:: ( بهذا يهدم الإسلام ؟ ) لفضيلة الشيخ / أبي العباس عادل بن منصور :: (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الأول من المحاضرة كان بتاريخ 22 ربيع الأول 1431 هـ .
الجزء الثاني من المحاضرة كان بتاريخ 6 ربيع الآخر 1431 هـ .
الجزء الثالث من المحاضرة كان بتاريخ 27 ربيع الآخر 1431 هـ .
الجزء الثاني من المحاضرة كان بتاريخ 6 ربيع الآخر 1431 هـ .
الجزء الثالث من المحاضرة كان بتاريخ 27 ربيع الآخر 1431 هـ .
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء و سيد المرسلين ، سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
ثم أما بعد :
فيسرنا في هذه الليلة المباركة إن شاء الله ليلة الثلاثاء ، الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول ، لعام إحدى وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، أن نستضيف عبر الهاتف الأخ الشيخ عادل بن منصور المُكَنّْى ( بأبي العباس ) ، في محاضرة بعنوان ( بهذا يهدم الدين ) .
نسأل الله عز وجل أن يجزي الشيخ خير الجزاء ، وأن يبارك في وقته وعلمه ، وليتفضل الشيخ مشكورا ً مأجورا ً ، تفضل يا شيخ .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه و على آله وأصحابه ومن اهتدى بِهَديه واقتفى أثره إلى يوم الدين .
أما بعد:
فحياكم الله وبياكم أيها الأخوة الكرام ، وأسأل الله جل وعلا أن يجعل هذه المذاكرة في هذا اللقاء مما يقربنا لديه زلفى ، وأن يزيدنا وإياكم به علما ً نافعاً وعملا ً صالحاً .
والأمر كما سمعتم أخينا وفقه الله تعالى ، أنه مذاكرة ومباحثه مع إخواني في الله عز و جل عبر الهاتف حول هذا الموضوع المهم ، لأنه موضوع يتعلق بأعظم نعمة أنعمها الله سبحانه وتعالى على أهل الأرض ، بإنزال الكتاب وإرسال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
والرسل من قبلهم والكتب السابقة دعوة إلى الإسلام الذي لا يقبل الله سبحانه وتعالى من أحد سواه ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (85- آل عمران) ، ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) (19- آل عمران ) ، فدين الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام هو الإسلام ، هو توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة ، والإيمان بكتبه وطاعة رسله عليهم الصلاة والسلام ، فيما يأمرون به واجتناب ما ينهون عنه ، وكل ذلك تحقيق لمصالح الدارين ، مصلحة العباد في هذه الدار ومصلحتهم يوم القيامة ، إذ يلقون ربهم سبحانه وتعالى فيجازيهم على أعمالهم ، ويسألهم سبحانه وتعالى السؤالين العظيمين ، اللذين عليهم مدار الأحداث والوقائع يوم القيامة ، وهما : ماذا كنتم تعبدون ؟ وماذا أجبتم المرسلين ؟ .
فنعمة الإسلام نعمة عظيمة ، أنعم الله بها على الأمم تترى من قديم الزمان ، والله جل و علا يرسل رسله وأنبياءه الذين لا يعلم عددهم إلا هو سبحانه وتعالى ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) (24- فاطر) ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) (36- النحل ) ، وقال جل و علا : ( مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) ( 78-غافر) ، ومن الأنبياء و الرسل من قصهم الله عز و جل ، قص أخبارهم وذكرهم لنبيه وللأمة في الكتاب والسنة ، ومن الأنبياء والرسل من لم يقص الله عز و جل على نبيه أخبارهم ، كل هؤلاء الأنبياء والمرسلين عليهم من ربهم أفضل الصلاة والتسليم ، دعوا إلى هذا الدين دين التوحيد ( دين الإسلام ) .
ونحن معاشر هذه الأمة ، التي هي آخر هذه الأمم ، والموفية سبعين أمة هي خيرها وأفضلها عند الله عز وجل ، وكتابنا القرآن لا كتاب بعده ، ناسخ لكل ما تقدم ومهيمن عليه ، ورسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا نبي بعده ولا رسول ، خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام ، واقتضى ذلك أن تكون شريعته شريعة كاملة ، مصلحة لكل عصر ولأهله وكل زمان وأهله ، شريعة لا تحتاج إلى نسخ ولا استدراك بعد موت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فهي كاملة لا نقص فيها ولا عِري ، شاملة لمصالح الدارين للعباد على اختلاف أجناسهم وألوانهم وطباعهم وعاداتهم .
هذه النعمة العظيمة التي أتمها الله وأكملها كما قال جل و عز في كتابه الكريم : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) ( 3-الأنعام ) ، وإن من يعرف قدر هذه النعمة ويرضاها حق الرضا ، يتقطع قلبه خوفا ً أن يمس هذه النعمة نقص ، أو أن يلحقها إيذاء أو إفساد يسعى به أعداءها ، أو يقع فيه جهلة أنباءها .
هذه النعمة العظيمة قام بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وخير القرون خير قيام ، قاموا بها علما ً نقيا ً ، وقاموا بها عملا ً صالحا ً تقيا ً، فبرّوا في علومهم وبرّوا في أعمالهم ، ونقلوا هذه النعمة صافية نقية إلى تلامذتهم وأصحابهم والأمة من بعدهم إلى تابعيهم ، وهكذا التابعون إلى تابع التابعين وهم ينقلون هذه الأمانة ويؤدون هذا الميراث النبوي الكريم ، إلى من أخذه عنهم ، وصدق الله جل وعلا له الهدايه ، سبق له من ربه عز وجل الهداية والتوفيق لقبول هذا الميراث العظيم ، والعبودية لله تبارك وتعالى به ، فقاموا الصحابة رضي الله عنهم بهذه النعمة العظيمة خير قيام ، ما كان فيمن مضي ولم يأتي أحد ممن بقي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، من يقوم بهذا الدين ومن يحفظ هذه النعمة كما قام بها وحفظها أولئك رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم .
تكملت علومهم واتضحت لهم السبل وبان لهم الطريق ، وميزوا بين الحق والباطل والهدى والضلال ، لأنهم أعرف الخلق به وأعرف هذه الأمة بكتاب ربها وسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ومن كان أعرف بالكتاب والسنة وبالميراث النبوي ، كان أعظم فرقانا ً من غيره ، لهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في المجموع ، الجزء الثالث عشر الصفحة السادسة ، فصل في الفرقان بين الحق والباطل ، وأن الله بين ذلك بكتابه ودينه ، ( فمن كان أعظم إتباعا ً لكتابه الذي أنزله ونبيه الذي أرسله ، كان أعظم فرقاناً ، ومن كان أبعد عن إتباع الكتاب والرسول ، كان أبعد عن الفرقان واشتبه عليه الحق بالباطل ، كالذين اشتبه عليهم عبادة الرحمن بعبادة الشيطان ، والنبي الصادق من المتنبئ الكاذب ، وآيات النبيين بشبهات الكذابين ، حتى اشتبه عليهم الخالق بالمخلوق ) ، حتى اشتبه عليهم الخالق بالمخلوق ، فهذا الفرقان لا يحصل إلا بإتباع ما أنزله الله تبارك وتعالى فرقانا ً ، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فكان الصحابة رضي الله عنهم في اكتمال علمهم في الكتاب والسنة ، كانوا هم أعظم الناس فرقانا ً، وأعظم الناس شكرا ً، وأداء ًلحق هذه الثقة نعمة الإسلام ، فمن كان متبعاً لهم ومقتفيا ً لهم في كل أبواب الدين فلا شك أنه أسعد بمعرفة الفرقان ، وأسعد بالمحافظة على هذه النعمة من غيره ، لهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في المصدر السابق بعد صفحات في صفحة أربعٍ وعشرين : ( فمن اتبع السابقين الأولين كان منهم وهم خير الناس بعد الأنبياء ، فإن أمة محمد خير أمة أخرجت للناس وأولئك خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت في الصحاح من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) ، ولهذا كان معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم ، خيرا ً وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين في جميع علوم الدين وأعماله ،كالتفسير وأصول الدين وفروعه والزهد والعبادة والأخلاق والجهاد وغير ذلك ، فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة ، فالإقتداء بهم خير من الإقتداء بمن بعدهم ، ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير وانفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم ) ، إلى آخر كلامه في هذا الفصل ، هو كلام ماتع مهم في غاية الأهمية .
فهم رضي الله عنهم معرفة بهذه النعمة العظيمة نعمة الإسلام لأنهم عاشوا الجاهلية وعاشوا الإسلام ، فعرفوا قدر هذه النعمة واتضح لهم السبيل ، ولهذا ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى عند كلامه في كتابه الفوائد على قول الله تبارك وتعالى ( وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ) (55 الأنعام ) ، وذكر أقسام الناس في معرفة سبيل المؤمنين عن سبيل المجرمين ، وذكر أن أعرف الناس في ذلك ونقل المقولة العمرية المشهورة في أنه عندما يحصل النقص والضرر على الإسلام وأهله إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية ، ( تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية ) ، وذكر بعد ذلك فضل الصحابة رضي الله عنهم ، وكمال علمهم ومعرفتهم تفصيلية بسبيل المؤمنين من سبيل المجرمين ، ومعلوم أن خيرهم وأفضلهم عشرة وخير العشرة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي .
وكلمة الليلة هي مقولة من وصية عمرية فاروقية سلفية ، عمر الفاروق الذي كثرت فضائله وتعددت مناقبه كان الصحابة يقولون : ( إن الحق ينطق على لسانه ، وافق ربه في أحكام ) رضي الله عنه ، ولو كان نبي بعده لكان عمر هذا الحديث الذي حسنه بعض أهل العلم ، وهو الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه أنه شرب لبناً ثم أعطاه عمر فشرب منه ، فلما قيل له ما أوَّلتَه ، قال : ( العلم ) ، قال العلم .
فهذا الفاروق الذي يسلك فجاً فيسلك الشيطان فجاً آخر ، ينبغي العناية بوصاياه و بكلماته وبإرشاداته وتوجيهاته رضي الله عنه وأرضاه ، فهو أفضل هذه الأمة بعد نبيها وبعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وهو العالم الكبير بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
الليلة مذاكرتي معكم أيها الأخوة بكلمة من كلمات هذا الصحابي الجليل التي ملئت علماً وملئت فرقاناً وملئت بياناً وإيضاحا ً كلمة كأنما تخرج من المشكاة ، دلائل صحتها كثيرة في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، كما سيأتي ذكر بعض ذلك إن يسر الله سبحانه و تعالى من خلال هذه المذاكرة .
روى الدارمي وغيره بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال : ( يهدم الإسلام ثلاث ) أي ثلاث خصال أو ثلاثة أمور ( يهدم الإسلام ثلاث ، زلة العالم ، وجدال المنافق بالقرآن ، والأئمة المضلين ) ، وهذه الثلاثة جاءت مرفوعة من النبي صلى الله عليه و على آله وسلم ، سبحان الله وبحمده ، ولا يصح المرفوع وإنما يصح الموقوف على عمر رضي الله عنه ، وثمة خصلة رابعة أيضا ً رويت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أيضا ًولا تصح مرفوعة ولكنها تصح عن جمع من الأئمة من تابعي التابعي ونحوهم ، وصايا سنية كما ثبتت بالإسناد الصحيح عن يوسف بن أسباط ، وثبتت في الإسناد الصحيح عن الفضيل بن عياض ، قال يوسف بن أسباط ( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ) وقال الفضيل بن عياض كما رواه أبو نعيم وغيره بسند صحيح ( من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ) .
وإني أرى بادئ ذي بدئ أن كلمتي الليلة مع إخواني في الله لا يمكن أن تستوعب هذه الأربع الخصال المهمة التي معرفتها من معرفة الشر الذي يجب لاتقائه وللحذر منه ولمعرفة سبيل المجرمين ، ووسائل المُحدِثين التي من خلالها أدخلوا النقص على الدين وأهله وحرفوا الكتاب المنزل وسنة الرسول المبعوث المرسل عليه الصلاة والسلام ، حرفوهما عن مراد الله وعن مراد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لكني لعلي أقتصر الليلة إن شاء الله تعالى على خصلتين أو واحدة حسب ما ييسر الله عز وجل ، ونرجئ ونؤخر الباقي إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
فأرجوا من الأخوة الصفح عن التقصير في تهيئة وإعداد الموضوع حقه ، لأن الموضوع أو اللقاء له حقان ، حق الإخوان في الله الذين حضروا وتجشبوا وتركوا أشغال وارتباطات وأمور تركوها للحضور والاستماع من أخيهم ، والحق الثاني حق العلم نفسه وحق هذه الوصية وحق هذا التحذير العمري الفاروقي النَيِّر المهم ، الذي حوادث أمتنا اليوم لا تخرج عما ذكره الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، في هذه الوصية التحذيرية التنبيهية عظيمة الشأن جليلة القدر ، فهذان حقان أعتذر ابتداءً عن التقصير فيهما ، فأبدأ بأول خصلة ذكرها الفاروق ، وقبل هذا أشيد إلى أمر عام أرجوا أن ينتبه له الأخ المستمع وأن يتأملوه حق التأمل .
