أُنظركيف يعلو الظلام الوجوه ؟؟؟
عقوبات المعاصي
للامام ابن القيم رحمه الله
وقد ذكر
الإمام ابن القيم (رحمه الله ) أكثر من ستين عقوبة من عقوبات المعاصي في كتابه القيم " الداء والدواء "
لأن من عقوبات المعاصي الخذلان لغيرها من ارتكاب المناهي؛
فصل
في بيان عقوبات المعاصي
ومن عقوباتها أنها تعمي بصر القلب وتطمس نوره وتسد طرق العلم وتحجب مواد الهداية
وقد قال مالك للشافعي رحمهما الله تعالى لما اجتمع به ورأى تلك المخايل
{إني أرى الله تعالى قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمه المعصية}
ولا يزال هذا النور يضعف ويضمحل وظلام المعصية يقوى حتى يصير القلب في مثل الليل البهيم فكم من مهلك يسقط فيه وهو لا يبصر كأعمى خرج بالليل في طريق ذات مهالك ومعاطب فيا عزة السلامة وياسرة العطب ثم تقوى تلك الظلمات وتفيض من القلب إلى الجوارح فيغشى الوجه منها سواد بحسب قوتها وتزايدها
فاذا كانت عند الموت ظهرت في البرزخ فامتلأ القبر ظلمة كما قال النبي ان هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة وإن الله ينورها بصلاتي عليهم فاذا كان يوم المعاد وحشر العباد وعلت الظلمة الوجوه علوا ظاهرا يراه كل أحد حتى
يصير الوجه أسود مثل 00 فيالها من عقوبة لا توازن لذات الدنيا بأجمعها من أولها الى آخرها فكيف يقسط العبد المنغص المنكد المتعب في زمن انما هو ساعة من حلم والله المستعان
ومن عقوبات المعاصي على القلب أنها تعميه فلا يدرك الحق كما ينبغي ، وتضعف قوته وعزيمته فلا يصبر عليه ...
قال ابن القيم رحمه اللَّه : ( فمعلوم أن المعاصي والذنوب تعمي بصيرة القلب فلا يدرك الحق كما ينبغي ، وتضعف قوته وعزيمته ، فلا يصبر عليه، بل قد تتوارد على القلب حتى ينعكس إدراكه كما ينعكس سيره. فيدرك الباطل حقاً والحق باطلاً، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً ،
فينتكس في سيره ويرجع عن سفره إلى اللَّه والدار الآخرة إلى سفره إلى مستقر النفوس المبطلة، التي رضيت بالحياة الدنيا واطمأنت بها، وغفلت عن اللَّه وآياته ، وتركت الاستعداد للقائه ، ولو لم يكن في عقوبة الذنوب إلاَّ هذه وحدها لكانت كافية داعية إلى تركها والبعد منها ، واللَّه المستعان .
وهذا كما أن الطاعة تنور القلب وتجلوه وتصقله ، وتقويه وتثبته ، حتى يصير كالمرآة المجلوة في جلائها وصفائها فيتلألأ نوراً ، فإذا دنا الشيطان منه أصابه من نوره ما يصيب مسترق السمع من الشهب الثواقب فالشيطان يفرق من هذا القلب أشد من فرق الذئب من الأسد . أفيستوي هذا القلب وقلب مظلمة أرجاؤه ، مختلفة أهواؤه ، قد اتخذه الشيطان وطنه، وأعده مسكنه ، إذا تصبح بطلعته حياه ، وقال : فديت من قرين لا يفلح في دنياه ولا في أخراه)(1) .
