بسم الله الرحمن الرحيم.
من الفقير إلى الله: عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي عفا الله عنه، إلى جميع أهل السنة والإيمان بأرض الجهاد والدعوة كتاف حفظهم الله.
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله أجمعين أما بعد:
فقد فرحنا بما بلغنا من عظيم غيرتكم لهذا الدين وحملته، وشدة محبتكم لأهل السنة والإسلام عموماً ولدار الحديث بدماج وأهلها خصوصاً، مع شدة بغضكم للكفر والفسوق والعصيان عموماً وللكفرة الزنادقة الرافضة خصوصاً، فحملكم ذلك كله على جهاد أولياء الشيطان ونصرة أولياء الرحمن بالأنفس والأموال، وبالسان والبنان والسنان لإعلاء كلمة الله. فطوبى للمخلصين لله أعمالهم المتبعين لرسوله صلى الله عليه وصلم سلوكهم المستمسكين بالمنهج السلف وإن كان مثل القبض على الجمر في شدة غربة السنة النابذين الدنيا وراء ظهورهم. فطوبى لهم ثم طوبى لهم ثم طوبى لهم. عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : «بشر هذه الأمة بالسناء والنصر والتمكين فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب». (أخرجه أحمد (21261)/حديث صحيح).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله». قالوا: ثم من؟ قال: «مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره». (أخرجه البخاري (2786) ومسلم (1888)).
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش. طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع». (أخرجه البخاري (2887)).
فجزاكم الله خيرا.
والحمد لله أن الوضع في دماج هادئ وإن ظهر لنا شدة حرص الرافضة على أخذ "الوطن" ببعض الوسائل إلى الآن. وسمعنا خبرا أنهم يضيقون على المارين في "حرف سفيان" تنفيذاً لغرض شياطينهم في "إيران" لإشعال الحروب والفتن في اليمن. فتلهّب النيران ما زال متوقَّعاً في كل حين ليزيد الله المؤمنين أجراً ومثوبة ويزداد الذين كفروا إثماً ووزراً.
وهذا بعض ما كتبه أبو إسماعيل الوادعي حفظه الله بتاريخ ليلة الخميس 22/10/1434هـ:قلت –بالله التوفيق-: وأخبرني بعض الطلبة العلم الذين جاءوا من قرية "الوطن" ليلة الخميس 22/10/1434هـ أن الحوثيين ما زالوا يحفرون خنادق طويلة أمام تلك القرية .
وقد عَلم المسلمون أن الرافضة جمع بين شدة قبح العقائد والأقوال والأفعال، وبين عظيم البغض على المسلمين، وما زالوا يتحينون فرصة لإبادة المسلمين.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله عن الرافضة: فقد جربناه وجربه من قبلنا فلم تجدوا رجلا رافضيا يتنزه عن شيء من محرمات الدين كائنا من كان، ولا تغتر بالظواهر، فإن الرجل قد يترك المعصية في الملأ ويكون أعفّ الناس عنها في الظاهر، وهو إذا أمكنته فرصة انتهزها انتهاز من لا يخاف ناراً ولا يرجو جنة. وقد رأيت من كان منهم مؤذّناً ملازماً للجماعات فانكشف سارقا، وآخر كان يؤم الناس في بعض مساجد صنعاء، وله سمت حسن وهدي عجيب، وملازمة للطاعة، وكنت أكثر التعجب منه، كيف يكون رافضيا؟ ثم سمعت بعد ذلك عنه بأمور تقشعر لها الجلود، وترجف منها القلوب. ("أدب الطلب"/ص63/دار الكتب العلمية).
مع هذه قبائحهم زعم الراقضة أنهم المؤمنون الطاهرون، وأن غيرهم كفار من أولاد الزنى حلال الدماء. قال السيد حسين الموسوي رحمه الله: وروى الكليني: (إن الناس كلهم أولاد زنا أو قال بغايا ما خلا شيعتنا) ("الروضة" (8/135)).
ولهذا أباحوا دماء أهل السنة وأموالهم. فمن أكاذيهم أنهم يروون عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: ما تقول في قتل الناصب؟ فقال: حلال الدم، ولكني أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل. ("وسائل الشيعة" (18/463)، "بحار الأنوار" (27/231)).
وعلق الخميني على هذا بقوله: فإن استطعت أن تأخذ ماله فخذه، وابعث إلينا بالخمس.
وقال نعمة الله الجزائري: إن علي بن يقطين وزير الرشيد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين، فأمر غلمانه وهدموا أسقف المحبس على المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل. ("الأنوار النعمانية" (3/308)).
راجع كتاب "لله ثم للتاريخ، كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار" للسيد حسين الموسوى رحمه الله.
وهاكم تقريراً طبّيّاً للدكتور عدنان الصبيحي حفظه الله حول جثامين شهداء دماج الأربعة :
بسم الله الرحمن الرحيم
تقرير طبي للدكتور عدنان الصبيحي حول جثامين شهداء دماج -فيما نحسبهم والله حسيبهم- الأربعة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد:
ففي هذا اليوم الثلاثاء العشرون من شهر شوال الموافق 27/8/2013م تم إحضار جثامين شهداء دماج - فيما نحسبهم والله حسيبهم - إلى المركز الصحي في دماج وكان الفحص عليهم من قبلنا على إحدى تلك الجثامين وهي جثة الأخ بلال بن أحمد الورد وعمره عشرون عاما حيث كانت مدفونة تحت الأنقاض في منطقة الطلول منذ ليلة الأربعاء 14/10/1434هـ فوجدنا ما يلي:
1- رأيت جسده الأعلى متغيرا عن نصف جسده الأسفل حيث كان نصف جسده الأسفل مدفونًا والأعلى ظاهرًا.
2- كان التغير نتيجة عن وضع مواد كميائية على نصفه الظاهر فنتج عن ذلك:
أ- انخلاس جميع جلده ولحمه عن عظمه فصار كالهيكل العظمي لا يعرف البتة.
ب- تغير لون العظم إلى اللون الأحمر الداكن نتيجة المواد الكميائية.
ج- تحلل الملابس التي كان يرتديها.
3- رأيت نصفه الأسفل طبيعيًا ليس فيه أي شيء غير آثار الهدم وبه عرفه أبوه.
وأملاه الدكتور عدنان الصبيحي
طبيب في مركز دماج الصحي
(انتهى النقل من شبكة "العلوم السلفية").
وأخونا بلال بن أحمد الورد رحمه الله شابّ مؤدب سلفي قد جهّز الزواج، ولكنا نحسب أن الله أراد له ما هو أحسن. فقلوبنا تبكي له ولجميع إخواننا الذين سبقونا للقاء الله على أيدي تلكم الشلة الكفرة الفجرة، وألسنتنا تحمد الله على ما اختار هؤلاء الإخوة. ونقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية.
وهاكم قصة عجيبة واقعية:
قال الحاكم رحمه الله: سمعت أبا زكرياء يحيى بن محمد العنبري([1]) يقول: سمعت أبا العباس عيسى بن محمد بن عيسى الطهماني المروزي([2]) يقول: إن الله سبحانه وتعالى يظهر إذا شاء ما شاء من الآيات والعبر في بريته فيزيد الإسلام بها عزا وقوة، ويؤيد ما أنزل من الهدى والبينات، وينشر أعلام النبوة، ويوضح دلائل الرسالة، ويوثق عرى الإسلام، ويثبت حقائق الإيمان منا منه على أوليائه وزيادة في البرهان بهم، وحجة على من عند عن طاعته وألحد في دينه: ﴿ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة﴾ فله الحمد لا إله إلا هو ذو الحجة البالغة، والعز القاهر، والطول الباهر. وصلى الله على سيدنا محمد نبي الرحمة ورسول الهدى وعليه وعلى آله الطاهرين السلام ورحمة الله وبركاته.