هؤلاء الثلاثة أو الخصال المذكورة في هذا الأثر لا يستوون من حيث المقاصد والنيات ، ومن حيث العمد والخطأ ، لكنهم استووا من حيث الأثر السيئ على الأمة وعلى الدين ، وهذا يدلنا على أن الأفعال بآثارها لا بمقاصد أصحابها ، فمن ذا الذي يساوي بين عالم سنِّي سلفي واسع العلم مُجِد مُخْلِص في ابتغاء مرضاة الله ، متابع للحق متحري له باذلاً وقته وجهده وعمره كله في البحث عن مراد الله و مراد رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعما أنزله الله إلى رسوله عليه الصلاة والسلام والتزم ذلك ، وعمل به ثم زل زلة وهفا هفوة وغلط غلطة ، من ذا الذي يساوي بين هذا وبين منافق يجادل بكتاب الله يريد إضلال الأمة ويبتغي بذلك الفتنه ، ويريد أن يُحَصِّل بذلك شهواته وملذاته ، وأن يستر نفاقه بحجاجه بآي القرآن الكريم ، وأن يتقي بالقرآن وأن يتخذه جُنَّة لضلاله وانحرافه المتعمد المتقصد ، أو يساوي بين ذاكم العالم وبين إمام ضلالة ، يقصد نشر الضلالة ويعمد إلى تحرير الدين وإلى الحكم بغير ما أنزل رب العالمين ، لكن ليست العبرة فقط بالمقاصد .
انظروا كيف جعل الفاروق رضي الله عنه أثر الجميع سواء ، جعل الأثر السيئ على الإسلام سواء ً ، مع أن الأول مسكين ما قصد ولا أراد ، بل هو الباذل نفسه الباذل علمه والباذل وقته حماية للإسلام ، وصونا ًلحياطه ونشرا ً لأحكامه وبيانا ً لمحاسنه ، ومع ذلك كانت زلته هدما ً لهذا الدين .
فالفاروق رضي الله عنه في هذه الكلمة العمرية العظيمة الجليلة القدر ، لم يفرق من حيث الأثر بين هذا العالم السني كبير القدر جليل الشأن واسع العلم ، الباذل ما يبذله مما أقدره الله عليه في نشر الإسلام ، ما فرق بين أثره إذا زل وانتهج النهج الخطأ في زلته كيف أثره ، ولم يفرق بين أثره و أثر المنافق المجادل في القرآن وأثر حكم الأئمة المضلين ، الأثر واحد والأشخاص يختلفون من حيث العمد والقصد ، خطأ ، هذا يدلنا على بعد النظر وأننا لا ننظر فقط إلى المقاصد ، وهذا يوم بدأ عبد الله بن مسعود فأنكر بدايات الإحداث وأنكر طلائع الخوارج ، ببدع تسمى عند المتأخرين ببدع إضافية في قصة الحِلَق _ حِلَق الذكر _ ، التي لا أظنها تخفى عليكم أو على أكثركم ، مما رواه الدارمي بسند صحيح في قصة ابن مسعود مع الحِلَق لمَّا اعتذروا عن إحداثهم ، قالوا : ( والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير ) ، قال رضي الله عنه وأرضاه كلمته المشهورة التي عُدت قاعدة عظيمة موافقة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهي قوله : ( وكم من مريد للخير لا يصبه ) ، كم من مريد للخير لا يصبه ، فهو لا يملك الخير الذي أراد .
وأثر عمر دلنا على أمر زائد ، أنه ليس فقط المشكلة أنه لا يصيب الأجر أو لا يصيب الحق الذي قصده ، ولكن الفتنة أعظم إذا كان هذا عالما ً قدوة ، وصار إماما ً وصار ينظر الناس إليه ، فإن إتباع زلته يهدم الإسلام وهو غير قاصد ولا مريد ، بل هو الباذل كما تقدم ، كل ما تقدم ذكره باذلا ً له من أجل الإسلام والدين ، وبدأ بزلة العالم قبل جدال المنافق وقبل حكم الإمام أو إمام الضلالة ، لماذا ؟ لأن الأثر سيكون أشد ، العلماء ورثة الأنبياء (( والمرسلين ورثة العلم والدين ))، الناس عن العلماء يأخذون ميراث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، الناس بالعلماء يقتدون وبالعلماء يأتسون ، الناس ينظرون إلى ما قال العالم ، وينظرون إلى ما فعل العالم ، وبهذا شاع في من تقدم قولهم : ( زلة العالِم زلة العالَم ) بالفتح ، يَزِلُ بِزَلَّتِه أمم كثيرة ، ويضل بخطئه وزيغه أمم كثيرون وإن كان لا يقصد ذلك ولا يريد ذلك ، تقدم لعظيم الضرر به ، زل في مسألة عقدية أو زل في مسألة فقهية أو زل في رأي من الآراء ، أو زل في مسألة من المسائل أو زل في تعامل تعامله مع محدِث أو مخالف ، كل هذا ينظر إليه كثير من الناس فيقتدون ويعملون بتلك الزلة ، فينتشر الضلال ينتشر الضلال بكثرة العاملين ، ينتشر الضلال بكثرة المحتجين به .
شيخ ؟ قد قال العالم فلان وهو عالم سنة ماذا تقولون فيه ستطعنون فيه ستجرحون فيه ؟ ، لأن قليل البضاعة يحاجج بالرجال ولا يحاجج بالحق ، يحاجج بالرجال ولا يحاجج بالحق ، قد زل بعضنا واختلط نوعاً من العلل أو المسائل ، قد زل قديما ً بعض الفقهاء من فقهاء الكوفة والعراق ، فقالوا كما تعلمون في إباحة النبيذ ، ودلت الأدلة على تحريم النبيذ الذي يقصدون ويتفردون في إباحته ، ليس هو النبيذ الذي كان ينتبذ وإنما هو نوع من المسكر ، ولكنهم هم يرون أن القليل لا يسكر فيرون إباحته .
فابن المبارك رحمه الله إمام جليل القدر معروف ، روى عنه اسحق بن منصور الكوسج في مسائله ، أو روى عن اسحق بن إبراهيم اسحق بن الكوسج روى عن اسحق ابن إبراهيم الحنظلي قال : ( أخبرني أبو وهب أن ابن المبارك قال : حاجني أهل الكوفة في المسكر فقلت لهم : إنه حرام ، فأنكروا ذلك وسموا من التابعين رجالاً ، مثل إبراهيم ونظرائه ) أي من فقهاء الكوفة ، ( فقالوا: ألقوا الله عز وجل وهم يشربون الحرام ؟ فقلت لهم ردًا عليهم : لا تسموا الرجال عند الحِجَاج ، فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاووس ونظرائهم من أهل الحجاز ، فقالوا : خيار .
فقلت : فما تقولون في الدرهم بالدرهمين ؟ ) أين أنتم يا من تتعصبون لقول أهل الكوفة في المسكر ، قالوا نحن نقول : ( فقالوا: حرام. فقلت لهم : أيلقون الله عز وجل وهم يأكلون الحرام ) ، أي أولئك أخبر عنهم أي فقهاء أهل مكة والحجاز ، ذكر عندهم القول في التجوز في الصرف وأن الربا إنما هو ربا النسيئة لا ربا الفضل ، وكان قولهم قريب لابن عباس وتراجع عنه ، والأمر من قصة هذا تطول أي يطول ذكرها الآن ، قال : فقلت لهم: أيلقون الله عز وجل وهم يأكلون الحرام دعوا عند الحجاج تسمية الرجال ) ، يقول دعوا عند الحجاج تسمية الرجال ، فإذاً زلة العالم تزل بها أمم كثيرون ، فقيل فيها ( زلة العالِم زلة العالَم ) .
لهذا والله أعلم قدمها عمر الفاروق على غيرها لأنها تلتبس بالفتوى الشرعية بالحكم الشرعي بالدليل بالبرهان ، ولهذا كان الناس طرفين في وقوع الزلة ، وأقرأ كلاما ًلإسحاق ابن إبراهيم ابن راهويه رحمه الله ، لنعرف من خلالة متى تكون زلة ، نعرف من خلال هذا النقل متى تكون زلة ، إذا كانت مخالفة للكتاب مخالفة للسنة أو مخالفة لما جاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو مخالفة لما جاء عن التابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم ، فهنا تكون زلة ، قال اسحاق رحمه الله : ( وأما العالم ) انتبهوا إلى هذا القيد ، انتبهوا إلى أننا نتحدث عن زلة عالم لا عن جهالات متعالم ، نحن نتحدث عن زلة عالم سُني لا عن جهالات ، نتحدث عن زلة عالم سُني تقي صالح ورع مستقيم عقيدة ومنهجا ً ، فإذا كانت زلة مثل هذا ضررها كما سمعنا من هذا الأثر العمري أنها مما يهدم دين الإسلام ، فكيف بجهالات المتعالمين وكيف بفتاوى فساق العلماء الذين من أمثالهم من قال الله جل وعلا عنهم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ( 34 التوبة ) ، من أمثال الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمَّا سئل : ( متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ ) ، أي متى يحصل منا ذلك ؟ فقال كما في حديث سعد بن عجرة فيما يحضرني وهو حديث صحيح ، صححه شيخنا في الصحيح المسند ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله ،( قالوا : كيف أو متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يا رسول الله ؟ ، قال : إذا ظهر الملك في صغاركم ، والعلم في رذالتكم ، والفسق في كباركم ) ، قال الراوي : في رذالتكم يعني في فساقكم ، يحمل العلم أهل فسق ، فإذا أنكر المنكر احتج الناس بفعل ذلك العالم الفاسق أو بفتواه ، فإذا بالمنكر يترك إنكاره أي يعود الأمر إلى ترك الإنكار ، متى نترك أي متى يحصل منا الترك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ذكر منها الخصال والخلال الثلاثة ومنها أن يكون العلم في الرذالة أي في فساق حملة العلم .
فإذا ً نحن نتحدث الآن وننتقل ونشير إلى زلة العالم ، وكونها إذا لم يتعامل معها التعامل الشرعي الصحيح فإنها مما يهدم الدين ، سواءً زلَّ فحدث به رأي محُدَث في الفقه ، أو زلَّ حدث معه مسألة كلامية محدثة في المعتقد ، فحدث خطأ في منهج دعوي أو مسألة دعوية ، مثل هذه الزلة إذا لم هي التي زل في أشخاص زل في جماعات ثناءً أو زل قدحا ً أو نحو ذلك ، فهذه الزلة إذا لم يتعامل معها التعامل الشرعي أدت إلى ذلكم الأثر الذي عنون لهذا اللقاء ، وهو ( بهذا يهدم الإسلام ) ، بهذا يهدم الإسلام وهو هذا الذي أختاره في العنونة لمثل هذا اللقاء بهذا يهدم الإسلام ، لأن هذا هو أثر عمر بلفظ بهذا يهدم الإسلام ، وأيضا ًاستناداً لحصول بعض الإصدارات فإننا نقول بهذا يهدم الإسلام ، قال : الإسحاق الحنظلي رحمه الله ( وأما العالم يفتى بالشيء يكون مخالفاً لما جاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو التابعين بإحسان لما يكون قد عزب عنه ) أي غاب عنه ، ( وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ ) (61 يونس ) أي لا يغيب ، غاب عنه ، ( أي لما يكون قد عزب عنه معرفة العلم الذي جاء فيه فإن على المتعلمين أن يهجروا ذلك القول بعينه من العالم الذي خفي عليه سنته ، ولا يدخلوا على الراد ذلك نقض ما رد أو نقص ، أو نقص ما رد على من هو أعلم منه ليتببع في ذلك ما أُمرَ.
ثم احتج اسحق بحديث أنا سأورده ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مما أتخوف على أمتي إتباع زلة العالم ) ، ثم فسر المجاز من ذلك فقال : ( أما العالم إذا زل فلا تتبعوا زلته ) فهذا يصدق ما وصفنا .
ولقد قال ابن المبارك وجرى ذكر من يسأل الرأي في عصر سفيان ، فقال : ( ما رأت عيناي قط أعلم من سفيان ) ثم ذكر لابن المبارك مسائل كثيرة قالها سفيان يخالفه ، يعني يخالف ابن المبارك سفيان ، فلم يمنعه معرفته جلالة سفيان كما قال بعد ذلك ، قال : ( فلم يمنع عبد الله ) يعني ابن المبارك ( ما قال في سفيان في أنه أعلم أهل الأرض أن يرد عليه خطأه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، و يظن به الظن الحسن أنه قد فاته ) ، وكان آنفا ً من اقتدى بابن المبارك يلزمه مثل ما لزمه أي (****) ، كلام اسحق رحمه الله تعالى تجدها في مسائل الكوسج في الجزء الثاني من صفحة خمسمائة واثنان وثمانين ، فإذا ً هذا هو الموقف الصحيح فإذا سلك مع زلة العالم غير هذا الموقف ، فإن الضرر السيئ المخوف الذي خافه عمر بن الخطاب يحصل لا محالة ، زلة العالم .
واستحضروا معي وصف العالم الذي نبهت عليه في ما تقدم ، وأننا نتحدث عن زلة عالم سني كبير القدر جليل الشأن في السنة وإتباعها ، فكيف به بإتباع أقوال من ليس بعالم ، كيف بإتباع أقوال من ليس بعالم والاحتجاج بها ، ورحم الله الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى فإنه في مسائل كتاب التوحيد باب من أطاع الأمراء والعلماء في تحليل ما حرم الله وتحليل وتحريم ما أحل الله فقد اتخذهم أربابا ً من دون الله فإنه قد ذكر في الأمراء مسائله أن نزهد حق العالم الذي هو عالم ثم إن الناس قد عبدوا الأحبار أول الأمر في هذه العبادة ، وهي طاعتهم في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله ، قال : ثم في المعنى الثاني عبد من ليس من أهل العلم ، بمعنى اتبع من ليس من أهل العلم ، فكلام الفاروق رضي الله عنه في حق العالم ، فهذا أثر فتوى زلته ، فكيف بالمتعالم وكيف بمن ليس من أهل العلم ومن تزييا بزيهم ومن تشبه بهم وليس منهم ، ومن أدخل نفسه أو ظن نفسه أو ظُن به أنه من أهل العلم فأصبح بفتاويه وبآرائه وبإصداراته مزاحماً منابذاً مضاداً لأهل العلم ، فكيف يحصل بالإسلام وأهله ، فكيف يحصل و أهله ( لا إله إلا الله ) سبحان الله العظيم مما يحصل ،كم يحصل من الضرر وكم يحصل من الإحداث وكم يحصل من الفرقة وكم يحصل من الصد عن سبيل الله بإتباع أمثال هؤلاء .
