الحمد لله ناصر عباده المؤمنين وحافظ أوليائه المتقين والصلاة والسلام على الرحمة المسداة والنعمة المهداء صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :
فيا أهل السنة الشرفاء أهل الجكمة والسداد الكرماء أبعث إليكم هذه النصيحة لأن الأمر كما قال ربنا جل في علاه {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة : 71]
وهذا من فضل الله علينا أعني نعمة التناصح ونعمة التواصي بالحق والصبر على ما يلاقيه أحدنا من جهلة الخلق ممن تمرد على أوامر ربه وأعرض عن شرعه وفي هذه العجالة ألخص نصحي في نقاط ليسهل تناوهل وتداوله
النقطة الأولى : الانحياز إلى فئة لا يعني الهزيمة ولو كان الانحياز مذموماً لما استثناه الله في قوله جل في علاه {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [الأنفال : 16]
قال العلامة السعدي _ رحمه الله _ في تفسير هذه الآية :
ومفهوم الآية: أن المتحرف للقتال، وهو الذي ينحرف من جهة إلى أخرى، ليكون أمكن له في القتال، وأنكى لعدوه، فإنه لا بأس بذلك، لأنه لم يول دبره فارا، وإنما ولى دبره ليستعلي على عدوه، أو يأتيه من محل يصيب فيه غرته، أو ليخدعه بذلك، أو غير ذلك من مقاصد المحاربين، وأن المتحيز إلى فئة تمنعه وتعينه على قتال الكفار، فإن ذلك جائز اهـ
فلا يعبر عن جبهة النصرة بأنها سقطت وأنها انهزمت بل يقال انحازت فلا بد من التدقيق في التعبير بما لا إرجاف فيه على المؤمنين قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ في مجموع الفتاوى - (17 / 344)
يُقَالُ لِلْأَوْلِيَاءِ انْحَازُوا عَنْ الْعَدُوِّ وَحَاصُوا وَالْأَعْدَاءُ انْهَزَمُوا وَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَتَحَاوَزَ الْفَرِيقَانِ فِي الْحَرْبِ انْحَازَ كُلُّ فَرِيقٍ عَنْ الْآخَرِ .اهـ
وقوله الأولياء من تواليه فلا تعبر عن انحيازه بالهزيمة بل تقول انحاز وما شابهه فكيف إذا كانت الموالاة موالاة شرعية ؟!
و مما يدل على أن الانحياز لا يعتبر هزيمة بل يعتبر فتحاً ونصراً قول نبينا صلى الله عليه وصلم كما في صحيح البخاري من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال ( أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب ) . وعيناه تذرفان ( حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم )
فقوله حتى فتح الله عليهم اختلف العلماء في المقصود بالفتح في هذا الموضع بما أجمله الإمام ابن قيم الجوزية بقوله كما في زاد المعاد في هدي خير العباد - (3 / 383) :
وقد ذكر ابن سعد أن الهزيمة كانت على المسلمين، والذى فى "صحيح البخارى" أن الهزيمة كانت على الروم.
