إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفريغ خطبة الجمعة::ثقة المؤمن الأواه بعظيم كفاية الله:: للناصح الأمين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفريغ خطبة الجمعة::ثقة المؤمن الأواه بعظيم كفاية الله:: للناصح الأمين

    ثقة المؤمن الأوَّاه

    بعظيم كفاية الله


    خطبة جمعة مفرَّغة

    (21/صفر/1434ه)


    لفضيلة الشيخ الناصح الأمين:


    أبي عبد الرحمن يحي بن علي الحجوري


    -كفاه الله شرَّ الفاتنين المفتونين -



    بسم الله الرحمن الرحيم


    النصُّ المفرَّغ :



    أسأل الله تعالى أن ينفع بها الإسلام والمسلمين



    الْحَمد لله نحمده، ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا اله إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله.
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران102].



    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}[النساء:01] .

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب:70-71]

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم و شرِّ الأمور محدثاتها و كلَّ محدثة بدعة و كلَّ بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النَّار.
    أيَّها النَّاس؛ روى مسلم في "صحيحه"([1])من حديث عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ».
    هذا الحديث حديث عظيم يذكرك أيها المسلم بنعمة الله عليك في أمور كثيرة و منها أن الله –عزَّ و جلَّ- كفاك و أن الله يكفي عبده ، وهذه صفة لله –عزَّ وجلَّ- و من العلماء من عدَّ ذلك من أسناء الله الحسنى ، اسم "الكَافي" ؛ و أدلة ذلك كثيرة ، فمن تلك الأدلة على هذا الإسم العظيم و على ما يتضمن من معاني عظيمة جليلة قول الله-عزَّ وجلَّ- : {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:137].
    بعد أن ذكر مشاقَّة الكافرين و عناد الكافرين لرسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم- أبان له و للمؤمنين ذلك أنهم إن آمنوا بالله وبرسله وبكتبه ، إن آمنوا بما جاء به رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقد اهتدوا ، وإن لم يأمنو فليس عندهم إلا الشقاق،ما دام متولين عمَّا جاء به رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ، ومن كان هذا حاله فإن الله كافٍ المؤمنين شرَّه { فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}؛ وختم هذه الآية بقوله{ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} :أي السميع لما يقولون من توليهم وعنادهم وإعراضهم ،العليم بما في ضمائرهم وظواهرهم-و ظواهر العباد جميعاً- فإنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
    و إن المتولي عن الحق لا شك أنه يظهر ويضمر ، ومادام كذلك هو و غيره في إحاطة الله سبحانه وفي علمه ولا يخفى شيء من أمره فإن كان كذلك إن شاء الله سلَّطه وإن شاء كفى الله المؤمنين شره{ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
    و نظير هذه الآية في إثبات هذه الصفة قول الله سبحانه وتعالى :{ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ }[آل عمران 124-125].و هذا تذكير عظيم بكفاية الله سبحانه وتعالى لعبده المؤمن سواء كثر العدو أو قل فإن الله كافٍ عبده كما قال سبحانه:{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[الزمر:36] فكفاية الله عظيمة ،كفاية الله –عزَّ وجلَّ- شاملة لعبده لسائر شؤونه و أحواله في دنياه وأخراه ، فإذا كفاك الله سبحانه وتعالى نصرك و إذا كفاك الله سبحانه وتعالى أعزَّك ، وإذا كفاك الله سبحانه وتعالى دافع عنك ، وإذا كفاك أمدَّك وأصبغ عليك نعمه ، من الذي يكفي خلقه؟ الذي يرزقهم ويمدهم ويعطيهم ،من جنٍّ وإنسٍ ، وذكورٍ وإناثٍ ، من الذي يكفي خلقه؟ ؛ مما لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى . {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك:14]. ثق فيه سبحانه يكفي كلاً من فضله سبحانه ، ويغني كلاً من فضله و من جوده وإحسانه ، من الذي يكفي العباد العباد؟ ، ويدفع عن العباد شر العباد ؟ إنَّه الله {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}[الحج:38] فهي كفاية شاملة . من الذي يكفي العبد المعاصي والذنوب ،و يجنبه إيَّاها؟ إلا الله سبحانه وتعالى.
