إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تحذير البشر من أصول الشر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تحذير البشر من أصول الشر

    السلام عليكم و رحمة الله

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إليكم إخواني الكرام هذا الكتاب القيم بعنوان

    تحذير البشر من أصول الشر

    للشيخ محمد الإمام حفظه الله

    و سأنزله هنا- إن شاء الله- فصلا بعد فصل لعنا ننتفع به جميعا

    و الآن مع الكتاب

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران].

    {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي يتساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} [النساء].

    {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} [الأحزاب].

    أما بعد:

    فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعـد:

    فاعلم -أخي المسلم- أن الله جعل لكل داء دواء ، فقد روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)) وجاء من حديث جابر عند مسلم وأحمد وغيرهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله)). ومن حديث أسامة بن شريك عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ((إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحد، قالوا يا رسول الله وما هو؟ قال: الهرم)) رواه أحمد وغيره.

    والدواء المذكور في الأحاديث المذكورة يعم دواء القلب والروح والبدن. وقد أخبر الله سبحانه عن القرآن أنه شفاء ، قال سبحانه و تعالى:{قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } فصلت

    وقال تعالى: {وننـزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} الإسراء.

    وقال تعالى :{يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} يونس.

    فالقرآن كله شفاء للقلوب من داء الجهل, والشك, والريب, وجميع أنواع أمراضها فلم ينـزل الله من السماء شفاء أعم ولا أعظم ولا أنفع في إزالة الداء من القرآن الكريم. و(من) في قوله تعالى :{من القرآن} هي للجنس كما قاله غير واحد من المفسرين.

    قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" (ص/22) : (وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة وحصول الشرور في الدنيا والآخرة في كتابه على الأعمال ترتب الجزاء على الشرط ، والمعلول على علته، والمسبب على السبب، وهذا في القرآن يزيد على ألف موضع -وذكر أمثلة على ذلك- ثم قال :الفقيه كل الفقيه... الذي يرد القدر بالقدر ويدفع القدر بالقدر ويعارض القدر بالقدر بل لا يمكن الإنسان أن يعيش إلا بذلك.)

    ومما ينبغي أن يعلمه المسلم والمسلمة هو خطورة الإصرار على الذنوب، فقد روى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ فقال: ((من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر)) وقد حمل هذا الحديث العلماء على معنيين:

    الأول: أن المراد بالإساءة في الإسلام أنه أسلم في الظاهر ولم يسلم في الباطن، فهذا ما يزال كافراً في حقيقته وإن تظاهر بالإسلام، وحكمه في الإسلام أنه منافق، فتبقى عليه ذنوب أيام الكفر الصريح كما هي، وما يفعله من ذنوب في الإسلام فهي كذلك لأن الكافر يغفر له ما قد سلف إذا أسلم ظاهراً وباطناً.

    الثاني: أن المراد بالإساءة: البقاء على بعض المعاصي التي كان عليها في الجاهلية مع إسلامه ظاهراً وباطناً، فلو أن شخصا كان في الجاهلية مرابياً أو سكراناً أو كذاباً فأسلم وبقيت فيه هذه المعصية فهنا يعاقب على فعلها في الجاهلية، ويعاقب على فعلها في الإسلام، لأن الإسلام يدعو إلى ترك كل المعاصي، فهذا الحديث يخوفنا جميعاً . فانظر لنفسك مخرجاً قبل أن تلقى الله، ولخطر الشر أولاً على المسلم ولكثرته ثانياً ، ولغموض بعضه ثالثاً رأيت أن أجمع هذه الرسالة وأقدمها بين يدي القارئ الكريم وأن أعتني بذكر أصول الشر لأن هذا في الإمكان، أما الفروع فلا قدرة على حصرها لأن الشر يتجدد في الناس ويتنوع ما بين الحين والآخر. وإذا رددت الفروع إلى الأصول حسمت طرق الشر بحمد الله.

    ولا يظن ظان أن جهل جماهير المسلمين بالشر هو في الفروع دون الأصول، بل في الأصول بكثرة. وأصول الشر التي ذكرتها هنا قد اعتمدت في ذلك على الآتي:

    1- الأدلة من القرآن والسنة المثبتة لذلك، كقول الله تعالى :{أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين} المؤمنون.

    فقد أفادت الآية أنه ليس بين كفار قريش وبين أن يقبلوا الإسلام إلا أن يتدبروا القرآن. ومن السنة كقول النبي صلى الله عليه و سلم : ((إن أخوف ما أخاف عليكم الأئمة المضلون)) رواه أحمد عن عمر.

    فقد أفاد ظاهر الحديث أنه لا خطر على الأمة الإسلامية أعظم من وجود أئمة الضلال.

    2- اعتمدت على كلام أهل العلم كقول ابن رجب في الغضب : (الغضب جماع الشر) وكقول ابن القيم في اختلاط الرجاء بالنساء : (إنه أساس كل شر وبلاء) وهذا كثير.

