إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

:: ( بهذا يهدم الإسلام ؟ ) لشيخنا / أبي العباس عادل بن منصور (1-3) ::

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • :: ( بهذا يهدم الإسلام ؟ ) لشيخنا / أبي العباس عادل بن منصور (1-3) ::

    :: ( بهذا يهدم الإسلام ؟ ) لفضيلة الشيخ / أبي العباس عادل بن منصور :: (1)

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الجزء الأول من المحاضرة كان بتاريخ 22 ربيع الأول 1431 هـ .
    الجزء الثاني من المحاضرة كان بتاريخ 6 ربيع الآخر 1431 هـ .
    الجزء الثالث من المحاضرة كان بتاريخ 27 ربيع الآخر 1431 هـ .


    الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء و سيد المرسلين ، سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

    ثم أما بعد :

    فيسرنا في هذه الليلة المباركة إن شاء الله ليلة الثلاثاء ، الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول ، لعام إحدى وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، أن نستضيف عبر الهاتف الأخ الشيخ عادل بن منصور المُكَنّْى ( بأبي العباس ) ، في محاضرة بعنوان ( بهذا يهدم الدين ) .

    نسأل الله عز وجل أن يجزي الشيخ خير الجزاء ، وأن يبارك في وقته وعلمه ، وليتفضل الشيخ مشكورا ً مأجورا ً ، تفضل يا شيخ .
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه و على آله وأصحابه ومن اهتدى بِهَديه واقتفى أثره إلى يوم الدين .

    أما بعد:

    فحياكم الله وبياكم أيها الأخوة الكرام ، وأسأل الله جل وعلا أن يجعل هذه المذاكرة في هذا اللقاء مما يقربنا لديه زلفى ، وأن يزيدنا وإياكم به علما ً نافعاً وعملا ً صالحاً .

    والأمر كما سمعتم أخينا وفقه الله تعالى ، أنه مذاكرة ومباحثه مع إخواني في الله عز و جل عبر الهاتف حول هذا الموضوع المهم ، لأنه موضوع يتعلق بأعظم نعمة أنعمها الله سبحانه وتعالى على أهل الأرض ، بإنزال الكتاب وإرسال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

    والرسل من قبلهم والكتب السابقة دعوة إلى الإسلام الذي لا يقبل الله سبحانه وتعالى من أحد سواه ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (85- آل عمران) ، ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) (19- آل عمران ) ، فدين الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام هو الإسلام ، هو توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة ، والإيمان بكتبه وطاعة رسله عليهم الصلاة والسلام ، فيما يأمرون به واجتناب ما ينهون عنه ، وكل ذلك تحقيق لمصالح الدارين ، مصلحة العباد في هذه الدار ومصلحتهم يوم القيامة ، إذ يلقون ربهم سبحانه وتعالى فيجازيهم على أعمالهم ، ويسألهم سبحانه وتعالى السؤالين العظيمين ، اللذين عليهم مدار الأحداث والوقائع يوم القيامة ، وهما : ماذا كنتم تعبدون ؟ وماذا أجبتم المرسلين ؟ .

    فنعمة الإسلام نعمة عظيمة ، أنعم الله بها على الأمم تترى من قديم الزمان ، والله جل و علا يرسل رسله وأنبياءه الذين لا يعلم عددهم إلا هو سبحانه وتعالى ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) (24- فاطر) ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) (36- النحل ) ، وقال جل و علا : ( مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) ( 78-غافر) ، ومن الأنبياء و الرسل من قصهم الله عز و جل ، قص أخبارهم وذكرهم لنبيه وللأمة في الكتاب والسنة ، ومن الأنبياء والرسل من لم يقص الله عز و جل على نبيه أخبارهم ، كل هؤلاء الأنبياء والمرسلين عليهم من ربهم أفضل الصلاة والتسليم ، دعوا إلى هذا الدين دين التوحيد ( دين الإسلام ) .

    ونحن معاشر هذه الأمة ، التي هي آخر هذه الأمم ، والموفية سبعين أمة هي خيرها وأفضلها عند الله عز وجل ، وكتابنا القرآن لا كتاب بعده ، ناسخ لكل ما تقدم ومهيمن عليه ، ورسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا نبي بعده ولا رسول ، خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام ، واقتضى ذلك أن تكون شريعته شريعة كاملة ، مصلحة لكل عصر ولأهله وكل زمان وأهله ، شريعة لا تحتاج إلى نسخ ولا استدراك بعد موت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فهي كاملة لا نقص فيها ولا عِري ، شاملة لمصالح الدارين للعباد على اختلاف أجناسهم وألوانهم وطباعهم وعاداتهم .

    هذه النعمة العظيمة التي أتمها الله وأكملها كما قال جل و عز في كتابه الكريم : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) ( 3-الأنعام ) ، وإن من يعرف قدر هذه النعمة ويرضاها حق الرضا ، يتقطع قلبه خوفا ً أن يمس هذه النعمة نقص ، أو أن يلحقها إيذاء أو إفساد يسعى به أعداءها ، أو يقع فيه جهلة أنباءها .

    هذه النعمة العظيمة قام بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وخير القرون خير قيام ، قاموا بها علما ً نقيا ً ، وقاموا بها عملا ً صالحا ً تقيا ً، فبرّوا في علومهم وبرّوا في أعمالهم ، ونقلوا هذه النعمة صافية نقية إلى تلامذتهم وأصحابهم والأمة من بعدهم إلى تابعيهم ، وهكذا التابعون إلى تابع التابعين وهم ينقلون هذه الأمانة ويؤدون هذا الميراث النبوي الكريم ، إلى من أخذه عنهم ، وصدق الله جل وعلا له الهدايه ، سبق له من ربه عز وجل الهداية والتوفيق لقبول هذا الميراث العظيم ، والعبودية لله تبارك وتعالى به ، فقاموا الصحابة رضي الله عنهم بهذه النعمة العظيمة خير قيام ، ما كان فيمن مضي ولم يأتي أحد ممن بقي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، من يقوم بهذا الدين ومن يحفظ هذه النعمة كما قام بها وحفظها أولئك رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم .

    تكملت علومهم واتضحت لهم السبل وبان لهم الطريق ، وميزوا بين الحق والباطل والهدى والضلال ، لأنهم أعرف الخلق به وأعرف هذه الأمة بكتاب ربها وسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ومن كان أعرف بالكتاب والسنة وبالميراث النبوي ، كان أعظم فرقانا ً من غيره ، لهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في المجموع ، الجزء الثالث عشر الصفحة السادسة ، فصل في الفرقان بين الحق والباطل ، وأن الله بين ذلك بكتابه ودينه ، ( فمن كان أعظم إتباعا ً لكتابه الذي أنزله ونبيه الذي أرسله ، كان أعظم فرقاناً ، ومن كان أبعد عن إتباع الكتاب والرسول ، كان أبعد عن الفرقان واشتبه عليه الحق بالباطل ، كالذين اشتبه عليهم عبادة الرحمن بعبادة الشيطان ، والنبي الصادق من المتنبئ الكاذب ، وآيات النبيين بشبهات الكذابين ، حتى اشتبه عليهم الخالق بالمخلوق ) ، حتى اشتبه عليهم الخالق بالمخلوق ، فهذا الفرقان لا يحصل إلا بإتباع ما أنزله الله تبارك وتعالى فرقانا ً ، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

    فكان الصحابة رضي الله عنهم في اكتمال علمهم في الكتاب والسنة ، كانوا هم أعظم الناس فرقانا ً، وأعظم الناس شكرا ً، وأداء ًلحق هذه الثقة نعمة الإسلام ، فمن كان متبعاً لهم ومقتفيا ً لهم في كل أبواب الدين فلا شك أنه أسعد بمعرفة الفرقان ، وأسعد بالمحافظة على هذه النعمة من غيره ، لهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في المصدر السابق بعد صفحات في صفحة أربعٍ وعشرين : ( فمن اتبع السابقين الأولين كان منهم وهم خير الناس بعد الأنبياء ، فإن أمة محمد خير أمة أخرجت للناس وأولئك خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت في الصحاح من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) ، ولهذا كان معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم ، خيرا ً وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين في جميع علوم الدين وأعماله ،كالتفسير وأصول الدين وفروعه والزهد والعبادة والأخلاق والجهاد وغير ذلك ، فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة ، فالإقتداء بهم خير من الإقتداء بمن بعدهم ، ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير وانفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم ) ، إلى آخر كلامه في هذا الفصل ، هو كلام ماتع مهم في غاية الأهمية .

    فهم رضي الله عنهم معرفة بهذه النعمة العظيمة نعمة الإسلام لأنهم عاشوا الجاهلية وعاشوا الإسلام ، فعرفوا قدر هذه النعمة واتضح لهم السبيل ، ولهذا ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى عند كلامه في كتابه الفوائد على قول الله تبارك وتعالى ( وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ) (55 الأنعام ) ، وذكر أقسام الناس في معرفة سبيل المؤمنين عن سبيل المجرمين ، وذكر أن أعرف الناس في ذلك ونقل المقولة العمرية المشهورة في أنه عندما يحصل النقص والضرر على الإسلام وأهله إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية ، ( تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية ) ، وذكر بعد ذلك فضل الصحابة رضي الله عنهم ، وكمال علمهم ومعرفتهم تفصيلية بسبيل المؤمنين من سبيل المجرمين ، ومعلوم أن خيرهم وأفضلهم عشرة وخير العشرة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي .

    وكلمة الليلة هي مقولة من وصية عمرية فاروقية سلفية ، عمر الفاروق الذي كثرت فضائله وتعددت مناقبه كان الصحابة يقولون : ( إن الحق ينطق على لسانه ، وافق ربه في أحكام ) رضي الله عنه ، ولو كان نبي بعده لكان عمر هذا الحديث الذي حسنه بعض أهل العلم ، وهو الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه أنه شرب لبناً ثم أعطاه عمر فشرب منه ، فلما قيل له ما أوَّلتَه ، قال : ( العلم ) ، قال العلم .

    فهذا الفاروق الذي يسلك فجاً فيسلك الشيطان فجاً آخر ، ينبغي العناية بوصاياه و بكلماته وبإرشاداته وتوجيهاته رضي الله عنه وأرضاه ، فهو أفضل هذه الأمة بعد نبيها وبعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وهو العالم الكبير بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

    الليلة مذاكرتي معكم أيها الأخوة بكلمة من كلمات هذا الصحابي الجليل التي ملئت علماً وملئت فرقاناً وملئت بياناً وإيضاحا ً كلمة كأنما تخرج من المشكاة ، دلائل صحتها كثيرة في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، كما سيأتي ذكر بعض ذلك إن يسر الله سبحانه و تعالى من خلال هذه المذاكرة .

    روى الدارمي وغيره بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال : ( يهدم الإسلام ثلاث ) أي ثلاث خصال أو ثلاثة أمور ( يهدم الإسلام ثلاث ، زلة العالم ، وجدال المنافق بالقرآن ، والأئمة المضلين ) ، وهذه الثلاثة جاءت مرفوعة من النبي صلى الله عليه و على آله وسلم ، سبحان الله وبحمده ، ولا يصح المرفوع وإنما يصح الموقوف على عمر رضي الله عنه ، وثمة خصلة رابعة أيضا ً رويت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أيضا ًولا تصح مرفوعة ولكنها تصح عن جمع من الأئمة من تابعي التابعي ونحوهم ، وصايا سنية كما ثبتت بالإسناد الصحيح عن يوسف بن أسباط ، وثبتت في الإسناد الصحيح عن الفضيل بن عياض ، قال يوسف بن أسباط ( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ) وقال الفضيل بن عياض كما رواه أبو نعيم وغيره بسند صحيح ( من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ) .

    وإني أرى بادئ ذي بدئ أن كلمتي الليلة مع إخواني في الله لا يمكن أن تستوعب هذه الأربع الخصال المهمة التي معرفتها من معرفة الشر الذي يجب لاتقائه وللحذر منه ولمعرفة سبيل المجرمين ، ووسائل المُحدِثين التي من خلالها أدخلوا النقص على الدين وأهله وحرفوا الكتاب المنزل وسنة الرسول المبعوث المرسل عليه الصلاة والسلام ، حرفوهما عن مراد الله وعن مراد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لكني لعلي أقتصر الليلة إن شاء الله تعالى على خصلتين أو واحدة حسب ما ييسر الله عز وجل ، ونرجئ ونؤخر الباقي إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .

    فأرجوا من الأخوة الصفح عن التقصير في تهيئة وإعداد الموضوع حقه ، لأن الموضوع أو اللقاء له حقان ، حق الإخوان في الله الذين حضروا وتجشبوا وتركوا أشغال وارتباطات وأمور تركوها للحضور والاستماع من أخيهم ، والحق الثاني حق العلم نفسه وحق هذه الوصية وحق هذا التحذير العمري الفاروقي النَيِّر المهم ، الذي حوادث أمتنا اليوم لا تخرج عما ذكره الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، في هذه الوصية التحذيرية التنبيهية عظيمة الشأن جليلة القدر ، فهذان حقان أعتذر ابتداءً عن التقصير فيهما ، فأبدأ بأول خصلة ذكرها الفاروق ، وقبل هذا أشيد إلى أمر عام أرجوا أن ينتبه له الأخ المستمع وأن يتأملوه حق التأمل .

    هؤلاء الثلاثة أو الخصال المذكورة في هذا الأثر لا يستوون من حيث المقاصد والنيات ، ومن حيث العمد والخطأ ، لكنهم استووا من حيث الأثر السيئ على الأمة وعلى الدين ، وهذا يدلنا على أن الأفعال بآثارها لا بمقاصد أصحابها ، فمن ذا الذي يساوي بين عالم سنِّي سلفي واسع العلم مُجِد مُخْلِص في ابتغاء مرضاة الله ، متابع للحق متحري له باذلاً وقته وجهده وعمره كله في البحث عن مراد الله و مراد رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعما أنزله الله إلى رسوله عليه الصلاة والسلام والتزم ذلك ، وعمل به ثم زل زلة وهفا هفوة وغلط غلطة ، من ذا الذي يساوي بين هذا وبين منافق يجادل بكتاب الله يريد إضلال الأمة ويبتغي بذلك الفتنه ، ويريد أن يُحَصِّل بذلك شهواته وملذاته ، وأن يستر نفاقه بحجاجه بآي القرآن الكريم ، وأن يتقي بالقرآن وأن يتخذه جُنَّة لضلاله وانحرافه المتعمد المتقصد ، أو يساوي بين ذاكم العالم وبين إمام ضلالة ، يقصد نشر الضلالة ويعمد إلى تحرير الدين وإلى الحكم بغير ما أنزل رب العالمين ، لكن ليست العبرة فقط بالمقاصد .

    انظروا كيف جعل الفاروق رضي الله عنه أثر الجميع سواء ، جعل الأثر السيئ على الإسلام سواء ً ، مع أن الأول مسكين ما قصد ولا أراد ، بل هو الباذل نفسه الباذل علمه والباذل وقته حماية للإسلام ، وصونا ًلحياطه ونشرا ً لأحكامه وبيانا ً لمحاسنه ، ومع ذلك كانت زلته هدما ً لهذا الدين .

    فالفاروق رضي الله عنه في هذه الكلمة العمرية العظيمة الجليلة القدر ، لم يفرق من حيث الأثر بين هذا العالم السني كبير القدر جليل الشأن واسع العلم ، الباذل ما يبذله مما أقدره الله عليه في نشر الإسلام ، ما فرق بين أثره إذا زل وانتهج النهج الخطأ في زلته كيف أثره ، ولم يفرق بين أثره و أثر المنافق المجادل في القرآن وأثر حكم الأئمة المضلين ، الأثر واحد والأشخاص يختلفون من حيث العمد والقصد ، خطأ ، هذا يدلنا على بعد النظر وأننا لا ننظر فقط إلى المقاصد ، وهذا يوم بدأ عبد الله بن مسعود فأنكر بدايات الإحداث وأنكر طلائع الخوارج ، ببدع تسمى عند المتأخرين ببدع إضافية في قصة الحِلَق _ حِلَق الذكر _ ، التي لا أظنها تخفى عليكم أو على أكثركم ، مما رواه الدارمي بسند صحيح في قصة ابن مسعود مع الحِلَق لمَّا اعتذروا عن إحداثهم ، قالوا : ( والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير ) ، قال رضي الله عنه وأرضاه كلمته المشهورة التي عُدت قاعدة عظيمة موافقة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهي قوله : ( وكم من مريد للخير لا يصبه ) ، كم من مريد للخير لا يصبه ، فهو لا يملك الخير الذي أراد .

    وأثر عمر دلنا على أمر زائد ، أنه ليس فقط المشكلة أنه لا يصيب الأجر أو لا يصيب الحق الذي قصده ، ولكن الفتنة أعظم إذا كان هذا عالما ً قدوة ، وصار إماما ً وصار ينظر الناس إليه ، فإن إتباع زلته يهدم الإسلام وهو غير قاصد ولا مريد ، بل هو الباذل كما تقدم ، كل ما تقدم ذكره باذلا ً له من أجل الإسلام والدين ، وبدأ بزلة العالم قبل جدال المنافق وقبل حكم الإمام أو إمام الضلالة ، لماذا ؟ لأن الأثر سيكون أشد ، العلماء ورثة الأنبياء (( والمرسلين ورثة العلم والدين ))، الناس عن العلماء يأخذون ميراث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، الناس بالعلماء يقتدون وبالعلماء يأتسون ، الناس ينظرون إلى ما قال العالم ، وينظرون إلى ما فعل العالم ، وبهذا شاع في من تقدم قولهم : ( زلة العالِم زلة العالَم ) بالفتح ، يَزِلُ بِزَلَّتِه أمم كثيرة ، ويضل بخطئه وزيغه أمم كثيرون وإن كان لا يقصد ذلك ولا يريد ذلك ، تقدم لعظيم الضرر به ، زل في مسألة عقدية أو زل في مسألة فقهية أو زل في رأي من الآراء ، أو زل في مسألة من المسائل أو زل في تعامل تعامله مع محدِث أو مخالف ، كل هذا ينظر إليه كثير من الناس فيقتدون ويعملون بتلك الزلة ، فينتشر الضلال ينتشر الضلال بكثرة العاملين ، ينتشر الضلال بكثرة المحتجين به .

    شيخ ؟ قد قال العالم فلان وهو عالم سنة ماذا تقولون فيه ستطعنون فيه ستجرحون فيه ؟ ، لأن قليل البضاعة يحاجج بالرجال ولا يحاجج بالحق ، يحاجج بالرجال ولا يحاجج بالحق ، قد زل بعضنا واختلط نوعاً من العلل أو المسائل ، قد زل قديما ً بعض الفقهاء من فقهاء الكوفة والعراق ، فقالوا كما تعلمون في إباحة النبيذ ، ودلت الأدلة على تحريم النبيذ الذي يقصدون ويتفردون في إباحته ، ليس هو النبيذ الذي كان ينتبذ وإنما هو نوع من المسكر ، ولكنهم هم يرون أن القليل لا يسكر فيرون إباحته .

    فابن المبارك رحمه الله إمام جليل القدر معروف ، روى عنه اسحق بن منصور الكوسج في مسائله ، أو روى عن اسحق بن إبراهيم اسحق بن الكوسج روى عن اسحق ابن إبراهيم الحنظلي قال : ( أخبرني أبو وهب أن ابن المبارك قال : حاجني أهل الكوفة في المسكر فقلت لهم : إنه حرام ، فأنكروا ذلك وسموا من التابعين رجالاً ، مثل إبراهيم ونظرائه ) أي من فقهاء الكوفة ، ( فقالوا: ألقوا الله عز وجل وهم يشربون الحرام ؟ فقلت لهم ردًا عليهم : لا تسموا الرجال عند الحِجَاج ، فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاووس ونظرائهم من أهل الحجاز ، فقالوا : خيار .
    فقلت : فما تقولون في الدرهم بالدرهمين ؟ ) أين أنتم يا من تتعصبون لقول أهل الكوفة في المسكر ، قالوا نحن نقول : ( فقالوا: حرام. فقلت لهم : أيلقون الله عز وجل وهم يأكلون الحرام ) ، أي أولئك أخبر عنهم أي فقهاء أهل مكة والحجاز ، ذكر عندهم القول في التجوز في الصرف وأن الربا إنما هو ربا النسيئة لا ربا الفضل ، وكان قولهم قريب لابن عباس وتراجع عنه ، والأمر من قصة هذا تطول أي يطول ذكرها الآن ، قال : فقلت لهم: أيلقون الله عز وجل وهم يأكلون الحرام دعوا عند الحجاج تسمية الرجال ) ، يقول دعوا عند الحجاج تسمية الرجال ، فإذاً زلة العالم تزل بها أمم كثيرون ، فقيل فيها ( زلة العالِم زلة العالَم ) .

