بسم الله الرحمن الرحيم
تفّريغ خطبة الجمعة
للعلّامة يحيي بن علي الحجوري
_حفظه الله ورعاه _
بعنوان
(ليحذر المؤمنون من سوء الظنون)
16صفر 1435هـــ
وإلى المقصود،،،،
الخطبة الأولى
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران:102].
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء: 1].
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } [سورة الأحزاب].
أما بعد،،،
فيقول الله عز وجل في كتابه الكريم :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ..)) [سورة الحجرات:12].
أبان في هذه الآية أمره باجتناب كثير من الظن وأبان أن بعض الظن إثمٌ، وليس كل الظن فمن الظن ما يكون ظناً بالله حسناً وهذه عبادة عظيمة.
كقول الله سبحانه وتعالى :
((..وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ..)) [سورة التوبة:118].
وقول الله سبحانه وتعالى :
(( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) )) [سورة الحاقة].
وقول الله سبحانه وتعالى :
((وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) )) [سورة الأنبياء].
ومن هذا الباب أدلة كثيرة، في فضيلة حسن الظن بالله سبحانه وتعالى وأنه واجب على المسلم أن يظن بالله حسناً، سواء كان في حياته أو عند مماته لما ثبت عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله)) [رواه مسلم].
ولما في الصحيح أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)) [متفق عليه].
وفي الحديث الآخر : (( إن الله عز وجل يقول أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني)) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له والترمذي والنسائي ابن ماجه].
وفي لفظ : ((قال الله تبارك وتعالى : أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء)) [رواه ابن حبان في الإحسان 401/2 وقال عنه العلامة الوادعي في الصحيح المسند "هذا حديث صحيح" وصححه الألباني في صحيح الجامع].
و لفظ (( قال الله جل وعلا: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيراً وإن ظن شراً)). [رواه ابن حبان في الإحسان [407/2] وقال عنه الشيخ مقبل : رجال السند معروفون إلا عمر بن محمد الهمداني فما وجدت ترجمته، ولا يضر، فقد أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج22 ص 87] فقال رحمه الله : حدثنا أحمد بن خليد، ثنا أبو توبة الربيع بن نافع، ثنا محمد بن مهاجر، عن يزيد بن عبيدة، عن حيان أبي النضر، قال: لقيت وائلة بن الأسقع ... فذكر الحديث المرفوع].
ولهذا أيها المسلم احذر أن تظن بربك ظن سوءٍ فإن هذا خطير جداً وهذا مهلكٌ للعبد وهذا مبورٌ للعمل ومحبطٌ له، كما قال الله سبحانه وتعالى : ((سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) )) [سورة الفتح].
فلما ظن من ظن من الناس أن الله عز وجل يوم أحد لن يعين رسوله وأنه مستأصل دينه، وأنه مستأصل أوليائه، وأنه ممكن لأعدائه كان ذلك من ظن السوء في قلوب المنافقين ووصفهم الله بالبوار
((قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا (12))).
وهذا هو الظن الذي كان يظنه الجاهلية حيث تشبه بهم المنافقون في ذلك اليوم والذي وصفه الله عز وجل في سورة آل عمران قال : ((وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ.. ))
أي يصعد عليكم من أعلى
((.. وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ..))
أي تدارج الغم وتكاثر والسبب في ذلك
((.. لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ.. ))
أي من الجراح والقروح وهكذا أيضاً القتل في سبيل الله
((.. وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) )) [سورة آل عمران].
وبعدها يقول الله عز وجل :
((ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ..)) أي من المؤمنين أمنهم الله عز وجل وصاروا في أوساط القتل وهذا مقتول عن جانبه وهذا عن يمينه وهذا أمامه وهم في أمنةٍ والنعاس يغشاهم ((.. يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ ..))
قال الله عز وجل :
((وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ))
أي ما كانوا في أمان في ذلك الحال مع أنهم في أشد البعد عن مواجهة الأعداء
((.. يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ..))
يعني هل بقي لنا شيء من الأمر معناه أنه زال الأمر من أمر الإسلام زال أمر دين الله ولم يبقَ إلا الهلكة، ولم يبقَ إلا إلتماس المخرج من ذلك الحال ومن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب
((.. قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا..))
أي لو كان لهذا الإسلام بقية ولو كان وعد الله حق ما حصل لنا هذا القتل ، قال الله : ((.. قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) )) [سورة آل عمران].
هذا كان تمحيصاً وابتلاءً من الله سبحانه وتعالى ونظيره قوله في سورة الأحزاب
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10 )) [سورة الأحزاب]. اختلفت ظنون الناس فمن الناس من يظن الظن حسن، ظناً يليق بعظمته، ظناً يليق بنصرته لدينه، ظناً يليق بمحبته لأوليائه ودفاعه عن أوليائه.
((إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ )) [سورة الحج:38].
ظناً يليق بوعده الحق الذي لا يخلفه.
((..وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) [سورة الروم:47].
ظناً يليق برزقه وفضله
((وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) )) [سورة العنكبوت].
ظناً يليق بوعده، ظناً يليق بما هو من شأنه سبحانه وتعالى وعظمته وفضله ورحمته وسعته.
وهم المؤمنون كما وصفهم الله في سورة الأحزاب
((وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) )) [سورة الأحزاب].
وهكذا
((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175) )) [سورة آل عمران].
هذا الصنف كان ظنه بالله عز وجل في كل حال مع أنهم طالبون لنصر الله سبحانه وتعالى.
قال الله سبحانه وتعالى :
((أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ ..))
قال الله :
((..أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ (214) )) [سورة البقرة].
فهذه سنة الله في خلقه أنها تكون العاقبة للحق وأهله.
((تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) )) [سورة القصص].
يمحصون ويبتلون
((وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) )) [سورة آل عمران].
((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) )) [سورة العنكبوت].
ولكن تكون العاقبة للتقوى وأهل التقوى كما قال الله سبحانه : ((وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى )) [سورة طه:132].
هذا هو الظن الذي يليق بكل مسلم مؤمن يحب الله والدار الآخرة ويعلم أن الله عز وجل وليه كما وعد : ((اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) )) [سورة البقرة].
((إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) )) [سورة الأعراف].
هذه مواعيد رب العالمين،
((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا..)) [سورة النور:55].
هذا وعد الله قال الله سبحانه وتعالى :
((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) )) [سورة الأنبياء].
قال الله سبحانه : ((وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) )) [سورة الأحزاب].
فيجب على المسلم أن يكون ظنه بالله عز وجل كذلك ظناً حسناً، يحذر ظن السوء، وظن المنافقين، وظن الكافرين، وظن الجاهلية.
قال الله سبحانه في كتابه الكريم : ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ..)) [سورة الفتح].
كل من ظن بالله ظن السوء، أن الله يهزم أوليائه وينصر أعداءه ويمكن للباطل تمكيناً لا يقوم الحق بعده هذا من سوء الظن بالله سبحانه وتعالى، وهذا من الخطر العظيم، هذا من الخطر العظيم، هذا من سوء الظن بالله، ومن معارضة صفاته الحميدة وأسمائه الجميلة، فإن الله سبحانه عليم وهو حكيم، وهو خبير وهو عالم بذات الصدور، وهو خير الناصرين، وهو منتقم من المتكبرين المتجبرين ((إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22) )) [سورة السجدة].
وغير ذلك من الأسماء التي سمى بها نفسه، ((الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ)) [سورة البقرة:255].
((هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) )) [سورة الحشر].
وفي الحديث القدسي ((قال الله تعالى الكبرياء ردائي فمن نازعني في ردائي قصمته )) [صححه الألباني في صحيح الجامع].
((وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) )) [سورة الأنبياء].
فسنة الله الجارية في خلقه ((وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا )) [سورة الأحزاب:62].
سنة الله التي في خلقه أنه ينكل بأعدائه وينصر أولياءه ولكن يبتلي الله عز وجل المرسلين ومن بعدهم ومن دونهم
((وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) )) [سورة الأنعام].
ولما في الصحيح أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)) [متفق عليه].
وفي الحديث الآخر : (( إن الله عز وجل يقول أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني)) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له والترمذي والنسائي ابن ماجه].
وفي لفظ : ((قال الله تبارك وتعالى : أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء)) [رواه ابن حبان في الإحسان 401/2 وقال عنه العلامة الوادعي في الصحيح المسند "هذا حديث صحيح" وصححه الألباني في صحيح الجامع].
و لفظ (( قال الله جل وعلا: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيراً وإن ظن شراً)). [رواه ابن حبان في الإحسان [407/2] وقال عنه الشيخ مقبل : رجال السند معروفون إلا عمر بن محمد الهمداني فما وجدت ترجمته، ولا يضر، فقد أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج22 ص 87] فقال رحمه الله : حدثنا أحمد بن خليد، ثنا أبو توبة الربيع بن نافع، ثنا محمد بن مهاجر، عن يزيد بن عبيدة، عن حيان أبي النضر، قال: لقيت وائلة بن الأسقع ... فذكر الحديث المرفوع].