    3- ذكرت ما فهمته أنه من أصول الشر وهي قليلة، وقد يكون لها دليل غفلت عنه، وقد يكون قال بذلك من قال من أهل العلم ولكن لم أهتد إلى ذلك، وأصول الشر مرتبطة بعضها ببعض فلا يترك كل الشر إلا بتركها كلها، ومنها العام ومنها الأعم، وبعضها تتفرع من بعض، وليس ما ذكرته هنا للحصر.

    تنبيه: حرصت ما أمكن أن لا أذكر إلا حديثاً ثابتا عن النبي صلى الله عليه و سلم

    وقد سميت هذا المؤلف بـ "تحذير البشر من أصول الشر" فالله المسئول أن ينفع به كاتبه، وأن ينفع به قارئه، وأن يثيب كل من شارك في شيء من التعاون معي في نشره وإخراجه.

    وكتب: محمد بن عبد الله الإمام

    اليمن _ معبر _
    بتاريخ 22/1/1422هـ.
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو يوسف أيوب شمالي; الساعة 02-05-2009, 06:49 AM.

  • #2
    القسم الأول:
    تعريف الشر


    عرفه بعض أهل اللغة بأنه ضد الخير قاله صاحب الصحاح وصاحب القاموس المحيط.

    وعرفه الراغب الأصفهاني ص (257) بقوله: (الشر الذي يرغب عنه الكل) وعرفه الجرجاني بقوله: (عبارة عن عدم ملائمة الشيء الطبع) وعرفه بعضهم قائلاً: (الأذى والفساد)

    وقال ابن القيم في رسالته تفسير المعوذتين (24-25) وهو يتكلم عن حقيقة الشر قال :(فنقول: الشر يقال على شيئين : على الألم وعلى ما يفضي إليه وليس له مسمى سوى ذلك فالشرور هي الآلام وأسبابها فالمعاصي والكفر والشرك وأنواع الظلم هي شرور وإن كان لصاحبها نوع غرض ولذة لكنها شرور لأنها أسباب للآلام ومفضية إليها كإفضاء سائر الأسباب إلى مسبباتها فترتب الألم عليها كترتب الموت على تناول السموم القاتلة وعلى الذبح والإحراق بالنار والخنق بالحبل ـ إلى أن قال ـ وهي بمنزلة طعام لذيذ شهي لكنه مسموم إذا تناوله الآكل لذ لأكله وطاب له مساغه وبعد قليل يفعل به ما يفعل فهكذا المعاصي والذنوب ولا بد).

    فاتضح من هذا النقل أن الشر ضد الخير, وأن حقيقة الشر هي الآلام التي لها أسبابها وأعظم تلك الأسباب المعاصي والذنوب.





    تعريف الأصل:



    لعلماء اللغة ثلاثة تعبيرات في معنى كلمة أصل:

    التعبير الأول: أن الأصل هو الأساس ومن ذلك قول العرب: لا أصل ولا فصل أي لا نسب ولا لسان إذ أن أساس الإنسان آباؤه وأجداده الذين يحصل بهم شرف النسب.

    التعبير الثاني: أن أصل الشيء أسفله ومنه أصل الجبل وأصل الشجره أي أسفله.

    التعبير الثالث: أن أصل الشيء هو منشأ الشيء الذي بني فيه ومنه ولهذا قيل القطن أصل المنسوجات لأنها تنشأ عنه ومنه.

    والتعبير الأول والثالث من هذه التعريفات هو المقصود في بحثنا هذا حيث أردنا بأصول الشر ما ينشأ عنه الشر أو يتفرع منه لأن الشرور كثيرة جداً لا حصر لها ولكن إدراك أصولها مقدور عليه وضبطها ميسور عليه قال تعالى في أصول الشر: {ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار} إبراهيم.

    تعليق


    • #3
      القرآن والسنة يتحدثان عن الشر



      وإليك سرد مجموعة مباركة من آيات الذكر الحكيم:

      قال تعالى :{إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} [الأنفال] وهذه الآية في سياق المنافقين.

      وقال تعالى :{إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون} [الأنفال].

      وقال تعالى :{والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك هم شر البرية} [البينة].

      وقال تعالى :{ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد} [الفلق].



      وإليك مجموعة مباركة من الأحاديث الصحيحة التي تبين شر الناس أو من شرهم:

      روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم قال :((...وتجدون شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه)).

      وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم :((يا عائشة إن شر الناس عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه))

      وعند مسلم من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم قال :((... وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم)) وقد جاء عن عمر عند الترمذي.

      وروى الإمام أحمد والترمذي وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم قال :((...وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره)).

      وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم قال :((ألا أخبركم بشر الناس؟ رجل سأل بالله ولا يعطى)).

      وروى البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم :((شرار أمتي الثرثارون المتشدقون المتفيقهون)).

      وروى ابن أبي الدنيا عن فاطمة بنت سيد المرسلين صلى الله عليه و على آله و سلم ورضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم :((شرار أمتي الذين غدوا بالنعيم الذين يأكلون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام)).

      وروى أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r :((شر مافي الرجل شح هالع وجبن خالع)).

      وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم :((...وشر الناس من طال عمره وساء عمله)) رواه أحمد والترمذي والحاكم.





      أسماء الشر



      للشر أسماء كثيرة ومنها:

      1- الذنوب

      2- المعاصي

      3- العدوان

      4- الظلم

      5- الفساد

      6- الباطل

      7- الفسق

      8- الإثم

      9- البغي

      10- الفواحش

      11- السيئات

      12- الخطيئة

      13- السوء

      14- الإفراط والتفريط

      15- الإجرام

      16- المنكر

      17- المشاقه لله ورسوله والمخالفة لهما

      18- جاهلية

      19- ضلال

      فهذه أسماء عامة للشر يدخل فيها ما كان يصل بصاحبه إلى الكفر وما كان دون ذلك ويدخل في ذلك أنواع الكبائر من الذنوب.

      وأسماء الشر يتصف بها من عمل شيئًا منها وأصر على ذلك. فما أقبح بالمسلم أن يصر على شيء من الشر.


      معنى (شر الناس) أو (من شر الناس):
      أي أنه أكثرهم شراً ويكون الشخص شر الناس إما بتعدد أنواع من الشرور فيه وإما بشر هو أساس لشرور.

      تعليق


      • #4
        الله منـزَّه عن الشر



        اعلم أخي المسلم أن الله منزه عن الشر, والأدلة على ذلك من القرآن ومن السنة كثيرة:

        أما القرآن فقد قال الله :{هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن} (الحشر)

        فهذه الأسماء الثلاثة تنـزه الله عن كل عيب ونقص وسوء. والشر المحض عيب ونقص في حق من اتصف به فلذا لم يأت حرف واحد في القرآن والسنة أن الله اتصف به.

        وقوله سبحانه :{قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} [آل عمران .

        انظر كيف أثبت الله أن الخير بيده ولم يقل والشر بيده مع أن الآية الكريمة قد تحدثت عن نزع الملك وإنزال الذل وهذا شر في حق من وقع عليه ذلك.

        وأسماء الله وصفاته كلها متضمنة لتنزيه الله عن الشر ومن ذلك أنه سبحانه حكيم ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام :((عدل في قضاؤك)) فهو صاحب العدل في كل أقضيتة الدنيوية والأخروية فله العدل كله وله الحكمة كلها وله الرحمة كلها وله الملك كله وله الحمد كله.

        وهو سبحانه منزه عن الظلم وهو شر، قال سبحانه :{وما ربك بظلام للعبيد} [ق] وقال تعالى :{إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون} [يونس]

        وقال تعالى :{إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيما} [النساء]

        وأما السنة فقد روى مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه في حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم وفيه :((لبيك وسعديك والخير كله بين يديك والشر ليس إليك...))

        وهذا الحديث واضح جداً أن الشر لا يتصف به الله.





        الشر يضاف إلى الله خلقاً وتقديراً



        اعلم أخي المسلم أن الله خلق الخير والشر, ولكن خلقه للشر ليس شراً في حد ذاته وإنما خلقه له عدلاً وحكمة ومصلحة. وكيف يكون خلقه له شراً وهو القائل سبحانه :{صنع الله الذي أتقن كل شيء} وقال سبحانه :{الذي أحسن كل شيء خلقه} [السجدة] وقال تعالى :{ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} [الملك]

        فخلقه سبحانه للشر لا يعني أنه شر في ذاته بل هو من جهة نسبته إليه سبحانه دائر بين العدل والرحمة والحكمة والمصلحة لا يخرج عن ذلك.

        ولهذا قال الله :{فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} [ الأنعام]

        فله الحمد هنا لأنه أخذ الظالمين وأخذه لهم عدل منه سبحانه بل ورحمة. وقال في القضاء يوم القيامة بين الخلق :{وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} [الزمر] فحمد الله سبحانه نفسه على قضائه على أهل الشقاء بالنار.





        الشر حقيقة في مفعولات الله



        قال تعالى :{قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق} [سورة الفلق] فما هنا في قوله {ما خلق} هي اسم موصول، والآية الكريمة أسندت الشر إلى المخلوق الذي هو مفعوله، وهكذا حديث الحسن بن علي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم علمه دعاء القنوت في الوتر وفيه ((وقني شر ما قضيت)) رواه الأربعة وأحمد وغيرهم.

        وكون الشر في مفعولاته سبحانه ومخلوقاته لا يعني أن الله لم يخلقه، فقد خلقه ولكن خلقه سبحانه للشر إنما هو خير وإنما صار شراً بالنسبة لمن وقع عليه، وعلى سبيل المثال: إنزال المطر خير وهو فعل الله لكن إذا أخذ السيل بعض الأموال على بعض الناس فالشر هنا فيما أحدثه المطر، والمطر فعل الله، وما أخذه المطر من بعض الأموال هن مفعولات، وبهذا الفهم السديد تتفق جميع الأدلة وتذهب الإشكالات التي تحصل لبعض الناس.