وإن مما أدركناه عيانا وشاهدناه في زماننا وأحطنا علما به فزادنا يقينا في ديننا وتصديقا لما جاء به نبينا محمد ودعا إليه من الحق فرغَّب فيه من الجهاد من فضيلة الشهداء وبلغ عن الله عز وجل فيهم إذ يقول جل ثناؤه: ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين﴾ أني وردت في سنة ثمان وثلاثين ومائتين مدينة من مدائن "خوارزم" تدعى "هزاراسب" وهي في غربي وادي "جيحون" ومنها إلى المدينة العظمى مسافة نصف يوم فخبرت أن بها امرأة من نساء الشهداء رأت رؤيا كأنها أطعمت في منامها شيئا، فهي لا تأكل شيئا ولا تشرب شيئا منذ عهد أبي العباس بن طاهر والي "خراسان" وكان توفي قبل ذلك بثمان سنين رضي الله عنه ثم مررت بتلك المدينة سنة اثنتين وأربعين ومائتين فرأيتها وحدثتني بحديثها، فلم أستقص عليها لحداثة سني ثم إني عدت إلى خوارزم في آخر سنة اثنتين وخمسين ومائتين فرأيتها باقية ووجدت حديثها شائعا مستفيضا. وهذه المدينة على مدرجة القوافل، وكان الكثير ممن نزلها إذا بلغهم قصتها أحبوا أن ينظروا إليها، فلا يسألون عنها رجلا ولا امرأة ولا غلاما إلا عرفها ودل عليها.
فلما وافيت الناحية طلبتها فوجدتها غائبة على عدة فراسخ، فمضيت في أثرها من قرية إلى قرية فأدركتها بين قريتين تمشي مشية قوية، وإذا هي امرأة نصف جيدة القامة حسنة البدن ظاهرة الدم متوردة الخدين ذكية الفؤاد فسايرتني وأنا راكب، فعرضت عليها مركبا فلم تركبه، وأقبلت تمشي معي بقوة، وحضر مجلسي قوم من التجار والدهاقين، وفيهم فقيه يسمى محمد بن حمدويه الحارثي، وقد كتب عنه موسى بن هارون البزار بمكة، وكمل له عبادة ورواية للحديث، وشاب حسن يسمى عبد الله بن عبد الرحمن، وكان يخلف أصحاب المظالم بناحيته، فسألتهم عنها، فأحسنوا الثناء عليها، وقالوا عنها خيرا، وقالوا: (إن أمرها ظاهر عندنا فليس فيها من يختلف فيها). قال المسمى عبد الله بن عبد الرحمن: (أنا أسمع حديثها منذ أيام الحداثة ونشأت والناس يتفاوضون في خبرها، وقد فرغت بالي لها، وشغلت نفسي للاستقصاء عليها، فلم أر إلا سترا وعفافا، ولم أعثر منها على كذب في دعواها، ولا حيلة في التلبيس). وذكر أن من كان يلي خوارزم من العمال كانوا فيما خلا يستخصونها، ويحضرونها الشهر والشهرين والأكثر في بيت يغلقونه عليها، ويوكلون بها من يراعيها، فلا يرونها تأكل ولا تشرب ولا يجدون لها أثر بول ولا غائط، فيبرّونها ويكسونها ويخلون سبيلها.
فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها استقصصتها عن حديثها وسألتها عن اسمها وشأنها كله، فذكرت أن اسمها: "رحمة بنت إبراهيم" وأنه كان لها زوج نجار فقير، معيشته من عمل يده، يأتيه رزقه يوما ويوما، لا فضل في كسبه عن قوت أهله، وأنها ولدت منه عدة أولاد، وجاء "الأقطع" ملك الترك إلى القرية فعبر الوادي عند جموده إلينا في زهاء ثلاثة آلاف فارس وأهل خوارزم يدعونه "كسرة".
وقال أبو العباس: و"الأقطع" هذا فإنه كان كافرا عاتيا شديد العداوة للمسلمين، قد أثر على أهل الثُغور وألحّ على أهل خوارزم بالسبي والقتل والغارات، وكانت ولاة خراسان يتألفونه وأنسابه من عظماء الأعاجم ليكفوا غارتهم عن الرعية، ويحقنوا دماء المسلمين، فيبعثون إلى كل واحد منهم بأموال وألطاف كثيرة وأنواع من فاخر الثياب، وأن هذا الكافر انساب في بعض السنين على السلطان، ولا أدري لم ذاك أستبطأ المبار عن وقتها أم استقل ما بعث إليه في جنب ما بعث إلى نظرائه من ملوك الجريجية والثغرغدية.
فأقبل في جنوده وتورد الثغر واستعرض الطرق فعاث وأفسد وقتل ومثل فعجزت عنه خيول خوارزم. وبلغ خبره أبا العباس عبد الله بن طاهر رحمه الله فأنهض إليهم أربعة من القواد: طاهر بن إبراهيم بن مدرك، ويعقوب بن منصور بن طلحة، وميكال مولى طاهر، وهارون القباض، وشحن البلد بالعساكر والأسلحة ورتبهم في أرباع البلد كل في ربع فحموا الحريم بإذن الله تعالى، ثم إن وادي جيحون وهو الذي في نهر بلخ جمد لما اشتد البرد وهو واد عظيم شديد الطغيان كثير الآفات. وإذا امتد كان عرضه نحوا من فرسخ وإذا جمد انطبق فلم يوصل منه إلى شيء حتى يحفر فيه كما تحفر الآبار في الصخور وقد رأيت كثيف الجمد عشرة أشبار وأخبرت أنه كان فيما مضى يزيد على عشرين شبرا، وإذا هو انطبق صار الجمد جسرا لأهل البلد تسير عليه العساكر والعجل والقوافل، فينطم ما بين الشاطئين، وربما دام الجمد مائة وعشرين يوما وإذا قل البرد في عام بقي سبعين يوما إلى نحو ثلاثة أشهر.
قالت المرأة: فعبر الكافر في خيله إلى باب الحصن وقد تحصن الناس وضموا أمتعتهم فضجوا بالمسلمين وخربوهم فحصر من ذلك أهل الناحية وأرادوا الخروج فمنعهم العامل دون أن تتوافى عساكر السلطان وتتلاحق المطوعة فشد طائفة من شبان الناس وأحداثهم فتقاربوا من السور بما أطاقوا حمله من السلاح وحملوا على الكفرة فتهارج الكفرة واستجروهم من بين الأبنية والحيطان فلما أصحروا كر الترك عليهم وصار المسلمون في مثل الحرجة فتخلصوا واتخذوا دارة يحاربون من ورائها وانقطع ما بينهم وبين الخصم وبعدت المؤنة عنهم فحاربوا كأشد حرب وثبتوا حتى تقطعت الأوتار والقسي وأدركهم التعب ومسهم الجوع والعطش وقتل عامتهم وأثخن الباقون بالجراحات ولما جن عليهم الليل تحاجز الفريقان.
قالت المرأة: ورفعت النار على المناظر ساعة عبور الكافر فاتصلت بالجرجانية وهي مدينة عظيمة في قاصية خوارزم وكان ميكال مولى طاهر من أبياتها في عسكر فحث في الطلب هيبة للأمير أبي العباس عبد الله بن طاهر رحمه الله وركض إلى هزاراسب في يوم وليلة أربعين فرسخا بفراسخ خوارزم وفيها فضل كثير على فراسخ خراسان وعد الترك الفراغ من أمر أولئك النفر فبينما هم كذلك إذ ارتفعت لهم الأعلام السود وسمعوا أصوات الطبول فأفرجوا عن القوم ووافى ميكال موضع المعركة فوارى القتلى وحمل الجرحى. قالت المرأة: وأدخل الحصن علينا عشية ذلك أربعمائة جنازة فلم تبق دار إلا حمل إليها قتيل وعمت المصيبة وارتجَت الناحية بالبكاء.
قالت: ووضع زوجي بين يدي قتيلا فأدركني من الجزع والهلع عليه ما يدرك المرأة الشابة على زوج أبي الأولاد وكانت لنا عيال.