    لهذا والله أعلم قدمها عمر الفاروق على غيرها لأنها تلتبس بالفتوى الشرعية بالحكم الشرعي بالدليل بالبرهان ، ولهذا كان الناس طرفين في وقوع الزلة ، وأقرأ كلاما ًلإسحاق ابن إبراهيم ابن راهويه رحمه الله ، لنعرف من خلالة متى تكون زلة ، نعرف من خلال هذا النقل متى تكون زلة ، إذا كانت مخالفة للكتاب مخالفة للسنة أو مخالفة لما جاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو مخالفة لما جاء عن التابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم ، فهنا تكون زلة ، قال اسحاق رحمه الله : ( وأما العالم ) انتبهوا إلى هذا القيد ، انتبهوا إلى أننا نتحدث عن زلة عالم لا عن جهالات متعالم ، نحن نتحدث عن زلة عالم سُني لا عن جهالات ، نتحدث عن زلة عالم سُني تقي صالح ورع مستقيم عقيدة ومنهجا ً ، فإذا كانت زلة مثل هذا ضررها كما سمعنا من هذا الأثر العمري أنها مما يهدم دين الإسلام ، فكيف بجهالات المتعالمين وكيف بفتاوى فساق العلماء الذين من أمثالهم من قال الله جل وعلا عنهم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ( 34 التوبة ) ، من أمثال الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمَّا سئل : ( متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ ) ، أي متى يحصل منا ذلك ؟ فقال كما في حديث سعد بن عجرة فيما يحضرني وهو حديث صحيح ، صححه شيخنا في الصحيح المسند ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله ،( قالوا : كيف أو متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يا رسول الله ؟ ، قال : إذا ظهر الملك في صغاركم ، والعلم في رذالتكم ، والفسق في كباركم ) ، قال الراوي : في رذالتكم يعني في فساقكم ، يحمل العلم أهل فسق ، فإذا أنكر المنكر احتج الناس بفعل ذلك العالم الفاسق أو بفتواه ، فإذا بالمنكر يترك إنكاره أي يعود الأمر إلى ترك الإنكار ، متى نترك أي متى يحصل منا الترك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ذكر منها الخصال والخلال الثلاثة ومنها أن يكون العلم في الرذالة أي في فساق حملة العلم .

    فإذا ً نحن نتحدث الآن وننتقل ونشير إلى زلة العالم ، وكونها إذا لم يتعامل معها التعامل الشرعي الصحيح فإنها مما يهدم الدين ، سواءً زلَّ فحدث به رأي محُدَث في الفقه ، أو زلَّ حدث معه مسألة كلامية محدثة في المعتقد ، فحدث خطأ في منهج دعوي أو مسألة دعوية ، مثل هذه الزلة إذا لم هي التي زل في أشخاص زل في جماعات ثناءً أو زل قدحا ً أو نحو ذلك ، فهذه الزلة إذا لم يتعامل معها التعامل الشرعي أدت إلى ذلكم الأثر الذي عنون لهذا اللقاء ، وهو ( بهذا يهدم الإسلام ) ، بهذا يهدم الإسلام وهو هذا الذي أختاره في العنونة لمثل هذا اللقاء بهذا يهدم الإسلام ، لأن هذا هو أثر عمر بلفظ بهذا يهدم الإسلام ، وأيضا ًاستناداً لحصول بعض الإصدارات فإننا نقول بهذا يهدم الإسلام ، قال : الإسحاق الحنظلي رحمه الله ( وأما العالم يفتى بالشيء يكون مخالفاً لما جاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو التابعين بإحسان لما يكون قد عزب عنه ) أي غاب عنه ، ( وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ ) (61 يونس ) أي لا يغيب ، غاب عنه ، ( أي لما يكون قد عزب عنه معرفة العلم الذي جاء فيه فإن على المتعلمين أن يهجروا ذلك القول بعينه من العالم الذي خفي عليه سنته ، ولا يدخلوا على الراد ذلك نقض ما رد أو نقص ، أو نقص ما رد على من هو أعلم منه ليتببع في ذلك ما أُمرَ.

    ثم احتج اسحق بحديث أنا سأورده ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مما أتخوف على أمتي إتباع زلة العالم ) ، ثم فسر المجاز من ذلك فقال : ( أما العالم إذا زل فلا تتبعوا زلته ) فهذا يصدق ما وصفنا .

    ولقد قال ابن المبارك وجرى ذكر من يسأل الرأي في عصر سفيان ، فقال : ( ما رأت عيناي قط أعلم من سفيان ) ثم ذكر لابن المبارك مسائل كثيرة قالها سفيان يخالفه ، يعني يخالف ابن المبارك سفيان ، فلم يمنعه معرفته جلالة سفيان كما قال بعد ذلك ، قال : ( فلم يمنع عبد الله ) يعني ابن المبارك ( ما قال في سفيان في أنه أعلم أهل الأرض أن يرد عليه خطأه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، و يظن به الظن الحسن أنه قد فاته ) ، وكان آنفا ً من اقتدى بابن المبارك يلزمه مثل ما لزمه أي (****) ، كلام اسحق رحمه الله تعالى تجدها في مسائل الكوسج في الجزء الثاني من صفحة خمسمائة واثنان وثمانين ، فإذا ً هذا هو الموقف الصحيح فإذا سلك مع زلة العالم غير هذا الموقف ، فإن الضرر السيئ المخوف الذي خافه عمر بن الخطاب يحصل لا محالة ، زلة العالم .

    واستحضروا معي وصف العالم الذي نبهت عليه في ما تقدم ، وأننا نتحدث عن زلة عالم سني كبير القدر جليل الشأن في السنة وإتباعها ، فكيف به بإتباع أقوال من ليس بعالم ، كيف بإتباع أقوال من ليس بعالم والاحتجاج بها ، ورحم الله الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى فإنه في مسائل كتاب التوحيد باب من أطاع الأمراء والعلماء في تحليل ما حرم الله وتحليل وتحريم ما أحل الله فقد اتخذهم أربابا ً من دون الله فإنه قد ذكر في الأمراء مسائله أن نزهد حق العالم الذي هو عالم ثم إن الناس قد عبدوا الأحبار أول الأمر في هذه العبادة ، وهي طاعتهم في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله ، قال : ثم في المعنى الثاني عبد من ليس من أهل العلم ، بمعنى اتبع من ليس من أهل العلم ، فكلام الفاروق رضي الله عنه في حق العالم ، فهذا أثر فتوى زلته ، فكيف بالمتعالم وكيف بمن ليس من أهل العلم ومن تزييا بزيهم ومن تشبه بهم وليس منهم ، ومن أدخل نفسه أو ظن نفسه أو ظُن به أنه من أهل العلم فأصبح بفتاويه وبآرائه وبإصداراته مزاحماً منابذاً مضاداً لأهل العلم ، فكيف يحصل بالإسلام وأهله ، فكيف يحصل و أهله ( لا إله إلا الله ) سبحان الله العظيم مما يحصل ،كم يحصل من الضرر وكم يحصل من الإحداث وكم يحصل من الفرقة وكم يحصل من الصد عن سبيل الله بإتباع أمثال هؤلاء .

    فزلة العالم هذا ضررها وهذا ضرر إتباعها ، هو في نفسه إذا كمَّل جهده وتحرى فإنه مأجور لما ثبت في الصحيحين من حديث العمر بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ) ، هو في نفسه مأجور وفي نيته صادق وفي عمله غير قاصد ولكن النظر إلى الأثر ، هذا أثر فتواه هذا أثر هذه الزلة أنها تهدم الدين ، يحتج بها المتلونون يحتج بها المتساهلون يحتج بها أتباع الشهوات يحتج بها من يحتج بها من الجهال ونحوهم ، فيحصل في ذلك الضرر ويدخل على الإسلام النقص ، وهذا إذا كان في حق العالم إخوتي في الله فكيف بحق غيره .

    ولهذا تتابعت الوصايا عن السلف رضي الله عنهم وأرضاهم بالتحذير من إتباع زلة العلماء ، وأن من تتبع رخص العلماء أو من تدين بزلات العلماء فقد تزندق ، وفي بعض ألفاظ من وصانا من علمائنا من المتقدمين رحمهم الله ، أنك إذا تتبعت زلات العلماء فقد اجتمع فيك الشر كله الشر كله ، ولقد وجد من التلفيق الفقهي وهو أنهم يأخذون بزلة قالها الإمام من أئمة المذاهب الأربعة ، أو قالها بعض أصحابه أو بعض أصحاب الوجوه في مذهبه ، أو بعض أصحاب الأقوال في مذهبه أو فتوى أفتى بها تابعي وزل وشذ عن باقي الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم ، فيأتي من يتبع الهوى ويأخذ من هذا القول أسهله ومن ذاك المذهب أرخصه ، ومن ذاك العالم أزل ما قال ومن ذاك أشد ما أخطأ فيه ، ويجعل له مذهبا ً فإذا أنكر عليه قال كيف تفسقون العالم الفلاني والإمام الفلاني ، أنا ما خرجت عن قول الأئمة الذين مضوا ، وأنا ما استدرجت إلا من كتب فقهاء الإسلام ، وأنا ما قلت إلا بقول عالم قد سبقني ، وأنا ما أفتيت إلا بقوله ويحتج بهذا بقوله ويحدث (***) مسحوبة زائلة عن قلوب أهل الإيمان الذين استسلموا لله تبارك وتعالى وانقادوا لشرعه ، فإنه إذا صح الدليل والبرهان كما قال الإمام أحمد : ( عجبت لمن عرف الإسناد وصحته ويذهب لرأي سفيان ) .

    وزلة العالم تكون كما قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( زلة العالم الواجب ألا يتبع فيها ) ، وأيضا ً الواجب إذا قلنا لا يتبع فيها حفاظا ًعلى الدين وصفاته ، حفاظاً على حياضه أن تفسد على ضيائه أن يفسد على كماله أن يفسد بهذه الزلة ، وأن يدخل على الإسلام وعلى أهل الإسلام بزلة هذا العالم المنتظر قوله المشهود له بالإمامة والفضل والرسوخ في الدين .

    فلا يجوز أبدا ً أن يحتج بزلته ولا يتبع في زلته أبداً كما قال الشاطبي رحمه الله تعالى : ( إن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليدا له وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ولذلك عدت زلة ) ، وقال أيضا ً رحمه الله في الاعتصام : ( فعلى كل تقدير لا يتبع أحد من العلماء إلا من حيث هو متوجه نحو الشريعة قائم بحجتها ) قائم بحجتها ، ويقول شيخ الإسلام أول كلمه ذكرها في كتابه التفسير عن الأوزاعي رحمه الله ( من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام ) ، لأن لكل عالم يكون له زلة يكون له هفوة .

    وفي كتب التراجم سواء ً التراجم للعلماء المطلقة ، أو التراجم لعلماء كل مذهب وهي المسماة بالطبقات لكل مذهب ، هناك طبقات الحنفية هناك طبقات الحنابلة هناك طبقات الشافعية ، هناك أصحاب مالك لهم كتب في طبقاتهم وفي ترتيب درجاتهم ، هذه المصنفات عنيت بذكر الفتاوى والأقوال التي هذا العالم أفتى بها وعدت زلة وعدت إنفرادا ً منه وعدت مخالفة منه ، فيأتي بعض ذوي الهوى ويتبع ذلك ويترك نصوص الكتاب والسنة ، والحقيقة أنه متبع زلة العلماء ، ما قد عظم نصوص القرآن والسنة ولا احترمهما حق الاحترام الذي يوجب عليه أن يدع قول كل أحد خالف كتاب الله وسنة رسوله ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( 63 النور ) .

    قال أحمد رحمه الله ( أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك ) ، ولعله إذا رد بعض ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلكه ، عياذا ً بالله من ذلك ومن هذا السبيل .

    فشاهدنا أن الزلَ لا يجوز ومعلوم أن العالم جليل القدر بالسنة سواء ًمن الصحابة أو من التابعين أو من تابعي التابعين ، أو من العلماء المتوسطين أو المتأخرين أو المعاصرين أن يزلوا ولا شك في ذلك ، ولهذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله : ( قلت هذا إذا وقع يكون فتنة لطائفتين ، طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل وإتباعه عليه ، وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحا ً في ولايته وتقواه ، بل في بره وكونه من أهل العلم ) ، إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى .

    قال : ( من سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه ، وأعطى الحق حقه فيعظم الحق ويرحم الخلق ، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات ) ، إلى آخر ما ذكر رحمه الله تعالى ، فالمقصد أن العالم السني كبير القد جليل الشأن يزل ، فإذا اتبع في زلته دخل الضلال و دخل الهلاك ودخل التغيير في الدين .

    من أين الخطورة ؟ الناس يعرفون فجور الفاجر ، الناس يعرفون فسق الفاسق ، لكن يدخل التغيير على الدين ، ولكن رحمة من الله وتحقيقا ً لوعد الله سبحانه وتعالى بالحفاظ على هذا الذكر والدين ، حتى يرفعه جل وعلا من السطور والصدور ، فإنه يقيض ربنا جل وعلا كما قال جمع من أئمة الدين والعلم والهدى أنه : ( ما أحدثت بدعة ولا وجد خطأ إلا قيض الله من حملة الرسالة وحراس الشريعة وحملة العلم والهدى ، من يرد تلك البدعة ومن يبين تلك الضلالة ، حتى يبقى الدين صافيا ً نقيا ً ) ، ممن ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه ( تهذيب سنن أبي داوود ) وذكر ( أنه ما وجدت بدعة ولا وجدت ضلالة إلا لله عندها قائم بحجة الله تبارك وتعالى مبين للحق ، ثم بعد ذلك يفترق الناس كما افترقوا إذ بعث فيهم أنبياءهم وأنزلت عليهم كتبهم ، فمن الناس من يقبل الهدى ويقبل الحق ويقبل البيان ، ومن الناس من يؤثر الوقوع والوقوف محله والبقاء على زلة من زل من أهل العلم من السابقين واللاحقين ، تاركا ً الحجة أمام عينيه موليا ً إليها ظهره ، وهذا متوعد بقوله جل وعز : ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) (110 الأنعام ) .

    وإذا كنا نشكو من هذا التلفيق الفقهي في الزلات ، كذلك نشكو من التلفيق المنهجي الذي يحصل ، وجد اليوم من يحتج بأفعال بعض من زل ممن تقدم ، ممن خرج على ولاة أمور المسلمين ، ووجد اليوم من يحتج بزلات بعض العلماء المتأخرين أو بعض العلماء المعاصرين ، إذ بنو أحكام لهم على أشخاص أو جماعات بناءً على حسن الظن وعلى معلومات قليلة توفرت عندهم عن هذا أو ذلك .

    فإذا تحصل للإنسان علم وجاءه برهان وبيان واضح ، فإن ما خالف الحق خروجا ً له ، اجتهاد ، يقول زلة لا يجوز أن يتبع بها العالم السني ولا يجوز أن يتبع هو بزلته ، ثم قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع فتاويه في المجموع ، قال : ( لا يتبع بزلته ولا يتبع بزلته هو أيضا ً ، ما دام معروف عنه العلم والسنة وإتباع منهج السلف الصالح ، فزلته لا تتبع ولا يلحق بها ) ، وكما قال معاذ رضي الله تعالى عنه في تلك الوصايا العظيمة هكذا تتفق وصاياهم ، وتلتقي كلماتهم لأنهم صدروا عن مصدر واحد ، واتجهوا إلى وجهة واحدة رضي الله عنهم وأرضاهم ، فيقول معاذ كما روي عن ابن بطه وغيره بسند صحيح ، قال : ( واتقوا زلة الحكيم ، واتقوا زلة الحكيم وهو حكيم ولا يكون حكيما ً إلا إذا كان مقتبساً مقتديا ً عاملاً بالكتاب والسنة ، عاملاً بالحكمة ) ( ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ) ( 39 الإسراء ) ، بعد ما ذكر كثيرا ً من المحرمات في القرآن الكريم ، فالقرآن حكمة ومحكم والسنة حكمة فإذا ذكرت مع القرآن أو أفردت كانت هي السنة هي الحكمة وكان القرآن كما سمى الله ، وإذا ذكر الحكمة فيما أوحى الله إلى نبيه ، فإنه شامل للقرآن وشامل للسنة ، والعلم عند الله سبحانه وتعالى ، فقال : ( واتقي زلة الحكيم ولا يصدنه ذلك عنه فلعله أن يعاود ) ، قالوا : كيف نعرف زلة الحكيم إذا زل ؟ ، قال : ( أن تقول كيف هذه كيف جاءت كيف غاب كيف عزب كيف خفي ، كيف قال هذه المقولة ) ، مخالفة للبرهان الواضح ، مخالفة للدليل الجلي مخالفة للحقيقة الناصعة الواضحة التي أراها بعيني والتي ألمسها بيدي والله جل وعلا تعبديني بذلك ، ولن يؤاخذني إذا رددت عليه زلته ،كما تقدم في كلام اسحق أن هذا لا يدخل النقص إذا رد على من هو أعلم منه زلته ، لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

    اليوم نشهد هذا التلفيق الحركي ، فإذا أظهرت منهج السلف ودعوت إليه وإلى ما اقتضاه هذا المنهج السلفي العظيم ، من مجانبة أهل الأهواء ومن التحذير منهم ، جماعات أو أفراداً ومن التحذير من هذه الجماعات السياسية الحركية ، يحتج عليك ببعض الزلات لمن وجد من أئمة العصر ، والحقيقة أن التلفيق في باب المناهج والتعامل ما وجد وظهر ظهورا ً بارزاً إلا مع ظهور هذه الحركات السياسية والجماعات والأحزاب المحدثة المبتدعة .

    قديما ًكان موجود التلفيق في المسائل الفقهية الفرعية ، لكن اليوم وجد هذا التلفيق وأخشى الله أن ، بل قد بدأت بوادره تظهر في بعض مواقع الإنترنت وبعض الكتابات وبعض الكُتاب التلفيق في المعتقد ، فيقول في هذه المسألة أنا أقبلها من السلفي في العقيدة ، وهذه المسألة أنا أقبل بها كلام ابن تيمية ، وهذه المسألة أنا أقبل كلام السبكي ، وهذه المسألة أنا أكون فيها على اعتقاد الكوثري وهذه المسألة لا مانع أن أكون عليها على اعتقاد الألباني ، وهذه المسألة أكون على اعتقاد مثلاً ابن إبراهيم المعلمي ، وهذه المسألة أكون على اعتقاد ابن غدة ، وهذه المسألة أكون على طريقة الألباني ، وهذه المسألة أكون على طريقة فلان وفلان ، ألجمها بلجم حمالة الحطب ، وهذا حاطب الليل الذي يحوش كل شيء وفيه الحيات التي تلدغه .

    المقصد بارك الله فيكم أن مثل هذا التلفيق يهدم الدين ، يؤدي إلى تغيير الشرع ، يؤدي إلى تغير الصفائح ، ما دخل النقص على الأمم الماضية ولا حرف دينها ولا بدل وغير دينها وكتابها إلا أن العالم منهم كان يزل والحبر منهم كان يضل فيسكت عنه ويترك خطأه ويتبع ، ويترك ما في اللوح ويترك عفوا ً ما في الكتاب ، ويترك ما في ميراث ذاكم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ، فإذاً بعد ذلك الذي ينشر هو الضلالة والذي تنشر الزلة ، وينطمس الحق وتذهب معالمه ، لكننا أمة مرحومة باقية فينا ولله الحمد ما وعدنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز و جل ، ببقاء الطائفة المنصورة الظاهرة إلى قيام الساعة ، لا يضرها خذلان من خذل ولا مخالفة من خالف ، لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك أو كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهكذا كلما حدثت محدثة أو وجدت بدعة أو زل عالم أو أخطأ ، أو وجدت زيغة حكيم أو زلة حكيم ، فإننا لن نعدم من فضل الله ولا عدمنا لا قديما ً ولا في هذا العصر من علمائنا الماضين وعلمائنا اللاحقين ما عدمنا ولن نعدم تحقيقاً لهذا الوعد لا حاضراً ولا مستقبلاً ،كما أيضاً لن نعدم ذلك فيمن مضى من علمائنا ربانيين ينبهون على زلات إخوانهم ويبينون أن هذه الزلة لا تتبع ، وأن هذه هفوة لا تتبع فيكون بذلك الدين محفوظاً ، ومقام ذلك العالم السني محفوظاً بعني مرعيا ً في حقه ورعايته ، أهل السنة يجمعون بين الحفظين بين حفظ الدين وصفائه أن يغير أو يبدل أو يفسد بزلة عالم أو بزلة حامل من حملة الدين ، وأن يخفض أيضاً من حق ذلك العالم السني السلفي المعتبر باجتهاده وقوله ، ورحم الله علماء السنة في الماضين واللاحقين وجعلنا وإياكم متبعين للحق .