فزلة العالم هذا ضررها وهذا ضرر إتباعها ، هو في نفسه إذا كمَّل جهده وتحرى فإنه مأجور لما ثبت في الصحيحين من حديث العمر بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ) ، هو في نفسه مأجور وفي نيته صادق وفي عمله غير قاصد ولكن النظر إلى الأثر ، هذا أثر فتواه هذا أثر هذه الزلة أنها تهدم الدين ، يحتج بها المتلونون يحتج بها المتساهلون يحتج بها أتباع الشهوات يحتج بها من يحتج بها من الجهال ونحوهم ، فيحصل في ذلك الضرر ويدخل على الإسلام النقص ، وهذا إذا كان في حق العالم إخوتي في الله فكيف بحق غيره .
ولهذا تتابعت الوصايا عن السلف رضي الله عنهم وأرضاهم بالتحذير من إتباع زلة العلماء ، وأن من تتبع رخص العلماء أو من تدين بزلات العلماء فقد تزندق ، وفي بعض ألفاظ من وصانا من علمائنا من المتقدمين رحمهم الله ، أنك إذا تتبعت زلات العلماء فقد اجتمع فيك الشر كله الشر كله ، ولقد وجد من التلفيق الفقهي وهو أنهم يأخذون بزلة قالها الإمام من أئمة المذاهب الأربعة ، أو قالها بعض أصحابه أو بعض أصحاب الوجوه في مذهبه ، أو بعض أصحاب الأقوال في مذهبه أو فتوى أفتى بها تابعي وزل وشذ عن باقي الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم ، فيأتي من يتبع الهوى ويأخذ من هذا القول أسهله ومن ذاك المذهب أرخصه ، ومن ذاك العالم أزل ما قال ومن ذاك أشد ما أخطأ فيه ، ويجعل له مذهبا ً فإذا أنكر عليه قال كيف تفسقون العالم الفلاني والإمام الفلاني ، أنا ما خرجت عن قول الأئمة الذين مضوا ، وأنا ما استدرجت إلا من كتب فقهاء الإسلام ، وأنا ما قلت إلا بقول عالم قد سبقني ، وأنا ما أفتيت إلا بقوله ويحتج بهذا بقوله ويحدث (***) مسحوبة زائلة عن قلوب أهل الإيمان الذين استسلموا لله تبارك وتعالى وانقادوا لشرعه ، فإنه إذا صح الدليل والبرهان كما قال الإمام أحمد : ( عجبت لمن عرف الإسناد وصحته ويذهب لرأي سفيان ) .
وزلة العالم تكون كما قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( زلة العالم الواجب ألا يتبع فيها ) ، وأيضا ً الواجب إذا قلنا لا يتبع فيها حفاظا ًعلى الدين وصفاته ، حفاظاً على حياضه أن تفسد على ضيائه أن يفسد على كماله أن يفسد بهذه الزلة ، وأن يدخل على الإسلام وعلى أهل الإسلام بزلة هذا العالم المنتظر قوله المشهود له بالإمامة والفضل والرسوخ في الدين .
فلا يجوز أبدا ً أن يحتج بزلته ولا يتبع في زلته أبداً كما قال الشاطبي رحمه الله تعالى : ( إن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليدا له وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ولذلك عدت زلة ) ، وقال أيضا ً رحمه الله في الاعتصام : ( فعلى كل تقدير لا يتبع أحد من العلماء إلا من حيث هو متوجه نحو الشريعة قائم بحجتها ) قائم بحجتها ، ويقول شيخ الإسلام أول كلمه ذكرها في كتابه التفسير عن الأوزاعي رحمه الله ( من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام ) ، لأن لكل عالم يكون له زلة يكون له هفوة .
وفي كتب التراجم سواء ً التراجم للعلماء المطلقة ، أو التراجم لعلماء كل مذهب وهي المسماة بالطبقات لكل مذهب ، هناك طبقات الحنفية هناك طبقات الحنابلة هناك طبقات الشافعية ، هناك أصحاب مالك لهم كتب في طبقاتهم وفي ترتيب درجاتهم ، هذه المصنفات عنيت بذكر الفتاوى والأقوال التي هذا العالم أفتى بها وعدت زلة وعدت إنفرادا ً منه وعدت مخالفة منه ، فيأتي بعض ذوي الهوى ويتبع ذلك ويترك نصوص الكتاب والسنة ، والحقيقة أنه متبع زلة العلماء ، ما قد عظم نصوص القرآن والسنة ولا احترمهما حق الاحترام الذي يوجب عليه أن يدع قول كل أحد خالف كتاب الله وسنة رسوله ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( 63 النور ) .
قال أحمد رحمه الله ( أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك ) ، ولعله إذا رد بعض ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلكه ، عياذا ً بالله من ذلك ومن هذا السبيل .
فشاهدنا أن الزلَ لا يجوز ومعلوم أن العالم جليل القدر بالسنة سواء ًمن الصحابة أو من التابعين أو من تابعي التابعين ، أو من العلماء المتوسطين أو المتأخرين أو المعاصرين أن يزلوا ولا شك في ذلك ، ولهذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله : ( قلت هذا إذا وقع يكون فتنة لطائفتين ، طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل وإتباعه عليه ، وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحا ً في ولايته وتقواه ، بل في بره وكونه من أهل العلم ) ، إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى .
قال : ( من سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه ، وأعطى الحق حقه فيعظم الحق ويرحم الخلق ، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات ) ، إلى آخر ما ذكر رحمه الله تعالى ، فالمقصد أن العالم السني كبير القد جليل الشأن يزل ، فإذا اتبع في زلته دخل الضلال و دخل الهلاك ودخل التغيير في الدين .
من أين الخطورة ؟ الناس يعرفون فجور الفاجر ، الناس يعرفون فسق الفاسق ، لكن يدخل التغيير على الدين ، ولكن رحمة من الله وتحقيقا ً لوعد الله سبحانه وتعالى بالحفاظ على هذا الذكر والدين ، حتى يرفعه جل وعلا من السطور والصدور ، فإنه يقيض ربنا جل وعلا كما قال جمع من أئمة الدين والعلم والهدى أنه : ( ما أحدثت بدعة ولا وجد خطأ إلا قيض الله من حملة الرسالة وحراس الشريعة وحملة العلم والهدى ، من يرد تلك البدعة ومن يبين تلك الضلالة ، حتى يبقى الدين صافيا ً نقيا ً ) ، ممن ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه ( تهذيب سنن أبي داوود ) وذكر ( أنه ما وجدت بدعة ولا وجدت ضلالة إلا لله عندها قائم بحجة الله تبارك وتعالى مبين للحق ، ثم بعد ذلك يفترق الناس كما افترقوا إذ بعث فيهم أنبياءهم وأنزلت عليهم كتبهم ، فمن الناس من يقبل الهدى ويقبل الحق ويقبل البيان ، ومن الناس من يؤثر الوقوع والوقوف محله والبقاء على زلة من زل من أهل العلم من السابقين واللاحقين ، تاركا ً الحجة أمام عينيه موليا ً إليها ظهره ، وهذا متوعد بقوله جل وعز : ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) (110 الأنعام ) .
وإذا كنا نشكو من هذا التلفيق الفقهي في الزلات ، كذلك نشكو من التلفيق المنهجي الذي يحصل ، وجد اليوم من يحتج بأفعال بعض من زل ممن تقدم ، ممن خرج على ولاة أمور المسلمين ، ووجد اليوم من يحتج بزلات بعض العلماء المتأخرين أو بعض العلماء المعاصرين ، إذ بنو أحكام لهم على أشخاص أو جماعات بناءً على حسن الظن وعلى معلومات قليلة توفرت عندهم عن هذا أو ذلك .
فإذا تحصل للإنسان علم وجاءه برهان وبيان واضح ، فإن ما خالف الحق خروجا ً له ، اجتهاد ، يقول زلة لا يجوز أن يتبع بها العالم السني ولا يجوز أن يتبع هو بزلته ، ثم قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع فتاويه في المجموع ، قال : ( لا يتبع بزلته ولا يتبع بزلته هو أيضا ً ، ما دام معروف عنه العلم والسنة وإتباع منهج السلف الصالح ، فزلته لا تتبع ولا يلحق بها ) ، وكما قال معاذ رضي الله تعالى عنه في تلك الوصايا العظيمة هكذا تتفق وصاياهم ، وتلتقي كلماتهم لأنهم صدروا عن مصدر واحد ، واتجهوا إلى وجهة واحدة رضي الله عنهم وأرضاهم ، فيقول معاذ كما روي عن ابن بطه وغيره بسند صحيح ، قال : ( واتقوا زلة الحكيم ، واتقوا زلة الحكيم وهو حكيم ولا يكون حكيما ً إلا إذا كان مقتبساً مقتديا ً عاملاً بالكتاب والسنة ، عاملاً بالحكمة ) ( ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ) ( 39 الإسراء ) ، بعد ما ذكر كثيرا ً من المحرمات في القرآن الكريم ، فالقرآن حكمة ومحكم والسنة حكمة فإذا ذكرت مع القرآن أو أفردت كانت هي السنة هي الحكمة وكان القرآن كما سمى الله ، وإذا ذكر الحكمة فيما أوحى الله إلى نبيه ، فإنه شامل للقرآن وشامل للسنة ، والعلم عند الله سبحانه وتعالى ، فقال : ( واتقي زلة الحكيم ولا يصدنه ذلك عنه فلعله أن يعاود ) ، قالوا : كيف نعرف زلة الحكيم إذا زل ؟ ، قال : ( أن تقول كيف هذه كيف جاءت كيف غاب كيف عزب كيف خفي ، كيف قال هذه المقولة ) ، مخالفة للبرهان الواضح ، مخالفة للدليل الجلي مخالفة للحقيقة الناصعة الواضحة التي أراها بعيني والتي ألمسها بيدي والله جل وعلا تعبديني بذلك ، ولن يؤاخذني إذا رددت عليه زلته ،كما تقدم في كلام اسحق أن هذا لا يدخل النقص إذا رد على من هو أعلم منه زلته ، لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
اليوم نشهد هذا التلفيق الحركي ، فإذا أظهرت منهج السلف ودعوت إليه وإلى ما اقتضاه هذا المنهج السلفي العظيم ، من مجانبة أهل الأهواء ومن التحذير منهم ، جماعات أو أفراداً ومن التحذير من هذه الجماعات السياسية الحركية ، يحتج عليك ببعض الزلات لمن وجد من أئمة العصر ، والحقيقة أن التلفيق في باب المناهج والتعامل ما وجد وظهر ظهورا ً بارزاً إلا مع ظهور هذه الحركات السياسية والجماعات والأحزاب المحدثة المبتدعة .
قديما ًكان موجود التلفيق في المسائل الفقهية الفرعية ، لكن اليوم وجد هذا التلفيق وأخشى الله أن ، بل قد بدأت بوادره تظهر في بعض مواقع الإنترنت وبعض الكتابات وبعض الكُتاب التلفيق في المعتقد ، فيقول في هذه المسألة أنا أقبلها من السلفي في العقيدة ، وهذه المسألة أنا أقبل بها كلام ابن تيمية ، وهذه المسألة أنا أقبل كلام السبكي ، وهذه المسألة أنا أكون فيها على اعتقاد الكوثري وهذه المسألة لا مانع أن أكون عليها على اعتقاد الألباني ، وهذه المسألة أكون على اعتقاد مثلاً ابن إبراهيم المعلمي ، وهذه المسألة أكون على اعتقاد ابن غدة ، وهذه المسألة أكون على طريقة الألباني ، وهذه المسألة أكون على طريقة فلان وفلان ، ألجمها بلجم حمالة الحطب ، وهذا حاطب الليل الذي يحوش كل شيء وفيه الحيات التي تلدغه .
المقصد بارك الله فيكم أن مثل هذا التلفيق يهدم الدين ، يؤدي إلى تغيير الشرع ، يؤدي إلى تغير الصفائح ، ما دخل النقص على الأمم الماضية ولا حرف دينها ولا بدل وغير دينها وكتابها إلا أن العالم منهم كان يزل والحبر منهم كان يضل فيسكت عنه ويترك خطأه ويتبع ، ويترك ما في اللوح ويترك عفوا ً ما في الكتاب ، ويترك ما في ميراث ذاكم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ، فإذاً بعد ذلك الذي ينشر هو الضلالة والذي تنشر الزلة ، وينطمس الحق وتذهب معالمه ، لكننا أمة مرحومة باقية فينا ولله الحمد ما وعدنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز و جل ، ببقاء الطائفة المنصورة الظاهرة إلى قيام الساعة ، لا يضرها خذلان من خذل ولا مخالفة من خالف ، لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك أو كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهكذا كلما حدثت محدثة أو وجدت بدعة أو زل عالم أو أخطأ ، أو وجدت زيغة حكيم أو زلة حكيم ، فإننا لن نعدم من فضل الله ولا عدمنا لا قديما ً ولا في هذا العصر من علمائنا الماضين وعلمائنا اللاحقين ما عدمنا ولن نعدم تحقيقاً لهذا الوعد لا حاضراً ولا مستقبلاً ،كما أيضاً لن نعدم ذلك فيمن مضى من علمائنا ربانيين ينبهون على زلات إخوانهم ويبينون أن هذه الزلة لا تتبع ، وأن هذه هفوة لا تتبع فيكون بذلك الدين محفوظاً ، ومقام ذلك العالم السني محفوظاً بعني مرعيا ً في حقه ورعايته ، أهل السنة يجمعون بين الحفظين بين حفظ الدين وصفائه أن يغير أو يبدل أو يفسد بزلة عالم أو بزلة حامل من حملة الدين ، وأن يخفض أيضاً من حق ذلك العالم السني السلفي المعتبر باجتهاده وقوله ، ورحم الله علماء السنة في الماضين واللاحقين وجعلنا وإياكم متبعين للحق .