(11) وقال ابن القيم رحمه اللَّه في موضع آخر : (
و من عقوبات المعاصي جعل القلب أعمى أصم أبكم ومنها الخسف بالقلب
كما يخسف بالمكان وما فيه فيخسف به إلى أسفل سافلين وصاحبه لا يشعر وعلامة الخسف به أنه لا يزال جوالا حول السفليات والقاذورات والراذائل كما أن القلب الذى رفعه الله وقربه إليه لا يزال جوالا حول البر والخير ومعالي الأمور والأعمال والأقوال والأخلاق قال بعض السلف إن هذه القلوب جوالة فم4نها ما يجول حول العرش ومنها ما يجول حول الحشر ومنها مسخ القلب فيمسخ كما تمسخ الصورة فيصير القلب على قلب الحيوان الذي شابهه في أخلاقه وأعماله وطبيعته فمن القلوب ما يمسخ على قلب خنزير لشدة شبه صاحبه به ومنها ما يمسخ على خلق كلب أو حمار أو حية أو عقرب وغير ذلك وهذا تأويل سفيان بن عيينة فى قوله تعالى وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم قال منهم من يكون على أخلاق السباع العادية ومنهم من يكون على أخلاق الكلاب وأخلاق الخنازير وأخلاق الحمير ومنهم من يتطوس في ثيابه لحما بتطوس الطاووس فى ريشه ومنهم من يكون بليد كالحمار ومنهم من يؤثر على نفسه كالديك ومنهم من يألف ويؤلف كالحمام ومنهم الحقود
وإن من عقوبات المعاصي أن يزين للعبد عمله السيئ ، نسأل الله أن يكفينا شر النفس والشيطان
**********
حديث عظيم في
عقوبات المعاصي في صحيح البخاري7134
قال الامام البخاري رحمه الله ـ حَدَّثَنِي مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو هِشَامٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ " هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا ". قَالَ فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ " إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ. وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ، فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى. قَالَ قُلْتُ لَهُمَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ قَالَ قَالاَ لِي انْطَلِقْ ـ قَالَ ـ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّىْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ ـ قَالَ وَرُبَّمَا قَالَ أَبُو رَجَاءٍ فَيَشُقُّ ـ قَالَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى. قَالَ قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ قَالَ قَالاَ لِي انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ ـ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ـ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ ـ قَالَ ـ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا ـ قَالَ ـ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاَءِ قَالَ قَالاَ لِي انْطَلِقِ انْطَلِقْ. قَالَ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ ـ حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ـ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا ـ قَالَ ـ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَانِ قَالَ قَالاَ لِي انْطَلِقِ انْطَلِقْ. قَالَ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلاً مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا ـ قَالَ ـ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا قَالَ قَالاَ لِي انْطَلِقِ انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَىِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ ـ قَالَ ـ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا مَا هَؤُلاَءِ قَالَ قَالاَ لِي انْطَلِقِ انْطَلِقْ. ـ قَالَ ـ فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلاَ أَحْسَنَ. ـ قَالَ ـ قَالاَ لِي ارْقَ فِيهَا. قَالَ فَارْتَقَيْنَا فِيهَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأَتَيْنَا باب الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ ـ قَالَ ـ قَالاَ لَهُمُ اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ. قَالَ وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ ـ قَالَ ـ قَالاَ لِي هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ. قَالَ فَسَمَا بَصَرِي صُعُدًا، فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ ـ قَالَ ـ قَالاَ هَذَاكَ مَنْزِلُكَ. قَالَ قُلْتُ لَهُمَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا، ذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ. قَالاَ أَمَّا الآنَ فَلاَ وَأَنْتَ دَاخِلُهُ.
قَالَ قُلْتُ لَهُمَا فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ قَالَ قَالاَ لِي أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ،
أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ،
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ،
وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا،
وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ،
وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم
وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ".
قَالَ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ.
وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا وَشَطَرٌ مِنْهُمْ قَبِيحًا، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ ".
*******
فائدتان عظيمتان في إيقاع الخلق في الذنوب أحياناً
________________________________________
قال ابن رجب رحمه الله :
فائدتان عظيمتان في إيقاع الخلق في الذنوب أحياناً:
إحداهما:
اعتراف المذنبين بذنوبهم وتقصيرهم في حق مولاهم وتنكيس رؤوس عُجبهم،وهذا أحبُّ إلى الله من فعل كثيرٍ من الطاعات فإنَّ دوام الطاعات قد توجب لصاحبها العُجب.
وفي الحديث: لو لم تذنبوا لخشيتُ عليكم ماهو أشدُّ من ذلك العُجب.
قال الحسن: لو أنَّ ابن آدم كلما قال أصاب وكلما عمل أحسن أوشك أن يَجنِ من العُجب.قال بعضهم: ذنبٌ أفتقر به إليه أحبُّ إليَّ من طاعةٍ أدلُّ بها عليه.
أنين المذنبين أحبُّ إليه من زجل المسبِّحين لأنَّ زجل المسبِّحين ربما شابه الافتخار وأنين المذنبين يزيِّنُه الانكسار والافتقار.