ولهذا أيها المسلم احذر أن تظن بربك ظن سوءٍ فإن هذا خطير جداً وهذا مهلكٌ للعبد وهذا مبورٌ للعمل ومحبطٌ له، كما قال الله سبحانه وتعالى : ((سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) )) [سورة الفتح].
فلما ظن من ظن من الناس أن الله عز وجل يوم أحد لن يعين رسوله وأنه مستأصل دينه، وأنه مستأصل أوليائه، وأنه ممكن لأعدائه كان ذلك من ظن السوء في قلوب المنافقين ووصفهم الله بالبوار
((قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا (12))).
وهذا هو الظن الذي كان يظنه الجاهلية حيث تشبه بهم المنافقون في ذلك اليوم والذي وصفه الله عز وجل في سورة آل عمران قال : ((وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ.. ))
أي يصعد عليكم من أعلى
((.. وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ..))
أي تدارج الغم وتكاثر والسبب في ذلك
((.. لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ.. ))
أي من الجراح والقروح وهكذا أيضاً القتل في سبيل الله
((.. وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) )) [سورة آل عمران].
وبعدها يقول الله عز وجل :
((ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ..)) أي من المؤمنين أمنهم الله عز وجل وصاروا في أوساط القتل وهذا مقتول عن جانبه وهذا عن يمينه وهذا أمامه وهم في أمنةٍ والنعاس يغشاهم ((.. يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ ..))
قال الله عز وجل :
((وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ))
أي ما كانوا في أمان في ذلك الحال مع أنهم في أشد البعد عن مواجهة الأعداء
((.. يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ..))
يعني هل بقي لنا شيء من الأمر معناه أنه زال الأمر من أمر الإسلام زال أمر دين الله ولم يبقَ إلا الهلكة، ولم يبقَ إلا إلتماس المخرج من ذلك الحال ومن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب
((.. قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا..))
أي لو كان لهذا الإسلام بقية ولو كان وعد الله حق ما حصل لنا هذا القتل ، قال الله : ((.. قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) )) [سورة آل عمران].
هذا كان تمحيصاً وابتلاءً من الله سبحانه وتعالى ونظيره قوله في سورة الأحزاب
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10 )) [سورة الأحزاب]. اختلفت ظنون الناس فمن الناس من يظن الظن حسن، ظناً يليق بعظمته، ظناً يليق بنصرته لدينه، ظناً يليق بمحبته لأوليائه ودفاعه عن أوليائه.
((إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ )) [سورة الحج:38].
ظناً يليق بوعده الحق الذي لا يخلفه.
((..وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) [سورة الروم:47].
ظناً يليق برزقه وفضله
((وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) )) [سورة العنكبوت].
ظناً يليق بوعده، ظناً يليق بما هو من شأنه سبحانه وتعالى وعظمته وفضله ورحمته وسعته.
وهم المؤمنون كما وصفهم الله في سورة الأحزاب
((وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) )) [سورة الأحزاب].
وهكذا
((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175) )) [سورة آل عمران].
هذا الصنف كان ظنه بالله عز وجل في كل حال مع أنهم طالبون لنصر الله سبحانه وتعالى.
قال الله سبحانه وتعالى :
((أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ ..))
قال الله :
((..أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ (214) )) [سورة البقرة].
فهذه سنة الله في خلقه أنها تكون العاقبة للحق وأهله.
((تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) )) [سورة القصص].
يمحصون ويبتلون
((وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) )) [سورة آل عمران].
((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) )) [سورة العنكبوت].
ولكن تكون العاقبة للتقوى وأهل التقوى كما قال الله سبحانه : ((وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى )) [سورة طه:132].
هذا هو الظن الذي يليق بكل مسلم مؤمن يحب الله والدار الآخرة ويعلم أن الله عز وجل وليه كما وعد : ((اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) )) [سورة البقرة].
((إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) )) [سورة الأعراف].
هذه مواعيد رب العالمين،
((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا..)) [سورة النور:55].
هذا وعد الله قال الله سبحانه وتعالى :
((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) )) [سورة الأنبياء].
قال الله سبحانه : ((وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) )) [سورة الأحزاب].
فيجب على المسلم أن يكون ظنه بالله عز وجل كذلك ظناً حسناً، يحذر ظن السوء، وظن المنافقين، وظن الكافرين، وظن الجاهلية.
قال الله سبحانه في كتابه الكريم : ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ..)) [سورة الفتح].
