إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نكتة نافعة فيما ينزل بالمؤمن من مصيبة وفاجعة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نكتة نافعة فيما ينزل بالمؤمن من مصيبة وفاجعة

    الحمدلله معز أهل طاعته بعد التمحيص,وموهن أهل معصيته بالذل والتنغيص.
    الحمد لله الذي يبتلي أولياءه ليغفر لهم الزلات,ويرفع لهم الدرجات,ويمد أعداءه فينغمسون في الطغيان والظلمات,ويحسبون أنه يسارع لهم في الخيرات.
    وصلى الله وسلم على نبيه محمد أسوتنا في حال الرخاء والمدلهمات,وعلى آله وصحبه الذين بلغوا أعلى المقامات.وبعد:
    فهذا مبحث نفيس جدا للإمام ابن القيم,ذكر فيه حال المؤمنين مع المحن والإبتلاءات,وذكر فيه أقوال الناس في هذا,هذه الأقوال التي ورثها المنافقون عن إخوانهم الكافرين,وهذا الميراث لا
    يزال يسري إلى ما شاء الله,بل انطلت هذه الأفكار حتى على بعض المسلمين هداهم الله,كما حدث حين اعتداء الرافضة على إخواننا في دماج,فخرجت أقوال وأقوال:فمنهم من يقول ما أصاب أهل دماج عقوبة,ومنهم من يقول بسبب ذنوبهم,ومنهم ومنهم...,والإمام ابن القيم_في هذا المبحث_يرد على هذه الأقوال وغيرها,ويذكر المصالح والحكم في ابتلاء الله عز وجل للمؤمنين,وإدالة الكافرين عليهم أحيانا.وإلى المقصود:
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه(إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)

    ...فوعد أهل الهدى والعمل الصالح بالنعيم التام في الدار الآخرة,ووعيد أهل الضلال والفجور بالشقاء في الدار الآخرة مما اتفقت عليه الرسل,من أولهم إلى آخرهم,وتضمنته الكتب.ولكن نذكر هنا نكتة نافعة.
    وهي:أن الإنسان قد يسمع ويرى ما يصيب كثيرا من أهل الإيمان في الدنيا من المصائب,وما ينال كثيرا من الكفار والفجار والظلمة في الدنيا من الرياسة والمال,وغير ذلك,فيعتقد أن النعيم في الدنيا لا يكون إلا للكفار والفجار,وأن المؤمنين حظم من النعيم في الدنيا قليل,وكذلك قد يعتقد أن العزة والنصرة في الدنيا تستقر للكفار والمنافقين على المؤمنين,فإذا سمع في القرآن قوله تعالى:
    (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)وقوله:(وإن جندنا لهم الغالبون)وقوله:(كتب الله لأغلبن أنا ورسلي)وقوله:(والعاقبة للمتقين)ونحو هذه الآيات,وهو ممن يصدق بالقرآن حمل ذلك على أن حصوله في الدار الآخرة فقط .وقال:أما في الدنيا فإنا نرى الكفار والمنافقين يغلبون فيها,ويظهرون ويكون لهم النصر والظفر,والقرآن لا يرد بخلاف الحس,ويعتمد على هذا الظن إذا أديل عليه عدو من جنس الكفار والمنافقين,أو الفجرة الظالمين,وهو عند نفسه من أهل الإيمان والتقوى.فيرى أن صاحب الباطل قد علا على صاحب الحق,فيقول:أنا على الحق,وأنا مغلوب,فصاحب الحق في هذه الدنيا مغلوب مقهور,والدولة فيها للباطل.
    فإذا ذكر بما وعد الله تعالى من حسن العاقبة للمتقين والمؤمنين,قال:هذا في الآخرة فقط.
    وإذا قيل له كيف يفعل الله تعالى هذا بأوليائه وأحبائه,وأهل الحق؟
    فإن كان ممن لا يعلل أفعال الله تعالى بالحكم والمصالح,قال يفعل الله في ملكه ما يشاء,ويحكم ما يريد
    (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون)
    وإن كان ممن يعلل الأفعال,قال:فعل بهم هذا ليعرضهم بالصبر عليه لثواب الآخرة وعلو الدرجات,وتوفيه الأجر بغير حساب.
    ولكل أحد مع نفسه
    في هذا المقام مباحثات وإيرادات وإشكالات وأجوبة,بحسب حاصله وبضاعته,من المعرفة بالله تعالى وأسمائه وصفاته وحكمته,والجهل بذلك,فالقلوب تغلي بما فيها,كالقدر إذا استجمعت غليانا.
    فقد بلغنا وشاهدنا من كثير من هؤلاء من التظلم للرب تعالى,
    واتهامه,ما لايصدر إلا من عدو,فكان الجهم يخرج بأصحابه,فيقفهم على الجذمى وأهل البلاء,ويقول:انظروا أرحم الراحمين يفعل مثل هذا؟إنكارا لرحمته كما أنكر حكمته.
    فليس الله عند جهم وأتباعه حكيما ولا رحيما.
    وقال آخر من كبار القوم:ما على الخلق أضر من الخالق.
    وكان بعضهم يتمثل:
    إذا كان هذا فعله بمحبه=فماذا تراه في أعاديه يصنع.
    وأنت تشاهد كثيرا من الناس إذا أصابه نوع من البلاء يقول:يا ربي ما كان ذنبي,حتى فعلت بي هذا؟
    وقال لي غير واحد:إذا تبت إليه وأنبت وعملت صالحا ضيق علي رزقي,ونكد علي معيشتي,وإذا رجعت إلى معصيته,وأعطيت نفسي مرادها,جاءني الرزق والعون,ونحو هذا.
    فقلت لبعضهم:هذا امتحان منه,ليرى صدقك وصبرك,هل أنت صادق في مجيئك إليه وإقبالك عليه,فتصبر على بلائه,فتكون لك العاقبة,أم أنت كاذب فترجع على عقبك
    ؟
    وهذه الأقوال والظنون الكاذبة الحائدة عن الصواب مبنية على مقدمتين.
    إحداهما: حسن ظن العبد بنفسه وبدينه,واعتقاده أنه قائم بما يجب عليه,وتارك ما نهي عنه,واعتقاده في خصمه وعدوه خلاف ذلك,وأنه تارك للمأمور,مرتكب للمحظور,وأنه نفسه أولى بالله ورسوله ودينه منه.
    والمقدمة الثانية:اعتقاده أن الله سبحانه وتعالى قد لايؤيد صاحب الحق وينصره,وقد لا يجعل له العاقبة في الدنيا بوجه من الوجوه,بل يعيش عمره مظلوما مقهورا مستضاما,مع قيامه بما أمر به ظاهرا وباطنا,وانتهائه عما نهي عنه ظاهرا وباطنا,فهو عند نفسه قائم بشرائع الإسلام,وحقائق الإيمان,وهو تحت قهر أهل الظلم,والفجور والعدوان.
    فلا إله إلا الله كم فسد بهذا الإغترار من عابد جاهل,ومتدين لا بصيرة له,ومنتسب إلى العلم لا معرفة له بحقائق الدين.
    ...يتبع إن شاء الله...
    التعديل الأخير تم بواسطة ابو مصعب الشريف فروج; الساعة 10-03-2014, 05:13 PM.

