إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أقوال في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أقوال في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى

    باسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ,ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ,ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
    فيسرني أن أنقل كلام لإمام من الأئمة الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في ذم الهوى الذي أعمى غالبية الناس ورماهم في مستنقع الضلال والعياذ بالله وكيفية النجاة من هذا الداء وإلى المقصود بإذن الله تعالى فرحمة الله على السلف الصالح وجمعنا بهم إنه جواد كريم


    خمسون درر لذم الهوى
    من كتاب الإمام ابن القيم رحمه الله روضة المحبين ونزهة المشتاقين

    الباب التاسع وعشرون
    في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى

    الهوى ميل الطبع الى ما يلا ئمه, وهذا الميلُ خلق في الإنسان لضرورة بقائه فإنه لولا ميله الى المطعم والمشرب والمَنْكَح ما أكل ولا شرب ولا نكح, فالهوى مستحث لها لما يريده , كما أن الغضب دافعٌ عنه ما يؤذيه ,فلا ينبغي ذمُ الهوى مطلقا ,ولا مدحه مطلقا, كما أن الغضب لا ُيذَمُ مطلقا ولا ُيحْمَد مطلقا ,وإنما يُذَمُ المفرط من النوعين ,وهو ما زاد على جلب المنافع ودفع المضار ,ولما كان الغالب من مطيع هواه وشهوته وغضبه وأنه لا يقف فيه على حدّ المنتفع به أطلق ذم الهوى والشهوة والغضب لعموم غلبة الضرر, لأنه يَنْذُر من يقصد العدل في ذلك ويقف عنده ,كما أنه يَنْذُر في الأمزجة المزاج المعتدل من كل وجه ,بل لابدّ من غَلبة أحد الأخلاط1 والكيفيات عليه, فحِرْصُ الناصح على تعديل قوى الشهوة والغضب من كل وجه ,وهذا أمريتعذر وُجودُه الا في حق أفراد من العالم, فلذلك لم يذكر الله تعالى الهوى في كتابه إلا ذمه, وكذلك في السنة لم يجئ إلا مذموما إلا ما جاء منه مُقَيدا كقوله صلى الله عليه وسلم* لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به*2 وقد قيل الهوى كَمين لايُؤمنُ .
    قال الشَعبي* وسمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه, ومُطلقُه يدعو الى اللَّذة الحاضرة من غير فكر في العاقبة ,ويحث على نيل الشهوات عاجلا وإن كانت سببا لأعظم الألام عاجلا واجلا, فللدنيا عاقبة قبل عاقبة الاخرة ,والهوى يُعمي صاحبَه من ملاحظتها, والمُروءَة والدين والعقل ينهي عن لذَّة تعقب ألما, وشهوة تورث ندما, فكل منها يقول للنفس إذا أردت ذلك -لا تفعلي, والطاعة لمن غلب , ألا ترى أن الطفل يُؤثر ما يهوى وإن أدَّاه الى التَلف لضعف ناهي العقل عنده, ومن لا دين له يؤثر ما يهوى وان أداه الى هلاكه في الاخرة لضعف ناهي الدين, ومن لا مُرُوءة له ُيؤثرما يهواه وإن َثَلَم 3 مُروءته أو عدمها لضعف ناهي المروءة, فأين هذا من قول الشافعي رحمه الله تعال *لو علمتُ أن الماء البارد يثلم مروءتي لما شربته.
    ولما امتُحن المكلفُ بالهوى من بين سائر البهائم وكان كل وقت تحدُث عليه حوادثُ جُعل فيه حاكمان حاكم العقل وحاكم الدّين, وأُمرأن يَرفع حوادثَ الهوى دائما الى هذين الحاكمان وأن ينقاد لحكمهما,وينبغي أن يتمرّن على دفع الهوى المأمون العواقب ليتَّمرن بذلك على ترك ما تؤذي عواقبه.وليعلم اللبيبُ أن مُدمني الشهوات يصيرون الى حالة لا يتلذون بها .وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها,لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الذي لا بُد منه,ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يتلذ به عُشُر معشار التذاذ من يفعله نادرا في الأحيان,غير أن العادة مقتضية ذلك فيُلقي نفسه في المهالك لنيل ما تطالبه به العادة ,ولو زال عنه رَيْن4 الهوى لعلم أنه قد شَقِي من حيث قدّر السعادة,واغتمَّ من حيث ظنَّ الفرح,وألِم من حيث أراد اللذّة.فهو كالطائر المخدوع بحبة القمح,لا هو نَال الْحَبَّة ولاهو تخلص مما وقع فيه,فإن قيل كيف يتخلص مِنْ هذا مَنْ قد وقع فيه؟ قيل يمكنه التخلُص بعون الله وتوفيقه له بأمور