    فالموقف الصحيح من الزلة هو ما سمعتم والحذر ، قد تتابعت كلمات الأئمة في التحذير من زلة العالم ، وعدها الفاروق أول خصلة يحصل بها هدم الإسلام ، ومن قرأ الكتابات وتابع الإصدارات يجد كثيرا ً من الضلال بسبب إتباع زلة عالم من العلماء سواءً كان هذا العالم من التابعين أو من دونه ، أو كان هذا العالم من المتأخرين أو كان هذا العالم من المعاصرين ، حتى أصحاب المدارس الانحلالية المنحلين الذين لا علاقة لهم بالدين ، سواءً سموا الليبرالية أو سموا علمانية أو شيوعية أو اشتراكية أو بعثية أو ناصرية ، إذا ضاقت بهم السبل في بعض المجتمعات فإنهم لا يبرزون أبداً رأيهم على أنه رأي لهم ، من المدرسة العلمانية أو الليبرالية أو الاشتراكية ونحو ذلك ، إنما يتجهون مباشرة يتجهون مباشرة إلى عالم سني إلى عالم من علماء الإسلام ، بل حتى لو وجدوا صحابياً معروف على سبيل المثال أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه الصحابي الجليل ذو الفضائل المشهورة والمناقب المأثورة رضي الله عنه وأرضاه ، كان له رأي فقهي في كسب الأموال خالفه الصحابة كلهم ، وردوا عليه قوله رضي الله عنه ، وبينوا أن قوله مخالف للأدلة الشرعية ، وأنه اجتهاد أخطأ فيه رضي الله عنه وأرضاه بين له الصحابة ذلك ، وذلكم الرأي أحبتي في الله أنه كان رضي الله عنه لا يرى جواز أن يدخر أو يترك الإنسان عنده أكثر من قوته ، ويرى وجوب إنفاقه ووجوب توزيعه ، وأنه رضي الله عنه وأرضاه يقول أنه إذا بقي فإنه كنز يعذب عليه صاحبه يوم القيامة ، وكان ينشر هذا القول في الحج وفي الحرم وفي المدينة حتى نهاه أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه عن ذلك .

    الشاهد بماذا جاء أصحاب الحركات الإسلامية كمحمد الغزالي وكخالد محمد خالد فعن كتاب رجال حول الرسول وغيرهم من أعلام الحركات الإسلامية ، وبعضهم كان اشتراكياً وبعضهم هو معتزلي ضال منحرف كمن سمينا ونحو ذلك ، وغير هؤلاء من الكتاب الذين دعوا إلى ما سموه زوراً اشتراكية إسلامية بنو المذهب الاشتراكي الماركسي كله على هذا الكتاب لما يزعمون ويكتمون ويظهرون للناس ، فإنهم لو لم يظهروا هذا لعرف الناس من أين يصدرون وإلى أين يريدون أن يذهبوا بالأمة وماذا يفعلون ، لكنهم أظهروا مثل هذا الخطأ واعتبروها اشتراكية أبو ذر يدعوا إلى الاشتراكية وأن أبا ذر على آخره .

    ونظم في ذلك بعض ممن مضى من الشعراء ، بل وصلوا إلى أشد من ذلك ، فوصفوا عمر بن الخطاب ، بل يقول محمد الغزالي السقط ألإخواني يقول : ( ما طبقت الاشتراكية كما ينبغي إلا في عهد عمر ) ، ويقول : ( أول الداعين إلى الاشتراكية كان أبو ذر ) ، حاشاهم رضي تعالى الله عنهم أن تنسب إليهم مذاهب السوء ومذاهب الضلال والمذاهب الردية ، هذا في مقابل من له غطط أو خطأ فقهي يتعلق برأيه رضي الله عنه وموقفه من اتخاذ الأموال الزائدة على نفقة الإنسان ونفقة عياله ، ويتركون إنكار الصحابة عليه ويتركون بيان الصحابة أن قوله خطأ وإنه اجتهد رضي الله عنه وأرضاه ، وهو مأجور على اجتهاده لكنه خطأ في مخالفة الأدلة الشرعية والسنة ونحو ذلك ، يتركون هذا كله ويتلمسون .

    وهكذا إذا وجد من التابعين من زل سواءً حمل سيفاً سواءً قال بدعة ، أو قال قولا ً مخالفاً يتركون ما كان مشهورا ًعن الصحابة وما كان مشهوراً عند التابعين وما كان مشهوراً عند التابعين وما كان مشهوراً عن هذا العالم التابعي نفسه ثم يأخذون ما زلته ، كلمة قالها في وقت غفلة قالها في وقت نسيانه للدليل ، قالها في وقت ما ، يتعلقون بتلك الزلة ، قال وما أراد ما أراده ومع ذلك تعلقوا بتشابه الألفاظ والوقائع كثيرة جداً ، فيما يتعلق في التابعين ، وهكذا كلما تأخر العصر كلما كثرت الوقائع التي تحتج بها في زلات من مضى ، أو بزلات من هو من معاصري ذلكم المحتج ، وعصرنا اليوم مليء مليء ، كتَّاب اليوم يدعون إلى كثير من الانحلال عن الدين وأحكامه أو يدعون إلى كثير من الضلالات وتجدهم يعتمدون ويستندون ويسطرون عن زلة من زل .

    حُق إذاً للفاروق وهو العالم بأمر الله ودينه ، أن يجعل هذا من هدم الإسلام ، وحُق له أن يقدمه على جدال المنافق وعلى حكم إمام الضلالة ، حُق له أن يفعل ذلك وها هو واقعنا يشهد على صدق هذه الكلمة ، وأنها كلمة عظيمة جليلة القدر من الفاروق رضي الله تعالى عنه ، وأن الواقع اليوم وقبل اليوم هو هذا الذي نشاهده من إتباع زلات العلماء والاحتجاج بها والدفع في نحور النصوص ونحور الحجج والبراهين ، والدفع في وجهها بزلة فلان أو زلة فلان .


    أكتفي إخوتي في الله حتى لا أطيل عليكم ، وأيضاً لما يوجد من بعض الارتباطات ، أنا أكتفي بهذا القدر إن شاء الله ، ولعله يكون بيني وبين إخوتي لقاء آخر أتمم فيه ما ابتدأته من باقي الخصال الثلاث التي بها يهدم الإسلام ، حتى نحَذَرها ونحذر من يسمع منا تحذيرنا ونتقيها ، وهي جدال المنافق وحكم الأئمة المضلين وتعظيم أو توقير صاحب البدعة .

    أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من الذين علموا الحق وعملوا به ، والذين بصَّرَهم بالباطل فحذروه وحذروا أهله ، وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا و إياكم العلم النافع والعمل الصالح ، وأن يجعلنا وإياكم من المتبعين الصادقين لمنهج السلف الصالح ولكتاب الله وسنة رسوله ، وبما أجمع عليه أهل القرون الأولى المفضلة ولما ساروا عليه في عقيدتهم وساروا عليه في فقههم وساروا عليه في عبادتهم وساروا عليه في دعوتهم وساروا عليه في زهدهم ، أسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلني وإياكم إخوتي في الله ممن سار على هدي القرون في ذلك كله في كل أبواب الدين ، في زهدهم وعبادتهم ودعوتهم وعلمهم وفقههم وعقيدتهم ومنهجهم ، أسأل الله الكريم أن يمن علينا وعليكم بذلك وأن يحفظنا وإياكم من مضلات الفتن ، اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء ، اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء ، اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء ، إنك كريم قريب مجيب سميع الدعاء ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه وسلم ، وأخيراً أقول جزاكم الله خيراً .

    نشكر لأخينا الشيخ عادل بن منصور ما قدم وأفاد ، ونسأل الله عز وجل أن يجعله في موازين حسناته يوم القيامة .

    الأخ السائل يقول : شيخنا الفاضل من الذي يحكم بكون هذا الذي وقع من العالم زلة أم لا ؟ وكيف لنا أن نعرف أنها زلة ؟ .

    الجواب : قد سبق شيء من الجواب عليها في قول معاذ لما سئل كيف لنا أن نعرف زلة الحكيم ، قال : ( أن تقول كيف هذه ؟ )

    ، إن للحق شواهد وإن لله في قلب كل مؤمن واعظ ، لله في قلب كل مؤمن واعظ ، كما دل عليه حديث النواس بن سمعان ( ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً ) ، والعلماء كما قد أيضاً تقدم قولي أنه لا توجد زلة أو هفوة أو توجد بدعة ، إلا ويقيض الله كم تقدم النقل عن ابن القيم رحمه الله وغيره ، إلا قيض الله من علماء السنة من يبين أن هذه زلة ، ويبين وجه كونها زلة ويبين انحرافها عن الدليل ، أن يخالف هذا القول وهذا الفعل كتاب الله أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما هو معروف عن الصحابة ، وما هو معروف عن التابعين ، إذا كانت الزلات ممن تقدم فلا أظن يخفى على طالب علم سني لو احتج عليه رجل قال قد خرج فلان على بني أمية أو خرج فلان على بني العباس ، إن من السهل على المريد للحق أن يقول قد صح من وجوه كثيرة متواترة متضافرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسمع والطاعة ، وأمر بالصبر على جور الأئمة ، ونهى وحرم وزجر وتوعد على الخروج على ولاة أمور المسلمين وإن غيروا ، وإن حصل منهم ما حصل ما لم يظهر الكفر البواح الذي فيه عندنا من الله برهان وما حصل ، هذا زلة فتظهر الزلة عليها علامات أن تقول كيف صدر هذا كيف وقع هذا ، وأن يكون مخالفاً لكتاب الله مخالفاً لشرع رسول الله مخالفاً لأقوال الصحابة مخالفاً لأقوال التابعين ، ولم يعدم مريد الحق والله ، والله مريد الحق لن يعدم أن يجعل الله ظلمة على الزلة تعرف بها ، ولن يعدم مريد الحق إن شاء الله تعالى ، أيضاً لن يعدم أن يوجد من علماء السنة أو من طلبة العلم ، لأنه قد ينبه المفضول على زلة الفاضل ، ويقيم على زلته برهاناً هو دليله .

    كما تقدم معنا في كلمة إسحاق أن ذلك لا ينقص منه إذا ننبه على زلة من هو أفضل منه ، فإذا كان التابعي قد بينه بالدليل السني على زلة الصحابي والصحابي أفضل منه ، وإذا كان من هو في العصور المتأخرة قد ينبه على فتوى زل فيها تابعي أو تابع تابعي ، أو من هو من الأئمة ، فهو دونهم في الفضل والعلم والقدر والجلالة ولا شك في ذلك ، بل يا أخي لا يزال المتقدمون أفضل ممن تأخر ، ولا يزال المتأخرون هم المتصدون للتنبيه على زلات من تقدم ، فلا يشترط أن يكون مثله في العلم ومثله في الجلالة ومثله القدر ، هذا غير صحيح ، وهذا الشرط إنما أحدثه بعض الناس تعجيزاً ورداً لقبول كلام علماء السنة .

    الآن أقول لك لو زل شيخ الإسلام في مسألة ، فتعقبه الإمام ابن باز وبين بالأدلة أن هذه زلة ، هل ابن باز يصل إلى درجة ابن تيمية ؟ لا ، بعد أن أقام البرهان على أنها زلة قبلناها ، وهكذا ابن تيمية إذا نبه على فتوى زل فيها صحابي أو زل تابعي أو تابع تابعي أخطأ فيها ، وهي مخالفة للدليل بالسنة واضح ، ولم يبلغ الحديث إلى ذلك الصحابي ، ولم يبلغ الحديث إلى ذلك التابعي ، ولم يبلغ الحديث لذلك الإمام ، لا إمام في العراق ولا إمام في الشام ، أو كان في اليمن أو كان في مصر ، أو كان من أئمة خراسان أو كان من أئمة الحجاز ، وما بلغه الحديث وأفتى بخلافه فهذه زلة ، فهل أنا أو أنت أو أئمة السنة المتأخرين يصلون إلى درجة ذلك الإمام في الفضل والجلالة والقدر والقرب من عهد الصحابة أو اللقي لهم ، حتى نخطئهم ، نقول نحن خطأناهم بالسنة ، وميزنا زلتهم بالسنة .

    هذه هي الزلة ، ما يكون الكلام في الزلة هوى ، لا معروفة أن الزلة تظهر عليها العلامات ، تظهر عليها الأمارات المخالفة للدليل ، هذه زلة واضحة ، فهو تقدم من خلال كلامي سواءً من سؤال معاذ ، قوم نقل عن ابن القيم وغيره تقدم .

    إن شاء الله الجواب عن سؤال أخينا حفظنا الله وإياه من كل سوء ، ولكن إن شاء الله أعدته ولكن لعل في الإعادة إفادة .

    تم بحمد الله
    قام بتفريغها : أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
    الثلاثاء الموافق الخامس عشر من شهر ربيع ثاني لعام إحدى وثلاثين وأربعمائة وألف
    التعديل الأخير تم بواسطة علي بن إبراهيم جحاف; الساعة 02-05-2010, 10:33 AM.

  • #2
    ( بهذا يهدم الإسلام ؟ )لفضيلة شيخنا / أبي العباس عادل بن منصور (2)

    ( بهذا يهدم الإسلام ؟ ) (2)

    للشيخ / أبي العباس عادل بن منصور
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

    فيسرنا في هذه الليلة المباركة إن شاء الله تعالى ، ليلة الثلاثاء السابع من شهر ربيع الآخر لعام واحد وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، أن نستضيف عبر الهاتف الشيخ عادل بن منصور المكنى ( بأبي العباس ) ، في تتمة لمحاضرة سابقة له في شرح أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( بهذا يهدم الإسلام ) ، نسأل الله عز وجل أن يجزي الشيخ خير الجزاء وأن يبارك في علمه وعمله ، فليتفضل الشيخ مشكوراً مأجورا .

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    إن الحمد لله نحمده تعالى ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه و على آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين .

    أما بعد :

    فاستكمالاً لما تقدم أوسبق الحديث فيه في اللقاء الماضي ، حول أثر الفاروق أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين ، الذي رواه عنه الإمام الدارمي وغيره ( يهدم الإسلام زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن وحكم الأئمة المضلون ) .

    وسبق أيها الأخوة شيء من المذاكرة حول الأمر الأول وهو زلة العالم ، وقد تقدم الحديث عنها بما أرجوا أن ينفعني الله سبحانه وتعالى وسامعيه .

    وإضافة على ما تقدم فيما يتعلق بزلة العالم أحب أن ألحق نقلين الأول لشيخ الإسلام ابن تيمية وما أكثر كلامه في هذا ، إذ يقول في مجموع فتاويه رحمه الله : ( وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء ) ، والثاني ما أخرجه الخلال رحمه الله في كتابه الأمر بالمعروف عن سليمان التيمي رحمه الله تعالى وغفر له قال : ( لو أخذت برخصة كل عالم أو زلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله ) .

    وفي هذه الجلسة من المذاكرة معكم عبر الهاتف ، أتطرق إلى الخصلتين المتبقيتين من كلام عمر وبعض شواهدهما ، من القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أي ما يشهد بصحة هذه المقولة العظيمة .

    وكذلك إلحاق به ما ذكره جمع من السلف منهم يوسف بن أسباط كما رواه اللالكائي والفضيل بن عياض كما رواه كذلك ابن نعيم بسند صحيح عنه قوله : ( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ) ، نسأل الله الإعانة على إكمال الكلام حول هذه الثلاث الخصال المتبقية بما ييسره ويفتح به جل وعلا ويوفق إليه ، فهو المعين ونعم المولى ونعم النصير سبحانه وتعالى .

    الخصلة الثانية التي ذكرها عمر رضي الله تعالى عنه ، ( جدال المنافق بالقرآن ) ، والمنافق والنفاق كثير الحديث عنه في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم تحذيراً منه ومن شره ، وذكراً لصفات أهله ووخيم عاقبتهم في الدنيا والآخرة وأمراً بجهادهم بالحجة والبيان ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) ( 73 التوبة ) .

    وإذا كان في أوائل سورة البقرة فإن الله جل وعلا ذكر في أوائلها أربع آيات في صفات أهل الإيمان وخصالهم ، وذكر آيتين في صفات الكفار وخصالهم والحديث عنهم ، وذكر ما تبقى من الآيات في صفات المنافقين ، وذكر ما تبقى من الآيات سبحانه وتعالى في صفات المنافقين ، وذلك لعظيم شرهم وعظيم خطرهم في داخل صفوف هذه الأمة ، وهكذا سور كثيرة منها سورة المنافقون وكذلك سورة براءة التي كانت تسمى الفاضحة ، لكثير من خبايا ونوايا وخطط وأساليب وصفات وتلونات وألاعيب المنافقين في صف هذه الأمة ، وسعيهم في إنهاكها وإضعافها وفي زحزحتها عن دينها واتخاذهم في ذلك أساليب مختلفة ، فكان خطرهم وضررهم عظيم لأنهم يتلبسون بالإسلام وبأحكام أهل الإسلام ، فيحتاجون إلى جهاد عظيم في الحجة والبيان ، في فضح أساليبهم وتحريفهم لكتاب رب العالمين ومجادلتهم بالقرآن الكريم .

    وقد جاءت النصوص الكثيرة في سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، بالتحذير من النفاق وأهله وكذلك في بيان شرهم ، وهذه خلاصة ذكرها الفاروق لفهمه في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو فهم عظيم جليل أوتيه رضي الله عنه فهو المحدث الملهم .

    أن المنافقين جدالهم بالقرآن مما يهدم الإسلام ، لأن كثيرين من العامة ومن ضحيلي العلم والتحصيل ومن دهماء المسلمين تنطلي عليهم شبه المنافقين ، وتنطلي عليهم محاججتهم بمتشابه القرآن وهم أصحاب فتنة وأهل أهواء ، وربنا جل و علا يقول : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) ( 7 آل عمران ) .

    والنفاق كم هو متقرر عند أهل السنة مخالفين بذلك أهل البدع ، النفاق نفاقان : نفاق أكبر اعتقادي مخرج من الملة ، أهله الذين قال الله فيهم حاكماً عليهم يوم القيامة : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) ( 140 النساء ) ، وأن القسم الثاني نفاق عملي أصغر لا يخرج صاحبه من الملة ، وإن كان يلحقه بالوعيد الشديد ويضعه تحت التهديد واستحقاق العذاب ، وهذا الذي ورد فيه صفات كثيرة من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة واحدة كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ) ، هذا حديث عبد الله عمر في الصحيح ، وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : ( ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصا ) ، أو ( ثلاث من علامات النفاق ) ، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أيضاً في البخاري وغيره ،وكثير هي الأحاديث يذكر فيها وينص فيها على أن هذا من صفات المنافقين ، وهذا من أعمال المنافقين وغير ذلك من الأمور .

    والنفاق العملي لا يوجب خروجاً من الإسلام ، وأكثر ما يوجد في صفوف أهل الأهواء والبدع ، بل إن كثيراً من أهل العلم نزلوا في حديث جدال المنافق بالقرآن على أهل الأهواء والبدع ومجادلتهم بالقرآن الكريم ، كما قال الفاروق : ( إن أهل الأهواء يجادلونكم بالقرآن فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب الحديث والسنن أعلم بكتاب الله جل وعلا وإن القرآن الكريم حمال وجوه ) أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه .

    ولهذا فقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخاف على أمته ، خاف على أمته من منافق يكون عليم اللسان كما جاء ذلك من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكذلك من حديث عمران بن حصين عند الطبراني والبيهقي في الشعب ، ومن حديث عمر بن الخطاب وقد صححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى في الصحيحة برقم ألف وثلاثة عشر ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( إن أخوف) كذلك عندما خطب عمر رضي الله تعالى عنه في الجابيَّة ، قال يعني وقفت هذا الموقف وقد وقفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه ثم ذكر : ( وإن أخوف ما أخاف على أمتي ) أخوف ما أخاف على أمتي ( كل منافق عليم اللسان ) كل منافق عليم اللسان .

    وقال المباركفوري رحمه الله في المرقاة من مفاتيح شرح المشكاة في شرح حديث عمر ( يهدم الإسلام ثلاثة ) قال: ( يهدم الإسلام أي يزيل عزته ، زلة عالم أي عثرته أي بتقصير منه ، وجدال المنافق الذي يظهر السنة ويبطن البدعة بالقرآن )، وإنما خص أي القرآن ( لأن الجدال به أقبح وهو يؤدي إلى الكفر وذلك لإفساده الدين ) .