  • #2
    جزاك الله حيرا أبا مصعب على هذه الفوائد العلمية القيمة

    الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم يإحسان إلى يوم الدين وبعد:
    قال الإمام أبو داود في سننه (4 / 255): حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ». ووالحديث في "الجامع الصحيح" للإمام الوادعي رحمه الله.
    فشكر الله لك أخي على هذا البحث العلمي القيم وكيف لا يكون قيما وهو من ابن القيم رحمه الله، وشكر الله لجميع إخواننا الذين تألموا على ما حصل لأهل دماج الأبرار الأخيار الذين جمع الله لهم من الفضائل والكرامات في أواخر الأزمان.
    وما ذكره أخونا الفاضل أبو مصعب وفقه الله كلام كنا نسمعه في أيام الحصار سواء الأول أو الأخير من مرضى القلوب وعميان البصيرة الذين والله حرموا التوفيق، ولكن هنا نكتة ينبغي أن نعلم ما الذي أوصل هؤلاء القوم إلى هذا الردى عياذا برب العالمين ؟ الجواب حفظكم الله: السبب الأعظم والله أعلم هو الحسد.
    قال شيخ الإسلام في "أمراض القلوب وشفاؤها" (ص: 14 - 17): فصل وَمن أمراض الْقُلُوب الْحَسَد
    كَمَا قَالَ بَعضهم فِي حَده إِنَّه أَذَى يلْحق بِسَبَب الْعلم بِحسن حَال الاغنياء فَلَا يجوز أَن يكون الْفَاضِل حسودا لِأَن الْفَاضِل يجرى على مَا هُوَ الْجَمِيل وَقد قَالَ طَائِفَة من النَّاس إِنَّه تمنى زَوَال النِّعْمَة عَن الْمَحْسُود وَإِن لم يصر للحاسد مثلهَا بِخِلَاف الْغِبْطَة فَإِنَّهُ تمنى مثلهَا من غير حب زَوَالهَا عَن المغبوط وَالتَّحْقِيق أَن الْحَسَد هُوَ البغض وَالْكَرَاهَة لما يرَاهُ من حسن حَال الْمَحْسُود وَهُوَ نَوْعَانِ:
    أَحدهمَا: كَرَاهَة للنعمة عَلَيْهِ مُطلقًا فَهَذَا هُوَ الْحَسَد المذموم وَإِذا أبْغض ذَلِك فَإِنَّهُ يتألم ويتأذى بِوُجُود مَا يبغضه فَيكون ذَلِك مَرضا فِي قلبه ويلتذ بِزَوَال النِّعْمَة عَنهُ وَإِن لم يحصل لَهُ نفع بزوالها لَكِن نَفعه بِزَوَال الْأَلَم الَّذِي كَانَ فِي نَفسه وَلَكِن ذَلِك الْأَلَم لم يزل إِلَّا بِمُبَاشَرَة مِنْهُ وَهُوَ رَاحَة وأشده كَالْمَرِيضِ فَإِن تِلْكَ النِّعْمَة قد تعود على الْمَحْسُود وَأعظم مِنْهَا وَقد يحصل نَظِير تِلْكَ النِّعْمَة مَا أنعم بِهِ على النَّوْع وَلِهَذَا قَالَ من قَالَ إِنَّه تمنى زَوَال النِّعْمَة فَإِن من كره النِّعْمَة على غَيره تمنى زَوَالهَا.
    وَالنَّوْع الثَّانِي: أَن يكره فضل ذَلِك الشَّخْص عَلَيْهِ فَيحب أَن يكون مثله أَو أفضل مِنْهُ فَهَذَا حسد وَهُوَ الَّذِي سموهُ الْغِبْطَة وَقد سَمَّاهُ النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) حسدا فِي الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن مَسْعُود وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رجل آتَاهُ الله الْحِكْمَة فَهُوَ يقْضِي بهَا وَيعلمهَا وَرجل آتَاهُ الله مَالا وسلطه على هَلَكته فِي الْحق هَذَا لفظ ابْن مَسْعُود وَلَفظ ابْن عمر رجل آتَاهُ الله الْقُرْآن فَهُوَ يقوم بِهِ آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار وَرجل آتَاهُ الله مَالا فَهُوَ ينْفق مِنْهُفِي الْحق آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلَفظه لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَيْنِ رجل آتَاهُ الله الْقُرْآن فَهُوَ يتلوه اللَّيْل وَالنَّهَار فَسَمعهُ رجل فَقَالَ يَا لَيْتَني أُوتيت مثل مَا أُوتِيَ هَذَا فَعمِلت فِيهِ مثل مَا يعْمل هَذَا وَرجل آتَاهُ الله مَالا فَهُوَ يهلكه فِي الْحق فَقَالَ رجل يَا لَيْتَني أُوتيت مثل مَا أُوتِيَ هَذَا فَعمِلت فِيهِ مثل مَا يعْمل هَذَا فَهَذَا الْحَسَد الَّذِي نهى عَنهُ النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَّا فِي موضِعين هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ أُولَئِكَ الْغِبْطَة وَهُوَ أَن يحب مثل حَال الْغَيْر وَيكرهُ أَن يفضل عَلَيْهِ فَإِن قيل إِذا لم سمي حسدا وَإِنَّمَا أحب أَن ينعم الله عَلَيْهِ قيل مبدأ هَذَا الْحبّ هونظره إِلَى إنعامه على الْغَيْر وكراهته أَن يفضل عَلَيْهِ وَلَوْلَا وجود ذَلِك الْغَيْر لم يحب ذَلِك فَلَمَّا كَانَ مبدأ ذَلِك كَرَاهَته أَن يفضل عَلَيْهِ الْغَيْر كَانَ حسدا لِأَنَّهُ كَرَاهَة تتبعها محبَّة وَأما من أحب أَن ينعم الله عَلَيْهِ مَعَ عدم التفاته إِلَى أَحْوَال النَّاس فَهَذَا لَيْسَ عِنْده من الْحَسَد شَيْء وَلِهَذَا يبتلى غَالب النَّاس بِهَذَا الْقسم الثَّانِي وَقد يُسمى المنافسة فيتنافس الإثنان فِي الْأَمر المحبوب الْمَطْلُوب كِلَاهُمَا يطْلب أَن يَأْخُذهُ وَذَلِكَ لكراهية أَحدهمَا أَن يتفضل عَلَيْهِ الآخر كَمَا يكره المستبقان كل مِنْهُمَا أَن يسْبقهُ الآخر والتنافس لَيْسَ مذموما مُطلقًا بل هُوَ مَحْمُود فِي الْخَيْر قَالَ تَعَالَى المطففين إِن الْأَبْرَار لفي نعيم على الأرائك ينظرُونَ تعرف فِي وجوهم نَضرة النَّعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وَفِي ذَلِك فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ فَأمر المنافس أَن ينافس فِي هَذَا النَّعيم لَا ينافس فِي نعيم الدُّنْيَا الزائل وَهَذَا مُوَافق لحَدِيث النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَإِنَّهُ نهى عَن الْحَسَد إِلَّا فِيمَن أُوتِيَ الْعلم فَهُوَ يعْمل بِهِ ويعلمه وَمن أُوتى المَال فَهُوَ يُنْفِقهُ فَأَما من أُوتِيَ علما وَلم يعْمل بِهِ وَلم يُعلمهُ أَو أُوتِيَ مَالا وَلم يُنْفِقهُ فِي طَاعَة الله فَهَذَا لَا يحْسد وَلَا يتَمَنَّى مثل حَاله فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي خير يرغب فِيهِ بل هُوَ معرض للعذاب وَمن ولي ولَايَة فيأتيها بِعلم وَعدل وَأدّى الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا وَحكم بَين النَّاس بِالْكتاب وَالسّنة فَهَذَا دَرَجَته عَظِيمَة لَكِن هَذَا فِي جِهَاد عَظِيم كَذَلِك الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله والنفوس لَا تحسد من هُوَ فِي تَعب عَظِيم فَلهَذَا لم يذكرهُ وَإِن كَانَ الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله أفضل من الَّذِي ينْفق المَال بِخِلَاف الْمُنفق والمعلم فَإِن هذَيْن لَيْسَ لَهما فِي الْعَادة عَدو من خَارج فَإِن قدر أَنَّهُمَا لَهما عَدو يجاهدانه فَذَلِك أفضل لدرجتهما وَكَذَلِكَ لم يذكر النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْمصلى والصائم والحاجلِأَن هَذِه الْأَعْمَال لَا يحصل مِنْهَا فِي الْعَادة من نفع النَّاس الَّذِي يعظمون بِهِ الشَّخْص ويسودونه مَا يحصل بالتعليم والإنفاق والحسد فِي الأَصْل إِنَّمَا يَقع لما يحصل للْغَيْر من السؤدد والرياسة وَإِلَّا فالعامل لَا يحْسد فِي الْعَادة وَلَو كَانَ تنعمه بِالْأَكْلِ وَالشرب وَالنِّكَاح أَكثر من غَيره بِخِلَاف هذَيْن النَّوْعَيْنِ فَإِنَّهُمَا يحسدان كثيرا وَلِهَذَا يُوجد بَين أهل الْعلم الَّذين لَهُم اتِّبَاع من الْحَسَد مَالا يُوجد فِيمَن لَيْسَ كَذَلِك وَكَذَلِكَ فِيمَن لَهُ أَتبَاع بِسَبَب إِنْفَاق مَاله فَهَذَا ينفع النَّاس بقوت الْقُلُوب وَهَذَا يَنْفَعهُمْ بقوت الْأَبدَان وَالنَّاس كلهم محتاجون إِلَى مَا يصلحهم من هَذَا وَهَذَا وَلِهَذَا ضرب الله سُبْحَانَهُ مثلين مثلا بِهَذَا فَقَالَ النَّحْل ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شَيْء وَمن رزقناه منا رزقا حسنا فَهُوَ ينْفق مِنْهُ سرا وجهرا هَل