مقتل الشيخ المبارك سعيد بن دعاس حلم أم حقيقة
الحمد لله العزيز الجبار، الذي يخلق ما يشاء ويختار، والصلاة والسلام على عبده ورسوله المختار، وآله وصحابته الأطهار، والتابعين لهم بإحسان مدى الأعصار، أما بعد:
فيقول الله عزوجل: ﴿كل نفس ذائقة الموت﴾، ويقول: ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم﴾، ويقول: ﴿إنك ميت وإنهم ميتون﴾، ويقول: ﴿ثم إنكم بعد ذلك لميتون﴾.
دلّت هذه الآيات على أن الموت مقدر على بني آدم كائن ذلك لا محالة، ولا مفر له منه ولا مهرب كما قال سبحانه: ﴿قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم﴾، وقال: ﴿أينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة﴾.
ومع هذا فإن الشخص إذا افتقد أبًا أو أمًّا، أو ابنًا أو أخًا، أو زوجة وقريبًا، أو صاحبًا وخلٍّا، ممن تربطه به علاقة طينية، أو مصلحة دنيوية، أو قضية شخصية، أصابه الحزن بقدر محبته له، وبحسب فوات مصلحته منه، فكيف إذا كان المفتقَد ممن تربطك به علاقة دينية، وقرآن وسنة، ومنهج سلفي، وعقيدة صحيحة، وأخوة في الله، وصحبة لنصرة دينه، لا شك أن الحزن بفراقه أعظم، والألم بفقده أشد.
وكلما كان المفتقَد من المتمسكين الشداد، على درب الخير والرشاد، كانت شدة الحزن بفراقه أقوى.
ومع هذا فقد أصيبت الأمة –وخصوصًا- الصحابة الكرام الأبرار –رضي الله عنهم وأرضاهم- بفجيعة عظيمة، وشدة جسيمة، ألا وهي موت رسول الله ﷺ، والذي وصفه أنس بن مالك –رضي الله عنه- بعبارة بليغة حيث قال: «لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله ﷺ المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، ولما نفضنا عن رسول الله ﷺ الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا».
ومع هذا كله فلا يجوز للمسلم أن يسخط ويجزع من أقدار الله، بل يجب عليه الصبر والتسليم، وألا يقول إلا خيرًا.
وإن مما فُجع به أهل السنة والسلفيون في الأيام الماضية: لهو مقتل شيخ عزيز، وداعٍ مبارك، ومؤلف محقق، ومصنف مدقق، وناقد بصير، صاحب تدليل وتحرير هو الشيخ المجاهد أبو حاتم سعيد بن دعاس المشوشي اليافعي –رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه فسيح الجنات في دار القرار-.
ما أن وصلني خبر مقتله –رحمه الله- إلا ودعوت له بالرحمة والمغفرة وعلو الدرجة وأنا أقول: أفي حلم أنا أم في حقيقة؟! فلما تتابعت الأخبار عن مقتله حزنت عليه، وحُقَّ لي أن أحزن، وكيف لا أحزن وقد فقدت أخًا لي، ورجلًا عزيزًا عليَّ، قامت صحبتنا على الكتاب والسنة، واتباع المنهج السلفي، ونصرته والدفاع عنه.
رأيته في دماج قبل وفاة شيخنا الإمام الوادعي –رحمه الله- وهو أحد حراس مكتبة دار الحديث العامرة، وكانت المعرفة بيني وبينه حين نشبت فتنة أبي الحسن المصري الخاسرة، فإذا أنا برجل سلفي ثبت، متواضع وسهل، صداع بالحق، وقوالٍ به، لا يجامل ولا يحابي أحدًا في السنة والأثر، وإن كان من أعز أهله وأصحابه، وجنَّد نفسه وقلمه ولسانه للدفاع بالحق عن دار الحديث بدماج وعالميها –المؤسس ووصيه- مِنْ تطاول أهل الباطل، واعتداء كل عاطل، فكتب في فتنة أبي الحسن وبعدها حتى فتنة العدني المفتون، ومشجعيه المغرورين به المقرين له كعبيد الجابري وأصحاب الإبانة، بل وفي فتنة الحوثيين العارمة قام فيهم بقلم سيال، وردود متنوعة سقطت عليهم كالجبال، وأظهرت لجهال الناس والمتعالمين منهم حقيقة الحوثيين الأنذال.
وهو في هذا وفيما قبله مجاهد بنفسه وقلمه ولسانه، باحث عن ميتتة الأعزاء، وحياة الشهداء –فيما نحسبه والله حسيبه- فنرجو أن يكون قد نالها، وذاق حلاوتها، وسكن دارها.
فوالله لموت مثل أخي العزيز الشيخ سعيد ليُحزن القلب، لكن إذا تذكرت كيفية موته غبطته وسليت على نفسك.
لقد أردت الكتابة مذ سمعت بموته فما قدرت، وما قدرت إلا بما رأيتَ وقرأت.
وليعلم الحوثيون ومن ناصرهم وعاونهم: أن مقتل الشيخ سعيد وأمثاله من دعاة الحق والسنة لن يثني بإذن الله العزائم عن كشف حقيقتهم، وتبيين حالهم، سواء بالكتابة، أو الخطابة، أو المقاتلة، وحث المسلمين على الجهاد، ولو إلى آخر قطرة دم، أو نبضة قلب، ما داموا بغاة معتدين، ونحن على الله متوكلون، وبه مستعينون، فلا نامت أعين الجبناء، ولا سكنت قلوب الأدعياء.
كتبه:
أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن عبدالرحمن باجمال
ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر شوال عام 1433هـ
حمّل المقال من هنا
أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن عبدالرحمن باجمال
ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر شوال عام 1433هـ
حمّل المقال من هنا
تعليق