فالموقف الصحيح من الزلة هو ما سمعتم والحذر ، قد تتابعت كلمات الأئمة في التحذير من زلة العالم ، وعدها الفاروق أول خصلة يحصل بها هدم الإسلام ، ومن قرأ الكتابات وتابع الإصدارات يجد كثيرا ً من الضلال بسبب إتباع زلة عالم من العلماء سواءً كان هذا العالم من التابعين أو من دونه ، أو كان هذا العالم من المتأخرين أو كان هذا العالم من المعاصرين ، حتى أصحاب المدارس الانحلالية المنحلين الذين لا علاقة لهم بالدين ، سواءً سموا الليبرالية أو سموا علمانية أو شيوعية أو اشتراكية أو بعثية أو ناصرية ، إذا ضاقت بهم السبل في بعض المجتمعات فإنهم لا يبرزون أبداً رأيهم على أنه رأي لهم ، من المدرسة العلمانية أو الليبرالية أو الاشتراكية ونحو ذلك ، إنما يتجهون مباشرة يتجهون مباشرة إلى عالم سني إلى عالم من علماء الإسلام ، بل حتى لو وجدوا صحابياً معروف على سبيل المثال أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه الصحابي الجليل ذو الفضائل المشهورة والمناقب المأثورة رضي الله عنه وأرضاه ، كان له رأي فقهي في كسب الأموال خالفه الصحابة كلهم ، وردوا عليه قوله رضي الله عنه ، وبينوا أن قوله مخالف للأدلة الشرعية ، وأنه اجتهاد أخطأ فيه رضي الله عنه وأرضاه بين له الصحابة ذلك ، وذلكم الرأي أحبتي في الله أنه كان رضي الله عنه لا يرى جواز أن يدخر أو يترك الإنسان عنده أكثر من قوته ، ويرى وجوب إنفاقه ووجوب توزيعه ، وأنه رضي الله عنه وأرضاه يقول أنه إذا بقي فإنه كنز يعذب عليه صاحبه يوم القيامة ، وكان ينشر هذا القول في الحج وفي الحرم وفي المدينة حتى نهاه أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه عن ذلك .
الشاهد بماذا جاء أصحاب الحركات الإسلامية كمحمد الغزالي وكخالد محمد خالد فعن كتاب رجال حول الرسول وغيرهم من أعلام الحركات الإسلامية ، وبعضهم كان اشتراكياً وبعضهم هو معتزلي ضال منحرف كمن سمينا ونحو ذلك ، وغير هؤلاء من الكتاب الذين دعوا إلى ما سموه زوراً اشتراكية إسلامية بنو المذهب الاشتراكي الماركسي كله على هذا الكتاب لما يزعمون ويكتمون ويظهرون للناس ، فإنهم لو لم يظهروا هذا لعرف الناس من أين يصدرون وإلى أين يريدون أن يذهبوا بالأمة وماذا يفعلون ، لكنهم أظهروا مثل هذا الخطأ واعتبروها اشتراكية أبو ذر يدعوا إلى الاشتراكية وأن أبا ذر على آخره .
ونظم في ذلك بعض ممن مضى من الشعراء ، بل وصلوا إلى أشد من ذلك ، فوصفوا عمر بن الخطاب ، بل يقول محمد الغزالي السقط ألإخواني يقول : ( ما طبقت الاشتراكية كما ينبغي إلا في عهد عمر ) ، ويقول : ( أول الداعين إلى الاشتراكية كان أبو ذر ) ، حاشاهم رضي تعالى الله عنهم أن تنسب إليهم مذاهب السوء ومذاهب الضلال والمذاهب الردية ، هذا في مقابل من له غطط أو خطأ فقهي يتعلق برأيه رضي الله عنه وموقفه من اتخاذ الأموال الزائدة على نفقة الإنسان ونفقة عياله ، ويتركون إنكار الصحابة عليه ويتركون بيان الصحابة أن قوله خطأ وإنه اجتهد رضي الله عنه وأرضاه ، وهو مأجور على اجتهاده لكنه خطأ في مخالفة الأدلة الشرعية والسنة ونحو ذلك ، يتركون هذا كله ويتلمسون .
وهكذا إذا وجد من التابعين من زل سواءً حمل سيفاً سواءً قال بدعة ، أو قال قولا ً مخالفاً يتركون ما كان مشهورا ًعن الصحابة وما كان مشهوراً عند التابعين وما كان مشهوراً عند التابعين وما كان مشهوراً عن هذا العالم التابعي نفسه ثم يأخذون ما زلته ، كلمة قالها في وقت غفلة قالها في وقت نسيانه للدليل ، قالها في وقت ما ، يتعلقون بتلك الزلة ، قال وما أراد ما أراده ومع ذلك تعلقوا بتشابه الألفاظ والوقائع كثيرة جداً ، فيما يتعلق في التابعين ، وهكذا كلما تأخر العصر كلما كثرت الوقائع التي تحتج بها في زلات من مضى ، أو بزلات من هو من معاصري ذلكم المحتج ، وعصرنا اليوم مليء مليء ، كتَّاب اليوم يدعون إلى كثير من الانحلال عن الدين وأحكامه أو يدعون إلى كثير من الضلالات وتجدهم يعتمدون ويستندون ويسطرون عن زلة من زل .
حُق إذاً للفاروق وهو العالم بأمر الله ودينه ، أن يجعل هذا من هدم الإسلام ، وحُق له أن يقدمه على جدال المنافق وعلى حكم إمام الضلالة ، حُق له أن يفعل ذلك وها هو واقعنا يشهد على صدق هذه الكلمة ، وأنها كلمة عظيمة جليلة القدر من الفاروق رضي الله تعالى عنه ، وأن الواقع اليوم وقبل اليوم هو هذا الذي نشاهده من إتباع زلات العلماء والاحتجاج بها والدفع في نحور النصوص ونحور الحجج والبراهين ، والدفع في وجهها بزلة فلان أو زلة فلان .
أكتفي إخوتي في الله حتى لا أطيل عليكم ، وأيضاً لما يوجد من بعض الارتباطات ، أنا أكتفي بهذا القدر إن شاء الله ، ولعله يكون بيني وبين إخوتي لقاء آخر أتمم فيه ما ابتدأته من باقي الخصال الثلاث التي بها يهدم الإسلام ، حتى نحَذَرها ونحذر من يسمع منا تحذيرنا ونتقيها ، وهي جدال المنافق وحكم الأئمة المضلين وتعظيم أو توقير صاحب البدعة .
أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من الذين علموا الحق وعملوا به ، والذين بصَّرَهم بالباطل فحذروه وحذروا أهله ، وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا و إياكم العلم النافع والعمل الصالح ، وأن يجعلنا وإياكم من المتبعين الصادقين لمنهج السلف الصالح ولكتاب الله وسنة رسوله ، وبما أجمع عليه أهل القرون الأولى المفضلة ولما ساروا عليه في عقيدتهم وساروا عليه في فقههم وساروا عليه في عبادتهم وساروا عليه في دعوتهم وساروا عليه في زهدهم ، أسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلني وإياكم إخوتي في الله ممن سار على هدي القرون في ذلك كله في كل أبواب الدين ، في زهدهم وعبادتهم ودعوتهم وعلمهم وفقههم وعقيدتهم ومنهجهم ، أسأل الله الكريم أن يمن علينا وعليكم بذلك وأن يحفظنا وإياكم من مضلات الفتن ، اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء ، اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء ، اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء ، إنك كريم قريب مجيب سميع الدعاء ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه وسلم ، وأخيراً أقول جزاكم الله خيراً .
نشكر لأخينا الشيخ عادل بن منصور ما قدم وأفاد ، ونسأل الله عز وجل أن يجعله في موازين حسناته يوم القيامة .
الأخ السائل يقول : شيخنا الفاضل من الذي يحكم بكون هذا الذي وقع من العالم زلة أم لا ؟ وكيف لنا أن نعرف أنها زلة ؟ .
الجواب : قد سبق شيء من الجواب عليها في قول معاذ لما سئل كيف لنا أن نعرف زلة الحكيم ، قال : ( أن تقول كيف هذه ؟ )
، إن للحق شواهد وإن لله في قلب كل مؤمن واعظ ، لله في قلب كل مؤمن واعظ ، كما دل عليه حديث النواس بن سمعان ( ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً ) ، والعلماء كما قد أيضاً تقدم قولي أنه لا توجد زلة أو هفوة أو توجد بدعة ، إلا ويقيض الله كم تقدم النقل عن ابن القيم رحمه الله وغيره ، إلا قيض الله من علماء السنة من يبين أن هذه زلة ، ويبين وجه كونها زلة ويبين انحرافها عن الدليل ، أن يخالف هذا القول وهذا الفعل كتاب الله أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما هو معروف عن الصحابة ، وما هو معروف عن التابعين ، إذا كانت الزلات ممن تقدم فلا أظن يخفى على طالب علم سني لو احتج عليه رجل قال قد خرج فلان على بني أمية أو خرج فلان على بني العباس ، إن من السهل على المريد للحق أن يقول قد صح من وجوه كثيرة متواترة متضافرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسمع والطاعة ، وأمر بالصبر على جور الأئمة ، ونهى وحرم وزجر وتوعد على الخروج على ولاة أمور المسلمين وإن غيروا ، وإن حصل منهم ما حصل ما لم يظهر الكفر البواح الذي فيه عندنا من الله برهان وما حصل ، هذا زلة فتظهر الزلة عليها علامات أن تقول كيف صدر هذا كيف وقع هذا ، وأن يكون مخالفاً لكتاب الله مخالفاً لشرع رسول الله مخالفاً لأقوال الصحابة مخالفاً لأقوال التابعين ، ولم يعدم مريد الحق والله ، والله مريد الحق لن يعدم أن يجعل الله ظلمة على الزلة تعرف بها ، ولن يعدم مريد الحق إن شاء الله تعالى ، أيضاً لن يعدم أن يوجد من علماء السنة أو من طلبة العلم ، لأنه قد ينبه المفضول على زلة الفاضل ، ويقيم على زلته برهاناً هو دليله .
كما تقدم معنا في كلمة إسحاق أن ذلك لا ينقص منه إذا ننبه على زلة من هو أفضل منه ، فإذا كان التابعي قد بينه بالدليل السني على زلة الصحابي والصحابي أفضل منه ، وإذا كان من هو في العصور المتأخرة قد ينبه على فتوى زل فيها تابعي أو تابع تابعي ، أو من هو من الأئمة ، فهو دونهم في الفضل والعلم والقدر والجلالة ولا شك في ذلك ، بل يا أخي لا يزال المتقدمون أفضل ممن تأخر ، ولا يزال المتأخرون هم المتصدون للتنبيه على زلات من تقدم ، فلا يشترط أن يكون مثله في العلم ومثله في الجلالة ومثله القدر ، هذا غير صحيح ، وهذا الشرط إنما أحدثه بعض الناس تعجيزاً ورداً لقبول كلام علماء السنة .
الآن أقول لك لو زل شيخ الإسلام في مسألة ، فتعقبه الإمام ابن باز وبين بالأدلة أن هذه زلة ، هل ابن باز يصل إلى درجة ابن تيمية ؟ لا ، بعد أن أقام البرهان على أنها زلة قبلناها ، وهكذا ابن تيمية إذا نبه على فتوى زل فيها صحابي أو زل تابعي أو تابع تابعي أخطأ فيها ، وهي مخالفة للدليل بالسنة واضح ، ولم يبلغ الحديث إلى ذلك الصحابي ، ولم يبلغ الحديث إلى ذلك التابعي ، ولم يبلغ الحديث لذلك الإمام ، لا إمام في العراق ولا إمام في الشام ، أو كان في اليمن أو كان في مصر ، أو كان من أئمة خراسان أو كان من أئمة الحجاز ، وما بلغه الحديث وأفتى بخلافه فهذه زلة ، فهل أنا أو أنت أو أئمة السنة المتأخرين يصلون إلى درجة ذلك الإمام في الفضل والجلالة والقدر والقرب من عهد الصحابة أو اللقي لهم ، حتى نخطئهم ، نقول نحن خطأناهم بالسنة ، وميزنا زلتهم بالسنة .
هذه هي الزلة ، ما يكون الكلام في الزلة هوى ، لا معروفة أن الزلة تظهر عليها العلامات ، تظهر عليها الأمارات المخالفة للدليل ، هذه زلة واضحة ، فهو تقدم من خلال كلامي سواءً من سؤال معاذ ، قوم نقل عن ابن القيم وغيره تقدم .
