إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تخفيف الآلام عن أهل السنة الأعلام من كتاب غربة الإسلام.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تخفيف الآلام عن أهل السنة الأعلام من كتاب غربة الإسلام.

    تخفيف الآلام عن أهل السنة الأعلام
    [من كتاب غربة الإسلام]
    للشيخ حمود التويجري رحمه الله تعالى
    قال العلامة حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله
    فصل
    وفي زماننا هذا قد استولت الكآبةُ والهمُّ والغمُّ على كل مسلم في قلبه حياة وغَيْرة دينية، وذلك لما يرى من تضعضع الإسلام وأهله، وتداعي الأمم عليهم من كل جانب، ولما يرى من تنافس المسلمين في الأمور الدنيوية، وجدهم واجتهادهم فيما لا يُجدي شيئا، وإعراضهم عما فيه عِزّهم ومَجدهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وما أصابهم من الوهن والتخاذل، وتفرق الكلمة، وذهاب الريح، ونزع المهابة من صدور الأعداء.
    وكل هذه المصائب المؤلمة من ثمرات الذنوب والمعاصي، ومخالفة السنة النبوية والطريقة السلفية، قال الله تعالى:
    [إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىيُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ] [الرعد: 11]، وقال تعالى: [ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُمُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ] [الأنفال: 53]، ولا ترى مسلما نوّر الله قلبه بنور العلم والإيمان إلا وهو في زماننا كالقابض على الجمر، لا يزال متألما متوجعا لِما يرى من كثرة النقص والتغيير في جميع أمور الدين، وانتقاض الكثير من عرى الإسلام، والتهاون بمبانيه العظام، ولقلة أعوانه على الخير، وكثرة من يعارضه ويناويه، فإن أَمَر بالمعروف لم يُقبل منه، وإنْ نَهى عن المنكر لم يأمن على نفسه وماله، وأقل الأحوال أن يُسخر منه ويُستهزأ به، ويُنسب إلى الحمق وضعف الرأي، حيث لم يمش حاله مع الناس، وربما قُمع مع ذلك وقُهر واضطهد كما رأينا ذلك، وهذا مصداق ما تقدم في حديث أبي أمامة الذي رواه الطبراني وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم


    قال: «وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة بأسرها حتى لا يرى فيها إلا الفقيه والفقيهان، فهما مقهوران ذليلان، إن تكلما فأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر قُمعا وقُهرا واضُطهدا، فهما مقهوران ذليلان لا يجدان على ذلك أعوانا ولا أنصارا».
    وحيث إن الجهل قد عمَّ وطمَّ في هذه الأزمان، وعاد المعروف عند الأكثرين منكرا والمنكر معروفا، وأُطيع الشح، واتُّبِعت الأهواء، وصار القُرّاء الفسقة والمتشبهون بالعلماء ينكرون على من رام تغيير المنكرات الظاهرة، ويعدُّون ذلك تشديدا على الناس ومشاغبة لهم وتنفيرا، وعندهم أن تمام العقل في السكوت ومداهنة الناس بترك الإنكار عليهم، وأن ذروة الكمال والفضل في الإلقاء إلى الناس كلهم بالمودة، وتمشية الحال معهم على أي حال كانوا، وهذا مصداق ما رواه الإمام أحمد في كتاب "الزهد"؛ حدثنا عبد الصمد، حدثنا هشام -يعني الدستوائي- عن جعفر -يعني صاحب الأنماط- عن أبي العالية قال: «يأتي على الناس زمان تخرب صدورهم من القرآن، ولا يجدون له حلاوة ولا لذاذة، إن قصّروا عما أُمروا به قالوا: إن الله غفور رحيم، وإن عملوا بما نُهوا عنه قالوا: سيغفر لنا، إنَّا لم نشرك بالله شيئا، أمرهم كله طمع ليس معه صدق، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أفضلهم في دينه المداهن».
    وهذا الأثر مطابق لحال أكثر المنتسبين إلى العلم في زماننا، وقد جاء في حديث رواه الطبراني: «من تحبب إلى الناس بما يحبونه، وبارز الله تعالى لقي الله وهو عليه غضبان».



