باسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ,ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ,ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
فيسرني أن أنقل كلام لإمام من الأئمة الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في ذم الهوى الذي أعمى غالبية الناس ورماهم في مستنقع الضلال والعياذ بالله وكيفية النجاة من هذا الداء وإلى المقصود بإذن الله تعالى فرحمة الله على السلف الصالح وجمعنا بهم إنه جواد كريم
خمسون درر لذم الهوى
من كتاب الإمام ابن القيم رحمه الله روضة المحبين ونزهة المشتاقين
الباب التاسع وعشرون
في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى
الهوى ميل الطبع الى ما يلا ئمه, وهذا الميلُ خلق في الإنسان لضرورة بقائه فإنه لولا ميله الى المطعم والمشرب والمَنْكَح ما أكل ولا شرب ولا نكح, فالهوى مستحث لها لما يريده , كما أن الغضب دافعٌ عنه ما يؤذيه ,فلا ينبغي ذمُ الهوى مطلقا ,ولا مدحه مطلقا, كما أن الغضب لا ُيذَمُ مطلقا ولا ُيحْمَد مطلقا ,وإنما يُذَمُ المفرط من النوعين ,وهو ما زاد على جلب المنافع ودفع المضار ,ولما كان الغالب من مطيع هواه وشهوته وغضبه وأنه لا يقف فيه على حدّ المنتفع به أطلق ذم الهوى والشهوة والغضب لعموم غلبة الضرر, لأنه يَنْذُر من يقصد العدل في ذلك ويقف عنده ,كما أنه يَنْذُر في الأمزجة المزاج المعتدل من كل وجه ,بل لابدّ من غَلبة أحد الأخلاط1 والكيفيات عليه, فحِرْصُ الناصح على تعديل قوى الشهوة والغضب من كل وجه ,وهذا أمريتعذر وُجودُه الا في حق أفراد من العالم, فلذلك لم يذكر الله تعالى الهوى في كتابه إلا ذمه, وكذلك في السنة لم يجئ إلا مذموما إلا ما جاء منه مُقَيدا كقوله صلى الله عليه وسلم* لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به*2 وقد قيل الهوى كَمين لايُؤمنُ .
قال الشَعبي* وسمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه, ومُطلقُه يدعو الى اللَّذة الحاضرة من غير فكر في العاقبة ,ويحث على نيل الشهوات عاجلا وإن كانت سببا لأعظم الألام عاجلا واجلا, فللدنيا عاقبة قبل عاقبة الاخرة ,والهوى يُعمي صاحبَه من ملاحظتها, والمُروءَة والدين والعقل ينهي عن لذَّة تعقب ألما, وشهوة تورث ندما, فكل منها يقول للنفس إذا أردت ذلك -لا تفعلي, والطاعة لمن غلب , ألا ترى أن الطفل يُؤثر ما يهوى وإن أدَّاه الى التَلف لضعف ناهي العقل عنده, ومن لا دين له يؤثر ما يهوى وان أداه الى هلاكه في الاخرة لضعف ناهي الدين, ومن لا مُرُوءة له ُيؤثرما يهواه وإن َثَلَم 3 مُروءته أو عدمها لضعف ناهي المروءة, فأين هذا من قول الشافعي رحمه الله تعال *لو علمتُ أن الماء البارد يثلم مروءتي لما شربته.
ولما امتُحن المكلفُ بالهوى من بين سائر البهائم وكان كل وقت تحدُث عليه حوادثُ جُعل فيه حاكمان حاكم العقل وحاكم الدّين, وأُمرأن يَرفع حوادثَ الهوى دائما الى هذين الحاكمان وأن ينقاد لحكمهما,وينبغي أن يتمرّن على دفع الهوى المأمون العواقب ليتَّمرن بذلك على ترك ما تؤذي عواقبه.وليعلم اللبيبُ أن مُدمني الشهوات يصيرون الى حالة لا يتلذون بها .وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها,لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الذي لا بُد منه,ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يتلذ به عُشُر معشار التذاذ من يفعله نادرا في الأحيان,غير أن العادة مقتضية ذلك فيُلقي نفسه في المهالك لنيل ما تطالبه به العادة ,ولو زال عنه رَيْن4 الهوى لعلم أنه قد شَقِي من حيث قدّر السعادة,واغتمَّ من حيث ظنَّ الفرح,وألِم من حيث أراد اللذّة.فهو كالطائر المخدوع بحبة القمح,لا هو نَال الْحَبَّة ولاهو تخلص مما وقع فيه,فإن قيل كيف يتخلص مِنْ هذا مَنْ قد وقع فيه؟ قيل يمكنه التخلُص بعون الله وتوفيقه له بأمور
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ,ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ,ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
