بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الثالثة
فعلى شيءٍ من العجل وفي وقتٍ من الزمن الضيِّق اجتمع في خاطري وفي محضر بالي خصمان يشكوا أحدهما من الآخر فتناظرا وترافعا إليَّ لأحكم بينهما فلزمت الإنصاف والأدب الشرعي في القضاء فأصغيت أذني وأجمعت وعيي لأسمع من كل واحدٍ حجَّته لأُريح المظلوم من الظالم وأُريَ كلَّ واحدٍ سبيله ليهلك من هلك عن بيِّنة ويحيي من حيَّ عن بينة وأنا طالب من الله العون على كل حال.
ولعلَّه قد حَدَا بك شوقٌ لمعرفة الخصمين مَن هما وما خصومتهما وما حجة كل واحد منهما فهائنذا أجيب عن تساؤلك وأحلُّ إشكالك وأضعها بين يديك لتحكم أنت أيضا فلا يخلوا منصف من حكم.
والخصمان هما
الحُكم الديني والمدني
أولاً التأصيل :
الحـَكَم: أُريد بطاقة مصغرة لكلِّ واحد منكما تحتوي على محل وتأريخ الميلاد وشيءٍ من النَّسب امتثالاً لقول نبينا الكريم صلى الله عليه و سلم : تعلموامن أنسابكم ما تصلون به أرحامكم )
صححه الألباني :
فبرز الحُكم الديني قائلا : إن كنت تسأل عن اسمي فأنا الإسلام دين الله الذي تديّن بي جميع الأنبياء و المرسلين ومن تابعهم واهتدى بهديهم واستن بسنتهم
ألا تقرأ قول ربنا سبحانه :( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ )
الحكم: بلى
وأما ظهوري فالأصل أني ظهرت يوم خلق الله الأرض ومن عليها وأُنزلت الكتب وبعث الأنبياء والرسل ثم امتنّ الله بي على العباد أنْ جعلني ملة أبيهم إبراهيم
وكان آخر نبي دعا إليّ وآخر الأمم تديّنت بيْ هو نبي الله صلى الله عليه وسلم مع أمته فكانت خير امة أخرجت للناس.
وظهرت مؤخراً بمكَّة ثم المدينة ثم شهدت الملاحم والمغانم وسافرت مع المجاهدين والدعاة فطفت الأرض شرقَها وغربها وجنوبها وشمالها ودخلت بتمكين الله لي فارس والروم ومملكة كسرى وقيصر وهكذا كلَّ يوم وأنا في ازدياد وإلى الأمام حتى لا يكاد يخلوا مني إقليم ولا قطر وسأبلغ ما بلغ الليل والنهار .
الحَكم:كأنك تشير إلى قول الربِّ سبحانه :( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)
وقوله سبحانه:( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )
ويقول صلى الله عليه وسلم :ليبلغن هذا الأمر مابلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعزِّ عزيزٍ أو بذل ذليل عِزًّا يعز الله به الإسلام وذُلاًّ يُذلُّ الله به الكفر. (رواه أحمد ،والطبرانى ، والحاكم ، والبيهقى ، والضياء عن تميم الداري رضي الله عنه )
وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَقُولُ قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ
المدني : أجل
الحكَم : دعني أسمع من خصمك
الحُكْم المدني : أما عن اسمي فأنا الحكم المدني ربيب الحكم الفدرالي
وأما مولدي فأنا حديث السن لم أولد إلا بعد انهيار الإتحاد السوفيتي قبل ثلاثة عقود تقريبا وولدتني عقول وأفكار العلمانيين وربِّيتُ بين أحضان الغرب الكافر ثم نُسبْتُ بعدها إلى الإسلام .
الحَكم : يعني أنك ولد للمسلمين لكنك غير شرعي
الحُكْم المدني: لا أدري لم أشعر إلا وأنا ببلاد المسلمين ألعب بعقولهم وأعيش معهم ووجدت منهم حفاوة ة وإكراما.
الحـَكم : لكني قد عرفت الذي أقدمك إلى بلاد الإسلام وزينك إلى أهله.
المدني : هل بإمكانك تسميتهم لي لأنظر أصدقت أم توهمت.