يستون الْحَمد لله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ وَضرب الله مثلا رجلَيْنِ أَحدهمَا أبكم لَا يقدر على شَيْء وَهُوَ كل على مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يوجهه لَا يَأْتِ بِخَير هَل يستوى هُوَ وَمن يَأْمر بِالْعَدْلِ وَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم والمثلان ضربهما الله سُبْحَانَهُ لنَفسِهِ المقدسة وَلما يعبد من دونه فَإِن الْأَوْثَان لَا تقدر لَا على عمل ينفع وَلَا على كَلَام ينفع فَإِذا قدر عبد مَمْلُوك لَا يقدر على شَيْء وَآخر قد رزقه الله رزقا حسنا فَهُوَ ينْفق مِنْهُ سرا وجهرا هَل يَسْتَوِي هَذَا الْمَمْلُوك الْعَاجِز عَن الْإِحْسَان وَهَذَا الْقَادِر على الاحسان المحسن إِلَى النَّاس سرا وجهرا وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَادر على الْإِحْسَان إِلَى عباده وَهُوَ محسن إِلَيْهِم دَائِما فَكيف يشبه بِهِ الْعَاجِز الْمَمْلُوك الَّذِي لَا يقدر على شَيْء حَتَّى يُشْرك بِهِ مَعَه وَهَذَا مثل الَّذِي اعطاه الله مَالا فَهُوَ ينْفق مِنْهُ آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار والمثل الثَّانِي إِذا قدر شخصان أَحدهمَا أبكم لَا يعقل وَلَا يتَكَلَّم وَلَا يقدر على شَيْء وَهُوَ مَعَ هَذَا كل على مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يوجهه لَا يَأْتِ بِخَير فَلَيْسَ فِيهِ من نفع قطّ بل هُوَ كل على من يتَوَلَّى أمره وَآخر عَالم عَادل يَأْمر بِالْعَدْلِ وَيعْمل بِالْعَدْلِ فَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم وَهَذَا نَظِير الَّذِي أعطَاهُ الله الْحِكْمَة فَهُوَ يعْمل بهَا وَيعلمهَا للنَّاس وَقد ضرب ذَلِك مثلا لنَفسِهِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ عَالم عَادل قَادر يَأْمر بِالْعَدْلِ وَهُوَ قَائِم بِالْقِسْطِ على صِرَاط مُسْتَقِيم كَمَا قَالَ تَعَالَى آل عمرَان شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وأولو الْعلم قَائِما بِالْقِسْطِ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم وَقَالَ هود هود إِن رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم وَلِهَذَا كَانَ النَّاس يعظموندَار الْعَبَّاس كَانَ عبد الله يعلم النَّاس وَأَخُوهُ يطعم النَّاس فَكَانُوا يعظمون على ذَلِك... اهـ المراد
    وقال في (ص: 21): ...وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه وَقد قيل لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ أيحسد الْمُؤمن؟ فَقَالَ مَا أنساك أخوة يُوسُف لَا أَبَا لَك وَلَكِن عَمه فِي صدرك فَإِنَّهُ لَا يَضرك مَا لم تعد بِهِ يدا وَلِسَانًا فَمن وجد فِي نَفسه حسدا لغيره فَعَلَيهِ أَن يسْتَعْمل مَعَه التَّقْوَى وَالصَّبْر فَيكْرَه ذَلِك من نَفسه وَكثير من النَّاس الَّذين عِنْدهم دين لَا يعتدون على الْمَحْسُود فَلَا يعينون من ظلمه وَلَكنهُمْ أَيْضا لَا يقومُونَ بِمَا يجب من حَقه بل إِذا ذمه أحد لم يوافقوه على ذمه وَلَا يذكرُونَ محامده وَكَذَلِكَ لَو مدحه أحد لسكتوا وَهَؤُلَاء مدينون فِي ترك الْمَأْمُور فِي حَقه مفرطون فِي ذَلِك لَا معتدون عَلَيْهِ وجزاؤهم أَنهم يبخسون حُقُوقهم فَلَا ينصفون أَيْضا فِي مَوَاضِع وَلَا ينْصرُونَ على من ظلمهم كَمَا لم ينصرُوا هَذَا الْمَحْسُود وَأما من اعْتدى بقول أَو فعل فَذَلِك يُعَاقب وَمن اتَّقى الله وصبر فَلم يدْخل فِي الظَّالِمين نَفعه الله بتقواه. اهـ المراد
    أسأل الله أن يكفينا شرّ الأشرار ويعيذنا من شماتة الأعداء، وأبشر إخواني أننا مقبلون على العلم والتعليم والدعوة إلى الله تعالى ولا نبالي بهم ولن نبالي بهم أبدا إن شاء الله.