    وقال الطيبي : ( المراد بهدم الإسلام تعطيل أركانه ، وتعطيله إنما يحصل من زلة العالم ) إلى أن قال : ( وتعطيله إنما يحصل بزلة العالم ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإتباع الهوى ، ومن جدال المبتدعة وغلوهم بإقامة البدع بالتمسك بتأويلاتهم الزائفة ، ومن ظهور ظلم الأئمة المضلين ، وإنما قدمت زلة العالم لأنها هي السبب في الخصلتين الأخيرتين ) .

    فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد خاف على أمته منافق عليم اللسان ، المنافق عليم اللسان كما قال المناوي في الفيض : ( أي عالم للعلم منطلق اللسان به لكنه جاهل القلب والعمل فاسد العقيدة ، يغر الناس بشقشقة لسانه فيقع بسبب إتباعه خلق كثير في الزلل ) .

    فمن أول ما يدخل في ما يخشى من جدال المنافق بالقرآن جدال أهل البدع وبثهم الشبه والضلالات ، وكذلك جدال المتسترين بالإسلام وهم يحملون أفكاراً تخالف وتناقض أصول الإسلام ، ويجبنون عن إظهار الكفر الأكبر والنفاق الأكبر فيتترسون ببث الشبه في أوساط المسلمين .

    واليوم قد قامت سوق هذه الثلاث الخصال وراجت ، من إتباع زلات العلماء ومن جدال المنافقين بالقرآن الكريم فلا يرجعون إلى السنة ، ومن جادل من أهل الأهواء بالسنة إتباعاً لشبهاته فلا يرجع إلى الميزان الصحيح الذي به يوزن الاستقلال من القرآن والسنة ، وذلكم الميزان هو فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

    فأهل الأهواء والبدع لهم شبهات في باب توحيد العبادة ، توحيد القصد والطلب توحيد الإلهية ، شبهات نقليه وشبهات عقلية نظرية ، ولهم في باب الأسماء والصفات شبهات ، ولهم في باب الحكم بالشريعة شبهات ، ولهم في باب إتباع الدليل وترك التقليد شبهات ، ولهم في كل ما يذهبون إليه مخالفين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومنهج الصحابة الكرام لهم شبهات في ذلك .

    ولقد قام أئمة السنة قديماً بالوقوف أمام هذه الشبهات وأمام جدال المجادلين بالقرآن والمتأولين فيه بغير تأويله ، وبغير ما أراد الله وأراد رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديثه ، وقفوا وقفة عظيمة وردوا شبهات أهل الباطل .

    وهكذا نجد إلى أئمة الدعوة رحمهم الله وقفوا في رد شبهات أهل الباطل شبهاتهم النقلية والعقلية بمصنفات كثيرة ، إلى أئمة السنة وأعلامها في هذا العصر ، وإن كان الواحد يشاهد جزراً وانكماشاً في باب رد الباطل وتأويلات أهل الباطل ، ومجادلة أهل النفاق العملي بالقرآن الكريم وتلبيسهم وإلباسهم باطلهم لباس أهل الحق ، وتعمية الحق على دهماء الناس وأنصاف المتعلمين والمثقفين من الرجال والنساء .

    فاليوم نلاحظ أن الجهد المبذول لا يرقى إلى كثرة الشبه وكثرة أهل الباطل ، ومع قلة الجهد المبذول فإن هذا الجهد لم يترك يسري في الناس ويصل نوره ليقشع تلك الظلمات ، ظلمات أهل الباطل والمجادلين بغير حق ، بل وقف بعض الناس في وجه هذه الردود ، فتارة ينفرون عنها بأنها تُقَسّْي القلوب ، وتارة بأنها تفرق الأمة ، وتارة بأنها تصد عن العلم ، ولا أدري متى كانت ردود أهل السنة خالية من العلم ؟ ، ومتى كانت تسترق ؟ ، والعلم بل إنها والعلم سدى ، ردود أهل السنة سداها ولحمتها العلم قائمة عليه منطلقة منه مستضيئة بنوره محتجة ببرهانه ، فلذلك قمع الله بها أهل البدع .

    لكن للأسف اليوم يشاهد أن هذا الباب على قلة ما يكتب فيه من نوادر علمائنا ، الذين جاهدوا من أمر الله بجهادهم من أهل التحريف لكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالقلم والبيان والكتاب ، ما ترك هذه الجهود على قلتها ، لم تترك تنتشر في الناس إلا قليلا ووقف أمامها وصد أمامها من كثير من المسلمين ، إما جهلاً وإما نصرة للبدع وأهلها أو تقليداً لمن نصر البدعة وأهلها .

    إذاً السلف وقفوا أمام هذه التحريفات والتأويلات ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، حتى ندرك تماماً ونفهم أنه يدخل في جدال المنافق شبه أهل البدع والأهواء وأنها تهدم الإسلام ، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر في الحديث ، وورد عن جمع من الصحابة عن عبد الله بن عمر وعقبة بن عامر وعبد الله بن عباس وعصمة بن مالك ، وصححه الألباني رحمه الله بطرقه في الصحيحة برقم خمسين وسبعمائة ، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( أكثر منافقي أمتي قُراءها ) ، القُراء الذين يحملون القرآن ويقرؤون القرآن ويُقْرِئونه ، فذكر أنهم أكثر منافقي هذه الأمة ، لأنهم يقولون ما لا يفعلون ، ولأنهم يفعلون ما لا يؤمرون ، وعلى هذا عدَّ جمع من أهل العلم كثير من أهل البدع كالخوارج ، بل إن من أئمة العلم من ألف في فضائل القرآن ، كالإمام الفريابي جعفر بن محمد وفي خاتمة كتابه ذكر باباً في التحذير من الخوارج ، وأنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، والتحذير من صفاتهم وذكر صفاتهم تحذيراً منهم ، وهكذا صنع الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه فضائل القرآن ، عقد فصولاً مهمة ، أنصح إخواني طلبة العلم السلفيين أن يعنوا بهذا الكتاب ، وذكر الذين يتأكَّلون بالقرآن وذكر الخوارج وذكر الذين يستغلون القرآن كأنما يحكي واقع كثير من هذه الجماعات الموجودة اليوم .

    فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر أن أكثر منافقي أمته في قُرّْاءها ، ويذكر أنه يخاف على أمته كل منافق عليم اللسان ، وذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث عقبة بن عامر في مسند أحمد وحسنه الألباني وغيره ، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( هلاك أمتي في الكتاب واللبن ) قالوا : ما الكتاب يا رسول الله وما اللبن ؟ قال : ( أما الكتاب فقوم يقرؤون القرآن يتأولونه على غير ما أراد الله عز وجل ، وأما اللبن فقوم يبدون ويتركون الجمع والجماعات بحثاً عن اللبن ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام .

    وكما عرف عنه وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ( إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلنا على تنزيله ) ، فهذه طوائف مسلمة من أهل الإسلام تتأول كتاب الله عز وجل على غير ما أراد الله ابتغاءً للفتنة ، وتحريفاً للحق وإيقاعاً للناس في اللبس وفي الباطل ، فيحتاجون إلى من يتصدى لشبهاتهم ومن يكشف عوارهم ومن يرد عليهم باطلهم ، وإن هذا الثغر العظيم يشكوا اليوم من قلة الواقفين والمرابطين في هذا الثغر ، إننا نلاحظ قلة وندرة في الواقفين والمرابطين في ثغر الذب عن القرآن الكريم وعن السنة النبوية من حيث التحريف لدلالتهما .( إن منكم من يقاتل على تأويله ) أي على تفسيره وبيان معانيه ، ( كما قاتلنا على تنزيله ) أي كما قاتل المشركين الذين كانوا لا يقرون بتنزيل القرآن من رب العالمين سبحانه وتعالى .

    فهذه أحاديث وغيرها مما لم يحضرني كثير في بيان خطر النفاق ، وخطر القُرَّاء الذين يقرؤون القرآن ويتأولونه على غير مراد الله عز وجل ، وأن بهم يهدم الإسلام ، وأن بهم هلاك الأمة ، وأن بهم يتربص الأعداء ويتمكن الأعداء مما لا يقدرون على التمكن منه ، لولا وجود هؤلاء الذين يتأولون القرآن على غير ما أراد الله تبارك وتعالى وتقدس بكلامه جل و علا .

    فهذا الذي يجادل بالقرآن من المنافقين ويلبس على الناس أمر دينهم هذا مما يهدم الإسلام ، الواجب أن نحذر مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن قوله : ( إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ) يجعلنا نخاف مما خاف منه النبي صلى الله عليه وسلم ، ويجعلنا نتلمس صفات هؤلاء ، ونعد العدة العلمية الراسخة الثابتة المستقاة من المصادر العلمية السنية السلفية الأصيلة ، نعد العدة لردع هؤلاء الذين يُلَبِّسون على الناس أمر الدين .

    اليوم كثير من دعاة الباطل القبورية يحتجون ببعض المتشابه من القرآن ، وأهل الباطل والمحاربين للأحكام الشرعية والدعاة لإنهاك أو لانتهاك الأعراض ، والدعوة إلى الاختلاط المخل الذي يترتب عليه آثاره العظيمة السيئة المدمرة ، كل هذا يتلمسون من هنا ومن هنا ، فيحتاجون إلى وقفة جادة من أتباع السنة وحملتها ، يكشفون بها ظلمات هذه المجادلات المبنية على إتباع المتشابه ، وترك المحكم الواضح البيِّن من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم .

    أما الخصلة الثالثة فهي قوله رضوان الله تعالى عليه : ( وحكم الأئمة المضلين ) أو قال : ( وأئمة مضلون ) ، وعمر رضي الله عنه لما قال : ( أئمة مضلون ) أنهم ممن يهدم بهم الإسلام ، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم قد خاف على أمته ذلك ، ففي حديث عمر رضي الله عنه وأرضاه وأصله في مسلم وزاد البرقاني رحمه الله في صحيحه من حديث ثوبان في مستخرجه ، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأول الحديث : ( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ) إلى أن قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( وإن ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة ، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي المشركين ، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان ) ، الحديث .

    قال العلامة الشيخ عبد الرحمن ابن حسن رحمه الله تعالى في كتابه فتح المجيد ، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( وإن ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ، أتى بإنما التي قد تأتي للحصر بياناً لشدة خوفه على أمته من أئمة الضلال ، وما وقع في خلد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك إلا لما أطلعه من غيبه أنه سيقع نظير ما في الحديث قبله من قوله : ( ستتبعون سنن من كان قبلكم ) ثم قال : وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ) ، وعن ثوبان أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ) رواه الدارمي .

    قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى ، في قوله : ( إن ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ) ، ( أي الأمراء والعلماء والعباد ) ، هذه ثلاثة أصناف خافهم النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من بعده ، علماء السوء والسلاطين المفسدون ، العباد المفسدون يغيرون بالعبادة ، والعلماء المفسدون يغيرون بالعقيدة ، والسلاطين المفسدون الأحكام ، هؤلاء الثلاثة خافهم النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم أخطر على المسلمين من الحروب المدمرة لأن الحروب تقل الأبدان ، وهذه الأصناف الثلاثة تقتل الدين ، العباد هؤلاء أحدثوا لأنفسهم عبادات لم تكن موجودة في الكتاب ولا في السنة ،كالطرقية الصوفية المتنسكة الذين أحدثوا عبادات وأوراد وصلوات لم تثبت لم ترد لا في كتاب الله ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا فعلها الصحابة رضي الله عنهم .

    وكما هو معلوم أن العبادة توقيف ، قال جل وعلا : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) ( 12 الشورى ) والقسم الثاني علماء السوء الذين يفسدون عقائد الناس ، كم أفسدوا علماء السنة بعلماء المعتزلة والأشاعرة والماتريدية ، كم أفسدوا علماء السوء من عقائد الناس ، كم أفسد علماء السوء من (**) ودعوا الناس ولبسوا عليهم ووقفوا في وجوه أهل التوحيد وبطنوا لهم الشرك الأكبر بل (***) ، وأضلوا الناس في باب البدع أمام الطائفية والقولية والعملية ، هؤلاء العلماء الأئمة المضلون من علماء أو أمراء خالفوا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو عباد .

    تأمل ما جره على الأمة صنيع المأمون العباسي لما ترجم كتب اليونان وكتب الفلسفة والمنطق ، وزاحم بهذه الكتب أهل الإسلام وكانوا في عافية ، وتأثر بكتبه المعتزلة واقتنع بعقيدتهم خلق القرآن ثم امتحن الأمة والأئمة ، وسوم على الإسلام وأهله من البلاء ومن الشر ، وعذب أئمة الإسلام ومحدثيه وفقهائه ، وحصل من فتنته ومحنته ما يندى له جبين أهل الحق ، صار له آثاره السيئة المدمرة إلى اليوم ، فجنى على الإسلام جناية عظيمة ، حتى قال بعض الأئمة وأظنه شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ما أظن أن ينجوا المأمون مما صنعه بهذه الأمة ) .

    فانظر إلى هذه الآثار الموجودة اليوم كم دمرت من عقائد ، وكم سببت في انكماش كثير من الناس عن نور الإسلام الصافي النقي وإقبالهم على ظلمات الشرك والبدع والخرافات ، وكم كانت هذه الكتب سبباً في تهيئة الناس لإنزال تلك العقوبات من سيطرات التتار والمغول ، وسقوط الدول الإسلامية في المشرق والمغرب .

    فكتب علم الكلام وكتب البدعة ما دخلت بلداً إلا كانت سبباً في تمزيق أهلها وتسليط أعداءها عليها ، والتأريخ شاهد بذلك ، فلما تدخل كتب السحر وكتب البدعة وعلم الكلام وكتب الرفض وتنتشر في أوساط الناس ، يتسلط الكفار هذه حوادث التأريخ شاهدة بذلك ناطقة بصحة هذا الأمر ، كما قرره جمع من الأئمة من شيخ الإسلام رحمه الله في المجموع وغيره من أهل العلم .

    فهذه الأصناف الثلاثة : عالم إذا زل والعلماء الضلالة علماء السوء وفسقة العلماء بهم يفسد الدين ، الأئمة المضلون العلماء السوء والسلاطين والعباد .

    ومما يدخلونه بالنسبة للعباد أو علماء السوء ، أنهم كما تقدم يفسدون على الناس عقائدهم وعباداتهم ، وحكام السوء الذين يخالفون كتاب الله وسنة رسوله يفسدون على الناس أحكامهم ، ربما تبنوا البدعة ونشروها فيكونون أئمة ضلالة كما حصل من المأمون ومن ورثه في الامتحان الأمة على بدعته التي أغراه بها أستاذه من المعتزلة كأحمد ابن أبي دؤاد وغيره .

    والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الآخر الذي رواه الحاكم وغيره روي موقفاً ومرفوعاً من حديث عبد الله بن عمر وموقوف عن ابن عباس وحسنه الألباني رحمه الله تعالى في الصحيحة ( يا معشر المهاجرين خمس أعيذكم بالله أن تدركوهن ) ثم قال : ( وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) ، وإذا جعل الله بأس أهل الإسلام بينهم ، فإن هذا يؤدي إلى انصرافهم عن تعلم الإسلام و عن تعليمه وعن العمل به والدعوة إليه ، ويكون سبباً في ظهور البدع والضلالات وفي غياب السنة وذلك بعينه هدم الإسلام ، كما سيأتي .

    ولكن تأمل مع كونه صلى الله عليه وسلم أخبر أنهم يحكمون بغير ما أنزل الله إلا أنه قال أئمة ، ما زالوا أئمة للمسلمين ، قال : ( وما لم تحكم أئمتهم ) وقال بالحديث الآخر : ( خيار أئمتكم ) وقال : ( وشرار أئمتكم ) ، فمهما فإن أحدثوا أو غيروا ما لم يكن أو ما لم يصل إحداثهم أو تغيرهم إلى الكفر الأكبر المخرج من الملة ، فهم لا يزالون أئمة للمسلمين وإن كانوا أئمة جور ، فلا يجوز الخروج عليهم ولا التنظيمات السرية ولا الانقلابات ولا التهيج عليهم ، ولكن يجب رد الباطل الذي يخالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم و أرضاهم .

    كما فعل أئمة الإسلام قديماً ، فهم جمعوا بين ما دلت عليه أصول السنة من السمع والطاعة وعدم الخروج ما لم تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ، فأما في الصحيحين حديث عبادة بن الصامت وبين بيان الحق للخلق وبيان مقتضى كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
    هذه الثلاثة ( أئمة مضلون ) الوارد في حديث عمر ، وأيضا ً من الأبيات المنسوبة لعبد الله بن المبارك :


    وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها

    وقال بعضهم


    فساد كبير عالم متهتك وأكبر منهم جاهل يتنسك



    هما فتنة للعالمين عظيمة لمن بهما في دينه يتمسك


    فالعلماء والعباد إذا فسدوا ، لذا كان سفيان بن عيينة يقول : ( كان يقال من فسد من علماءنا ففيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى ) ، وقال بعض من تقدم : ( صنفان إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء ) .

    نسأل الله جل وعلا أن يصلح ولاة أمر المسلمين أمراءهم وعلماءهم ، وأن يوفق الجميع للحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله وسلم ، وإتباع هدي الكتاب والسنة وإيثار الكتاب والسنة على كل رأي وكل فكرة وكل بدعة وكل سياسة وكل ذوق ، وأن يرزقنا وإياكم وإياهم تعظيم الكتاب والسنة وتقديمهما على كل ما يحدثه الناس وما يقررونه وما يرونه وما يفكرونه ، وأن يجعل إتباعنا صادقاً وأعمانا خالصة لوجهه سبحانه وتعالى .

    وهذا اختصار في الحقيقة وإلا فالموضوع فيما يتعلق بأثر عمر والتنبيه كيف يدخل النقص وكيف يدخل الهدم للإسلام كثير ، ولكن اختصاراً للوقت ، بارك الله في الجميع .

    كذلك من ما أحب أن أختم به وهي كلمة الفضيل بن عياض وغيره وقد رويت كما قلت لكم سابقاً رويت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث معاذ ولا تصح مرفوعة والصواب صحته عن جمع من الأئمة رحمهم الله ، منهم يوسف بن أسباط والفضيل بن عياض و غيرهم ، ( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ) والحقيقة أننا ما شهدنا في تأريخ الأمة الماضي ، عبر أربعة عشر قرناً ونحن في بداية الخامس عشر هجري ، ما شهدنا توقير أهل البدع يرفع عقيرته و تروج سوقه كما شهدناها في هذا الزمن ، الذي وجدت فيه الجماعات السياسية الإسلامية الحزبية الحركية ، وكان من أعظم وسائلها للوصول إلى أهدافها كالحكم ، أن سلكت مسلك الجمع لا مسلك الشرع ، وأكثر الناس من قرون وهم على بدع وضلالات ، ويتبعون طرائق مبتدعة منظمة سواءً كانوا في عقائد كلامية كالأشاعرة والماتريدية ، أو عقائد جمعت بين الكلامي والسلوكي المهلك الضال كالطرق الصوفية التي تملأ العالم الإسلامي ، أو كانت مللً مستقلة كالرفض ، أو غير ذلك مما تعج به الساحة من الضلال الذي أثقل كاهل هذه الأمة ولا يزال جاثماً على صدرها ، أراح الله الأمة من شر هذه البدع وطرائقها ودعاتها .

    فلما قامت هذه الجماعات هي روجت لسوق توقير أهل البدعة حتى تضمن العدد ، وحتى تجمع أكبر قدر ممكن لتصل إلى أهدافها ، فسلكوا كما قلت مسلك الجمع لا مسلك الشرع ، الذي يقتضي بالحكم ببطلان الباطل وإحقاق الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( والأمر بالسنة والنهي عن البدعة (**) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ).

    بل إن إنكار ما يخالف السنة هو سبب تحديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه بحديث : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) ، لما قدم الأمير مروان أمير المدينة آنذاك ، قدم الخطبة على الصلاة في يوم العيد فأنكر عليه رجل وقال : ( خالفت السنة )، قال أبو سعيد : ( أما هذا فقد أدى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ) ثم ذكر الحديث .

    فإنكار البدع والضلالات هو أول ما يدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأما الجماعات السياسية المعاصرة لأهداف معروفة فحصرت فكرياً وعملياً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجانب الأخلاقي فحسب ، بل وفي بعض الجوانب الأخلاقية لا كل الجوانب الأخلاقية ، وهذا القسط يحتاج إلى وقت آخر إن شاء الله ، وقد وصف في بعض المواضع وبعض المحاضرات .

    فإذاً في هذا الزمن اشتد هذا الشر وهو توقير أهل البدعة ، فإن سألت أيها الأخ الحريص على نجاته ، والحريص على سنته ، الصادق في سلفيته وحُق لك أن تسأل ، فقلت كيف يكون توقير صاحب البدعة هادماً للإسلام ؟ كيف يتأتى هذا ؟ يجيبك على ذلك الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام إذ قال : ( وأيضاً فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم .

    إحداهما : التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير ، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس ، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره ، فيؤدي ذلك إلى إتباعه في بدعته دون إتباع أهل السنة على سنتهم .

    والثانية : أنه إذا وقر من أجل بدعته ، صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء وعلى كل حال ، فتحيى البدع وتموت السنن وهو هدم الإسلام بعينه ) .

    وهو هدم الإسلام بعينه ، ولهذا أخذنا بعض صور لتعظيم أهل البدعة ، وهذا في حد ذاته موضوع مستقل ، إن رأينا أن الوقت اليوم لم يسعفنا ولم يكفينا ، فإننا نحتاج إلى إفراده في كلمة مستقلة ، فتشاوروا فيما بينكم نظراً للوقت الذي حدد لهذه الكلمة واستعداد الأخوة ونشاطهم ، وأيضاً نظراً لموعد آخر أن يكون الحديث حول توقير أهل البدعة وآثاره السيئة على الأمة ، وأنواع التوقير وما يعد من التوقير وما لا يعد منه ، هذا بالحقيقة موضوع مهم غاية لأن هذا الشر وهو توقير أهل البدع الذي يؤدي إلى هدم الإسلام ، ما شوهد قوة وانتشاراً ودعوة إليه وتطبيقاً ، مثل ما شوهد الآن بسبب هذه الجماعات الذين تقدم الإشارة إلى مآربهم ومقاصدهم ، فتأملوا فيما بينكم وتشاوروا ، إن رأيتم إخواني أننا نؤجل إلى وقت آخر ولقاء آخر ، وأعددنا لها ما تيسر من المادة وآثار أهل العلم فعلنا ذلك ، فهل انتهى الوقت المحدد ؟ .

    ( والله تقريبا ً يا أبا العباس ) .

    إذاً قرر أن نكتفي بهذا القدر ، وإن كتب لنا ولكم لقاء عبر الهاتف جعلناه يعني حول هذه المسألة ، ونشوف من البسط والتفصيل الذي قد نحتاج إليه والله ، أنا أرى أن الحاجة ماسة إلى مثل هذا الموضوع وكيف جر توقير أهل البدع على مدار التأريخ ، وخصوصاً في هذا الزمان ، وما أحدث من القواعد والحواجز الأمنية التي تصد أهل الحق عن رد أهل البدع وأهلها ، فأولاً يحجبونك بحاجز لا تتكلم بالبدعة وأهلها ، حافظ على حسناتك ، الرد على هؤلاء يفرق الأمة ، إذا حاكمت حكمت ، ستسأل عن كل كلمة تقولها ، كلام حق أرادوا به التخذيل ، كما قال الإمام العلامة فقيه العصر محمد بن صالح العثيمين ، يوم عرضت عليه بعض قواعد عدنان عرعور _ إذا حاكمت حوكمت ، وإذا دعوت أجرت ، وإذا سكتَّ سلمت _ ، قال مباشرة رحمه الله وهذا موجود بصوته ، قال : ( هذه قواعد تخذيل ) تخذيل ، فإذا قواك الله وتجاوزت هذا الحاجز قالوا لك : لا انقد الفكرة ودع المفكر ، وانقد البدعة وخلي الشخص ، وانقد القول واترك الذات .

    فإن أعانك الله على هذا الحاجز الشيطاني بنور الرحمن ومدد إيماني فانتقلت وإلى المرحلة المتقدمة ، قالوا إذاً اسمع يقعدون لك في كل طريق ، إن كان ولا بد ستكتب فعليك أن توازن بين الحسنات والسيئات ، وإلا عليك أن تجمل عند ذكر المثالب فتقول : عنده مخالفات ولكن فَصِّل في المناقب ، فقل قد فعل و فعل و فعل و فعل ، و إلا فاحمل مجمله على مفصله ، فإذا أعانك الله ونجوت من هذه الشبكة الخطيرة وقفزت من هذا الحاجز الأمني والدرع الخطير الذي جعلوه أهل البدع ، وتجاوزت هذا وكتبت قالوا لك : اكتفي برد واحد لا تكثر الرد وانشره على بعض طلابك فقط ولا تكثر الرد على هذا الشخص ، وتجاهلوا كم تعددت ردود الأئمة على شخص واحد وعلى فكرة واحدة وعلى فرقة واحدة .

    المهم أني أرى إن شاء الله أن هذا الموضوع لشدة الحاجة إليه ، لعله يؤجل إن شاء الله إلى لقاء قادم .

    أسأل الله جل وعلا لي ولكم التوفيق والسداد ، وأن يصلح الله لنا ولكم الظاهر والباطن ، وأسأله الكريم جل وعلا بعلاه أن يمدنا وإياكم بنصره وتأيده ، وأن يؤهلنا ويجعلنا مستحقين لنصره بأن ننصر دين الله وكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن نذب عنهم ما بقيت الأرواح في الأجساد ، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، و جزاكم الله خيراً وهذه إنما مذاكرة معكم لا أحبذ تكون يعني للنشر إنما هي مذاكرة مع إخواني الله يوفقنا وإياهم لما يحب ويرضى و يعفوا عنا وعنكم ويشملنا بستره وعفوه في الدنيا والبرزخ والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو الغفور الرحيم .

    جزا الله الشيخ عادل منصور على ما قدم وأفاد وأسأل الله عز وجل أن يجعل ما قال في موازين حسناته يوم القيامة .

    تم بحمد الله

    قام بتفريغه أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
    الأحد الموافق : 19 / ربيع ثاني / 1431 للهجرة النبوية

    تعليق


    • #3
      ( بهذا يهدم الإسلام ؟ )لفضيلة شيخنا / أبي العباس عادل بن منصور (2)

      ( بهذا يهدم الإسلام ؟ ) (2)

      لفضيلة الشيخ / أبي العباس عادل بن منصور

      بسم الله الرحمن الرحيم


      الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

      فيسرنا في هذه الليلة المباركة إن شاء الله تعالى ، ليلة الثلاثاء السابع من شهر ربيع الآخر لعام واحد وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، أن نستضيف عبر الهاتف الشيخ عادل بن منصور المكنى ( بأبي العباس ) ، في تتمة لمحاضرة سابقة له في شرح أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( بهذا يهدم الإسلام ) ، نسأل الله عز وجل أن يجزي الشيخ خير الجزاء وأن يبارك في علمه وعمله ، فليتفضل الشيخ مشكوراً مأجورا .

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      إن الحمد لله نحمده تعالى ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه و على آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين .

      أما بعد :

      فاستكمالاً لما تقدم أوسبق الحديث فيه في اللقاء الماضي ، حول أثر الفاروق أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين ، الذي رواه عنه الإمام الدارمي وغيره ( يهدم الإسلام زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن وحكم الأئمة المضلون ) .

      وسبق أيها الأخوة شيء من المذاكرة حول الأمر الأول وهو زلة العالم ، وقد تقدم الحديث عنها بما أرجوا أن ينفعني الله سبحانه وتعالى وسامعيه .

      وإضافة على ما تقدم فيما يتعلق بزلة العالم أحب أن ألحق نقلين الأول لشيخ الإسلام ابن تيمية وما أكثر كلامه في هذا ، إذ يقول في مجموع فتاويه رحمه الله : ( وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء ) ، والثاني ما أخرجه الخلال رحمه الله في كتابه الأمر بالمعروف عن سليمان التيمي رحمه الله تعالى وغفر له قال : ( لو أخذت برخصة كل عالم أو زلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله ) .

      وفي هذه الجلسة من المذاكرة معكم عبر الهاتف ، أتطرق إلى الخصلتين المتبقيتين من كلام عمر وبعض شواهدهما ، من القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أي ما يشهد بصحة هذه المقولة العظيمة .

      وكذلك إلحاق به ما ذكره جمع من السلف منهم يوسف بن أسباط كما رواه اللالكائي والفضيل بن عياض كما رواه كذلك ابن نعيم بسند صحيح عنه قوله : ( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ) ، نسأل الله الإعانة على إكمال الكلام حول هذه الثلاث الخصال المتبقية بما ييسره ويفتح به جل وعلا ويوفق إليه ، فهو المعين ونعم المولى ونعم النصير سبحانه وتعالى .

      الخصلة الثانية التي ذكرها عمر رضي الله تعالى عنه ، ( جدال المنافق بالقرآن ) ، والمنافق والنفاق كثير الحديث عنه في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم تحذيراً منه ومن شره ، وذكراً لصفات أهله ووخيم عاقبتهم في الدنيا والآخرة وأمراً بجهادهم بالحجة والبيان ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) ( 73 التوبة ) .

      وإذا كان في أوائل سورة البقرة فإن الله جل وعلا ذكر في أوائلها أربع آيات في صفات أهل الإيمان وخصالهم ، وذكر آيتين في صفات الكفار وخصالهم والحديث عنهم ، وذكر ما تبقى من الآيات في صفات المنافقين ، وذكر ما تبقى من الآيات سبحانه وتعالى في صفات المنافقين ، وذلك لعظيم شرهم وعظيم خطرهم في داخل صفوف هذه الأمة ، وهكذا سور كثيرة منها سورة المنافقون وكذلك سورة براءة التي كانت تسمى الفاضحة ، لكثير من خبايا ونوايا وخطط وأساليب وصفات وتلونات وألاعيب المنافقين في صف هذه الأمة ، وسعيهم في إنهاكها وإضعافها وفي زحزحتها عن دينها واتخاذهم في ذلك أساليب مختلفة ، فكان خطرهم وضررهم عظيم لأنهم يتلبسون بالإسلام وبأحكام أهل الإسلام ، فيحتاجون إلى جهاد عظيم في الحجة والبيان ، في فضح أساليبهم وتحريفهم لكتاب رب العالمين ومجادلتهم بالقرآن الكريم .

      وقد جاءت النصوص الكثيرة في سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، بالتحذير من النفاق وأهله وكذلك في بيان شرهم ، وهذه خلاصة ذكرها الفاروق لفهمه في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو فهم عظيم جليل أوتيه رضي الله عنه فهو المحدث الملهم .

      أن المنافقين جدالهم بالقرآن مما يهدم الإسلام ، لأن كثيرين من العامة ومن ضحيلي العلم والتحصيل ومن دهماء المسلمين تنطلي عليهم شبه المنافقين ، وتنطلي عليهم محاججتهم بمتشابه القرآن وهم أصحاب فتنة وأهل أهواء ، وربنا جل و علا يقول : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) ( 7 آل عمران ) .

      والنفاق كم هو متقرر عند أهل السنة مخالفين بذلك أهل البدع ، النفاق نفاقان : نفاق أكبر اعتقادي مخرج من الملة ، أهله الذين قال الله فيهم حاكماً عليهم يوم القيامة : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) ( 140 النساء ) ، وأن القسم الثاني نفاق عملي أصغر لا يخرج صاحبه من الملة ، وإن كان يلحقه بالوعيد الشديد ويضعه تحت التهديد واستحقاق العذاب ، وهذا الذي ورد فيه صفات كثيرة من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة واحدة كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ) ، هذا حديث عبد الله عمر في الصحيح ، وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : ( ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصا ) ، أو ( ثلاث من علامات النفاق ) ، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أيضاً في البخاري وغيره ،وكثير هي الأحاديث يذكر فيها وينص فيها على أن هذا من صفات المنافقين ، وهذا من أعمال المنافقين وغير ذلك من الأمور .

      والنفاق العملي لا يوجب خروجاً من الإسلام ، وأكثر ما يوجد في صفوف أهل الأهواء والبدع ، بل إن كثيراً من أهل العلم نزلوا في حديث جدال المنافق بالقرآن على أهل الأهواء والبدع ومجادلتهم بالقرآن الكريم ، كما قال الفاروق : ( إن أهل الأهواء يجادلونكم بالقرآن فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب الحديث والسنن أعلم بكتاب الله جل وعلا وإن القرآن الكريم حمال وجوه ) أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه .

      ولهذا فقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخاف على أمته ، خاف على أمته من منافق يكون عليم اللسان كما جاء ذلك من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكذلك من حديث عمران بن حصين عند الطبراني والبيهقي في الشعب ، ومن حديث عمر بن الخطاب وقد صححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى في الصحيحة برقم ألف وثلاثة عشر ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( إن أخوف) كذلك عندما خطب عمر رضي الله تعالى عنه في الجابيَّة ، قال يعني وقفت هذا الموقف وقد وقفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه ثم ذكر : ( وإن أخوف ما أخاف على أمتي ) أخوف ما أخاف على أمتي ( كل منافق عليم اللسان ) كل منافق عليم اللسان .

      وقال المباركفوري رحمه الله في المرقاة من مفاتيح شرح المشكاة في شرح حديث عمر ( يهدم الإسلام ثلاثة ) قال: ( يهدم الإسلام أي يزيل عزته ، زلة عالم أي عثرته أي بتقصير منه ، وجدال المنافق الذي يظهر السنة ويبطن البدعة بالقرآن )، وإنما خص أي القرآن ( لأن الجدال به أقبح وهو يؤدي إلى الكفر وذلك لإفساده الدين ) .

      وقال الطيبي : ( المراد بهدم الإسلام تعطيل أركانه ، وتعطيله إنما يحصل من زلة العالم ) إلى أن قال : ( وتعطيله إنما يحصل بزلة العالم ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإتباع الهوى ، ومن جدال المبتدعة وغلوهم بإقامة البدع بالتمسك بتأويلاتهم الزائفة ، ومن ظهور ظلم الأئمة المضلين ، وإنما قدمت زلة العالم لأنها هي السبب في الخصلتين الأخيرتين ) .

      فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد خاف على أمته منافق عليم اللسان ، المنافق عليم اللسان كما قال المناوي في الفيض : ( أي عالم للعلم منطلق اللسان به لكنه جاهل القلب والعمل فاسد العقيدة ، يغر الناس بشقشقة لسانه فيقع بسبب إتباعه خلق كثير في الزلل ) .

      فمن أول ما يدخل في ما يخشى من جدال المنافق بالقرآن جدال أهل البدع وبثهم الشبه والضلالات ، وكذلك جدال المتسترين بالإسلام وهم يحملون أفكاراً تخالف وتناقض أصول الإسلام ، ويجبنون عن إظهار الكفر الأكبر والنفاق الأكبر فيتترسون ببث الشبه في أوساط المسلمين .

      واليوم قد قامت سوق هذه الثلاث الخصال وراجت ، من إتباع زلات العلماء ومن جدال المنافقين بالقرآن الكريم فلا يرجعون إلى السنة ، ومن جادل من أهل الأهواء بالسنة إتباعاً لشبهاته فلا يرجع إلى الميزان الصحيح الذي به يوزن الاستقلال من القرآن والسنة ، وذلكم الميزان هو فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

      فأهل الأهواء والبدع لهم شبهات في باب توحيد العبادة ، توحيد القصد والطلب توحيد الإلهية ، شبهات نقليه وشبهات عقلية نظرية ، ولهم في باب الأسماء والصفات شبهات ، ولهم في باب الحكم بالشريعة شبهات ، ولهم في باب إتباع الدليل وترك التقليد شبهات ، ولهم في كل ما يذهبون إليه مخالفين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومنهج الصحابة الكرام لهم شبهات في ذلك .

      ولقد قام أئمة السنة قديماً بالوقوف أمام هذه الشبهات وأمام جدال المجادلين بالقرآن والمتأولين فيه بغير تأويله ، وبغير ما أراد الله وأراد رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديثه ، وقفوا وقفة عظيمة وردوا شبهات أهل الباطل .

      وهكذا نجد إلى أئمة الدعوة رحمهم الله وقفوا في رد شبهات أهل الباطل شبهاتهم النقلية والعقلية بمصنفات كثيرة ، إلى أئمة السنة وأعلامها في هذا العصر ، وإن كان الواحد يشاهد جزراً وانكماشاً في باب رد الباطل وتأويلات أهل الباطل ، ومجادلة أهل النفاق العملي بالقرآن الكريم وتلبيسهم وإلباسهم باطلهم لباس أهل الحق ، وتعمية الحق على دهماء الناس وأنصاف المتعلمين والمثقفين من الرجال والنساء .

      فاليوم نلاحظ أن الجهد المبذول لا يرقى إلى كثرة الشبه وكثرة أهل الباطل ، ومع قلة الجهد المبذول فإن هذا الجهد لم يترك يسري في الناس ويصل نوره ليقشع تلك الظلمات ، ظلمات أهل الباطل والمجادلين بغير حق ، بل وقف بعض الناس في وجه هذه الردود ، فتارة ينفرون عنها بأنها تُقَسّْي القلوب ، وتارة بأنها تفرق الأمة ، وتارة بأنها تصد عن العلم ، ولا أدري متى كانت ردود أهل السنة خالية من العلم ؟ ، ومتى كانت تسترق ؟ ، والعلم بل إنها والعلم سدى ، ردود أهل السنة سداها ولحمتها العلم قائمة عليه منطلقة منه مستضيئة بنوره محتجة ببرهانه ، فلذلك قمع الله بها أهل البدع .

      لكن للأسف اليوم يشاهد أن هذا الباب على قلة ما يكتب فيه من نوادر علمائنا ، الذين جاهدوا من أمر الله بجهادهم من أهل التحريف لكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالقلم والبيان والكتاب ، ما ترك هذه الجهود على قلتها ، لم تترك تنتشر في الناس إلا قليلا ووقف أمامها وصد أمامها من كثير من المسلمين ، إما جهلاً وإما نصرة للبدع وأهلها أو تقليداً لمن نصر البدعة وأهلها .

      إذاً السلف وقفوا أمام هذه التحريفات والتأويلات ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، حتى ندرك تماماً ونفهم أنه يدخل في جدال المنافق شبه أهل البدع والأهواء وأنها تهدم الإسلام ، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر في الحديث ، وورد عن جمع من الصحابة عن عبد الله بن عمر وعقبة بن عامر وعبد الله بن عباس وعصمة بن مالك ، وصححه الألباني رحمه الله بطرقه في الصحيحة برقم خمسين وسبعمائة ، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( أكثر منافقي أمتي قُراءها ) ، القُراء الذين يحملون القرآن ويقرؤون القرآن ويُقْرِئونه ، فذكر أنهم أكثر منافقي هذه الأمة ، لأنهم يقولون ما لا يفعلون ، ولأنهم يفعلون ما لا يؤمرون ، وعلى هذا عدَّ جمع من أهل العلم كثير من أهل البدع كالخوارج ، بل إن من أئمة العلم من ألف في فضائل القرآن ، كالإمام الفريابي جعفر بن محمد وفي خاتمة كتابه ذكر باباً في التحذير من الخوارج ، وأنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، والتحذير من صفاتهم وذكر صفاتهم تحذيراً منهم ، وهكذا صنع الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه فضائل القرآن ، عقد فصولاً مهمة ، أنصح إخواني طلبة العلم السلفيين أن يعنوا بهذا الكتاب ، وذكر الذين يتأكَّلون بالقرآن وذكر الخوارج وذكر الذين يستغلون القرآن كأنما يحكي واقع كثير من هذه الجماعات الموجودة اليوم .

      فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر أن أكثر منافقي أمته في قُرّْاءها ، ويذكر أنه يخاف على أمته كل منافق عليم اللسان ، وذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث عقبة بن عامر في مسند أحمد وحسنه الألباني وغيره ، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( هلاك أمتي في الكتاب واللبن ) قالوا : ما الكتاب يا رسول الله وما اللبن ؟ قال : ( أما الكتاب فقوم يقرؤون القرآن يتأولونه على غير ما أراد الله عز وجل ، وأما اللبن فقوم يبدون ويتركون الجمع والجماعات بحثاً عن اللبن ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام .

      وكما عرف عنه وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ( إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلنا على تنزيله ) ، فهذه طوائف مسلمة من أهل الإسلام تتأول كتاب الله عز وجل على غير ما أراد الله ابتغاءً للفتنة ، وتحريفاً للحق وإيقاعاً للناس في اللبس وفي الباطل ، فيحتاجون إلى من يتصدى لشبهاتهم ومن يكشف عوارهم ومن يرد عليهم باطلهم ، وإن هذا الثغر العظيم يشكوا اليوم من قلة الواقفين والمرابطين في هذا الثغر ، إننا نلاحظ قلة وندرة في الواقفين والمرابطين في ثغر الذب عن القرآن الكريم وعن السنة النبوية من حيث التحريف لدلالتهما .( إن منكم من يقاتل على تأويله ) أي على تفسيره وبيان معانيه ، ( كما قاتلنا على تنزيله ) أي كما قاتل المشركين الذين كانوا لا يقرون بتنزيل القرآن من رب العالمين سبحانه وتعالى .