    1أخلاط الانسان أمزجته الأربعة التي قال بها القدماء وهي الماء, والنار والهواء والتراب.
    2 تقدم ذكر الحديث
    3ثلم الجدار وثلم القدح أحدث فيه شقا.
    4الرين الحجاب الكثيف, والمانع السميك


    أحدهما - عزيمة حر يغار لنفسه وعليها .
    الثاني- جرعة صبر يصبر نفسه على مرارتها تلك الساعة.
    الثالث- قوة نفس تشجعه على شرب تلك الجرعة, والشجاعةُ كلُّها صبر ساعة,وخير عيش أدركه العبد بصبره.



    يُتبع إن شاء الله تعالى

    التعديل الأخير تم بواسطة علي بن رشيد العفري; الساعة 31-03-2013, 10:14 PM.

  • #2

    جزاك الله خيراً أخانا هلال على هذه الدرر البديعة

    أعانك المولى جلّ في علاه على إتمامها .

    تعليق


    • #3
      المشاركة الأصلية بواسطة حسين بن مسعود الجيجلي مشاهدة المشاركة

      جزاك الله خيراً أخانا هلال على هذه الدرر البديعة

      أعانك المولى جلّ في علاه على إتمامها .

      آمين وبارك الله فيك أخي حسين

      تعليق


      • #4
        أقوال في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى

        الرابع- حسنَ موقع العاقبة والشفاء بتلك الجرعة.
        الخامس- ملاحظته الألم الزائد على لذّة طاعة الهوى.
        السادس- إبقاؤه على منزلته عند الله تعالى وفي قلوب عباده, وهو خير وأَنفع له من لذّة موافقة الهوى.
        السابع- إثاره لذّة العفة وعزّتها وحلاوتها على لذّة المعصية.
        الثامن- فرحه بغلَبة عدوه وقهره له وردّه خاسئا بغيظه وغمِّه وهمِّه حيث لم ينل من أُمْنِيَته, والله تعالى يحب من عبده أن يراغم1 عدوّه ويغيظه كما قال الله تعالى في كتابه العزيز*وَلاَ يَطَؤُن مَوْطئا يَغيظُ الكُفارَ وَلاَيَنَالُونَ منْ عَدُو نَيْلا إلاّ كُتبَ لَهُمْ به عَمَل صالح* 2 وقال* ليَغيظَ بهمُ الكُفارَ* 3 وقال تعالى* ومنْ يُهاجرْ في سبيل الله يَجدْ في الأرض مُراغَما كَثيرا وَسَعَة* 4 أي مكانا يراغم فيه أَعداءَ الله. وعلامة المحبة الصادقة مغايظة أعداء المحبوب ومُراغمتهم.
        1يراغم عدوه -يهجره ويعاديه
        2-التوبة-
        3-اخر سورة الفتح
        4 النساء-, والمراغم- الملجأ والمهرب و الحصن



        يُتْبع إنشاء الله تعالى

        تعليق


        • #5
          أقوال في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى

          التاسع- التفكُر في أنه لم يُلْقَ للهوى وإنما هُيءَ لأمر عظيم لا يناله إلا بمعصيته للهوى كما قيل

          قد هيَّأوك1 لأمر لو فَطنت له *** فاربأْ بنفسك أن ترعى مع الهمَل.



          العاشر- أن لا يختار لنفسه أن يكون الحيوانُ البهيمُ أَحسن حالا منه, فإن الحيوان يميّز بطبعه بين مواقع ما يضرُّه وما ينفعه, فيؤْثر النافع عَلَى الضارّ, والإنسان أُعطى العقلَ لهذا المعنى , فإذا لم يميّز به بين ما يضرُّه وما ينفعه أَو عرف ذلك واثر ما يضرُّه كان حال الحيوان البهيم أحسنَ منه , ويَدُلُ على ذلك أن البهيمة تصيب من لذة المطعم والمَشْرَب والمنكح مالا يناله الإنسان مع عيش هنيء خال عن الفكر والهمّ, ولهذا تُسَاقُ إلى مَنْحَرِها2 وهي منهمكة عَلَى شهوانها لفقدان العلم بالعواقب, والادمي لا يناله ما يناله الحيوان لقوّة الفكر الشاغل, وضعف الألة المستعملة وغير ذلك , فلو كان نيل المشتهى فضيلة لما بُخس منه حقُّ الادمي الذي هو خلاصة العالم, ووفر منه حظُّ البهائم, وفي توفير حظ الادمي من العقل والعلم والمعرفة عوَض عن ذلك.