الحـَكم : إنهم المستغربون من العلمانيين ومن على شاكلتهم.
المدني : صدقت . ولقد كانوا حريصين على عدم معرفة المسلمين لي ولذا قُمّصت ثوب الإسلام وزينني أناس يدّعونه
الحـَكم :مَن هم دعاة كل واحد منكما وممثلوه ؟
الحكم الديني: ( وأحَبُّ إليَّ أن يُسمى الحكم الإسلامي لأنه أدق ّ ) دعا إليّ الأنبياء والرسل وأئمة الدين سلفُهم والخلف .
الحكم المدني:دعا إليَّ كلُّ الأطياف المعادية للإسلام على اختلافها وتعددت مشاربها
مداخلة: تبعهم على ذلك بعض جهلة المسلمين من أصحاب النفوس المريضة الذين هم أتباع كل ناعق الذين يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الحاقدين .
الحـَكم : ما الذي تدعوان إليه ؟
الديني (الإسلامي ) أدعو لتطبيق الشريعة في شتى مجالات الحياة وأنَّ الدين عمود الدولة ولابدَّ أن تخضع السياسة له وأن يتحاكم الناسُ إليه .
المدني: أدعو لفصل الدين عن الدولة والحُرِّيَّة المطلقة حيث لا أتقيد بدينٍ ولا مذهبٍ ولا طريقةٍ معينة . مع العلم أنَّي لا أجهر بهذا لِما يترتب على ذلك من المفسدة .
ومن جانب آخر أرفض أيجاد أيَّ فرقٍ بين شخص وآخر من العاملين في ميادين الحياة من المتدينين وغيرِهم .
الحـَكم: حتى الفوارق المذكورة في القرآن ؟بين الذكر والأنثى المسلمين والمجرمين ,والذين عملوا الصالحات والمفسدين في الأرض !
المدني :أنا قلت آنفا أني لا أتقيد بدين أو مذهب فالعقول البشرية العاملة عندي هي المشرِّعة المتَّبعة لا غير.
الحـَكم : عجباً وكيف صرت محلَّ إعجاب عند كثير من المسلمين ؟! هل يعني أنك لا تظهر على حقيقتك ؟
المدني :أجلْ . فكل ما انكشفتُ استترت بثوب يعفو أثري .
الحـَكم : ما زال وقد اعترفت فهاتِ مثالاً ؟
المدني : كنتُ أسمَّى بالعلمانية فلما صار هذا الاسم محلّ تشائم ولم يَعُدْ يجهر به إلا شواذُّ المجتمع ,وصرخ العلماء بصوت يُعرِب عن التنكر له ولمفْهومه فشعرت عندئذ بالخيبة ثم لم آلُ جهداً أنْ بحثتُ على اسمٍ عربيٍ في الأصلِ غربيٌ في المعنى فيُسِّر لي ( الحُكم المدني ).
الحـَكم :ما هي المبادئ والأُسس التي يقوم عليه كلٌّ منكما ؟
الديني :(الإسلامي ) مبدأي الذي أقوم عليه القرآن والسنة الوحيان المحفوظان فمِنْهُما أنطلق و بهما أحكم وإليهما أحاكم فهما قبلتي التي أتوجه إليها في حِلِّي وترحالي وسفري وحضري وقيامي وقعودي وفرضي ونفْلي .
وهناك أُسس أخرى تتمثل في الأخلاق والقيم التي تعتبر صورةً جمالية في حياة الفرد المسلم ولم تتسع لتفاصيلها الموسوعاتُ المطولة وباختصار فكل فضيلة فالدين الإسلامي له الفضل الأكمل في ذلك .
المدني :مبدأي العقل البشري وليس للدين الإسلامي فيَّ أيَّ مرجعية وإنْ حاول بعضهم أن يُضْفِي عليَّ مسحةً إسلامية .
الحـَكم: لعلَّ حقيقة هذا المبدأ هوالذي جعل المتهوكين من أبناء جلدتنا ومن يتكلمون بألسنتنا ينادون بالدولة المدنية ذات مرجعية إسلامية فما هذا القيد إلا بيانا للحقيقة الأصلية فتأمل.