إن شاء الله الجواب عن سؤال أخينا حفظنا الله وإياه من كل سوء ، ولكن إن شاء الله أعدته ولكن لعل في الإعادة إفادة .
تم بحمد الله
قام بتفريغها : أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
الثلاثاء الموافق الخامس عشر من شهر ربيع ثاني لعام إحدى وثلاثين وأربعمائة وألف
ثم أما بعد :
فيسرنا في هذه الليلة المباركة إن شاء الله ليلة الثلاثاء ، الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول ، لعام إحدى وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، أن نستضيف عبر الهاتف الأخ الشيخ عادل بن منصور المُكَنّْى ( بأبي العباس ) ، في محاضرة بعنوان ( بهذا يهدم الدين ) .
نسأل الله عز وجل أن يجزي الشيخ خير الجزاء ، وأن يبارك في وقته وعلمه ، وليتفضل الشيخ مشكورا ً مأجورا ً ، تفضل يا شيخ .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه و على آله وأصحابه ومن اهتدى بِهَديه واقتفى أثره إلى يوم الدين .
أما بعد:
فحياكم الله وبياكم أيها الأخوة الكرام ، وأسأل الله جل وعلا أن يجعل هذه المذاكرة في هذا اللقاء مما يقربنا لديه زلفى ، وأن يزيدنا وإياكم به علما ً نافعاً وعملا ً صالحاً .
والأمر كما سمعتم أخينا وفقه الله تعالى ، أنه مذاكرة ومباحثه مع إخواني في الله عز و جل عبر الهاتف حول هذا الموضوع المهم ، لأنه موضوع يتعلق بأعظم نعمة أنعمها الله سبحانه وتعالى على أهل الأرض ، بإنزال الكتاب وإرسال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
والرسل من قبلهم والكتب السابقة دعوة إلى الإسلام الذي لا يقبل الله سبحانه وتعالى من أحد سواه ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (85- آل عمران) ، ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) (19- آل عمران ) ، فدين الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام هو الإسلام ، هو توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة ، والإيمان بكتبه وطاعة رسله عليهم الصلاة والسلام ، فيما يأمرون به واجتناب ما ينهون عنه ، وكل ذلك تحقيق لمصالح الدارين ، مصلحة العباد في هذه الدار ومصلحتهم يوم القيامة ، إذ يلقون ربهم سبحانه وتعالى فيجازيهم على أعمالهم ، ويسألهم سبحانه وتعالى السؤالين العظيمين ، اللذين عليهم مدار الأحداث والوقائع يوم القيامة ، وهما : ماذا كنتم تعبدون ؟ وماذا أجبتم المرسلين ؟ .
فنعمة الإسلام نعمة عظيمة ، أنعم الله بها على الأمم تترى من قديم الزمان ، والله جل و علا يرسل رسله وأنبياءه الذين لا يعلم عددهم إلا هو سبحانه وتعالى ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) (24- فاطر) ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) (36- النحل ) ، وقال جل و علا : ( مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) ( 78-غافر) ، ومن الأنبياء و الرسل من قصهم الله عز و جل ، قص أخبارهم وذكرهم لنبيه وللأمة في الكتاب والسنة ، ومن الأنبياء والرسل من لم يقص الله عز و جل على نبيه أخبارهم ، كل هؤلاء الأنبياء والمرسلين عليهم من ربهم أفضل الصلاة والتسليم ، دعوا إلى هذا الدين دين التوحيد ( دين الإسلام ) .
ونحن معاشر هذه الأمة ، التي هي آخر هذه الأمم ، والموفية سبعين أمة هي خيرها وأفضلها عند الله عز وجل ، وكتابنا القرآن لا كتاب بعده ، ناسخ لكل ما تقدم ومهيمن عليه ، ورسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا نبي بعده ولا رسول ، خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام ، واقتضى ذلك أن تكون شريعته شريعة كاملة ، مصلحة لكل عصر ولأهله وكل زمان وأهله ، شريعة لا تحتاج إلى نسخ ولا استدراك بعد موت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فهي كاملة لا نقص فيها ولا عِري ، شاملة لمصالح الدارين للعباد على اختلاف أجناسهم وألوانهم وطباعهم وعاداتهم .
هذه النعمة العظيمة التي أتمها الله وأكملها كما قال جل و عز في كتابه الكريم : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) ( 3-الأنعام ) ، وإن من يعرف قدر هذه النعمة ويرضاها حق الرضا ، يتقطع قلبه خوفا ً أن يمس هذه النعمة نقص ، أو أن يلحقها إيذاء أو إفساد يسعى به أعداءها ، أو يقع فيه جهلة أنباءها .
هذه النعمة العظيمة قام بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وخير القرون خير قيام ، قاموا بها علما ً نقيا ً ، وقاموا بها عملا ً صالحا ً تقيا ً، فبرّوا في علومهم وبرّوا في أعمالهم ، ونقلوا هذه النعمة صافية نقية إلى تلامذتهم وأصحابهم والأمة من بعدهم إلى تابعيهم ، وهكذا التابعون إلى تابع التابعين وهم ينقلون هذه الأمانة ويؤدون هذا الميراث النبوي الكريم ، إلى من أخذه عنهم ، وصدق الله جل وعلا له الهدايه ، سبق له من ربه عز وجل الهداية والتوفيق لقبول هذا الميراث العظيم ، والعبودية لله تبارك وتعالى به ، فقاموا الصحابة رضي الله عنهم بهذه النعمة العظيمة خير قيام ، ما كان فيمن مضي ولم يأتي أحد ممن بقي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، من يقوم بهذا الدين ومن يحفظ هذه النعمة كما قام بها وحفظها أولئك رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم .
تكملت علومهم واتضحت لهم السبل وبان لهم الطريق ، وميزوا بين الحق والباطل والهدى والضلال ، لأنهم أعرف الخلق به وأعرف هذه الأمة بكتاب ربها وسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ومن كان أعرف بالكتاب والسنة وبالميراث النبوي ، كان أعظم فرقانا ً من غيره ، لهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في المجموع ، الجزء الثالث عشر الصفحة السادسة ، فصل في الفرقان بين الحق والباطل ، وأن الله بين ذلك بكتابه ودينه ، ( فمن كان أعظم إتباعا ً لكتابه الذي أنزله ونبيه الذي أرسله ، كان أعظم فرقاناً ، ومن كان أبعد عن إتباع الكتاب والرسول ، كان أبعد عن الفرقان واشتبه عليه الحق بالباطل ، كالذين اشتبه عليهم عبادة الرحمن بعبادة الشيطان ، والنبي الصادق من المتنبئ الكاذب ، وآيات النبيين بشبهات الكذابين ، حتى اشتبه عليهم الخالق بالمخلوق ) ، حتى اشتبه عليهم الخالق بالمخلوق ، فهذا الفرقان لا يحصل إلا بإتباع ما أنزله الله تبارك وتعالى فرقانا ً ، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فكان الصحابة رضي الله عنهم في اكتمال علمهم في الكتاب والسنة ، كانوا هم أعظم الناس فرقانا ً، وأعظم الناس شكرا ً، وأداء ًلحق هذه الثقة نعمة الإسلام ، فمن كان متبعاً لهم ومقتفيا ً لهم في كل أبواب الدين فلا شك أنه أسعد بمعرفة الفرقان ، وأسعد بالمحافظة على هذه النعمة من غيره ، لهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في المصدر السابق بعد صفحات في صفحة أربعٍ وعشرين : ( فمن اتبع السابقين الأولين كان منهم وهم خير الناس بعد الأنبياء ، فإن أمة محمد خير أمة أخرجت للناس وأولئك خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت في الصحاح من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) ، ولهذا كان معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم ، خيرا ً وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين في جميع علوم الدين وأعماله ،كالتفسير وأصول الدين وفروعه والزهد والعبادة والأخلاق والجهاد وغير ذلك ، فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة ، فالإقتداء بهم خير من الإقتداء بمن بعدهم ، ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير وانفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم ) ، إلى آخر كلامه في هذا الفصل ، هو كلام ماتع مهم في غاية الأهمية .
فهم رضي الله عنهم معرفة بهذه النعمة العظيمة نعمة الإسلام لأنهم عاشوا الجاهلية وعاشوا الإسلام ، فعرفوا قدر هذه النعمة واتضح لهم السبيل ، ولهذا ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى عند كلامه في كتابه الفوائد على قول الله تبارك وتعالى ( وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ) (55 الأنعام ) ، وذكر أقسام الناس في معرفة سبيل المؤمنين عن سبيل المجرمين ، وذكر أن أعرف الناس في ذلك ونقل المقولة العمرية المشهورة في أنه عندما يحصل النقص والضرر على الإسلام وأهله إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية ، ( تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية ) ، وذكر بعد ذلك فضل الصحابة رضي الله عنهم ، وكمال علمهم ومعرفتهم تفصيلية بسبيل المؤمنين من سبيل المجرمين ، ومعلوم أن خيرهم وأفضلهم عشرة وخير العشرة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي .
وكلمة الليلة هي مقولة من وصية عمرية فاروقية سلفية ، عمر الفاروق الذي كثرت فضائله وتعددت مناقبه كان الصحابة يقولون : ( إن الحق ينطق على لسانه ، وافق ربه في أحكام ) رضي الله عنه ، ولو كان نبي بعده لكان عمر هذا الحديث الذي حسنه بعض أهل العلم ، وهو الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه أنه شرب لبناً ثم أعطاه عمر فشرب منه ، فلما قيل له ما أوَّلتَه ، قال : ( العلم ) ، قال العلم .
فهذا الفاروق الذي يسلك فجاً فيسلك الشيطان فجاً آخر ، ينبغي العناية بوصاياه و بكلماته وبإرشاداته وتوجيهاته رضي الله عنه وأرضاه ، فهو أفضل هذه الأمة بعد نبيها وبعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وهو العالم الكبير بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
الليلة مذاكرتي معكم أيها الأخوة بكلمة من كلمات هذا الصحابي الجليل التي ملئت علماً وملئت فرقاناً وملئت بياناً وإيضاحا ً كلمة كأنما تخرج من المشكاة ، دلائل صحتها كثيرة في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، كما سيأتي ذكر بعض ذلك إن يسر الله سبحانه و تعالى من خلال هذه المذاكرة .
روى الدارمي وغيره بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال : ( يهدم الإسلام ثلاث ) أي ثلاث خصال أو ثلاثة أمور ( يهدم الإسلام ثلاث ، زلة العالم ، وجدال المنافق بالقرآن ، والأئمة المضلين ) ، وهذه الثلاثة جاءت مرفوعة من النبي صلى الله عليه و على آله وسلم ، سبحان الله وبحمده ، ولا يصح المرفوع وإنما يصح الموقوف على عمر رضي الله عنه ، وثمة خصلة رابعة أيضا ً رويت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أيضا ًولا تصح مرفوعة ولكنها تصح عن جمع من الأئمة من تابعي التابعي ونحوهم ، وصايا سنية كما ثبتت بالإسناد الصحيح عن يوسف بن أسباط ، وثبتت في الإسناد الصحيح عن الفضيل بن عياض ، قال يوسف بن أسباط ( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ) وقال الفضيل بن عياض كما رواه أبو نعيم وغيره بسند صحيح ( من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ) .
وإني أرى بادئ ذي بدئ أن كلمتي الليلة مع إخواني في الله لا يمكن أن تستوعب هذه الأربع الخصال المهمة التي معرفتها من معرفة الشر الذي يجب لاتقائه وللحذر منه ولمعرفة سبيل المجرمين ، ووسائل المُحدِثين التي من خلالها أدخلوا النقص على الدين وأهله وحرفوا الكتاب المنزل وسنة الرسول المبعوث المرسل عليه الصلاة والسلام ، حرفوهما عن مراد الله وعن مراد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لكني لعلي أقتصر الليلة إن شاء الله تعالى على خصلتين أو واحدة حسب ما ييسر الله عز وجل ، ونرجئ ونؤخر الباقي إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
فأرجوا من الأخوة الصفح عن التقصير في تهيئة وإعداد الموضوع حقه ، لأن الموضوع أو اللقاء له حقان ، حق الإخوان في الله الذين حضروا وتجشبوا وتركوا أشغال وارتباطات وأمور تركوها للحضور والاستماع من أخيهم ، والحق الثاني حق العلم نفسه وحق هذه الوصية وحق هذا التحذير العمري الفاروقي النَيِّر المهم ، الذي حوادث أمتنا اليوم لا تخرج عما ذكره الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، في هذه الوصية التحذيرية التنبيهية عظيمة الشأن جليلة القدر ، فهذان حقان أعتذر ابتداءً عن التقصير فيهما ، فأبدأ بأول خصلة ذكرها الفاروق ، وقبل هذا أشيد إلى أمر عام أرجوا أن ينتبه له الأخ المستمع وأن يتأملوه حق التأمل .
هؤلاء الثلاثة أو الخصال المذكورة في هذا الأثر لا يستوون من حيث المقاصد والنيات ، ومن حيث العمد والخطأ ، لكنهم استووا من حيث الأثر السيئ على الأمة وعلى الدين ، وهذا يدلنا على أن الأفعال بآثارها لا بمقاصد أصحابها ، فمن ذا الذي يساوي بين عالم سنِّي سلفي واسع العلم مُجِد مُخْلِص في ابتغاء مرضاة الله ، متابع للحق متحري له باذلاً وقته وجهده وعمره كله في البحث عن مراد الله و مراد رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعما أنزله الله إلى رسوله عليه الصلاة والسلام والتزم ذلك ، وعمل به ثم زل زلة وهفا هفوة وغلط غلطة ، من ذا الذي يساوي بين هذا وبين منافق يجادل بكتاب الله يريد إضلال الأمة ويبتغي بذلك الفتنه ، ويريد أن يُحَصِّل بذلك شهواته وملذاته ، وأن يستر نفاقه بحجاجه بآي القرآن الكريم ، وأن يتقي بالقرآن وأن يتخذه جُنَّة لضلاله وانحرافه المتعمد المتقصد ، أو يساوي بين ذاكم العالم وبين إمام ضلالة ، يقصد نشر الضلالة ويعمد إلى تحرير الدين وإلى الحكم بغير ما أنزل رب العالمين ، لكن ليست العبرة فقط بالمقاصد .
