تويت
(( تفريغ خطبة بعنوان : [ فضائل الجمعة ] للشيخ الفاضل أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد العديني ـ حفظه الله ـ ))
بسم الله الرحمن الرحيم
تفريغ خطبة جمعة بعنوان :
فضائل الجمعة
للشيخ الفاضل
أبي عبد الرحمن
الخليل بن أحمد العمراني العديني ــ حفظه الله تعالى ــ
_____________________________
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾[ آل عمران 102 ]
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾[ النساء 1 ]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [ الأحزاب 70,71 ]
أما بعد :
فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلاله
يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[ الجمعة 9-10 ]
معاشر أهل الإسلام إن الله عز وجل قد امتن على هذه الأمة بيوم الجمعة
واختصها بهذا اليوم العظيم من بين سائر الأمم
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ نحن الأخرون السابقون يوم القيامة ] أي الأخرون في الزمن السابقون إلى الجنة
[ نحن الأخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا فهذا يومهم الذي افترض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد ].
فهو من الخصائص العظيمة التي اختص الله عز وجل بها هذه الأمة وامتن به عليها.
وقد كان هذا اليوم العظيم يسمى في الجاهلية بيوم العروبة فلما جاء الإسلام سمي بيوم الجمعة لاجتماع الناس فيه يجتمعون إلى المساجد الجامعة لأداء الصلاة وللاستماع لذكر الله عز وجل ولإحياء هذه الشعيرة العظيمة.
معاشر المسلمين إن يوم الجمعة يوم عظيم وهو أفضل أيام الأسبوع وقد روى الإمام أحمد و مالك من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ـ وأصله في صحيح مسلم ـ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : [ خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ـ أو قال: وفيه أهبط منها ـ وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة قال: وما من دابة إلا وتصبح مصيخة يوم الجمعة حتى تطلع الشمس شفقا من أن تقوم الساعة قال: وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ].
هكذا ينص النبي عليه الصلاة والسلام على أن يوم الجمعة خير الأيام فهو خير أيام الأسبوع على الإطلاق وهو عيد من أعياد المسلمين ولهذا لما اجتمع في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام يوم الفطر ويوم الجمعة في يوم واحد قال: قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فهو عيد من أعياد المسلمين وهو من خير الأيام.
روى الإمام أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث أوس بن أوس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ قال: فإن صلاتكم معروضة عليَّ» قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ أو وقد بليت؟ ـ يعني قد أكلت الأرض لحمه وعظامه عليه الصلاة والسلام ـ قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»
هكذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام من خير أيامكم يوم الجمعة
هذا اليوم العظيم معاشر المسلمين له فضائل كثيرة ولو لم يكن من تلك الفضائل إلا أنه موسم أسبوعي لتكفير الخطايا والذنوب
جاء في "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: [ الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر].
ومن فضائله أيضا أن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه كما سمعتم في حديث أبي هريرة وجاء تحديد تلك الساعة في حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه عند الإمام أبي داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ يوم لجمعة ثنتي عشرة ساعة فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه قال: وهي آخر ساعة بعد العصر ] أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
ويشهد له أيضا ما جاء عند الإمام مالك وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه لقي عبد الله بن سلام فحدثه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة الجمعة فقال عبد الله ابن سلام رضي الله تعالى عنه وأرضاه: إني لأعلم أي ساعة هي؟ قال أبو هريرة: أخبرني بها ولا تضن علي ـ أي لا تبخل علي ـ قال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة بعد العصر أو قال: قبل المغرب. فقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: كيف تكون آخر ساعة بعد العصر والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله شيئا» وتلك الساعة ليست بساعة صلاة؟ فقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة؟ قال أبو هريرة بلى. قال: فهو ذاك.
ومعنى هذا ان المسلم إذا دخل إلى المسجد وصلى تحية المسجد ثم قعد في مكانه قبل المغرب يدعو الله عز وجل في آخر ساعة من الجمعة فهو في مجلسه ذلك لا يزال في صلاة ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: «ولا يزال احدكم في صلاة ما انتظر الصلاة»
هكذا معاشر المسلمين فلا ينبغي أن نفرط في ساعة الجمعة التي هي آخر ساعة قبل المغرب يدعوا المسلم فيها ربه تبارك وتعالى بما شاء من خير الدنيا والآخرة وهذه من الفضائل العظيمة التي اختص الله عز وجل بها يوم الجمعة هذا اليوم العظيم.
