إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفريغ خطبة (فضل انشراح الصدر بطاعة الله و الذكر) للشيخ يحيى الحجوري حفظه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفريغ خطبة (فضل انشراح الصدر بطاعة الله و الذكر) للشيخ يحيى الحجوري حفظه الله

    تفريغ خطبة جمعة بعنوان:

    " فضل انشراح الصدر بطاعة الله والذكر "
    للشيخ العلامة / يحيى بن علي الحجوري حفظهالله تعالى
    والتي كانت بتاريخ: الخامس من شهر ربيع الآخر من عام 1434هـجرية.



    بسم الله الرحمن الرحيم





    الخطبة الأولى:


    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.


    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران:102].


    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء: 1].


    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } [سورة الأحزاب].

    أما بعد،،,,,,,

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

    أيها الناس،


    يقول الله عز وجل في كتابه الكريم:

    ((فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء ...)) سورة الأنعام:125.
    هذه الآية فيها بيان أن الله عز وجل إذا أراد هداية العبد شرح صدره للإسلام بجميع معالمه وأركانه وشعبه للإسلام والإيمان وسائر طاعات الله فلا يقدم على عمل صالح إلا ويجد من نفسه رغبة ومن صدره انشراحاً وطمأنينةً وإقبالاً وفي صدره نوراً.

    إن تكلم وجد لكلامه تأييداً، وسائر شؤونه, هذا من علامات الهداية أن ترى العبد منشرحاً للإسلام غير ضيقٍ به , ولا بشؤونه وتعاليمه ولا مستثقلاً لها, ولا مستكرهاً منها. فما من شأن من شؤون الإسلام وإلا وهو يفرح به وبتطبيقه وبالعمل به وفي فشو العمل به بين الناس. ويدعو إليه. هذا هو انشراح الصدر، وهذا هو باب الهداية وعلامة الهداية. وعلى العكس من ذلك من أراد الله أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً أي من تعاليم الإسلام ومن دين الإسلام ففي كل صغيرة من الإسلام وكبيرة يستثقلها ويحرج بها ويضيق منها. ولا يجد راحة ولا طمأنينة لها ولا رغبة فيها وإن وجد بعض ذلك فإنه لا يستطيع القيام بها لضيق صدره. وهي تكاليف شريعة كلف الله بها العباد ليس فيها ثقل عليهم ولا مشقة:

    ((َمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ ...)) سورة الحج:78.
    بل هي راحة وطمأنينة وانشراح صدر :
    ((الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) سورة الرعد:28,
    وهذا وإن كان في الكفار لكنه أيضا في المنافقين:
    ((وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)) سورة النساء:142.
    وللعصاة من ذلك نصيب من حيث استثقال طاعة الله سبحانه وتعالى وعدم الرغبة وعدم الانشراح في القيام بها :
    ((وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)) سورة الزمر:45.

    اعلموا وفقكم الله،،،،


    أن علامة الهداية راحة الصدر بطاعة الله والفرح بذلك سواء كان بالتذكير أو بالنصح أو بالأمر بالمعروف أو بالنهي عن المنكر أو بالعلم أو بأي شيء مما هو من طاعة الله تذكر به أو تعان عليه أو تقوم به ذلك يزيدك سرورا وهو علامة التقوى وعلامة الطاعة الانشراح للطاعة ((وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) رواه البخاري. أي لا يزال مستمرا وكلما تقرب إلى الله بعمل صالح ازداد حبا ورغبة في العمل الصالح. قال الله:

    ((وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى )) سورة مريم:76.
    كلما اهتدى ازداد محبة ورغبة فيزيده الله بذلك هدى. ويزيده الله بذلك اقبالا على طاعة الله وتقربا من الله وفي الحديث القدسي:
    ((ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته)) رواه مسلم. فكلما أقبل على ربه أقبل الله عليه. هذا من انشراح الصدر يجد راحة في نفسه على السراء والضراء والشدة والرخاء وكل ذلك مع ربه عز وجل في طاعته منشرح الصدر. وكل شأن المؤمن له خير. كما في حديث صهيب رضي الله عنه :
    ((عجبا لأمر المؤمن إن أمره له كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له...)) ويزداد بذلك انشراحاً ((...وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)) رواه مسلم.
    وهكذا ما يزال مع الانشراح في حالة الضراء والشدة صابر محتسب وصدره منشرح لما قضاه الله. وفي حالة السراء أيضاً يشكر الله عز وجل شاكر حامد الله عز وجل وصدره منشرح ففي كل الأحوال ما يزال مع ربه, ولا تضيق الصدور إلا المعاصي تسبب ضيقها وانقطاعها وتبريح العبد عن العمل بسبب ذلك. وقد ثبث في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ((لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما)) رواه البخاري.
    قال أهل العلم: معناه ما يزال منشرح الصدر عنده سعة عنده رغبة عنده اقبال. فإذا أصاب دما حراما انقطع بلح. يضيق صدره بذلك. ولا يجد رغبة في طاعة الله كما يجد رغبة في معصية الله. ويقول الله عز وجل مبينا هذا الأمر المهم على أن من أسباب ذلك الفرح بطاعة الله. قال الله سبحانه:
    ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ....)).
    شفاء هو القرآن. فالصدور تمرض وما فيها تمرض ولكن شفاؤها كتاب الله. ولا يمكن أدويتها بما تتداوي به من الحساسية وما إلى ذلك ولكن شفاؤها ذلك كتاب الله:
    ((...وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)) سورة يونس:57.
    بعد هذا الشفاء وبعد هذه النعمة أيضا التي أنعم الله بها على العباد قال:
    ((قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)) سورة يونس:58.
    فإذا رأيت العبد المؤمن في حال طاعة الله عز وجل يفرح، تفرح بالطاعة أن أداها. من صلاة، من وضوء، من صيام، من قيام، من صدقة. كلما أدى شيئا فرح أن الله أعانه على ذلك ووفقه واستبشر بذلك خيرا مما يجعل فيه الاندفاع الطيب المبارك إلى مزيد من الخير:
    ((وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا)) سورة مريم:76.
    بينما إذا كان يؤدي العمل ولا يفرح به وإنما مع الناس كما فعلوا إن صاموا صام بدون فرح بالطاعة واستبشار، وإن قاموا قام، وإن صلوا صلى. هذه أعمال سبهلل، أعمال عادة، لعب هذا ما يجد لها رغبة ولا يجد لها فرحاً. إن من ذلك أن الله عز وجل أبان لنا أن من شرح الله صدره للإسلام ولمعالمه ولهداه طلباً وفقهاً وذكراً وتذكيرا وعبادة وسائر الأحكام أن هذا هو النور، من الله سبحانه وتعالى. وأنه سائر في نور وأن من عدا ذلك يسير في ظلمات بعضها فوق بعضها. ظلمات يسير في ... الظلمات بشتى أنواعها. قال الله:
    ((أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ)) سورة الزمر:22.
