العثيمين :: العذرُ بالجهلِ ثابتٌ بالقرآنِ والسُنةِ ؛ وهو مقتضى حكمةُ الله ورحمته !! .
السائل : جزاكم الله عنَّا ؛ وعن المسلمين خير الجزاء يا شيخ محمد - حفظكم الله - ؛ من ضمن أسئلة هذا السائل يا فضيلة الشيخ يقول : لقد خاض وتاه الكثير من الشباب في مسألة العذر بالجهل ؛ متى يعذر الجاهل بجهله ؟ ودلونا على مراجع في هذه المسألة التي أثيرت ؟ وهل وقع خلافٌ قديم بين السلف ؟ وهل هو معتبر أم لا ؟ وجزاكم الله خيرًا .
الإجابة : العذر بالجهل ثابت بالقرآن ؛ وثابت بالسُنة أيضًا ؛ وهو مقتضى حكمة الله - عز وجل - ورحمته ؛ يقول الله تبارك وتعالى : " وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ " [القصص : 59] ؛ ويقول الله تعالى : " إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ - [ إلى قوله ] - رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ " [النساء : 163 - 165] ؛ ولقول الله تبارك وتعالى : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً " [الإسراء : 15] ؛ ولقول الله تعالى : " وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " [التوبة : 115] ؛ والآيات في هذا عديدة كلها تدل على أنه لا كفر إلا بعد علم ! ؛ وهذا مقتضى حكمة الله ورحمته أن الجاهل معذور ( !! ) وكيف يؤاخذه الله - عز وجل - وهو أرحم الراحمين ( ! ) وهو أرحم بالعبد من الوالدة بولدها على شيءٍ لم يعلمه ؟!
فمن شرط التكفير بما يكفِّر من قول ٍأو عمل أن يكون عن علم ؛ وأن يكون عن قصدٍ أيضًا ؛ فلو لم يقصده الإنسان بل سبق لسانه إليه لشدة غضب أو لشدة فرح أو لتأويل تأوله فإنه لا يكون كافرًا بالله - عز وجل - يدل لهذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم كان في فلاة من الأرض ؛ ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه فأضلها - أي : ضاعت منه - فطلبها فلم يجدها ؛ فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت - أيس منها - فإذا براحلته عنده ؛ فأخذ بخطامها وقال : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ! » ؛ أخطأ من شدة الفرح - وهذا خطأ عظيم - هو في نفْسِه كُفْر ! ؛ لكن الرجل ما قصده ؛ لكن لشدة الفرح سبق لسانه إلى هذا ؛ ولم يكن بذلك كافرًا ؛ لأنه لم يقصد ما يقول ؛ وكذلك أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام - عن « رجلٍ كان مسرفًا على نفسه وخاف من الله - تعالى - أن يعاقبه ؛ فأمر أهله إذا مات أن يحرقوه ويذروه في اليم ظنًا منه أنه يتغيب عن عذاب الله ؛ ولكن الله - تعالى - جمعه بعده ؛ وسأله لم فعل هذا ؟ فقال : يا رب خوفًا منك ؛ فغفر الله له » ، مع أنه كان شاكًا في قدرة الله ؛ والشك في قدرة الله كفر ؛ لكنه متأول وجاهل فعفا الله عنه ؛ وليعلم أن مسألة التكفير أصلها وشروطها لا يأخذها الإنسان من عقله وفكره وذوقه فيكفِّر من شاء ويعصم من شاء ؛ الأمر في التكفير وعدم التكفير إلى الله - عز وجل - كما أن الحكم بالوجوب أو التحريم أو التحليل إلى الله وحده ؛ كما قال تعالى : " وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ " [النحل : 116] ؛ فالأمر في التكفير والعصمة إلى الله - تبارك وتعالى - وأعني بالعصمة : يعني الإسلام الذي يَعصم الإنسان به دمه وماله ؛ هو إلى الله ؛ إلى الله وحده ، فلا يجوز إطلاق الكفر على شخصٍ لم تثبت في حقه شروط التكفير ؛ وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن « من دعا رجلاً بالكفر ؛ أو قال يا عدو الله وليس كذلك فإنه يعود هذا الكلام على قائله !! » ؛ يكون هو كافر وهو عدو الله ؟!!
