بسم الله الرحمن الرحيم
تفريغ خطبة جمعة بعنوان: "أهم سبل تيسير الأمور"
لشيخنا العلامة/ يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى-
وكانت بتاريخ :26 ربيع الثاني 1434هـجرية.
تفريغ خطبة جمعة بعنوان: "أهم سبل تيسير الأمور"
لشيخنا العلامة/ يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى-
وكانت بتاريخ :26 ربيع الثاني 1434هـجرية.
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [ سورة النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } [سورة الأحزاب].
أما بعد،،
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس،،،
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم ممتناً على رسوله النبي الكريم :
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} سورة الشرح.
ثم دله الله عز وجل على أسباب اليسر :
{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}.
امتَنَّ الله سبحانه وتعالى عليه بأنه شرح له صدره ويسر له أمره، ووضع له وزره، ورفع له ذكره، وبشره باليسر، وأمره بأسباب ذلك، وهو أنه ينصب في عبادة الله وطاعته أي يتعب في ذلك. فإنه لا بد من اجتهاد في عبادة الله.
وقد كان عليه الصلاة والسلام يقوم الليل حتى ترم قدمه ويقول :
((أفلا أكون عبدا شكورا)) متفق عليه.
وقال الله عز وجل :
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} سورة مريم : 65.
فإذا فرغ فلينصب، أي لا يزال ناصبا مجتهداً في طاعة الله عز وجل، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذروة في العبادة، الذروة في كل خير وطاعة،
{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)} سورة المزمل.
وهكذا، إضافة إلى شؤون العبادة، شؤون التعليم، شؤون الدعوة، شؤون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شؤون الجهاد في سبيل الله، وبث الغزاة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يغزو بنفسه إلى أن صار في آخر أمره جعل يبعث الغزاة عليه الصلاة والسلام.
والشاهد من ذلك، أن الله عز وجل وعد باليسر كما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إن الله تعالى ينزل المعونة على قدر المؤنة وينزل الصبر على قدر البلاء)) أخرجه ابن عدي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
فهذه سنة الله في خلقه أن الله عز وجل إذا ابتلى عبداً أعانه وإذا قدر عليه صَبَّره، لا سيما عبده المؤمن،
((عجبا لأمر المؤمن كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)) رواه مسلم.
لا شك أن المؤمن في عون المؤمنين وهو في طاعة ربه ومن كان كذلك فإن الله عز وجل معين له.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليهفي الدنيا ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)).
وسواء كانت تلك المعونة بدعوة وتعليم أو كانت تلك الدعوة بعطاء وإحسان، أو كانت تلك المعونة بمشورة وإرشاد، أو كانت تلك المعونة بنصح وتوجيه، أو أي شيء من شؤون إعانة المسلمين، بما يدفع الله عز وجل عنهم الشر ويدفع ويكشف عنهم الضر، ويجلب لهم به الخير، ويدفع عنهم به السوء، لا شك أن هذا من أسباب معونة الله سبحانه وتعالى ولكنه يحتاج إلى ما تقدم ذكره، الصبر.
كما قال الله سبحانه :
((..فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)) سورة مريم:65.
أيها الناس،،،
إن أمر اليسر مطلوب مرغب فيه للنفوس، والنفس تتوق له، أن يكون الأمر يسيراً سهلا، ليس شاقا، وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس عنه.
وهذا اليسر والتيسير والعون والتوفيق ليس إلا لله سبحانه وتعالى فاطلبه من الله، فلا يسهل العسير إلا هو،
كما ثبت عند ابن السني من طريق أبي داود الطيالسي عن حماد بن سلمة، عن ثابت بن أسلم البناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إن شئت سهلا)) صححه الألباني والوادعي.
فلا أحد يسهل العسير ولا يقرب البعيد إلا الله سبحانه وتعالى فاطلب تيسيره وتوفيقه وهذا من هدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى عليه الصلاة والسلام:
((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35) )) سورة طه.
والشاهد من ذلك أنه لما كلفه وأمره بهذا الأمر العظيم وهو التصدي لفرعون، المدعي للربوبية المتجبر المتكبر، فإنه طلب عون الله وتسهيله وتيسيره، وأن ذلك لا يعجزه شيء،
قال الله سبحانه :
((َمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)) سورة فاطر:43.
فليس على الله عسير، أي شيء من الأشياء، أي أمر من الأمور، أي عظيم ليس على الله بعظيم ولا عسير، وإنما الأمر له سبحانه، وشرع وهكذا نبي الله عليه الصلاة والسلام، محمد صلى الله عليه وسلم يسر الله له حين كلفه بتلك النبوة وأمره أن يقوم للناس،
((يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) )) سورة المدثر.