    والمقصود بالإسلام ما يتضمنه الإسلام وسائر شؤونه فكلما وجد عملاً صالحاً وانشرح له صدره ورغب فيه واطمأن له. مجالس الذكر، مجالس العلم، الجماعة والجمعات، وهكذا، من هذه الشؤون الطيبة فإن ذلك يزداد نوراً. يسير في نور. وعكسه في ظلمة:
    ((فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)) سورة الزمر:22.
    ((وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)) سورة النور:40.
    ما له من نور تأمل أهمية انشراح الصدور بطاعة الله، أهمية الفرح بطاعة الله، تأمل كيف ترى أن الله عز وجل شرح صدور الأنبياء فصار ذلك الانشراح بتوفيق الله عز وجل قوة إيمانية تقابل بها أمما من أهل الضلال والشرك والفجور والانحلال. موسى عليه الصلاة والسلام لما أراد الله عز وجل أن يرسله إلى فرعون وملئه قال:
    ((قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35) )) سورة طه.
    هذا دعى موسى عليه الصلاة والسلام حين أراد الله عز وجل أن يرسله إلى طاغية ادعى الربوبية وإلى أمة من الأمم لا ترد له قولاً، فطلب من الله عز وجل هذا الطلب لأن الانشراح يهون عليك كلما انشرح صدرك لطاعة الله هان عليك الخطب وخف عليك الثقل وتزحزح عنك الشيطان وأقبل عليك الرحمن. كلما انشرح صدرك لطاعة الله. فإذاً انشراح الصدر بطاعة الله نصر كبير للمؤمن على شيطانه وأعدائه وعلى سائر البلاء. ينشرح بطاعة الله ويقبل عليه. وضيق الصدر على العكس من ذلك. نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله وذكر الله عز وجل عليه هذه المنة:
    ((أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) )) سورة الشرح.
    نوسعه، نشرحه، نجعله يكون فسيحا ذو صبر وتحمل وهكذا سعة في العلم،
    ((أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) ))
    لا يعني أيها المسلم انشراح الصدر أن تبقى فرحا بالمعاصي كثير المزاح كثير الفتن، لا ولكن انشراح الصدر بطاعة الله، الفرح بها والإستبشار بطاعة الله. كلما عمل عملا صالحا فرح به وازداد من ذلك خيرا إلى غيره. منه ومن غيره. ونظير ذلك.
    ((إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) )) سورة المؤمنون.
    انظر، الذين شرح الله صدورهم، كلما عمل عملا لا يزال مقبلا على غيره،
    ((يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) )) سورة الإنسان.
    وكلما ازداد خوفهم من الله ازدادت صدورهم انشراحا لطاعة الله. هذا من فضل انشراح الصدور ومن ذلك أيها المسلم أن انشراح الصدر بطاعة الله يجعل يديك يقيناً، أن هذه الصدور علمها عند الله. وأن الله عز وجل لا يخفى عليه من شأنها شيء. قال الله سبحانه وتعالى :
    ((أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ (11) )) سورة العاديات.
    وقال سبحانه:
    ((قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) سورة آل عمران:29.
    فالله يعلمه، فهذا يجب أن ينشرح له صدرك، هذه المراقبة العظيمة، ولا يضيق بذلك، ولا يمكن أن تستخفي من الله عز وجل. ((أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) سورة هود:5. سواء أسررت أو جهرت كل ذلك عند الله سواء
    ((وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) سورة الملك:13.
    هذا يزيد صدرك انشراحاً وسعةً في طاعة الله وإقبالاً ومراقبة لله سبحانه وتعالى.