    إذا عرف هذا فينبغي لمن أنقذه الله تعالى من موت الجهل، ونوّر بصيرته بالعلم النافع الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وألهمه رشده، وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان أن لا يزال لسانه رطبا بذكر الله، وحمده وشكره على ما أنعم به عليه من هذه النعم العظيمة، وأن يدعو إلى سبيل ربه، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويُغيِّره ما استطاع، ويبذل جهده في نشر السنة، وإصلاح ما أفسده الناس منها، ويصبر على ما يصيبه في ذات الله، ومن فعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى رجى له أن يكون من أئمة الغرباء، الذين غبطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح: «طوبى للغرباء».
    قال أبو عبيد الهروي: طوبى اسم الجنة، وقيل: هي شجرة فيها. انتهى، ويؤيد القول الأخير ما رواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن درّاجًا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: «طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها».
    وقد رواه أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة من طريق ابن وهب بسنده عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: طوبى لمن رآك وآمن بك، فقال: «طوبى لمن رآني وآمن بي، ثم طوبى، ثم طوبى، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني» فقال رجل: يا رسول الله، وما طوبى؟ قال: «شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها» رواه الإمام أحمد في مسنده، عن حسن بن موسى، عن عبد الله بن لهيعة، عن دراج أبي السمح فذكره.



    وكذا رواه أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري، من طريق ابن لهيعة عن دراج، فذكره بمثله.
    وروى الآجري أيضا بسنده، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى فقال: «يا أبا بكر، هل بلغك ما طوبى؟» قال: الله عز وجل ورسوله أعلم، قال: «طوبى شجرة في الجنة لا يعلم ما طولها إلا الله عز وجل، يسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفا، ورقها الحلل يقع عليها طير كأمثال البخت» قال أبو بكر رضي الله عنه: إن هناك طيرا ناعما يا رسول الله؟ قال: «أنعم منه من يأكله، وأنت منهم إن شاء الله يا أبا بكر».
    ورواه ابن مردويه بنحوه، وخرّج أيضا من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- نحو ذلك.
    وعن قرة بن إياس المزني رضي الله عنه نحو ذلك أيضا، رواه ابن جرير.
    فهذه الأحاديث يشد بعضها بعضا، ولها شواهد في الصحيحين وغيرهما من حديث سهل بن سعد، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وأنس بن مالك رضي الله عنهم.
    وأما الغرباء فهم أهل السنة والجماعة، وهم الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية من ثلاث وسبعين فرقة كلها تنتسب إلى الإسلام، ووراء ذلك الأدعياء الذين ينتسبون إلى الإسلام، ويدّعونه وهم عنه بمعزل، فمنهم فئام قد لحقوا بالمشركين، وفئام يعبدون الأوثان، وفئام من الدهرية، وعُبّاد الطبيعة، وفئام من المعطلة والجهمية، وأفراخ القرامطة والباطنية،



    والحلولية والاتحادية، وغلاة الصوفية، والروافض، فهؤلاء أدعياء الإسلام، وما أكثرهم لا كثَّرهم الله.
    فالفرقة الناجية بين جميع المنتسبين إلى الإسلام كالشعرة البيضاء في الجلد الأسود، فهم غرباء بين المنتسبين إلى الإسلام، فضلا عن أعداء الإسلام من سائر الأمم، وهم في غربتهم متفاوتون، فأهل الإسلام غرباء في الناس، وأهل الإيمان غرباء في المسلمين، وأهل العلم بالكتاب والسنة غرباء في المؤمنين، والداعون منهم إلى الخير، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، الصابرون على أذى المخالفين لهم أشد غربة، وقليل ما هم، قال علي رضي الله عنه فيهم: أولئك الأقلون عددا، الأعظمون عند الله قدرا.
    وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: إياك أن تغتر بما يغتر به الجاهلون، فإنهم يقولون: لو كان هؤلاء على حق لم يكونوا أقل الناس عددا، والناس على خلافهم، فاعلم أن هؤلاء هم الناس، ومن خالفهم فمشبهون بالناس وليسوا بناس، فما الناس إلا أهل الحق، وإن كانوا أقلهم عددا.
    قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا يكن أحدكم إمَّعة، يقول: أنا مع الناس، ليوطِّن أحدكم نفسه على أن يؤمن ولو كفر الناس. انتهى.
    وقال أيضا في "الكافية الشافية":
    لا توحشنك غربةً بين الورى ... فالناس كالأموات في الجبّان
    أَوَمَا علمت بأن أهل السنة الـ ... ـغرباء حقا عند كل زمان
    قل لي متى سلم الرسول وصحبه ... والتابعون لهم على الإحسان
    من جاهل ومعاند ومنافق ... ومحارب بالبغي والطغيان