أمره بذلك ثم قال:
((سَنُقْرِؤُكَ فَلا تَنسَى (6) إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) )) سورة الأعلى.
فلما أراد الله منه كل ذلك الأمر العظيم والبلاء العظيم يسره لليسرى، يسره للأسهل، لما يشرح الله به صدره.
وثبت في الحديث الصحيح، عن مالك بن نضلة أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم :
((أتتني رسالة من ربي فضقت بها ذرعا، ورويت أن الناس سيكذبونني فقيل لي: لتفعلن، أو لَيُفعَلَنَّ بك)) أخرجه البخاري في "خلق أفعال العباد" وصححه الوادعي في الصحيح المسند.
ولما كلفه بذلك :
((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) سورة المائدة:67.
سهل الله له أمره، ويسره لليسرى، ويسر له القرآن:
((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)) سورة القمر:17.
وهكذا يسر له الدعوة وسائر الشؤون، من الذي يستطيع أن يتصدى لأمة بمفرده. إبراهيم عليه الصلاة والسلام يأتي لأمة فيها النمرود، أمة بأسرها، محمد صلى الله عليه وسلم، سائر الأنبياء.
يخرج إلى قومه بمفرده، يخالفهم في جميع شؤونهم، في عبادتهم، في دعوتهم، في سائر شؤونهم، إلا ما كانوا وافقوا فيه الصواب من النزر اليسير، وإلا فيأتيهم من أساس دعوتهم ينسفها وشأنهم وعاداتهم وتقاليدهم، لولا عون الله سبحانه وتعالى، عون الله وتيسيره، لذلك النبي الكريم وسائر الأنبياء، حتى في التوحيد،
((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)) سورة النحل:36.
ييسر لهم ومن تيسيره دلائل نبوته لهم، عونه لهم، قوة إيمانهم، قوة توكلهم، قوة ثقتهم بالله سبحانه وتعالى، قوة اعتمادهم عليه، قوة شجاعتهم في سبيله ونصرة دينه.
ما يمن الله سبحانه وتعالى عليهم به من العلم والتوفيق والسداد، كل ذلك من تسهيل الله وتيسيره،
((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)) سورة يس:82.
إن الله على كل شيء قدير، فإذا أراد شيئا يسر سبله، يسر سبله، وهيأ طرقه، وهيأ أمره، أي شيء كان للعبد، ييسره الله سبحانه. حتى لو أراد أن يموت في بلد، ييسر له الموت فيه.
كما جاء من حديث أبي عزة:
((إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة)) رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
فتتيسر له تلك الحاجة ويسير إلى الأرض التي أراد الله عز وجل أن يموت بها فيقبضه بها.
وتأمل حديث ذلك الشخص الذي قتل تسعة وتسعين نفسا وأراد الله عز وجل أن يموت في بلاد الخير وأرض الخير، ساقه ويسر له سبيل ذلك، بسبب فتوى من عالم، فبينما هو كذلك، إذ أتاه الموت فيها.
الحديث معروف عن أبي سعيد، عن أبي هريرة، عن عدد من الصحابة.
الشاهد من ذلك، تيسير سبل الخير، لهذا أيها المسلم اطلب تيسير الله وتوفيقه وهداه، ليس لك بثقة نفسك، إنما ثقتك بالله عز وجل، أعني أن اعتمادك على نفسك ضياع، هلكة، وإنما الاعتماد على الله سبحانه.
ومن هنا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم هذا الدعاء، دعاء التيسير، كما أخرج البخاري في صحيحه فقال: حدثنا قتيبة حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول:
((إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل:" اللهم إني أستخيرك بعلمك و أستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وأجله فيسره لي ثم بارك لي فيه...))
تأمل هذه الكلمة، فإن الله إذا أراد لك الخير يسر لك سبله وصار سهلا إليك، يسر لك أيضا التوصل إليه، وتصير سبله مذللة –
((وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وأجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به)) .
هذا حديث عظيم فيه طلب تيسير الله سبحانه وتعالى في الأمر ولك في هذا الحال أنك إذا استخرت وأنت بثقة من الله عز وجل أن الله لا ييسر لك إلا الخير.
ورُبَّ أمر أنت قادر عليه، لا تدري ما شأنه، رب أمر يكون فيه روحك أو مالك أو هلكة، ولكنك إذا استخرت الله وفوضت الأمر إليه وطلبت تيسيره أنت في ذلك في خير.
لن يَتِرَكَ الله عملك، فإنك معتمد عليه، ومتوكل عليه وواثق به.