        الشر ينقسم إلى قسمين:



        1- شر محض: وهو ما كان من كل الوجوه وهذا لا وجود له بل هو عدم فلم يوجد الله شراً محضاً فالكون كله خالي من هذا الشر.

        2- شر إضافي: وهو الشر الوجودي وهو كوجود الكفر والشرك والمعاصي وما إلى ذلك.

        وهذا الشر الوجودي الله خالقه لحكمة كما سبق وعلى هذا فليس في الكون شر محض من جميع الوجوه قط. وما يمثل به بعضهم كإبليس فيقولون هو شر محض فهذا التمثيل غير صحيح فإبليس ليس شراً محضاً في هذا الكون وإن كان مفسداً في الأرض ولكن كم لله من حكمه من خلق إبليس فقد قام سوق الجهاد ونال الشهادة الشهداء وصلح الصالحون وتاب التائبون كل هذا محاربة لإبليس وطاعة للرحمن فمن حكمة الله أن جعل المعركة قائمة بين إبليس ومن معه وبين أهل الإيمان, وبسبب هذه المعركة عرف الصادق من الكاذب والمحق من المبطل والمتبع للحق من المخالف له وعلى هذا فقس.





        الشر يضاف إلى العبد كسبا



        اعلم أخي المسلم أن الشر يضاف إلى العبد كسبا، قال تعالى :{ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [النساء]

        وقال تعالى :{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [الشورى]

        وقال سبحانه :{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} [الروم]

        وقال تعالى :{من يعمل سوء يجز به} [النساء]

        وقال تعالى :{فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية} [المزمل]

        وقال تعالى :{فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا}[العنكبوت]

        والأدلة كثيرة في هذه المسألة من القرآن والسنة.

        تعليق


        • #5
          النفس البشرية جبلت على الخير ولكنها تقبل الشر



          قال تعالى :{فألهمها فجورها وتقواها} وقال الرسول صلى الله عليه و على آله و سلم :((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه...)) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, وقال رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم: قال الله تعالى: ((إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين))

          فالنفس البشرية مثل الأرض خلقها الله صالحة للزراعة فإذا لم تزرع من قبل الزارعين أنبتت أنواعاً من الأشجار التي فائدتها ليست كفائدة زراعتها وهكذا النفس البشرية فهي خلقت للعمل بالإسلام ولكن لا يتم هذا إلا إذا غرس الإسلام في النفوس حتى تثمر النفوس الخير وأما إذا أهملت النفوس فلا بد من زرع الشر فيهن بقدر ذلك الإهمال وعلى حسب ذلك تكون قوة نشر الفساد.





          الشر طارئ على المخلوق البشري


          إنه من المعلوم لدى من له إلمام بأحكام الإسلام أن الشر طارئ على المخلوق البشري حيث إن الله قد فطر المخلوق البشري على الإسلام حباً وتعظيماً وقبولاً قال تعالى: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} وقال الرسول صلى الله عليه و على آله و سلم :((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) متفق عليه.

          والشر هو ما يكتسبه العبد من الذنوب بسبب مخالفة شرع الله. فالشر نابع من اختيار العبد وإرادته المخالفة لشرع الله حين ينحرف فإذا بقي العبد على الفطرة ونماها على دين الله لم يبق فيه الاختيار للشر والمخالفة لدين الله. ولهذا روى مسلم في صحيحه من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم قال الله تعالى :((إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين فحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا))

          ولما كان الشر طارئاً ترى التائبين يتوبون إلى الله ويرجعون إليه وماذاك إلا رجوع إلى ما دعت إليه الفطرة وجاء به الشرع.

          وبهذا تعلم أن قول الفلاسفة إن الأصل في المخلوق البشري الشر قول باطل.

          تعليق


          • #6
            الإنس والجن مصدر الشر


            فالمكلف من الإنس والجن هو مصدر الشر إلا من اتقى الله. قال تعالى :{فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف]

            وقال تعالى :{إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً} [الدهر]

            وقال تعالى :{ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين} [البلد].

            وقال تعالى :{ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب} [الحج].

            وقال الرسول صلى الله عليه و على آله و سلم :((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) متفق عليه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد جاء عن غيره.

            ولقد كان الرسول صلى الله عليه و على آله و سلم يقول في كثير من خطبه :((...نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ...)) رواه مسلم وغيره من حديث جابر. وقد جاء من حديث ابن مسعود عند ابن ماجه. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي داود والترمذي وأحمد وقد جاء عن غيره أن رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم علم أبا بكر دعاء يقوله إذا أمسى وإذا أصبح وهو ((اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجره إلى مسلم)).

            فبين الحديث مصادر الشر وأنهما النفس والشيطان، وبين أن الشر يعود على صاحبه أو على أخيه المسلم.





            الاستعاذة بالله من جميع أنواع الشرور



            اعلم أخي المسلم أن الشرور كثيرة وهي تتجدد ما بين الحين والآخر ومن أسباب الخلاص من الشر الاستعاذة بالله من جميع الشرور. قال تعالى :{قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد} وقال سبحانه :{قل أعوذ برب الناس مالك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس}

            وروى الطيالسي والطبراني عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم :((اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم)) ومن حديث عائشة رضي الله عنها عند ابن ماجه وأحمد وابن حبان والحاكم أنه عليه الصلاة والسلام كان يدعو :((اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم...))