كل من ظن بالله ظن السوء، أن الله يهزم أوليائه وينصر أعداءه ويمكن للباطل تمكيناً لا يقوم الحق بعده هذا من سوء الظن بالله سبحانه وتعالى، وهذا من الخطر العظيم، هذا من الخطر العظيم، هذا من سوء الظن بالله، ومن معارضة صفاته الحميدة وأسمائه الجميلة، فإن الله سبحانه عليم وهو حكيم، وهو خبير وهو عالم بذات الصدور، وهو خير الناصرين، وهو منتقم من المتكبرين المتجبرين ((إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22) )) [سورة السجدة].
وغير ذلك من الأسماء التي سمى بها نفسه، ((الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ)) [سورة البقرة:255].
((هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) )) [سورة الحشر].
وفي الحديث القدسي ((قال الله تعالى الكبرياء ردائي فمن نازعني في ردائي قصمته )) [صححه الألباني في صحيح الجامع].
((وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) )) [سورة الأنبياء].
فسنة الله الجارية في خلقه ((وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا )) [سورة الأحزاب:62].
سنة الله التي في خلقه أنه ينكل بأعدائه وينصر أولياءه ولكن يبتلي الله عز وجل المرسلين ومن بعدهم ومن دونهم
((وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) )) [سورة الأنعام].
الخطبة الثانية:
الحمدلله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد،،،
حسن الظن بالله يبعث في قلبك أيها المسلم قوة التوكل فقد ثبت في الصحيح عن جابر رضي الله عنه أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل نجد فلما قفل معه فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون بالشجر فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة فعلق بها سيفه ونمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا وإذا عنده أعرابي فقال إن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا . قال ما يمنعك مني ؟ فقلت الله ثلاثا ولم يعاقبه وجلس . [متفق عليه].
والشاهد من ذلك، ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بربه وحسن ظنه بربه وأنه عز وجل يدافع عن أوليائه ((إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ )) [سورة الحج:38].
وهذا من ظن بالله عز وجل أنه لا يحب كل خوان، لا يحب الخائنين ولا يحب المفسدين
((وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) )) [سورة القصص].
ولا يحب المعتدين ((وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ (190) )) [سورة البقرة].
ويهلك الظالمين ((وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا (59) )) [سورة الكهف].
كتاب الله حق، وسنة نبيه حق، ووعده حق، وخلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق كل ذلك ومع ذلك كله ربما خالج بعض النفوس الضعيفة شيء من سوء الظن بالله عز وجل ونسأل الله السلامة والعافية.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) )) [سورة الأنفال].
فإذا رأيت من قلبك ميول إلى سوء الظن بالله سبحانه وتعالى فاعلم أن تلك حيلولة وإن كانت يسيرة، فاحذرها ((يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ )).
وأقبل على ذكر الله واستعن بالله.
إن حسن الظن بالله سبحانه وتعالى هو إيمان بالقدر ((مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) )) [سورة الحديد].
((مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ..)) [سورة التغابن:11].
هكذا وعد الله، أن من آمن بوعد الله عز وجل وبكتابه وبرسله وبالله سبحانه وتعالى بما كان من شأنه عز وجل يهد قلبه لهذه الأمور كلها. فاستجب لله أيها العبد واستقم على شرعه وكن واثقاً به. إن حسن الظن بالله يدفع بالإنسان إلى الكرم ومكارم الأخلاق وأحسن المحامد والمكارم والشجاعة والبسالة والتوكل على الله ونصرة دينه والإقبال على شرعه والصدع بالحق والحذر من الباطل، كل ذلك لأنه يعلم أن الله عز وجل وعده الحق وأنه الحق وأنه ينصر دينه.
قال الله سبحانه وتعالى :
((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) )) [سورة التوبة].
قال الله سبحانه :
((يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) )) [سورة التوبة].
حتى وإن كره أهل الباطل، حتى وإن كره أهل الإجرام، حتى وإن كان الكفرة والزنادقة ومن كان في قلبه مرض، فإن الله عز وجل متم نوره رغم أنوفهم، نواصيهم بيد الله.
((مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56) )) [سورة هود].
((إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11) )) [سورة الرعد].
ليس لأمر الله معقب، لا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، ولا راد لقضائه،
((اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) [متفق عليه].
فالله سبحانه وتعالى لا ينفع معه ذو ملك ولا ذو جاه ولا ذو عظمة مهما كان ملكه، والله هو المعطي وهو المانع يفعل ما يشاء سبحانه وتعالى ويمنع عمن يشاء سبحانه وتعالى.
((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ..)) وإن لم يكن المانع من أسمائه، لكن هذا خبر ((..تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (27) )) [سورة آل عمران].
فرَّغهاواعتنى بها :
أبو عمر شريف الشعبي
_أعانه الله _
أبو عمر شريف الشعبي
_أعانه الله _
تعليق