معاشر المسلمين إن للجمعة أحكاما وآدابا ينبغي للمسلم أن يحرص عليها:
فمن ذلك التبكير للجمعة التبكير إلى بيوت الله يوم الجمعة وعلى قدر تبكيرك تؤجر ولهذا جاء في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة قال فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر»
وفي رواية للإمام البخاري: «إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على باب المسجد أو قال على أبواب المسجد يكتبون الأول فلأول قال فإذا حضر الإمام طووا صحفهم وقعدوا يستمعون الذكر»
فعلى قدر تبكير الشخص يؤجر وقوله عليه الصلاة والسلام فكأنما قرب بدنة فكأنما قرب بقرة إلى آخره ...... أي كأنما تصدق بها متقربا إلى الله سبحانه وتعالى كأنما تصدق بهذا القدر متقربا إلى الله عز وجل.
فالحرص الحرص على التبكير إلى الجمعة وإلى المساجد في يوم الجمعة
كذلك أيضا يجب على الشخص أن يغتسل في يوم الجمعة لقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في "الصحيحين" من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم»
وفي حديث ابن عمر في "الصحيحين" «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل»
وهكذا يستحب له أن يمس من الطيب وأن يتسوك يوم الجمعة وأن يلبس أحسن الثياب فقد جاء عند الإمام البخاري من حديث سلمان الفارسي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يأتي إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينها وبين الجمعة الأخرى»
تأمل هذه الفضيلة العظيمة التي ينالها من يفعل ذلك
وأما لبس أحسن ما يجد فقد بوب الإمام البخاري في كتاب الجمعة من "صحيحه" باب يلبس أحسن ما يجد من الثياب ثم ذكر حديث عبد الله ابن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد فقال: «يا رسول الله لو اشتريت هذه الحلة تلبسها في الجمعة أو قال للجمعة وللوفد إذا قدموا عليك»
قال أهل العلم: دل ذلك على أنه كان متقررا عند الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أن المسلم يلبس يوم الجمعة أحسن ما يجد من الثياب.
معاشر المسلمين إن للجمعة آدابا عظيمة وأحكاما عظيمة فينبغي للمسلم أن يتعلمها وأن يهتم بهذه الشعيرة العظيمة وأن يبادر إليها فهي كما سمعتم موسم عظيم من مواسم تكفير السيئات والذنوب وتكفير الخطايا.
ومما ينبه عليه أيضا: أن البعض من الناس يفسد أجر جمعته بكلامه مع أخيه والإمام يخطب أو بعبثه بأي شيء ولهذا جاء في "صحيح الإمام مسلم" من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء ثم جاء إلى المسجد فلم يفرق بين اثنين قال ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينها وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام قال: ومن مس الحصى فقد لغا» أي الذي يعبث بالحصى أو يعبث بأي شيء فإنه يلغُوا أي يذهب عليه أجر جمعته.
وجاء في حديث أبي هريرة في "الصحيحين" «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام بخطب أنصت فقد لغوت» بمجرد أن تقول لمن بجوارك أنصت فقد لغوت.
وهكذا أيضا بعض الناس ربما يدخل من باب المسجد فيسلم و يرد الآخر السلام وهذا غير مشروع في يوم الجمعة لأنه في رده السلام قد تخاطب معه ويذهب عليه أجر جمعته فالمطلوب هو الاستماع والانصات ممن كان حاضرا ومن جاء إلى المسجد والإمام يخطب يسن له ويستحب له أن يصلي ركعتين ويخفف فيهما ثم يقعد يستمع إلى الخطبة.
معاشر المسلمين إن أحكام الجمعة أحكام كثيرة وهذه التي ذُكرت إنما هي بعض منها
والحمد لله .