فليحذر الإنسان من إطلاق التكفير على من لم يكفِّره الله ورسوله ؛ وليحذر من إطلاق عداوة الله على من لم يكن عدوًا لله ورسوله ؛ وليحبس لسانه ؛ فإن اللسان آفة الآفات ( ! ) ؛ ولهذا لمَّا حدَّث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل بما حدثه به عن الإسلام قال له عليه الصلاة والسلام " « ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قال : بلى يا رسول الله ، فأمسك النبي - صلى الله عليه وسلم - بلسان نفسه وقال : كف عليه هذا ؛ كف عليك هذا - يعني لا تطلقه أحبسه قيّْده - فقال يا رسول الله : وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ يعني : هل نحن مؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ثكلتك أمك ! يا معاذ ؛ وهل يكُب الناس في النار على وجوههم ؛ أو قال على مناخرهم إلاَّ حصائدُ ألسنتهم » ؛ ولهذا يجب على الإنسان أن يكف لسانه عمَّا حرَّم الله ؛ وأن لا يقول إذا قال إلا خيرٌ ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت » .
والخلاصة أن أساس التكفير والعصمة ليست إلينا ؛ بل هي إلى الله ورسوله ، فمن كفره الله ورسوله فهو كافر ؛ ومن لم يكفِّره الله ورسوله فليس بكافر ؛ حتى وإن عظمت ذنوبه في مفهومنا وفي أذواقنا ؛ الأمر ليس إلينا ؛ الأمر في هذه الأمور إلى الله ورسوله ؛ ولابد للتكفير من شروط معلومة عند أهل العلم ؛ ومن أوسع ما قرأت في هذا ما كتبه شيخ الإسلام - رحمه الله - في فتاويه وفي كتبه المستقلة ؛ فأنصح السائل وغير السائل أن يرجع إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه وأقولها شهادة عند الله : أوفى من رأيت كلامًا في هذه المسألة العظيمة ؛ نعم .اهـ
المصدر : فتاوى نور على الدرب ؛ شريط رقم ( 326 ) ؛ الوجه ( ب ) ؛ لفقيه الزمان فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - .
قام بتفريغه سمير بن سعيد السلفي الأثري غفر الله له وعفا عنه ؛ يوم الثلاثاء الموافق : 1 / شعبان / 1431 هـ
المقطع الصوتي : من هنا
السائل : جزاكم الله عنَّا ؛ وعن المسلمين خير الجزاء يا شيخ محمد - حفظكم الله - ؛ من ضمن أسئلة هذا السائل يا فضيلة الشيخ يقول : لقد خاض وتاه الكثير من الشباب في مسألة العذر بالجهل ؛ متى يعذر الجاهل بجهله ؟ ودلونا على مراجع في هذه المسألة التي أثيرت ؟ وهل وقع خلافٌ قديم بين السلف ؟ وهل هو معتبر أم لا ؟ وجزاكم الله خيرًا .
الإجابة : العذر بالجهل ثابت بالقرآن ؛ وثابت بالسُنة أيضًا ؛ وهو مقتضى حكمة الله - عز وجل - ورحمته ؛ يقول الله تبارك وتعالى : " وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ " [القصص : 59] ؛ ويقول الله تعالى : " إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ - [ إلى قوله ] - رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ " [النساء : 163 - 165] ؛ ولقول الله تبارك وتعالى : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً " [الإسراء : 15] ؛ ولقول الله تعالى : " وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " [التوبة : 115] ؛ والآيات في هذا عديدة كلها تدل على أنه لا كفر إلا بعد علم ! ؛ وهذا مقتضى حكمة الله ورحمته أن الجاهل معذور ( !! ) وكيف يؤاخذه الله - عز وجل - وهو أرحم الراحمين ( ! ) وهو أرحم بالعبد من الوالدة بولدها على شيءٍ لم يعلمه ؟!