في حديث: إنَّ الله لينفع العبد بالذنب يذنبه،
قال الحسن: إنَّ العبد ليعمل الذنب فلا ينساه ولايزال متخوفاً منه حتى يدخل الجنة، المقصود من زلل المؤمن ندمه، ومن تفريطه أسفه، ومن اعوجاجه تقويمه، ومن تأخره تقديمه، ومن زلقه في هُوَّةِ الهوى أن يُؤخذ بيده فيَنجَى إلى نجوة النجاة.
قُرَّةُ عيني لابُدَّ لي منك وإن ... أوحش بيني وبينك الزلل
قُرَّةُ عيني أنا الغريق فَخُـذ ...كفَّ غريقٍ عليك يتَّكِـلُ
الثانية:
حصول المغفرة والعفو من الله لعبده فإنَّ الله يحبُّ أن يعفو ويغفر، ومن أسمائه الغفَّار والعفوّ والتوَّاب، فلو عَصَمَ الخلق فلمن كان العفو والمغفرة؟
قال بعض السلف: أوَّل ما خلق الله القلم كتب إني أنا التوَّاب أتوب على من تاب.
قال أبو الجلد: قال رجلٌ من العاملين لله بالطاعة: اللهم أصلحني صلاحاً لافساد عليَّ بعده.فأوحى الله إليه أنَّ عبادي المؤمنين كلهم يسألوني مثلَ ما سألت فإذا أصلحتُ عبادي كلهم فعلى من أتفضَّلُ وعلى من أعود بمغفرتي؟!
كان بعض السلف يقول: لو أعلم أحب الأعمال إلى الله لأجهدتُ نفسي فيها.فرأى في منامه قائلاً يقول له: إنَّك تريد ما لا يكون، إنَّ الله يحبُّ أن يغفر. قال يحيى بن معاذ: لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه لم يَبتَلِ بالذنب أكرم الخلق عليه.
يـاربُّ أنت رجائي ... وفيك حسَّنتُ ظنِّـي
يـاربُّ فاغفر ذنوبي ... وعافني واعفُ عنِّـي
العفـوُ منك إلهـي ... والذنبُ قد جاءَ منِّـي
والظنُّ فيك جميـلٌ ... حقِّـق بحقك ظنِّـي
المصدر: لطائف المعارف لابن رجب الجنبلي - رحمه الله - ص:24،23
عقوبات المعاصي
للامام ابن القيم رحمه الله
وقد ذكر
الإمام ابن القيم (رحمه الله ) أكثر من ستين عقوبة من عقوبات المعاصي في كتابه القيم " الداء والدواء "
لأن من عقوبات المعاصي الخذلان لغيرها من ارتكاب المناهي؛
فصل
في بيان عقوبات المعاصي
ومن عقوباتها أنها تعمي بصر القلب وتطمس نوره وتسد طرق العلم وتحجب مواد الهداية
وقد قال مالك للشافعي رحمهما الله تعالى لما اجتمع به ورأى تلك المخايل
{إني أرى الله تعالى قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمه المعصية}
ولا يزال هذا النور يضعف ويضمحل وظلام المعصية يقوى حتى يصير القلب في مثل الليل البهيم فكم من مهلك يسقط فيه وهو لا يبصر كأعمى خرج بالليل في طريق ذات مهالك ومعاطب فيا عزة السلامة وياسرة العطب ثم تقوى تلك الظلمات وتفيض من القلب إلى الجوارح فيغشى الوجه منها سواد بحسب قوتها وتزايدها
فاذا كانت عند الموت ظهرت في البرزخ فامتلأ القبر ظلمة كما قال النبي ان هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة وإن الله ينورها بصلاتي عليهم فاذا كان يوم المعاد وحشر العباد وعلت الظلمة الوجوه علوا ظاهرا يراه كل أحد حتى
يصير الوجه أسود مثل 00 فيالها من عقوبة لا توازن لذات الدنيا بأجمعها من أولها الى آخرها فكيف يقسط العبد المنغص المنكد المتعب في زمن انما هو ساعة من حلم والله المستعان
ومن عقوبات المعاصي على القلب أنها تعميه فلا يدرك الحق كما ينبغي ، وتضعف قوته وعزيمته فلا يصبر عليه ...
