً " بهشام " ، و هو هشام بن عروة بن الزبير فاحتجوا بكلام لبعض علماء الجرح و التعديل من أنه كان في العراق يرسل عن أبيه عروة بن الزبير ما سمعه من غيره ، و أنه كان قد تغير قبل موته .
الثانية : أن الكفار كانوا قد رموا النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر قال تعالى : { إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } [ الإسراء : 47 ] و قال تعالى : { وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } [ الفرقان : 7 ] فكيف نقول نحن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سحر ؟! فهكذا نكون قد صدقنا دعوة الكفار برميهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ! وهكذا نفتح باباً للطاعنين بالدين ! .
الثالثة : أن الله عز وجل قد عصم النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه هو المؤتمن على نقل الشريعة فقال { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [ المائدة : 67 ] فكيف يقال إنه سحر ؟! و كاد له يهودي فسحره ؟!
الرابعة : أن هذا خبر آحاد ، وهذه عقيدة ، و خبر الآحاد لا يؤخذ فيه بالعقائد .
الخامسة : أن منهم من لايؤمن بالسحر أصلاً ! و يقولوا بأن السحر لا وجود له ، وليس له حقيقة إنما هو مجرد تخيلات .
هذه مجمل حجج الطاعنين ، وهذا ما استندوا عليه لإنكارهم قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم ، و سنقصر الإجابة المفصلة على أول ثلاث شبهات ، و الشبهتين الأخيرتين سأذكر وجهاً بسيطاً من الجواب هنا ... و لعلنا نفرد لتفصيل الجواب لكل واحدة منها موضوعاً مفرداً - إذا يسر المولى - .
ذلك لأن الشبهتين الثانيتين لو أردنا بحثهما هنا لطال البحث كثيراً ، لكني أشير إلى شيء من الجواب ، و أفصل على أول ثلاث شبهات ، طلباً للإختصار و خشية الإطالة .
و سنعرض الرد على كل شبهة من شبههم في مشاركة منفردة تسهيلاً و ترتيباً ، فنستعين بالله الواحد القهار :
و حسنٌ لو أنا قدمنا بين يدي الرد شيء من الإشارة إلى الحديث المعترض عليه :
تخريج الحديث :
هذا الحديث خرّجه أساطين الحفاظ ، وقد اتفق عليه الشيخان في صحيحيهما ، فهو في أعلا درجات الصحة ، فقد رواه أهل السنن عن عائشة رضي الله عنها :
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه [3268 و 5763 و 5765 و 5766 و 6391 ] و الإمام مسلم في صحيحه أيضاً [ 5667 ] و ابن ماجة [ 3545 ] و الإمام أحمد في المسند [24741 و 24804 و 24851 و 24852 و 25157 ] و ابن حبان في صحيحه [ 6703 و 6704 ] و أبو يعلى [ 4757 ] و البيهقي في دلائل النبوة [ 3018 ] و غيرهم
و رواه زيد بن أرقم رضي الله عنه أيضاً :
أخرجه عنه الإمام النسائي [ 7/103 ] و الإمام أحمد في المسند [ 19481 ] و عبد بن حميد في المنتخب [ 271 ] و غيرهم .
نص الحديث :
و سنسرد رواية الإمام البخاري في كتاب الطب ، باب هل يستخرج السحر ؟ و أضيف إليها الروايات الأخرى التي أتت في صحيح البخاري :
حدثني عبد الله بن محمد قال سمعت ابن عيينة يقول أول من حدثنا به ابن جريج يقول حدثني آل عروة عن عروة فسألت هشاما عنه فحدثنا عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت :
[ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن [ في رواية : حتى كان يُخيَّل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله ] - قال سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا - [ في رواية : حتى كان ذات يوم دعا ودعا ثم قال : ] ، فقال : يا عائشة أعلمتِ أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ [ و في رواية : فيما فيه شفائي ؟ ] أتاني رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ،فقال الذي عند رأسي للآخر : ما بال الرجل ؟ قال : مطبوب ، قال : ومن طَبَّهُ ؟ ، قال : لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقا ، قال : وفيم ؟ قال : في مشط ومشاطة ، قال : وأين ؟ قال : في جف طلعة ذكر تحت رعوفة في بئر ذروان .