      فهذه أحاديث وغيرها مما لم يحضرني كثير في بيان خطر النفاق ، وخطر القُرَّاء الذين يقرؤون القرآن ويتأولونه على غير مراد الله عز وجل ، وأن بهم يهدم الإسلام ، وأن بهم هلاك الأمة ، وأن بهم يتربص الأعداء ويتمكن الأعداء مما لا يقدرون على التمكن منه ، لولا وجود هؤلاء الذين يتأولون القرآن على غير ما أراد الله تبارك وتعالى وتقدس بكلامه جل و علا .

      فهذا الذي يجادل بالقرآن من المنافقين ويلبس على الناس أمر دينهم هذا مما يهدم الإسلام ، الواجب أن نحذر مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن قوله : ( إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ) يجعلنا نخاف مما خاف منه النبي صلى الله عليه وسلم ، ويجعلنا نتلمس صفات هؤلاء ، ونعد العدة العلمية الراسخة الثابتة المستقاة من المصادر العلمية السنية السلفية الأصيلة ، نعد العدة لردع هؤلاء الذين يُلَبِّسون على الناس أمر الدين .

      اليوم كثير من دعاة الباطل القبورية يحتجون ببعض المتشابه من القرآن ، وأهل الباطل والمحاربين للأحكام الشرعية والدعاة لإنهاك أو لانتهاك الأعراض ، والدعوة إلى الاختلاط المخل الذي يترتب عليه آثاره العظيمة السيئة المدمرة ، كل هذا يتلمسون من هنا ومن هنا ، فيحتاجون إلى وقفة جادة من أتباع السنة وحملتها ، يكشفون بها ظلمات هذه المجادلات المبنية على إتباع المتشابه ، وترك المحكم الواضح البيِّن من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم .

      أما الخصلة الثالثة فهي قوله رضوان الله تعالى عليه : ( وحكم الأئمة المضلين ) أو قال : ( وأئمة مضلون ) ، وعمر رضي الله عنه لما قال : ( أئمة مضلون ) أنهم ممن يهدم بهم الإسلام ، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم قد خاف على أمته ذلك ، ففي حديث عمر رضي الله عنه وأرضاه وأصله في مسلم وزاد البرقاني رحمه الله في صحيحه من حديث ثوبان في مستخرجه ، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأول الحديث : ( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ) إلى أن قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( وإن ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة ، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي المشركين ، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان ) ، الحديث .

      قال العلامة الشيخ عبد الرحمن ابن حسن رحمه الله تعالى في كتابه فتح المجيد ، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( وإن ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ، أتى بإنما التي قد تأتي للحصر بياناً لشدة خوفه على أمته من أئمة الضلال ، وما وقع في خلد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك إلا لما أطلعه من غيبه أنه سيقع نظير ما في الحديث قبله من قوله : ( ستتبعون سنن من كان قبلكم ) ثم قال : وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ) ، وعن ثوبان أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ) رواه الدارمي .

      قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى ، في قوله : ( إن ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ) ، ( أي الأمراء والعلماء والعباد ) ، هذه ثلاثة أصناف خافهم النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من بعده ، علماء السوء والسلاطين المفسدون ، العباد المفسدون يغيرون بالعبادة ، والعلماء المفسدون يغيرون بالعقيدة ، والسلاطين المفسدون الأحكام ، هؤلاء الثلاثة خافهم النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم أخطر على المسلمين من الحروب المدمرة لأن الحروب تقل الأبدان ، وهذه الأصناف الثلاثة تقتل الدين ، العباد هؤلاء أحدثوا لأنفسهم عبادات لم تكن موجودة في الكتاب ولا في السنة ،كالطرقية الصوفية المتنسكة الذين أحدثوا عبادات وأوراد وصلوات لم تثبت لم ترد لا في كتاب الله ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا فعلها الصحابة رضي الله عنهم .

      وكما هو معلوم أن العبادة توقيف ، قال جل وعلا : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) ( 12 الشورى ) والقسم الثاني علماء السوء الذين يفسدون عقائد الناس ، كم أفسدوا علماء السنة بعلماء المعتزلة والأشاعرة والماتريدية ، كم أفسدوا علماء السوء من عقائد الناس ، كم أفسد علماء السوء من (**) ودعوا الناس ولبسوا عليهم ووقفوا في وجوه أهل التوحيد وبطنوا لهم الشرك الأكبر بل (***) ، وأضلوا الناس في باب البدع أمام الطائفية والقولية والعملية ، هؤلاء العلماء الأئمة المضلون من علماء أو أمراء خالفوا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو عباد .

      تأمل ما جره على الأمة صنيع المأمون العباسي لما ترجم كتب اليونان وكتب الفلسفة والمنطق ، وزاحم بهذه الكتب أهل الإسلام وكانوا في عافية ، وتأثر بكتبه المعتزلة واقتنع بعقيدتهم خلق القرآن ثم امتحن الأمة والأئمة ، وسوم على الإسلام وأهله من البلاء ومن الشر ، وعذب أئمة الإسلام ومحدثيه وفقهائه ، وحصل من فتنته ومحنته ما يندى له جبين أهل الحق ، صار له آثاره السيئة المدمرة إلى اليوم ، فجنى على الإسلام جناية عظيمة ، حتى قال بعض الأئمة وأظنه شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ما أظن أن ينجوا المأمون مما صنعه بهذه الأمة ) .

      فانظر إلى هذه الآثار الموجودة اليوم كم دمرت من عقائد ، وكم سببت في انكماش كثير من الناس عن نور الإسلام الصافي النقي وإقبالهم على ظلمات الشرك والبدع والخرافات ، وكم كانت هذه الكتب سبباً في تهيئة الناس لإنزال تلك العقوبات من سيطرات التتار والمغول ، وسقوط الدول الإسلامية في المشرق والمغرب .

      فكتب علم الكلام وكتب البدعة ما دخلت بلداً إلا كانت سبباً في تمزيق أهلها وتسليط أعداءها عليها ، والتأريخ شاهد بذلك ، فلما تدخل كتب السحر وكتب البدعة وعلم الكلام وكتب الرفض وتنتشر في أوساط الناس ، يتسلط الكفار هذه حوادث التأريخ شاهدة بذلك ناطقة بصحة هذا الأمر ، كما قرره جمع من الأئمة من شيخ الإسلام رحمه الله في المجموع وغيره من أهل العلم .

      فهذه الأصناف الثلاثة : عالم إذا زل والعلماء الضلالة علماء السوء وفسقة العلماء بهم يفسد الدين ، الأئمة المضلون العلماء السوء والسلاطين والعباد .

      ومما يدخلونه بالنسبة للعباد أو علماء السوء ، أنهم كما تقدم يفسدون على الناس عقائدهم وعباداتهم ، وحكام السوء الذين يخالفون كتاب الله وسنة رسوله يفسدون على الناس أحكامهم ، ربما تبنوا البدعة ونشروها فيكونون أئمة ضلالة كما حصل من المأمون ومن ورثه في الامتحان الأمة على بدعته التي أغراه بها أستاذه من المعتزلة كأحمد ابن أبي دؤاد وغيره .

      والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الآخر الذي رواه الحاكم وغيره روي موقفاً ومرفوعاً من حديث عبد الله بن عمر وموقوف عن ابن عباس وحسنه الألباني رحمه الله تعالى في الصحيحة ( يا معشر المهاجرين خمس أعيذكم بالله أن تدركوهن ) ثم قال : ( وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) ، وإذا جعل الله بأس أهل الإسلام بينهم ، فإن هذا يؤدي إلى انصرافهم عن تعلم الإسلام و عن تعليمه وعن العمل به والدعوة إليه ، ويكون سبباً في ظهور البدع والضلالات وفي غياب السنة وذلك بعينه هدم الإسلام ، كما سيأتي .

      ولكن تأمل مع كونه صلى الله عليه وسلم أخبر أنهم يحكمون بغير ما أنزل الله إلا أنه قال أئمة ، ما زالوا أئمة للمسلمين ، قال : ( وما لم تحكم أئمتهم ) وقال بالحديث الآخر : ( خيار أئمتكم ) وقال : ( وشرار أئمتكم ) ، فمهما فإن أحدثوا أو غيروا ما لم يكن أو ما لم يصل إحداثهم أو تغيرهم إلى الكفر الأكبر المخرج من الملة ، فهم لا يزالون أئمة للمسلمين وإن كانوا أئمة جور ، فلا يجوز الخروج عليهم ولا التنظيمات السرية ولا الانقلابات ولا التهيج عليهم ، ولكن يجب رد الباطل الذي يخالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم و أرضاهم .

      كما فعل أئمة الإسلام قديماً ، فهم جمعوا بين ما دلت عليه أصول السنة من السمع والطاعة وعدم الخروج ما لم تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ، فأما في الصحيحين حديث عبادة بن الصامت وبين بيان الحق للخلق وبيان مقتضى كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
      هذه الثلاثة ( أئمة مضلون ) الوارد في حديث عمر ، وأيضا ً من الأبيات المنسوبة لعبد الله بن المبارك :

      وهل أفسد الدين إلا الملوك *****وأحبار سوء ورهبانها
      وقال بعضهم

      فساد كبير عالم متهتك ***** وأكبر منهم جاهل يتنسك
      هما فتنة للعالمين عظيمة ***** لمن بهما في دينه يتمسك

      فالعلماء والعباد إذا فسدوا ، لذا كان سفيان بن عيينة يقول : ( كان يقال من فسد من علماءنا ففيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى ) ، وقال بعض من تقدم : ( صنفان إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء ) .

      نسأل الله جل وعلا أن يصلح ولاة أمر المسلمين أمراءهم وعلماءهم ، وأن يوفق الجميع للحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله وسلم ، وإتباع هدي الكتاب والسنة وإيثار الكتاب والسنة على كل رأي وكل فكرة وكل بدعة وكل سياسة وكل ذوق ، وأن يرزقنا وإياكم وإياهم تعظيم الكتاب والسنة وتقديمهما على كل ما يحدثه الناس وما يقررونه وما يرونه وما يفكرونه ، وأن يجعل إتباعنا صادقاً وأعمانا خالصة لوجهه سبحانه وتعالى .

      وهذا اختصار في الحقيقة وإلا فالموضوع فيما يتعلق بأثر عمر والتنبيه كيف يدخل النقص وكيف يدخل الهدم للإسلام كثير ، ولكن اختصاراً للوقت ، بارك الله في الجميع .

      كذلك من ما أحب أن أختم به وهي كلمة الفضيل بن عياض وغيره وقد رويت كما قلت لكم سابقاً رويت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث معاذ ولا تصح مرفوعة والصواب صحته عن جمع من الأئمة رحمهم الله ، منهم يوسف بن أسباط والفضيل بن عياض و غيرهم ، ( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ) والحقيقة أننا ما شهدنا في تأريخ الأمة الماضي ، عبر أربعة عشر قرناً ونحن في بداية الخامس عشر هجري ، ما شهدنا توقير أهل البدع يرفع عقيرته و تروج سوقه كما شهدناها في هذا الزمن ، الذي وجدت فيه الجماعات السياسية الإسلامية الحزبية الحركية ، وكان من أعظم وسائلها للوصول إلى أهدافها كالحكم ، أن سلكت مسلك الجمع لا مسلك الشرع ، وأكثر الناس من قرون وهم على بدع وضلالات ، ويتبعون طرائق مبتدعة منظمة سواءً كانوا في عقائد كلامية كالأشاعرة والماتريدية ، أو عقائد جمعت بين الكلامي والسلوكي المهلك الضال كالطرق الصوفية التي تملأ العالم الإسلامي ، أو كانت مللً مستقلة كالرفض ، أو غير ذلك مما تعج به الساحة من الضلال الذي أثقل كاهل هذه الأمة ولا يزال جاثماً على صدرها ، أراح الله الأمة من شر هذه البدع وطرائقها ودعاتها .

      فلما قامت هذه الجماعات هي روجت لسوق توقير أهل البدعة حتى تضمن العدد ، وحتى تجمع أكبر قدر ممكن لتصل إلى أهدافها ، فسلكوا كما قلت مسلك الجمع لا مسلك الشرع ، الذي يقتضي بالحكم ببطلان الباطل وإحقاق الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( والأمر بالسنة والنهي عن البدعة (**) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ).

      بل إن إنكار ما يخالف السنة هو سبب تحديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه بحديث : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) ، لما قدم الأمير مروان أمير المدينة آنذاك ، قدم الخطبة على الصلاة في يوم العيد فأنكر عليه رجل وقال : ( خالفت السنة )، قال أبو سعيد : ( أما هذا فقد أدى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ) ثم ذكر الحديث .

      فإنكار البدع والضلالات هو أول ما يدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأما الجماعات السياسية المعاصرة لأهداف معروفة فحصرت فكرياً وعملياً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجانب الأخلاقي فحسب ، بل وفي بعض الجوانب الأخلاقية لا كل الجوانب الأخلاقية ، وهذا القسط يحتاج إلى وقت آخر إن شاء الله ، وقد وصف في بعض المواضع وبعض المحاضرات .

      فإذاً في هذا الزمن اشتد هذا الشر وهو توقير أهل البدعة ، فإن سألت أيها الأخ الحريص على نجاته ، والحريص على سنته ، الصادق في سلفيته وحُق لك أن تسأل ، فقلت كيف يكون توقير صاحب البدعة هادماً للإسلام ؟ كيف يتأتى هذا ؟ يجيبك على ذلك الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام إذ قال : ( وأيضاً فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم .

      إحداهما : التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير ، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس ، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره ، فيؤدي ذلك إلى إتباعه في بدعته دون إتباع أهل السنة على سنتهم .

      والثانية : أنه إذا وقر من أجل بدعته ، صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء وعلى كل حال ، فتحيى البدع وتموت السنن وهو هدم الإسلام بعينه ) .

      وهو هدم الإسلام بعينه ، ولهذا أخذنا بعض صور لتعظيم أهل البدعة ، وهذا في حد ذاته موضوع مستقل ، إن رأينا أن الوقت اليوم لم يسعفنا ولم يكفينا ، فإننا نحتاج إلى إفراده في كلمة مستقلة ، فتشاوروا فيما بينكم نظراً للوقت الذي حدد لهذه الكلمة واستعداد الأخوة ونشاطهم ، وأيضاً نظراً لموعد آخر أن يكون الحديث حول توقير أهل البدعة وآثاره السيئة على الأمة ، وأنواع التوقير وما يعد من التوقير وما لا يعد منه ، هذا بالحقيقة موضوع مهم غاية لأن هذا الشر وهو توقير أهل البدع الذي يؤدي إلى هدم الإسلام ، ما شوهد قوة وانتشاراً ودعوة إليه وتطبيقاً ، مثل ما شوهد الآن بسبب هذه الجماعات الذين تقدم الإشارة إلى مآربهم ومقاصدهم ، فتأملوا فيما بينكم وتشاوروا ، إن رأيتم إخواني أننا نؤجل إلى وقت آخر ولقاء آخر ، وأعددنا لها ما تيسر من المادة وآثار أهل العلم فعلنا ذلك ، فهل انتهى الوقت المحدد ؟ .

      ( والله تقريبا ً يا أبا العباس ) .

      إذاً قرر أن نكتفي بهذا القدر ، وإن كتب لنا ولكم لقاء عبر الهاتف جعلناه يعني حول هذه المسألة ، ونشوف من البسط والتفصيل الذي قد نحتاج إليه والله ، أنا أرى أن الحاجة ماسة إلى مثل هذا الموضوع وكيف جر توقير أهل البدع على مدار التأريخ ، وخصوصاً في هذا الزمان ، وما أحدث من القواعد والحواجز الأمنية التي تصد أهل الحق عن رد أهل البدع وأهلها ، فأولاً يحجبونك بحاجز لا تتكلم بالبدعة وأهلها ، حافظ على حسناتك ، الرد على هؤلاء يفرق الأمة ، إذا حاكمت حكمت ، ستسأل عن كل كلمة تقولها ، كلام حق أرادوا به التخذيل ، كما قال الإمام العلامة فقيه العصر محمد بن صالح العثيمين ، يوم عرضت عليه بعض قواعد عدنان عرعور _ إذا حاكمت حوكمت ، وإذا دعوت أجرت ، وإذا سكتَّ سلمت _ ، قال مباشرة رحمه الله وهذا موجود بصوته ، قال : ( هذه قواعد تخذيل ) تخذيل ، فإذا قواك الله وتجاوزت هذا الحاجز قالوا لك : لا انقد الفكرة ودع المفكر ، وانقد البدعة وخلي الشخص ، وانقد القول واترك الذات .

      فإن أعانك الله على هذا الحاجز الشيطاني بنور الرحمن ومدد إيماني فانتقلت وإلى المرحلة المتقدمة ، قالوا إذاً اسمع يقعدون لك في كل طريق ، إن كان ولا بد ستكتب فعليك أن توازن بين الحسنات والسيئات ، وإلا عليك أن تجمل عند ذكر المثالب فتقول : عنده مخالفات ولكن فَصِّل في المناقب ، فقل قد فعل و فعل و فعل و فعل ، و إلا فاحمل مجمله على مفصله ، فإذا أعانك الله ونجوت من هذه الشبكة الخطيرة وقفزت من هذا الحاجز الأمني والدرع الخطير الذي جعلوه أهل البدع ، وتجاوزت هذا وكتبت قالوا لك : اكتفي برد واحد لا تكثر الرد وانشره على بعض طلابك فقط ولا تكثر الرد على هذا الشخص ، وتجاهلوا كم تعددت ردود الأئمة على شخص واحد وعلى فكرة واحدة وعلى فرقة واحدة .

      المهم أني أرى إن شاء الله أن هذا الموضوع لشدة الحاجة إليه ، لعله يؤجل إن شاء الله إلى لقاء قادم .

      أسأل الله جل وعلا لي ولكم التوفيق والسداد ، وأن يصلح الله لنا ولكم الظاهر والباطن ، وأسأله الكريم جل وعلا بعلاه أن يمدنا وإياكم بنصره وتأيده ، وأن يؤهلنا ويجعلنا مستحقين لنصره بأن ننصر دين الله وكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن نذب عنهم ما بقيت الأرواح في الأجساد ، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، و جزاكم الله خيراً وهذه إنما مذاكرة معكم لا أحبذ تكون يعني للنشر إنما هي مذاكرة مع إخواني الله يوفقنا وإياهم لما يحب ويرضى و يعفوا عنا وعنكم ويشملنا بستره وعفوه في الدنيا والبرزخ والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو الغفور الرحيم .

      جزا الله الشيخ عادل منصور على ما قدم وأفاد وأسأل الله عز وجل أن يجعل ما قال في موازين حسناته يوم القيامة .

      تم بحمد الله
      قام بتفريغه أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
      الأحد الموافق : 19 / ربيع ثاني / 1431 للهجرة النبوية
      التعديل الأخير تم بواسطة علي بن إبراهيم جحاف; الساعة 02-05-2010, 10:13 AM.

      تعليق


      • #4
        ( بهذا يهدم الإسلام ؟ )لفضيلة شيخنا / أبي العباس عادل بن منصور (3)

        (بهذا يهدم الإسلام ؟ ) (3)

        للشيخ / أبي العباس عادل بن منصور

        بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسَلَّمْ وبارك على أشرف الأنبياء والمرسَلين، سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

        أما بعد:

        فيسرنا في هذه الليلة المباركة إن شاء الله،-ليلة الثلاثاء-الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخِر، لعام واحدٍ وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة النبي-صلى الله عليه وسلم-، أن نستضيف عبر الهاتف فضيلة الشيخ عادل بن منصور، والمُكَنَّى (بأبي العباس)، في الجزء الثالث من محاضرته القيمة، التي عنونها (بهذا يهدم الإسلام)، وذلك ضمن اللقاءات السلفية القطرية، ويسرنا أن نرحب بالأخوة الذين يستمعون إلينا، عبر البث الحي والمباشر من شبكة (سحاب السلفية)-حرسها الله- وزادها توفيقًا، ونشكر للشيخ إتاحة هذه الفرصة، ونسأل الله-عز وجل- أن يجزيه خير الجزاء، وأن ينفعنا بما نسمع، إنه ولي ذلك والقادر عليه، فليتفضل الشيخ مشكورًا مأجورًا.

        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

        الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله، -محمد بن عبد الله-وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه وانتهج نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين .

        أما بعد:

        فحيا الله الأخوة جميعًا، الحاضرين في هذا اللقاء، سواءً بحضور أجسادهم، أو بِاستماعهم عبر وسيلة النقل الإنترنت، وأسأل الله -تبارك وتعالى-أن يجعلنا وإياكم من السالكين طريق العلم، والناهجين نهج سلف هذه الأمة، اعتقادًا وقولًا وعملًا وأخلاقًا وسلوكًا، وأن يزيدنا وإياكم معرفة بهذا الحق واعتزازًا به، وحرصًا على تصديقه إنه وَلِيُ ذلك والقادر عليه، وهو سميع الدعاء.