تفريغ خطبة جمعة بعنوان :
فضائل الجمعة
للشيخ الفاضل
أبي عبد الرحمن
الخليل بن أحمد العمراني العديني ــ حفظه الله تعالى ــ
_____________________________
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾[ آل عمران 102 ]
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾[ النساء 1 ]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [ الأحزاب 70,71 ]
أما بعد :
فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلاله
يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[ الجمعة 9-10 ]
معاشر أهل الإسلام إن الله عز وجل قد امتن على هذه الأمة بيوم الجمعة
واختصها بهذا اليوم العظيم من بين سائر الأمم
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ نحن الأخرون السابقون يوم القيامة ] أي الأخرون في الزمن السابقون إلى الجنة
[ نحن الأخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا فهذا يومهم الذي افترض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد ].
فهو من الخصائص العظيمة التي اختص الله عز وجل بها هذه الأمة وامتن به عليها.
وقد كان هذا اليوم العظيم يسمى في الجاهلية بيوم العروبة فلما جاء الإسلام سمي بيوم الجمعة لاجتماع الناس فيه يجتمعون إلى المساجد الجامعة لأداء الصلاة وللاستماع لذكر الله عز وجل ولإحياء هذه الشعيرة العظيمة.
معاشر المسلمين إن يوم الجمعة يوم عظيم وهو أفضل أيام الأسبوع وقد روى الإمام أحمد و مالك من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ـ وأصله في صحيح مسلم ـ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : [ خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ـ أو قال: وفيه أهبط منها ـ وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة قال: وما من دابة إلا وتصبح مصيخة يوم الجمعة حتى تطلع الشمس شفقا من أن تقوم الساعة قال: وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ].
هكذا ينص النبي عليه الصلاة والسلام على أن يوم الجمعة خير الأيام فهو خير أيام الأسبوع على الإطلاق وهو عيد من أعياد المسلمين ولهذا لما اجتمع في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام يوم الفطر ويوم الجمعة في يوم واحد قال: قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فهو عيد من أعياد المسلمين وهو من خير الأيام.
روى الإمام أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث أوس بن أوس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ قال: فإن صلاتكم معروضة عليَّ» قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ أو وقد بليت؟ ـ يعني قد أكلت الأرض لحمه وعظامه عليه الصلاة والسلام ـ قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»
هكذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام من خير أيامكم يوم الجمعة
هذا اليوم العظيم معاشر المسلمين له فضائل كثيرة ولو لم يكن من تلك الفضائل إلا أنه موسم أسبوعي لتكفير الخطايا والذنوب
جاء في "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: [ الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر].
ومن فضائله أيضا أن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه كما سمعتم في حديث أبي هريرة وجاء تحديد تلك الساعة في حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه عند الإمام أبي داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ يوم لجمعة ثنتي عشرة ساعة فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه قال: وهي آخر ساعة بعد العصر ] أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
ويشهد له أيضا ما جاء عند الإمام مالك وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه لقي عبد الله بن سلام فحدثه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة الجمعة فقال عبد الله ابن سلام رضي الله تعالى عنه وأرضاه: إني لأعلم أي ساعة هي؟ قال أبو هريرة: أخبرني بها ولا تضن علي ـ أي لا تبخل علي ـ قال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة بعد العصر أو قال: قبل المغرب. فقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: كيف تكون آخر ساعة بعد العصر والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله شيئا» وتلك الساعة ليست بساعة صلاة؟ فقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة؟ قال أبو هريرة بلى. قال: فهو ذاك.
ومعنى هذا ان المسلم إذا دخل إلى المسجد وصلى تحية المسجد ثم قعد في مكانه قبل المغرب يدعو الله عز وجل في آخر ساعة من الجمعة فهو في مجلسه ذلك لا يزال في صلاة ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: «ولا يزال احدكم في صلاة ما انتظر الصلاة»
هكذا معاشر المسلمين فلا ينبغي أن نفرط في ساعة الجمعة التي هي آخر ساعة قبل المغرب يدعوا المسلم فيها ربه تبارك وتعالى بما شاء من خير الدنيا والآخرة وهذه من الفضائل العظيمة التي اختص الله عز وجل بها يوم الجمعة هذا اليوم العظيم.
