قال شيخ الإسلام ابن تيمة _ رحمه الله _ في مجموع الفتاوى - (28 / 456)... ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ يُشْبِهُونَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَقْتَ النَّزْعِ . فَإِنَّهُ يَخَافُ وَيُذْهِلُ عَقْلَهُ وَيَشْخَصُ بَصَرُهُ وَلَا يَطْرِفُ .
فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَخَافُونَ الْقَتْلَ . { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } وَيُقَالُ فِي اللُّغَةِ " صَلَقُوكُمْ " وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْكَلَامِ الْمُؤْذِي . وَمِنْهُ " الصَّالِقَةُ " وَهِيَ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالْمُصِيبَةِ .
ويُقَالُ : صَلَقَهُ وَسَلَقَهُ - وَقَدْ قَرَأَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ بِهَا ؛ لَكِنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْمُصْحَفِ - إذَا خَاطَبَهُ خِطَابًا شَدِيدًا قَوِيًّا . وَيُقَالُ : خَطِيبٌ مِسْلَاقٌ : إذَا كَانَ بَلِيغًا فِي خُطْبَتِهِ ؛ لَكِنَّ الشِّدَّةَ هُنَا فِي الشَّرِّ لَا فِي الْخَيْرِ . كَمَا قَالَ { بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ } وَهَذَا السَّلْقُ بِالْأَلْسِنَةِ الْحَادَّةِ يَكُونُ بِوُجُوهِ :
تَارَةً يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ : هَذَا الَّذِي جَرَى عَلَيْنَا بِشُؤْمِكُمْ ؛ فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ الَّذِينَ دَعَوْتُمْ النَّاسَ إلَى هَذَا الدِّينِ وَقَاتَلْتُمْ عَلَيْهِ وَخَالَفْتُمُوهُمْ ؛ فَإِنَّ هَذِهِ مَقَالَةُ الْمُنَافِقِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ .
وَتَارَةً يَقُولُونَ : أَنْتُمْ الَّذِينَ أَشَرْتُمْ عَلَيْنَا بِالْمُقَامِ هُنَا وَالثَّبَاتِ بِهَذَا الثَّغْرِ إلَى هَذَا الْوَقْتِ وَإِلَّا فَلَوْ كُنَّا سَافَرْنَا قَبْلَ هَذَا لَمَا أَصَابَنَا هَذَا .
وَتَارَةً يَقُولُونَ - أَنْتُمْ مَعَ قِلَّتِكُمْ وَضَعْفِكُمْ - تُرِيدُونَ أَنْ تَكْسِرُوا الْعَدُوَّ وَقَدْ غَرَّكُمْ دِينُكُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .
وَتَارَةً يَقُولُونَ : أَنْتُمْ مَجَانِينُ لَا . عقل لَكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُهْلِكُوا أَنْفُسَكُمْ وَالنَّاسُ مَعَكُمْ .
وَتَارَةً يَقُولُونَ : أَنْوَاعًا مِنْ الْكَلَامِ الْمُؤْذِي الشَّدِيدِ .
وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَشِحَّةٌ عَلَى الْخَيْرِ أَيْ حُرَّاصٌ عَلَى الْغَنِيمَةِ وَالْمَالِ الَّذِي قَدْ حَصَلَ لَكُمْ .
قَالَ قتادة : إنْ كَانَ وَقْتَ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ بَسَطُوا أَلْسِنَتَهُمْ فِيكُمْ . يَقُولُونَ : أَعْطُونَا فَلَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهَا مِنَّا . فَأَمَّا عِنْدَ الْبَأْسِ فَأَجْبَنُ قَوْمٍ وَأَخْذَلُهُمْ لِلْحَقِّ .
وَأَمَّا عِنْدَ الْغَنِيمَةِ فأشح قَوْمٍ . وَقِيلَ : أَشِحَّةٌ عَلَى الْخَيْرِ أَيْ بُخَلَاءُ بِهِ لَا يَنْفَعُونَ لَا بِنُفُوسِهِمْ وَلَا بِأَمْوَالِهِمْ .
وَأَصْلُ الشُّحِّ : شِدَّةُ الْحِرْصِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ عَنْهُ الْبُخْلُ وَالظُّلْمُ : مَنْ مَنَعَ الْحَقَّ وَأَخَذَ الْبَاطِلَ .
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إيَّاكُمْ وَالشُّحَّ ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ . أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا } ؟ فَهَؤُلَاءِ أَشِحَّاءُ عَلَى إخْوَانِهِمْ أَيْ بُخَلَاءُ عَلَيْهِمْ وَأَشِحَّاءُ عَلَى الْخَيْرِ أَيْ حُرَّاصٌ عَلَيْهِ . فَلَا يُنْفِقُونَهُ . كَمَا قَالَ : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } . انتهى المراد
قلت : هذا الكلام الجميل مختزل من رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ إلى عموم المسلمين بعد حادثة وفتنة التتار بقيادة قازان ومن غزارة علم هذا الإمام قام بمقارنة ما حصل في غزوة الخندق بما حصل في فتنة قازان من تكالب الأعداء وتخذيل المنافقين والذين في قلوبهم مرض ولعل يوفقني لمقارنة ما حصل في فتنة الحوثيين ومن إليهم والتي والله يحق أن يطلق عليها فتنة تكالب الأحزاب من الكفرة والزنادقة والمنافقين والذين في قلوبهم مرض على أهل السنة الشرفاء في اليمن عامة وفي دار الحديث بدماج الأبية خاصة فيا أيها السني اعتبر فإن الاعتبار من شأن أولي الألباب {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران : 12 ، 13]
والحمد لله رب العالمين
فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَخَافُونَ الْقَتْلَ . { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } وَيُقَالُ فِي اللُّغَةِ " صَلَقُوكُمْ " وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْكَلَامِ الْمُؤْذِي . وَمِنْهُ " الصَّالِقَةُ " وَهِيَ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالْمُصِيبَةِ .
ويُقَالُ : صَلَقَهُ وَسَلَقَهُ - وَقَدْ قَرَأَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ بِهَا ؛ لَكِنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْمُصْحَفِ - إذَا خَاطَبَهُ خِطَابًا شَدِيدًا قَوِيًّا . وَيُقَالُ : خَطِيبٌ مِسْلَاقٌ : إذَا كَانَ بَلِيغًا فِي خُطْبَتِهِ ؛ لَكِنَّ الشِّدَّةَ هُنَا فِي الشَّرِّ لَا فِي الْخَيْرِ . كَمَا قَالَ { بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ } وَهَذَا السَّلْقُ بِالْأَلْسِنَةِ الْحَادَّةِ يَكُونُ بِوُجُوهِ :
تَارَةً يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ : هَذَا الَّذِي جَرَى عَلَيْنَا بِشُؤْمِكُمْ ؛ فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ الَّذِينَ دَعَوْتُمْ النَّاسَ إلَى هَذَا الدِّينِ وَقَاتَلْتُمْ عَلَيْهِ وَخَالَفْتُمُوهُمْ ؛ فَإِنَّ هَذِهِ مَقَالَةُ الْمُنَافِقِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ .
وَتَارَةً يَقُولُونَ : أَنْتُمْ الَّذِينَ أَشَرْتُمْ عَلَيْنَا بِالْمُقَامِ هُنَا وَالثَّبَاتِ بِهَذَا الثَّغْرِ إلَى هَذَا الْوَقْتِ وَإِلَّا فَلَوْ كُنَّا سَافَرْنَا قَبْلَ هَذَا لَمَا أَصَابَنَا هَذَا .
وَتَارَةً يَقُولُونَ - أَنْتُمْ مَعَ قِلَّتِكُمْ وَضَعْفِكُمْ - تُرِيدُونَ أَنْ تَكْسِرُوا الْعَدُوَّ وَقَدْ غَرَّكُمْ دِينُكُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .
وَتَارَةً يَقُولُونَ : أَنْتُمْ مَجَانِينُ لَا . عقل لَكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُهْلِكُوا أَنْفُسَكُمْ وَالنَّاسُ مَعَكُمْ .
وَتَارَةً يَقُولُونَ : أَنْوَاعًا مِنْ الْكَلَامِ الْمُؤْذِي الشَّدِيدِ .
وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَشِحَّةٌ عَلَى الْخَيْرِ أَيْ حُرَّاصٌ عَلَى الْغَنِيمَةِ وَالْمَالِ الَّذِي قَدْ حَصَلَ لَكُمْ .
قَالَ قتادة : إنْ كَانَ وَقْتَ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ بَسَطُوا أَلْسِنَتَهُمْ فِيكُمْ . يَقُولُونَ : أَعْطُونَا فَلَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهَا مِنَّا . فَأَمَّا عِنْدَ الْبَأْسِ فَأَجْبَنُ قَوْمٍ وَأَخْذَلُهُمْ لِلْحَقِّ .
وَأَمَّا عِنْدَ الْغَنِيمَةِ فأشح قَوْمٍ . وَقِيلَ : أَشِحَّةٌ عَلَى الْخَيْرِ أَيْ بُخَلَاءُ بِهِ لَا يَنْفَعُونَ لَا بِنُفُوسِهِمْ وَلَا بِأَمْوَالِهِمْ .
وَأَصْلُ الشُّحِّ : شِدَّةُ الْحِرْصِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ عَنْهُ الْبُخْلُ وَالظُّلْمُ : مَنْ مَنَعَ الْحَقَّ وَأَخَذَ الْبَاطِلَ .
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إيَّاكُمْ وَالشُّحَّ ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ . أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا } ؟ فَهَؤُلَاءِ أَشِحَّاءُ عَلَى إخْوَانِهِمْ أَيْ بُخَلَاءُ عَلَيْهِمْ وَأَشِحَّاءُ عَلَى الْخَيْرِ أَيْ حُرَّاصٌ عَلَيْهِ . فَلَا يُنْفِقُونَهُ . كَمَا قَالَ : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } . انتهى المراد
قلت : هذا الكلام الجميل مختزل من رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ إلى عموم المسلمين بعد حادثة وفتنة التتار بقيادة قازان ومن غزارة علم هذا الإمام قام بمقارنة ما حصل في غزوة الخندق بما حصل في فتنة قازان من تكالب الأعداء وتخذيل المنافقين والذين في قلوبهم مرض ولعل يوفقني لمقارنة ما حصل في فتنة الحوثيين ومن إليهم والتي والله يحق أن يطلق عليها فتنة تكالب الأحزاب من الكفرة والزنادقة والمنافقين والذين في قلوبهم مرض على أهل السنة الشرفاء في اليمن عامة وفي دار الحديث بدماج الأبية خاصة فيا أيها السني اعتبر فإن الاعتبار من شأن أولي الألباب {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران : 12 ، 13]
والحمد لله رب العالمين
تعليق