    والحمد لله





    تعليق


    • #3
      ...فإنه من المعلوم:أن العبد وإن آمن بالآخرة فإنه طالب في الدنيا لما لا بد منه:
      من جلب النفع,ودفع الضر,بما يعتقد أنه مستحب أو واجب أومباح,فإذا اعتقد أن الدين الحق واتباع الهدى,والإستقامة على التوحيد,ومتابعة السنة ينافي ذلك,وأنه يعادي جميع أهل الأرض,ويتعرض لما لا يقدر عليه من البلاء,وفوات حظوظه ومنافعه العاجلة,لزم من ذلك إعراضه عن الرغبة في كمال دينه,وتجرده لله ورسوله,,فيعرض قلبه عن حال السابقين المقربين,بل قد يعرض عن حال المقتصدين أصحاب اليمين,بل قد يدخل مع الظالمين,بل مع المنافقين,وإن لم يكن هذا في أصل الدين كان في كثير من فروعه وأعماله,كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم,يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا,ويمسي كافرا ويصبح مؤمنا,يبيع دينه بعرض من الدنيا).
      وذلك أنه إذا اعتقد أن الدين الكامل لا يحصل إلا بفساد دنياه,من حصول ضرر لا يحتمله,وفوات منفعة لا بد له منها,لم يقدم على احتمال هذا الضرر,ولا تفويت تلك المنفعة.
      فسبحان الله !كم صدت هذه الفتنة الكثير من الخلق,بل أكثرهم على القيام بحقيقة الدين.
      وأصلها ناشئ من جهلين كبيرين:جهل بحقيقة الدين,وجهل بحقيقة النعيم الذي هو غاية مطلوب النفوس وكمالها,وبه ابتهاجها والتذاذها,فيتولد من هذين الجهلين إعراضه عن القيام بحقيقة الدين,وعن طلب حقيقة النعيم.
      ومعلوم أن كمال العبد هو بأن يكون عارفا بالنعيم الذي يطلبه,والعمل الذي يوصل إليه,وأن يكون مع ذلك فيه إرادة جازمة لذلك العمل,ومحبة صادقة لذلك النعيم,وإلا فالعلم بالمطلوب وطريقه لا يحصله إن لم يقترن بذلك العمل,والإرادة الجازمة لا توجب وجود المراد إلا إذا لازمها الصبر.
      فصارت سعادة العبد وكمال لذته ونعيمه موقوفا على هذه المقامات الخمسة:علمه بالنعيم المطلوب,ومحبته له,وعلمه بالطريق الموصل إليه,وعمله به,وصبره على ذلك.قال تعالى(والعصر إن الإنسن لفي خسر,إلا الذين ءامنوا وعملوا الصلحت وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)
      والمقصود أن المقدمتين اللتين تثبت عليهما هذه الفتنة أصلها الجهل بأمر الله ودينه,وبوعده ووعيده.
      فإن العبد إذا اعتقد أنه قائم بالدين الحق,فقد اعتقد أنه قائم بفعل المأمور باطنا وظاهرا,وترك المحظور باطنا وظاهرا,وهذا من جهله بالدين الحق,وما لله عليه,وما هو المراد منه,فهو جاهل بحق الله عليه,جاهل بما معه من الدين,قدرا ونوعا وصفة.
      وإذا اعتقد أن صاحب الحق لا ينصره الله تعالى في الدنيا والآخرة,بل قد تكون العاقبة في الدنيا للكفار والمنافقين على المؤمنين,وللفجار الظالمين على الأبرار المتقين,فهذا من جهله بوعد الله تعالى ووعيده.
      فأما المقام الأول:فإن العبد كثيرا ما يترك واجبات لا يعلم بها,ولا بوجوبها,فيكون مقصرا في العلم,وكثيرا ما يتركها بعد العلم بها وبوجوبها,إما كسلا وتهاونا,وإما لنوع تأويل باطل أو تقليد,أو لظنه أنه مشتغل بما هو أوجب منها,أو لغير ذلك,فواجبات القلوب أشد وجوبا من واجبات الأبدان,وآكد منها,وكأنها ليست من واجبات الدين عند كثير من الناس,بل هي من باب الفضائل والمستحبات.
      فتراه يتحرج من ترك فرض,أو من ترك واجب من واجبات الأبدان,وقد ترك ما هو أهم من واجبات القلوب وأفرضها,ويتحرج من فعل أدنى المحرمات وقد ارتكب من محرمات القلوب ما هو أشد تحريما وأعظم إثما.
      بل ما أكثر من يتعبد لله عز وجل بترك ما أوجب عليه,فيتخلى وينقطع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر,مع قدرته عليه,ويزعم أنه متقرب إلى الله تعالى بذلك,مجتمع على ربه,تارك ما لا يعنيه,فهذا من أمقت الخلق إلى الله تعالى,وأبغضهم إليه مع ظنه أنه قائم بحقائق الإيمان وشرائع الإسلام,وأنه من خواص أوليائه وحزبه.
      ...يتبع إن شاء الله...

      تعليق


      • #4
        جزاك الله كل خير أخي الفاضل عبد الحكيم على هذه الدرر,وهذه المبشرات,أسأل الله أن يزيدكم من فضله,وأن يمن علينا كما من عليكم إنه جواد كريم.