انظروا كيف جعل الفاروق رضي الله عنه أثر الجميع سواء ، جعل الأثر السيئ على الإسلام سواء ً ، مع أن الأول مسكين ما قصد ولا أراد ، بل هو الباذل نفسه الباذل علمه والباذل وقته حماية للإسلام ، وصونا ًلحياطه ونشرا ً لأحكامه وبيانا ً لمحاسنه ، ومع ذلك كانت زلته هدما ً لهذا الدين .
فالفاروق رضي الله عنه في هذه الكلمة العمرية العظيمة الجليلة القدر ، لم يفرق من حيث الأثر بين هذا العالم السني كبير القدر جليل الشأن واسع العلم ، الباذل ما يبذله مما أقدره الله عليه في نشر الإسلام ، ما فرق بين أثره إذا زل وانتهج النهج الخطأ في زلته كيف أثره ، ولم يفرق بين أثره و أثر المنافق المجادل في القرآن وأثر حكم الأئمة المضلين ، الأثر واحد والأشخاص يختلفون من حيث العمد والقصد ، خطأ ، هذا يدلنا على بعد النظر وأننا لا ننظر فقط إلى المقاصد ، وهذا يوم بدأ عبد الله بن مسعود فأنكر بدايات الإحداث وأنكر طلائع الخوارج ، ببدع تسمى عند المتأخرين ببدع إضافية في قصة الحِلَق _ حِلَق الذكر _ ، التي لا أظنها تخفى عليكم أو على أكثركم ، مما رواه الدارمي بسند صحيح في قصة ابن مسعود مع الحِلَق لمَّا اعتذروا عن إحداثهم ، قالوا : ( والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير ) ، قال رضي الله عنه وأرضاه كلمته المشهورة التي عُدت قاعدة عظيمة موافقة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهي قوله : ( وكم من مريد للخير لا يصبه ) ، كم من مريد للخير لا يصبه ، فهو لا يملك الخير الذي أراد .
وأثر عمر دلنا على أمر زائد ، أنه ليس فقط المشكلة أنه لا يصيب الأجر أو لا يصيب الحق الذي قصده ، ولكن الفتنة أعظم إذا كان هذا عالما ً قدوة ، وصار إماما ً وصار ينظر الناس إليه ، فإن إتباع زلته يهدم الإسلام وهو غير قاصد ولا مريد ، بل هو الباذل كما تقدم ، كل ما تقدم ذكره باذلا ً له من أجل الإسلام والدين ، وبدأ بزلة العالم قبل جدال المنافق وقبل حكم الإمام أو إمام الضلالة ، لماذا ؟ لأن الأثر سيكون أشد ، العلماء ورثة الأنبياء (( والمرسلين ورثة العلم والدين ))، الناس عن العلماء يأخذون ميراث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، الناس بالعلماء يقتدون وبالعلماء يأتسون ، الناس ينظرون إلى ما قال العالم ، وينظرون إلى ما فعل العالم ، وبهذا شاع في من تقدم قولهم : ( زلة العالِم زلة العالَم ) بالفتح ، يَزِلُ بِزَلَّتِه أمم كثيرة ، ويضل بخطئه وزيغه أمم كثيرون وإن كان لا يقصد ذلك ولا يريد ذلك ، تقدم لعظيم الضرر به ، زل في مسألة عقدية أو زل في مسألة فقهية أو زل في رأي من الآراء ، أو زل في مسألة من المسائل أو زل في تعامل تعامله مع محدِث أو مخالف ، كل هذا ينظر إليه كثير من الناس فيقتدون ويعملون بتلك الزلة ، فينتشر الضلال ينتشر الضلال بكثرة العاملين ، ينتشر الضلال بكثرة المحتجين به .
شيخ ؟ قد قال العالم فلان وهو عالم سنة ماذا تقولون فيه ستطعنون فيه ستجرحون فيه ؟ ، لأن قليل البضاعة يحاجج بالرجال ولا يحاجج بالحق ، يحاجج بالرجال ولا يحاجج بالحق ، قد زل بعضنا واختلط نوعاً من العلل أو المسائل ، قد زل قديما ً بعض الفقهاء من فقهاء الكوفة والعراق ، فقالوا كما تعلمون في إباحة النبيذ ، ودلت الأدلة على تحريم النبيذ الذي يقصدون ويتفردون في إباحته ، ليس هو النبيذ الذي كان ينتبذ وإنما هو نوع من المسكر ، ولكنهم هم يرون أن القليل لا يسكر فيرون إباحته .
فابن المبارك رحمه الله إمام جليل القدر معروف ، روى عنه اسحق بن منصور الكوسج في مسائله ، أو روى عن اسحق بن إبراهيم اسحق بن الكوسج روى عن اسحق ابن إبراهيم الحنظلي قال : ( أخبرني أبو وهب أن ابن المبارك قال : حاجني أهل الكوفة في المسكر فقلت لهم : إنه حرام ، فأنكروا ذلك وسموا من التابعين رجالاً ، مثل إبراهيم ونظرائه ) أي من فقهاء الكوفة ، ( فقالوا: ألقوا الله عز وجل وهم يشربون الحرام ؟ فقلت لهم ردًا عليهم : لا تسموا الرجال عند الحِجَاج ، فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاووس ونظرائهم من أهل الحجاز ، فقالوا : خيار .
فقلت : فما تقولون في الدرهم بالدرهمين ؟ ) أين أنتم يا من تتعصبون لقول أهل الكوفة في المسكر ، قالوا نحن نقول : ( فقالوا: حرام. فقلت لهم : أيلقون الله عز وجل وهم يأكلون الحرام ) ، أي أولئك أخبر عنهم أي فقهاء أهل مكة والحجاز ، ذكر عندهم القول في التجوز في الصرف وأن الربا إنما هو ربا النسيئة لا ربا الفضل ، وكان قولهم قريب لابن عباس وتراجع عنه ، والأمر من قصة هذا تطول أي يطول ذكرها الآن ، قال : فقلت لهم: أيلقون الله عز وجل وهم يأكلون الحرام دعوا عند الحجاج تسمية الرجال ) ، يقول دعوا عند الحجاج تسمية الرجال ، فإذاً زلة العالم تزل بها أمم كثيرون ، فقيل فيها ( زلة العالِم زلة العالَم ) .
لهذا والله أعلم قدمها عمر الفاروق على غيرها لأنها تلتبس بالفتوى الشرعية بالحكم الشرعي بالدليل بالبرهان ، ولهذا كان الناس طرفين في وقوع الزلة ، وأقرأ كلاما ًلإسحاق ابن إبراهيم ابن راهويه رحمه الله ، لنعرف من خلالة متى تكون زلة ، نعرف من خلال هذا النقل متى تكون زلة ، إذا كانت مخالفة للكتاب مخالفة للسنة أو مخالفة لما جاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو مخالفة لما جاء عن التابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم ، فهنا تكون زلة ، قال اسحاق رحمه الله : ( وأما العالم ) انتبهوا إلى هذا القيد ، انتبهوا إلى أننا نتحدث عن زلة عالم لا عن جهالات متعالم ، نحن نتحدث عن زلة عالم سُني لا عن جهالات ، نتحدث عن زلة عالم سُني تقي صالح ورع مستقيم عقيدة ومنهجا ً ، فإذا كانت زلة مثل هذا ضررها كما سمعنا من هذا الأثر العمري أنها مما يهدم دين الإسلام ، فكيف بجهالات المتعالمين وكيف بفتاوى فساق العلماء الذين من أمثالهم من قال الله جل وعلا عنهم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ( 34 التوبة ) ، من أمثال الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمَّا سئل : ( متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ ) ، أي متى يحصل منا ذلك ؟ فقال كما في حديث سعد بن عجرة فيما يحضرني وهو حديث صحيح ، صححه شيخنا في الصحيح المسند ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله ،( قالوا : كيف أو متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يا رسول الله ؟ ، قال : إذا ظهر الملك في صغاركم ، والعلم في رذالتكم ، والفسق في كباركم ) ، قال الراوي : في رذالتكم يعني في فساقكم ، يحمل العلم أهل فسق ، فإذا أنكر المنكر احتج الناس بفعل ذلك العالم الفاسق أو بفتواه ، فإذا بالمنكر يترك إنكاره أي يعود الأمر إلى ترك الإنكار ، متى نترك أي متى يحصل منا الترك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ذكر منها الخصال والخلال الثلاثة ومنها أن يكون العلم في الرذالة أي في فساق حملة العلم .
فإذا ً نحن نتحدث الآن وننتقل ونشير إلى زلة العالم ، وكونها إذا لم يتعامل معها التعامل الشرعي الصحيح فإنها مما يهدم الدين ، سواءً زلَّ فحدث به رأي محُدَث في الفقه ، أو زلَّ حدث معه مسألة كلامية محدثة في المعتقد ، فحدث خطأ في منهج دعوي أو مسألة دعوية ، مثل هذه الزلة إذا لم هي التي زل في أشخاص زل في جماعات ثناءً أو زل قدحا ً أو نحو ذلك ، فهذه الزلة إذا لم يتعامل معها التعامل الشرعي أدت إلى ذلكم الأثر الذي عنون لهذا اللقاء ، وهو ( بهذا يهدم الإسلام ) ، بهذا يهدم الإسلام وهو هذا الذي أختاره في العنونة لمثل هذا اللقاء بهذا يهدم الإسلام ، لأن هذا هو أثر عمر بلفظ بهذا يهدم الإسلام ، وأيضا ًاستناداً لحصول بعض الإصدارات فإننا نقول بهذا يهدم الإسلام ، قال : الإسحاق الحنظلي رحمه الله ( وأما العالم يفتى بالشيء يكون مخالفاً لما جاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو التابعين بإحسان لما يكون قد عزب عنه ) أي غاب عنه ، ( وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ ) (61 يونس ) أي لا يغيب ، غاب عنه ، ( أي لما يكون قد عزب عنه معرفة العلم الذي جاء فيه فإن على المتعلمين أن يهجروا ذلك القول بعينه من العالم الذي خفي عليه سنته ، ولا يدخلوا على الراد ذلك نقض ما رد أو نقص ، أو نقص ما رد على من هو أعلم منه ليتببع في ذلك ما أُمرَ.
ثم احتج اسحق بحديث أنا سأورده ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مما أتخوف على أمتي إتباع زلة العالم ) ، ثم فسر المجاز من ذلك فقال : ( أما العالم إذا زل فلا تتبعوا زلته ) فهذا يصدق ما وصفنا .
ولقد قال ابن المبارك وجرى ذكر من يسأل الرأي في عصر سفيان ، فقال : ( ما رأت عيناي قط أعلم من سفيان ) ثم ذكر لابن المبارك مسائل كثيرة قالها سفيان يخالفه ، يعني يخالف ابن المبارك سفيان ، فلم يمنعه معرفته جلالة سفيان كما قال بعد ذلك ، قال : ( فلم يمنع عبد الله ) يعني ابن المبارك ( ما قال في سفيان في أنه أعلم أهل الأرض أن يرد عليه خطأه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، و يظن به الظن الحسن أنه قد فاته ) ، وكان آنفا ً من اقتدى بابن المبارك يلزمه مثل ما لزمه أي (****) ، كلام اسحق رحمه الله تعالى تجدها في مسائل الكوسج في الجزء الثاني من صفحة خمسمائة واثنان وثمانين ، فإذا ً هذا هو الموقف الصحيح فإذا سلك مع زلة العالم غير هذا الموقف ، فإن الضرر السيئ المخوف الذي خافه عمر بن الخطاب يحصل لا محالة ، زلة العالم .
واستحضروا معي وصف العالم الذي نبهت عليه في ما تقدم ، وأننا نتحدث عن زلة عالم سني كبير القدر جليل الشأن في السنة وإتباعها ، فكيف به بإتباع أقوال من ليس بعالم ، كيف بإتباع أقوال من ليس بعالم والاحتجاج بها ، ورحم الله الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى فإنه في مسائل كتاب التوحيد باب من أطاع الأمراء والعلماء في تحليل ما حرم الله وتحليل وتحريم ما أحل الله فقد اتخذهم أربابا ً من دون الله فإنه قد ذكر في الأمراء مسائله أن نزهد حق العالم الذي هو عالم ثم إن الناس قد عبدوا الأحبار أول الأمر في هذه العبادة ، وهي طاعتهم في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله ، قال : ثم في المعنى الثاني عبد من ليس من أهل العلم ، بمعنى اتبع من ليس من أهل العلم ، فكلام الفاروق رضي الله عنه في حق العالم ، فهذا أثر فتوى زلته ، فكيف بالمتعالم وكيف بمن ليس من أهل العلم ومن تزييا بزيهم ومن تشبه بهم وليس منهم ، ومن أدخل نفسه أو ظن نفسه أو ظُن به أنه من أهل العلم فأصبح بفتاويه وبآرائه وبإصداراته مزاحماً منابذاً مضاداً لأهل العلم ، فكيف يحصل بالإسلام وأهله ، فكيف يحصل و أهله ( لا إله إلا الله ) سبحان الله العظيم مما يحصل ،كم يحصل من الضرر وكم يحصل من الإحداث وكم يحصل من الفرقة وكم يحصل من الصد عن سبيل الله بإتباع أمثال هؤلاء .