          الحادي عشر- أن يسير بقلبه في عواقب الهوى فيتأَمل كم أفاتت معصيتُه3 من فضيلة, وكم أوقعت في رذيلة, وكم أكلة منعت أكلات, وكم من لذة فوَّتت لذَّات,وكم من شهوة كسرت جاها, ونكست رأسا , وقَّبحت ذكرا , وأورثت ذمَّا , وأعقبت ذلَّا , وألزمت عارا لا يغسله الماء, غير أن عينَ صاحب الهوى عمياء.
          الثاني عشر- أن يتصوَّر العاقل انقضاء غرضه ممن يهواه ثم يتصوَّر حالَه بعد قضاء الوطرِ4 وما فاته وما حصل له.

          فأَفضل الناس من لم يرتكب سببا *** حتى يميز لما تجنى عواقبه




          1-وفي لامية الطغرائي/ قد رشحوك/, والهمل-المهمل.
          2-المنحر-موضع النحر في الحلق, ومكان الذبح في البهائم.
          3-لعل الأصوب/ كم أفات طاعته من فضيلة/
          4-الوطر- الحاجة وجمعها أوطار.






          يُتْبع إنشاء الله تعالى




          تعليق


          • #6
            السلام عليكم ورحمة الله

            جزاك الله خيراًأخي هلال على هذه الدرر البديعة.أعانك الله على إتمامها

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة فاروق بن احمد الميلي مشاهدة المشاركة
              جزاك الله خيراًأخي هلال على هذه الدرر البديعة.أعانك الله على إتمامها
              آمين وبارك الله فيك أخي فاروق

              تعليق


              • #8
                الثالث عشر- أن يتصوّر ذلك في حقِّ غيره حق التصوُّر , ثم ينزل نفسه تلك المنزلة, فحكم الشئ حكم نظيره.

                الرابع عشر- أن يتفكر فيما تطالبه به نفسه من ذلك ,ويسأَل عنه عقله ودينَه يُخبرانه بأنه ليس بشئ.قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إذا أعجب أحدَكم امرأة فليذكر مَنَاتِنَهَا , وهذا أحسن من قول أحمد بن الحسين :
                لوفكَّر العاشق في منتهى*** حسنِ الذي يسبيه 1 لم يَسْبِه .
                لأن ابن مسعود رضي الله عنه ذكر الحال الحاضرة الملازمة, والشاعر حال على أمر متأخر.

                الخامس عشر- أن يأنفَ لنفسه من ذلّ طاعة الهوى, فإنه ما أطاع أحد هواه قط إلاَّ وجد في نفسه ذُلاَّ, ولا يغترّ بصولة2 أتباع الهوى وكِبرهم فهم أذلُّ الناس بواطنَ, قد جمعوا بين فصيلتَي الكبرِ والذلُّ.

                السادس عشر- أن يوازن بين سلامة الدين والعِرض والمال والجاه ونيل اللذة المطلوبة, فإنه لا يحد بينهما نسبة البَتَّةَ, فليعلم أنه من أسفه الناس ببيعه هذا بهذا.

                السابع عشر- أن يأنفَ لنفسه أن يكون تحت قهر عدوّه, فإن الشيطان إذا رأى من العبد ضعف عزيمة وهمة وميلا إلى هواه طمع فيه وصرعه وألجمه بلجام الهوى وساقه حيث أراد , ومتى أحسّ منه بقوة عزم وشرفِ نفس وعلوِّ همة لم يطمع فيه إلا اختلاسا وسرقة.

                الثامن عشر- أن يعلم أن الهوى ما خالط شيئا إلاَّ أفسده, فإن وقع في العلم أخرجه إلى البدعة والضلالة وصار صاحبُه من جملة أهل الأهواء وإن وقع في الزهد أخرج صاحبه إلى الرياء ومخالفة السنة, وإن وقع في الحكم أخرج صاحبه إلى الظلم وصدّه عن الحقّ, وإن وقع في القِسْمة خرجت عن قسمة العدل إلى قسمة الجَوْر, وإن وقع في الولاية والعزل أخرج صاحبه إلى خيانة الله والمسلمين حيث يُوَلِّي بهواه ويعزِل بهواه, وإن وقع في العبادة خرجت عن أن تكون طاعة وقربة,فما قارن شيئا إلا أفسده.

                التاسع عشر- أن يعلم أن الشيطان ليس له مدخل عَلَى ابن ادم إلا من باب هواه,فإنه يُطِيفُ به من أين يدخل عليه حتى يفسدَ عليه قلبه وأعماله, فلا يجد مدخلا إلاَّ من باب الهوى , فيسري معه سَريان السمّ في الأعضاء.



                1-يسبيه-يأسره من السبي وهو الأسر.
                2-الصولة- السطوة والمقدرة.