معاشر المسلمين إن للجمعة أحكاما وآدابا ينبغي للمسلم أن يحرص عليها:
فمن ذلك التبكير للجمعة التبكير إلى بيوت الله يوم الجمعة وعلى قدر تبكيرك تؤجر ولهذا جاء في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة قال فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر»
وفي رواية للإمام البخاري: «إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على باب المسجد أو قال على أبواب المسجد يكتبون الأول فلأول قال فإذا حضر الإمام طووا صحفهم وقعدوا يستمعون الذكر»
فعلى قدر تبكير الشخص يؤجر وقوله عليه الصلاة والسلام فكأنما قرب بدنة فكأنما قرب بقرة إلى آخره ...... أي كأنما تصدق بها متقربا إلى الله سبحانه وتعالى كأنما تصدق بهذا القدر متقربا إلى الله عز وجل.
فالحرص الحرص على التبكير إلى الجمعة وإلى المساجد في يوم الجمعة
كذلك أيضا يجب على الشخص أن يغتسل في يوم الجمعة لقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في "الصحيحين" من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم»
وفي حديث ابن عمر في "الصحيحين" «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل»
وهكذا يستحب له أن يمس من الطيب وأن يتسوك يوم الجمعة وأن يلبس أحسن الثياب فقد جاء عند الإمام البخاري من حديث سلمان الفارسي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يأتي إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينها وبين الجمعة الأخرى»
تأمل هذه الفضيلة العظيمة التي ينالها من يفعل ذلك
وأما لبس أحسن ما يجد فقد بوب الإمام البخاري في كتاب الجمعة من "صحيحه" باب يلبس أحسن ما يجد من الثياب ثم ذكر حديث عبد الله ابن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد فقال: «يا رسول الله لو اشتريت هذه الحلة تلبسها في الجمعة أو قال للجمعة وللوفد إذا قدموا عليك»
قال أهل العلم: دل ذلك على أنه كان متقررا عند الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أن المسلم يلبس يوم الجمعة أحسن ما يجد من الثياب.
معاشر المسلمين إن للجمعة آدابا عظيمة وأحكاما عظيمة فينبغي للمسلم أن يتعلمها وأن يهتم بهذه الشعيرة العظيمة وأن يبادر إليها فهي كما سمعتم موسم عظيم من مواسم تكفير السيئات والذنوب وتكفير الخطايا.
ومما ينبه عليه أيضا: أن البعض من الناس يفسد أجر جمعته بكلامه مع أخيه والإمام يخطب أو بعبثه بأي شيء ولهذا جاء في "صحيح الإمام مسلم" من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء ثم جاء إلى المسجد فلم يفرق بين اثنين قال ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينها وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام قال: ومن مس الحصى فقد لغا» أي الذي يعبث بالحصى أو يعبث بأي شيء فإنه يلغُوا أي يذهب عليه أجر جمعته.
وجاء في حديث أبي هريرة في "الصحيحين" «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام بخطب أنصت فقد لغوت» بمجرد أن تقول لمن بجوارك أنصت فقد لغوت.
وهكذا أيضا بعض الناس ربما يدخل من باب المسجد فيسلم و يرد الآخر السلام وهذا غير مشروع في يوم الجمعة لأنه في رده السلام قد تخاطب معه ويذهب عليه أجر جمعته فالمطلوب هو الاستماع والانصات ممن كان حاضرا ومن جاء إلى المسجد والإمام يخطب يسن له ويستحب له أن يصلي ركعتين ويخفف فيهما ثم يقعد يستمع إلى الخطبة.
معاشر المسلمين إن أحكام الجمعة أحكام كثيرة وهذه التي ذُكرت إنما هي بعض منها
والحمد لله .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[ الجمعة 9 ] في هذه الآية الكريمة أن المسلم إذا سمع النداء بالجمعة فإنه يجب عليه أن يبادر إلى بيوت الله وأن يسارع إليها وان يترك كل ما بيده من الأشغال ويبادر إلى هذه الصلاة ﴿ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ﴾ والنداء يوم الجمعة كان نداء واحدا في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام ولم يكن للجمعة أذانان فقد جاء في صحيح الإمام البخاري من حديث السائب بن يزيد قال رضي الله تعالى عنه «كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر».