            وفي حديث جابر في الاستخارة الذي في آخره ((...وإن كان هذا الأمر ـ ويسميه ـ شراً لي في ديني ومعاشي فاصرفه عني واصرفني عنه)) رواه البخاري.

            وجاء عند الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم ((...اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك)).






            الشر المستعاذ منه نوعان:



            أحدهما: موجود يطلب رفعه أو تخفيفه.

            والثاني: معدوم يطلب بقاؤه على العدم وكما أن الخير المطلق نوعان:

            أحدهما موجود يطلب دوامه وثباته وأن لا نسلبه.

            والثاني معدوم فيطلب وجوده وحصوله فهذه أربعة هي أمهات مطالب السائلين من رب العالمين وعليها مدار طلباتهم وقد جاء ت هذه المطالب الأربعة في قوله تعالى عن عباده المؤمنين وهم يدعونه ويتضرعون إليه :{ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا} فهذا الطلب لدفع الشر الموجود فإن الذنوب والسيئات شر كما تقدم بيانه ثم قال مخبرا عنهم :{وتوفنا مع الأبرار} فهذا طلب دوام الخير الموجود وهو الإيمان حتى يتوفاهم عليه.

            ثم قال عنهم: {ربنا وآتنا ما ودعتنا على رسلك} فهذا طلب للخير المعدوم أن يؤتيهم إياه ثم قال تعالى مخبرا عنهم :{ولا تخزنا يوم القيامة} فهذا طلب أن لا يوقع بهم المعدوم وهو حزب يوم القيامة هذا كله معنى كلام ابن القيم في رسالته تفسير المعوذتين (32)

            وعلى هذا فقوله عليه الصلاة والسلام : ((ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا)) من حديث ابن مسعود عند الترمذي برقم (1105) وابن ماجه (1892) يتناول الاستعاذة من شر النفس الذي هو معدوم لكنه فيها بالقوة فيسأل دفعه وإن لا يوجد ويتناول ما قد ظهر من شرها، وأما الاستعاذة من سيئات الأعمال فهو يتضمن الشر الذي قد وجد والشر الذي لم يوجد ولكنه يتوقع وجوده ويتضمن الاستعاذة من عواقب السيئات فيكون العبد قد استعان بالله من حصول الآلام وأسبابها فالاستعاذة من شر النفس ومن الأعمال التي تحدثها سبب للعافية من الشر بحذافيره إن كان المستعيذ ذا فقه في الدين.

            تعليق


            • #7
              متى يحكم على الشيء بأنه شر؟



              اعلم أخي المسلم أن أي شيء لا يتحقق أن يكون شرا إلا إذا حكم الإسلام عليه بذلك. فكل شيء نهى الله عنه في كتابه أو رسوله صلى الله عليه و على آله و سلم في صحيح سنته فهو شر بغض النظر أدرك الناس قبح ذلك المنهي عنه أم لم يدركوا ولهذا قيل لأعرابي لم ذا أسلمت؟ قال: (ما أمر الرسول صلى الله عليه و على آله و سلم بشيء فقال العقل ليته نهى عنه ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته أمر به ولا أحل شيئاً فقال العقل ليته حرمه ولا حرم شيئاً فقال العقل ليته أباحه) وقد قال الله مخبراً عن كفار قريش في انحرافهم :{وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون قل أمر ربي بالقسط} [الأعراف].

              وما بقي من تفريعات حول هذه القاعدة فمردها إلى الشرع جملة وتفصيلا.





              العقول لا تستقل بمعرفة الشرور


              اعلم أخي المسلم أن العقول مهما بلغت من الرجاحة والرزانة لا تقدر على أن تستقل بمعرفة الشرور أو بمعرفة كل وجه من أوجه الشر. والذي إليه المرجع في بيان الشر والحكم عليه هو الشرع الحنيف . قال سبحانه :{كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة]

              وقال تعالى :{وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة].

              وقال تعالى :{وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً} [النساء].

              بل لقد علمنا نبينا صلى الله عليه و على آله و سلم دعاء الاستخارة في الأمور كلها وهو ((اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي... ويسمي ذلك)) رواه البخاري من حديث جابر.





              أجهل الناس بمعرفة الشرور


              لا يخفاك أخي المسلم أن أجهل الناس بمعرفة الشرور صنفان من الناس:

              الأول: الكفار، ولما عظم جهلهم بخطر الشر كفروا بالله وأشركوا به وكذبوا رسله وأنكروا البعث والنشور وحاربوا أولياءه وصدوا عن سبيله حتى قال قائلهم فيما أخبر الله عنه :{اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال] وإن كان الكفار على مراتب في الجهل فهناك كفار دنست فطرهم أكثر وألقيت عليهم الشبه حول الإيمان بالله واليوم الآخر فرأوا ذلك من باب الخرافة، ومن الكفار من يدرك بعض الشر ولكنه لا يقدر على تركه لأمر ولآخر كمثل هرقل فقد أدرك أن دعوة رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم حق فقال لقومه :(هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة الحمر فلما رأى إصرارهم على كفرهم قال إنما أردت أن أختبركم حتى أنظر في غيرتكم على دينكم)) رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس بهذا المعنى.