المدني : ومما أمتاز به على الحكم الديني أني أمنح أيَّ فرد في المجتمع حقَّ الإنسانية فيمارس ما شاء بعيداً عن التحليل والتحريم لأني أعُدُّ هذا تزمُّتًا وتحجُّرا .
مداخلة :أيُّ فخرٍ أن يعيش الناسُ كالبهائم لا يرْدعُهُمْ دينٌ ولا عقلٌ سليم يأبى القبائح .
الحكم : علمت أن من مفاهيم الدولة المدنية ما يسمى بالتعايش السلمي لكل الأطياف والجماعات العاملة في الساحة دون ممارسة أي ضغوط على أي شخص أو جماعة فهل هذا المفهوم مطبَّقٌ حقيقةً لا سيما على المسلمين من قبل الكفار أرجو الجواب بكل شفافية .
المدني : لقد أوقعتني في موضع محرج وتحتَّمَ عليَّ الجواب مع أني أكره أن يُطْرَحَ عليَّ مثل هذا السؤال .
الحكم : لا بأس أجبني فقد سقط الفأس على الرأس .
المدني : أما بالنسبة للكفار عموما فيلزم المسلمين القيام بمفهومه فلا ينكروا على راهب رهبانيته ولا على شارب ولا زان ما دام عقله يسمح له بذلك.
وأما المسلمون فلايجب لهم ذلك اللهم إلا أن يكون في أحسن الحالات له الحرية في ممارسة عبادته الفردية الْغَيرِ متعدية كالأمر والنهي والدعوة .
مداخلة: حتى هذه الموسومة بالفردية ليسوا في رضاً عنها .صدق ربنا إذ يقول : (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)
المدني:الواجب على المسلمين تطبيقها وليس على الكفار .
الحكم : لما ؟!
المدني : لا داعي لهذا السؤال ., هم الذين أنتجوها فلهم الحرية فيها على حسب المصلحة المثمرة لهم لا الضرر العائد عليهم .
الحكم: يعني أن ذلك مجرد شباك يُصطادُ به عقول المسلمين ؟! على مبدأ ( إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ)
المدني : لا أرى في ذلك عيب ما دامت المصلحة تقتضي ذلك .
الديني: لكني على مبدأ (وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) وهذا هو غاية العدل والإنصاف .
تقريرٌ :
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا الحكم مَن قعد لديَّ الخصمان (الحُكم المدني والديني ) أرفع تقريراً لكلِّ حاضرٍ ساحة الحُكْم ومن غاب عنها وهو :
إنَّ الحكم المدني هو الجانِ على الدين وحكمه وأهله ومبادئه وهو الدخيل على العقول والأفكار
وألفيتُ أجمل صورة فيه هي أقبح صورة ينبذها الإسلام
وكذا شهودَه كل متردية ونطيحة .,
مخرومُ العدالة ,ومع هذا رأيته يتبجَّح بمساويه ويجاهر بمعاصيه
وأما الديني (الإسلامي ) فهو البارُّ المنصف لاشطط فيه ولا وكس صادقُ اللسان, واضحُ الحُجَّةِ
تنزيلٌ من حكيمٍ حميد ,فيه صلاح الناس وسعادتهم وحاجتهم وكفايتهم يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن سفاسفها فأنعم به وأكرم .
ولا زال هناك مجال لأي حَكَمٍ متجرد للحق خاضع له فلا يخلو رأس منصف من حِكْمَة .
وإلى لقاء متجدد في الجلسة الرابعة . إن شاء الله تعالى
أخوكم أبو سليمان سلمان العماد ثبته الله
السبت 10/ربيع ثاني /1433هـ
الحلقة الثالثة
فعلى شيءٍ من العجل وفي وقتٍ من الزمن الضيِّق اجتمع في خاطري وفي محضر بالي خصمان يشكوا أحدهما من الآخر فتناظرا وترافعا إليَّ لأحكم بينهما فلزمت الإنصاف والأدب الشرعي في القضاء فأصغيت أذني وأجمعت وعيي لأسمع من كل واحدٍ حجَّته لأُريح المظلوم من الظالم وأُريَ كلَّ واحدٍ سبيله ليهلك من هلك عن بيِّنة ويحيي من حيَّ عن بينة وأنا طالب من الله العون على كل حال.