الخطبة الثانية:
الحمدلله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد،,,,,,,,,,
أيها الناس،،،
إن لتيسير سبل الخير والهدى لعلامات وأسباب ترتجى وتلك الأسباب كثيرة، منها أعظمها هو سبب التقوى، فإذا وفقك الله عز وجل للتقوى فقد يسر لك أسباب كل خير. ودليل ذلك قول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :
((فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) )) سورة الليل.
واليسرى هنا، لفظ عام، يشمل الجنة وأعمال الجنة وكل أمر يسير وسهل، يتيسر لك بإذن الله عز وجل. تتوفر لك سبل الخير وطرقه من حيث لا تحتسب ولا تتوقع كما قال الله :
((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) )) سورة الطلاق.
وقال الله:
((وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) )) سورة الطلاق.
أي أمر كان لك يجعل الله عز وجل لك فيه اليسر، يكون يسيرا لك. أي خير لك يوفر لك سبله ويهيء لك طرقه. أمورك تكون ميسرة، وأمورك تكون صالحة بسبب تقوى الله عز وجل، كقول الله عز وجل :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )) سورة الأحزاب.
فجميع الأعمال تصلح، جميع الأعمال تصلح الظاهرة والباطنة، وتغفر الذنوب, بسبب تقوى الله سبحانه وتعالى يتيسر لك صلاح جميع الأعمال من توفيق الله ويتيسر لك مغفرة الذنوب من توفيق الله سبحانه وتعالى.
هذا من أعظم السبل تناله إذا وفقت له، فاعلم أن أمورك إن شاء الله إلى خير حتى تلقى ربك.
والله سبحانه وتعالى لا يكلف عبدا إلا ما في وسعه.
قال الله:
((لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)) سورة الطلاق: 7.
ولهذه الآية عند السلف معانٍ عظيمة، وتدبرات عظيمة،.
((سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)). فما تكون في عسر إلا وجاءك فيه اليسر، بل ربما اليسر بعد اليسر متوالي. ((فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) )) سورة الشرح.
هذا كله بتقوى الله سبحانه.
إن والله ما يحصل للمجتمعات الآن لهو من ضعف التقوى وعدم سلوك التيسير، شقوا على أنفسهم، شقوا على المسلمين، شقوا على المؤمنين، فشق الله عليهم.
كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم :
((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به)) رواه مسلم.
فكانت هذه المشقة بين أوساط المسلمين بإراقة الدماء وقطع الطرقات وإزهاق الأرواح، وغير ذلك مما ترونه وتلاحظونه من أسباب ضيق الصدور والقلق والفتن والفساد في الأرض، كله بسبب ضعف التقوى وعدم سلوك أسباب اليسر. فإن الله لا يخلف وعده، ولن يخلف الله وعده.
قال سبحانه :
((ِإنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)) سورة آل عمران:9.
وعد بسبل من سلكها نجى، ييسر لك النجاة في الدنيا، ييسر لك النجاة من الفتن ومن الشر في الدنيا، (قلت: "ما النجاة ؟"
فقال :
((أملك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك)). رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
((وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) )) سورة مريم.
ييسر لك كرامة من عنده:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) )) سورة الحجرات.
فكل خير ميسر بفضل الله عز وجل بأسبابه وطرقه ومن أعظم ذلك التقوى.
((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)) سورة الأعراف:96.
((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)) سورة المائدة:65.
فكل ذلك بسبب التقوى يسير بإذن الله عز وجل، ييسر لك العلم، يسهل عليك بسبب تقوى الله سبحانه
((وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) سورة البقرة:282.
ييسر محبته لك ودفاعه عنك،:
((وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128) )) سورة النحل.
قال الله سبحانه وتعالى :
((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) سورة التوبة:4.
فكل خير حاصل وميسر بتقوى الله فلازم هذا السبب العظيم وهو مجامع جميع الأسباب التي تذكر ييسر لك الفلاح:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) سورة آل عمران:200.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) سورة آل عمران:130.
فما من خير إلا وتيسيره من هذا الباب، ومن هذا السبب العظيم، دون تشتت، دون تقتت جهد، دون ضياع أوقات، دون أيضا ما يهدف إليه إنسان من سبل وخطوات الشيطان، غافلا متناسيا متلاهيا عن هذا السبب العظيم وهذا من الخذلان. قال الله سبحانه وتعالى :
((وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا)) سورة الفرقان:29.
فالشيطان يخذل الإنسان عن أسباب عظيمة وتيسيرات كريمة إلى سبل ووسائل يظن بها أنه بذلك تيسر له بعض أموره وهذا خطأ وغفلة .
نسأل الله عز وجل أن يمن علينا بالعلم النافع والعمل الصالح وأن يدفع عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
***والحمد لله رب العالمين ***
منقول :
وقام بتفريغه:
أبو عمر شريف الشعبي