قال ابن القيم رحمه اللَّه : ( فمعلوم أن المعاصي والذنوب تعمي بصيرة القلب فلا يدرك الحق كما ينبغي ، وتضعف قوته وعزيمته ، فلا يصبر عليه، بل قد تتوارد على القلب حتى ينعكس إدراكه كما ينعكس سيره. فيدرك الباطل حقاً والحق باطلاً، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً ،
فينتكس في سيره ويرجع عن سفره إلى اللَّه والدار الآخرة إلى سفره إلى مستقر النفوس المبطلة، التي رضيت بالحياة الدنيا واطمأنت بها، وغفلت عن اللَّه وآياته ، وتركت الاستعداد للقائه ، ولو لم يكن في عقوبة الذنوب إلاَّ هذه وحدها لكانت كافية داعية إلى تركها والبعد منها ، واللَّه المستعان .
وهذا كما أن الطاعة تنور القلب وتجلوه وتصقله ، وتقويه وتثبته ، حتى يصير كالمرآة المجلوة في جلائها وصفائها فيتلألأ نوراً ، فإذا دنا الشيطان منه أصابه من نوره ما يصيب مسترق السمع من الشهب الثواقب فالشيطان يفرق من هذا القلب أشد من فرق الذئب من الأسد . أفيستوي هذا القلب وقلب مظلمة أرجاؤه ، مختلفة أهواؤه ، قد اتخذه الشيطان وطنه، وأعده مسكنه ، إذا تصبح بطلعته حياه ، وقال : فديت من قرين لا يفلح في دنياه ولا في أخراه)(1) .
(11) وقال ابن القيم رحمه اللَّه في موضع آخر : (
و من عقوبات المعاصي جعل القلب أعمى أصم أبكم ومنها الخسف بالقلب
كما يخسف بالمكان وما فيه فيخسف به إلى أسفل سافلين وصاحبه لا يشعر وعلامة الخسف به أنه لا يزال جوالا حول السفليات والقاذورات والراذائل كما أن القلب الذى رفعه الله وقربه إليه لا يزال جوالا حول البر والخير ومعالي الأمور والأعمال والأقوال والأخلاق قال بعض السلف إن هذه القلوب جوالة فم4نها ما يجول حول العرش ومنها ما يجول حول الحشر ومنها مسخ القلب فيمسخ كما تمسخ الصورة فيصير القلب على قلب الحيوان الذي شابهه في أخلاقه وأعماله وطبيعته فمن القلوب ما يمسخ على قلب خنزير لشدة شبه صاحبه به ومنها ما يمسخ على خلق كلب أو حمار أو حية أو عقرب وغير ذلك وهذا تأويل سفيان بن عيينة فى قوله تعالى وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم قال منهم من يكون على أخلاق السباع العادية ومنهم من يكون على أخلاق الكلاب وأخلاق الخنازير وأخلاق الحمير ومنهم من يتطوس في ثيابه لحما بتطوس الطاووس فى ريشه ومنهم من يكون بليد كالحمار ومنهم من يؤثر على نفسه كالديك ومنهم من يألف ويؤلف كالحمام ومنهم الحقود
وإن من عقوبات المعاصي أن يزين للعبد عمله السيئ ، نسأل الله أن يكفينا شر النفس والشيطان
**********
حديث عظيم في
عقوبات المعاصي في صحيح البخاري7134
قال الامام البخاري رحمه الله ـ حَدَّثَنِي مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو هِشَامٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ " هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا ". قَالَ فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ " إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ. وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ، فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى. قَالَ قُلْتُ لَهُمَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ قَالَ قَالاَ لِي انْطَلِقْ ـ قَالَ ـ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّىْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ ـ قَالَ وَرُبَّمَا قَالَ أَبُو رَجَاءٍ فَيَشُقُّ ـ قَالَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى. قَالَ قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ قَالَ قَالاَ لِي انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ ـ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ـ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ ـ قَالَ ـ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا ـ قَالَ ـ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاَءِ قَالَ قَالاَ لِي انْطَلِقِ انْطَلِقْ. قَالَ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ ـ حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ـ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا ـ قَالَ ـ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَانِ قَالَ قَالاَ لِي انْطَلِقِ انْطَلِقْ. قَالَ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلاً مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا ـ قَالَ ـ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا قَالَ قَالاَ لِي انْطَلِقِ انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَىِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ ـ قَالَ ـ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا مَا هَؤُلاَءِ قَالَ قَالاَ لِي انْطَلِقِ انْطَلِقْ. ـ قَالَ ـ فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلاَ أَحْسَنَ. ـ قَالَ ـ قَالاَ لِي ارْقَ فِيهَا. قَالَ فَارْتَقَيْنَا فِيهَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأَتَيْنَا باب الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ ـ قَالَ ـ قَالاَ لَهُمُ اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ. قَالَ وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ ـ قَالَ ـ قَالاَ لِي هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ. قَالَ فَسَمَا بَصَرِي صُعُدًا، فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ ـ قَالَ ـ قَالاَ هَذَاكَ مَنْزِلُكَ. قَالَ قُلْتُ لَهُمَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا، ذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ. قَالاَ أَمَّا الآنَ فَلاَ وَأَنْتَ دَاخِلُهُ.