        تعليق


        • #5
          ...بل ما أكثر من يتعبد لله بما حرم الله عليه,ويعتقد أنه طاعة وقربة,وحاله في ذلك شر من حال من يعتقد ذلك معصية وإثما,كأصحاب السماع الشعري الذي يتقربون به إلى الله تعالى,ويظنون أنهم من أولياء الرحمن,وهم في الحقيقة من أولياء الشيطان.
          وما أكثر من يعتقد أنه هو المظلوم المحق من كل وجه,ولا يكون الأمر كذلك,بل يكون معه نوع من الحق ونوع من الباطل والظلم,ومع خصمه نوع من الحق والعدل,وحبك الشيء يعمي ويصم,والإنسان مجبول على حب نفسه,فهو لا يرى إلا محاسنها,ومبغض لخصمه فهولا يرى إلا مساويه,بل قد يشتد به حبه لنفسه,حتى يرى مساويها محاسن,كما قال تعالى:(أفمن زين له سوء عمله فرءاه حسنا)ويشتد به بغض خصمه,حتى يرى محاسنه مساوئ,كما قيل:
          نظروا بعين عداوة,ولو أنها=عين الرضا,لا ستحسنوا ما استقبحوا.
          وهذا الجهل مقرون بالهوى والظلم غالبا,فإن الإنسان ظلوم جهول.
          وأكثر ديانات الخلق إنما هي عادات أخذوها عن آبائهم وأسلافهم,وقلدوهم فيها:في الإثبات والنفي,والحب والبغض,والموالاة والمعاداة.
          والله سبحانه إنما ضمن نصر دينه وحزبه وأوليائه القائمين بدينه علما وعملا,لم يضمن نصر الباطل,ولو اعتقد صاحبه أنه محق,وكذلك العزة والعلو إنما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه,وهو علم وعمل وحال,قال تعالى:(وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).فللعبد من العلو بحسب ما معه من الإيمان,وقال تعالى:(ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين).فله من العزة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه,فإذا فاته حظ من العلو والعزة,ففي مقابلة ما فاته من حقائق الإيمان,علما وعملا,ظاهرا وباطنا.
          وكذلك الدفع عن العبد هو بحسب إيمانه,قال تعالى;(إن الله يدافع عن الذين ءامنوا).فإذا ضعف الدفع عنه فهو من نقص إيمانه.
          وكذلك الكفاية والحسب هي بقدر الإيمان,قال تعالى:(يأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين)أي حسبك وحسب أتباعك,أي كافيك وكافيهم,فكفايته لهم بحسب اتباعهم لرسوله,وانقيادهم له,وطاعتهم له,فما نقص من الإيمان عاد بنقصان ذلك كله.
          ومذهب أهل السنة والجماعة:أن الإيمان يزيد وينقص.
          وكذلك ولاية الله تعالى لعبده هي بحسب إيمانه قال تعالى:(والله ولي المؤمنين),وقال الله تعالى:(الله ولي الذين ءامنوا)..وكذلك معيته الخاصة لأهل الإيمان,كما قال تعالى:(وأن الله مع المؤمنين)فإذا نقص الإيمان وضعف,كان حظ العبد من ولاية الله له ومعيته الخاصة بقدر حظه من الإيمان.
          وكذلك النصر والتأييد الكامل,إنا هو لأهل الإيمان الكامل,قال تعالى:(إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحيوة الدنيا ويوم يقوم الأشهد)وقال:(فأيدنا الذين ءامنوا على عدوهم فأصبحوا ظهرين).
          فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر,والتأييد,ولهذا إذا أصيب العبد بمصيبة في نفسه أو ماله,أو بإدالة عدوه عليه,فإنما هي بذنوبه,إما بترك واجب,أو فعل محرم,وهو من نقص إيمانه.
          وبهذا يزول الإشكال الذي يورده كثير من الناس على قوله تعالى:(ولن يجعل الله للكفرين على المؤمنين سبيلا).ويجيب عنه كثير منهم بأنه لي يجعل لهم عليهم سبيلا في الآخرة,ويجيب آخرون بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلا في الحجة.
          والتحقيق:أنها مثل هذه الآيات,وأن انتفاء السبيل عن أهل الإيمان الكامل,فإذا ضعف الإيمان صار لعدوهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيمانهم,فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بما تركوا من طاعة الله تعالى.فالمؤمن عزيز غالب مؤيد منصور,مكفي مدفوع عنه بالذات أين كان,ولواجتمع عليه من بأقطارها,إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته,.ظاهرا وباطنا,وقد قال تعالى للمؤمنين:(ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)وفال تعالى:(فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعملكم).
          فهذا الظمان إنما هو بإيمانهم وأعمالهم,التي هي جند من جنود الله يحفظهم بها,ولا يفردها عنهم ويقطعها عنهم,فيبطلها عليهم,كما يتر الكافرين والمنافقين أعمالهم,إذا كانت لغيره,ولم تكن موافقة لأمره.
          وأما المقام الثاني الذي وقع فيه الغلط,فكثير من الناس يظن أن أهل الدين الحق في الدنيا يكونون أذلاء مقهورين,مغلوبين دائما,بخلاف من فارقهم إلى سبيل أخرى,وطاعة أخرى,فلا يثق بوعد الله بنصر دينه وعباده,بل إما أن يجعل ذلك خاصا بطائفة دون طائفة,أو بزمان دون زمان,أو يجعله معلقا بالمشيئة,وإن لم يصرح بها.
          وهذا من عدم الوثوق بوعد الله تعالى,ومن سوء الفهم في كتابه.
          والله سبحانه قد بين في كتابه أنه ناصر المؤمنين في الدنيا والآخرة.قال تعالى:(إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحيوة الدنيا ويوم يقوم الأشهد).وقال تعالى:(ومن يتول الله ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب الله هم الغلبون).وقال تعالى:(إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين,كتب الله لأغلبن أنا ورسلي).وهذا كثير في القرآن.
          وقد بين سبحانه فيه أن ما أصاب العبد من مصيبة,أو إدالة عدو,أو كسر,وغير ذلك فبذنوبه.فبين سبحانه في كتابه كلا المقدمتين,فإذا جمعت بينهما تبين لك حقيقة الأمر,وزال الإشكال بالكلية,واستغنيت عن تلك التكلفات الباردة,والتأويلات البعيدة...
          ...يتبع إن شاء الله ولا يزال البحث في أوله,لأن أهل التحزب والشماتة بأخواننا,يسترقون الكلمات,خاصة الكلمات الأخيرة,فنقول رويدا رويدا,فإنه الإمام ابن القيم وما أدراك ما الإمام ابن القيم,فسترون ما يثلج صدور أهل الحق,ويضيق صدور أهل التحزب الشامتين.إن شاء الله...


