الحمدلله معز أهل طاعته بعد التمحيص,وموهن أهل معصيته بالذل والتنغيص.
الحمد لله الذي يبتلي أولياءه ليغفر لهم الزلات,ويرفع لهم الدرجات,ويمد أعداءه فينغمسون في الطغيان والظلمات,ويحسبون أنه يسارع لهم في الخيرات.
وصلى الله وسلم على نبيه محمد أسوتنا في حال الرخاء والمدلهمات,وعلى آله وصحبه الذين بلغوا أعلى المقامات.وبعد:
فهذا مبحث نفيس جدا للإمام ابن القيم,ذكر فيه حال المؤمنين مع المحن والإبتلاءات,وذكر فيه أقوال الناس في هذا,هذه الأقوال التي ورثها المنافقون عن إخوانهم الكافرين,وهذا الميراث لا يزال يسري إلى ما شاء الله,بل انطلت هذه الأفكار حتى على بعض المسلمين هداهم الله,كما حدث حين اعتداء الرافضة على إخواننا في دماج,فخرجت أقوال وأقوال:فمنهم من يقول ما أصاب أهل دماج عقوبة,ومنهم من يقول بسبب ذنوبهم,ومنهم ومنهم...,والإمام ابن القيم_في هذا المبحث_يرد على هذه الأقوال وغيرها,ويذكر المصالح والحكم في ابتلاء الله عز وجل للمؤمنين,وإدالة الكافرين عليهم أحيانا.وإلى المقصود:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه(إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)
...فوعد أهل الهدى والعمل الصالح بالنعيم التام في الدار الآخرة,ووعيد أهل الضلال والفجور بالشقاء في الدار الآخرة مما اتفقت عليه الرسل,من أولهم إلى آخرهم,وتضمنته الكتب.ولكن نذكر هنا نكتة نافعة.
وهي:أن الإنسان قد يسمع ويرى ما يصيب كثيرا من أهل الإيمان في الدنيا من المصائب,وما ينال كثيرا من الكفار والفجار والظلمة في الدنيا من الرياسة والمال,وغير ذلك,فيعتقد أن النعيم في الدنيا لا يكون إلا للكفار والفجار,وأن المؤمنين حظم من النعيم في الدنيا قليل,وكذلك قد يعتقد أن العزة والنصرة في الدنيا تستقر للكفار والمنافقين على المؤمنين,فإذا سمع في القرآن قوله تعالى:(ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)وقوله:(وإن جندنا لهم الغالبون)وقوله:(كتب الله لأغلبن أنا ورسلي)وقوله:(والعاقبة للمتقين)ونحو هذه الآيات,وهو ممن يصدق بالقرآن حمل ذلك على أن حصوله في الدار الآخرة فقط .وقال:أما في الدنيا فإنا نرى الكفار والمنافقين يغلبون فيها,ويظهرون ويكون لهم النصر والظفر,والقرآن لا يرد بخلاف الحس,ويعتمد على هذا الظن إذا أديل عليه عدو من جنس الكفار والمنافقين,أو الفجرة الظالمين,وهو عند نفسه من أهل الإيمان والتقوى.فيرى أن صاحب الباطل قد علا على صاحب الحق,فيقول:أنا على الحق,وأنا مغلوب,فصاحب الحق في هذه الدنيا مغلوب مقهور,والدولة فيها للباطل.
فإذا ذكر بما وعد الله تعالى من حسن العاقبة للمتقين والمؤمنين,قال:هذا في الآخرة فقط.
وإذا قيل له كيف يفعل الله تعالى هذا بأوليائه وأحبائه,وأهل الحق؟
فإن كان ممن لا يعلل أفعال الله تعالى بالحكم والمصالح,قال يفعل الله في ملكه ما يشاء,ويحكم ما يريد(لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون)
وإن كان ممن يعلل الأفعال,قال:فعل بهم هذا ليعرضهم بالصبر عليه لثواب الآخرة وعلو الدرجات,وتوفيه الأجر بغير حساب.
ولكل أحد مع نفسه في هذا المقام مباحثات وإيرادات وإشكالات وأجوبة,بحسب حاصله وبضاعته,من المعرفة بالله تعالى وأسمائه وصفاته وحكمته,والجهل بذلك,فالقلوب تغلي بما فيها,كالقدر إذا استجمعت غليانا.
فقد بلغنا وشاهدنا من كثير من هؤلاء من التظلم للرب تعالى, واتهامه,ما لايصدر إلا من عدو,فكان الجهم يخرج بأصحابه,فيقفهم على الجذمى وأهل البلاء,ويقول:انظروا أرحم الراحمين يفعل مثل هذا؟إنكارا لرحمته كما أنكر حكمته.