والصحيح ما ذكره ابن إسحاق أن كل فئة انحازت عن الأُخرى.اهـ
فالحذر الحذر من مؤذاة المجاهدين الذين بذلوا المهج في الدفاع عن هذه الدعوة و قدموا الغالي والنفيس في سبيل الله وقاموا بما أوجب الله عليهم من الدفاع عن إخوانهم ونصرتهم وتلقين العدو ضربات لا ينساها ولن ينساها حتى لا نتشبه بمن قال فيهم ربنا جل في علاه {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب : 18 - 20]
وبهذا القدر أكتفي في هذه النقطة
النقطة الثانية :الحذر من انهيار المعنويات وإشاعة الإرجافات وعدم التماسك عند الصدمات فهذه ظهرت على تعبيرات كثير من الأفاضل والذي يقول : بأن الجبهة سقطت والذي يقول بأن الحوثي مدعوم من الداخل والخارج وأنه قوة لا تقهر وأنه وأنه
فمما لا شك فيه أن أهل السنة الشرفاء يواجهون أعداء وليس عدواً واحداً وأن الأعداء تكالبوا علينا وأن الحوثي يحاربنا أصالة عن نفسه ووكالة عن غيره هذا لا نشك فيه طرفة عين لكن ما الحل وما المواقف التي ترضي الله عنا
أول أمر أن نعلم بأن الله حسبنا وأنه ناصرنا فنعم المولى ونعم النصير قال تعالى وهو يثني على عباده الصالحين { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران : 173]
أن نعلم بأننا نقاتل العدو لا بحولنا ولا بقوتنا وإنما بالله نصول وبه نجول فلا حول ولا قوة إلا بالله وأننا لم نؤمر في حالنا بأن نعد من القوة ما عند العدو من العدة والعتاد بل علينا أن نعد ما استطعنا وما كان في مقدورنا كما قال جل في علاه {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال : 60]
فلو كان النصر بكثرة عدد وعدد لكان مع وجود الملائكة لكن ربنا جل في علاه قال بعدما بشر النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه بقتال الملائكة معهم وتثبيتها للمؤمنين قال جل في علاه {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [الأنفال : 9 ، 10]
فالنصر بيد الله لا بكثرة عدد ولا عدد
النقطة الثالثة : أن نعلم بأن لنا أعداء نعلمهم لإظهارهم العداوة لنا ومجاهرتهم بذلك وهؤلاء معلومون معروفون والمقصود هنا الأعداء الذين لا نعلمهم وضرر هؤلاء أشد وأعظم بحكم خفائهم وعدم ظهورهم ولهذا يقول ربنا جل في علاه {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون : 4]
و أن بقاء هؤلاء من أعظم الضرر علينا فعلينا أن نستعين الله عز وجل في تعتيم الأمور عمن هب ودب لا سيما ولي شيئا من أمور القيادة و أن يستعينوا الله عز وجل في معرفة هؤلاء الفجرة فإنه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ كما في مجموع الفتاوى - (28 / 434)
وَكَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْلَمُ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ وَلَا يَعْلَمُ بَعْضَهُمْ كَمَا بَيَّنَهُ قَوْلُهُ : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } كَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ بَعْدَهُ وَوَرَثَتُهُ : قَدْ يَعْلَمُونَ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ وَلَا يَعْلَمُونَ بَعْضَهُمْ .اهـ
النقطة الرابعة : إدالة العدو وظهوره في بعض الأوقات لا يعني أن الله ينصر أعدائه على أوليائه وأنه يذلهم فهذا من الظن السيء بالله عز وجل ولا يصدر إلا عمن قال الله فيهم {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا } [الأحزاب : 12]
فإن هذه الإدالة لله فيها حكمة بالغة يقول جل في علاه في بيانها {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ *وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}
قال الإمام ابن عادل الحنبلي _ رحمه الله _ : وليس المراد من هذه المداولة أن الله تعالى تارةً ينصر المؤمنين ، وأخْرَى ينصر الكافرين؛ لأن نَصْر الله مَنْصِب شريف عظيم ، فلا يليق بالكافر ، بل المراد من هذه المداولة : أنه تارة يُشَدَّد المحنة على الكفار ، وتارة على المؤمنين ، وتشديد المحنة على المؤمن أدَبٌ له في الدنيا ، وتشديد المِحْنةِ على الكافر غضب من الله تعالى عليه .اهـ
وقد أخبر سبحانه وتعالى في هذه الآية عن حكم عظيمة في تشديد المحنة على المؤمن
ـ تمييز المؤمن الصادق من المدعي الكاذب
ـ يصطفي من يشاء من عباده الصالحين فيتخذهم شهداء وفي هذا تشريف عظيم للشهيد فنسأل الله العلي الأعلى أن يرزقنا الشهادة في سبيله
ـ إمهال الله للظالمين حتى إذا أخذهم لم يفلتهم فإنه لا يحب الظالمين
_ تمحيص المؤمنين وتنقيتهم
فهذه حكم عظيمة تعود على المؤمن الصادق بالبركات وعلى الكافر الظالم و المنافق الغاشم بالذل والمحق في الدنيا والآخرة
فلا يظن بأن الابتلاء الحاصل إنما هو محق وسحق وسقوط وما إلى ذلك من الإرجافات ورحمة الله على شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ :
وهو يتكلم عن الابتلاء كما في مجموع الفتاوى - (28 / 459) : .. { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } .
فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الَّذِينَ يُبْتَلَوْنَ بِالْعَدُوِّ كَمَا اُبْتُلِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُمْ فِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ حَيْثُ أَصَابَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُ . فَلْيَتَأَسَّوْا بِهِ فِي التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ وَلَا يَظُنُّونَ أَنَّ هَذِهِ نِقَمٌ لِصَاحِبِهَا وَإِهَانَةٌ لَهُ . فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا اُبْتُلِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْخَلَائِقِ ؛ بَلْ بِهَا يُنَالُ الدَّرَجَاتُ الْعَالِيَةُ وَبِهَا يُكَفِّرُ اللَّهُ الْخَطَايَا لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا .اهتـ
فالابتلاء الحاصل يعقبه سحق للروافض الأشرار بإذن الله فأحسنوا الظن بالله و قولوا كما قال سلفنا وقدوتنا وهم نبينا صلى الله عليه وسلم ومن معه {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب : 22]
وفي أضواء البيان في بيان هذه الآية :
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين لما رأوا الأحزاب يعني جنود الكفار الذين جاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، في غزوة الخندق، قالوا: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، ولم يبيّن هنا الآية التي وعدهم إياه فيها، ولكنّه بيّن ذلك في سورة "البقرة" ، في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}،وممن قال إن آية "البقرة" المذكورة مبيّنة لآية "الأحزاب" هذه: ابن عباس، وقتادة وغير واحد، وهو ظاهر.اهـ
وإيانا جميعاً من إسائة الظن بالله عز وجل وبوعده الحق ورحمة الله على العلامة محمد المنبجي الحنبلي:والمؤمن الموفق إذا أصابه ما يكره أحسن الظن بربه وعلمأن الذي ابتلاه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه ، ولا ليعذبه به ، وإنما ليمتحن إيمانه وصبره ورضاه ، وليسمع تضرعه وابتهاله ، وليراه طريحا ببابه ، لائذا بجنابه ، مكسور القلب بين يديه ، رافعا الشكوى إليه"انتهى من تسلية أهل المصائب
فهذا سبيل التمكين فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ومن روائع الإمام الشافعي أنه وسئل أيُّما أفضلُ للرجل، أن يُمكَّن أو يُبتلى ؟ فقال: لا يُمكَّن حتى يُبتلى اهـ
وقال الإمام ابن قيم الجوزية وهو بصدد الكلام عن باتلاء الله للمؤمنين :
والمقصود: أن الله سبحانه اقتضت حكمتهُ أنه لا بد أن يمتحن النفوسَ ويبتَليها، فُيظْهِرَ بالامتحان طِّيبَها مِن خبيثها، ومَنْ يصلُح لموالاته وكراماته، ومَنْ لا يصلُح، وليُمحِّص النفوسَ التى تصلُح له ويُخلِّصها بِكِير الامتحان، كالذَّهب الذى لا يخلُص ولا يصفو مِن غِشه، إلا بالامتحان، إذ النفسُ فى الأصل جاهلة ظالمة، وقد حصل لها بالجهل والظلم مِن الخُبث ما يحتاجُ خروجه إلى السَّبكِ والتصفية، فإن خرج فى هذه الدار، وإلا ففى كِير جهنم، فإذا هُذِّب العبدُ ونُقِّىَ، أُذِنَ له فى دخولِ الجنة. اهـ
فهذه بعض النقاط التي أحببت التنبيه عليها نصحاً لنفسي أولا ولإخواني ثانياً نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحب ويرضى .
وأخيراً فلا إلا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في حادثة قازان :
فَاَللَّهُ يُتِمُّ هَذِهِ النِّعْمَةَ بِجَمْعِ قُلُوبِ أَهْلِ الْإِيمَانِ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الطُّغْيَانِ وَيَجْعَلُ هَذِهِ الْمِنَّةَ الْجَسِيمَةَ مَبْدَأً لِكُلِّ مِنْحَةٍ كَرِيمَةٍ وَأَسَاسًا لِإِقَامَةِ الدَّعْوَةِ النَّبَوِيَّةِ الْقَوِيمَةِ وَيَشْفِي صُدُورَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أُعَادِيهِمْ وَيُمَكِّنُهُمْ مِنْ دَانِيهِمْ وَقَاصِيهِمْ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .
فيا أهل السنة الشرفاء أهل الجكمة والسداد الكرماء أبعث إليكم هذه النصيحة لأن الأمر كما قال ربنا جل في علاه {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة : 71]
وهذا من فضل الله علينا أعني نعمة التناصح ونعمة التواصي بالحق والصبر على ما يلاقيه أحدنا من جهلة الخلق ممن تمرد على أوامر ربه وأعرض عن شرعه وفي هذه العجالة ألخص نصحي في نقاط ليسهل تناوهل وتداوله
النقطة الأولى : الانحياز إلى فئة لا يعني الهزيمة ولو كان الانحياز مذموماً لما استثناه الله في قوله جل في علاه {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [الأنفال : 16]
قال العلامة السعدي _ رحمه الله _ في تفسير هذه الآية :
ومفهوم الآية: أن المتحرف للقتال، وهو الذي ينحرف من جهة إلى أخرى، ليكون أمكن له في القتال، وأنكى لعدوه، فإنه لا بأس بذلك، لأنه لم يول دبره فارا، وإنما ولى دبره ليستعلي على عدوه، أو يأتيه من محل يصيب فيه غرته، أو ليخدعه بذلك، أو غير ذلك من مقاصد المحاربين، وأن المتحيز إلى فئة تمنعه وتعينه على قتال الكفار، فإن ذلك جائز اهـ
فلا يعبر عن جبهة النصرة بأنها سقطت وأنها انهزمت بل يقال انحازت فلا بد من التدقيق في التعبير بما لا إرجاف فيه على المؤمنين قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ في مجموع الفتاوى - (17 / 344)
يُقَالُ لِلْأَوْلِيَاءِ انْحَازُوا عَنْ الْعَدُوِّ وَحَاصُوا وَالْأَعْدَاءُ انْهَزَمُوا وَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَتَحَاوَزَ الْفَرِيقَانِ فِي الْحَرْبِ انْحَازَ كُلُّ فَرِيقٍ عَنْ الْآخَرِ .اهـ
وقوله الأولياء من تواليه فلا تعبر عن انحيازه بالهزيمة بل تقول انحاز وما شابهه فكيف إذا كانت الموالاة موالاة شرعية ؟!
و مما يدل على أن الانحياز لا يعتبر هزيمة بل يعتبر فتحاً ونصراً قول نبينا صلى الله عليه وصلم كما في صحيح البخاري من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال ( أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب ) . وعيناه تذرفان ( حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم )
فقوله حتى فتح الله عليهم اختلف العلماء في المقصود بالفتح في هذا الموضع بما أجمله الإمام ابن قيم الجوزية بقوله كما في زاد المعاد في هدي خير العباد - (3 / 383) :
وقد ذكر ابن سعد أن الهزيمة كانت على المسلمين، والذى فى "صحيح البخارى" أن الهزيمة كانت على الروم.
والصحيح ما ذكره ابن إسحاق أن كل فئة انحازت عن الأُخرى.اهـ
فالحذر الحذر من مؤذاة المجاهدين الذين بذلوا المهج في الدفاع عن هذه الدعوة و قدموا الغالي والنفيس في سبيل الله وقاموا بما أوجب الله عليهم من الدفاع عن إخوانهم ونصرتهم وتلقين العدو ضربات لا ينساها ولن ينساها حتى لا نتشبه بمن قال فيهم ربنا جل في علاه {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب : 18 - 20]
وبهذا القدر أكتفي في هذه النقطة
النقطة الثانية :الحذر من انهيار المعنويات وإشاعة الإرجافات وعدم التماسك عند الصدمات فهذه ظهرت على تعبيرات كثير من الأفاضل والذي يقول : بأن الجبهة سقطت والذي يقول بأن الحوثي مدعوم من الداخل والخارج وأنه قوة لا تقهر وأنه وأنه
فمما لا شك فيه أن أهل السنة الشرفاء يواجهون أعداء وليس عدواً واحداً وأن الأعداء تكالبوا علينا وأن الحوثي يحاربنا أصالة عن نفسه ووكالة عن غيره هذا لا نشك فيه طرفة عين لكن ما الحل وما المواقف التي ترضي الله عنا
أول أمر أن نعلم بأن الله حسبنا وأنه ناصرنا فنعم المولى ونعم النصير قال تعالى وهو يثني على عباده الصالحين { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران : 173]