    من الذي يكفيه الشيطان ،و جنود الشيطان ،و أعوان الشيطان؟ إلا الله سبحانه وتعالى :{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}.
    من الذي يكفي المؤمن النار ، و يجنِّبه النَّار ،ويدخله الجنَّة و يمنُّ عليه بها؟ أليس الله سبحانه وتعالى ، سواء وفقك للهداية فهذه كفاية من الله –عزَّ وجلَّ- ، أو لأي خير أو دفع عنك كلَّ شرٍ كلُّ هذا من كفاية الله ومما تضمنه هذه الصفة العظيمة لله سبحانه وتعالى-صفة الكفاية- و من أهل العلم من يعد ذلك اسم له سبحانه وتعالى .انظر إلى قوله سبحانه :{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}أي مقابل أتعابه من ذلك المال ، إلى قوله: { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}[النساء:06]. في شأن اليتيم أمر عظيم ، اليتيم مسكين يكون في حُجر ذلك الراعي لو لم يعتني بمراقبة الله و محاسبة الله لأتلف مال اليتيم ، وربما أكل مال اليتيم إسرافاً و بداراً و ربما كان غنياً و أكل منه و هو يستطيع أن يأكل من غيره وربما أدى إليه ماله في حال طيشانه وسففه و عدم حسن تصرفه فيتلف ماله فبعد هذه الآيات قال :{ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}أي يحاسبكم وشهيد عليكم و لا يخفى شيء من أمركم ، فإذا لم يحاسبك هذا اليتيم أين ذهب ذلك المال وتلك النقود أو تلك المواشي إلى غير ذلك على الصغير و الكبير يحاسبك الله ؛ هذا يتيم ما يستطيع أن يحاسبك ،فكانت مناسبة هذه الآية {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}فيما هو من شأن اليتيم مناسبة عظيمة {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} ، فاستحضر هذه الآية أن الله- عزَّ وجلَّ- سيحاسبك سبحانه و تعالى وكفى به حسيباً و هذا من كفاية الله سبحانه و تعالى لهذا المسكين ،و هذا اليتيم أن الله يكفيه، لا تحاسب أيها اليتيم ليس لك قدرة على الحساب فالله-عزَّ وجلَّ- وكيله ، وكفيله ،كفى به ، والله محاسبٌ عنه من أتلف ماله أو أسرف فيه أو أضاع منه قليلاً أو كثيراً و نظير هذه الآية قوله تعالى : { وَلَقَدْوَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء:131-132] .
    فالله محيط بكل شيء فإذا كان وكيلك فكل ما يأديك يكون الله سبحانه وتعالى وكيلاً عنك يدفع شرَّه ويُبئس ضرَّه و لا يضرُّك { وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}عقَّب هذه الآية بإحاطة الله سبحانه وتعالى و أن ملوك السماوات و الأرض بيده قال :{ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}، فإذا فاستحضرت وَكالة الله وأنه كافيك سبحانه ، فإذا كفاك كان وكيلاً عنك . من الذي يستطيع أن يضرُّك؟ كفى به سبحانه وبوكالته وبمحاسبته ،نظير ذلك قوله سبحانه وتعالى :{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }[الأنبياء:47].فكما انه يحاسب لذلك اليتيم كل ما أتلف من ماله أو أضيع من ماله بغير الحق أيضاً حساب الله –عزَّ وجلَّ- دقيق مثاقيل الذرُّ لا تضيع فيها { وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} ، سواء لليتيم ولغيره من عباده يحاسب العبد إذا حاسبه على كل صغير وكبير وقطٍ وقطمير:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} و هذه (نفسٌ) نكرة تشمل بني آدم وغير بني آدم الجن والإنس ، وحتى الحيوانات يأتى بالناطحة والمنطوحة فتستوفي المنطوحة حقَّها {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً} من خيرٍ أو شرٍ ،{ إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف:46].و نظير هذه الآية قوله سبحانه : {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}[النساء:165-166].