إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(( تفريغ خطبة جمعة بعنوان: [ الولاء والبراء ] للشيخ الفاضل أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد العديني ـ حفظه الله ـ ))

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • (( تفريغ خطبة جمعة بعنوان: [ الولاء والبراء ] للشيخ الفاضل أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد العديني ـ حفظه الله ـ ))

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تفريغ خطبة جمعة
    بعنوان :


    (( الولاء والبراء ))

    للشيخ الفاضل
    أبي عبد الرحمن
    الخليل بن أحمد العمراني العديني
    ــ حفظه الله تعالى ــ

    ______________________



    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [ آل عمران 102 ]
    ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [ النساء 1 ]
    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [ الأحزاب 70,71 ]
    أما بعد :
    فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة
    روى الإمام الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث عبد الله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ والحديث يحسنه الإمام الألباني رحمه الله ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    «أوثق عرى الإيمان أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله»
    هذا الحديث العظيم يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم أوثقَ عرى الإيمان.
    فأوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة فيه والحب في الله والبغض فيه.
    إن المؤمن ـ معاشر المسلمين ـ لابد وأن يكون في هذه الحياة الدنيا إن والى فلا يوالي إلى لله عز وجل وإن عادى فلا يعادي إلا من أجل الله تبارك وتعالى وهكذا إذا أحب أحب لله وإذا أبغض أبغض لله عزوجل.
    فإذا فعل ذلك فقد حقق أوثق عرى الإيمان وهو الموالاة في الله والمعاداة في الله.
    إن أهل الإيمان إذا حققوا هذا الأصل العظيم وهو الموالاة من أجل الله عز وجل فيكون أحدهم إذا والى لا يوالي إلا أولياء الله ومن يحبه الله عز وجل لا يوالي إلا من أجل الله تبارك وتعالى.
    وإذا عادى أحداً فلا يعادي إلا من أجل الله عز وجل فإذا حققنا أصل الموالاة لأهل الإيمان صار أهل الإيمان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
    «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»
    وصار أهل الإيمان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
    «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبك النبي عليه الصلاة والسلام بين أصابعه.
    صاروا كما قال الله عزوجل
    ﴿ وَالمُؤمِنُونَ وَالمُومِنَتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَوةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيز حَكِيُمُ ﴾ [ التوبة 71 ]
    يصير أهل الإيمان إذا حققوا الموالاة في الله عز وجل فيما بينهم يصيرون من جند الله ومن حزب الله الذين قال الله عزوجل فيهم:
    ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ َيُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَوةَ وَهُم رَكِعُون * وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزبَ اللهِ هُوُ الغَلِبُونَ ﴾ [ المائدة 55 – 56 ].
    الذين حققوا الموالاة في الله عز وجل فيما بينهم ترى الواحد منهم يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه بسبب هذا الأصل العظيم الموالاة في الله رب العالمين وقد جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام:
    «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»
    معاشر المسلمين إن من مقاصد الشريعة الإسلامية العظيمة ومن الأصول التي تكاثرت عليها الأدلة من الكتاب والسنة لهو أصلُ الولاء والبراء.
    الولاء لأهل الإيمان والبراء من أهل الكفر والنفاق والطغيان.
    هذا أصل عظيم مقرر في هذه الشريعة بأدلة كثيرة من كتاب الله ومن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
    فلا يجوز للمؤمن أن يوالي أعداء الله عز وجل ولا يجوز له أن يحبهم ولا أن يودهم ولا أن يركن إليهم قال الله في كتابه الكريم:
    ﴿ وَلاَ تَركَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَالَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِن أَولِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ﴾ [هود 113] وقال سبحانه ﴿ يَأَ يُّهَـا الَّذِينَ ءَامَـنُـواْ لَا تَتَّخِذُواْ اليَـهُـودَ وَالنَّصَرَى أَولِيَآءَ بَعضُهُم أَولِيَآءُ بَعضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنًّهُ مِـنـهُـم إِنَّ اللهَ لَا يَهدِى القَومَ الظَّلِمِينَ ﴾ [المائدة 51] وقال سبحانه ﴿ يَأَ يُّهَـا الَّذِينَ ءَامَـنُـواْ لَا تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُ دِينَكُم هُزُواً وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَبَ مِن قَبلِكُم وَالكُفَّارَ أَولِيَآءَ وَاتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ وَإِذَا نَادَيتُم إِلَى الصَّلَوةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُم قَوم لَّا يَعقِلُونَ ﴾ [ المائدة 57- 58] حتى ولو كان هذا العدو من أعداءِ الله قريباً من الأقارب حتى ولو كان بينك وبينه نسب فإنه لا يجوز لك أن تواليه بل الواجب هو البراء منه كما قال الله عزوجل في كتابه الكريم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [ التوبة 23-22 ]