                يُتْبَعْ إنْشَاء الله تعالى
                التعديل الأخير تم بواسطة هلال بن عبد الحميد الميلي; الساعة 17-11-2012, 09:17 AM.

                تعليق


                • #9

                  جزاك الله خيراً يا أخانا الكريم هلال
                  واصل في نشر هذه الدرر والفوائد ، عسى الله أن ينفع بها ، فهي من العلاج الجيّد للنفس الأمّارة بالسوء

                  تعليق


                  • #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة عبد الحكيم بن عباس الجيجلي مشاهدة المشاركة

                    جزاك الله خيراً يا أخانا الكريم هلال
                    واصل في نشر هذه الدرر والفوائد ، عسى الله أن ينفع بها ، فهي من العلاج الجيّد للنفس الأمّارة بالسوء
                    بارك الله فيك أخي عبد الحكيم
                    درر نفيسة

                    أتت من عالم محقق

                    فعلا درر لا تقدر بذهب

                    تعليق


                    • #11
                      العشرون: أن الله سبحانه وتعالى جعل الهوى مضاداَّ لما أنزله على رسوله , وجعل اتباعه مقابلا لمتابعة رسله ,وقسم الناس إلى قسمين: أتباعِ الوحي, وأتباع الهوى, وهذا كثيرٌ في القران كقوله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ*.1

                      وقوله تعالى* وَلَئِنِ اتَبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ*2 ونظائرِه.

                      الحادي والعشرون: أن الله سبحانه وتعالى شبَّه أتباع الهوى بأخسّ الحيوانات صورة ومعنى, فشبّههم بالكلب تارة كقوله * وَلَكِنَهُ أَخْلَدَ إلى الأرِضِ وَاتبَعَ هَوَاهْ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ*3 وبالحُمر تارة كقوله تعالى* كَأَنَهُمْ حُمُر مُسْتَنْفِرَة.فَرَتْ مِنْ قَسْوَرَة*4 وقلب صُوَرَهُم إلى
                      القِرَدةِ والخنازير تارة.

                      1: القصص
                      2: الابقرة
                      3الأعراف
                      4/ المدثر والحمر المستنفرة: المتوحشة. والقسورة/ الاسد



                      الثاني والعشرون: أن متَّبع الهوى ليس أهلا أن يطاع ولا يكون إماما ولا متبوعا, فإن الله سبحانه وتعالى عزله عن الإمامة ونهى عن طاعته, أما عزلُه فإن الله سبحانه وتعالى قال لخليله إبراهيم:إنِّي جَاعِلُكَ للنَّاسِ إماما قال وَمِنْ ذُرِيَتِي قَالَ لاَ يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ*1 أي لاينال عهدي بالإمامة ظالما. وكل من اتبع هواه فهو ظالم كما قال الله تعالى:*بَل اتَّبَعَ الذِينَ ظَلَمُوا أَّهْوَاءهُمْ بِغَيْرِ عِلْم*2 وأما النهي عن طاعته فلقوله تعالى :*ولاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أمْرُهُ فُرُطَا*
                      3


                      الثالث والعشرون:أن الله سبحانه وتعالى حعل متَّبع الهوى بمنزلة عابد الوثن فقال تعالى:*أرَأَيْتَ مَنِ اتّخَذَ الهَهُ هَوَاهُ*4 في موضعين من كتابه, قال الحسن:هو المنافق لا يهوى شيئا إلا ركبه, وقال أيضا: المنافق عبد هواه لا يهوى شيئا إلا فعله.


                      الرابع والعشرون : أن الهوى هو حِظارُ5 جهنم المحيطُ بها حولها, فمن وقع فيه وقع فيها كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال * حُفَتِ الجَنَةُ بالمَكَارِهِ وَحُفَتْ النّارُ بالشّهَوَاتِ*


                      وفي الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عته يرفعه :*لّمَا خَلَقَ اللهُ الجَنةَ أرْسَلَ إلَيهَا جِبْريل فقال انظُر إليها وإلى ما أعْدَدْتُ لألِها فيهَا, فَجَاءَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وإلى ما أعَدَّ اللهُ لِأهلِهَا فيهَا فَرَجَعَ إِلَيْهِ وقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَد مِنْ عِبَادِكَ إِلَاّ دَخَلَها, فَأَمَرَ بِها فحُجِبَتْ بِالمَكَارِهِ وقَالَ:ارْجِعْ إلَيْهَا فانْظُرْ إلَيْهَا فَرَجَعَ فَإذا هِيَ قَدْ حُجِبَتْ بالمَكَارِهِ, فقال: وعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أنْ لا يَدْخُلَهَا أحَد ,