              ومن الكفار من دنست فطرته ولكنه يبحث عن الحق حتى يوفق له وهذا كما يحصل على مرور التاريخ وكما حصل لبعض المفكرين في عصرنا من الذين أسلموا.

              الثاني: أهل النفاق والزندقة. لا يخفاك أخي المسلم أن المنافق وإن تظاهر بالإسلام فهو أجهل الناس بالشرور وقد فضح المنافقون في القرآن والسنة المطهرة. قال الله :{وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} فحكم الله عليهم بقوله: {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} وقال: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء} فحكم الله عليهم بقوله: {ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون} [البقرة] فأي جهل أعظم ممن بلغ جهله به بحيث لا يشعر ولا يعلم. وقال تعالى :{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} [البقرة].





              العقول السليمة من الشبه لا تعترض على الله في تحريمه للشر



              والعقل الصريح هو العقل الخالي من الشبهات فإن الشبهات تفسد العقول وتدنس الفطر وتنجس العقائد وبسبب كثرة الشبهات في عصرنا من قبل المتخصصين من اليهود والنصارى لإفساد عقائد المسلمين فسد بعض المسلمين وبسبب تسهيل وصولها إلى أغلب المسلمين عبر كثير من الصحف والجرائد والمجلات والإذاعات والتلفاز والدراسة والقراءة في كتب الضلال وما إلى ذلك. فمنهم من هو في شك وحيرة واضطراب فهو كالغريق إن لم يتدارك فهو هالك. ومنهم من يستقيم تارة ويفسد تارة والله أعلم بما يختم له. وقد تقدمت لك قصة الأعرابي الذي سئل عن سبب إسلامه فأخبر أنه لم يحرم شيء في الإسلام فقال العقل ليته ما حرمه، إلى آخر القصة.

              وعلى هذا فالمسلمون الذين سلمت عقولهم من معارضة الشرع الحنيف هم القليل كثرهم الله.





              أقدر الناس على معرفة الشر من بداية ظهوره:



              اعلم أن أقدر الناس على معرفة الشر من بدايته هم ورثة الأنبياء العلماء العاملون بالوحيين والراسخون فيهما. قال تعالى مخبراً عن طغيان قارون وافتتان قومه به وموقف أهل العلم من ذلك :{فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم} هذا موقف جماهير الناس. وأما موقف أهل العلم فهو {وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون} [القصص]

              فلما خسف الله بقارون وبداره تغير موقف الجماهير. قال تعالى :{وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون} [القصص]

              ولهذا قال الحسن البصري :(إذا أقبلت الفتنة عرفها العلماء وإذا أدبرت عرفها عامة الناس) نعم إنه بإمكان جماهير الناس أن يعرفوا الفتنة عند ظهورها إذا رجعوا إلى علماء الإسلام لا إلى من تشبه بهم من علماء الطوائف الضالة والبدع.

              تعليق


              • #8
                أساس الشر من قبل رجال المشرق



                روى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم قال :((من هاهنا جاءت الفتن نحو المشرق والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين أهل الوبر عند أصول أذناب الإبل والبقر في ربيع ومضر))

                ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم قال :((رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم))

                ومن حديث ابن عمر المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم قال وهو مستقبل المشرق :((ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان)).

                وفي رواية عند البخاري لما قيل للرسول صلى الله عليه و على آله وسلم يدعو لأهل نجد قال :((هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)).

                ومشرق مدينة الرسول صلى الله عليه و على آله وسلم العراق وما إليه وقد ظهرت الفتن والكفر من هناك قديماً وحديثاً فالخوارج والرافضة والجهمية والمعتزلة والصوفية والقدرية المجوسية تأسست في المشرق وظهرت من المشرق. وأصناف الفرقة الباطنية القرمطية التي هي أكفر من اليهود والنصارى ظهرت من المشرق.

                وجاء عصرنا وظهر فيه الكفر من المشرق وعلى رأس ذلك الشيوعية الحمراء والبعثية الدهماء وما إلى ذلك وقبل مدة قصيرة قام المجرم البعثي صدام حسين باجتياح أرض الكويت مما أدى ذلك إلى مصائب عظيمة للدول العربية وشعوبها وأخيراً يظهر الدجال من قبل المشرق كما أخبر النبي صلى الله عليه و على آله وسلم بذلك كما في صحيح مسلم عن ابن عمر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم من بيت عائشة فقال: ((رأس الكفر من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان)) -يعني المشرق- فإخبار النبي صلى الله عليه و على آله وسلم بأن رأس الكفر من المشرق حق وأن الفتن من المشرق سابقاً ولاحقاً حق فهذا من المعجزات النبوية.