فيسرني أن أنقل كلام لإمام من الأئمة الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في ذم الهوى الذي أعمى غالبية الناس ورماهم في مستنقع الضلال والعياذ بالله وكيفية النجاة من هذا الداء وإلى المقصود بإذن الله تعالى فرحمة الله على السلف الصالح وجمعنا بهم إنه جواد كريم
خمسون درر لذم الهوى
من كتاب الإمام ابن القيم رحمه الله روضة المحبين ونزهة المشتاقين
الباب التاسع وعشرون
في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى
الهوى ميل الطبع الى ما يلا ئمه, وهذا الميلُ خلق في الإنسان لضرورة بقائه فإنه لولا ميله الى المطعم والمشرب والمَنْكَح ما أكل ولا شرب ولا نكح, فالهوى مستحث لها لما يريده , كما أن الغضب دافعٌ عنه ما يؤذيه ,فلا ينبغي ذمُ الهوى مطلقا ,ولا مدحه مطلقا, كما أن الغضب لا ُيذَمُ مطلقا ولا ُيحْمَد مطلقا ,وإنما يُذَمُ المفرط من النوعين ,وهو ما زاد على جلب المنافع ودفع المضار ,ولما كان الغالب من مطيع هواه وشهوته وغضبه وأنه لا يقف فيه على حدّ المنتفع به أطلق ذم الهوى والشهوة والغضب لعموم غلبة الضرر, لأنه يَنْذُر من يقصد العدل في ذلك ويقف عنده ,كما أنه يَنْذُر في الأمزجة المزاج المعتدل من كل وجه ,بل لابدّ من غَلبة أحد الأخلاط1 والكيفيات عليه, فحِرْصُ الناصح على تعديل قوى الشهوة والغضب من كل وجه ,وهذا أمريتعذر وُجودُه الا في حق أفراد من العالم, فلذلك لم يذكر الله تعالى الهوى في كتابه إلا ذمه, وكذلك في السنة لم يجئ إلا مذموما إلا ما جاء منه مُقَيدا كقوله صلى الله عليه وسلم* لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به*2 وقد قيل الهوى كَمين لايُؤمنُ .
قال الشَعبي* وسمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه, ومُطلقُه يدعو الى اللَّذة الحاضرة من غير فكر في العاقبة ,ويحث على نيل الشهوات عاجلا وإن كانت سببا لأعظم الألام عاجلا واجلا, فللدنيا عاقبة قبل عاقبة الاخرة ,والهوى يُعمي صاحبَه من ملاحظتها, والمُروءَة والدين والعقل ينهي عن لذَّة تعقب ألما, وشهوة تورث ندما, فكل منها يقول للنفس إذا أردت ذلك -لا تفعلي, والطاعة لمن غلب , ألا ترى أن الطفل يُؤثر ما يهوى وإن أدَّاه الى التَلف لضعف ناهي العقل عنده, ومن لا دين له يؤثر ما يهوى وان أداه الى هلاكه في الاخرة لضعف ناهي الدين, ومن لا مُرُوءة له ُيؤثرما يهواه وإن َثَلَم 3 مُروءته أو عدمها لضعف ناهي المروءة, فأين هذا من قول الشافعي رحمه الله تعال *لو علمتُ أن الماء البارد يثلم مروءتي لما شربته.
ولما امتُحن المكلفُ بالهوى من بين سائر البهائم وكان كل وقت تحدُث عليه حوادثُ جُعل فيه حاكمان حاكم العقل وحاكم الدّين, وأُمرأن يَرفع حوادثَ الهوى دائما الى هذين الحاكمان وأن ينقاد لحكمهما,وينبغي أن يتمرّن على دفع الهوى المأمون العواقب ليتَّمرن بذلك على ترك ما تؤذي عواقبه.وليعلم اللبيبُ أن مُدمني الشهوات يصيرون الى حالة لا يتلذون بها .وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها,لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الذي لا بُد منه,ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يتلذ به عُشُر معشار التذاذ من يفعله نادرا في الأحيان,غير أن العادة مقتضية ذلك فيُلقي نفسه في المهالك لنيل ما تطالبه به العادة ,ولو زال عنه رَيْن4 الهوى لعلم أنه قد شَقِي من حيث قدّر السعادة,واغتمَّ من حيث ظنَّ الفرح,وألِم من حيث أراد اللذّة.فهو كالطائر المخدوع بحبة القمح,لا هو نَال الْحَبَّة ولاهو تخلص مما وقع فيه,فإن قيل كيف يتخلص مِنْ هذا مَنْ قد وقع فيه؟ قيل يمكنه التخلُص بعون الله وتوفيقه له بأمور
1أخلاط الانسان أمزجته الأربعة التي قال بها القدماء وهي الماء, والنار والهواء والتراب.
2 تقدم ذكر الحديث
3ثلم الجدار وثلم القدح أحدث فيه شقا.
4الرين الحجاب الكثيف, والمانع السميك
أحدهما - عزيمة حر يغار لنفسه وعليها .
الثاني- جرعة صبر يصبر نفسه على مرارتها تلك الساعة.
الثالث- قوة نفس تشجعه على شرب تلك الجرعة, والشجاعةُ كلُّها صبر ساعة,وخير عيش أدركه العبد بصبره.
يُتبع إن شاء الله تعالى
الثاني- جرعة صبر يصبر نفسه على مرارتها تلك الساعة.
الثالث- قوة نفس تشجعه على شرب تلك الجرعة, والشجاعةُ كلُّها صبر ساعة,وخير عيش أدركه العبد بصبره.
يُتبع إن شاء الله تعالى
تعليق