قالت: فاجتمع النساء من قراباتي والجيران يسعدنني على البكاء وجاء الصبيان وهم أطفال لا يعقلون من الأمر شيئا، يطلبون الخبز، وليس عندي ما أعطيهم فضقت صدرا بأمري، ثم إني سمعت أذان المغرب ففزعت إلى الصلاة، فصليت ما قضى لي ربي، ثم سجدت أدعو وأتضرع إلى الله وأسأله الصبر بأن يجبر يتم صبياني.
قالت: فذهب بي النوم في سجودي فرأيت في منامي كأني في أرض حسناء ذات حجارة، وأنا أطلب زوجي، فناداني رجل إلى أين أيتها الحرة؟ قلت: أطلب زوجي. فقال: خذي ذات اليمين. قالت: فأخذت ذات اليمين، فرفع لي أرض سهلة طيبة الري، ظاهرة العشب، وإذا قصور وأبنية لا أحفظ أن أصفها أو لم أر مثلها، وإذا أنهار تجري على وجه الأرض عبر أخاديد ليست لها حافات، فانتهيت إلى قوم جلوس حلقا حلقا عليهم ثياب خضر قد علاهم النور، فإذا هم الذين قتلوا في المعركة يأكلون على موائد بين أيديهم، فجعلت أتخللهم وأتصفح وجوههم أبغي زوجي لكي ينظرني، فناداني: يا رحمة يا رحمة، فيممت الصوت، فإذا أنا به في مثل حال من رأيت من الشهداء، وجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه، فقال لأصحابه: إن هذه البائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنون لي أن أناولها شيئا تأكله؟ فأذنوا له، فناولني كسرة خبز. قالت: وأنا أعلم حينئذ أنه خبز ولكن لا أدري كيف يخبز؟ هو أشد بياضا من الثلج واللبن وأحلى من العسل والسكر وألين من الزبد والسمن. فأكلته فلما استقر في جوفي قال: اذهبي كفاك الله مؤنة الطعام والشراب ما حييت الدنيا([3]).
فانتبهت من نومي شبعى ريا، لا أحتاج إلى طعام ولا شراب. وما ذقتهما منذ ذلك اليوم إلى يومي هذا، ولا شيئا يأكله الناس. قال أبو العباس: وكانت تحضرنا وكنا نأكل فتتنحى وتأخذ على أنفها تزعم أنها تتأذى من رائحة الطعام. فسألتها هل تتغذى بشيء أو تشرب شيئا غير الماء؟ فقالت: لا.
فسألتها هل يخرج منها ريح أو أذى كما يخرج من الناس؟ فقالت: لا عهد لي بالأذى منذ ذلك الزمان. قلت: والحيض؟ و أظنها قالت: انقطع بانقطاع الطعم.
قلت: فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال؟ قالت: أما تستحيي مني تسألني عن مثل هذا؟ قلت: إني لعلي أحدثُ الناس عنك، ولا بد أن أستقصي. قالت: لا أحتاج.
قلت: فتنامين؟ قالت: نعم أطيب نوم. قلت: فما ترين في منامك؟ قالت: مثل ما ترون. قلت: فتجدين لفقد الطعام وهناً في نفسك؟ قالت: ما أحسست بجوع منذ طعمت ذلك الطعام.
وكانت تقبل الصدقة. فقلت لها: ما تصنعين بها؟ قالت: أكتسي وأكسو ولدي. قلت: فهل تجدين البرد وتتأذين بالحر؟ قالت: نعم. قلت: فهل تدرين كلل اللغوب والإعياء إذا مشيت؟ قالت: نعم. ألست من البشر؟ قلت: فتتوضئين للصلاة؟ قالت: نعم. قلت: لم؟ قالت: أمرني بذلك الفقهاء. فقلت: إنهم أفتوها على حديث: «لا وضوء إلا من حدث أو نوم».
وذكرت لي أن بطنها لاصق بظهرها. فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها كما وصفت، وإذا قد اتخذت كيسا فضمت القطن وشدته على بطنها كي لا ينقصف ظهرها إذا مشت. ثم لم أزل أختلف إلى هزاراسب بين السنتين والثلاث، فتحضرني فأعيد مسألتها، فلا تزيد ولا تنقص. وعرضت كلامها على عبد الله بن عبد الرحمن الفقيه، فقال: أنا أسمع هذا الكلام منذ نشأت، فلا أجد من يدفعه أو يزعم أنه سمع أنها تأكل أو تشرب أو تتغوط.
(انتهى النقل من "طبقات الشافعية الكبرى"/لابن السبكي/8/ص2-7).
وهاكم قصة ثانية عجيبة: عن ثابت البناني رحمه الله قال : كنت عند أنس بن مالك إذ قدم عليه ابن له من غزاة له ، يقال له أبو بكر ، فسأله ، فقال : ألا أخبرك عن صاحبنا ، فلان ؟ بينا نحن قافلين في غزاتنا ، إذ ثار وهو يقول : واأهلاه واأهلاه ، فثرنا إليه ، وظننا أن عارضا عرض له ، فقلنا : ما لك ؟ فقال : إني كنت أحدث نفسي ألا أتزوج حتى أستشهد ، فيزوجني الله تعالى من حور العين ، فلما طالت علي الشهادة ، قلت في سفري هذا : إن أنا رجعت هذه المرة تزوجت ، فأتاني آت قبيل في المنام ، فقال : أنت القائل : إن رجعت تزوجت ؟ قم فقد زوجك الله "العيناء" ، فانطلق بي إلى روضة خضراء معشبة ، فيها عشر جوار ، بيد كل واحدة صنعة تصنعها ، لم أر مثلهن في الحسن والجمال([4]) ، فقلت : فيكن العيناء ؟ فقلن : نحن من خدمها ، وهي أمامك فمضيت ، فإذا روضة أعشب من الأولى وأحسن ، فيها عشرون جارية ، في يد كل واحدة صنعة تصنعها ليس العشر إليهن بشيء في الحسن والجمال ، قلت : فيكن العيناء ؟ قلن : نحن من خدمها ، وهي أمامك ، فمضيت ، فإذا أنا بروضة ، وهي أعشب من الأولى والثانية في الحسن ، فيها أربعون جارية ، في يد كل واحدة منهن صنعة تصنعها ليس العشر والعشرون إليها بشىء في الحسن والجمال ، قلت : فيكن العيناء ؟ قلن : نحن من خدمها ، وهي أمامك ، فمضيت ، فإذا أنا بياقوتة مجوفة فيها سرير عليه امرأة قد فضل جنباها السرير ، قلت : أنت العيناء ؟ قالت : نعم مرحبا ، فذهبت أضع يدي عليها ، قالت : مه ؛ إن فيك شيئا من الروح بعد ، ولكن تفطر عندنا الليلة ، قال : فانتبهت ، قال : فما فرغ الرجل من حديثه حتى نادى المنادي : يا خيل الله اركبي ، قال : فركبنا ، فصافنا العدو ، قال : فإني لأنظر إلى الرجل ، وأنظر إلى الشمس ، وأذكر حديثه ، فما أدري رأسه سقط أم الشمس سقطت.
(انتهى النقل من "الغيلانيات"/لأبي بكر الشافعي /2/ص421).
السند صحيح، رجاله ثقات.
والأثر أخرجه أيضا الإمام ابن المبارك في "الجهاد" برقم (149) من طريق السري بن يحيى عن ثابت به، وفيه: ثم انتهيت إلى قبة من ياقوتة حمراء مجوفة قد أضاء لها ما حولها، فقال لي صاحبي: ادخل، فدخلت، فإذا امرأة ليس للقبة معها ضوء، فجلست فتحدثت ساعة، فجعلت تحدثني، فقال صاحبي: اخرج انطلق. قال: ولا أستطيع أن أعصيه. قال: فقمت فأخذتْ بطرف ردائي فقالت: أفطر عندنا الليلة. فلما أيقظتموني رأيت إنما هو حلم فبكيت. فلم يلبثوا أن نودي في الخيل. قال: فركب الناس، فما زالوا يتطاردون حتى إذا غابت الشمس وحلّ للصائم الإفطار أصيب تلك الساعة، وكان صائما. وظننت أنه من الأنصار، وظننت أن ثابتا كان يعلم نسبه اهـ.