    وقوله فتربصوا أي انتظروا وهذا على سبيل الوعيد والتهديد أي من كان هذا حاله فلينتظر أمر الله عز وجل وعقوبته إن الله لا يهدي القوم الفاسقين.
    وقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم
    ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [ المجادلة 22 ]
    وكم يذكر الشخص من الأدلة المتكاثرة في بيان هذا الأصل العظيم ألا وهو الولاء والبراء الولاء لأهل الإيمان والبراء من أهل الكفر والنفاق والطغيان حتى وإن كان من الأقربين
    انظروا إلى نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام وهو يدعوا قومه تلك الفترة الزمنية الطويلة ـ ألف سنة إلا خمسين عاما ـ ومع ذلك لم يستجب له إلا القليل من قومه حتى ولده الذي هو من صلبه وحتى زوجته التي هي في بيته لم يؤمنا به.
    فلما لم يدخلا في الإيمان الذي هو السبب في الموالاة بين المؤمنين تأمل ما ذكره الله عز وجل في كتابه عن نبي الله نوح يوم أن أمره الله أن يصنع السفينة وان يركب بمن آمن فيها
    ﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ﴾ لايزال الأب يريد لولده الخير ويريد لولده النجاة ويرجوا منه أن يسلم وينقاد حتى ينجوا من عذاب الله ﴿ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ لكن الولد قد كتب الله عليه الشقاء وهو في بطن أمه فلم يملك له نوح نفعا ولا ضرا ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾
    ﴿ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾
    قال الله عزوجل:
    ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
    بعد ذلك قال الله عز وجل ـ وهو الشاهد من هذه الآيات ـ :
    ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾ فإن الله عز وجل قد وعده بنجاته ونجاة أهله فهو يرجوا النجاة لذلك الولد
    ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ﴾
    قال الله عزوجل:
    ﴿ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ أي ليس من أهلك المؤمنين ليس من أهلك الناجين ((إنه عَمَلٌ غيرُ صالح)) وفي قراءة: ((إنه عَمِلَ غيرَ صالح))((فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين))
    بعد ذلك يتبرأ نوح من ولده ويترك هذا السؤال لما وعظه ربه تبارك وتعالى
    ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
    وهكذا زوجته قال الله عزوجل
    ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ﴾ أي بعدم إيمانهما فالخيانة هاهنا خيانة في الدين ﴿ فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾
    وهذا نبي الله هود يوم أن دعا قومه تجاهلوا دعوته بل
    ﴿ قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ﴾ قال هود عليه الصلاة والسلام عند هذا الكلام الذي هجموا به عليه ﴿ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ رجل واحد يواجه أمة من الأمم بالبراءة منهم ومما هم عليه وسلاحه في ذلك التوكل على الله عز وجل ﴿ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴾ ما هو سلاحه قال: ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ فالله عز وجل بيده نواصي الخلق جميعهم سبحانه وتعالى
    وهذا نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما دعا أباه وقومه فلم يستجيبوا له تبرأ منهم وحقق هذا الأصل العظيم البراءة من أهل الكفر قال الله عزوجل في كتابه الكريم:
    ﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [ التوبة 114 ] وقال سبحانه ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [ الممتحنة 4 ]
    معاشر أهل الإسلام إن هذا الأصل العظيم وهو الولاء والبراء له أدلة كثيرة من كتاب الله ومن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام الولاء لله عز وجل والبراء لله سبحانه الموالاة لله والمعاداة لله عز وجل الحب لله والبغض لله.
    معاشر المسلمين إننا وفي أزمنتنا هذه ابتلينا بكثير من الناس ممن يوالي من أجل الدنيا يوالي عليها ويعادي عليها يوالي من أجل مقاصد دنيوية ومن أجل حضوض نفسية ومن اجل مقاصد حزبية وربما يعادي من أجل ذلك فقد يعادي أخاه أو أباه أو قريباً أو بعيداً من أقربائه كل ذلك من أجل الدنيا كل ذلك من أجل الحزبيات كل ذلك من أجل الحصول على بعض المقاصد الدنيوية ويغفل عن جانب الولاء والبراء من أجل الله عز وجل الذي هو أصل عظيم من أصول هذه الشريعة كما سمعتم في هذه الأدلة من الكتاب والسنة والحمد لله