        أيها الأخوة: كما سمعنا في تقدمة أخي، الأخ محمد-حفظه الله تعالى-بِأَنَّ هذا الجزء الثالث مما يندرج تحت ذلكم العنوان، وهو (بهذا يهدم الإسلام)، والحقيقة أنه قد تقدم كثيرٌ مما يمكن أن يذكر الليلة، سواءً مِنِّي فيما سبق من اللقاءات أو من غيري، من مشايخي و من المشايخ الذين شاركوا في مثل هذه اللقاءات، ولكن كما قلت سابقًا في الإعادة إفادة والمكرر أحلى .

        وتكرار الموضوع إذا كان ذا أهميةٍ، هَدْيٌ وسُنَّةٌ قُرْآنِيَةٌ وهَدْيٌ نَبَوي، وسَلَكَه سلف هذه الأمة وأئمتها وعلماءها، ولا يزالون كذلك خَلَفُهم يَسلكون ما سَلَكَ سَلَفُهم، من صورة التكرار والطرح في موضوع تحتاج إليه النفوس وتحتاج إليها القلوب، حتى تفهم وتعقل عن الله-عز وجل-مراده، وعن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-مراده.

        وهذا الجزء الثالث: مخصوص بما ورد في الآثار عن جمع من سلف هذه الأمة وعلماءها وزهادها، من الوصية بترك تعظيم وتوقير صاحب البدعة، وبيان أن ذلك هدم للدين، ومضادة للإسلام، ومشاقة لما أمر الله-عز وجل-به ،ورسوله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-من حراسة لهذا الدين،من حراسة هذا الدين، والحفاظ على صفائه ونقائه صافيًا نقيًا رحمةً كما أنزل من عند الله-تبارك وتعالى-، لا يَخْتَلِجُه ولا يُخالِطه ولا يُكَدِّره ولا يُدَنِس صفائه وبياضه ونقاءه، لا فِكرٌ ولا رَأيٌ ولا ذَوْقٌ ولا وَجْدٌ ولا مَلامٌ ولا سياسةٌ ولا غير ذلك، إنما يبقى صافياً نقيًا كما أنزله ربنا-تبارك وتعالى-على قلب رسوله الأمين-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وتلقاه الصحابة الأخيار من فَمِ النبي-صلى الله عليه وسلم-، ومن عمله وسلوكه-عليه الصلاة والسلام-وتطبيقه لما أوحاه إليه ربه.

        أيها الأخوة: لماذا الحديث عن هذا الموضوع؟ أعني موضوع (توقير صاحب البدعة)؟.

        الحديث أولًا عن هذا الموضوع، تحقيقًا لانتسابنا لمنهج سلفنا الصالح-رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم-، سعيًا في تكميل أنفسنا أن نسير على هذا المنهج، ودعوة غيرنا أن يسيروا عليه.

        طريق أصحاب النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، التي يوصي الكتاب والسنة وآثار الصحابة بلزوم هذا الطريق، (يا معشر القراء ! استقيموا ، فقد سبقتم سبقا بعيدا ، وإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا)، كما جاء هذا عن حذيفة بن اليمان في البخاري وغيره، وجاء عن عبد الله بن مسعود وغيره-رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم-.

        فالحديث عن هذا الموضوع أولًا نشرًا لمذهب السلف الصالح، فإنه قد تقرر وتضافرت أدلة وأقوال السلف-رضي الله تعالى عنهم-الأدلة الشرعية، والأقوال من الآثار الصحابية والسلفية، على هُجران ومُنابذة أهل الأهواء والبدع، وأن هذا مَحل إجماع لا مَحل نزاع، وأن هذا مَحل ائتلاف لا مَحل اختلاف، بين السلف الصالح-رضي الله تعالى عنهم-كما نقل ذلك البغوي-رحمه الله تعالى-في شرح السنة، ونقله الإمام أبو عثمان الصابوني في اعتقاد السلف أصحاب الحديث، ونقل الإسماعيلي في اعتقاد أهل الحديث، ونقله كذالكم ابن قدامه في آخر اللمعة، وغير ذلك من مصنفات أهل الحديث وأهل السنة، حيث اتفقت كلمتهم وتضافرت أقوالهم واتحدت آثارهم على منابذة أهل البدعة ومجانبتهم، بل وإخزاءهم وإذلالهم وإهانتهم، هكذا عبارة الصابوني-رحمه الله-وإقفاءهم وإبعادهم.

        فإذًا الحديث عن هذا المنهج أو عن هذه المسألة، هو في الحقيقة تعليمٌ لأنفسنا وتذكيرٌ لمن نَسِيَ منا، وإقامة للحجة على من خالف في هذا الأمر العظيم، وهو أنه قد تقرر بإجماع السلف-رضي الله عنهم-، انطلاقًا من النصوص الشرعية، ونَظرًا منهم إلى مقاصد الشريعة وأهدافها وإلى رعايتها وصيانتها، حيث اتفقت كلمتهم عل هجران ومنابذة وإقصاء وإذلال أهل الأهواء والبدع.

        فمن استقر ذلكم الحق المبين في قلبه، علم يقينًا أن توقير أهل البدع مصادمٌ لذلك الأصل السني ومناقض له، فَالأصل السُني يمشي في طريق، والتعظيم والتوقير لصاحب البدعة يصادم هذا الأصل السُني المتقرر.

        ومن أحب أن ينظر إلى كلمات السلف في ذلك مجموعة، فليراجع ما كتبه أخونا الشيخ خالد بن ضحوي الظفيري-حفظه الله-أبو عبد الله، في رسالته (اجماع العلماء على هجر أهل البدع والأهواء)، فهو قد نقل نصوص الأئمة من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين، الذين تخرج كلماتهم من مشكاة واحدة لأن الحق واحد، مع اختلاف أعصارهم وتباين أمصارهم وأقطارهم، إلا أن كلمتهم اتفقت على هذا الأصل العظيم، الذي ضاق به أهل الأهواء ذرعًا، وسعوا في ردمه وهدمه وبث الشبه حوله، وإحداث التصدع والشقوق في هذا الجدار الآمن والحصن الحصين، الذي به تحرس الشريعة وتحمى من كل باطل و من كل دخيل.

        إذًا لماذا هذا الموضوع؟

        أولًا: لتحقيق سلفيتنا، أن نكون سلفيين صادقين، فنعرف ما كان عليه السلف الصالح، ونسعى جادين مُجاهدين بأنفسنا في تطبيقه .

        ثانيًا: لتفشيه وانتشاره وكثرة وقوع الناس فيه من كبير وصغير، من قرون عديدة في توقير صاحب البدعة، من الولاة أو من الرعية أو من غيرهم، يقعون إما جهلًا وإما بتلبيس وبإرشاد ونصح من لا يؤتمن في إرشاده ونصحه، فلما وقع توقير صاحب البدعة وتعظيمه، ظهر الخلل في أهل الإسلام، وانتقل النقص على أهله كما سيأتي.

        ثالثًا: وجود من يبث الشبه كما تقدم، ويبث الإشكالات والأراجيف حول هذا الأصل العظيم، ويسعى جادًا وجاهدًا لإذابة الفوارق، بين صاحب السنة وذوي الأهواء والبدع، فيريد أن يجمع بين ما صدق الله به رسوله-صلى الله عليه وسلم-، وفي الوقت نفسه يفرقون بين ما أمر الله به أن يوصل، وذلكم كله من الفساد في الأرض، والله لا يهدي القوم الخاسرين.

        فإذًا هذه بعض الأسباب التي نحتاجها إلى طرح هذا الموضوع.

        الأمر الذي يلي هذا بارك الله في إخواني أجمعين، ما تقدم في الإشارة إليه في اللقاء السابق، أن هذا اللفظ (من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام)، قد روي مرفوعًا، أي إلى النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فروي من حديث عائشة-رضي الله تعالى عنها-، وروي من حديث ابن عباس ومن حديث غيرهم، وقد استوعب الكلام عليه من حيث الصناعة الحديثية وبيان ضعفه مرفوعًا إلى النبي-صلوات الله وسلامه عليه- كما تقدم في الإشارة.

        الإمام الألباني-رحمه الله تعالى- في السلسلة الضعيفة في الجزء الرابع، عند الحديث، للرقم ألف وثمان مائة واثنان وستون، (من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام)، وحكم عليه بأنه ضعيف، أي مرفوعًا إلى النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

        أما موقوفًا فقد جاء بألفاظٍ متقاربة مختلفة عن جمع من الأئمة والتابعين، فجاء موقوفًا على من قول إبراهيم بن ميسرة-رحمه الله تعالى-، وجاء كذلك موقوفًا من قول الإمام الأوزاعي-رحمه الله تعالى وجاء عنه بألفاظ، كما رواه الإمام الهروي في ذم الكلام وأهله، ساق بسنده إلى الأوزاعي قال: (من وقر صاحب بدعة فقد أعان على مفارقة الإسلام)، (ومن وقر صاحب بدعة فقد عارض الإسلام بِرَدْ)، لأن الإسلام يأمر برد البدع، (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، واستبقت كلمة السلف على هجران أهل الأهواء وإقصاءهم وإبعادهم وإذلالهم وإخذالهم، والتوقير ينافي ذلك كله ويرد ذلك كله كما تقدم، وساق بسنده أيضًا عن الأوزاعي يقول: ( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام)، وهذا اللفظ المشهور عن جماعة أيضًا، وأما مرفوعًا فقد تقدمت إشارته إلى انه لا يصح، لا عن عائشة-رضي الله عنها-ولا عن معاذ بن جبل ولا عن ابن عباس ولا عن أبي سعيد الخُدري، وإنما الصحيح في هذا موقوفات والعلم عند الله-سبحانه وتعالى-.

        وكذلك يقول محمد بن مسلم الطائفي -رحمه الله-: (بلغنا أنه من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام)، وهكذا جاء عن جمع ولم يُسَمَّوْا ، عن أبي حنيفة اليمامي عن بعض أهل العلم، قال: (من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام).

        والآثار في هذا كذلك عن الفضيل بن عياض كما تقدم معكم، ورواه كذلك الهروي في ذم الكلام، ورواه البربهاري في شرح السنة، أنه قال-رحمه الله تعالى-: (من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام).

        وقد جاء عن إبراهيم بن أدهم-رحمه الله تعالى-كما في المصدر السابق كذلك أعني-ذم الكلام وأهله-للهروي-رحمه الله-أنه قال: (من صاحَبَ صاحِبَ بدعة فقد أعان على هدم الإسلام)، وهذا تفسيرٌ أو ذكرٌ من إبراهيم بن أدهم-رحمه الله-الزاهد للمعروف، ذكر فعلٍ من الأفعال وهو السلام على أهل الأهواء وتعظيمهم، أن ذلك من التوقير الذي به يهدم الإسلام، ومن تتبع الآثار عن السلف الواردة في ذلك، وجد أشياء كثيرة لا محالة.

        ومن ذلك أيضًا ممن روي عنه هذا أبو إسحاق الهمداني-رحمه الله-حيث يقول كما رواه الآجري في الشريعة، يقول-رحمه الله تعالى-: (من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام).

        فهؤلاء جمع من علماء هذه الأمة وسلفها، يَنُصون على أن توقير صاحب البدعة وتعظيمه، ومنهم من خصص وذكر أدنى شيء يتساهل فيه كثير من الناس كالمصافحة مثلًا، فكيف لو رأوا ما عليه حالنا اليوم، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

        ومن تأمل هذه الآثار وتأمل واقع السلفيين في العالم كله، تبين له كذب تلكم الدعايات التي تبث على السلفيين بأنهم غُلاة، وأن عندهم غلوًا، وفي الحقيقة إن الذي يصف السلفيين اليوم الصادقين بأن عندهم غلوًا، بمنابذتهم أهل البدعة ومجانبتهم أهل الأهواء والبدع، إن حكمه هذا ينسحب على السلف الصالح، الذين كانوا أشد تمسكًا وأشد غيرةً وأشد إذلالًا لأهل الأهواء والبدع، من السلفيين الموجودين في هذا العصر، فنشكو ضَعفنا وتَقصيرنا إلى الله-سبحانه وتعالى-طالبين أن يغفر لنا تقصيرنا وسيئاتنا.

        ومن التوقير لأهل البدع والأهواء له صور، لا بأس أن أشير إلى بعضها إشارة سريعة بما ييسره الله-سبحانه وتعالى-، فمن توقيرهم(**) وزيارتهم تعظيمًا وإجلالًا، ولهذا جاء في بعض الآثار (من مشى إلى صاحب بدعة زائرًا ليعظمه، فقد أعان على هدم الإسلام)، فإن تعظيمه وإكرامه بالزيارة وقصده بالزيارة، مع بقاءه على بدعته وضلالته ومعاندته للحق وأهله واجتهاده في نشر باطله، ذلك من تعظيمه.

        ومن ذلكم الدراسة على أهل الأهواء والبدع، فأي تعظيم يصل إلى أن تجلس بين يديه، حاملًا قرطاسك وقلمك وكتابك، مناديًا له ومكنيًا له بكنيته والكنية من التعظيم، خاضعًا بين يديه تتلقى عليه العلوم والمعارف، والحقيقة أنه قد دخل شر كثير بسبب الأخذ عن أهل الأهواء والبدع والدراسة عليهم، وسبب ذلك نوعًا من النُفرة من إخوانه أهل السنة لمن كان شعرهم الأخذ عن أهل الأهواء، وقربه ذلكم الصنيع إلى أهل الأهواء وحببهم إليه.

        ولا يزال الشيطان يتلطف به ويستدرجه شيئًا فشيئًا، فيقبح له أخلاق أهل السنة وطريقتهم، ويحسن له أخلاق أهل البدعة وسبلهم، ولا يزال الشيطان يتدرج به ويمشي به خطوةً خطوة، كما تعود طفلها الصغير الذي بدأ يحبوا ويمشي خطوةً خطوة، فالشيطان يربي شره في الناس بهذه الطريقة شيئًا فشيئًا، حتى يستسهل أن يفارق أهل السنة بجسده ويلزم أهل البدعة بجسده، فمن فاء أوشك ذلك على أن يفارقهم، وأن يزايلهم عقيدةً وقلبًا كما فارقهم بدنًا وحالا.

        والله ربنا-تبارك وتعالى-الرءوف الرحيم بنا، قد حذرنا من خطوات الشيطان وقال: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، فالله-عز وجل-نهانا عن إتباع خطواته، وإن هذا الأمر لمن خطواته، فإن اعترض معترض أو استشكلَ مُستَشكِلٌ قاصدٌ للحق مريدٌ للهدى، فقال: كيف نجمع بين كلامك هذا وبين الأخذ بالرواية عن أهل الأهواء والبدع، أن في يوجد بكثرة في مصنفات والكتب المسندة؟.

        فالجواب على ذلك: أن تتفهموا يا رعاكم الله جملة من الأمور:

        الأمر الأول: أن هدي السلف الأول في أواخر عهد الصحابة، إنما كان عدم الأخذ مطلقًا من أهل الأهواء، وذلك لقلة أهل الأهواء وكثرة أهل السنة الناقلين للحديث، وإخزاءً لأهل الأهواء وظهور نور النبوة، وقيام الخلفاء بمطاردة أهل الأهواء ومتابعتهم كالدولة الأموية.

        ويشهد لهذا القول أن هذا الأمر كان في أول العهد على هذا المنع التام لذلك، ما رواه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن محمد بن سيرين-رحمه الله-قال: ( كانوا لا يسألون عن الإسناد وصحته) فلما كانوا لا يسألون عن الإسناد، (فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم فينظر إلى حديث أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم)، (**) كانوا الإشارة إلى السبعين الموجودين والصحابة-رضي الله عنهم-قبل ذلك لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، إذً تغير الحال، قالوا، انظر إلى هذا ضمير الجمع، قالوا: (سموا لنا رجالكم فينظر إلى حديث أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم).

        فعلى هذا النهج وعلى هذا الهدي مضى أواخر الصحابة الذين أدركوا تلكم البدع وقمعوها بالسنة، وهجروا أهلها وأخزوهم وأذلوهم، وكان الصدر الأول من التابعين كذلك، لقلة أهل الأهواء وذُلهم وعدم دخولهم في رواية الحديث وحمل عِلم الإسلام، واستغناءهم برواة الحديث من الصحابة والتابعين الثقات الأثبات من أهل السنة.

        ثم لما اتسعت رقعة الإسلام وكثر الداخلون فيه، وتوسع ظلمات البدع وبدء النور يخف شيئًا فشيئًا، وزاحمت البدعة بظلمتها السنة ونورها، عند ذلكم تصدر لرواية الحديث وألفاظ النبي-صلى الله عليه وسلم-أناس تلبسوا بالبدع، فوقف العلماء أمامهم ثلاثة مواقف:

        الموقف الأول: من استمر على رد حديثهم مطلقًا، إخزاءً لهم وإذلالًا لهم وهجرانًا وقمعًا، اعلاءً للسنة وأهلها.

        والموقف الثاني: رأى أن الأمر يتعلق بالصدق، فإذا كان هذا الذي يحمل الحديث النبوي صادق، ونحن بحاجة إلى أن نحفظ حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأن نجمع أحاديثه، لو ظُهِرت مفسدة بدعته بالذهاب إليه، وأخذ الرواية أمام المصلحة العظمى في حفظ حديث رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فقالوا ما دام صادقًا لا يكذب، فإن مثل هذا تؤخذ عنه الرواية.

        الموقف الثالث: وتوسط قسم ثالث فقال: وإن كان داعية، فمثل هذا في الذهاب إليه وأخذ العلم عنه رفع له، وتغريرًا للمسلمين به، وزيادة له على أن يستمر في باطله وضلاله، فإذًا يترك الأخذ عمن كان هذا شأنه، ردعًا وإخمادًا له ولبدعته، ويؤخذ عمن كان خاملًا، لا يذكر هذه البدعة ولا يدعوا إليها وإن كان في نفسه يعتقدها، هذا الأمر الأول كما سمعتم.

        الأمر الثاني: أن هذه الحالة حالة اضطرار، ولهذا تجدون في بعض كتب الرجال كجرح وتعديل ابن أبي حاتم، يقول في جروحاته في بعض الرواة: (ثم اضطر إلى أخذ حديثه أخيرًا)، اليوم ما هي الضرورة التي تدفع هؤلاء إلى أن يأخذوا عن أهل الأهواء والبدع وأن يعكفوا بين أيديهم؟.

        الأمر الثالث: أن أولئك الأئمة مع هذه التشديدات التي سبقت، إنما أخذوا من أهل الأهواء ومن تلبس بالبدعة والضلالة، إنما أخذوا روايتهم فقط عن حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ولم يأخذوا رأيهم.

        وأما أنت يا أخي إذا جلست اليوم وفي هذه العصور أمام وبين يدي أهل الأهواء والبدع، فإنما تأخذ منهم رأيًا لا تأخذ رواية، لا يحدثونك بحديث رسول الله من أنفسهم إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-، إنما يشرحون ويستنبطون ويعلقون ويفيدون، ويبثون عقائدهم في شروحهم وفي كلماتهم، ها هو الفرق بَيِّن والبون شاسع، بين ما كان يأخذه السلف، وما بين ما يأخذونه اليوم العاكفون أو الذين للأسف يرتمون في دروس أهل الأهواء، ولا شك أن ذلك من توقيرهم.

        ولقد سئل شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله-، ولعل بعضكم قد وقف على مثل هذا الجواب، عن دراسة علوم الآلة فقط، حددنا اللغة العربية فقط على رجل من أهل البدع، وكان الشيخ يشدد جدًا في الدراسة على أهل البدع، يقول: (حتى ولا اللغة العربية، لأن تبقى جاهلًا في اللغة العربية خيرٌ من أن تدرس على مبتدع).

        انظروا إلى هذا الموقف الصارم منه-رحمه الله تعالى-، قال لأن في ذهابك للدراسة عليه مفسدتين:

        المفسدة الأولى: أن الناس يغترون بك فيذهبون إليه، لمَّا يرونك ذاهبًا وغاديًا إليه، إذًا هذا هو توقيره! الناس يرونك تذهب وتأتي إليه فيقولون هذا رجل من أهل العلم، وما يأتيه فلان ويأتيه فلان والناس تزدحم على بابه وعلى حلقته وعلى درسه، إذًا هذا عالم، ووضع له القبول وهذا رجل صاحب دين وصاحب علم، فيأتون ويأخذون منه فيقعون في ضلالاته.

