الحمد لله القائل : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا، والصلاة والسلام على نبينا القائل: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ » رواه مسلم من حديث عبدالله بن عمرو ، أما بعد :
فانطلاقا من هذه المقدمة ، سوف نتعرض في هذه المطوية عن أهم الشُّبَه التي تمسّك بها من يتمسك ببدعة (الاحتفال بالمولد النبوي).
وقبل البدء في الموضوع لابد أن نذكر قواعد هي من صميم ديننا، مَن خالفها كان على خطر عظيم.
من هذه القواعد:
1- ان يعلم المسلم أن الهداية هي في طاعة الله ورسوله قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا.
2- وأن مردّ الأمور عند الاختلاف إلى كتاب ربنا وسنة نبينا لقوله تعالى : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا.
3- أن خير الأزمان والقرون هي القرون التي أرشدنا إليها النبي بقوله:« خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » متفق عليه من حديث ابن مسعود .
4- الإيمان بقوله : «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ» وتقدم.
5- أن العصمة لله، ولرسوله فيما يبلغه عن ربه، قال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، وأن غيره كائنا من كان يؤخذ من
وبعد هذه المقدمة نبدأ بالمقصود، ونسأل الله السداد والتوفيق إنه ولي ذلك والقادر عليه وحده:
الشبهة (1): دعوى أن في الاحتفال تعظيم للنبي ومحبته.
والجواب أن يقال: إن تعظيمه ومحبته إنما يكون بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ، وليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي، قال الله تعالى :قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وأشد الناس تعظيماً للنبي هم الصحابة ، فما أُثِرَ عن أحدهم أنه احتفل بمولده ، فعُلم من هذا أنه لو كان في هذا الاحتفال خير – وهم أسبق الناس إلى الخير – لسبقونا إليه .أنظر قاعدة(3).
الشبهة (2):أنه كان يعظم يوم مولده ، وكان يعبر عن ذلك التعظيم بالصيام ، ويستدلون بحديث أبي قتادة : إن رسول الله سُئل عن صوم يوم الاثنين فقال : " فيه ولدت وفيه أنزل عليّ " .
والجواب عن هذه الشبهة من ثلاثة وجوه:
1)أن الرسول لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول - إن صح أنه كذلك - ، وإنما صام يوم الاثنين – كما في الحديث - الذي يتكرر مجيئه في كل شهر أربع مرات أو أكثر.
2)هل النبي لما صام يوم الاثنين شكرا على نعمة
الإيجاد والإمداد وهو تكريمه ببعثته إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا - أضاف إلى الصيام احتفالا كاحتفال أرباب الموالد من تجمعات ومدائح وأنغام ، وطعام وشراب ؟ والجواب: لا ، وإنما اكتفى بالصيام فقط ؛ إذًا ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها ، ويسعها ما وسعه ؟ ؟ وخير الهدي هدي نبينا محمد .
أنظر القاعدة (1)و(4).
3)أن هذا الفهم الذي فهموا – وهو الاحتفال – لم يفهم الصحابة الذين رضيَ الله عنهم، وهم أهل القرون المفضلة وهم أعظم حبا منا لرسول الله ، ولم يفعلوا هذه الموالد، أكانوا أكمل فهما من صحابة رسول الله أم أنهم أشد حبا منهم؟.
أنظر القاعدة (3).
الشبهة (3):ليست كل بدعة محرمة ، ولو كان كذلك لحرم جمع أبي بكر وعمر وزيد القرآن ، وكتبه في المصاحب خوفاً على ضياعه بموت الصحابة القرآء ، ولحرم جمع عمر الناس على إمام واحد في صلاة القيام ، مع قوله (نعمت البدعة هذه).
والجواب أن يقال: قال : «وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ » رواه مسلم من حديث جابر ، قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" ص233: [هذا]من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» ، فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة " ا.هـ
وأما جمع القرآن فقد قال شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/592-593):
وجمع القرآن في كتاب واحد له أصل في الشرع، لأن النبي كان يأمر بكتابة القرآن لكن كان مكتوباً متفرقاً، فجمعه الصحابة في كتاب واحد حفظاً له أ.هـ
و أما قول عمر : (نعمت البدعة) يريد: البدعة اللغوية لا الشرعية، فقد قال الإمام ابن كثير (الشافعي)- - في "تفسيره" عند تفسير (سورة البقرة:117):"البدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية؛ كقوله :«كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة» وتارة تكون بدعة لغوية؛ كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارِهم:"نعمت البدعة هذه" ا.هـ ، ومع ذلك فصلاة التراويح قد صلاها النبي بأصحابه جماعةً لياليَ، وتخلّف عنهم في الأخير؛ خشية أن تُفرض عليهم، واستمر الصحابة يصلونها أوزاعاً متفرقين في حياة النبي وبعد وفاته، فعُلِم من هذا أن صلاة التراويح جماعة ليست بدعة وإنما قد صلاها نبينا مع أصحابه .