    الخطبة الثانية


    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [ الممتحنة 1 ] نهى الله عز وجل عن اتخاذ أعدائه أولياء
    جاء في سبب نزول هذه الآية ما ثبت عند الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث علي رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له وللمقداد: انطلقا حتى تأتيا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فأتياني به فانطلقا حتى أدركاها في ذلك المكان فقالا لها: أين الكتاب فقالت: ما عندي كتاب. قالا لها: لتخرجن الكتاب أو لننزعن الثياب. فأخرجته من عقاصها أي من وسط شعرها ثم أتيا به إلى النبي عليه الصلاة والسلام وإذا به كتاب من حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه وأرضاه يخبر المشركين أن النبي عليه الصلاة والسلام قد جهز الجيوش لغزوهم وذلك قبل فتح مكة عند ذلك استدعاه النبي عليه الصلاة والسلام وقال له:
    «ما هذا يا حاطب» قال: مهلاً يا رسول الله، فإني لم افعله ردة عن الإسلام ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام ولكن ما من أحدا من أصحابك إلا وله قوم وعشيرة يمنعون بها أهله أو يحمون بها أهله في مكة وليس لي ذلك فيهم فأردت أن يكون لي عندهم يد يحمون بها أهلي ويحمون بها أقاربي، أو كما قال.
    وذكر أنه لم يفعل ذلك ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام قال النبي عليه الصلاة والسلام:
    «أما أنه قد صدقكم» قال عمر: يا رسول أأذن لي فلأضرب عنق هذا المنافق قال عليه الصلاة والسلام: «إنه قد شهد بدرا؛ وما يدريك لعل الله ان يكون اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم» قال وانزل الله هذه الآيه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ﴾ [ الممتحنة 1 ] الآيات إلى اخرها والشاهد من ذلك أن الله عز وجل نهى عن اتخاذ اعدائه اولياء مهما كانت الأحوال ومهما كانت الظروف.
    ولقد ضرب أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أروع الأمثلة في ذلك في معادة اعداء الدين وعدم الاقتران بهم وعدم الانصياع لإغراءاتهم ومادياتهم.
    ونكتفي بضرب مثال واحد وهو ما حصل لكعب بن مالك رضي الله تعالى عنه وارضاه وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك من غير عذر وصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع فنهى النبي عليه الصلاة والسلام الناس عن كلامهم نهى الناس عن أن يتكلموا معهم؛ فهجروهم خمسين يوما تأديبا لهم لأنهم تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله عز وجل يقول
    ﴿ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ [ التوبة 120 ] لكنهم لما صدقوا كانت عقوبتهم في الدنيا وليس في الآخرة وهي ما حصل لهم من الهجر من النبي عليه الصلاة والسلام ومن اصحابه وكان وراء ذلك توبة الله عز وجل عليهم وذكره لهم في كتابه سبحانه وتعالى فكانت الفوائد والمنافع من وراء ذلك الهجر أكثر وأعظم مما حصل لهم من الهجران.
    والشاهد من هذا ان كعب ابن مالك رضي الله عنه يقول:
    «فاجتنبنا الناس؛ حتى تنكرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي أعرف»
    حتى بلغوا من الحال ما ذكره الله عز وجل عنهم في كتابه
    ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ﴾ [ التوبة 118] تأمل ما وصلوا إليه من الضيق والشدة ﴿ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ﴾ [ التوبة 118] في تلك الحال يأتي الابتلاء والامتحان ويأتي الاختبار لهذا الصحابي الجليل.