ولعلَّه قد حَدَا بك شوقٌ لمعرفة الخصمين مَن هما وما خصومتهما وما حجة كل واحد منهما فهائنذا أجيب عن تساؤلك وأحلُّ إشكالك وأضعها بين يديك لتحكم أنت أيضا فلا يخلوا منصف من حكم.
والخصمان هما
الحُكم الديني والمدني
أولاً التأصيل :
الحـَكَم: أُريد بطاقة مصغرة لكلِّ واحد منكما تحتوي على محل وتأريخ الميلاد وشيءٍ من النَّسب امتثالاً لقول نبينا الكريم صلى الله عليه و سلم : تعلموامن أنسابكم ما تصلون به أرحامكم )
صححه الألباني :
فبرز الحُكم الديني قائلا : إن كنت تسأل عن اسمي فأنا الإسلام دين الله الذي تديّن بي جميع الأنبياء و المرسلين ومن تابعهم واهتدى بهديهم واستن بسنتهم
ألا تقرأ قول ربنا سبحانه :( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ )
الحكم: بلى
وأما ظهوري فالأصل أني ظهرت يوم خلق الله الأرض ومن عليها وأُنزلت الكتب وبعث الأنبياء والرسل ثم امتنّ الله بي على العباد أنْ جعلني ملة أبيهم إبراهيم
وكان آخر نبي دعا إليّ وآخر الأمم تديّنت بيْ هو نبي الله صلى الله عليه وسلم مع أمته فكانت خير امة أخرجت للناس.
وظهرت مؤخراً بمكَّة ثم المدينة ثم شهدت الملاحم والمغانم وسافرت مع المجاهدين والدعاة فطفت الأرض شرقَها وغربها وجنوبها وشمالها ودخلت بتمكين الله لي فارس والروم ومملكة كسرى وقيصر وهكذا كلَّ يوم وأنا في ازدياد وإلى الأمام حتى لا يكاد يخلوا مني إقليم ولا قطر وسأبلغ ما بلغ الليل والنهار .
الحَكم:كأنك تشير إلى قول الربِّ سبحانه :( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)
وقوله سبحانه:( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )
ويقول صلى الله عليه وسلم :ليبلغن هذا الأمر مابلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعزِّ عزيزٍ أو بذل ذليل عِزًّا يعز الله به الإسلام وذُلاًّ يُذلُّ الله به الكفر. (رواه أحمد ،والطبرانى ، والحاكم ، والبيهقى ، والضياء عن تميم الداري رضي الله عنه )
وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَقُولُ قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ
المدني : أجل
الحكَم : دعني أسمع من خصمك
الحُكْم المدني : أما عن اسمي فأنا الحكم المدني ربيب الحكم الفدرالي
وأما مولدي فأنا حديث السن لم أولد إلا بعد انهيار الإتحاد السوفيتي قبل ثلاثة عقود تقريبا وولدتني عقول وأفكار العلمانيين وربِّيتُ بين أحضان الغرب الكافر ثم نُسبْتُ بعدها إلى الإسلام .
الحَكم : يعني أنك ولد للمسلمين لكنك غير شرعي
الحُكْم المدني: لا أدري لم أشعر إلا وأنا ببلاد المسلمين ألعب بعقولهم وأعيش معهم ووجدت منهم حفاوة ة وإكراما.
الحـَكم : لكني قد عرفت الذي أقدمك إلى بلاد الإسلام وزينك إلى أهله.
المدني : هل بإمكانك تسميتهم لي لأنظر أصدقت أم توهمت.
الحـَكم : إنهم المستغربون من العلمانيين ومن على شاكلتهم.
المدني : صدقت . ولقد كانوا حريصين على عدم معرفة المسلمين لي ولذا قُمّصت ثوب الإسلام وزينني أناس يدّعونه
الحـَكم :مَن هم دعاة كل واحد منكما وممثلوه ؟
الحكم الديني: ( وأحَبُّ إليَّ أن يُسمى الحكم الإسلامي لأنه أدق ّ ) دعا إليّ الأنبياء والرسل وأئمة الدين سلفُهم والخلف .