وهاكم خبرجديد من الأخ أبي عبد الله عبد القادر العديني حفظه الله في دماج حرسها الله:
الحمد لله اﻷمور هادئة إلى اﻵن مع تعنت الحوثيين وعدم تسليمهم للمواقع المتفق عليها واشتراطهم الخروج من الوطن بدون أي حق ولكن لم نستجب لهم وأخبرنا الوساطة بأن الوطن تابع ﻷهل البلاد وقد أوقفوه للطلاب وأن الحديث عن الوطن معناه الخروج من دماج فرجعت الوساطة يوم أمس ولم تفعل شيئا غير إخراج الجثث ﻷن الحوثيين متعنتون ولم يقابلوا الوساطة.
وقد كان إخراج الجثث يوم أمس من قبل الوساطة والصليب اﻷحمر وقد أخبرنا عن شاهد عيان أنه كلما أخرجت جثة قفز عليها الحوثيون ينهبون ما عليها من سلاح ورصاص وأي شيئ معهم حتى أنهم لم يجدوا مع أحد الجثث غير مصحف فما كان منهم إلا أن أخذوا المصحف ورموا به، فصاح عليهم الناس ولكنهم لم يبالوا بذلك وأقبلوا على النهب وكأنهم كلاب جائعة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا وأصبح هذا اليوم اﻷمور على ما يرام ونحن في انتظار الوساطة والباصات منعت اليوم من السفر بسبب تعنت الحوثيين وتفتيشهم لها واعتراضهم عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله. اهـ (النقل من شبكة "العلوم السلفية").
ونحمد الله وحده أن يبقي لنا فرصا لزيادة الأعمال الصالحات وارتفاع الدرجات عنده.
ولا ندري ماذا يحصل غداً، وأهل الحق دائماً في لطف الله أيّاً كان حصل:
لا تشك! فالأيام حبلى ربما ... جاءتك من أعجوبة بجنين
فكذا تصاريف الزمان: مشقة ... في راحةٍ وخشونة في اللين!
ما ضاع يونس بالعراء مجرداً ... في ظل نابتة من اليقطين
("زهر الأكم في الأمثال و الحكم"/ص 179).
والأعداء لا يفترون في إنشاء المكائد لإهلاك أهل الحق أو ليخضع أولياء الرحمن لأغراض الشيطان. قال الله تعالى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة: 217]. وقال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ وَأَنَّ الله مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: 18].
وأهل السنة والجماعة الموفّقون هداهم الله لازدياد الخيرات وارتفاع الدرجات في أي ظرف كانوا. ففي حال الأمن والطمأنينة هداهم الله لأنواع الأعمال الصالحات ترتفع بها درجاتهم عند الله تعالى.
وفي الهرج عباداتهم كالهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هجوم الكفرة والزنادقة نال أهل التوحيد والسنة رفعة درجات الجهاد في سبيل الله. فإن بقوا أحياء نالوا عزة الدنيا قبل الآخرة، ومع ازدياد فرصة العبادات. وإن قُتلوا نالوا علوّ درجات الشهداء ووفور أجورهم. فما يصنع الأعداء؟
قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ﴾ [التوبة: 51، 52].
وكلما كان الإنسان أعبد لربه تعالى كانت كفاية ربه له أكمل، لأن الجزاء من جنس العمل. قال الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [الزمر: 36].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فالكفاية التامة مع العبودية التامة والناقصة فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. ("الوابل الصيب"/ص 11).
والعبد إذا قام لله وتوكل عليه فهو وليّه فلا أحد يقوم له وإن اجتمعوا من كل مكان. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولاً وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء ولو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها وجعل له فرجاً مخرجاً. ("إعلام الموقعين"/2/ص 430/دار الحديث).
فإذا كان الأمر كذلك فعلام يخاف المؤمن من أولياء الشيطان؟ قال الإمام أبو زكريا ابن النحاس رحمه الله: قال رحمه الله: فينبغي لك أيها الأخ المسلم أن تقول الحق، ولا تخشى إلا الله، فعسى أن تكون من المهتدين، واحذر أن تخشى الناس فتكون كمن قال الله فيهم: ﴿يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾ [النساء: 77]. وردّ الله تعالى عليهم بقوله: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: 77، 78]. فما فائدة الجبن والخوف بعد هذه الآية الشريفة؟ تالله إن الخوف لا يؤخر أجلا، وإن الشجاعة لا يقدم أجلا. وقد أحسن المتنبي في قوله:
وإذا لم يكن من الموت بدّ * فمن العجز أن تموت جباناً.
("تنبيه الغافلين"/للإمام ابن النحاس رحمه الله/ص97/ط. رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
فيا روافض، إن أهل الإيمان والسنة ليسوا جبناء، وقد جادوا بأنفسهم وأموالهم لله، فإذا نودوا إلى الجهاد الشرعي وثبوا بدون توان. قال الله تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 41].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: بل قد قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أليمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [ التوبة : 38 39 ] ، وهذا أيضًا خطاب لكل قرن، وقد أخبر فيه أنه من نَكَلَ عن الجهاد المأمور به عذبه واستبدل به من يقوم بالجهاد . وهذا هو الواقع . وكذلك قوله في الآية الأخري : ﴿هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ الله فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَالله الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [ محمد : 38 ] . فقد أخبر تعالى أنه من يتول عن الجهاد بنفسه أو عن الإنفاق في سبيل الله استبدل به . فهذه حال الجبان البخيل، يستبدل الله به من ينصر الإسلام، وينفق فيه . فكيف تكون حال أصل الإسلام من ارتد عنه ؟ أتى الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم . وهذا موجود في أهل العلم، والعبادة، والقتال، والمال، مع الطوائف الأربعة مؤمنون مجاهدون منصورون إلى قيام الساعة، كما منهم من يرتد أو من ينكل عن الجهاد والإنفاق .
(انتهى من "مجموع الفتاوى"/18 /ص301-302).
وإذا جاءتهم جحافل الأعداء زادتهم إيماناً وثباتاً. قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 22].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله رحمه الله: فلو توكل العبد على الله تعالى حق توكله وكادته السموات والأرض ومن فيهن لجعل له مخرجاً من ذلك وكفاه ونصره. ("بدائع الفوائد"/2 /ص465).
هذا، وأحبّ أن ألفت نظر أهل الإيمان والسنة إلى شيء مهمّ جدّاً، وهو: أن الحياة الدنيا لا تدوم، وقد أعلنت للانصراف، ودار الآخرة أدهى وأمرّ، فلا بد من بذل الجهد في الازدياد من الأعمال الصالحات وارتفاع الدرجات. ومن أجل هذا أتحف لأهل الإيمان والسنة في هذه الظروف رسالة ماتعة بإذن الله: "إمتاع أهل الخير والسنة بذكر أسباب رفعة الدرجة"، مع انتظار النداء للنفير. ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 23، 24].
أقرأو سلامي على شيخنا الفاضل أبي عبد الرحمن جميل بن عبده الصلوي وجميع المشايخ وطلاب العلم هناك حفظهم الله.
والحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
دماج حرسها الله، 22 شوال 1434 هـ.
انقر ما تحت الملفات المرفقات
([1]) وهو ثقة كما في "الطبقات الشافعية الكبرى" برقم (244).
([2]) وهو ثقة كما في "تاريخ بغداد" برقم (5870).
([3]) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة صلاة الكسوف: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني أريت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا». (أخرجه البخاري (748) ومسلم (907)).
([4]) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد يعني سوطه خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها». (أخرجه البخاري (2796)).
من الفقير إلى الله: عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي عفا الله عنه، إلى جميع أهل السنة والإيمان بأرض الجهاد والدعوة كتاف حفظهم الله.