                      قال : اذْهَبْ إلى النّارِ فَانظُرْ إلَيهَا وإلى ما أَعْدَدْتُ لِأهلِها فِيهَا, فَجاءَ فَنَظَرَ إلَيْهَا وَ إلى مَا أعَدّ اللهُ لِأهْلِها فيهَا , فإذا هيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضا,فقال : وَعِزّتِكَ لا يَسْمَعُ بهَا أحَد فَيَدْخُلَهَا, فأمر بهَا فَحُفَتْ بالشَهَوَاتِ, فقال:ارْجِعْ فانْظُرْ إلَيْهَا,فَرَجَعَ إلَيْهَا فإذا هِيَ قَدْ حُفَتْ بِالشَهَواتِ,فَرَجَعَ إلَيْهِ فقال : وَعِزّتِكَ لقَدْ خَشِيتُ أنْ لا يَنْجُو مِنْهَا أحَد* قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

                      1: البقرة
                      2: الروم
                      3: الكهف, وفرطا: إسرافا
                      4: الفرقان
                      5: حظاره: هو كل شئ حصر بين شيئين مثل جدار البستان.




                      يُتْبَعْ إنْشَاء الله تعالى


















                      التعديل الأخير تم بواسطة هلال بن عبد الحميد الميلي; الساعة 18-11-2012, 09:31 AM.

                      تعليق


                      • #12
                        الخامس والعشرون: أنه يُخاف عَلَى من اتبع الهوى أن ينسلخ من الإيمان وهو لا يشعر, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:*لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حتىَّ يكونَ هَوَاهُ تَبَعا لما جِئْتُ بِهِ*1 .وصحَّ عنه أنه قال:* أخوفُ مَا أخافُ عَلَيكُمْ شَهَواتُ الغَيِّ في بُطُونِكُم وفُرُوجِكُمْ وَمَضَلاّتُ الهوى*2

                        السادس والعشرون : أن اتّباع الهوى من المهلكات. قال صلى الله عليه وسلم: * ثلاثٌ مُنْجِياتٌ وثلاثٌ مُهْلِكاتُ: فأما المُنْجِياتُ فَتَقوى اللهِ عزوجلّ في السِّرِّ العلانِيَةِ, والقَولُ بالحَقِّ في الرِّضا والسَّخَطِ, والقَصْدِ في الغنى والفَقْرِ, وأما المُهْلِكاتُ فهوى مُتَبَعٌ, وشُحٌّ مُطاعٌ , وإعْجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ*3

                        السابع والعشرون : أن مخالفة الهوى تورث العبد قوَّةّ في بدنه وقلبه ولسانه, قال بعض السلف: الغالببُ لهواه أشدُّ من الذي يفتح المدينة وحدَه, وفي الحديث الصحيح المرفوع : * لَيْسَ الشَدِيدُ بالصُرُعَةِ ولكن الشَّدِيد الَّذي يَمْلِكُ نَفسَهُ عنْدَ الغضَبِ*4 وكلما تمرّن على مخالفة هواه اكتسب قوّةّ إلى قوّته.

                        1: تقدم تخريج الحديث.
                        2: تقدم تخريج هذا الحديث
                        3: تقدم هذا الحديث.
                        4: رواه الشيخان وغيرهما.



                        ********************************


                        الثامن والعشرون : أن أغزر الناس مُرُوءَة أشَدُّهم مخالفة لهواه. قال معاوية : المُرُوءَةُ ترك الشهوات وعصيان الهوى,فاتباع الهوى يُزمن1 المرُوءة, ومخالفته تنعُشها.

                        التاسع والعشرون : أنه ما من يوم إلا والهوى والعقل يعتلجان2 في صاحبه, فأيها قوِيَ على صاحبه طرده وتحكم وكان الحكم له, قال أبو الدرداء: إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله3 فإن كان عمله4 تبعا لهواه فيومُه يوم سوء, وإن كان هواه تَبعا لعمله5 فيومه يوم صالح.

                        الثلاثون : أن الله سبحانه وتعالى جعل الخطا واتّباع الهوى قرينين, وجعل الصواب ومخالفة الهوى قرينين, كما قال بعض السلف: إذا أشكل عليك أمران لا تدري أيها أرشد فخالف أقرَبهما من هواك, فإن أقرَبَ ما يكون الخطأ في متابعة الهوى.

                        الحادي والثلاثون : أن الهوى داء ودواؤه مخالفته, قال بعض العارفين: إن شئت أخبرتك بدائك, وإن شئت أخبرتك بدوائك , داؤك هواك, ودواؤك ترك هواك ومخالفتُه.
                        وقال البشر الحافي رحمه الله تعالى: البلاء كلُّه في هواك, والشفاء كلُّه في مخالفتك إياه.

