إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفريغ خطبة [الإنباء ببعض صبر الأنبياء] لشيخنا يحيى الحجوري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفريغ خطبة [الإنباء ببعض صبر الأنبياء] لشيخنا يحيى الحجوري

    بسم الله الرحمن الرحيم
    تفريغ:خطبة يوم الجمعة 30 رجب 1432هـ
    الإنباء ببعض صبر الأنبياء
    للعلامة المجاهد الناصح الأمين


    أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
    حفظه الله تعالى

    الحمد لله، نحمده و نستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
    {
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }[آل عمران:(102)]
    {
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء:1]
    {
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }[الأحزاب:80-81].
    أما بعد:
    فقد ثبت في صحيح مسلم ,من حديث أبي هريرة رضي الله عنه , أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال :"مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ"الحديث والشاهد منه وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وفي الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :".. وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ القصد القصد تبلغوا "بعد أن أمرهم بالتسديد والمقاربة حثهم على الإستعانة ، وفي صحيح مسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ"والشاهد من الحديث، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ،فما من شك أن العبد يحتاج إلى من يعينه، وأنه فقير إلى ربه عز وجل قال الله عز وجل { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)}[فاطر]فهو عبد ضعيف، عبد تنتابه الأمراض والأسقام، عبد تنتابه الأحزان والآلام ، عبد ينتابه الهرم والتعب ، عبد بحاجة إلى عون الله عز وجل ،ثم إلى عون من يعينه من عباد الله ،ألا وإنّ من أعظم ما يستعين به هذا العبد، كما أرشد الله عز وجل لهو أمر الصبر، فإنك بحاجة إلى أن تستعين بهذا الصبر، الصبر عونٌ عظيم ، أرشد الله إليه ، وهو خير كثير جدا من إعانة غيره،فمن هُدي للصبر فقد هُدي لسبب عظيم ، معين بتوفيق الله عز وجل، قال الله عز وجل { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)}[البقرة]،وترى في هذه الآية تناسبا عظيما،فإن الذي يأمر الناس بالبر وينسى نفسه هذا لضعف فيه، ولهذا قال بعدها {أفلا تعقلون}أي أن العاقل شأنه أن يعتني به أكثر ويأمر نفسه بالبر قبل غيره، ومن كان شأنه أنه يأمر الناس بالبر وينسى نفسه هذا لضعف في عقله؛ إما أن يكون هذا الضعف ضعفا إيمانيا لأن العقل هو القلب ،{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج 46] فهو العقل، والإيمان في القلب، إما أن يكون هذا الضعف إيمانيا وإما أن يكون مع أنه إيماني أيضا إرتكم عليه ضعف القوة لم يكن عنده تلك القوة كما عند قلوب من مكنهم الله عز وجل، فلما كان كذلك أرشد هذا الضعيف الإيماني أو هذا الضعيف صاحب الضعف القلبي إلى أمر يعينه ويرفع من شأنه ومن معنويته حتى يقوم بما أوجب الله عليه قال الله عز وجل بعد أن ذكر الآية الماضية {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)} [البقرة ] ما دمتم على هذا الحال من الضعف فالذي ينقذكم بإذن الله عز وجل وينشط قواكم ويقوي قلوبكم وإيمانكم الإستعانة بالصبر والصلاة، هذا معنى الآية ، واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها أي الصلاة لكبيرة عظيمة ثقيلة إلا على الخاشعين ، فهذا عون عظيم للعبد وهو أمر الصبر يعينه به الله عز وجل به عونا كبيرا عظيما ، ونظير هذه الآية قوله مخاطبا للمؤمنين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}فأنت تعلم ما ينتاب المؤمنين من الأذى بقدر لإيمانهم ، يبتلى العبد على قدر إيمانه، وإن في دينه صلبا شدد عليه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه ، ومع هذا الإنتياب الشديد مأمور بالإستعانة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) }[البقرة ]ووعد الله عز وجل الصابرين بمعيته ، فبقدر ما يكون لديك من الصبر لله تكون معية الله عز وجل لك بوعده الحق الذي لا يخلف، ومن هذا قول الله عز وجل :{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}[النحل ]قال المفسرون وما صبرك إلا بالله الباء هنا للإستعانة أي إلا بعون الله ولم يكن لأحد أن يصبر إلا أن يعينه الله سبحانه وتعالى {وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا-بعد أن ذكر الصبر أخبر أنه من التقوى - وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}[النحل ] هذه الآيات تدل على فضيلة الصبر ،وأنه يحتاج إليه كل إنسان ، فالعبد إذا أصيب ببلاء ولم يصبر راكم عليه البلاء أكثر ،وإذا صبر ربما اندفع عنه الشر ، فإن هذا الصبر يعتبر دافعا للشرور وللكيد والمكر ، بنص قول الله عز وجل بعد أن ذكر الكافرين المعادين {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا-وهذا