حسن المورد
في حكم الاحتفال بالمولد
في حكم الاحتفال بالمولد
فإن من رحمة الله ومنته على هذه الأمة، أن أرسل إليهم رسولاً من أنفُسهم وأنفَسهم، يعرفون نسبه وصدقه وأمانته وحسن خلُقه وخلْقه، أنزل عليه كتابًا هو خير الكتب، والمهيمن عليها، فله الحمد أولاً وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا على هذه الرحمات المسبغات، وعلى هذه النعمة المهداة، التي بها أغلق باب الوحي وتشريع العبادات، فلا عبادة غير ما جاء في كتاب الله، وعلى لسان رسول الله، ولا إضافة تكمل حسن العبادة فضلاً عن أصلها، كما قال الله -عز وجل-:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ}.
ورحم الله الإمام الجِهبذ مالك بن أنس ما أفقهه!! وما أعلمه!! بحقائق الأمور حيث قال:
"من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا قد خان الرسالة، اقرءوا قول الله -عز وجل-
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ}".
فأوضح في هذه المقولة، أن النبي لم يقصر ولم يخن -وحاشاه من ذلك- بل أدى صلى الله عليه وسلم الأمانة كاملة، لا تحتاج لا إلى إنشاء عبادة، ولا إلى إضافة تتمم، فهي نعمة مكملة متممة، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، ولقد أبان صلى الله عليه وسلم لصحابته هذه الحقيقة، وذلك في قوله الذي رواه عنه عبد الله بن مسعود حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: « إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا وأمرتكم به، وليس شيء يقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه » رواه الحاكم وحسنه الألباني في السلسلة.
فعُلم من الكتاب والسنة أن أي عبادة حديثة فهي ليست من دين الإسلام، وهي مردودة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
ومما ينبغي أن يُعلم -أيضًا- أن العبادة المشروعة إذا أضيف إليها ما لم يدل عليه دليل بدعوى التكملة والتقريب إلى الجنة، فهي منقوصة الأجر، وما أُحدث فيها فهو مردود، وذلك ما لم تتغير هيئة العبادة، فإن تغيرت فهي مردودة بالكلية.
إذا علمنا كل ذلك وآمنا به، فلنعرض حدثًا من الأحداث التي تمر على الأمة الإسلامية، وسيكون العرض على سبيل النقد وبيان الحق، وعلى ما سبق بيانه من الفهم المستقى من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- هذا الحدث هو الاحتفال بالمولد النبوي، فنقول لمن يجيز هذا الاحتفال -سائلين الله التوفيق فيما نقول ولمن نقول-:
هل هذا الاحتفال من دين الله، أم هو مما يكمل به دين الله، وتتم به نعمة الله، أم هو أمر أحدثه محدث، وابتدعه مبتدع؟
لا بد أنه ليس له إلا أن يقول: هو أمر أحدثه محدث وابتدعه مبتدع، إذ أنه لو كان من دين الله لوجدناه مذكورًا في كتاب الله أو في سنة رسول الله، فلا والله، لا أحد أعلم من رسول الله بدين الله وبكتابه، فلو فهم رسول الله من أي آية من كتاب الله الأمر والحث على الاحتفال بمولده، لاحتفل به، ولأمر به صحابته؛ إذ أن بيان كتاب الله واجب عليه -صلى الله عليه وسلم- قال الله -عز وجل-: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
فوالله ما ترك رسول الله شيئًا يقربنا إلى الجنة، إلا وأمرنا به، وما ترك شيئا يقربنا إلى النار، إلا ونهانا عنه، كما سبق في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فإن قال قائل:
إن هذا الاحتفال مما يقرب إلى الله وإلى جنته، وإن لم يأمر رسول الله به، قلنا له:
قد زعمتَ والله أن رسول الله قد خان الرسالة، وقد كذبته بأبي هو وأمي فيما قاله في حديثه: « ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا وأمرتكم به وليس شيء يقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه ».
وإذا جاء بآية، وقال: إن هذه الآية تأمر بالاحتفال بمولده -صلى الله عليه وسلم-
قلنا له:هل أنت أعلم أم رسول الله؟!
فلابد أن يقول: رسول الله،
فنقول له: هل أنت أحرص على نفع الأمة من رسول الله؟!
فلا بد أن يقول: لا،
فنقول له: هل فسر رسول الله هذه الآية هذا التفسير؟!
فإن قال: نعم، فليأت بالدليل -ودون ذلك خرط القتاد-
وإن قال: لا،
قلنا له:الزم بيان رسول الله، فوالله ما قصر في التبليغ، ولا كتم الرسالة، بل أدى الأمانة، وتركنا على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فوالله لو كان هذا الاحتفال من دين الله، لما خفي على صحابة رسول الله الذين رضي الله عنهم، وأكرمهم بأن حفظوا وحملوا إلينا وحيه، كتابه وسنة رسوله، سمعوا القرءان من النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوه عما خفي عليهم، وامتثلوا أمر النبي ونهيه، الذي هو وحي من عند الله {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فعلينا أن نقتفي أثرهم، وأن لا نشاققهم، وأن لا نتبع غير سبيلهم، فإن الله قد قال:
{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه ومن بهم ائتمَّ.
كتبه:
أبو عبد الله أسامة بن علي بن رحيل
غفر الله له ذنبه دقه وجله علانيته وسره
دار الحديث بدماج السلفية حرسها الله
أبو عبد الله أسامة بن علي بن رحيل
غفر الله له ذنبه دقه وجله علانيته وسره
دار الحديث بدماج السلفية حرسها الله
تعليق