          التعديل الأخير تم بواسطة ابو مصعب الشريف فروج; الساعة 12-03-2014, 02:20 PM.

          تعليق


          • #6
            فقرر سبحانه المقام الأول بوجوه من التقرير:منها ما تقدم.
            ومنها:أنه ذم من يطلب النصر والعزة من غير المؤمنين,كقوله:(يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصرى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لايهدي القوم الظلمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسرعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أصروا في أنفسهم ندمين ويقول الذين ءامنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمنهم إنهم لمعكم حبطت أعملهم فأصبحوا خسرين يأيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكفرين يجهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يأتيه من يشاء والله وسع عليم إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم ركعون ومن يتول الله ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب الله هم الغلبون)
            فأنكر على من طلب النصر من غير حزبه,وأخبر أن حزبه هم الغالبون.
            ونظير هذا قوله:(بشر المنفقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكفرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا)
            وقال تعالى:(يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنفقين لا يعلمون)
            وقال تعالى:(من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصلح يرفعه).أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله من الكلم الطيب والعمل الصالح.
            وقال تعالى:(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله)
            وقال:(يأيها الذين ءامنوا هل أدلكم على تجرة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجهدون في سبيل الله بأمولكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنت تجري من تحتها الأنهر ومسكن طيبة في جنت عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين)أي ويعطيكم أخرى فوق مغفرة الذنوب ودخول الجنة وهي النصر والفتح:(يأيها الذين ءامنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فئامنت طائفة من بني إسرءيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين ءامنوا على عدوهم فأصبحوا ظهرين).
            وقال تعالى للمسيح:(إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة)فلما كان للنصارى نصيب ما من اتباعه كانوا فوق اليهود إلى يوم القيامة,ولما كان المسلمون أتبع له من النصارى كانوا فوق النصارى إلى يوم القيامة.
            وقال تعالى للمؤمنين:(ولو قتلكم الذين كفروا لولوا الأدبر ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا).فهذا خطاب للمؤمنين الذين قاموا بحقائق الإيمان ظاهرا وباطنا.
            وقال تعالى:(إن العقبة للمتقين)وقال:(والعقبة للتقوى)والمراد:العاقبة في الدنيا قبل الآخرة,لأنه ذكر ذلك عقيب قصة نوح.ونصره وصبره على قومه,فقال تعالى:(تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العقبة للمتقين)أي عاقبة النصر لك ولمن معك,كما كانت لنوح عليه السلام ومن آمن معه.
            ...يتبع إن شاء الله...

            التعديل الأخير تم بواسطة ابو مصعب الشريف فروج; الساعة 15-03-2014, 04:56 PM.

            تعليق


            • #7
              وكذلك قوله:(وأمر أهلك بالصلوة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعقبة للتقوى).
              وقال تعالى:(وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا)
              وقال:(بلى إن تصبروا وتتقوا و يأتوكم من فوركم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلف من الملئكة مسومين).
              وقال إخبارا عن يوسف عليه السلام أنه نصر بتقواه وصبره,فقال:(أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين).
              وقال:(يأيها الذين ءامنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم).
              والفرقان:هو العز والنصر,والنجاة والنور الذي يفرق بين الحق والباطل.
              وقال تعالى:(ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بلغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا).
              وقد روى ابن ماجة وابن أبي الدنيا عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لو عمل الناس كلهم بهذه الآية لوسعتهم).فهذا في المقام الأول.
              وأما المقام الثاني:فقال تعالى في قصة أحد:(أو لما أصبتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم).
              وقال تعالى:(إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطن ببعض ما كسبوا).
              وقال تعالى:(وما أصبكم من مصيبة فبكا كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير).
              وقال:(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).
              وقال:(وإنا إذا أذقنا الإنسن منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسن كفور).
              وقال:(وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون).
              وقال:(أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير).
              وقال:(ا أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك)
              ولهذا أمر الله سبحانه رسوله والمؤمنون باتباع ما أنزل إليهم,وهو طاعته,وهو المقدمة الأولى,وأمر بانتظار وعده,وهو المقدمة الثانية,وأمر بالإستغفار والصبر لأن العبد لا بد أن يحصل له نوع تقصير وسرف يزيله الإستغفار,ولا بد في انتظار الوعد من الصبر,فبالإستغفار تتم الطاعة,وبالصبر يتم اليقين بالوعد,وقد جمع الله سبحانه بينهما في قوله:(فاصب إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكر).
              وقد ذكر سبحانه في كتابه قصص الأنبياء وأتباعهم,وكيف نجاهم بالصبر والطاعة,ثم قال:(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألبب).
              ...فصل...
              وتمام الكلام في هذا المقام العظيم يتبين بأصول نافعة جامعة.
              الأولى:أن ما يصيب المؤمنين من الشرور والمحن والأذى دون ما يصيب الكفار,والواقع شاهد بذلك,وكذلك ما يصيب الأبرار في هذه الدنيا دون ما يصيب الفجار والفساق والظلمة بكثير.
              الأصل الثاني:أن ما يصيب المؤمنين في الله تعالى مقرون بالرضا والإحتساب,فإن فاتهم الرضا فمعولهم على الصبر,وعلى الإحتساب,وذلك يخفف عنهم ثقل البلاء,ومؤنته,فإنهم كلما شاهدوا العوض هان عليهم تحمل المشاق والبلاء,والكفار لا رضا عندهم ولا احتساب,وإن صبروا فكصبر البهائم,وقد نبه تعالى على ذلك بقوله:(ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون).
              فاشتركوا في الألم,وامتاز المؤمنون برجاء الأجر والزلفى من الله تعالى.
              ...يتبع إن شاء الله...