    وتظن أنك وارث لَهُمُ وما... ذقت الأذى في نصرة الرحمن


    كلا ولا جاهدتَ حق جهاده ... في الله لا بِيَدٍ ولا بِلسان
    منَّتْك والله المُحال النفسُ فاسـ ... ـتحدث سوى ذا الرأي والحسبان
    لو كنتَ وارثه لآذاك الأُلى ... ورثوا عداه بسائر الألوان

    وقد جاء وصف الغرباء في الأحاديث التي تقدم ذكرها في أول الكتاب بأنهم النّزّاع من القبائل، وأنهم الذين يصلحون إذا فسد الناس، وأنهم الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة، وأنهم الذين يتمسكون بالكتاب حين يُترك، ويعلمون بالسنة حين تطفأ، وأنهم قوم صالحون قليل في ناس سوء كثير، مَن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم، ومَن يبغضهم أكثر ممن يحبهم، وأنهم الفرّارون بدينهم من الفتن.
    قال أبو عبيد الهروي: النُّزَّاع: جمع نازع ونزيع، وهو الذي نزع عن أهله وعشيرته أي بَعُد وغاب. انتهى.
    وهذا التفسير من حيث المعنى اللغوي، والمراد بما في الحديث شيء آخر، وذلك أن الغربة نوعان: حسية ومعنوية.
    فالحسية: مفارقة الأهل والعشيرة والأوطان، والنزوع منها إلى غيره كما قاله الهروي.
    والمعنوية: مفارقة الأهل والعشيرة وأهل الوطن في الدين، ومباعدة ما هم عليه، حتى يكون بينهم كأنه غريب لا يألفهم ولا يألفونه.
    والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا بمكة غرباء وهم بين عشائرهم وقبائلهم، ولما هاجروا إلى المدينة وسكنوا مع إخوانهم في



    الدين زالت تلك الغربة عنهم مع مفارقتهم للعشائر والأوطان، وعادت على المنافقين، فكانوا هم الغرباء بين المسلمين، وإن كانوا بين أهليهم وعشائرهم، فالغربة المعنوية: حقيقتها قلة الشكل كما قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى:
    وما غربة الإنسان في شقة النوى ... ولكنها والله في عدم الشكل
    وإني غريب بين بست وأهلها ... وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي

    وقال أيضا:
    وليس اغترابي عن سجستان أنني ... عدمت بها الإخوان والدار والأهلا
    ولكنني ما لي بها من مُشاكل ... وإن الغريب الفرد من يعدم الشكلا

    وقال محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله تعالى:
    وهذا اغتراب الدين فاصبر فإنني ... غريب وأصحابي كثير بلا عد

    وقد روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى في كتاب "الزهد" عن أبي حازم قال: كان سهل بن سعد رضي الله عنه يقول: إني فيكم غريب، فيُقال له: لِم؟ فيقول: ذهب أصحابي والذي كنت أعرف، وبقيت فيكم غريبا.
    وروى الإمام أحمد أيضا في "الزهد" بسنده عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه قال: إن المؤمن في الدنيا غريب، لا يجزع من ذُلِّها، ولا ينافس أهلها في عِزِّها، الناس منه في راحة، ونفسه منه في شغل.
    وفي حديث أبي أمامة الذي رواه الطبراني وغيره مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من إقبال هذا الدين أن تفقه القبيلة بأسرها، حتى لا يوجد فيها إلا الفاسق والفاسقان، فهما مقهوران ذليلان، إن تكلَّما قُمعا وقُهرا واضُطهدا.



    وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة بأسرها، حتى لا يرى فيها إلا الفقيه والفقيهان، فهما مقهوران ذليلان، إن تكلَّما فأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر قُمعا وقُهرا واضُطهدا، فهما مقهوران ذليلان لا يجدان على ذلك أعوانا ولا أنصارًا».
    ففي هذا الحديث إشارة إلى الغربة المعنوية في النوعين، ففي أوّله غُربة الفُسّاق بين أهل الفقه والدين والصلاح، وذلك في أوقات عِزّة الإسلام وظهوره وكثرة أهل العلم والخير، وفي آخره غربة الفقهاء وأهل الدين والصلاح بين الفساق وأهل الجهل والجفاء وسوء الأخلاق كما هو الواقع في زماننا وقبله بقرون كثيرة، فالله المستعان.
    وللكفار والمنافقين غربة معنوية يختصون بها، فإنهم غرباء عن الله تعالى ورسوله ودينه، وغربتهم هذه هي الغربة الموحشة وإن كانوا هم الأكثرين والمعروفين المشار إليهم، ولأهل الضلالات والأهواء من هذه الأمة نصيب من هذه الغربة الذميمة، كل له بقدر إعراضه عن الكتاب والسنة، ومشابهته للكفار والمنافقين، وقد تقدم في وصف الغرباء الممدوحين أنهم قوم صالحون قليل في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم، ففيه إشارة إلى أنهم يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وهذا من أعلى مراتب الكمال، وهو أن يكون المرء صالحا في نفسه، وساعيا مع ذلك في تحصيل الصلاح لغيره.
    وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: «فوالله لأَن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرا لك من حُمْرِ النعم».
    وروى الطبراني في الكبير عن أبي رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى



    اليمن وقال له: «لأن يهدي الله على يديك رجلاً خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس وغربت».
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا إلى هُدًى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا» الحديث، رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
    وعن أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله» رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والبخاري في الأدب المفرد، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
    وقد وردت أحاديث كثيرة في الوعد بالحسنى ومضاعفة الأجور للغرباء المتمسكين بالكتاب والسنة عند فساد الناس، وأنا أذكر من ذلك ما تيسر إن شاء الله تعالى:
    فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «طوبى للغرباء» رواه مسلم وابن ماجة من حديث أبي هريرة.
    ورواه ابن وضاح من حديث ابن عمر.
    ورواه ابن ماجة أيضا من حديث أنس بن مالك.
    ورواه الإمام أحمد، والدارمي، والترمذي، وابن ماجة من حديث عبد الله بن مسعود.
    ورواه الإمام أحمد أيضا من حديث سعد بن أبي وقاص.
    ورواه الطبراني من حديث سلمان، وجابر، وسهل بن سعد الساعدي، وابن عباس.
    ورواه الترمذي، والصابوني من حديث عمرو بن عوف المزني.
    ورواه ابن وضاح من حديث المعافري.



    ورواه الإمام أحمد، والطبراني، وابن وضاح من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
    فهذا حديث متواتر عن اثني عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أجمعين، وقد تقدم سياق هذه الأحاديث في أول الكتاب، وتقدم قريبا أن طوبى اسم الجنة، أو اسم شجرة فيها.
    وقال النووي رحمه الله تعالى: اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى:
    [طُوبَى لَهُمْ] [الرعد: 29]، فروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن معناه: فرح وقرة عين، وقال عكرمة: نِعْمَ ما لهم، وقال الضحاك: غبطة لهم، وقال قتادة: حسنى لهم، وعن قتادة أيضا معناه: أصابوا خيرا، وقال إبراهيم: خير لهم وكرامة، وقال ابن عجلان: دوام الخير، وقيل: الجنة، وقيل: شجرة في الجنة، وكل هذه الأقوال محتملة في الحديث. انتهى.
    قلت: والمعنى فيها متقارب، وكلها حاصلة لمن أدخله الجنة، ويدل للأخير ما تقدم قريبا من حديث أبي سعيد، وابن عمر، وابن عباس، وقرة بن إياس المزني رضي الله عنهم.
    ومن ذلك ما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب شيء إلى الله الغرباء»، قيل: ومن الغرباء؟ قال: «الفرارون بدينهم، يبعثهم الله يوم القيامة مع عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام» رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد".
    ومنها ما رواه مسلم، والترمذي، وابن ماجة، عن معقل بن يسار ? أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العبادة في الهرج كهجرة إليّ» قال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب.