فزلة العالم هذا ضررها وهذا ضرر إتباعها ، هو في نفسه إذا كمَّل جهده وتحرى فإنه مأجور لما ثبت في الصحيحين من حديث العمر بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ) ، هو في نفسه مأجور وفي نيته صادق وفي عمله غير قاصد ولكن النظر إلى الأثر ، هذا أثر فتواه هذا أثر هذه الزلة أنها تهدم الدين ، يحتج بها المتلونون يحتج بها المتساهلون يحتج بها أتباع الشهوات يحتج بها من يحتج بها من الجهال ونحوهم ، فيحصل في ذلك الضرر ويدخل على الإسلام النقص ، وهذا إذا كان في حق العالم إخوتي في الله فكيف بحق غيره .
ولهذا تتابعت الوصايا عن السلف رضي الله عنهم وأرضاهم بالتحذير من إتباع زلة العلماء ، وأن من تتبع رخص العلماء أو من تدين بزلات العلماء فقد تزندق ، وفي بعض ألفاظ من وصانا من علمائنا من المتقدمين رحمهم الله ، أنك إذا تتبعت زلات العلماء فقد اجتمع فيك الشر كله الشر كله ، ولقد وجد من التلفيق الفقهي وهو أنهم يأخذون بزلة قالها الإمام من أئمة المذاهب الأربعة ، أو قالها بعض أصحابه أو بعض أصحاب الوجوه في مذهبه ، أو بعض أصحاب الأقوال في مذهبه أو فتوى أفتى بها تابعي وزل وشذ عن باقي الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم ، فيأتي من يتبع الهوى ويأخذ من هذا القول أسهله ومن ذاك المذهب أرخصه ، ومن ذاك العالم أزل ما قال ومن ذاك أشد ما أخطأ فيه ، ويجعل له مذهبا ً فإذا أنكر عليه قال كيف تفسقون العالم الفلاني والإمام الفلاني ، أنا ما خرجت عن قول الأئمة الذين مضوا ، وأنا ما استدرجت إلا من كتب فقهاء الإسلام ، وأنا ما قلت إلا بقول عالم قد سبقني ، وأنا ما أفتيت إلا بقوله ويحتج بهذا بقوله ويحدث (***) مسحوبة زائلة عن قلوب أهل الإيمان الذين استسلموا لله تبارك وتعالى وانقادوا لشرعه ، فإنه إذا صح الدليل والبرهان كما قال الإمام أحمد : ( عجبت لمن عرف الإسناد وصحته ويذهب لرأي سفيان ) .
وزلة العالم تكون كما قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( زلة العالم الواجب ألا يتبع فيها ) ، وأيضا ً الواجب إذا قلنا لا يتبع فيها حفاظا ًعلى الدين وصفاته ، حفاظاً على حياضه أن تفسد على ضيائه أن يفسد على كماله أن يفسد بهذه الزلة ، وأن يدخل على الإسلام وعلى أهل الإسلام بزلة هذا العالم المنتظر قوله المشهود له بالإمامة والفضل والرسوخ في الدين .
فلا يجوز أبدا ً أن يحتج بزلته ولا يتبع في زلته أبداً كما قال الشاطبي رحمه الله تعالى : ( إن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليدا له وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ولذلك عدت زلة ) ، وقال أيضا ً رحمه الله في الاعتصام : ( فعلى كل تقدير لا يتبع أحد من العلماء إلا من حيث هو متوجه نحو الشريعة قائم بحجتها ) قائم بحجتها ، ويقول شيخ الإسلام أول كلمه ذكرها في كتابه التفسير عن الأوزاعي رحمه الله ( من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام ) ، لأن لكل عالم يكون له زلة يكون له هفوة .
وفي كتب التراجم سواء ً التراجم للعلماء المطلقة ، أو التراجم لعلماء كل مذهب وهي المسماة بالطبقات لكل مذهب ، هناك طبقات الحنفية هناك طبقات الحنابلة هناك طبقات الشافعية ، هناك أصحاب مالك لهم كتب في طبقاتهم وفي ترتيب درجاتهم ، هذه المصنفات عنيت بذكر الفتاوى والأقوال التي هذا العالم أفتى بها وعدت زلة وعدت إنفرادا ً منه وعدت مخالفة منه ، فيأتي بعض ذوي الهوى ويتبع ذلك ويترك نصوص الكتاب والسنة ، والحقيقة أنه متبع زلة العلماء ، ما قد عظم نصوص القرآن والسنة ولا احترمهما حق الاحترام الذي يوجب عليه أن يدع قول كل أحد خالف كتاب الله وسنة رسوله ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( 63 النور ) .
قال أحمد رحمه الله ( أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك ) ، ولعله إذا رد بعض ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلكه ، عياذا ً بالله من ذلك ومن هذا السبيل .
فشاهدنا أن الزلَ لا يجوز ومعلوم أن العالم جليل القدر بالسنة سواء ًمن الصحابة أو من التابعين أو من تابعي التابعين ، أو من العلماء المتوسطين أو المتأخرين أو المعاصرين أن يزلوا ولا شك في ذلك ، ولهذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله : ( قلت هذا إذا وقع يكون فتنة لطائفتين ، طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل وإتباعه عليه ، وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحا ً في ولايته وتقواه ، بل في بره وكونه من أهل العلم ) ، إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى .
قال : ( من سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه ، وأعطى الحق حقه فيعظم الحق ويرحم الخلق ، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات ) ، إلى آخر ما ذكر رحمه الله تعالى ، فالمقصد أن العالم السني كبير القد جليل الشأن يزل ، فإذا اتبع في زلته دخل الضلال و دخل الهلاك ودخل التغيير في الدين .
من أين الخطورة ؟ الناس يعرفون فجور الفاجر ، الناس يعرفون فسق الفاسق ، لكن يدخل التغيير على الدين ، ولكن رحمة من الله وتحقيقا ً لوعد الله سبحانه وتعالى بالحفاظ على هذا الذكر والدين ، حتى يرفعه جل وعلا من السطور والصدور ، فإنه يقيض ربنا جل وعلا كما قال جمع من أئمة الدين والعلم والهدى أنه : ( ما أحدثت بدعة ولا وجد خطأ إلا قيض الله من حملة الرسالة وحراس الشريعة وحملة العلم والهدى ، من يرد تلك البدعة ومن يبين تلك الضلالة ، حتى يبقى الدين صافيا ً نقيا ً ) ، ممن ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه ( تهذيب سنن أبي داوود ) وذكر ( أنه ما وجدت بدعة ولا وجدت ضلالة إلا لله عندها قائم بحجة الله تبارك وتعالى مبين للحق ، ثم بعد ذلك يفترق الناس كما افترقوا إذ بعث فيهم أنبياءهم وأنزلت عليهم كتبهم ، فمن الناس من يقبل الهدى ويقبل الحق ويقبل البيان ، ومن الناس من يؤثر الوقوع والوقوف محله والبقاء على زلة من زل من أهل العلم من السابقين واللاحقين ، تاركا ً الحجة أمام عينيه موليا ً إليها ظهره ، وهذا متوعد بقوله جل وعز : ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) (110 الأنعام ) .
وإذا كنا نشكو من هذا التلفيق الفقهي في الزلات ، كذلك نشكو من التلفيق المنهجي الذي يحصل ، وجد اليوم من يحتج بأفعال بعض من زل ممن تقدم ، ممن خرج على ولاة أمور المسلمين ، ووجد اليوم من يحتج بزلات بعض العلماء المتأخرين أو بعض العلماء المعاصرين ، إذ بنو أحكام لهم على أشخاص أو جماعات بناءً على حسن الظن وعلى معلومات قليلة توفرت عندهم عن هذا أو ذلك .
فإذا تحصل للإنسان علم وجاءه برهان وبيان واضح ، فإن ما خالف الحق خروجا ً له ، اجتهاد ، يقول زلة لا يجوز أن يتبع بها العالم السني ولا يجوز أن يتبع هو بزلته ، ثم قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع فتاويه في المجموع ، قال : ( لا يتبع بزلته ولا يتبع بزلته هو أيضا ً ، ما دام معروف عنه العلم والسنة وإتباع منهج السلف الصالح ، فزلته لا تتبع ولا يلحق بها ) ، وكما قال معاذ رضي الله تعالى عنه في تلك الوصايا العظيمة هكذا تتفق وصاياهم ، وتلتقي كلماتهم لأنهم صدروا عن مصدر واحد ، واتجهوا إلى وجهة واحدة رضي الله عنهم وأرضاهم ، فيقول معاذ كما روي عن ابن بطه وغيره بسند صحيح ، قال : ( واتقوا زلة الحكيم ، واتقوا زلة الحكيم وهو حكيم ولا يكون حكيما ً إلا إذا كان مقتبساً مقتديا ً عاملاً بالكتاب والسنة ، عاملاً بالحكمة ) ( ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ) ( 39 الإسراء ) ، بعد ما ذكر كثيرا ً من المحرمات في القرآن الكريم ، فالقرآن حكمة ومحكم والسنة حكمة فإذا ذكرت مع القرآن أو أفردت كانت هي السنة هي الحكمة وكان القرآن كما سمى الله ، وإذا ذكر الحكمة فيما أوحى الله إلى نبيه ، فإنه شامل للقرآن وشامل للسنة ، والعلم عند الله سبحانه وتعالى ، فقال : ( واتقي زلة الحكيم ولا يصدنه ذلك عنه فلعله أن يعاود ) ، قالوا : كيف نعرف زلة الحكيم إذا زل ؟ ، قال : ( أن تقول كيف هذه كيف جاءت كيف غاب كيف عزب كيف خفي ، كيف قال هذه المقولة ) ، مخالفة للبرهان الواضح ، مخالفة للدليل الجلي مخالفة للحقيقة الناصعة الواضحة التي أراها بعيني والتي ألمسها بيدي والله جل وعلا تعبديني بذلك ، ولن يؤاخذني إذا رددت عليه زلته ،كما تقدم في كلام اسحق أن هذا لا يدخل النقص إذا رد على من هو أعلم منه زلته ، لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
اليوم نشهد هذا التلفيق الحركي ، فإذا أظهرت منهج السلف ودعوت إليه وإلى ما اقتضاه هذا المنهج السلفي العظيم ، من مجانبة أهل الأهواء ومن التحذير منهم ، جماعات أو أفراداً ومن التحذير من هذه الجماعات السياسية الحركية ، يحتج عليك ببعض الزلات لمن وجد من أئمة العصر ، والحقيقة أن التلفيق في باب المناهج والتعامل ما وجد وظهر ظهورا ً بارزاً إلا مع ظهور هذه الحركات السياسية والجماعات والأحزاب المحدثة المبتدعة .
قديما ًكان موجود التلفيق في المسائل الفقهية الفرعية ، لكن اليوم وجد هذا التلفيق وأخشى الله أن ، بل قد بدأت بوادره تظهر في بعض مواقع الإنترنت وبعض الكتابات وبعض الكُتاب التلفيق في المعتقد ، فيقول في هذه المسألة أنا أقبلها من السلفي في العقيدة ، وهذه المسألة أنا أقبل بها كلام ابن تيمية ، وهذه المسألة أنا أقبل كلام السبكي ، وهذه المسألة أنا أكون فيها على اعتقاد الكوثري وهذه المسألة لا مانع أن أكون عليها على اعتقاد الألباني ، وهذه المسألة أكون على اعتقاد مثلاً ابن إبراهيم المعلمي ، وهذه المسألة أكون على اعتقاد ابن غدة ، وهذه المسألة أكون على طريقة الألباني ، وهذه المسألة أكون على طريقة فلان وفلان ، ألجمها بلجم حمالة الحطب ، وهذا حاطب الليل الذي يحوش كل شيء وفيه الحيات التي تلدغه .
المقصد بارك الله فيكم أن مثل هذا التلفيق يهدم الدين ، يؤدي إلى تغيير الشرع ، يؤدي إلى تغير الصفائح ، ما دخل النقص على الأمم الماضية ولا حرف دينها ولا بدل وغير دينها وكتابها إلا أن العالم منهم كان يزل والحبر منهم كان يضل فيسكت عنه ويترك خطأه ويتبع ، ويترك ما في اللوح ويترك عفوا ً ما في الكتاب ، ويترك ما في ميراث ذاكم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ، فإذاً بعد ذلك الذي ينشر هو الضلالة والذي تنشر الزلة ، وينطمس الحق وتذهب معالمه ، لكننا أمة مرحومة باقية فينا ولله الحمد ما وعدنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز و جل ، ببقاء الطائفة المنصورة الظاهرة إلى قيام الساعة ، لا يضرها خذلان من خذل ولا مخالفة من خالف ، لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك أو كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهكذا كلما حدثت محدثة أو وجدت بدعة أو زل عالم أو أخطأ ، أو وجدت زيغة حكيم أو زلة حكيم ، فإننا لن نعدم من فضل الله ولا عدمنا لا قديما ً ولا في هذا العصر من علمائنا الماضين وعلمائنا اللاحقين ما عدمنا ولن نعدم تحقيقاً لهذا الوعد لا حاضراً ولا مستقبلاً ،كما أيضاً لن نعدم ذلك فيمن مضى من علمائنا ربانيين ينبهون على زلات إخوانهم ويبينون أن هذه الزلة لا تتبع ، وأن هذه هفوة لا تتبع فيكون بذلك الدين محفوظاً ، ومقام ذلك العالم السني محفوظاً بعني مرعيا ً في حقه ورعايته ، أهل السنة يجمعون بين الحفظين بين حفظ الدين وصفائه أن يغير أو يبدل أو يفسد بزلة عالم أو بزلة حامل من حملة الدين ، وأن يخفض أيضاً من حق ذلك العالم السني السلفي المعتبر باجتهاده وقوله ، ورحم الله علماء السنة في الماضين واللاحقين وجعلنا وإياكم متبعين للحق .