الشبهة(4): يدّعون أن الاحتفال بالمولد مشروع وأنه من باب الفرح بولادة النبي وقد قال الله: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[يونس:58].
والجواب: أنه قد فسر هذه الآية الكريمة كبار المفسرين ، كابن جرير وابن كثير والبغوي والقرطبي وابن العربي وغيرهم ، ولم يكن في تفسير واحد منهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية رسول ، وإنما المقصود بالفضل والرحمة المفروح بهما ما عنته الآية السابقة لهذه الآية ، وهو قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ للمؤمنين ذلك هو القرآن الكريم، وعلى فرض تفسير الرحمة بالرسول، فهل فرح الصحابة – وهم أشد فرحا منا – كما فرح أرباب الموالد؟ أنظر قاعدة(3)
الشبهة(5):أن الموالد فيها إحياء للصلاة والسلام على النبي وقد قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب:56].
الجواب: روى الترمذي، والحاكم وغيرهما عن نافع أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر ، فقال: الحمد
لله، والسلام على رسوله، قال ابن عمر :"وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله ، علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حالٍ " أنظر كيف أنكر ابن عمر على هذا الرجل هذه الكيفية التي لم يعلّمها رسولُ الله أصحابه، وقد علمنا رسولنا الصلاة عليه كما عند البخاري ومسلم من حديث كعب بن عجرة ، وليس فيها ضرب الدفوف ولا هزّ الرؤوس.راجع قاعدة (1)و(2).
الشبهة(6): استدلالهم بهذا الأثر "قال عروة : وثويبة مولاة لأبي لهب ، وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي فلما مات أبو لهب أريه(أي في المنام) بعض أهله بشر حيبة ، قال له : ماذا لقيت ؟ قال : أبو لهب : لم ألق بعدكم ، غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة".
والجواب: أنه لم يثبت من طريق صحيح أن أبا لهب فرح بولادة النبي ولا أن ثويبة بشرته بولاته ، ولا أنه أعتق ثويبة من أجل البشارة بولادة النبي فكل هذا لم يثبت، هذا من وجه، ومن وجه آخر على فرض ثبوت هذه القصة فإنها رؤيا منامية والأحكام الشرعية لا تؤخذ من الرُّؤى المنامية، كما قرر ذلك أهل العلم، بل ذكر أهل العلم كابن سعد وابن عبد البر وابن الجوزي رحمهم الله أن أبا لهب إنما أعتق ثويبة بعد زواج النبي من خديجة والله أعلم.
هذه بعض الشبه وفيها إشارة إلى غيرها فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله القائل : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا، والصلاة والسلام على نبينا القائل: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ » رواه مسلم من حديث عبدالله بن عمرو ، أما بعد :
فانطلاقا من هذه المقدمة ، سوف نتعرض في هذه المطوية عن أهم الشُّبَه التي تمسّك بها من يتمسك ببدعة (الاحتفال بالمولد النبوي).
وقبل البدء في الموضوع لابد أن نذكر قواعد هي من صميم ديننا، مَن خالفها كان على خطر عظيم.
من هذه القواعد:
1- ان يعلم المسلم أن الهداية هي في طاعة الله ورسوله قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا.
2- وأن مردّ الأمور عند الاختلاف إلى كتاب ربنا وسنة نبينا لقوله تعالى : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا.
3- أن خير الأزمان والقرون هي القرون التي أرشدنا إليها النبي بقوله:« خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » متفق عليه من حديث ابن مسعود .
4- الإيمان بقوله : «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ» وتقدم.
5- أن العصمة لله، ولرسوله فيما يبلغه عن ربه، قال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، وأن غيره كائنا من كان يؤخذ من
وبعد هذه المقدمة نبدأ بالمقصود، ونسأل الله السداد والتوفيق إنه ولي ذلك والقادر عليه وحده:
الشبهة (1): دعوى أن في الاحتفال تعظيم للنبي ومحبته.
والجواب أن يقال: إن تعظيمه ومحبته إنما يكون بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ، وليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي، قال الله تعالى :قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وأشد الناس تعظيماً للنبي هم الصحابة ، فما أُثِرَ عن أحدهم أنه احتفل بمولده ، فعُلم من هذا أنه لو كان في هذا الاحتفال خير – وهم أسبق الناس إلى الخير – لسبقونا إليه .أنظر قاعدة(3).
الشبهة (2):أنه كان يعظم يوم مولده ، وكان يعبر عن ذلك التعظيم بالصيام ، ويستدلون بحديث أبي قتادة : إن رسول الله سُئل عن صوم يوم الاثنين فقال : " فيه ولدت وفيه أنزل عليّ " .
والجواب عن هذه الشبهة من ثلاثة وجوه:
1)أن الرسول لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول - إن صح أنه كذلك - ، وإنما صام يوم الاثنين – كما في الحديث - الذي يتكرر مجيئه في كل شهر أربع مرات أو أكثر.