    ورواه الإمام أحمد بلفظ: «العبادة في الفتنة كالهجرة إليّ».
    ورواه الطبراني في معجمه الصغير ولفظه: «العمل في الهجرة والفتنة كالهجرة إليَّ».
    قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيها بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنا به متبعا لأوامره، مجتنبا لنواهيه. انتهى.
    ومنها ما رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبغوي، عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني رضي الله عنه فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أيَّةُ آية؟ قلت: قول الله تعالى:
    [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ] قال: أما والله لقد سألتَ عنها خبيرا، سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع العوام، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم» قيل: يا رسول الله، أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: «لا، بل أجر خمسين رجلا منكم» قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
    ومنها ما رواه ابن وضاح عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: «إن من



    بعدكم أياما الصابر فيها المتمسك بدينه مثل ما أنتم عليه اليوم له أجر خمسين منكم».
    ومنها ما رواه أيضا عن سعيد أخي الحسن يرفعه قال: «إنكم اليوم على بينة من ربكم، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتجاهدون في سبيل الله، ولم يظهر فيكم السُكران، سكر الجهل، وسكر حب العيش، وستحولون عن ذلك، فالمتمسك يومئذ بالكتاب والسنة له أجر خمسين» قيل: منهم؟ قال: «بل منكم».
    ورواه أبو نعيم في الحلية في ترجمة إبراهيم بن أدهم، من حديث سفيان ابن عيينة، عن أسلم، أنه سمع سعيد بن أبي الحسن يذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم اليوم على بينة من ربكم، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتجاهدون في سبيل الله، ثم تظهر فيكم السكرتان: سكرة الجهل وسكرة حب العيش، وستحولون عن ذلك فلا تأمرون بمعروف ولا تنهون عن منكر ولا تجاهدون في سبيل الله، القائمون يومئذ بالكتاب والسنة لهم أجر خمسين صدِّيقا» قالوا: يا رسول الله، منَّا أو منهم؟ قال: «لا، بل منكم» قال أبو نعيم: ورواه محمد بن قيس، عن عبادة ابن نسي، عن الأسود بن ثعلبة، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
    ومنها ما رواه أبو نعيم أيضا من حديث إبراهيم بن أدهم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غشيتكم السكرتان: سكرة حب العيش، وحب الجهل، فعند ذلك لا تأمرون بالمعروف، ولا تنهون عن المنكر، والقائمون بالكتاب وبالسنة



    كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار».
    ومنها ما رواه الإمام أحمد وغيره، عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا وتقدم، وفيه: «إن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة كلها من عند آخرها حتى لا يبقى فيها إلا الفقيه أو الفقيهان، فهما مقهوران مقموعان ذليلان، إن تكلما أو نطقا قُمعا وقُهرا واضطهدا، وقيل لهما: أتطعنان علينا؟ ... » الحديث، وفي آخره: «فمن أدرك ذلك الزمان وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فله أجر خمسين ممن صحبني وآمن بي وصدقني أبدا».
    ومنها: ما رواه البيهقي في دلائل النبوة من حديث عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي قال: حدثني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه سيكون في آخر هذه الأمة قوم لهم مثل أجر أولهم، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقاتلون أهل الفتن».
    ومنها: ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره» قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
    وروى أبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- مثله.
    ومنها: ما رواه الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الحلية، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد».
    ومنها ما رواه الترمذي في جامعه، والطبراني في الصغير، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بُنيَّ إن قدرت أن تصبح



    وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل» ثم قال لي: «يا بني، وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة» قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
    ومنها ما رواه الدارمي، والترمذي، وابن ماجة، عن كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث: «اعلم» قال: ما أعلم يا رسول الله؟ قال: «إنه من أحيا سنّةً من سنّتي قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا» قال الترمذي: هذا حديث حسن.
    ومن الآثار عن السلف في هذا المعنى ما رواه أبو نعيم في الحلية، عن سهل بن عبد الله التستري أنه قال: أيما عبد قام بشيء مما أمره الله به من أمر دينه فعمل به وتمسك به، فاجتنب ما نهى الله تعالى عنه عند فساد الأمور، وعند تشويش الزمان، واختلاف الناس في الرأي والتفريق إلا جعله الله إماما يُقتدى به، هاديا مهديا، قد أقام الدين في زمانه، وأقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو الغريب في زمانه، الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ».
    وروى أبو الشيخ بإسناده عن الحسن رحمه الله تعالى أنه قال: لو أن رجلا من الصدر الأول بُعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا إلا هذه الصلاة، ثم قال: أما والله لئن عاش إلى هذه المنكرات فرأى صاحب بدعة يدعو إلى بدعته، أو صاحب دنيا يدعو إلى دنياه، فعصمه الله عز وجل وقلبه يحن إلى



    ذلك السلف الصالح فيتبع آثارهم، ويستن بسنتهم، ويتبع سبيلهم كان له أجر عظيم.
    ورواه الحافظ محمد بن وضاح في كتاب "البدع والحوادث" بإسناده عن الحسن قال: لو أن رجلا أدرك السلف الأول ثم بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا، قال: ووضع يده على خده ثم قال: إلا هذه الصلاة، ثم قال: أما والله لمن عاش في هذه النكراء، ولم يدرك هذا السلف الصالح، فرأى مبتدعا يدعو إلى بدعته، ورأى صاحب دنيا يدعو إلى دنياه، فعصمه الله عن ذلك، وجعل قلبه يحن إلى ذكر هذا السلف الصالح، ويقتص آثارهم، ويتبع سبيلهم، ليُعوَّض أجرا عظيما، فكذلك كونوا إن شاء الله تعالى.
    وروى ابن المبارك عن الفضيل عن الحسن أنه ذكر الغني المترف الذي له سلطان يأخذ المال ويدَّعي أنه لا عقاب فيه، وذكر المبتدع الضال الذي خرج بسيفه على المسلمين وتأول ما أنزل الله في الكفار على المسلمين، ثم قال: سُنَّتكم والذي لا إله إلا هو بينهما، بين الغالي والجافي، والمترف والجاهل، فاصبروا عليها، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس، الذين لم يأخذوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في أهوائهم، وصبروا على سنتهم حتى أتوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا، ثم قال: والله لو أن رجلا أدرك هذه المنكرات، يقول هذا: هلمَّ إليّ، ويقول هذا: هلم إليّ، فيقول: لا أريد إلا سنة محمد ?، يطلبها، ويسأل عنها، إن هذا ليعرض له أجر عظيم، فكذلك فكونوا إن شاء الله.
    وروى الدارمي بعض هذا عن الحسن، وفيه: فإن أهل السنة كانوا أقل



    الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي.
    وقال الحافظ محمد بن وضاح: أخبرني غير واحد أن أسد بن موسى كتب إلى أسد بن الفرات: اعلم يا أخي إن ما حملني على الكتاب إليك إلا ذكر أهل بلدك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس، وحُسن حالك مما أظهرت من السنة، وعيبك لأهل البدع، وكثرة ذكرك لهم، وطعنك عليهم، فقمعهم الله بك، وشد بك ظهر أهل السنة، وقوّاك عليهم بإظهار عيبهم والطعن عليهم، فأذلهم الله بيدك، وصاروا ببدعتهم مستترين، فابشر يا أخي بثواب ذلك، واعتد به من أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحج والجهاد، وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله تعالى، وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحيا شيئا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين، وضم بين أصبعيه»، وقال: «أيما داع دعا إلى هدى فاتبع عليه كان له مثل أجر من اتبعه إلى يوم القيامة، فمتى يدرك أجر هذه شيء من عمله».
    وذكر أيضا: أن لله عند كل بدعة كِيْدَ بها الإسلام وليا يذب عنها، وينطق بعلامتها، فاغتنم يا أخي هذا الفضل، وكن من أهله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن وأوصاه: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من كذا وكذا» وأعظم القول فيه، فاغتنم ذلك، وادع إلى السنة حتى يكون لك في ذلك إلفة وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حدث فيكونون أئمة بعدك، فيكون لك ثواب ذلك إلى يوم القيامة كما جاء في الأثر، فاعمل على بصيرة ونية وحسبة، فيردّ الله بك المبتدع المفتون والزائغ