فالموقف الصحيح من الزلة هو ما سمعتم والحذر ، قد تتابعت كلمات الأئمة في التحذير من زلة العالم ، وعدها الفاروق أول خصلة يحصل بها هدم الإسلام ، ومن قرأ الكتابات وتابع الإصدارات يجد كثيرا ً من الضلال بسبب إتباع زلة عالم من العلماء سواءً كان هذا العالم من التابعين أو من دونه ، أو كان هذا العالم من المتأخرين أو كان هذا العالم من المعاصرين ، حتى أصحاب المدارس الانحلالية المنحلين الذين لا علاقة لهم بالدين ، سواءً سموا الليبرالية أو سموا علمانية أو شيوعية أو اشتراكية أو بعثية أو ناصرية ، إذا ضاقت بهم السبل في بعض المجتمعات فإنهم لا يبرزون أبداً رأيهم على أنه رأي لهم ، من المدرسة العلمانية أو الليبرالية أو الاشتراكية ونحو ذلك ، إنما يتجهون مباشرة يتجهون مباشرة إلى عالم سني إلى عالم من علماء الإسلام ، بل حتى لو وجدوا صحابياً معروف على سبيل المثال أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه الصحابي الجليل ذو الفضائل المشهورة والمناقب المأثورة رضي الله عنه وأرضاه ، كان له رأي فقهي في كسب الأموال خالفه الصحابة كلهم ، وردوا عليه قوله رضي الله عنه ، وبينوا أن قوله مخالف للأدلة الشرعية ، وأنه اجتهاد أخطأ فيه رضي الله عنه وأرضاه بين له الصحابة ذلك ، وذلكم الرأي أحبتي في الله أنه كان رضي الله عنه لا يرى جواز أن يدخر أو يترك الإنسان عنده أكثر من قوته ، ويرى وجوب إنفاقه ووجوب توزيعه ، وأنه رضي الله عنه وأرضاه يقول أنه إذا بقي فإنه كنز يعذب عليه صاحبه يوم القيامة ، وكان ينشر هذا القول في الحج وفي الحرم وفي المدينة حتى نهاه أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه عن ذلك .
الشاهد بماذا جاء أصحاب الحركات الإسلامية كمحمد الغزالي وكخالد محمد خالد فعن كتاب رجال حول الرسول وغيرهم من أعلام الحركات الإسلامية ، وبعضهم كان اشتراكياً وبعضهم هو معتزلي ضال منحرف كمن سمينا ونحو ذلك ، وغير هؤلاء من الكتاب الذين دعوا إلى ما سموه زوراً اشتراكية إسلامية بنو المذهب الاشتراكي الماركسي كله على هذا الكتاب لما يزعمون ويكتمون ويظهرون للناس ، فإنهم لو لم يظهروا هذا لعرف الناس من أين يصدرون وإلى أين يريدون أن يذهبوا بالأمة وماذا يفعلون ، لكنهم أظهروا مثل هذا الخطأ واعتبروها اشتراكية أبو ذر يدعوا إلى الاشتراكية وأن أبا ذر على آخره .
ونظم في ذلك بعض ممن مضى من الشعراء ، بل وصلوا إلى أشد من ذلك ، فوصفوا عمر بن الخطاب ، بل يقول محمد الغزالي السقط ألإخواني يقول : ( ما طبقت الاشتراكية كما ينبغي إلا في عهد عمر ) ، ويقول : ( أول الداعين إلى الاشتراكية كان أبو ذر ) ، حاشاهم رضي تعالى الله عنهم أن تنسب إليهم مذاهب السوء ومذاهب الضلال والمذاهب الردية ، هذا في مقابل من له غطط أو خطأ فقهي يتعلق برأيه رضي الله عنه وموقفه من اتخاذ الأموال الزائدة على نفقة الإنسان ونفقة عياله ، ويتركون إنكار الصحابة عليه ويتركون بيان الصحابة أن قوله خطأ وإنه اجتهد رضي الله عنه وأرضاه ، وهو مأجور على اجتهاده لكنه خطأ في مخالفة الأدلة الشرعية والسنة ونحو ذلك ، يتركون هذا كله ويتلمسون .
وهكذا إذا وجد من التابعين من زل سواءً حمل سيفاً سواءً قال بدعة ، أو قال قولا ً مخالفاً يتركون ما كان مشهورا ًعن الصحابة وما كان مشهوراً عند التابعين وما كان مشهوراً عند التابعين وما كان مشهوراً عن هذا العالم التابعي نفسه ثم يأخذون ما زلته ، كلمة قالها في وقت غفلة قالها في وقت نسيانه للدليل ، قالها في وقت ما ، يتعلقون بتلك الزلة ، قال وما أراد ما أراده ومع ذلك تعلقوا بتشابه الألفاظ والوقائع كثيرة جداً ، فيما يتعلق في التابعين ، وهكذا كلما تأخر العصر كلما كثرت الوقائع التي تحتج بها في زلات من مضى ، أو بزلات من هو من معاصري ذلكم المحتج ، وعصرنا اليوم مليء مليء ، كتَّاب اليوم يدعون إلى كثير من الانحلال عن الدين وأحكامه أو يدعون إلى كثير من الضلالات وتجدهم يعتمدون ويستندون ويسطرون عن زلة من زل .
حُق إذاً للفاروق وهو العالم بأمر الله ودينه ، أن يجعل هذا من هدم الإسلام ، وحُق له أن يقدمه على جدال المنافق وعلى حكم إمام الضلالة ، حُق له أن يفعل ذلك وها هو واقعنا يشهد على صدق هذه الكلمة ، وأنها كلمة عظيمة جليلة القدر من الفاروق رضي الله تعالى عنه ، وأن الواقع اليوم وقبل اليوم هو هذا الذي نشاهده من إتباع زلات العلماء والاحتجاج بها والدفع في نحور النصوص ونحور الحجج والبراهين ، والدفع في وجهها بزلة فلان أو زلة فلان .
أكتفي إخوتي في الله حتى لا أطيل عليكم ، وأيضاً لما يوجد من بعض الارتباطات ، أنا أكتفي بهذا القدر إن شاء الله ، ولعله يكون بيني وبين إخوتي لقاء آخر أتمم فيه ما ابتدأته من باقي الخصال الثلاث التي بها يهدم الإسلام ، حتى نحَذَرها ونحذر من يسمع منا تحذيرنا ونتقيها ، وهي جدال المنافق وحكم الأئمة المضلين وتعظيم أو توقير صاحب البدعة .
أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من الذين علموا الحق وعملوا به ، والذين بصَّرَهم بالباطل فحذروه وحذروا أهله ، وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا و إياكم العلم النافع والعمل الصالح ، وأن يجعلنا وإياكم من المتبعين الصادقين لمنهج السلف الصالح ولكتاب الله وسنة رسوله ، وبما أجمع عليه أهل القرون الأولى المفضلة ولما ساروا عليه في عقيدتهم وساروا عليه في فقههم وساروا عليه في عبادتهم وساروا عليه في دعوتهم وساروا عليه في زهدهم ، أسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلني وإياكم إخوتي في الله ممن سار على هدي القرون في ذلك كله في كل أبواب الدين ، في زهدهم وعبادتهم ودعوتهم وعلمهم وفقههم وعقيدتهم ومنهجهم ، أسأل الله الكريم أن يمن علينا وعليكم بذلك وأن يحفظنا وإياكم من مضلات الفتن ، اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء ، اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء ، اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء ، إنك كريم قريب مجيب سميع الدعاء ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه وسلم ، وأخيراً أقول جزاكم الله خيراً .
نشكر لأخينا الشيخ عادل بن منصور ما قدم وأفاد ، ونسأل الله عز وجل أن يجعله في موازين حسناته يوم القيامة .
الأخ السائل يقول : شيخنا الفاضل من الذي يحكم بكون هذا الذي وقع من العالم زلة أم لا ؟ وكيف لنا أن نعرف أنها زلة ؟ .
الجواب : قد سبق شيء من الجواب عليها في قول معاذ لما سئل كيف لنا أن نعرف زلة الحكيم ، قال : ( أن تقول كيف هذه ؟ )
، إن للحق شواهد وإن لله في قلب كل مؤمن واعظ ، لله في قلب كل مؤمن واعظ ، كما دل عليه حديث النواس بن سمعان ( ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً ) ، والعلماء كما قد أيضاً تقدم قولي أنه لا توجد زلة أو هفوة أو توجد بدعة ، إلا ويقيض الله كم تقدم النقل عن ابن القيم رحمه الله وغيره ، إلا قيض الله من علماء السنة من يبين أن هذه زلة ، ويبين وجه كونها زلة ويبين انحرافها عن الدليل ، أن يخالف هذا القول وهذا الفعل كتاب الله أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما هو معروف عن الصحابة ، وما هو معروف عن التابعين ، إذا كانت الزلات ممن تقدم فلا أظن يخفى على طالب علم سني لو احتج عليه رجل قال قد خرج فلان على بني أمية أو خرج فلان على بني العباس ، إن من السهل على المريد للحق أن يقول قد صح من وجوه كثيرة متواترة متضافرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسمع والطاعة ، وأمر بالصبر على جور الأئمة ، ونهى وحرم وزجر وتوعد على الخروج على ولاة أمور المسلمين وإن غيروا ، وإن حصل منهم ما حصل ما لم يظهر الكفر البواح الذي فيه عندنا من الله برهان وما حصل ، هذا زلة فتظهر الزلة عليها علامات أن تقول كيف صدر هذا كيف وقع هذا ، وأن يكون مخالفاً لكتاب الله مخالفاً لشرع رسول الله مخالفاً لأقوال الصحابة مخالفاً لأقوال التابعين ، ولم يعدم مريد الحق والله ، والله مريد الحق لن يعدم أن يجعل الله ظلمة على الزلة تعرف بها ، ولن يعدم مريد الحق إن شاء الله تعالى ، أيضاً لن يعدم أن يوجد من علماء السنة أو من طلبة العلم ، لأنه قد ينبه المفضول على زلة الفاضل ، ويقيم على زلته برهاناً هو دليله .
كما تقدم معنا في كلمة إسحاق أن ذلك لا ينقص منه إذا ننبه على زلة من هو أفضل منه ، فإذا كان التابعي قد بينه بالدليل السني على زلة الصحابي والصحابي أفضل منه ، وإذا كان من هو في العصور المتأخرة قد ينبه على فتوى زل فيها تابعي أو تابع تابعي ، أو من هو من الأئمة ، فهو دونهم في الفضل والعلم والقدر والجلالة ولا شك في ذلك ، بل يا أخي لا يزال المتقدمون أفضل ممن تأخر ، ولا يزال المتأخرون هم المتصدون للتنبيه على زلات من تقدم ، فلا يشترط أن يكون مثله في العلم ومثله في الجلالة ومثله القدر ، هذا غير صحيح ، وهذا الشرط إنما أحدثه بعض الناس تعجيزاً ورداً لقبول كلام علماء السنة .
الآن أقول لك لو زل شيخ الإسلام في مسألة ، فتعقبه الإمام ابن باز وبين بالأدلة أن هذه زلة ، هل ابن باز يصل إلى درجة ابن تيمية ؟ لا ، بعد أن أقام البرهان على أنها زلة قبلناها ، وهكذا ابن تيمية إذا نبه على فتوى زل فيها صحابي أو زل تابعي أو تابع تابعي أخطأ فيها ، وهي مخالفة للدليل بالسنة واضح ، ولم يبلغ الحديث إلى ذلك الصحابي ، ولم يبلغ الحديث إلى ذلك التابعي ، ولم يبلغ الحديث لذلك الإمام ، لا إمام في العراق ولا إمام في الشام ، أو كان في اليمن أو كان في مصر ، أو كان من أئمة خراسان أو كان من أئمة الحجاز ، وما بلغه الحديث وأفتى بخلافه فهذه زلة ، فهل أنا أو أنت أو أئمة السنة المتأخرين يصلون إلى درجة ذلك الإمام في الفضل والجلالة والقدر والقرب من عهد الصحابة أو اللقي لهم ، حتى نخطئهم ، نقول نحن خطأناهم بالسنة ، وميزنا زلتهم بالسنة .
هذه هي الزلة ، ما يكون الكلام في الزلة هوى ، لا معروفة أن الزلة تظهر عليها العلامات ، تظهر عليها الأمارات المخالفة للدليل ، هذه زلة واضحة ، فهو تقدم من خلال كلامي سواءً من سؤال معاذ ، قوم نقل عن ابن القيم وغيره تقدم .
إن شاء الله الجواب عن سؤال أخينا حفظنا الله وإياه من كل سوء ، ولكن إن شاء الله أعدته ولكن لعل في الإعادة إفادة .
تم بحمد الله
قام بتفريغها : أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
الثلاثاء الموافق الخامس عشر من شهر ربيع ثاني لعام إحدى وثلاثين وأربعمائة وألف
تعليق