أي كان أول النداء وأول الأذان إذا جلس الإمام أي جلس قبل الخطبة وسلم على الناس فذلك النداء لا نداء غيره في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام وهو النداء الذي يجب به ترك كل ما بيد المسلم من الأشغال ويجب به المبادرة إلى بيوت الله عز وجل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾[ الجمعة 9 ]
وفي قوله: ﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ دليل على أن الخطبة لابد أن تشتمل على ذكر الله عز وجل بأن تشتمل على آيات من كتاب الله وأحاديث من سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
ففيه رد على أولئك الخطباء الذين يشغلون ويملؤون خطبة الجمعة بالأخبار والسياسات وينقلون مما في الصحف والمجلات وغير ذلك مما يشغلون به الناس وربما يكون الناس المستمعون أعلم بذلك الموضوع ومع ذلك يملأ ذلك الخطيب الخطبة بتلك الأخبار التي ليست من ذكر الله عز وجل تأمل هذه الآية الكريمة: ﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ ولم يقل: فاسعوا إلى سماع الأخبار ولا إلى تهييج الناس ولا إلى غير ذلك مما لا ينفعهم في دينهم وإنما السعي يكون إلى ذكر الله ولهذا ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الخطيب لو كان يتكلم بما ليس من ذكر الله عزوجل بأن كان يدعوا إلى بدع وخرافات أو يتكلم بما لا يكون من ذكر الله عز وجل ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يشرع للمستمع أن يتشاغل بذكر الله عزوجل أو بقراءة القرآن وجاء عن بعض السلف أنه فعل هذا فلما قيل له في ذلك قال: إنما أُمرنا أن نستمع إلى ذكر الله ولم نؤمر أن نستمع لهذا ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[ الجمعة 9 ]
معاشر المسلمين من تأمل في أسواق المسلمين ومحلاتهم يجد أنها عامرة في وقت صلاة الجمعة يجد أنهم لا يتركون البيع خالفوا أمر الله عز وجل فالله يقول ﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [ الجمعة 9 ] والبعض من الناس يُسَوِّلُ لهُ الشيطان أنه إذا أغلق دكانه أو محله أو أغلق متجره أنه ستذهب عليه كثير من الأرباح وسيخسر في تلك الصفقات وهذا تخويف شيطاني قال الله عز وجل ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [ البقرة 268 ] ولهذا وبخ الله عز وجل الصحابة لما جاءت تلك القافلة وكانوا مع النبي عليه الصلاة والسلام كما في "الصحيحين" من حديث جابر بن عبد الله قال: «بينما النبي عليه الصلاة والسلام يخطب إذ أقبلت عير من الشام» يعني قافلة تحمل الطعام وكان الصحابة في حال من الفقر والحاجة «فالتفتوا إلى تلك العير يشترون منها ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثني عشر رجلا قال: فأنزل الله عز وجل تلك الآيات ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾[ الجمعة 11 ]»
فيا من يتشاغل بتجارة أو يتشاغل بعمل يتكسب من خلاله في أوقات الصلوات وفي وقت صلاة الجمعة ﴿ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [ الجمعة 11 ]
معاشر المسلمين إن التخلف عن الجُمَعِ والجماعات أمر خطير عباد الله جاء في "صحيح الإمام مسلم" من حديث ابن عمر وأبي هريرة أن النبي عليه الصلاة وسلم قال: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أي عن تركهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين»
وجاء عند الإمام أبي داود وأحمد وغيرهما من حديث أبي الجعد الضمري أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «من ترك ثلاث جمع تهاونا ختم على قلبه أو قال طبع على قلبه وفي رواية وجعل قلبه قلب منافق»
وهكذا أيضا جاء في "صحيح الإمام مسلم" من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «لقد هممت أن أمر بحطب فيحتطب قال: ثم أخالف إلا أُناس لا يشهدون الجمعة ـ هكذا في حديث ابن مسعود ـ لا يشهدون الجمعة فأحرق عليهم بيوتهم»
وهذا يدل على وجوب شهود الجمعة وأن التخلف عن الجمعات أمر خطير على صاحبه ربما يصل بصاحبه إلى النفاق والعياذ بالله من ذلك.
نسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى
وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها انت وليها ومولاها
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
والحمد لله.