شيء عظيم إداء كبير الحسنة المقصود بها الخير هنا فأي خير يحصل لكم يسؤهم ذلك الخير، والسيئة هنا المصائب والإبتلاءات -وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)}[آل عمران]فالله محيط بهم من جميع جوانبهم وفوقهم ومن سائر شؤونهم {إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}،{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5)}[آل عمران ]ولهذا لنا بأنبياء الله ورسله أسوة في صبرهم والله سبحانه وتعالى قادر أن يمكن لأنبيائه بغير صبر ولا ابتلاء لكن سنة الله في خلقه اقضدت أنه لا بد أن يصبر ، وانظر إلى قول الله عز وجل {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}[الطور] فالله عز وجل وصفه أنه أن الله عز وجل ناصره، وأن الله عز وجل مطلع عليه ومعينه إعانة خاصة ولا يخفى عليه حاله ما يحصل له من الأذى ولكن أمره بالصبر في هذا الحال {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) }[الطور] وهذا تنبيه مهم أن الصبر هو نفسه الصبر بذاته لقصد الإبتلاء ، يأمر الله العبد بالصبر ليمحصه
    {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)}[آل عمران ].14:/21 وهو قادر على أن ينصر وأن يؤيده وأن يدفع عنه الأمراض والأسقام ولكن حكمة الله اقتضت أنه لابد أن يصبر العبد ،وقال الله سبحانه وتعالى {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)} [الأنعام] وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن هذه سنة الله عز وجل أبانها لنبيه أن الرسل جميعا قبله كذبوا، وأن الرسل جميعا قبله أوذوا، وأن بعد هذا الأذى والصبر نصرهم الله ، فالصبر باب النصر دائما، الصبر باب النصر دائما، الصبر على الهدى هذا هو باب النصر ، وكأن الله عز وجل جعله بوابة يلجها عباده الصالحون، عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، إن أصابته سراء شكر وكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، الأنبياء وما دونهم، هذا شيء خصيص يعتبر خصيص مكرم مكرم ، الصبر من مكارم المؤمنين مكرمَ للمؤمنين وليس ذلك إلا للمؤمن ، أخرجه مسلم من حديث صهيب ابن سنان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أمر الله نبيه أن يقوي عزيمته بالصبر أكثر ،{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ -وأولو العزم هم نوح، وإبراهيم،وموسى، وعيسى، هؤلاء أمر الله عز وجل أن يصبر كصبرهم لأنهم أشد الأنبياء صبرا وابتلاء- وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ(أي لقومك)كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ(أي هذا بلاغ ) فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)}[الأحقاف ]، وما هذه الأوامر للنبي صلى الله عليه وسلم، إلا لأنه... .من مشركين ومنافقين وظلمة ومعتدين ، فلهذا أمره الله عز وجل بالصبر {وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}وأمره بالصبر على العبادة فحين أمره بتلاوة القرآن وبالاتباع {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)} [يونس]هذا الاتباع لابد له من معارضات ولابد له أيضا من فتنٍ واعتداءات من الشيطان ومن دونه، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم أمره الله أن يتبع ما يوحى إليه، هذا الاتباع سيحصل له في ثناياه أذىً شديد ، وقال :{وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ }،ونظير ذلك،{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ-طيب بعد هذا الإيمان والعمل الصالح هذا خلاص مغدق عليه مستريح لا - وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) } [العصر] نعم يؤمن ويعمل الصالح ويوصي بالحق لابد له مع هذه الأمور من تمحيص ، لابد له مع هذه الأمور من شدة ، فأوصاه الله بالصبر وتواصوا بعد ذلك بالصبر ، نظير ذلك { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)}[لقمان] ,عزم الأمور ليس بالأمر اليسير، لا يتحمل عزائم الأمور إلا أشداء الرجال وأقوياء ...فهذا هو عزم الأمور، والشاهد من هذا كله أن أعظم من يحتاج للصبر هم الرسل وأتباع الرسل{كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ }وبقدر ما يتمسك الإنسان ويتبع إتباعا صحيحا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى مزيد من الصبر يستنير به ويستضيء به،فقد تبث في صحيح مسلم وخارجه عَنْ الحارث الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :" الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ-والصب ضياء - كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا"، وأنت بحاجة إلى الضياء وإن لم تستضيء تظلم علك الدنيا، مهما سلكت من حال لم تصبر فيه لا شك أنك ستنتهي إلى ظلمة، ولابد من الصبر في سائر أوقاتك وحالاتك مع نفسك وغيرك، هنا تستضيء وتستبصر وتمشي على برهان وهدى ونور ، أمر الله عز وجل نبيه بالصبر على طاعته وقال الله عز وجل {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)}[مريم]، أي نظيرا ومثيلا ليس له نظير ولا مثيل سبحانه وتعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}والله سبحانه أمر نبيه بالصبر على عبادته، وصبر عليه الصلاة والسلام وقد كان يقوم حتى تتفطر قدماه ، وهذا صبر عظيم ويقول ألا أكن عبداً شكورا أمره بالصبر على العبادة وعلى تأدية الرسالة