                        1: يزمن : يذهب ويضعف.
                        2: يعتلجان : يصطرعان.
                        3 .4 و5 : لعل الصواب: عقله


                        يُتْبَعْ إنْشَاء الله تعالى


                        التعديل الأخير تم بواسطة هلال بن عبد الحميد الميلي; الساعة 21-11-2012, 09:37 AM.

                        تعليق


                        • #13
                          أقوال في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى رسائلك

                          الثاني والثلاثون : أن جهاد الهوى إن لم يكن أعظمَ من جهاد الكفَّار فليس بدونه,قال رجلٌ للحسن البصري رحمه الله: يا أبا سعيد , أيّ الجهاد أفضل؟ قال جهادُكَ هواك. وسمعت شيخنا يقول: جهادُ النفس والهوى أصلُ جهاد الكفّار والمنافقين, فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولاً حتى1 يخرج إليهم.

                          الثالث والثلاثون : أن الهوى تخليطٌ 2 ومخالفته حِميةٌ 3 ويُخاف على من أفرط في التخليط وجانَبَ الحِمْيَة أن يصرعَه داؤه . قال عبد الملك بن قُرَيب: مررت بأعرابي بِه رمَدٌ شديد ودموعه تسيل على خدَّيه فقلت: ألا تمسح عينيك ؟ قال: نهاني الطبيب عن ذلك ولا خير فيمن إذا زُجر لا ينزجر,وإذا أُمرلا يأتمر, فقلت: ألا تشتهي شيئا؟ فقال بلى ولكني أحتمي,إن أهل النار غلبت شهوتهم حِميَهُم فهلكوا.

                          الرابع والثلاثون : أن اتباع الهوى يغلق عن العبد أبواب التوفيق,ويفتح عليه أبواب الخذلان, فتراه يلهج4 بأنّ الله لو وفَّق لكان كذا وكذا, وقد سدّ عَلَى نفسه طرُق التوفيق باتباع هواه, قال الفُضَيْل بن عياض: من استحوذ عليه الهوى واتباعُ الشهوات انقطعت عنه موارد التوفيق.

                          وقال بعض العلماء: الكفر في أربعة أشياء, في الغضب, والشهوة, والرغبة, والرهبة,ثم قال: رأيت منهن اثنتين: رجلاً غضب فقتل أُمه, ورجلاً عشق فتنصّر, وكان بعض السلف يطوف بالبيت فنظر إلى امرأةٍ جميلة فمشى إلى جانبها ثم قال:
                          أهوى هوى الدِّين واللذّاتُ تعجبني ************** فكيف لي بهوى اللذّاتِ والدين

                          فقالت: دع أحدهما تَلْ الاخر.

                          الخامس والثلاثون : أن من نصر هواه فسد عقلُه ورأيه, لأنه قد خان الله في عقله فأفسده عليه, وهذا شأنُه سبحانه وتعالى في كل من خانه في أمر من الأمور, فإنه يفسده عليه.

                          وقال المعتصم يومًا لبعض أصحابه: يا فلان إذا نُصر اله لا يقول لشيخنا: إذا خان الرجلُ في نقد الدراهم سلبه الله معرفة النقد-أوقال نَسِيَه-, فقال الشيخ: هكذا من خان الله تعالى ورسوله في مسائل العلم

                          السادس والثلاثون : أن من فسح لنفسه في اتباع الهوى ضيَّق عليها في قبرها ويوم مَعاده, ومن ضيقّ عليها بمخالفة الهوى وسّع عليها في قبره ومعاده وقد أشار الله تعالى إلى هذا في قوله{ وجزَاهم بِما صَبَرُوا جَنّةً وَحَرِيراً } 1. فلما كان في الصبر الذي هو حبسُ النفس عن الهوى خشونةٌ وتضييقٌ, جازاهم على ذلك نعومة الحرير وسعة الجنة. وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى في هذه الاية: جزاهم بما صبروا عن الشهوات.

                          السابع والثلاثون : أن اتّباع الهوى يصرع العبدَ عن النهوض يوم القيامة عن السعي مع الناجين,كما صرع قلبَه في الدُّنيا عن مرافقتهم. قال محمد بن أبي الورد: إن لله عزَّوجلَّ يومًا لا ينجو من شرّه منقادٌ لهواه, وإن أبطأ الصَّرْعَى نهضةً يوم القيامة صريعُ شهوته, وإن العقول لما جرت في ميادين الطلب كان أوفرُها حظًا من يطلبها بقدر ما صحبه من الصبر. والعقل مَعْدِن, والكفر مُعَوّل.