                الشر يزيد على مرور الدهور والعصور



                روى البخاري من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم : ((لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه)) وروى البخاري من حديث مرداس الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم قال : ((يذهب الصالحون الأول فالأول ثم تبقى حثالة كحثالة الشعير لا يبالي بهم الله باله)) وهذا الحديث إنما هو من بعد بعثته صلى الله عليه و على آله وسلم ، وقد دلت الأحاديث على أن الشر كان في عهد التابعين أكثر منه في عهد الصحابة وفي عهد أتباع التابعين أكثر منه في عهد التابعين، ودلت أحاديث كثيرة أن الشر بعد انقضاء عصر السلف أكثر منه في عهد السلف، وقد دلت أحاديث كثيرة على تسلط الكفار على المسلمين وتدهور حال المسلمين، وحديث أنس المذكور من العلماء من قال: إنه عام مخصوص، ومنهم من قال: إنه عام يبقى على عمومه، وقد كان ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ يفهم الحديث على عمومه ويقول: (لست أعني رخاء من العيش يصيبه ولا مال يفيده ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علماً من اليوم الذي مضى قبله).

                والأقرب القول الأول لأن حديث أنس يفيد الأغلب أي: أغلب العصور والدهور يزيد فيها الشر وقل أن يخف الشر في عصر من العصور كعصر عمر بن عبد العزيز وكعهد المهدي فإنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ولكن ما ذا يكون هذا بجانب مرور مئات القرون وهي تطفح بالشر، وأيضاً هذا الخبر يكون لمدة قصيرة جداً، والله أعلم.





                طفح الشر في الأرض سبب لقيام الساعة وخراب الكون



                روى الإمام مسلم وغيره من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم : ((لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس)) ومن حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم : ((لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول الله الله)) رواه مسلم. وفي حديث النواس بن سمعان الطويل : ((...إذ بعث الله ريحاً طيبة من اليمن فتقبض روح كل مؤمن ومسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة)).

                تعليق


                • #9
                  مقارنة بين صاحب الخير وصاحب الشر



                  وعند أن نذكر صاحب الخير فتارة يراد به السني الصحيح ولا يدخل فيه المغشوش بالبدع وما إلى ذلك وتارة يراد به المسلم المغشوش. وعند أن نذكر صاحب الشر فتارة يراد به الكافر وتارة يراد به المسلم المنحرف. والغرض من هذه المقارنة هو أن يعرف صاحب الخير عظمة فضل الله عليه وأن يعرف ما عنده من تقصير وأن يعرف صاحب الشر عظمة خذلان الله له وحرمانه من سعادة الدنيا والآخرة. والمقارنة على قسمين: مقارنة بينهما في الدنيا، ومقارنة بينهما في الآخرة. ولنبدأ بالمقارنة الدنيوية:

                  1- صاحب الخير يؤمن شره ويرجى خيره وصاحب الشر بعكس ذلك. روى الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم :((ألا أخبركم بخيركم من شركم؟ خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره)).

                  ومن ذلك أن صاحب الخير أمين على أموال الناس وأعراضهم وصاحب الشر بخلاف ذلك. روى أحمد وابن ماجه وابن حبان وغيرهم من حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم قال :((المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم...)) وصاحب الشر صاحب خيانه.

                  2- صاحب الخير قوي في عقيدته وعبادته ومعاملته وسياسته لأنه يخلص لله ويصدق مع الله ويغار من أجل الله ويتوكل على الله ويخشى الله ويرضى بشرعه

                  ويسلم لحكمه سبحانه. وصاحب الشر بخلاف ذلك، روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم :((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير...)) الحديث.

                  3- صاحب الخير يحرص على كل خير فلا يحتقر شيئاً من الإسلام وصاحب الشر بعكس ذلك. روى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم قال :((احرص على ما ينفعك ولا تعجز...))

                  4- صاحب الخير يصلح نفسه ويصلح غيره بقدر الاستطاعة. وصاحب الشر يفسد نفسه ويفسد غيره. قال تعالى :{أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} [ص].

                  5- صاحب الخير يسلم لله في كل ما أمره الله ونهاه عنه. وصاحب الشر لا يسلم لله إلا فيما يوافق هواه. قال تعالى :{أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} [الجاثية].

                  6- صاحب الخير يجعل حياته كلها لله في عبادته وطاعته. وصاحب الشر يجعل حياته في عبادة نفسه. قال تعالى :{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين} [الأنعام] وقال رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم: ((تعس عبد الدينار عبد الدرهم ...)) رواه البخاري.

                  7- صاحب الخير حياته نور رباني إلهي بقدر تمسكه. وصاحب الشر يعيش في ظلمات بعضها فوق بعض. قال تعالى :{أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} [الأنعام]

                  8- صاحب الخير لا يتمتع إلا بالطيب وهو الحلال الذي أحله الله ورسوله صلى الله عليه و على آله وسلم وصاحب الشر يتمتع بالخبيث بل بالخبائث. قال تعالى :{قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب} [المائدة].