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله أجمعين أما بعد:
فقد فرحنا بما بلغنا من عظيم غيرتكم لهذا الدين وحملته، وشدة محبتكم لأهل السنة والإسلام عموماً ولدار الحديث بدماج وأهلها خصوصاً، مع شدة بغضكم للكفر والفسوق والعصيان عموماً وللكفرة الزنادقة الرافضة خصوصاً، فحملكم ذلك كله على جهاد أولياء الشيطان ونصرة أولياء الرحمن بالأنفس والأموال، وبالسان والبنان والسنان لإعلاء كلمة الله. فطوبى للمخلصين لله أعمالهم المتبعين لرسوله صلى الله عليه وصلم سلوكهم المستمسكين بالمنهج السلف وإن كان مثل القبض على الجمر في شدة غربة السنة النابذين الدنيا وراء ظهورهم. فطوبى لهم ثم طوبى لهم ثم طوبى لهم. عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : «بشر هذه الأمة بالسناء والنصر والتمكين فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب». (أخرجه أحمد (21261)/حديث صحيح).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله». قالوا: ثم من؟ قال: «مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره». (أخرجه البخاري (2786) ومسلم (1888)).
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش. طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع». (أخرجه البخاري (2887)).
فجزاكم الله خيرا.
والحمد لله أن الوضع في دماج هادئ وإن ظهر لنا شدة حرص الرافضة على أخذ "الوطن" ببعض الوسائل إلى الآن. وسمعنا خبرا أنهم يضيقون على المارين في "حرف سفيان" تنفيذاً لغرض شياطينهم في "إيران" لإشعال الحروب والفتن في اليمن. فتلهّب النيران ما زال متوقَّعاً في كل حين ليزيد الله المؤمنين أجراً ومثوبة ويزداد الذين كفروا إثماً ووزراً.
وهذا بعض ما كتبه أبو إسماعيل الوادعي حفظه الله بتاريخ ليلة الخميس 22/10/1434هـ:
- حيث انسحبت المجموعة –أي: من اللجنة- التي تم وضعها بالقرب من قرية وطن آل خلال بعد مغرب اليوم، وعاد الحوثيون إلى التمترس مجددًا وعودة الانتشار في الجميمة ومزارع السود وما حولها.
والجدير بالذكر أن الحوثيين قد اقتحموا منزل أحد المواطنين في قرية آل غاصب في دماج عنوة عصر هذا اليوم، وتم تهديد صاحب المنزل بين أطفاله ونسائه لحمله سلاحه الشخصي في المنطقة، ونزوله إلى دار الحديث.
وكذلك تم اقتحام أحد المساجد في آل غاصب في دماج، وتهديد من في المسجد لحملهم السلاح الشخصي.
وكذلك تهديد بعض أبناء منطقة الولاج وصحوة والطلول، إما الجلوس في بيوتهم وأخذ العهد منهم بعدم معارضة الفكر الحوثي أو الخروج من قراهم, وقد تم خروجهم يومنا هذا بمعية وساطات قبلية لحمايتهم وكل ذلك لا يساعد على تهدئة الوضع بل العكس من ذلك.
وقد عَلم المسلمون أن الرافضة جمع بين شدة قبح العقائد والأقوال والأفعال، وبين عظيم البغض على المسلمين، وما زالوا يتحينون فرصة لإبادة المسلمين.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله عن الرافضة: فقد جربناه وجربه من قبلنا فلم تجدوا رجلا رافضيا يتنزه عن شيء من محرمات الدين كائنا من كان، ولا تغتر بالظواهر، فإن الرجل قد يترك المعصية في الملأ ويكون أعفّ الناس عنها في الظاهر، وهو إذا أمكنته فرصة انتهزها انتهاز من لا يخاف ناراً ولا يرجو جنة. وقد رأيت من كان منهم مؤذّناً ملازماً للجماعات فانكشف سارقا، وآخر كان يؤم الناس في بعض مساجد صنعاء، وله سمت حسن وهدي عجيب، وملازمة للطاعة، وكنت أكثر التعجب منه، كيف يكون رافضيا؟ ثم سمعت بعد ذلك عنه بأمور تقشعر لها الجلود، وترجف منها القلوب. ("أدب الطلب"/ص63/دار الكتب العلمية).
مع هذه قبائحهم زعم الراقضة أنهم المؤمنون الطاهرون، وأن غيرهم كفار من أولاد الزنى حلال الدماء. قال السيد حسين الموسوي رحمه الله: وروى الكليني: (إن الناس كلهم أولاد زنا أو قال بغايا ما خلا شيعتنا) ("الروضة" (8/135)).
ولهذا أباحوا دماء أهل السنة وأموالهم. فمن أكاذيهم أنهم يروون عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: ما تقول في قتل الناصب؟ فقال: حلال الدم، ولكني أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل. ("وسائل الشيعة" (18/463)، "بحار الأنوار" (27/231)).
وعلق الخميني على هذا بقوله: فإن استطعت أن تأخذ ماله فخذه، وابعث إلينا بالخمس.
وقال نعمة الله الجزائري: إن علي بن يقطين وزير الرشيد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين، فأمر غلمانه وهدموا أسقف المحبس على المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل. ("الأنوار النعمانية" (3/308)).
راجع كتاب "لله ثم للتاريخ، كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار" للسيد حسين الموسوى رحمه الله.
وهاكم تقريراً طبّيّاً للدكتور عدنان الصبيحي حفظه الله حول جثامين شهداء دماج الأربعة :
بسم الله الرحمن الرحيم
تقرير طبي للدكتور عدنان الصبيحي حول جثامين شهداء دماج -فيما نحسبهم والله حسيبهم- الأربعة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد:
ففي هذا اليوم الثلاثاء العشرون من شهر شوال الموافق 27/8/2013م تم إحضار جثامين شهداء دماج - فيما نحسبهم والله حسيبهم - إلى المركز الصحي في دماج وكان الفحص عليهم من قبلنا على إحدى تلك الجثامين وهي جثة الأخ بلال بن أحمد الورد وعمره عشرون عاما حيث كانت مدفونة تحت الأنقاض في منطقة الطلول منذ ليلة الأربعاء 14/10/1434هـ فوجدنا ما يلي:
1- رأيت جسده الأعلى متغيرا عن نصف جسده الأسفل حيث كان نصف جسده الأسفل مدفونًا والأعلى ظاهرًا.
2- كان التغير نتيجة عن وضع مواد كميائية على نصفه الظاهر فنتج عن ذلك:
أ- انخلاس جميع جلده ولحمه عن عظمه فصار كالهيكل العظمي لا يعرف البتة.
ب- تغير لون العظم إلى اللون الأحمر الداكن نتيجة المواد الكميائية.
ج- تحلل الملابس التي كان يرتديها.
3- رأيت نصفه الأسفل طبيعيًا ليس فيه أي شيء غير آثار الهدم وبه عرفه أبوه.
وأملاه الدكتور عدنان الصبيحي
طبيب في مركز دماج الصحي
(انتهى النقل من شبكة "العلوم السلفية").
وأخونا بلال بن أحمد الورد رحمه الله شابّ مؤدب سلفي قد جهّز الزواج، ولكنا نحسب أن الله أراد له ما هو أحسن. فقلوبنا تبكي له ولجميع إخواننا الذين سبقونا للقاء الله على أيدي تلكم الشلة الكفرة الفجرة، وألسنتنا تحمد الله على ما اختار هؤلاء الإخوة. ونقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية.
وهاكم قصة عجيبة واقعية:
قال الحاكم رحمه الله: سمعت أبا زكرياء يحيى بن محمد العنبري([1]) يقول: سمعت أبا العباس عيسى بن محمد بن عيسى الطهماني المروزي([2]) يقول: إن الله سبحانه وتعالى يظهر إذا شاء ما شاء من الآيات والعبر في بريته فيزيد الإسلام بها عزا وقوة، ويؤيد ما أنزل من الهدى والبينات، وينشر أعلام النبوة، ويوضح دلائل الرسالة، ويوثق عرى الإسلام، ويثبت حقائق الإيمان منا منه على أوليائه وزيادة في البرهان بهم، وحجة على من عند عن طاعته وألحد في دينه: ﴿ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة﴾ فله الحمد لا إله إلا هو ذو الحجة البالغة، والعز القاهر، والطول الباهر. وصلى الله على سيدنا محمد نبي الرحمة ورسول الهدى وعليه وعلى آله الطاهرين السلام ورحمة الله وبركاته.