    قال كعب رضي الله عنه:
    «بينما أنا في سوق من أسواق المدينة إذا نبطي من أنباط اهل الشام يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ قال: فأشار الناس إلي، قال: فأتاني ودفع إلي كتابا، قال: ففتحته فقرأته فإذا هي رسالة من ملك غسان يقول له: إنه قد بلغنا ان صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك»
    ملك من ملوك الكفار يرسل له بهذه الرسالة وهو على ذلك الحال ضاقت عليه الارض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم ومع ذلك كان الإيمان قويا ثابتا في قلب هذا الصحابي الجليل كان هذا الأصل العظيم محققا ـ الولاء والبراء ـ لم يغتر بتلك الدنيا ولم يغتر بما سيعطيه ذلك الملك ربما من الجاه والأموال وغير ذلك مما هو من زينة هذه الحياة الدنيا.
    قال كعب رضي الله عنه:
    «فتيممت بها التنور فسجرتها»
    ذهب بتلك الرسالة إلى التنور وأحرقها رضي الله تعالى عنه وارضاه وقال:
    «هذا من البلاء»
    اليوم البعض من الناس ربما يكون في نعمة ورخاء وعنده من الدنيا ما عنده ومع ذلك تأتيه إغراءات مادية وتأتيه حضوض دنيوية فترى هذا الشخص يتنكر لكثير من المبادئ التي كان يعرفها وينقلب على عقبيه والعياذ بالله.
    ربما تنازل عن دينه بالكلية وربما تنازل عن بعض دينه مقابل حطام من هذه الدنيا.
    وصدق نبينا عليه الصلاة والسلام وإذ يقول كما في "صحيح الإمام مسلم" من حديث أبي هريرة
    «بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا»
    انظر إلى هذا التحول السريع من الصباح إلى المساء ما سببه؟!
    قال:
    «ويصبح مؤمنا ويمسي كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا»
    وفي "سنن ابن ماجة" من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام:
    «آلفقر تخافون؟!! فوالله لتُصَبَّنَّ عليكم الدنيا صبا حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيِ»
    ويقول عليه الصلاة والسلام:
    «لكل امة فتنه وفتنة أمتي المال»
    إن هذه الدنيا وإن هذا المال وإن هذه الإغراءات التي توالي من أجلها أعداء الله عز وجل وتعادي من أجلها أولياء الله سبحانه لن تدوم معك أنت راحل عنها إلى الدار الآخرة ولن يبقى معك إلى ما عندك من الأعمال قال النبي عليه الصلاة والسلام:
    «يتبع الميت ثلاثة أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله»
    فانظر إلى من هم حولك ممن تواليهم وانظر إلى من تعاديهم هل توالي أولياء وهل تعادي اعداء الله أم أنت على العكس من ذلك والعياذ بالله.
    وتأمل ما ذكره الله عز وجل عن أولئك الذين اتبعوا أناسا فكانوا سببا في ضلالهم وإغوائهم ربما اتبعوهم بسبب إغراءات مالية ربما بسبب حضوض شهوانية ودنيوية لكنها لم تنفعهم في الدار الآخرة قال الله عزوجل
    ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [ البقرة 166-167 ]
    وقال سبحانه
    ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [ الفرقان 27-29 ] أسال الله بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم أعزَّ الاسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
    والحمد لله.

    فرغها لكم
    أبو عبد الرحمن محمد بن وازع المقداد
    ــ غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين ــ
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبدالرحمن محمد وازع المقداد; الساعة 17-10-2015, 09:21 PM.
يعمل...
X