فمن شرط التكفير بما يكفِّر من قول ٍأو عمل أن يكون عن علم ؛ وأن يكون عن قصدٍ أيضًا ؛ فلو لم يقصده الإنسان بل سبق لسانه إليه لشدة غضب أو لشدة فرح أو لتأويل تأوله فإنه لا يكون كافرًا بالله - عز وجل - يدل لهذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم كان في فلاة من الأرض ؛ ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه فأضلها - أي : ضاعت منه - فطلبها فلم يجدها ؛ فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت - أيس منها - فإذا براحلته عنده ؛ فأخذ بخطامها وقال : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ! » ؛ أخطأ من شدة الفرح - وهذا خطأ عظيم - هو في نفْسِه كُفْر ! ؛ لكن الرجل ما قصده ؛ لكن لشدة الفرح سبق لسانه إلى هذا ؛ ولم يكن بذلك كافرًا ؛ لأنه لم يقصد ما يقول ؛ وكذلك أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام - عن « رجلٍ كان مسرفًا على نفسه وخاف من الله - تعالى - أن يعاقبه ؛ فأمر أهله إذا مات أن يحرقوه ويذروه في اليم ظنًا منه أنه يتغيب عن عذاب الله ؛ ولكن الله - تعالى - جمعه بعده ؛ وسأله لم فعل هذا ؟ فقال : يا رب خوفًا منك ؛ فغفر الله له » ، مع أنه كان شاكًا في قدرة الله ؛ والشك في قدرة الله كفر ؛ لكنه متأول وجاهل فعفا الله عنه ؛ وليعلم أن مسألة التكفير أصلها وشروطها لا يأخذها الإنسان من عقله وفكره وذوقه فيكفِّر من شاء ويعصم من شاء ؛ الأمر في التكفير وعدم التكفير إلى الله - عز وجل - كما أن الحكم بالوجوب أو التحريم أو التحليل إلى الله وحده ؛ كما قال تعالى : " وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ " [النحل : 116] ؛ فالأمر في التكفير والعصمة إلى الله - تبارك وتعالى - وأعني بالعصمة : يعني الإسلام الذي يَعصم الإنسان به دمه وماله ؛ هو إلى الله ؛ إلى الله وحده ، فلا يجوز إطلاق الكفر على شخصٍ لم تثبت في حقه شروط التكفير ؛ وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن « من دعا رجلاً بالكفر ؛ أو قال يا عدو الله وليس كذلك فإنه يعود هذا الكلام على قائله !! » ؛ يكون هو كافر وهو عدو الله ؟!!
فليحذر الإنسان من إطلاق التكفير على من لم يكفِّره الله ورسوله ؛ وليحذر من إطلاق عداوة الله على من لم يكن عدوًا لله ورسوله ؛ وليحبس لسانه ؛ فإن اللسان آفة الآفات ( ! ) ؛ ولهذا لمَّا حدَّث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل بما حدثه به عن الإسلام قال له عليه الصلاة والسلام " « ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قال : بلى يا رسول الله ، فأمسك النبي - صلى الله عليه وسلم - بلسان نفسه وقال : كف عليه هذا ؛ كف عليك هذا - يعني لا تطلقه أحبسه قيّْده - فقال يا رسول الله : وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ يعني : هل نحن مؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ثكلتك أمك ! يا معاذ ؛ وهل يكُب الناس في النار على وجوههم ؛ أو قال على مناخرهم إلاَّ حصائدُ ألسنتهم » ؛ ولهذا يجب على الإنسان أن يكف لسانه عمَّا حرَّم الله ؛ وأن لا يقول إذا قال إلا خيرٌ ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت » .
والخلاصة أن أساس التكفير والعصمة ليست إلينا ؛ بل هي إلى الله ورسوله ، فمن كفره الله ورسوله فهو كافر ؛ ومن لم يكفِّره الله ورسوله فليس بكافر ؛ حتى وإن عظمت ذنوبه في مفهومنا وفي أذواقنا ؛ الأمر ليس إلينا ؛ الأمر في هذه الأمور إلى الله ورسوله ؛ ولابد للتكفير من شروط معلومة عند أهل العلم ؛ ومن أوسع ما قرأت في هذا ما كتبه شيخ الإسلام - رحمه الله - في فتاويه وفي كتبه المستقلة ؛ فأنصح السائل وغير السائل أن يرجع إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه وأقولها شهادة عند الله : أوفى من رأيت كلامًا في هذه المسألة العظيمة ؛ نعم .اهـ
المصدر : فتاوى نور على الدرب ؛ شريط رقم ( 326 ) ؛ الوجه ( ب ) ؛ لفقيه الزمان فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - .
قام بتفريغه سمير بن سعيد السلفي الأثري غفر الله له وعفا عنه ؛ يوم الثلاثاء الموافق : 1 / شعبان / 1431 هـ
المقطع الصوتي : من هنا
تعليق