وإن مما أدركناه عيانا وشاهدناه في زماننا وأحطنا علما به فزادنا يقينا في ديننا وتصديقا لما جاء به نبينا محمد ودعا إليه من الحق فرغَّب فيه من الجهاد من فضيلة الشهداء وبلغ عن الله عز وجل فيهم إذ يقول جل ثناؤه: ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين﴾ أني وردت في سنة ثمان وثلاثين ومائتين مدينة من مدائن "خوارزم" تدعى "هزاراسب" وهي في غربي وادي "جيحون" ومنها إلى المدينة العظمى مسافة نصف يوم فخبرت أن بها امرأة من نساء الشهداء رأت رؤيا كأنها أطعمت في منامها شيئا، فهي لا تأكل شيئا ولا تشرب شيئا منذ عهد أبي العباس بن طاهر والي "خراسان" وكان توفي قبل ذلك بثمان سنين رضي الله عنه ثم مررت بتلك المدينة سنة اثنتين وأربعين ومائتين فرأيتها وحدثتني بحديثها، فلم أستقص عليها لحداثة سني ثم إني عدت إلى خوارزم في آخر سنة اثنتين وخمسين ومائتين فرأيتها باقية ووجدت حديثها شائعا مستفيضا. وهذه المدينة على مدرجة القوافل، وكان الكثير ممن نزلها إذا بلغهم قصتها أحبوا أن ينظروا إليها، فلا يسألون عنها رجلا ولا امرأة ولا غلاما إلا عرفها ودل عليها.
فلما وافيت الناحية طلبتها فوجدتها غائبة على عدة فراسخ، فمضيت في أثرها من قرية إلى قرية فأدركتها بين قريتين تمشي مشية قوية، وإذا هي امرأة نصف جيدة القامة حسنة البدن ظاهرة الدم متوردة الخدين ذكية الفؤاد فسايرتني وأنا راكب، فعرضت عليها مركبا فلم تركبه، وأقبلت تمشي معي بقوة، وحضر مجلسي قوم من التجار والدهاقين، وفيهم فقيه يسمى محمد بن حمدويه الحارثي، وقد كتب عنه موسى بن هارون البزار بمكة، وكمل له عبادة ورواية للحديث، وشاب حسن يسمى عبد الله بن عبد الرحمن، وكان يخلف أصحاب المظالم بناحيته، فسألتهم عنها، فأحسنوا الثناء عليها، وقالوا عنها خيرا، وقالوا: (إن أمرها ظاهر عندنا فليس فيها من يختلف فيها). قال المسمى عبد الله بن عبد الرحمن: (أنا أسمع حديثها منذ أيام الحداثة ونشأت والناس يتفاوضون في خبرها، وقد فرغت بالي لها، وشغلت نفسي للاستقصاء عليها، فلم أر إلا سترا وعفافا، ولم أعثر منها على كذب في دعواها، ولا حيلة في التلبيس). وذكر أن من كان يلي خوارزم من العمال كانوا فيما خلا يستخصونها، ويحضرونها الشهر والشهرين والأكثر في بيت يغلقونه عليها، ويوكلون بها من يراعيها، فلا يرونها تأكل ولا تشرب ولا يجدون لها أثر بول ولا غائط، فيبرّونها ويكسونها ويخلون سبيلها.
فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها استقصصتها عن حديثها وسألتها عن اسمها وشأنها كله، فذكرت أن اسمها: "رحمة بنت إبراهيم" وأنه كان لها زوج نجار فقير، معيشته من عمل يده، يأتيه رزقه يوما ويوما، لا فضل في كسبه عن قوت أهله، وأنها ولدت منه عدة أولاد، وجاء "الأقطع" ملك الترك إلى القرية فعبر الوادي عند جموده إلينا في زهاء ثلاثة آلاف فارس وأهل خوارزم يدعونه "كسرة".
وقال أبو العباس: و"الأقطع" هذا فإنه كان كافرا عاتيا شديد العداوة للمسلمين، قد أثر على أهل الثُغور وألحّ على أهل خوارزم بالسبي والقتل والغارات، وكانت ولاة خراسان يتألفونه وأنسابه من عظماء الأعاجم ليكفوا غارتهم عن الرعية، ويحقنوا دماء المسلمين، فيبعثون إلى كل واحد منهم بأموال وألطاف كثيرة وأنواع من فاخر الثياب، وأن هذا الكافر انساب في بعض السنين على السلطان، ولا أدري لم ذاك أستبطأ المبار عن وقتها أم استقل ما بعث إليه في جنب ما بعث إلى نظرائه من ملوك الجريجية والثغرغدية.
فأقبل في جنوده وتورد الثغر واستعرض الطرق فعاث وأفسد وقتل ومثل فعجزت عنه خيول خوارزم. وبلغ خبره أبا العباس عبد الله بن طاهر رحمه الله فأنهض إليهم أربعة من القواد: طاهر بن إبراهيم بن مدرك، ويعقوب بن منصور بن طلحة، وميكال مولى طاهر، وهارون القباض، وشحن البلد بالعساكر والأسلحة ورتبهم في أرباع البلد كل في ربع فحموا الحريم بإذن الله تعالى، ثم إن وادي جيحون وهو الذي في نهر بلخ جمد لما اشتد البرد وهو واد عظيم شديد الطغيان كثير الآفات. وإذا امتد كان عرضه نحوا من فرسخ وإذا جمد انطبق فلم يوصل منه إلى شيء حتى يحفر فيه كما تحفر الآبار في الصخور وقد رأيت كثيف الجمد عشرة أشبار وأخبرت أنه كان فيما مضى يزيد على عشرين شبرا، وإذا هو انطبق صار الجمد جسرا لأهل البلد تسير عليه العساكر والعجل والقوافل، فينطم ما بين الشاطئين، وربما دام الجمد مائة وعشرين يوما وإذا قل البرد في عام بقي سبعين يوما إلى نحو ثلاثة أشهر.
قالت المرأة: فعبر الكافر في خيله إلى باب الحصن وقد تحصن الناس وضموا أمتعتهم فضجوا بالمسلمين وخربوهم فحصر من ذلك أهل الناحية وأرادوا الخروج فمنعهم العامل دون أن تتوافى عساكر السلطان وتتلاحق المطوعة فشد طائفة من شبان الناس وأحداثهم فتقاربوا من السور بما أطاقوا حمله من السلاح وحملوا على الكفرة فتهارج الكفرة واستجروهم من بين الأبنية والحيطان فلما أصحروا كر الترك عليهم وصار المسلمون في مثل الحرجة فتخلصوا واتخذوا دارة يحاربون من ورائها وانقطع ما بينهم وبين الخصم وبعدت المؤنة عنهم فحاربوا كأشد حرب وثبتوا حتى تقطعت الأوتار والقسي وأدركهم التعب ومسهم الجوع والعطش وقتل عامتهم وأثخن الباقون بالجراحات ولما جن عليهم الليل تحاجز الفريقان.
قالت المرأة: ورفعت النار على المناظر ساعة عبور الكافر فاتصلت بالجرجانية وهي مدينة عظيمة في قاصية خوارزم وكان ميكال مولى طاهر من أبياتها في عسكر فحث في الطلب هيبة للأمير أبي العباس عبد الله بن طاهر رحمه الله وركض إلى هزاراسب في يوم وليلة أربعين فرسخا بفراسخ خوارزم وفيها فضل كثير على فراسخ خراسان وعد الترك الفراغ من أمر أولئك النفر فبينما هم كذلك إذ ارتفعت لهم الأعلام السود وسمعوا أصوات الطبول فأفرجوا عن القوم ووافى ميكال موضع المعركة فوارى القتلى وحمل الجرحى. قالت المرأة: وأدخل الحصن علينا عشية ذلك أربعمائة جنازة فلم تبق دار إلا حمل إليها قتيل وعمت المصيبة وارتجَت الناحية بالبكاء.