                          1: كذا وردت وربما يكون الصواب {ثم}
                          2: التخليط : الغضطراب.
                          3: الحمية: الامتناع عن الضار.
                          4 لهج بالشيء : ولع به واغرى به وثابر عليه
                          5: الإنسان


                          يُتْبَعْ إنْشَاء الله تعالى

                          تعليق


                          • #14
                            أقوال في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى

                            الثامن والثلاثون: أن اتباع الهوى يَحُلُّ العزائم ويوهنها, ومخالفته تشدّها وتقوّيها. والعزائم هي مركبُ العبد الذي يسيّره إلى الله والدَّار الاخرة, فمتى تعطّل المركوبُ أوشك أن ينقطع المسافر. قيل ليحي بن مُعاذ: مَن أصحُّ الناس عزماً ؟ قال: الغالب لهواه. ودخل خلف بن خليفة عَلَى سليمان بن حبيب بن المهلب وعنده جاريةٌ يقال لها البدر من أحسن الناس وجهاً, فقال له سليمان: كيف ترى هذه الجارية؟ فقال: أصلح الله الأمير ما رأت عيناي أحسنَ منها قطُّ ,فقال له: خذ بيدها , فقال: ما كنت لأفجع الأمير بها وقد رأيت شدّة عجبه بها, فقال: ويحك خذها عَلَى شدّة عجبي بها ليعلم هواي أني له غالب, وأخذ بيدها وخرج وهو يقول:
                            لقد حباني وأعطاني وفضَّلني ****** عن غير مسألةٍ منه سليمانُ
                            أعطاني البدرَ خَوْدَاً1في محاسنها**** والبدرُ لم يُعْطه إنسٌ ولا جانُ
                            ولست يوماً بناسٍ فضلَه أبداً******** حتى يغّيبِني لحدُ وأكفانُ

                            التاسع والثلاثون: أن مثلَ راكب الهوى كمثل راكب فرسٍ حديدٍ صعبٍ جموح لا لجام له فيوشك أن يصرعَه فرسُه في خلال جَرْيه به أو يسيرَ به إلى مَهْلَكٍ.قال بعض العارفين: أسرعُ المطايا إلى الجنة الزهدُ في الدُّنيا, وأسرعُ المطايا إلى النار حبُّ الشهوات, وعَلَى متن هواه أسرع به إلى وادي الهلَكات. وقال اخر: أشرف العلماء من هرب بدينه من الدُّنيا, واستصعب قياده على الهوى .وقال عطاء: من غلب هواه عقلَه وجزعُه صبرَه افتضح.

                            الأربعون:أن التوحيد واتباع الهوى متضادّان, فإن الهوى صنم ولكل عبدٍ صنمٌ في قلبه بحسب هواه.وإنما بعث اللهُ رسلَه بكسر الأصنام وعبادته وحدَه لا شريك له, وليس مرادُ الله سبحانه كسرَ الأصنام المجسَّدة وترك الأصنام التي في القلب, بل المراد كسرُها من القلب أوَّلاً.قال الحسن بن علي المطَّوِّعي: صنمُ كلّ إنسان هواه, فمن كسره بالمخالفة استحقّ اسمَ الفُتُوَّة.وتأمَّل قول الخليل صلى الله عليه وسلم لقومه: { ما هذِهِ التَّمَاثيلُ الَّتِي أنتُمْ لهَا عاكِفُونَ } 2كيف تجده مطابقاً للتماثيل التي يهواها القلبُ ويعكِفُ عليها ويعبُدها من دون الله, قال الله تعالى{ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ أفَأنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً. أَمْ تَحْسَبُ أنَّ أكثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلُونَ إن هُمْ إلا كالأنعامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ سَبِيلاً}3

                            الحادي والأربعون:أن مخالَةَ الهوى طْرَدَة للداء عن القلب والبدن, ومتابعتَه لَبَة لداء القلب والبدن, فأمراضُ القلب كلها من متابعة الهوى, ولو فتشت عَلى أمراض البدن لرأيت غالبَها من إيثار الهوى على ما ينبغي تركُهُ.


                            الثاني والأربعون: أن أصل العداوة والشر والحسد الواقع بين الناس من اتباع الهوى, فمن خالف هواه أراح قلبَه وبدَنَه وجوارحَه فاستراح وأراح.قال أبو بكر الورذاق: إذا غلب الهوى أظلم القلب, وإذا أظلم ضاق الصدر, وإذا ضاق الصدر ساء الخُلُق , وإذا ساء الخلقُ أبغضه الخلق وابغضهم, فانظر ماذا يتولد من التباغض من الشرّ والعداوة وترك الحقوق وغيرها.