كفى بالله شهيداً كاتباً حاسباً سبحانه و تعالى حاضراً لا يغفل {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} فكن مكتفيًا بكفاية الله سبحانه وتعالى عفَّةً ، صيانةً ، توكُّلاً ، ثقة بالله سبحانه وتعالى{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}،((فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ))، من الناس من يَكلُهُم الله إلى أنفسهم لا يكفيهم ولا يعينهم ، والكفاية هنا غير كفاية الرزق وما خلقه الله للعباد وتكفله لهم ، ولكن هنا كفاية خاصَّة ،كفاية إعانة ، كفاية تسديد ، كفاية توفيق من الناس من لا يعينه ، كم ممن لا كافي له ، ولا يسدده ولا يعينه ، ولا يُأوِيه بل يبعده ويقصيه، ونظير هذه الآية قوله تعالى: { مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ} هذا الفضل الذي أعطاهم وزكَّاهم وأهداه لهم و كفاهم به {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا}[النساء:69-70]. الله يعلم من يستحق الفضل ، من يستحق العطاء ، من يستحق الإكرام ، من يستحق الهداية والتوفيق ، الله يعلم كفى به عليماً ، فهذا من علم الله {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[الصف:05]. يعلم الله أن هذا زائغ فيزيغه ، ويعلم الله أن هذا مهتدٍ فيهديه{وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا}.
    اختصَّ الله من النَّاس رسلاً ومن الملائكة{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ }[الحج:75]،وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا،{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الإنعام:124] ، هكذا يقول سبحانه وتعالى، وكذلك الله أعلم حيث يجعل هدايته ، وحفظ دينه ، ((يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيَعْصِمُ وَيُعَافِي فَضْلًا وَيُضِلُّ من يشاء ويخذل ويبتلي عدلاً)) ([2]).
    و نظير هذا قوله{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء:70].{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ}السياق في المنافقين { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء:81]. فالله يعلم ، يبيِّتون ، يستخفون ، يستترون ، يظهرون ، يبطنون ، لا عليك أنت كن واثقاً بكفاية الله سبحانه و تعالى لعباده ، لا عليك هذا من صميم التوكُّل بالله و الإيمان ، وضعفه ضدُّه ، فإذا لم تثق بكفاية الله لعبده ، ولكفاية الله –عزَّ وجلَّ- لك فإيمانك ضعيف ؛المنافقون وغير المنافقين{ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، تأمَّل خطاب الله تعالى لنبيِّه محمدُ-صلَّى الله عليه وسلَّم- حين كذَّبه الكفَّار والمشركون قالوا : ما أنت رسول ، فقال الله –عزَّ وجلَّ : {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا}كان جوابه فيما انزله الله –عزَّ وجلَّ- وأمْره له بذلك{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}[الرعد:43] أي :يكفي بأن الله يشهد أنِّي بلغت رسالته، وأن الله شهيد وعالم أنِّي بلغت دينه؛ يكفي، وهكذا أهل الإنصاف يعرفون ذلك من أهل الكتاب يشمل ذلك عبد الله بن سلام-رضي الله عنه- وسائر أهل الكتاب الذين أنصفوا والذين قرأوا والذين آمنوا بذلك كالنجاشي وغيره، أمَّا من أعرض فلا عليك ، ونظير هذه الآية قوله سبحانه و تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }[ المائدة:116-117] .
    هو الرقيب ، الكفيل ، الوكيل على كل شيء ،قال : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة:118].
    و هكذا يذكر الله –عزَّ وجلَّ- في[سورة] يونس : {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ}[يونس:28-29].لو كان النَّاس يعطون بدعواهم دنيا وأخرى لفسدت السماوات و الأرض ومن فيهنَّ ما لم تكن هناك حقيقة علمية دينية ، ولهذا يدَّعون عليهم يوم القيامة أنَّهم عبدوهم من دون الله ، فيكذبهم الصَّالحون فيقولون:نحن كنَّا عن عبادتكم غافلين ، لا ندري ، ولماَّ أنزل الله-عزَّ وجلَّ- :{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }[الأنبياء:98] ، قال ابن الزِّبَعْرَى خُصِمَ محمدٌ -أي أن عزيراً سيعذَّب ، عيسى سيعذَّب كثير من الصالحين عبدوا من دون الله غير راضين، فخُصِم محمَّدٌ- فأنزل الله-عزَّ وجلَّ- : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:101-103].هذا كله من وكالة الله سبحانه وتعالى ، فهو نظير تلك الآية-يونس:29- ، تأمَّل هذا الأمر العظيم-الدعاوى- :{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} فرقنا بينهم الصالحون في جهة والكافرون في جهةٍ ،{ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ}، فأولئك يعبدونهم من دون الله ، ويوم القيامة الذي عُبدوا من دون الله من عباد الله الصالحين لا ضرر عليهم ، وإنَّما الطاغوت من عُبِد من دون الله -عزَّ وجلَّ- و هو راضٍ ، أمَّا هؤلاء لا ضَير عليهم ، مجرَّد الدعاوى لا تضر لا في دنيا و لا في أخرى.