قالت: ووضع زوجي بين يدي قتيلا فأدركني من الجزع والهلع عليه ما يدرك المرأة الشابة على زوج أبي الأولاد وكانت لنا عيال.
قالت: فاجتمع النساء من قراباتي والجيران يسعدنني على البكاء وجاء الصبيان وهم أطفال لا يعقلون من الأمر شيئا، يطلبون الخبز، وليس عندي ما أعطيهم فضقت صدرا بأمري، ثم إني سمعت أذان المغرب ففزعت إلى الصلاة، فصليت ما قضى لي ربي، ثم سجدت أدعو وأتضرع إلى الله وأسأله الصبر بأن يجبر يتم صبياني.
قالت: فذهب بي النوم في سجودي فرأيت في منامي كأني في أرض حسناء ذات حجارة، وأنا أطلب زوجي، فناداني رجل إلى أين أيتها الحرة؟ قلت: أطلب زوجي. فقال: خذي ذات اليمين. قالت: فأخذت ذات اليمين، فرفع لي أرض سهلة طيبة الري، ظاهرة العشب، وإذا قصور وأبنية لا أحفظ أن أصفها أو لم أر مثلها، وإذا أنهار تجري على وجه الأرض عبر أخاديد ليست لها حافات، فانتهيت إلى قوم جلوس حلقا حلقا عليهم ثياب خضر قد علاهم النور، فإذا هم الذين قتلوا في المعركة يأكلون على موائد بين أيديهم، فجعلت أتخللهم وأتصفح وجوههم أبغي زوجي لكي ينظرني، فناداني: يا رحمة يا رحمة، فيممت الصوت، فإذا أنا به في مثل حال من رأيت من الشهداء، وجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه، فقال لأصحابه: إن هذه البائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنون لي أن أناولها شيئا تأكله؟ فأذنوا له، فناولني كسرة خبز. قالت: وأنا أعلم حينئذ أنه خبز ولكن لا أدري كيف يخبز؟ هو أشد بياضا من الثلج واللبن وأحلى من العسل والسكر وألين من الزبد والسمن. فأكلته فلما استقر في جوفي قال: اذهبي كفاك الله مؤنة الطعام والشراب ما حييت الدنيا([3]).
فانتبهت من نومي شبعى ريا، لا أحتاج إلى طعام ولا شراب. وما ذقتهما منذ ذلك اليوم إلى يومي هذا، ولا شيئا يأكله الناس. قال أبو العباس: وكانت تحضرنا وكنا نأكل فتتنحى وتأخذ على أنفها تزعم أنها تتأذى من رائحة الطعام. فسألتها هل تتغذى بشيء أو تشرب شيئا غير الماء؟ فقالت: لا.
فسألتها هل يخرج منها ريح أو أذى كما يخرج من الناس؟ فقالت: لا عهد لي بالأذى منذ ذلك الزمان. قلت: والحيض؟ و أظنها قالت: انقطع بانقطاع الطعم.
قلت: فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال؟ قالت: أما تستحيي مني تسألني عن مثل هذا؟ قلت: إني لعلي أحدثُ الناس عنك، ولا بد أن أستقصي. قالت: لا أحتاج.
قلت: فتنامين؟ قالت: نعم أطيب نوم. قلت: فما ترين في منامك؟ قالت: مثل ما ترون. قلت: فتجدين لفقد الطعام وهناً في نفسك؟ قالت: ما أحسست بجوع منذ طعمت ذلك الطعام.
وكانت تقبل الصدقة. فقلت لها: ما تصنعين بها؟ قالت: أكتسي وأكسو ولدي. قلت: فهل تجدين البرد وتتأذين بالحر؟ قالت: نعم. قلت: فهل تدرين كلل اللغوب والإعياء إذا مشيت؟ قالت: نعم. ألست من البشر؟ قلت: فتتوضئين للصلاة؟ قالت: نعم. قلت: لم؟ قالت: أمرني بذلك الفقهاء. فقلت: إنهم أفتوها على حديث: «لا وضوء إلا من حدث أو نوم».
وذكرت لي أن بطنها لاصق بظهرها. فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها كما وصفت، وإذا قد اتخذت كيسا فضمت القطن وشدته على بطنها كي لا ينقصف ظهرها إذا مشت. ثم لم أزل أختلف إلى هزاراسب بين السنتين والثلاث، فتحضرني فأعيد مسألتها، فلا تزيد ولا تنقص. وعرضت كلامها على عبد الله بن عبد الرحمن الفقيه، فقال: أنا أسمع هذا الكلام منذ نشأت، فلا أجد من يدفعه أو يزعم أنه سمع أنها تأكل أو تشرب أو تتغوط.
(انتهى النقل من "طبقات الشافعية الكبرى"/لابن السبكي/8/ص2-7).
وهاكم قصة ثانية عجيبة: عن ثابت البناني رحمه الله قال : كنت عند أنس بن مالك إذ قدم عليه ابن له من غزاة له ، يقال له أبو بكر ، فسأله ، فقال : ألا أخبرك عن صاحبنا ، فلان ؟ بينا نحن قافلين في غزاتنا ، إذ ثار وهو يقول : واأهلاه واأهلاه ، فثرنا إليه ، وظننا أن عارضا عرض له ، فقلنا : ما لك ؟ فقال : إني كنت أحدث نفسي ألا أتزوج حتى أستشهد ، فيزوجني الله تعالى من حور العين ، فلما طالت علي الشهادة ، قلت في سفري هذا : إن أنا رجعت هذه المرة تزوجت ، فأتاني آت قبيل في المنام ، فقال : أنت القائل : إن رجعت تزوجت ؟ قم فقد زوجك الله "العيناء" ، فانطلق بي إلى روضة خضراء معشبة ، فيها عشر جوار ، بيد كل واحدة صنعة تصنعها ، لم أر مثلهن في الحسن والجمال([4]) ، فقلت : فيكن العيناء ؟ فقلن : نحن من خدمها ، وهي أمامك فمضيت ، فإذا روضة أعشب من الأولى وأحسن ، فيها عشرون جارية ، في يد كل واحدة صنعة تصنعها ليس العشر إليهن بشيء في الحسن والجمال ، قلت : فيكن العيناء ؟ قلن : نحن من خدمها ، وهي أمامك ، فمضيت ، فإذا أنا بروضة ، وهي أعشب من الأولى والثانية في الحسن ، فيها أربعون جارية ، في يد كل واحدة منهن صنعة تصنعها ليس العشر والعشرون إليها بشىء في الحسن والجمال ، قلت : فيكن العيناء ؟ قلن : نحن من خدمها ، وهي أمامك ، فمضيت ، فإذا أنا بياقوتة مجوفة فيها سرير عليه امرأة قد فضل جنباها السرير ، قلت : أنت العيناء ؟ قالت : نعم مرحبا ، فذهبت أضع يدي عليها ، قالت : مه ؛ إن فيك شيئا من الروح بعد ، ولكن تفطر عندنا الليلة ، قال : فانتبهت ، قال : فما فرغ الرجل من حديثه حتى نادى المنادي : يا خيل الله اركبي ، قال : فركبنا ، فصافنا العدو ، قال : فإني لأنظر إلى الرجل ، وأنظر إلى الشمس ، وأذكر حديثه ، فما أدري رأسه سقط أم الشمس سقطت.
(انتهى النقل من "الغيلانيات"/لأبي بكر الشافعي /2/ص421).
السند صحيح، رجاله ثقات.
والأثر أخرجه أيضا الإمام ابن المبارك في "الجهاد" برقم (149) من طريق السري بن يحيى عن ثابت به، وفيه: ثم انتهيت إلى قبة من ياقوتة حمراء مجوفة قد أضاء لها ما حولها، فقال لي صاحبي: ادخل، فدخلت، فإذا امرأة ليس للقبة معها ضوء، فجلست فتحدثت ساعة، فجعلت تحدثني، فقال صاحبي: اخرج انطلق. قال: ولا أستطيع أن أعصيه. قال: فقمت فأخذتْ بطرف ردائي فقالت: أفطر عندنا الليلة. فلما أيقظتموني رأيت إنما هو حلم فبكيت. فلم يلبثوا أن نودي في الخيل. قال: فركب الناس، فما زالوا يتطاردون حتى إذا غابت الشمس وحلّ للصائم الإفطار أصيب تلك الساعة، وكان صائما. وظننت أنه من الأنصار، وظننت أن ثابتا كان يعلم نسبه اهـ.