    {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ-الأصنام والأوتان- فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) }[المدثر] أو تظن أن من قام بذلك لا يؤذى في خضم المشركين ، لا شك أنه سيؤذى لكن نبهه الله آمرا له عليه الصلاة والسلام ، والأمر لغيره أيضا من المؤمنين بالصبر{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)}ونظير هذه الآية قول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ}بعد هذه الآية يأمر بالطاعات كثيرة أبان له الله عز وجل أنه سيعترضه من الأذى بقدر ما مكنه الله له من الخير فقال {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)}{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ}[المزمل]وهكذا نظير ذلك قول الله سبحانه وتعالى { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)}[الإنسان]،أبان الله عز وجل له أن يقيم هذا الكتاب وأن يبين للناس ما نزل إليه وأنه يصبر لحكم الله، فحكم الله ماض على أعناق العباد برّهم وفاجرعهم مسلمهم وكافرهم صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم جنهم وإنسهم ، قال الله سبحانه وتعالى {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ}[العنكبوت] وقال في الآية الأخرى {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) }[هود] وإنك إن تقرأ مثل هذه الأيات تتدبر أن الله سبحانه وتعالى أبى لعباده إلا الصبر ،حتى الكافر لابد له أن يصبر وإن لم يصبر إزداد بلاؤه وازداد شره وازدادت عليه المضايق ، فإن الله يقول : {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ } [النساء]المؤمن عنده أدلة وإيمان يتسلى بذلك ، أما الكافر فإنه يشتد ألمه ويشتد طيقه {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)}[الحج].
    أيها المسلمون هذه طريقة الأنبياء ، قال الله سبحانه وتعالى {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ-من نوح وما بعده سائر انبياء-لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10)قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)}[إبراهيم ]ثبات عظيم مع صبر عظيم ،ولا يقوم الدين إلا على هذين المعنيين ثبات على دين الله وصبر على ذلك ،نعم أتريد محبة الله بغير صبر على طاعته، هذا لا يتأتى لك ، فإنه لابد من الصبر على طاعة الله، ومن الصبرعن معصية الله ،ومن الصبر على أقدار الله {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)} [القمر]، الفقر يحتاج إلى صبر وهو بقدر الله ، الفتن تحتاج إلى صبر وهي بقدر الله، الجوع يحتاج إلأى صبر وهو بقدر الله ، المرض يحتاج إلأى صبر وهو بقدر الله ، تسلط الأعداء يحتاج إلى صبر وهو بقدر الله ، وسائر الحال ، {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)}[الأنعام] فأي شيء يكون في أرض الله وفي ملكه وفي كونه ولا يعلمه، أي شيء يكون في أرض الله وفي ملك الله سبحانه وتعالى وهو يخفى عليه {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)} [آل عمران]
    الخطبة الثانية
    الحمد لله حمدا كثيرا مباركا فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا .
    أما بعد :
    فأخبر الله عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلامأنه من ابتلائه له البلاء العظيم، أمره وأخبره أنه وفى أمره بذبح إبنه وكل هذا ليبلو صبره وصبر ولده {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
    فَلَمَّا أَسْلَمَا – كلاهما الأب إستسلم لأمر الله والولد كذلك-وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)}[الصافات]ابتلاه الله عز وجل فلما اختبر صبره وصبر ولده نجاهم الله عز وجل وسلم الله ولده ، وهكذا ألقاه في النار وهو صابر ، شدة الأذى حتى من قومه {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)}[الأنبياء]، وإبنه إسماعيل قال الله عز وجل {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)}[الأنبياء]{إِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ }وصفهم الله بالصبر ، هذه مرتبة مرتبة الإمامة إمامة الأنبياء ، ومن دونهم {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}فمن لم يكن له صبر ربما ينقطع في الطريق ولا يستطيع الوصول إلى ما هيأه الله عز وجل له من ذلك الأمر المهم ، وقال الله عز وجل لنبيه {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)}-الآية- [القلم] . نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام موصوف أنه من الصابرين وموصوف بالصبر ومع ذلك عصاه قومه فغضب عليهم وخرج ، فالله سبحانه وتعالى قص من تلك القصة أنه جعله في بطن الحوت {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ } أي أن لن نضيق عليه { فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}[الأنبياء] ونجى الله قومه {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)}[يونس] وهكذا يقول الله عن نبيه أيوب و{أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)}[ص]كل ذلك المرض الذي ابتلاه الله عز وجل به والإبتلاء الشديد{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا}للتمحيص فعلم الله عز صدقه وجل صبره، وهو أعلم بخلقه سبحانه وتعالى {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)}[الملك]