    الحائر فتكون خلفا من نبيك صلى الله عليه وسلم، فإنك لن تلقى الله بعمل يشبهه، وإياك أن يكون لك من أهل البدع أخ أو جليس أو صاحب فإنه جاء الأثر: مَن جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة، ووكل إلى نفسه، ومن مشى إلى صاحب بدعة مشى في هدم الإسلام، وجاء: ما من إله يُعبد من دون الله أبغض إلى الله من صاحب هوى، وقد وقعت اللعنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل البدع، وأن الله لا يقبل منهم صرفا ولا عدلا ولا فريضة ولا تطوعا، وكلما زادوا اجتهادا أو صوما وصلاة ازدادوا من الله بعدا، فارفض مجالسهم، وأذِلَّهم، وأَبْعِدهم كما أَبَعَدَهم الله وأَذَلَّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة الهدى بعده. انتهى كلامه أسد رحمه الله تعالى.
    وقوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: «لأن يهدي الله بك رجلا ... » الحديث، لعل هذا وهم من أسد، أو ممن روى عنه؛ لأن المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أعطاه الراية، وأمره أن يسير إلى أهل خيبر، وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث سهل بن سعد وغيرهم، والله أعلم.
    وقال الشيخ إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني رحمه الله تعالى: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: سمعت أبا الحسن المكاري يقول: سمعت علي بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول: المُتَّبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله.
    وفي "الكافية الشافية" للمحقق العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى فصل نفيس جدا ذكر فيه ثواب الغرباء الممدوحين، وأوضح من ذلك ما أشكل



    على كثير من العلماء وأعيا عليهم حله فأجاد وأفاد، تغمدنا الله وإياه برحمته وفضله، وجزاه وأمثاله عن الإسلام والمسلمين خيرا، قال رحمه الله:
    هذا وللمتمسكين بسنة الـ ... مُختار عند فساد ذي الأزمان
    أجر عظيم ليس يقدر قَدْره ... إلا الذي أعطاه للإنسان
    فروى أبو داود في سنن له ... ورواه أيضا أحمد الشيباني
    أثرا تضمن أجر خمسين امرأ ... من صحب أحمد خيرة الرحمن
    إسناده حسن ومصداقٌ له ... في مسلم فافهمه بالإحسان
    إن العبادة وقت هرج هجرة ... حقا إليّ وذاك ذو برهان
    هذا فكم من هجرة لك أيها الـ ... ـسُّنِيُ بالتحقيق لا بأماني
    هذا وكم من هجرة لهمُ بما ... قال الرسول وجاء في القرآن
    ولقد أتى مصداقه في الترمذ ... ي لمن له أذنان واعيتان
    في أجر محيي سنة ماتت فذا ... ك مع الرسول رفيقه بجنان
    هذا ومصداق له أيضا أتى ... في الترمذي لمن له عينان ...
    >
    تشبيه أمته بغيث أول ... منه وآخره فمشتبهان
    فلذاك لا يدري الذي هو منهما ... قد خص بالتفضيل والرجحان
    ولقد أتى أثر بأن الفضل في الـ ... ـطّرفين أعني أولا والثاني
    والوسط ذو ثبج فاعوج هكذا ... جاء الحديث وليس ذا نكران
    ولقد أتى في الوحي مصداق له ... في الثلتين وذاك في القرآن