    الخطبة الثانية:

    الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
    أما بعد،،،

    يقول الله عز وجل في كتابه :
    ((المص (1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) )) سورة الأعراف.
    لأنه حين بُعِثَ عليه الصلاة والسلام قال :
    ((أتتني رسالة من ربي فضقت بها ذرعا ورأيت أن الناس سيكذبونني فقيل لي: لتفعلن، أو ليفعلن بك)) أخرجه البخاري في "خلق أفعال العباد" وصححه العلامة الوادعي في الصحيح المسند (2/157).

    فقال الله:
    ((فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3) )) سورة الأعراف.
    هكذا يقول الله عز وجل لا شك أن الصدر قد يضيق ببعض الأذى. ولكن هذا الأذى بجانب الإحتساب للمثوبة عند الله عز وجل يتسع الصدر وينفسح الصدر ويتسلى بطاعة الله وذكره. قال الله:
    ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) )) سورة الحجر.
    فقد يحصل ضيق في الصدر ولكن هذا الضيق سرعان ما يزول وينشرح الصدر ويتلاشى ذلك الضيق بطاعة الله. وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مبيناً لدعاء الكرب:
    ((لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم)). قد يحصل ضيق ويحصل كرب ولكن يزول ذلك بتوفيق الله عز وجل بطاعة الله فينشرح الصدر. ويطمئن القلب. ويهدأ البال، ويصير على نور من ربه. هذا كله من براهين على أن طاعة الله مهما كان الإنسان من ضيق حال في رزقه، في مرضه، في شؤونه، وهو في طاعة الله فهو منشرح الصدر، وأن أضيق الناس صدورا وأسوأ الناس أخلاقا هم الذين أعرضوا عن ذكر الله.
    ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)) سورة طه:124.
    والضنك شامل لمعيشته ولصدره ولحياته ولأقواله ولأخلاقه ولسائر شؤونه. ضنك. معيشة.
    أيها الناس،،،
    إن أمر الصدور أمر عظيم :
    ((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)) سورة الحج:46.
    ويعنى بذلك أنها لا تعمى كما تعمى العمى الكلي ولكنه جزئي. ليس كعمى الصدور. أما عمى الصدور فلا أشد منه، عمى القلوب لا أشد منه. تصير عليه الأقفال وتصير مغلقة وغير بصيرة بشيء من الحقائق:
    ((خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ)) سورة البقرة:7.
    فلا يبصروا شيئا من الحق. ((فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)).
    لا شك أن الأدلة تثبت عمى الأبصار، لكن أن ذلك أشد. كما حديث:
    ((أتدرون من المفلس)) وأمثال ذلك هذا معناه.
    وفي هذا الباب، قال الله عز وجل:
    ((قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ.. )) سورة الإسراء.
    حين أنكروا البعث، قال الله عز وجل:
    ((قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ)).
    أي شيء من هذه الحجارة أو الحديد أو الجبال، كونوا من ذلك يعيدكم الله:
    ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)) سورة فاطر:43.
    وهذا على سبيل التقريب لهم. وقال الله سبحانه وتعالى مبينا أهمية هذه الصدور وأهمية العناية بها وأهمية انشراحها في ذلك كلها، أهمية انشراحها في أدلة كثيرة ومن ذلك ما قد سبق بيانه وقول النبي صلى الله عليه وسلم :
    ((صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر)) رواه البزار وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
    هذا الصدر يحصل فيه كبر، يحصل فيه حسد، يحصل فيه مرض، يحصل فيه ما يضر العباد والبلاد، والجماعة والأفراد ولكن ذلك يعالج بطاعة الله سبحانه وتعالى. قال الله عن الكفار:
    ((ِإن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ)) سورة غافر:56.
    فكان علاج ذلك من كبرهم الاستعاذة بالله :
    ((ِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))
    الذي لا يخفى عليه شيء مما في صدورهم ومن ذلك. قال الله :
    ((وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ...)) سورة غافر.
    فعند استحضار مثل ذلك تعلم أن الكائد الماكر الكافر الفاجر يكن أموراً ومع ذلك لا يضر لأن الله يعلمها، ولا يخفى عليه شيء من أمره، ومن أمور خلقه:
    ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) )) سورة آل عمران.

    فقوله :
    ((عليم بذات الصدور))
    أي لا تفعلون شيئا هذا الذي تكيدون به في صدوركم يزول، ولا يمكن أن يحقق والله عز وجل لا يريد تحقيقه. فهذه مع أنها من أدلة مراقبة الله سبحانه وتعالى عليم بذات الصدور. وقال الله:
    ((إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ...)).
    فمن رحمة الله عز وجل وعلمه بما في ذات الصدور سلّم
    ((... إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) سورة الأنفال:43.
    وجعلهم يرون المشركين قلة. وهونهم في أعينهم. وهكذا حتى نصرهم الله. فإذا أراد الله عز وجل نصر المؤمن، إذا أراد الله عز وجل نصر المؤمن هون عليه عدوه. هون عليه عدوه الكافر في صدره، لهذه الآية.
    ((وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الاُمُورُ)) سورة الأنفال:44.
    نعم قال الله سبحانه وتعالى مبيناً :
    ((لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ)) سورة الحشر:13.
    فإنهم لا يخافون الله عز وجل كما يخافون المؤمن، الكفار لا يخافون من الله عز وجل كما يخاف (أي الكافر) من عدوه. ((لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ)) سورة الحشر:13.

    شاهد من ذلك أنهم :
    ((يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)) سورة النساء:108.
    أسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه.

    ***والحمدلله رب العالمين***
    قام بتفريغه:
    أبو عمر شريف الشعبي

    ومن هنا صوتياً :

    التعديل الأخير تم بواسطة علي بن إبراهيم جحاف; الساعة 19-02-2013, 03:01 PM.
يعمل...
X