أن نعلم بأننا نقاتل العدو لا بحولنا ولا بقوتنا وإنما بالله نصول وبه نجول فلا حول ولا قوة إلا بالله وأننا لم نؤمر في حالنا بأن نعد من القوة ما عند العدو من العدة والعتاد بل علينا أن نعد ما استطعنا وما كان في مقدورنا كما قال جل في علاه {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال : 60]
فلو كان النصر بكثرة عدد وعدد لكان مع وجود الملائكة لكن ربنا جل في علاه قال بعدما بشر النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه بقتال الملائكة معهم وتثبيتها للمؤمنين قال جل في علاه {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [الأنفال : 9 ، 10]
فالنصر بيد الله لا بكثرة عدد ولا عدد
النقطة الثالثة : أن نعلم بأن لنا أعداء نعلمهم لإظهارهم العداوة لنا ومجاهرتهم بذلك وهؤلاء معلومون معروفون والمقصود هنا الأعداء الذين لا نعلمهم وضرر هؤلاء أشد وأعظم بحكم خفائهم وعدم ظهورهم ولهذا يقول ربنا جل في علاه {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون : 4]
و أن بقاء هؤلاء من أعظم الضرر علينا فعلينا أن نستعين الله عز وجل في تعتيم الأمور عمن هب ودب لا سيما ولي شيئا من أمور القيادة و أن يستعينوا الله عز وجل في معرفة هؤلاء الفجرة فإنه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ كما في مجموع الفتاوى - (28 / 434)
وَكَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْلَمُ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ وَلَا يَعْلَمُ بَعْضَهُمْ كَمَا بَيَّنَهُ قَوْلُهُ : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } كَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ بَعْدَهُ وَوَرَثَتُهُ : قَدْ يَعْلَمُونَ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ وَلَا يَعْلَمُونَ بَعْضَهُمْ .اهـ
النقطة الرابعة : إدالة العدو وظهوره في بعض الأوقات لا يعني أن الله ينصر أعدائه على أوليائه وأنه يذلهم فهذا من الظن السيء بالله عز وجل ولا يصدر إلا عمن قال الله فيهم {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا } [الأحزاب : 12]
فإن هذه الإدالة لله فيها حكمة بالغة يقول جل في علاه في بيانها {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ *وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}
قال الإمام ابن عادل الحنبلي _ رحمه الله _ : وليس المراد من هذه المداولة أن الله تعالى تارةً ينصر المؤمنين ، وأخْرَى ينصر الكافرين؛ لأن نَصْر الله مَنْصِب شريف عظيم ، فلا يليق بالكافر ، بل المراد من هذه المداولة : أنه تارة يُشَدَّد المحنة على الكفار ، وتارة على المؤمنين ، وتشديد المحنة على المؤمن أدَبٌ له في الدنيا ، وتشديد المِحْنةِ على الكافر غضب من الله تعالى عليه .اهـ
وقد أخبر سبحانه وتعالى في هذه الآية عن حكم عظيمة في تشديد المحنة على المؤمن
ـ تمييز المؤمن الصادق من المدعي الكاذب
ـ يصطفي من يشاء من عباده الصالحين فيتخذهم شهداء وفي هذا تشريف عظيم للشهيد فنسأل الله العلي الأعلى أن يرزقنا الشهادة في سبيله
ـ إمهال الله للظالمين حتى إذا أخذهم لم يفلتهم فإنه لا يحب الظالمين
_ تمحيص المؤمنين وتنقيتهم
فهذه حكم عظيمة تعود على المؤمن الصادق بالبركات وعلى الكافر الظالم و المنافق الغاشم بالذل والمحق في الدنيا والآخرة
فلا يظن بأن الابتلاء الحاصل إنما هو محق وسحق وسقوط وما إلى ذلك من الإرجافات ورحمة الله على شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ :
وهو يتكلم عن الابتلاء كما في مجموع الفتاوى - (28 / 459) : .. { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } .
فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الَّذِينَ يُبْتَلَوْنَ بِالْعَدُوِّ كَمَا اُبْتُلِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُمْ فِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ حَيْثُ أَصَابَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُ . فَلْيَتَأَسَّوْا بِهِ فِي التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ وَلَا يَظُنُّونَ أَنَّ هَذِهِ نِقَمٌ لِصَاحِبِهَا وَإِهَانَةٌ لَهُ . فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا اُبْتُلِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْخَلَائِقِ ؛ بَلْ بِهَا يُنَالُ الدَّرَجَاتُ الْعَالِيَةُ وَبِهَا يُكَفِّرُ اللَّهُ الْخَطَايَا لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا .اهتـ
فالابتلاء الحاصل يعقبه سحق للروافض الأشرار بإذن الله فأحسنوا الظن بالله و قولوا كما قال سلفنا وقدوتنا وهم نبينا صلى الله عليه وسلم ومن معه {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب : 22]
وفي أضواء البيان في بيان هذه الآية :
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين لما رأوا الأحزاب يعني جنود الكفار الذين جاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، في غزوة الخندق، قالوا: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، ولم يبيّن هنا الآية التي وعدهم إياه فيها، ولكنّه بيّن ذلك في سورة "البقرة" ، في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}،وممن قال إن آية "البقرة" المذكورة مبيّنة لآية "الأحزاب" هذه: ابن عباس، وقتادة وغير واحد، وهو ظاهر.اهـ
وإيانا جميعاً من إسائة الظن بالله عز وجل وبوعده الحق ورحمة الله على العلامة محمد المنبجي الحنبلي:والمؤمن الموفق إذا أصابه ما يكره أحسن الظن بربه وعلمأن الذي ابتلاه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه ، ولا ليعذبه به ، وإنما ليمتحن إيمانه وصبره ورضاه ، وليسمع تضرعه وابتهاله ، وليراه طريحا ببابه ، لائذا بجنابه ، مكسور القلب بين يديه ، رافعا الشكوى إليه"انتهى من تسلية أهل المصائب
فهذا سبيل التمكين فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ومن روائع الإمام الشافعي أنه وسئل أيُّما أفضلُ للرجل، أن يُمكَّن أو يُبتلى ؟ فقال: لا يُمكَّن حتى يُبتلى اهـ
وقال الإمام ابن قيم الجوزية وهو بصدد الكلام عن باتلاء الله للمؤمنين :
والمقصود: أن الله سبحانه اقتضت حكمتهُ أنه لا بد أن يمتحن النفوسَ ويبتَليها، فُيظْهِرَ بالامتحان طِّيبَها مِن خبيثها، ومَنْ يصلُح لموالاته وكراماته، ومَنْ لا يصلُح، وليُمحِّص النفوسَ التى تصلُح له ويُخلِّصها بِكِير الامتحان، كالذَّهب الذى لا يخلُص ولا يصفو مِن غِشه، إلا بالامتحان، إذ النفسُ فى الأصل جاهلة ظالمة، وقد حصل لها بالجهل والظلم مِن الخُبث ما يحتاجُ خروجه إلى السَّبكِ والتصفية، فإن خرج فى هذه الدار، وإلا ففى كِير جهنم، فإذا هُذِّب العبدُ ونُقِّىَ، أُذِنَ له فى دخولِ الجنة. اهـ
فهذه بعض النقاط التي أحببت التنبيه عليها نصحاً لنفسي أولا ولإخواني ثانياً نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحب ويرضى .
وأخيراً فلا إلا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في حادثة قازان :
فَاَللَّهُ يُتِمُّ هَذِهِ النِّعْمَةَ بِجَمْعِ قُلُوبِ أَهْلِ الْإِيمَانِ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الطُّغْيَانِ وَيَجْعَلُ هَذِهِ الْمِنَّةَ الْجَسِيمَةَ مَبْدَأً لِكُلِّ مِنْحَةٍ كَرِيمَةٍ وَأَسَاسًا لِإِقَامَةِ الدَّعْوَةِ النَّبَوِيَّةِ الْقَوِيمَةِ وَيَشْفِي صُدُورَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أُعَادِيهِمْ وَيُمَكِّنُهُمْ مِنْ دَانِيهِمْ وَقَاصِيهِمْ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .
وكتب
علي بن رشيد العفري
علي بن رشيد العفري
_ وفقه الله _
تعليق