وهاكم خبرجديد من الأخ أبي عبد الله عبد القادر العديني حفظه الله في دماج حرسها الله:
الحمد لله اﻷمور هادئة إلى اﻵن مع تعنت الحوثيين وعدم تسليمهم للمواقع المتفق عليها واشتراطهم الخروج من الوطن بدون أي حق ولكن لم نستجب لهم وأخبرنا الوساطة بأن الوطن تابع ﻷهل البلاد وقد أوقفوه للطلاب وأن الحديث عن الوطن معناه الخروج من دماج فرجعت الوساطة يوم أمس ولم تفعل شيئا غير إخراج الجثث ﻷن الحوثيين متعنتون ولم يقابلوا الوساطة.
وقد كان إخراج الجثث يوم أمس من قبل الوساطة والصليب اﻷحمر وقد أخبرنا عن شاهد عيان أنه كلما أخرجت جثة قفز عليها الحوثيون ينهبون ما عليها من سلاح ورصاص وأي شيئ معهم حتى أنهم لم يجدوا مع أحد الجثث غير مصحف فما كان منهم إلا أن أخذوا المصحف ورموا به، فصاح عليهم الناس ولكنهم لم يبالوا بذلك وأقبلوا على النهب وكأنهم كلاب جائعة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا وأصبح هذا اليوم اﻷمور على ما يرام ونحن في انتظار الوساطة والباصات منعت اليوم من السفر بسبب تعنت الحوثيين وتفتيشهم لها واعتراضهم عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله. اهـ (النقل من شبكة "العلوم السلفية").
ونحمد الله وحده أن يبقي لنا فرصا لزيادة الأعمال الصالحات وارتفاع الدرجات عنده.
ولا ندري ماذا يحصل غداً، وأهل الحق دائماً في لطف الله أيّاً كان حصل:
لا تشك! فالأيام حبلى ربما ... جاءتك من أعجوبة بجنين
فكذا تصاريف الزمان: مشقة ... في راحةٍ وخشونة في اللين!
ما ضاع يونس بالعراء مجرداً ... في ظل نابتة من اليقطين
("زهر الأكم في الأمثال و الحكم"/ص 179).
والأعداء لا يفترون في إنشاء المكائد لإهلاك أهل الحق أو ليخضع أولياء الرحمن لأغراض الشيطان. قال الله تعالى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة: 217]. وقال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ وَأَنَّ الله مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: 18].
وأهل السنة والجماعة الموفّقون هداهم الله لازدياد الخيرات وارتفاع الدرجات في أي ظرف كانوا. ففي حال الأمن والطمأنينة هداهم الله لأنواع الأعمال الصالحات ترتفع بها درجاتهم عند الله تعالى.
وفي الهرج عباداتهم كالهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هجوم الكفرة والزنادقة نال أهل التوحيد والسنة رفعة درجات الجهاد في سبيل الله. فإن بقوا أحياء نالوا عزة الدنيا قبل الآخرة، ومع ازدياد فرصة العبادات. وإن قُتلوا نالوا علوّ درجات الشهداء ووفور أجورهم. فما يصنع الأعداء؟
قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ﴾ [التوبة: 51، 52].
وكلما كان الإنسان أعبد لربه تعالى كانت كفاية ربه له أكمل، لأن الجزاء من جنس العمل. قال الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [الزمر: 36].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فالكفاية التامة مع العبودية التامة والناقصة فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. ("الوابل الصيب"/ص 11).
والعبد إذا قام لله وتوكل عليه فهو وليّه فلا أحد يقوم له وإن اجتمعوا من كل مكان. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولاً وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء ولو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها وجعل له فرجاً مخرجاً. ("إعلام الموقعين"/2/ص 430/دار الحديث).
فإذا كان الأمر كذلك فعلام يخاف المؤمن من أولياء الشيطان؟ قال الإمام أبو زكريا ابن النحاس رحمه الله: قال رحمه الله: فينبغي لك أيها الأخ المسلم أن تقول الحق، ولا تخشى إلا الله، فعسى أن تكون من المهتدين، واحذر أن تخشى الناس فتكون كمن قال الله فيهم: ﴿يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾ [النساء: 77]. وردّ الله تعالى عليهم بقوله: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: 77، 78]. فما فائدة الجبن والخوف بعد هذه الآية الشريفة؟ تالله إن الخوف لا يؤخر أجلا، وإن الشجاعة لا يقدم أجلا. وقد أحسن المتنبي في قوله:
وإذا لم يكن من الموت بدّ * فمن العجز أن تموت جباناً.
("تنبيه الغافلين"/للإمام ابن النحاس رحمه الله/ص97/ط. رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
فيا روافض، إن أهل الإيمان والسنة ليسوا جبناء، وقد جادوا بأنفسهم وأموالهم لله، فإذا نودوا إلى الجهاد الشرعي وثبوا بدون توان. قال الله تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 41].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: بل قد قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أليمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [ التوبة : 38 39 ] ، وهذا أيضًا خطاب لكل قرن، وقد أخبر فيه أنه من نَكَلَ عن الجهاد المأمور به عذبه واستبدل به من يقوم بالجهاد . وهذا هو الواقع . وكذلك قوله في الآية الأخري : ﴿هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ الله فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَالله الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [ محمد : 38 ] . فقد أخبر تعالى أنه من يتول عن الجهاد بنفسه أو عن الإنفاق في سبيل الله استبدل به . فهذه حال الجبان البخيل، يستبدل الله به من ينصر الإسلام، وينفق فيه . فكيف تكون حال أصل الإسلام من ارتد عنه ؟ أتى الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم . وهذا موجود في أهل العلم، والعبادة، والقتال، والمال، مع الطوائف الأربعة مؤمنون مجاهدون منصورون إلى قيام الساعة، كما منهم من يرتد أو من ينكل عن الجهاد والإنفاق .
(انتهى من "مجموع الفتاوى"/18 /ص301-302).
وإذا جاءتهم جحافل الأعداء زادتهم إيماناً وثباتاً. قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 22].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله رحمه الله: فلو توكل العبد على الله تعالى حق توكله وكادته السموات والأرض ومن فيهن لجعل له مخرجاً من ذلك وكفاه ونصره. ("بدائع الفوائد"/2 /ص465).
هذا، وأحبّ أن ألفت نظر أهل الإيمان والسنة إلى شيء مهمّ جدّاً، وهو: أن الحياة الدنيا لا تدوم، وقد أعلنت للانصراف، ودار الآخرة أدهى وأمرّ، فلا بد من بذل الجهد في الازدياد من الأعمال الصالحات وارتفاع الدرجات. ومن أجل هذا أتحف لأهل الإيمان والسنة في هذه الظروف رسالة ماتعة بإذن الله: "إمتاع أهل الخير والسنة بذكر أسباب رفعة الدرجة"، مع انتظار النداء للنفير. ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 23، 24].
أقرأو سلامي على شيخنا الفاضل أبي عبد الرحمن جميل بن عبده الصلوي وجميع المشايخ وطلاب العلم هناك حفظهم الله.
والحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
دماج حرسها الله، 22 شوال 1434 هـ.
انقر ما تحت الملفات المرفقات
([1]) وهو ثقة كما في "الطبقات الشافعية الكبرى" برقم (244).
([2]) وهو ثقة كما في "تاريخ بغداد" برقم (5870).
([3]) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة صلاة الكسوف: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني أريت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا». (أخرجه البخاري (748) ومسلم (907)).
([4]) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد يعني سوطه خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها». (أخرجه البخاري (2796)).
تعليق