فليس الله عند جهم وأتباعه حكيما ولا رحيما.
وقال آخر من كبار القوم:ما على الخلق أضر من الخالق.
وكان بعضهم يتمثل:
إذا كان هذا فعله بمحبه=فماذا تراه في أعاديه يصنع.
وأنت تشاهد كثيرا من الناس إذا أصابه نوع من البلاء يقول:يا ربي ما كان ذنبي,حتى فعلت بي هذا؟
وقال لي غير واحد:إذا تبت إليه وأنبت وعملت صالحا ضيق علي رزقي,ونكد علي معيشتي,وإذا رجعت إلى معصيته,وأعطيت نفسي مرادها,جاءني الرزق والعون,ونحو هذا.
فقلت لبعضهم:هذا امتحان منه,ليرى صدقك وصبرك,هل أنت صادق في مجيئك إليه وإقبالك عليه,فتصبر على بلائه,فتكون لك العاقبة,أم أنت كاذب فترجع على عقبك ؟
وهذه الأقوال والظنون الكاذبة الحائدة عن الصواب مبنية على مقدمتين.
إحداهما: حسن ظن العبد بنفسه وبدينه,واعتقاده أنه قائم بما يجب عليه,وتارك ما نهي عنه,واعتقاده في خصمه وعدوه خلاف ذلك,وأنه تارك للمأمور,مرتكب للمحظور,وأنه نفسه أولى بالله ورسوله ودينه منه.
والمقدمة الثانية:اعتقاده أن الله سبحانه وتعالى قد لايؤيد صاحب الحق وينصره,وقد لا يجعل له العاقبة في الدنيا بوجه من الوجوه,بل يعيش عمره مظلوما مقهورا مستضاما,مع قيامه بما أمر به ظاهرا وباطنا,وانتهائه عما نهي عنه ظاهرا وباطنا,فهو عند نفسه قائم بشرائع الإسلام,وحقائق الإيمان,وهو تحت قهر أهل الظلم,والفجور والعدوان.
فلا إله إلا الله كم فسد بهذا الإغترار من عابد جاهل,ومتدين لا بصيرة له,ومنتسب إلى العلم لا معرفة له بحقائق الدين.
...يتبع إن شاء الله...
الحمد لله الذي يبتلي أولياءه ليغفر لهم الزلات,ويرفع لهم الدرجات,ويمد أعداءه فينغمسون في الطغيان والظلمات,ويحسبون أنه يسارع لهم في الخيرات.
وصلى الله وسلم على نبيه محمد أسوتنا في حال الرخاء والمدلهمات,وعلى آله وصحبه الذين بلغوا أعلى المقامات.وبعد:
فهذا مبحث نفيس جدا للإمام ابن القيم,ذكر فيه حال المؤمنين مع المحن والإبتلاءات,وذكر فيه أقوال الناس في هذا,هذه الأقوال التي ورثها المنافقون عن إخوانهم الكافرين,وهذا الميراث لا يزال يسري إلى ما شاء الله,بل انطلت هذه الأفكار حتى على بعض المسلمين هداهم الله,كما حدث حين اعتداء الرافضة على إخواننا في دماج,فخرجت أقوال وأقوال:فمنهم من يقول ما أصاب أهل دماج عقوبة,ومنهم من يقول بسبب ذنوبهم,ومنهم ومنهم...,والإمام ابن القيم_في هذا المبحث_يرد على هذه الأقوال وغيرها,ويذكر المصالح والحكم في ابتلاء الله عز وجل للمؤمنين,وإدالة الكافرين عليهم أحيانا.وإلى المقصود:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه(إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)
...فوعد أهل الهدى والعمل الصالح بالنعيم التام في الدار الآخرة,ووعيد أهل الضلال والفجور بالشقاء في الدار الآخرة مما اتفقت عليه الرسل,من أولهم إلى آخرهم,وتضمنته الكتب.ولكن نذكر هنا نكتة نافعة.