              تعليق


              • #8
                الأصل الثالث:أن المؤمن إذا أوذي في الله فإنه محمول عنه بحسب طاعته وإخلاصه ووجود حقائق الإيمان في قلبه,حتى يحمل عنه من الأذى ما لو كان شيء منه على غيره لعجز عن حمله,وهذا من دفع الله عن عبده المؤمن,فإنه يدفع عنه كثيرا من البلاء,وإذا كان لا بد له من شيء منه دفع عنه ثقله ومؤنته ومشقته وتبعته.
                الأصل الرابع:أن المحبة كلما تمكنت من القلب ورسخت فيه,كان أذى المحب في رضى محبوبه مستحلى غير مسخوط,والمحبون يفتخرون عند أحبابهم بذلك,حتى قال قائلهم:
                لئن سائني أن نلتني بمساءة_لقد سرني أني خطرت ببالك.
                فما الظن بمحبة المحبوب الأعلى,الذي ابتلاؤه لحبيبه رحمة منه له وإحسان إليه.
                الأصل الخامس:أن ما يصيب الكافر والفاجر والمنافق من العز والنصر والجاه,دون ما يحصل للمؤمن بكثير,بل باطن ذلك ذل وكسر وهوان,وإن كان في الظاهر بخلافه.
                قال الحسن رحمه الله:(إنهم وإن هملجت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال إن ذل المعصية لفي قلوبهم,أبى الله إلا أن يذل من عصاه).
                الأصل السادس:أن ابتلاء المؤمن كالدواء له يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته,أو نقصت ثوابه,وأنزلت درجته,فيستخرج الإبتلاء والإمتحان منه تلك الأدواء ويستعد به لتمام الأجر,وعلو المنزلة,ومعلوم أن وجود هذا خير للمؤمن من عدمه,كما قال النبي صلى الله عيه وسلم:(والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له,وليس ذلك إلا للمؤمن,غن أصابته سراء شكر,فكان خيرا له,وإن أصابته ضراء صبر, فكان خيرا له).
                فهذا الإبتلاء والإمتحان من تمام نصره وعزه وعافيته,ولهذا كان أشد الناس بلاء الأنبياء,ثم الأقرب إليهم فالأقرب,يبتلى المرء على حسب دينه,فإن كان في دينه صلابة شدد عليه البلاء,وإن كان في دينه رقة خفف عنه,ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على وجه الأرض وليس عليه خطيئة.
                الأصل السابع:أن ما يصيب المؤمن في هذه الدار من إدالة عدوه عليه,وغلبته له,وأذاه له في بعض الأحيان:أمر لا زم ,لا بد منه,وهو كالحر الشديد,والبرد الشديد,والأمراض الهموم والغموم,فهذا أمر لازم للطبيعة والنشأة الإنسانية في هذه الدار,حتى للأطفال,والبهائم,لما اقتضته حكمة أحكم الحاكمين,فلو تجرد الخير في هذا العالم عن الشر,والنفع عن الضر,واللذة عن الألم,لكان ذلك عالما غير هذا,ونشاة أخرى غير هذه النشأةوكانت تفوت الحكمة التي مزج لأجلها الخير والشر,والألم واللذة,والنافع والضار,وإنما يكون تخليص هذا من هذا,وتمييزه في دار أخرى غير هذه الدار,كما قال تعالى:(ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخسرون).
                الأصل الثامن:أن ابتلاء المؤمنين بغلبة عدوهم لهم,وقهرهم,وكسرهم لهم أحيانا فيه حكمة عظيمة,لا يعلمها على التفصيل إلا الله عز وجل.
                فمنها:استخراج عبوديتهم وذلهم لله,وانكسارهم له,وافتقارهم إليه,وسؤاله نصرهم على أعدائهم,ولو كانوا دائما منصورين قاهرين غالبين لبطروا وأشروا.ولو كانوا دائما مقهورين مغلوبين منصورا عليهم عدوهم لما قامت للدين قائمة,ولا كانت للحق دولة,فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين,أن صرفهم بين غلبهم تارة,وكونهم مغلوبين تارة,فإذا غلبوا تضرعوا إلى ربهم,وأنابوا إليه,وخضعوا له,وانكسروا له,وتاوا إليه,وإذا غلبوا أقاموا دينه وشعائره,وأمروا بالمعروف,ونهوا عن المنكر,وجاهدوا عدوه,ونصروا أولياءه.
                ومنها :أنهم لو كانوا دائما منصورين, غالبين,قاهرين,لدخل معهم من ليس قصده الدين,ومتابعة الرسول,فإنه إنما ينضاف إلى من له الغلبة والعزة,ولو كانوا مقهورين مغلوبين دائما لم يدخل معهم أحد.فاقتضت الحكمة الإلهية أن كانت لهم الدولة تارة,وعليهم تارة.فيتميز بذلك من يريد الله ورسوله,ومن ليس له مراد إلا الدنيا والجاه.
                ...يتبع إن شاء الله...
                أقول هنيئا ثم هنيئا لعلمائنا وإخواننا الذي هجروا من دماج هذه الكرامات,التي يريد_ناقصوا الدين والعقول من أهل التحزب والشماتة_أن يقلبوها عقوبات فليردوا_إن استطاعوا ولن يستطيعوا_ على هذا المبحث من هذا الإمام الجهبذ,وإلا فعليهم التوبة قبل فوات الأوان.

                تعليق

                يعمل...
                X