    وبعد أن إشتد عليه البلاء قال رب أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ قال الله { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء]،هذه رحمة الله، ولكن الله عز وجل يبتلي عباده على قدر إيمانهم، ويبتلي صبرهم ويختبر صبرهم بأي حال أنت فيه تضيق له فاعلم أن هذا ابتلاء من الله سبحانه وتعالى لك لرفعك لرفعتك، كما ثبت في الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" فإذا هذا كله خير إن أمره له خير، ونبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام حين وجده أخوته قالوا {قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)}[يوسف]هذا إحسان تقوى الله عز وجل والصبر على ذلك هذا هو الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه بالصبر على عبادته، وبصبرك عن معصيته، وصبرك على أقداره، إنه لا يضيع أجر المحسنين ، ونبي الله يعقوب أيضا يوص أولاده بذلك فصبر جميل ونفسه حين أن أخبر بموت ولده أو أنه أكله الذئب أو أن ، {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا}[يوسف]عسى الله أن يأتيني بهم جميعا، وهكذا شأن الأنبياء شأن المؤمنين، شأن الصالحين هذه سنة الله في خلقه، أتريد محبة الله بغير صبر لا بد أن ذلك يحتاج إلى صبر {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}[البقرة]قال سبحانه وتعالى {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)} [آل عمران]أتريد النصر بغير صبر لابد من الصبر واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرى وهكذا خير ما تحوزه في هذه الدنيا وأوسع ما تحوزه في هذه الدنيا هو الصبر ففي الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ} فأي عطاء تعطاه دون الصبر، مهما ملكت من الدنيا، فالصبر يعتبر قوة "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ" قوة، الصبر يعتبر عزا ،فقد ثبت عن كبشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "وما ظلم أحد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله بها عزا "الصبر يعتبر تمكيناً ،{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)}[القصص]هذا الصبر لا غنى لك عنه أبدا في سائر حالاتك فريّح نفسك بالصبر ، أو روض نفسك على الصبر وعود نفسك على الصبر في السراء والضراء والشدة والرخاء {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}[آل عمران]وما يحصل كظم الغيظ إلا بالصبر وقوة الصبر والتغلب على غضب النفس والتغلب على شهواتها وعلى مداخل الشيطان ، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم "رأى رجلا قد غضب حتى انتفخت أوداجه قال لو قال هذا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد "هكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، عباد الله نتواصا بتقوى الله عز وجل، واعلموا أننا في أزمنة فتن أزمنة إن لم يصبر الإنسان قتل، وقد كان قتل وخرج خرج عن دائرة الحق والهدى ، قد قال النبي صلى الله عليه وسلم " سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ "وهكذا من كره من أميره شيئا فليصبر فليصبر فإنه من خرج على السلطان قيد شبر فمات مات ميتة جاهلية تحتاج إلى صبر مع الراعي ، والرعية ونفسك وغيرك وولدك وأهلك وسائر الناس ، وبقدر بعدك عن الصبر تتضرر وتفتن وتمرق عن الدين وربما كنت مصيدة الشياطين ونسأل الله العافية السلامة ،
    ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ،
    اللهم دمر الكفر والكافرين وانصر الإسلام والمسلمين يا رب العالمين .
    قام بتفريغ هذه المادة
    أبو إبراهيم المصطفى موقدار
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو إبراهيم المصطفى موقدار; الساعة 10-01-2012, 01:28 PM.

  • #2
    جزاك الله خيراً أخي أبا إبراهيم، وحفظ الله العلامة السَّلفي الشَّيخ:
    يحيى بن علي الحجوري

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو إبراهيم المصطفى موقدار; الساعة 10-01-2012, 06:14 PM.

    تعليق


    • #3
      المشاركة الأصلية بواسطة أبو أحمد ضياء التبسي مشاهدة المشاركة
      جزاك الله خيراً أخي أبا إبراهيم، وحفظ الله العلامة السَّلفي الشَّيخ:
      يحيى بن علي الحجوري



      اللهم آمين

      وجزاك أخانا الفاضل أبا أحمد ضياء

      تعليق


      • #4
        جزى الله علامة اليمن خيرًا

        تعليق

        يعمل...
        X