    أهل اليمين فثلة مع مثلها ... والسابقون أقل في الحسبان
    ما ذاك إلا أنَّ تابعهم هم الـ ... غُرباء ليست غربة الأوطان
    لكنها والله غربة قائم ... بالدين بين عساكر الشيطان
    فلذاك شبههم به متبوعهم ... في الغربتين وذاك ذو تِبيان
    لم يشبهوهم في جميع أمورهم ... من كل وجه ليس يستويان
    فانظر إلى تفسيره الغُرباء بالـ ... محيين سنته بكل زمان
    طوبى لهم والشوق يحدوهم إلى ... أخذ الحديث ومحكم القرآن
    طوبى لهم لم يعبأوا بنحاتة الـ ... أفكار أو بزبالة الأذهان
    طوبى لهم ركبوا على متن العزا ... ئم قاصدين لمطلع الإيمان
    طوبى لهم لم يعبأوا شيئا بذي الـ ... آراء إذ أغناهم الوحيان
    طوبى لهم وإمامهم دون الورى ... من جاء بالإيمان والفرقان
    والله ما ائتموا بشخص دونه ... إلا إذا ما دلَّهم بِبيان
    في الباب آثار عظيم شأنها ... أعيت على العلماء في الأزمان
    إذ أجمع العلماء أن صحابة الـ ... مُختار خير طوائف الإنسان ...
    ذ
    ذا بالضرورة ليس فيه الخلف بيـ ... ـن اثنين ما حكيت به قولان
    فلذاك ذي الآثار أعضل أمرها ... وبغوا لها التفسير بالإحسان
    فاسمع إذًا تأويلها وافهمه لا ... تعجل بردٍّ منك أو نكران
    إن البِدار بِردِّ شيء لم تُحط ... علماً به سببٌ إلى الحرمان
    الفضل منه مُطلَقٌ ومُقيَّدٌ ... وهما لأهل الفضل مرتبتان
    والفضل ذو التقييد ليس بموجب ... فضلا على الإطلاق من إنسان



    لا يوجب التقييد أن يقضى له ... بالاستواء فكيف بالرجحان
    إذ كان ذو الإطلاق حاز من الفضا ... ئل فوق ذي التقييد بالإحسان
    فإذا فرضنا واحدا قد حاز نو ... عًا لم يجزه فاضل الإنسان
    لم يوجب التخصيص من فضل عليـ ... ـه ولا مساواة ولا نقصان
    ما خلق آدم باليدين بموجب ... فضلا على المبعوث بالقرآن
    وكذا خصائص من أتى من بعده ... من كل رسل الله بالبرهان
    فمحمدا أعلاهُمُ فوقا وما ... حكمت لهم بمزيَّة الرجحان
    فالحائز الخمسين أجرا لم يحز ... ها في جميع شرائع الإيمان
    هل حازها في بدرٍ أو أُحد أو الـ ... ـفتح المبين وبيعة الرضوان
    بل حازها إذ كان قد عدم المعيـ ... ـن وهم فقد كانوا أولي أعوان
    والرب ليس يضيع ما يتحمل الـ ... متحملون لأجله من شان
    فتحمل العبد الوحيد رضاه معْ ... فيض العدو وقلة الأعوان
    مما يدل على يقين صادق ... ومحبة وحقيقة العرفان
    يكفيه ذلا واغترابا قلة الـ ... أنصار بين عساكر الشيطان
    في كل يوم فرقة تغزوه إن ... ترجع يوافيه الفريق الثاني
    فسل الغريب المستضام عن الذي ... يلقاه بين عدى بلا حسبان
    هذا وقد بعد المدى وتطاول الـ ... ـعهد الذي هو موجب الإحسان
    ولذاك كان كقابض جمر فسل ... أحشاءه عن حر ذي النيران
    والله أعلم بالذي في قلبه ... يكفيه علم الواحد المنان
    في القلب أمر ليس يقدر قدره ... إلا الذي آتاه للإنسان



    بر وتوحيد وصبر مع رضا ... والشكر والتحكيم للقرآن
    سبحان قاسم فضله بين العبا ... د فذاك مولى الفضل والإحسان
    فالفضل عند الله ليس بصورة الـ ... أعمال بل بحقائق الإيمان
    وتفاضل الأعمال يتبع ما يقو ... م بقلب صاحبها من البرهان
    حتى يكون العاملان كلاهما ... في رتبة تبدو لنا بعيان
    هذا وبينهما كما بين السما ... ء والأرض في فضل وفي رجحان
    ويكون بين ثواب ذا وثواب ذا ... رُتَب مضاعفة بلا حسبان
    هذا عطاء الرب جل جلاله ... وبذاك تعرف حكمة الرحمن

    [غربة الإسلام الجزء الأول ص125إلى142]
يعمل...
X