قَالَ قُلْتُ لَهُمَا فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ قَالَ قَالاَ لِي أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ،
أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ،
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ،
وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا،
وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ،
وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم
وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ".
قَالَ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ.
وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا وَشَطَرٌ مِنْهُمْ قَبِيحًا، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ ".
*******
فائدتان عظيمتان في إيقاع الخلق في الذنوب أحياناً
________________________________________
قال ابن رجب رحمه الله :
فائدتان عظيمتان في إيقاع الخلق في الذنوب أحياناً:
إحداهما:
اعتراف المذنبين بذنوبهم وتقصيرهم في حق مولاهم وتنكيس رؤوس عُجبهم،وهذا أحبُّ إلى الله من فعل كثيرٍ من الطاعات فإنَّ دوام الطاعات قد توجب لصاحبها العُجب.
وفي الحديث: لو لم تذنبوا لخشيتُ عليكم ماهو أشدُّ من ذلك العُجب.
قال الحسن: لو أنَّ ابن آدم كلما قال أصاب وكلما عمل أحسن أوشك أن يَجنِ من العُجب.قال بعضهم: ذنبٌ أفتقر به إليه أحبُّ إليَّ من طاعةٍ أدلُّ بها عليه.
أنين المذنبين أحبُّ إليه من زجل المسبِّحين لأنَّ زجل المسبِّحين ربما شابه الافتخار وأنين المذنبين يزيِّنُه الانكسار والافتقار.
في حديث: إنَّ الله لينفع العبد بالذنب يذنبه،
قال الحسن: إنَّ العبد ليعمل الذنب فلا ينساه ولايزال متخوفاً منه حتى يدخل الجنة، المقصود من زلل المؤمن ندمه، ومن تفريطه أسفه، ومن اعوجاجه تقويمه، ومن تأخره تقديمه، ومن زلقه في هُوَّةِ الهوى أن يُؤخذ بيده فيَنجَى إلى نجوة النجاة.
قُرَّةُ عيني لابُدَّ لي منك وإن ... أوحش بيني وبينك الزلل
قُرَّةُ عيني أنا الغريق فَخُـذ ...كفَّ غريقٍ عليك يتَّكِـلُ
الثانية:
حصول المغفرة والعفو من الله لعبده فإنَّ الله يحبُّ أن يعفو ويغفر، ومن أسمائه الغفَّار والعفوّ والتوَّاب، فلو عَصَمَ الخلق فلمن كان العفو والمغفرة؟
قال بعض السلف: أوَّل ما خلق الله القلم كتب إني أنا التوَّاب أتوب على من تاب.
قال أبو الجلد: قال رجلٌ من العاملين لله بالطاعة: اللهم أصلحني صلاحاً لافساد عليَّ بعده.فأوحى الله إليه أنَّ عبادي المؤمنين كلهم يسألوني مثلَ ما سألت فإذا أصلحتُ عبادي كلهم فعلى من أتفضَّلُ وعلى من أعود بمغفرتي؟!
كان بعض السلف يقول: لو أعلم أحب الأعمال إلى الله لأجهدتُ نفسي فيها.فرأى في منامه قائلاً يقول له: إنَّك تريد ما لا يكون، إنَّ الله يحبُّ أن يغفر. قال يحيى بن معاذ: لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه لم يَبتَلِ بالذنب أكرم الخلق عليه.
يـاربُّ أنت رجائي ... وفيك حسَّنتُ ظنِّـي
يـاربُّ فاغفر ذنوبي ... وعافني واعفُ عنِّـي
العفـوُ منك إلهـي ... والذنبُ قد جاءَ منِّـي
والظنُّ فيك جميـلٌ ... حقِّـق بحقك ظنِّـي
المصدر: لطائف المعارف لابن رجب الجنبلي - رحمه الله - ص:24،23
تعليق