                            الثالث والأربعون : أن الله سبحانه وتعالى جعل في العبد هوىً وعقلا فأيهما ظهر توارى الاخر. كما قال أبو علي الثقفي: من غلبه هواه توارى عنه عقلُه, فانظر عاقبة من استتر عنه عقلُه وظهر عليه خلافه. وقال علي بن سهل رحمه الله: العقل والهوى يتنازعان, فالتوفيقُ قرينُ العقل, والخذلان قرينُ الهوى , والنفس واقفةٌ بينهما, فأيهما غلب كانت النفس سعه.


                            1- الخود: الشابة اللنة الناعمة الملساء
                            2- الانبياء
                            3- الفرقان

                            يُتْبَعْ إنْشَاء الله تعالى

                            تعليق


                            • #15
                              الثاني والأربعون: أن أصل العداوة والشر والحسد الواقع بين الناس من اتباع الهوى, فمن خالف هواه أراح قلبَه وبدنَه وجوارحَه فاستراح وأراح .قال أبو بكر الورّاق: إذا غلب الهوى أظلم القلب, وإذا أظلم ضاق الصدر, وإذا ضاق الصدر ساء الخُلُق,وإذا ساء الخلقُ أبغضه الخلق وأبغضهم, فانظر ماذا يتولد من التباغض من الشرّ والعداوة وترك الحقوق وغيرها.

                              الثالث والأربعون: أن الله سبحانه وتعالى جعل في العبد هوىً وعقلاً فأيهما ظهر توارى الاخر, كما قال أبو علي الثقفي: من غلبه هواه توارى عنه عقلُه, فانظر عاقبة من استتر عنه عقلُه وظهر عليه خلافه.وقال علي بن سهل رحمه الله: العقل والهوى يتنازعان, فالتوفيقُ قرينُ العقل, والخذلان قرينُ الهوى,والنفس واقفةٌ بينهما ,فأيهما غلب كانت النفس سعه.

                              الرابع والأربعون: أن الله سبحانه وتعالى جعل القلب مَلِكَ الجوارح ومعدن معرفته ومحبته وعبوديته, وامتحنه بسلطانين وجيشين وعونين وعُدَّتين فالحقُّ والزهدُ والهدى سلطانٌ,وأعوانه الملائكة وجيشُه الصدق والإخلاص ومجانبة الهوى ,والباطل سلطانٌ وأعوانُه الشياطين وجنده وعُدَّته اتَباعُ الهوى, والنفسُ واقفةٌ بين الجيشين.ولايقدم جيش الباطل على القلب إلا من ثغرتها وناحيتها, فهي تخامر على القلب وتصير مع عدوّه عليه فتكون الدائرة عليه, فهي التي تعطي عدوّها عُدَّةً من قِبَلها, وتفتح له باب المدينة فيدخل ويتملك ويقع الخذلان على القلب.

                              الخامس والأربعون: أن أعدى عدوًّ للمرء شيطانُه وهواه, وأصدق صديق له عقلُه والملك الناصح له, فإذا اتَّبع هواه أعطي بيده لعدوّه واستأسر له وأشمته به وساء صديقه ووليَّه, وهذا هو بعينه هو جَهْدُ البلاء,و دَرْكُ الشقاء, وسوء القضاء, وشماتة الأعداء.

                              السادس والأربعون:أن لكل عبدٍ بدايةً ونهايةً, فمن كانت بدايتُه اتباعَ الهوى, كانت نهايته الذلَّ والصغارَ والحرمان والبلاء المتبوع بحسب ما اتّبع من هواه, بل يصير له ذلك في نهايته عذاباً يُعَذَّب به في قلبه كما قال القائل:
                              ماربُ كانت في الشباب لأهلها ***** عِذاباً فصارت في المشيب عذابا
                              فلو تأَمَّلت حال كلّ ذي حال سيئة زرِيَّة لرأيت بدايتَه الذهابَ مع هواه وإيثاره عَلَى عقله, ومن كانت بدايتُه مخالفة هواه وطاعةَ داعي رشده كانت نهايتُه العزّ والشرف والغنى والجاه عند الله وعند الناس.قال أبو علي الدَّقاق: من ملك شهوته في حال شبيبته أعزه الله تعالى في حال كهولته.وقيل للمهلَّب بن أبي صُفْرة: بم نلتَ ما نلتَ ؟ قال: بطاعة الحزم وعصيان الهوى, فهذا في بداية الدُّنيا ونهايتها, وأما الاخرةُ فقد جعل الله سبحانه الجنة نهاية من خالف هواه, والنارَ نهاية من اتبع هواه.



                              يُتبع إنشاء الله

                              تعليق

                              يعمل...
                              X