وهي:أن الإنسان قد يسمع ويرى ما يصيب كثيرا من أهل الإيمان في الدنيا من المصائب,وما ينال كثيرا من الكفار والفجار والظلمة في الدنيا من الرياسة والمال,وغير ذلك,فيعتقد أن النعيم في الدنيا لا يكون إلا للكفار والفجار,وأن المؤمنين حظم من النعيم في الدنيا قليل,وكذلك قد يعتقد أن العزة والنصرة في الدنيا تستقر للكفار والمنافقين على المؤمنين,فإذا سمع في القرآن قوله تعالى:(ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)وقوله:(وإن جندنا لهم الغالبون)وقوله:(كتب الله لأغلبن أنا ورسلي)وقوله:(والعاقبة للمتقين)ونحو هذه الآيات,وهو ممن يصدق بالقرآن حمل ذلك على أن حصوله في الدار الآخرة فقط .وقال:أما في الدنيا فإنا نرى الكفار والمنافقين يغلبون فيها,ويظهرون ويكون لهم النصر والظفر,والقرآن لا يرد بخلاف الحس,ويعتمد على هذا الظن إذا أديل عليه عدو من جنس الكفار والمنافقين,أو الفجرة الظالمين,وهو عند نفسه من أهل الإيمان والتقوى.فيرى أن صاحب الباطل قد علا على صاحب الحق,فيقول:أنا على الحق,وأنا مغلوب,فصاحب الحق في هذه الدنيا مغلوب مقهور,والدولة فيها للباطل.
فإذا ذكر بما وعد الله تعالى من حسن العاقبة للمتقين والمؤمنين,قال:هذا في الآخرة فقط.
وإذا قيل له كيف يفعل الله تعالى هذا بأوليائه وأحبائه,وأهل الحق؟
فإن كان ممن لا يعلل أفعال الله تعالى بالحكم والمصالح,قال يفعل الله في ملكه ما يشاء,ويحكم ما يريد(لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون)
وإن كان ممن يعلل الأفعال,قال:فعل بهم هذا ليعرضهم بالصبر عليه لثواب الآخرة وعلو الدرجات,وتوفيه الأجر بغير حساب.
ولكل أحد مع نفسه في هذا المقام مباحثات وإيرادات وإشكالات وأجوبة,بحسب حاصله وبضاعته,من المعرفة بالله تعالى وأسمائه وصفاته وحكمته,والجهل بذلك,فالقلوب تغلي بما فيها,كالقدر إذا استجمعت غليانا.
فقد بلغنا وشاهدنا من كثير من هؤلاء من التظلم للرب تعالى, واتهامه,ما لايصدر إلا من عدو,فكان الجهم يخرج بأصحابه,فيقفهم على الجذمى وأهل البلاء,ويقول:انظروا أرحم الراحمين يفعل مثل هذا؟إنكارا لرحمته كما أنكر حكمته.
فليس الله عند جهم وأتباعه حكيما ولا رحيما.
وقال آخر من كبار القوم:ما على الخلق أضر من الخالق.
وكان بعضهم يتمثل:
إذا كان هذا فعله بمحبه=فماذا تراه في أعاديه يصنع.
وأنت تشاهد كثيرا من الناس إذا أصابه نوع من البلاء يقول:يا ربي ما كان ذنبي,حتى فعلت بي هذا؟
وقال لي غير واحد:إذا تبت إليه وأنبت وعملت صالحا ضيق علي رزقي,ونكد علي معيشتي,وإذا رجعت إلى معصيته,وأعطيت نفسي مرادها,جاءني الرزق والعون,ونحو هذا.
فقلت لبعضهم:هذا امتحان منه,ليرى صدقك وصبرك,هل أنت صادق في مجيئك إليه وإقبالك عليه,فتصبر على بلائه,فتكون لك العاقبة,أم أنت كاذب فترجع على عقبك ؟
وهذه الأقوال والظنون الكاذبة الحائدة عن الصواب مبنية على مقدمتين.
إحداهما: حسن ظن العبد بنفسه وبدينه,واعتقاده أنه قائم بما يجب عليه,وتارك ما نهي عنه,واعتقاده في خصمه وعدوه خلاف ذلك,وأنه تارك للمأمور,مرتكب للمحظور,وأنه نفسه أولى بالله ورسوله ودينه منه.
والمقدمة الثانية:اعتقاده أن الله سبحانه وتعالى قد لايؤيد صاحب الحق وينصره,وقد لا يجعل له العاقبة في الدنيا بوجه من الوجوه,بل يعيش عمره مظلوما مقهورا مستضاما,مع قيامه بما أمر به ظاهرا وباطنا,وانتهائه عما نهي عنه ظاهرا وباطنا,فهو عند نفسه قائم بشرائع الإسلام,وحقائق الإيمان,وهو تحت قهر أهل الظلم,والفجور والعدوان.
فلا إله إلا الله كم فسد بهذا الإغترار من عابد جاهل,ومتدين لا بصيرة له,ومنتسب إلى العلم لا معرفة له بحقائق الدين.
...يتبع إن شاء الله...
تعليق