        المفسدة الثانية: هي متعلقة به هو، إذ لما يراك قادمًا إليه دارسًا عليه يزداد تمسكًا ببدعته، ويقول: انظروا إلى هذا! يحذركم مما أنا عليه ويظن أنه على عقيدة تخالفني، وهو محتاج إلى ما عندي من العلم، فمتى يرجع العالم إلى عقيدة طالبه؟.

        هذا ما ذكره شيخنا-رحمه الله-الشيخ ابن عثيمين.

        وأزيد عليه ذلك : أن المفسدة تعود عليك أنت، أما مع كثرة ترددك عليه، يحسن لك الشيطان خلقه وصَمته وسَمته وهَيئته، وطريقته في التدريس وشرحه وفوائده، حتى يحببه إليك فلا تستطيع بعد ذلك أن تفارقه فتحب ما هو عليه.

        ولقد قَدِمَ رجل عل بعض أهل الأهواء، كأنه عمر بن عبيد إن لم في حفظي، فدخل عليه رجلٌ كان يرى أن عمرًا كان من أهل الضلال وأهل الزيغ وأهل الانحراف، فلما جالسه المرة الأولى والمرة الثانية وخرج يقول: ( هل دين الله إلا ما عليه عمر بن عبيد!)، إذًا من توقيرهم الدراسة عليهم والأخذ عنهم، وإنما أطلت في هذه المسألة نوع إطالة ما تقدم، نظرًا في وجود بارك الله فيكم من يشبه في هذا الأمر برواية أهل الحديث.

        ولا شك إخوتي في الله، أن النبي-صلى الله عليه وسلم-كما تعلمون، قد لعن الذي يؤوي صاحب البدعة، فقال: ( من آوى محدث فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).

        قال الشاطبي في الاعتصام: ( فإن الإيواء يجامع التوقير)، إذً توقير أهل البدع من كبائر الذنوب، لأن الإيواء والتوقير يجتمعان في ذلك، قال: ( فإن الإيواء يجامع التوقير ووجه ذلك ظاهرٌ، لأن المشي إليه والتوقير له تعظيم له لأجل بدعته، وقد علمنا أن الشرع يأمر بزجره وإهانته وإذلاله، بما هو أشد من هذا كالضرب والقتل، وهذا يقصد تعزيره من قبل ولاة الأمور)، يقصد الشاطبي تعزيره من قبل ولاة الأمور بالضرب والمنع والقتل،(فصار توقيره صدودًا عن العمل بشرع الإسلام، وإقبالًا على ما يضاده وينافيه، والإسلام لا ينهدم ، إلا بترك العمل والعمل بما ينافيه، وأيضًا فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم:

        إحداهما : التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما هو عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى إتباعه على بدعته دون إتباع أهل السنة على بدعتهم.

        والثانية: أنه إذا وقر من أجل بدعته صار ذلك كالحادي، يعني المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء)، انتهى كلام الشاطبي-رحمه الله-، وقد تقدم ولكني قد أحببت أن أعيده على مسامع إخواني حفظهم الله تعالى، ونفعنا وإياهم بكلامه وكلام رسوله-صلى الله عليه وسلم-وهدي سلف هذه الأمة.

        كذلكم أيها الأخوة في الله، من صور التوقير بعد ذكر التدريس:

        تولية أهل الأهواء والبدع: توليتهم المناصب وتوليتهم الوظائف، وتوليتهم خصوصًا المناصب الدينية والتعليمية، فإن في تولية أهل البدع المناصب الدينية والمناصب التعليمية، توقير وتعظيم وفي ذلك أيضًا مفسدة، وفي هذا يقول الشيخ العلامة شيخ شيوخنا العلامة حمود بن عبد الله التويجري-رحمه الله تعالى- أحد السيوف المسلولة على أهل الأهواء والبدع في هذا العصر-رحمه الله،
        يقول بعد أن ساق جملة من الآثار في الهجران والبعد والمجانبة لأهل الأهواء، يقول-رحمه الله-: ( وكلام السلف ومن بعدهم من أئمة الخلف، في هجر أهل البدع ومن يميل إليهم كثيرًا جدًا، وفيما ذكرت وهنا كفاية إن شاء الله تعالى)، يقصد كتابه تحفة الأخوان فيما ورد في المولاة والمعاداة والحب والبغض والهجران.

        قال: ( ومع هذا فقد أبى أهل العقل المعيشي) هكذا يسميهم، الملاطفون المهادنون لأهل الأهواء، قال: ( فقد أبى أهل العقل المعيشي، إلا أن يخالفوا ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها، فتراهم يبالغون في توقير أهل البدع وتعظيمهم، ويحرصون على مؤاخاتهم، ومُصاحبتهم ودعوتهم إلى منازلهم، والدخول عليهم في بيوتهم ومُؤاكَلَتِهم ومشاربتهم، والأنس بهم والانبساط معهم، وتوليتهم للأعمال من تعليم وغيره)، وهذا محل شاهدي من نقل هذا الكلام.

        قال: ( وتوليتهم الأعمال من تعليم وغيره، لا فرق عندهم بينهم وبين أهل السنة)، أعوذ بالله من الخذلان وعمى البصيرة، وقد صار تقريب أهل البدع وتوليتهم في وظائف التعليم والوثوق بهم في ذلك، سببًا في إفساد عقائد كثير من المتعلمين وأخلاقهم، ذكرهم أيضًا (بترك المأمورات و في ارتكاب المنهيات) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، انتهى كلام الشيخ حمود-رحمه الله تعالى-رحمة واسعة وغفر له.

        إذًا لَفي توليتهم المناصب، وخصوصًا المناصب الدينية والتعليمية، بل إن في ذلك إضاعة للأمانة، وهذا الذي أخبر به النبي-صلى الله عليه وسلم-كما في صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة لما كان النبي-صلى الله عليه وسلم-جالسًا مع أصحابه، فدخل رجلٌ أعرابي فقال: (يا رسول الله متى الساعة؟) فاستمر النبي-صلى الله عليه وسلم-في حديثه، فقال بعض الناس: (سمع ما قال فَكَرِهَ ما قال)، وقال بعض الناس: (النبي لم يسمع ما قال)، فلما قضى حديثه قال-صلى الله عليه وسلم-: (أين أراه السائل عن الساعة؟)، قال: (ها أنا يا رسول الله)، قال: (فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)، قال: (كيف إضاعتها؟)، قال: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).

        وإن من بديع فقه الإمام البخاري وحسن تصنيفه ودقة فهمه، أنه أودع هذا الحديث ووضعه في كتاب العلم من صحيحه، وفي ذلك إشارة إلى أن أعظم الأمر، هو أمر العلم الديني الشرعي، علم الإفتاء وعلم الدعوة والإرشاد والتعليم، فهذا أعظم المناصب وأعظم الأمر، فإذا وُسِّدَ إلى غير أهله فذلك من أشراط الساعة.

        ولهذا أيضًا جاء في الأحاديث الكثيرة، وهذا يلحق بما تقدم، من أن الأخذ عن أهل الأهواء والبدع من توقيرهم والدراسة عليهم، ما جاء في الحديث الصحيح، أن النبي-عليه الصلاة والسلام قال: (إن من أشراط الساعة أخذ العلم عن الأصاغر)، وقد فسر (الأصاغر) عبد الله بن المبارك وجماعة غيره معه.

        بأن الأصاغر هم: أهل الأهواء البدع، فإذا كان الأمر كذلك، فإن في أخذ العلم عنهم مع كونه من توقيرهم، فإن ذلك من أشراط الساعة، نسأل الله العافية و السلامة.

        فإذًا توقيرهم بأي نوع من أنواع التوقير، بيع كتبهم وأشرطتهم ونشرها، بث حلقاتهم في قنوات الوسائل الإعلامية الحديثة-مقروءة مسموعة مرئية-، بث ونقل أشياء من كتبهم في هذه المواقع وفي هذه الصفحات الإلكترونية، كل هذا يدخل في توقيرهم، والوقت قد أزف أن ينتهي كما يقال.

        وقد وجه شيخنا العلامة الفقيه الأديب الأريب، الشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي-حفظه الله-ووسع عليه في طاعته، رسالة هامة في آخر كتابه: (الإرهاب وآثاره السيئة على الأفراد والأمم)، فله ملحق في آخره وطبع هذا الملحق مفردًا، وننصح الأخوان بالإطلاع عليه،.

        فإنه بعث رسالة قال: (نداء مفتوح يا أهل المكتبات العامة والخاصة، من الفقير إلى عفو ربه زيد بن محمد بن هادي المدخلي، إلى إخوتي الكرام في الإحسان والإيمان والإسلام، أعني أصحاب المكتبات التجارية والحكومية والمنزلية في بلادنا السلفية، وفق الله الجميع لطاعته والسعي في رضاه.

        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

        أما بعد:

        فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو, ثم أذكر نفسي وإياكم والذكري تنفع المؤمنين أذكركم بما تعملون من أنه يجب على المكلفين حفظ خمسة أشياء هي: الدين, والعقل, والعرض, والدم, والمال, وأولى الناس بحفظ هذه الأشياء أمة الإسلام عموماً وطلاب العلم خصوصاً.

        وإذا كان الأمر كذلك فإنه يوجد في عصرنا الحاضر كتب ونشرات وأشرطة في المكتبات التي أشرت إليها آنفاً, هذه الكتب معظمها في المكتبات التجارية تباع وتشرى).

        ثم مثل بجماعة من أصحاب هذه الكتب كثيرة أسماءهم، قال: (وذلك ككتب سيد قطب ومحمد قطب ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي وأبو الأعلى المودودي وحسن البنا وعمر التلمساني وحسن الترابي السوداني وعبد الرحمن بن عبد الخالق).

        ثم ذكر جماعة إلى أن قال-حفظه الله-: (وتلامذة البنا وآل قطب وأمثالهم من كل قائد أو زعيم أو صاحب انتماء إلى فرقة من الفرق التي ناهضت المنهج السلفي في كثير أو قليل من أبواب العلم والعمل عبر زمن هذا العصر، ذلك أن مؤلفات وأشرطة ونشرات هؤلاء المدونة أسماؤهم فيها والمقبول وفيها المردود, وفيها الغث وفيها السمين).

        إلى أن أطال في نصيحته، فقال-حفظه الله-: ( وأخيرًا: فما خطابي هذا إلا همسة بل صرخة في آذان قلوب الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه من أهل المكتبات التجارية الذين امتلأت مكتباتهم بكتب القادة الحركيين وتلاميذهم، إن عليهم أن يصفوا مكتباتهم من كتب أولئك ويملئوا رفوفها بكتب علم الكتاب والسنة وما أخذ منهما منهج السلف, ذلك أتقى وأبقى, ورزق الله محدود ومكتوب وخيره ما جاء من وجوه الحلال, بل وما جاء من وجوه الحلال فلا يأمن صاحبه سؤال الله فيه.

        فما بالك يا أخي بما أخذه من وراء بضاعة فيها غش للمسلمين والمسلمات،كبيع كتب أولئك المؤلفين وكتب الذين دونت أسماءهم سابقاً, وحذرت منهم سابقاً ولاحقاً, كما حذر منهم ومن كتبهم علماء ربانيون ناصحون وذلك بعد اطلاعهم على خطر ما في كتبهم, ويوم تصفى المكتبات المذكورات منها, وتوضع كتب العلماء السلفيين في محلها بديلاً منها وما أجمل البديل الصافي حينما يحل محل ما خلط بكدر)، إلى آخر كلامه-حفظه الله-.

        فهذا كله حفظكم الله تعالى، يعتبر من التوقير ويعتبر بالحقيقة من الدعوة ، من توقيرهم بل من الدعوة لهم أهل الأهواء والبدع الثناء عليهم ومدحهم، وفي ذلك تغرير في المسلمين، تغرير المسلمين والعامة رجالًا ونساءً في ذلك.

        وقد سئل الإمام شيخ الإسلام في هذا العصر عبد العزيز بن عبد الله بن باز-رحمه الله تعالى-، وأنا على جناح سفر كما تعلمون، لا يحضرني كثير من المراجع التي كنت أحب أن تكون بين يديَّ لأنقل لأخواني بعض ما يفيد في هذا الموضوع، لكن في ذهني أيضًا هذه الفتوى لسماحته-رحمه الله تعالى-، في شرحه لفضل الإسلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب، فإنه سئل عن من يمدح أهل الأهواء والبدع ويثني عليهم، هل هو منهم؟، فقال-رحمه الله-: (هذا داعٍ إليهم، هذا يدعوا إليهم والواجب ترك الثناء عليهم) أو نحو ذلك، فتوى له بنحو ثلاثة أسطر، ما أحفظ منها إلا هذا الجزء الذي ذكرته لكم.

        فإن الثناء على أهل الأهواء، ولعل بعض إخواننا إن شاء الله منكم وممن يسمع، سواءً في المجلس في قطر، وفقني الله وإياكم وحرسنا الله وإياكم من الفتن والشرور، أو من يسمع عبر (شبكة سحاب)، لعله أن يأتي بهذا الكلام كاملًا للشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-، ويضعه إما في محله من كلامي، وإما أن يضعه مفردًا حتى يطلع عليه الناس، ويعرفوا تحذيرات هؤلاء العلماء من أهل الهواء والبدع.

        توقيرهم له صور كثيرة، وإن أحببت وأنا مترددًا أن أختم بهذه القصة، وأن تنظروا ذلك الفعل الذي اجتهد فيه الإمام الدارقطني-رحمه الله-أين هو من الأفعال اليوم؟.

        اليوم يسعى للتحالف مع أهل الأهواء والبدع في مؤتمرات وبيانات ومحاور ولقاءات، يدعى لها مئات ممن يسمى بعلماء العالم الإسلامي والمفكرين، وكلهم يقررون أن يتآخوا مع الروافض ومع المتصوفة وأصحاب وحدة الوجود، ومع الأشاعرة ومع الجهمية ومع المعتزلة، وينابذون المنهج السلفي الصحيح.

        والمتابع منكم لا يخفى عليه كثير من ذلكم الظلام والضلال، الذي يبث الآن باسم الإسلام وباسم الوسطية وباسم الاعتدال وباسم حرب الإرهاب، وباسم كذا وكذا.

        وما أعجب هؤلاء القوم، يوم يمس جناب النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، من قبل الرسام في هولندا في بعض هذه الدول، تحت ستار الدفاع عن النبي-صلى الله عليه وسلم-تبرز الدعوة إلى وحدة الأديان، وإلى احترام جميع المقدسات، هكذا يقولون!!، وطالب أئمة مساجد عظيمة مقدسة في قلوب المسلمين، إلى أن تستصدر قرارات أممية من الأمم المتحدة، تُجَرِّم وتُحَرِّم وتمنع المساس بالمقدسات والديانات، إذا ما يقدسون الروافض والبوذيون والمجوس والهندوس، كل مُقَدَّسٍ يقدسه فئات من أهل الأرض، لا يجوز أن يمس ويجب أن يستصدر قرار يجنب المساس بذلك.

        إن هذا القرار سَيُجَرم الكتاب والسنة، إن هذا القرار سَيُجَرم الأنبياء والمرسلين، إن هذا القرار سيجرم الصحابة والتابعين وخلفاء الإسلام الذين اعتزوا بدينهم ورفعوا رايته، فتحت ستار الدفاع عن النبي-صلى الله عليه وسلم-غُذِيَ كثير من العقول للأسف الشديد ودخلت وانطلت في الصحف والجرائد في أماكن شتى من العالم الإسلامي، وفي البرامج المسموعة والمقروءة، كل ذلك أدخل لوحدة الأديان، واحترام الأديان، واحترام المقدسات كلها، كانوا يحصرونها بالأديان السماوية،كما ويعبرون في التعبير بالأديان تحقب (الدين واحد والشرائع شتى)، لكن توسعوا بعد ذلك إلى كل مقدسٍ، أمة تعبد فئران وتقدسها لا تمس، أمة تقدس الأضرحة والقبور لا تمس، أمة تقدس بوذا لا تمس، إذًا كل مقدسات لا يعترض لها وهكذا الباطل.

        واليوم تعود القصة من جديد، وأبطال القصة الماضية، هم أصحاب القصة الحاضرة، المفكر الإسلامي فلان، وهيئة فلآنية، وعلماء العالم الإسلامي الفلاني، والجماعة الإسلامية الفلانية، والأسماء لا تخفاكم.

        فماذا تحت ستار الإرهاب والشكوة من وطأته، بدلًا أن يرشدوا الولاة وينصحوا لولاة أمور المسلمين وفقهم الله، وأن يرشدوا المسلمين إلى منابع الإرهاب الحقيقية والتكفير، وأن يرشدوا إلى المدارس وإلى الدعاة الذين غَزَوا الشباب بالفكر الإرهابي التكفيري بدلًا من ذلك، تحت ستار وغطاء حرب الإرهاب يدعون إلى تبييض الفوارق وجمع المذاهب الإسلامية الثمانية، الأربعة الفقهية مع الجعفرية مع الزيدية مع الإباضية مع كل هذا وأنهم متفقون على أصول الدين، وإنما اختلافهم في الفروع إلى غير ذلك من الكلام الباطل، نسأل الله العافية والسلامة.

        فهكذا يفلحون أو تحدث لهم قضية، ثم يستغلون تلك القضية لمحاربة أصول الإسلام ومصادمة شريعة الإسلام ومحاربة أصول السنة.

        فالأمر في الحقيقة، يقول: ولكن أقول لكم أين هذه الدعايات كلها، من صنيع صنعه الإمام الدارقطني مجتهدًا، لعله كان يتألف الباقلاني أو لا يدري عن بعض أقاويله، قابل الباقلاني أبو بكر محمد بن الطيب الأشعري ، فسلم وقبل بين عينيه، ولما مشى سأله أبو ذر الهروي تلميذه: من هذا يا إمام الذي تصنع به هذا الصنيع، تُقَبِلُه وتُعَظِمه؟ قال: هذا فلان بن فلان أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، الذي يذب عن الإسلام ويرد على الفلاسفة والمعتزلة، قال أبو ذر الهروي فلزمته، هذا لما سُئِلَ عن الأشعرية فأخذ منه الأشعرية، ثم إن أبا ذر الهروي جلس في مكة وصار آخر المغرب الإسلامي يفدون إليه، فأخذوا عنه المذهب الأشعري.

        ووقف له وتصدى(**) أبو نصر-رحمه الله-وجرت بنهم أمور وأمور تراجعونها في كتب التراجم والسير، وتعارض العقل والنقل وغيرها من الكتب، لكن شاهدي هذا الفعل العارض، وانظروا دفع التلميذ إلى أن ترك شيخه الإمام الحافظ السُني السلفي الأثري الكبير، الذي قل أن يكون له نظير في علل الحديث وألف المؤلفات المفردة في العقيدة السلفية، ألف كتاب (النزول) ألف كتاب (الرؤيا) ألف (المفردات في العقيدة السلفية)، الحافظ الجامع للعلوم-رحمه الله-، ولكن هذا الفعل إن ثبت ثبوت هذه القصة، وأنا بعيد أهل بها.

        فنقول هذا الفعل لا لعله لا يدري بأشعريته لعله تألفه، فانظروا كيف جر هذا الأمر، فهذا الصنيع من هذا الإمام السلفي الكبير، فكيف اليوم بما يدعى إلى تعظيم أهل الأهواء عبر الوسائل وعبر القنوات وعبر الإذاعات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

        أستغفر الله أولًا ثم أعتذر لأخواني جزآهم الله خيرًا الذين تكلفوا وتجشبوا أن يسمعوا هذه الكلمات المعادة على أسماعهم، ولكني أرجوا أن أنال أجر الإعادة والتذكير، وأسأل الله العلي القدير سبحانه أن يكلأنا وإياكم برعايته وحفظه، وأعتذر منكم إخوتي في الله إذ وضع المسافر غير وضع المقيم، لعلي أكتفي بهذا القدر-حفظكم الله-.

        جزا الله الشيخ عادل بن منصور خير الجزاء على ما قدم وأفاد، ونسأل الله عز وجل أن يجعل هذا في موازين حسناته، وشكر له مرة أخرى تكبد هذا العناء بإلقاء هذه المحاضرة وهو على سفر، ونسأل الله عز وجل أن يبارك فيه وفي عمره وفي عمله.

        تم بحمد الله
        قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
        الأربعاء الموافق: الثامن من شهر ربيع الآخر لعام 1431 للهجرة النبوية الشريفة

        تعليق


        • #5
          جزا الله الشيخ عادل بن منصور خير الجزاء على ما قدم وأفاد، ونسأل الله عز وجل أن يجعل هذا في موازين حسناته، وشكر له مرة أخرى تكبد هذا العناء بإلقاء هذه المحاضرة وهو على سفر، ونسأل الله عز وجل أن يبارك فيه وفي عمره وفي عمله.

          تعليق

          يعمل...
          X