فرغها لكم
أبو عبد الرحمن محمد بن وازع المقداد
ــ غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين ــ
أي كان أول النداء وأول الأذان إذا جلس الإمام أي جلس قبل الخطبة وسلم على الناس فذلك النداء لا نداء غيره في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام وهو النداء الذي يجب به ترك كل ما بيد المسلم من الأشغال ويجب به المبادرة إلى بيوت الله عز وجل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾[ الجمعة 9 ]
وفي قوله: ﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ دليل على أن الخطبة لابد أن تشتمل على ذكر الله عز وجل بأن تشتمل على آيات من كتاب الله وأحاديث من سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
ففيه رد على أولئك الخطباء الذين يشغلون ويملؤون خطبة الجمعة بالأخبار والسياسات وينقلون مما في الصحف والمجلات وغير ذلك مما يشغلون به الناس وربما يكون الناس المستمعون أعلم بذلك الموضوع ومع ذلك يملأ ذلك الخطيب الخطبة بتلك الأخبار التي ليست من ذكر الله عز وجل تأمل هذه الآية الكريمة: ﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ ولم يقل: فاسعوا إلى سماع الأخبار ولا إلى تهييج الناس ولا إلى غير ذلك مما لا ينفعهم في دينهم وإنما السعي يكون إلى ذكر الله ولهذا ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الخطيب لو كان يتكلم بما ليس من ذكر الله عزوجل بأن كان يدعوا إلى بدع وخرافات أو يتكلم بما لا يكون من ذكر الله عز وجل ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يشرع للمستمع أن يتشاغل بذكر الله عزوجل أو بقراءة القرآن وجاء عن بعض السلف أنه فعل هذا فلما قيل له في ذلك قال: إنما أُمرنا أن نستمع إلى ذكر الله ولم نؤمر أن نستمع لهذا ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[ الجمعة 9 ]
معاشر المسلمين من تأمل في أسواق المسلمين ومحلاتهم يجد أنها عامرة في وقت صلاة الجمعة يجد أنهم لا يتركون البيع خالفوا أمر الله عز وجل فالله يقول ﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [ الجمعة 9 ] والبعض من الناس يُسَوِّلُ لهُ الشيطان أنه إذا أغلق دكانه أو محله أو أغلق متجره أنه ستذهب عليه كثير من الأرباح وسيخسر في تلك الصفقات وهذا تخويف شيطاني قال الله عز وجل ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [ البقرة 268 ] ولهذا وبخ الله عز وجل الصحابة لما جاءت تلك القافلة وكانوا مع النبي عليه الصلاة والسلام كما في "الصحيحين" من حديث جابر بن عبد الله قال: «بينما النبي عليه الصلاة والسلام يخطب إذ أقبلت عير من الشام» يعني قافلة تحمل الطعام وكان الصحابة في حال من الفقر والحاجة «فالتفتوا إلى تلك العير يشترون منها ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثني عشر رجلا قال: فأنزل الله عز وجل تلك الآيات ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾[ الجمعة 11 ]»
فيا من يتشاغل بتجارة أو يتشاغل بعمل يتكسب من خلاله في أوقات الصلوات وفي وقت صلاة الجمعة ﴿ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [ الجمعة 11 ]
معاشر المسلمين إن التخلف عن الجُمَعِ والجماعات أمر خطير عباد الله جاء في "صحيح الإمام مسلم" من حديث ابن عمر وأبي هريرة أن النبي عليه الصلاة وسلم قال: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أي عن تركهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين»
وجاء عند الإمام أبي داود وأحمد وغيرهما من حديث أبي الجعد الضمري أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «من ترك ثلاث جمع تهاونا ختم على قلبه أو قال طبع على قلبه وفي رواية وجعل قلبه قلب منافق»
وهكذا أيضا جاء في "صحيح الإمام مسلم" من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «لقد هممت أن أمر بحطب فيحتطب قال: ثم أخالف إلا أُناس لا يشهدون الجمعة ـ هكذا في حديث ابن مسعود ـ لا يشهدون الجمعة فأحرق عليهم بيوتهم»
وهذا يدل على وجوب شهود الجمعة وأن التخلف عن الجمعات أمر خطير على صاحبه ربما يصل بصاحبه إلى النفاق والعياذ بالله من ذلك.
نسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى
وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها انت وليها ومولاها
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
والحمد لله.
فرغها لكم
أبو عبد الرحمن محمد بن وازع المقداد
ــ غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين ــ