قالت : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر ، حتى استخرجه .
فقال : هذه البئر التي أريتها ، وكأن ماءها نقاعة الحناء ، وكأن نخلها رؤوس الشياطين ، قال فاستُخرِجَ ، قالت : فقلت أفلا - أي تنشرت - فقال أما الله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد من الناس شرا [ وفي رواية : ثم دفنت البئر ] .
شرح الحديث[1] :
(أفتاني فيما استفتيته) أي أجابني فيما دعوته، فأطلق على الدعاء استفتاءً، لأن الداعي طالب والمجيب مفت، أو المعنى: أجابني بما سألته عنه، لأن دعاءه كان أن يطلعه الله على حقيقة ما هو فيه، لما اشتبه عليه من الأمر .
(أتاني رجلان) يعني أتاني ملكان .
( مطبوب ) أي: مسحور يقال: طب الرجل -بالضم- إذا سحر، و يقال: كنوا عن السحر بالطب تفاؤلاً .
( لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقا ) و كان قد أسلم نفاقاً ، وقيل له يهودي لأنه كان من حلفائهم أو لأن اليهوديه و النفاق نفس الأمر ، و بنو الأزرق بطن من بطون الأنصار ، من الخزرج .
( في مشط ومشاطة) أما المشط فهو الآلة المعروفة التى يسّرح بها شعر الرأس واللحية ،أما المشاطة أو المشاقة فبضم الميم وهي الشعر الذي يسقط من الرأس أو اللحية عند تسريحه .
(في جف طلع نخلة ذكر) الجف أو الجب وعاء طلع النخل ، وهو الغشاء الذي يكون عليه ،ويطلق على الذكر والأنثى، فلهذا قيده في الحديث بقوله " طلعة ذكر " فصفته أنه ذكر لا أنثى ، وهذا من دقة رواة الحديث في الوصف و النقل .
(تحت رعوفة في بئر ذروان) الراعوفة حجر يوضع على رأس البئر لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي ، وقد يكون في أسفل البئر ، قال أبو عبيد : هي صخرة تنزل في أسفل البئر إذا حفرت يجلس عليها الذي ينظف البئر ، وهو حجر صلب لا يستطاع نزعه فيترك ، و بئر ذروان هي اسم لبئر في بني زريق و يقال لها " أروان " .
(كأن ماءها) أي : ماء البئر (نقاعة الحناء) أي أن لون ماء البئر لون الماء الذى ينقع فيه الحناء ، فكأن ماء البئر قد تغير إما لرداءته بطول إقامته، وإما لما خالطه من الأشياء التى ألقيت فى البئر .
ثم قالت عائشة للنبي ( أفلا تنشرت ) و يحتمل أن المراد من تنشرت النشرة نفسها ، و يحتمل أن يراد بها إستخراج السحر ! وعلى هذا يدل جواب النبي صلى الله عليه وسلم ( أما الله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد من الناس شرا ) فطلبت أن يخرج السحر ، فدفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبر أن الله تعالى قد عافاه ، وأنه يخاف من إخراجه وإشاعة هذا ضررا وشرا على المسلمين من تذكر السحر ، أو تعلمه ، وشيوعه ، والحديث فيه ، أو إيذاء فاعله ، فيحمله ذلك أو يحمل بعض أهله ومحبيه والمتعصبين له من المنافقين وغيرهم على سحر الناس وأذاهم ، وانتصابهم لمناكدة المسلمين بذلك . هذا من باب ترك مصلحة لخوف مفسدة أعظم منها .
الهامش : ....................
[1] جميع الشرح إنما هو من فتح الباري للحافظ ابن حجر و شرح النووي على صحيح مسلم ، وإنما أنا تصرفت و لفقت و اخترت
تعليق