    الخطبة الثانية :


    الحمد لله على هداه ، الحمد لله على ما منَّ به أعطى ، الحمد لله على الإيمان به وتقواه ، الحمد لله على ما أسبغ به و كفاه ، الحمد لله على كلِّ حالٍ ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده و رسوله صلَّى الله عليه وعلى آله و سلَّم تسليماً كثيراً أمَّا بعد :
    يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سياق هذا الإسم العظيم-بعضهم جعله اسماً وبعضهم جعله صفةً- وبيانه للمؤمنين :{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا }[الأحزاب:1-3].فاعتمد أيها المسلم على ربِّك ثقةً بالله سبحانه ،المنافقون يكيدون، و يمكرون ، ويفتِنون ولا لكن لا سبيل لهم ، بل إن من أحقر الناس وأفسد الناس أحوالاً لهُمُ المنافقون ، وأشدِّ ذلَّة و أشد انهزاماً لهم المنافقون على مرِّ التاريخ سواءٌ من الخوارج أو من الروافض أو من شابههم أو قلَّدهم من قربٍ أو بعدٍ ،و توكَّل على الله و لا تطع الكافرين ولا المنافقين ، لا هؤلاء ولا هؤلاء ،اعتمد على الله و اسلك سبيله و اتبع هداه ، والتزم دينه{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا } .
    قال الله :{ نَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }[الالحجر:95].كفى بالله هادياً و كفى به نصيراً ،و موفقاً ، و معيناً ،{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} ،و يقول الله سبحانه :{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} إلى قوله : {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}[الأحزاب:45-48].الكفار والمنافقين في أذيَّة المؤمنين زملاء ، سيَّان في كلِّ زمانٍ ومكانٍ ، رفقاء يعين بعضهم بعضاً و أوصافهم كثيرة ، تأمَّل كيف قال الله-عزَّ وجلَّ- :{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان:31]. ((هادياً)) يهديك وينصرك ، فلا هم يخذلونك عن دينه ولا هم يضرونك في دنيا ولا أخرى ، أعداء متكاثرون ، ويقول الله-عزَّ وجلَّ- : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} أي يوفقهم للتوبة و إمَّا أن يستمروا على نفاقهم فيعذبهم { إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا }[الأحزاب:23-24] .كفاهم ، تجمَّع مشرك قريش بقيادة أبي سفيان و هكذا من اليهود من داخل المدينة و ظنُّوا انَّهم استأصلوا المدينة أو سيستأصلونها ولن يصنعوا شيئاً ، يقول الله سبحانه –انظر كفاية الله عزَّ وجلَّ وتذكير المؤمنين بهذه الكفاية العظيمة :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}[الأحزاب:9-10] ، بجنود يسيرة ، عظيمة ولكنها في نظر الناس أنها الريح ، والهواء ما إلى ذلك ، تفرقوا لم يعملوا شيئاً لم يعملوا قطًا، لم ينالوا خيراً قال سبحانه :{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}[الأحزاب:25] ، آيات عظيمة تجعل المؤمن في غاية الثقة بالله سبحانه وتعالى غير مبالٍ بمن أعرض عن دينه ، غير مبالٍ بمن فَتَنَ دينه، غير مبالٍ بهم ، متوكلاً على دينه{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}.
    سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلاَّ أنت أستغفرك وأتوب إليك


    قام بتفريغ المادة الصوتيَّة :

    حسين بن مسعود الجيجلي أبو عبد الله.

    -عفا الله عنه بمنِّه وكرمِه-




    (1)- برقم (2715).

    (2) - "شرح الطحاوي"(ص/148) لابن أبي العز -رحمه الله-.

  • #2



    يمكنك تحميل الخطبة مفرّغة
    وورد
    بيدأف

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيراً أخانا أبا عبد الله
      وبارك فيك ونفع بك

      وشكر الله الأخ عبد الحكيم
      أحسنتم يا أهل الجزائر وأحسن الله إليكمو
      نسأل الله أن يجعل الناصح الأمين ذخراً للإسلام والمسلمين

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيراً أخي عبد الحكيم و نفع بك .و الله-يا إخواني- عند تفريغي لهذه الخطبة ، وكأني أقوم بتفريغ درس في التفسير

        ذلك فضل الله يا صاحب البالوعة يأتيه من يشاء و يمنعه عمن يشاء.

        تعليق

        يعمل...
        X