2)هل النبي لما صام يوم الاثنين شكرا على نعمة
الإيجاد والإمداد وهو تكريمه ببعثته إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا - أضاف إلى الصيام احتفالا كاحتفال أرباب الموالد من تجمعات ومدائح وأنغام ، وطعام وشراب ؟ والجواب: لا ، وإنما اكتفى بالصيام فقط ؛ إذًا ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها ، ويسعها ما وسعه ؟ ؟ وخير الهدي هدي نبينا محمد .
أنظر القاعدة (1)و(4).
3)أن هذا الفهم الذي فهموا – وهو الاحتفال – لم يفهم الصحابة الذين رضيَ الله عنهم، وهم أهل القرون المفضلة وهم أعظم حبا منا لرسول الله ، ولم يفعلوا هذه الموالد، أكانوا أكمل فهما من صحابة رسول الله أم أنهم أشد حبا منهم؟.
أنظر القاعدة (3).
الشبهة (3):ليست كل بدعة محرمة ، ولو كان كذلك لحرم جمع أبي بكر وعمر وزيد القرآن ، وكتبه في المصاحب خوفاً على ضياعه بموت الصحابة القرآء ، ولحرم جمع عمر الناس على إمام واحد في صلاة القيام ، مع قوله (نعمت البدعة هذه).
والجواب أن يقال: قال : «وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ » رواه مسلم من حديث جابر ، قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" ص233: [هذا]من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» ، فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة " ا.هـ
وأما جمع القرآن فقد قال شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/592-593):
وجمع القرآن في كتاب واحد له أصل في الشرع، لأن النبي كان يأمر بكتابة القرآن لكن كان مكتوباً متفرقاً، فجمعه الصحابة في كتاب واحد حفظاً له أ.هـ
و أما قول عمر : (نعمت البدعة) يريد: البدعة اللغوية لا الشرعية، فقد قال الإمام ابن كثير (الشافعي)- - في "تفسيره" عند تفسير (سورة البقرة:117):"البدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية؛ كقوله :«كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة» وتارة تكون بدعة لغوية؛ كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارِهم:"نعمت البدعة هذه" ا.هـ ، ومع ذلك فصلاة التراويح قد صلاها النبي بأصحابه جماعةً لياليَ، وتخلّف عنهم في الأخير؛ خشية أن تُفرض عليهم، واستمر الصحابة يصلونها أوزاعاً متفرقين في حياة النبي وبعد وفاته، فعُلِم من هذا أن صلاة التراويح جماعة ليست بدعة وإنما قد صلاها نبينا مع أصحابه .
الشبهة(4): يدّعون أن الاحتفال بالمولد مشروع وأنه من باب الفرح بولادة النبي وقد قال الله: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[يونس:58].
والجواب: أنه قد فسر هذه الآية الكريمة كبار المفسرين ، كابن جرير وابن كثير والبغوي والقرطبي وابن العربي وغيرهم ، ولم يكن في تفسير واحد منهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية رسول ، وإنما المقصود بالفضل والرحمة المفروح بهما ما عنته الآية السابقة لهذه الآية ، وهو قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ للمؤمنين ذلك هو القرآن الكريم، وعلى فرض تفسير الرحمة بالرسول، فهل فرح الصحابة – وهم أشد فرحا منا – كما فرح أرباب الموالد؟ أنظر قاعدة(3)
الشبهة(5):أن الموالد فيها إحياء للصلاة والسلام على النبي وقد قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب:56].
الجواب: روى الترمذي، والحاكم وغيرهما عن نافع أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر ، فقال: الحمد
لله، والسلام على رسوله، قال ابن عمر :"وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله ، علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حالٍ " أنظر كيف أنكر ابن عمر على هذا الرجل هذه الكيفية التي لم يعلّمها رسولُ الله أصحابه، وقد علمنا رسولنا الصلاة عليه كما عند البخاري ومسلم من حديث كعب بن عجرة ، وليس فيها ضرب الدفوف ولا هزّ الرؤوس.راجع قاعدة (1)و(2).
الشبهة(6): استدلالهم بهذا الأثر "قال عروة : وثويبة مولاة لأبي لهب ، وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي فلما مات أبو لهب أريه(أي في المنام) بعض أهله بشر حيبة ، قال له : ماذا لقيت ؟ قال : أبو لهب : لم ألق بعدكم ، غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة".
والجواب: أنه لم يثبت من طريق صحيح أن أبا لهب فرح بولادة النبي ولا أن ثويبة بشرته بولاته ، ولا أنه أعتق ثويبة من أجل البشارة بولادة النبي فكل هذا لم يثبت، هذا من وجه، ومن وجه آخر على فرض ثبوت هذه القصة فإنها رؤيا منامية والأحكام الشرعية لا تؤخذ من الرُّؤى المنامية، كما قرر ذلك أهل العلم، بل ذكر أهل العلم كابن سعد وابن عبد البر وابن الجوزي رحمهم الله أن أبا لهب إنما أعتق ثويبة بعد زواج النبي من خديجة والله أعلم.
هذه بعض الشبه وفيها إشارة إلى غيرها فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام
والحمد لله رب العالمين
تعليق