                  وهذا التمييز لا بد منه في حكم الله. قال تعالى :{ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} [آل عمران].

                  9- صاحب الخير كالبصير والسميع الحي بسبب تعلمه لدين الله وصاحب الشر كالأعمى والأصم والميت بسبب بقائه في الجهل بدين الله. قال تعالى :{أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى} [الرعد].

                  وقال تعالى :{مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلاً} [هود].

                  10- صاحب الخير مثله كالذي يمشي على قدم وساق وبكمال الحواس. وصاحب الشر مثله كمثل الذي يمشي على وجهه بسبب انحرافه. قال تعالى :{أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم} [الملك].

                  11- صاحب الخير ينفق ماله ويقدم نفسه في سبيل الله. وصاحب الشر ينفق ماله في الحرام ويضيع نفسه في تراهات الدنيا. قال تعالى :{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} [التوبة] وقال تعالى :{لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة} [النساء]

                  وقال تعالى :{الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان} [النساء]

                  12- صاحب الخير مع الله ومع أوليائه ضد شياطين الجن والإنس وصاحب الشر مع شياطين الجن والإنس ضد الله ورسله وأوليائه. قال تعالى :{وكان الكافر على ربه ظهيراً} [الفرقان] وقال سبحانه: {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ألئك حزب الشيطان} (المجادلة)

                  وقال تعالى :{وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً} [الأنعام]

                  وقال تعالى :{فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} [المائدة].

                  13- صاحب الخير يجاهد نفسه في الله في الليل والنهار والسفر والحضر والكبر والصغر والقوة والضعف والغنى والفقر والسراء والضراء فلا يقبل ما حرم الله ولا يترك ما أوجب الله عليه. وصاحب الشر كل يوم في سقوط وهبوط. قال الرسول صلى الله عليه و على آله وسلم :((المجاهد من جاهد نفسه في الله)) رواه أحمد وابن حبان وغيرهما من حديث فضالة بن عبيد.

                  14- صاحب الخير لا يغير ولا يبدل من دين الله بل يثبت على دين الله. وصاحب الشر يبتدع في دين الله ويغير من الحق على حسب مصالحه الدنيويه. قال تعالى :{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً} [الأحزاب].

                  15- صاحب الخير لا يخاف من كثرة المتحزبين للباطل لأنه يعلم أن الله خير الناصرين. وصاحب الشر يخضع للأحزاب خوفاً منهم ومداهنة لهم. قال تعالى :{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً} [الأحزاب].

                  وقال تعالى :{الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} [آل عمران].

                  16- صاحب الخير متواضع سهل لين مع عباد الله. وصاحب الشر إما متكبر محتقر لعباد الله أو مغرور. قال الرسول صلى الله عليه و على آله وسلم :((ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر)) متفق عليه من حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه.

                  تعليق


                  • #10
                    المقارنة بين فريق الخير وفريق الشر في الآخرة من عند الموت



                    قال تعالى :{لا يستوي أصحاب الجنة وأصحاب النار أصحاب الجنة هم الفائزون} [الحشر]

                    فأصحاب الخير في نعيم الجنة منذ خروجهم من الدنيا. وأصحاب الشر في عذاب النار من عند خروجهم من الدنيا. قال تعالى :{يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} [الفجر]

                    وهذا عند الموت وما بعده. وقال تعالى :{الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون} وأما أصحاب الشر فقد قال الله {الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين} [النحل].

                    وقال تعالى :{ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} [الأنعام]

                    فهنيئاً لأهل الخير بنعيم قبورهم من عند الموت وويل لأهل الشر من تأجج قبورهم ناراً.

                    وصاحب الخير يوافي الله في عرصات القيامة وفدا. وصاحب الشر مطروداً عنه. قال تعالى :{يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا} [مريم] ومستقبل وفود الرحمن الملائكة الكرام ملائكة الجنة. ومستقبل أعداء الرحمن زبانية جهنم. قال تعالى :{وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} وقال تعالى في حق الكفار: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين} [الزمر]

                    وأحوال العصاة يوم القيامة يشيب لها الطفل. وإذا أردت أن تشفى فاقرأ القرآن خصوصاً سورة التكوير والانشقاق والمطففين والانفطار وعم يتساءلون وغير ذلك. فالحمد لله الذي أعزنا بالإسلام وأكرمنا باتباع سيد الأنام وإمام المرسلين يوم الوقوف بين يدي الخالق العلام وحضور الملائكة الكرام واشتداد الزحام وصولة صاحب الحق القوام وهزيمة صاحب الشر الهدام.

                    تعليق


                    • #11
                      المطلوب من محمد الريمي الملقب بالإمام

                      أن ينظر أين هو من هذه الأصول التي دونها في كتابه هذا

                      و هل التحريش و الحسد و الكبر و التلبيس و المكر و و و... من أصول أهل الخير؟

                      أف لك يا شيخ محمد و بكل من أراد بهذه الدعوة شرا

                      تعليق

                      يعمل...
                      X