الحكم المدني:دعا إليَّ كلُّ الأطياف المعادية للإسلام على اختلافها وتعددت مشاربها
مداخلة: تبعهم على ذلك بعض جهلة المسلمين من أصحاب النفوس المريضة الذين هم أتباع كل ناعق الذين يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الحاقدين .
الحـَكم : ما الذي تدعوان إليه ؟
الديني (الإسلامي ) أدعو لتطبيق الشريعة في شتى مجالات الحياة وأنَّ الدين عمود الدولة ولابدَّ أن تخضع السياسة له وأن يتحاكم الناسُ إليه .
المدني: أدعو لفصل الدين عن الدولة والحُرِّيَّة المطلقة حيث لا أتقيد بدينٍ ولا مذهبٍ ولا طريقةٍ معينة . مع العلم أنَّي لا أجهر بهذا لِما يترتب على ذلك من المفسدة .
ومن جانب آخر أرفض أيجاد أيَّ فرقٍ بين شخص وآخر من العاملين في ميادين الحياة من المتدينين وغيرِهم .
الحـَكم: حتى الفوارق المذكورة في القرآن ؟بين الذكر والأنثى المسلمين والمجرمين ,والذين عملوا الصالحات والمفسدين في الأرض !
المدني :أنا قلت آنفا أني لا أتقيد بدين أو مذهب فالعقول البشرية العاملة عندي هي المشرِّعة المتَّبعة لا غير.
الحـَكم : عجباً وكيف صرت محلَّ إعجاب عند كثير من المسلمين ؟! هل يعني أنك لا تظهر على حقيقتك ؟
المدني :أجلْ . فكل ما انكشفتُ استترت بثوب يعفو أثري .
الحـَكم : ما زال وقد اعترفت فهاتِ مثالاً ؟
المدني : كنتُ أسمَّى بالعلمانية فلما صار هذا الاسم محلّ تشائم ولم يَعُدْ يجهر به إلا شواذُّ المجتمع ,وصرخ العلماء بصوت يُعرِب عن التنكر له ولمفْهومه فشعرت عندئذ بالخيبة ثم لم آلُ جهداً أنْ بحثتُ على اسمٍ عربيٍ في الأصلِ غربيٌ في المعنى فيُسِّر لي ( الحُكم المدني ).
الحـَكم :ما هي المبادئ والأُسس التي يقوم عليه كلٌّ منكما ؟
الديني :(الإسلامي ) مبدأي الذي أقوم عليه القرآن والسنة الوحيان المحفوظان فمِنْهُما أنطلق و بهما أحكم وإليهما أحاكم فهما قبلتي التي أتوجه إليها في حِلِّي وترحالي وسفري وحضري وقيامي وقعودي وفرضي ونفْلي .
وهناك أُسس أخرى تتمثل في الأخلاق والقيم التي تعتبر صورةً جمالية في حياة الفرد المسلم ولم تتسع لتفاصيلها الموسوعاتُ المطولة وباختصار فكل فضيلة فالدين الإسلامي له الفضل الأكمل في ذلك .
المدني :مبدأي العقل البشري وليس للدين الإسلامي فيَّ أيَّ مرجعية وإنْ حاول بعضهم أن يُضْفِي عليَّ مسحةً إسلامية .
الحـَكم: لعلَّ حقيقة هذا المبدأ هوالذي جعل المتهوكين من أبناء جلدتنا ومن يتكلمون بألسنتنا ينادون بالدولة المدنية ذات مرجعية إسلامية فما هذا القيد إلا بيانا للحقيقة الأصلية فتأمل.
المدني : ومما أمتاز به على الحكم الديني أني أمنح أيَّ فرد في المجتمع حقَّ الإنسانية فيمارس ما شاء بعيداً عن التحليل والتحريم لأني أعُدُّ هذا تزمُّتًا وتحجُّرا .
مداخلة :أيُّ فخرٍ أن يعيش الناسُ كالبهائم لا يرْدعُهُمْ دينٌ ولا عقلٌ سليم يأبى القبائح .
الحكم : علمت أن من مفاهيم الدولة المدنية ما يسمى بالتعايش السلمي لكل الأطياف والجماعات العاملة في الساحة دون ممارسة أي ضغوط على أي شخص أو جماعة فهل هذا المفهوم مطبَّقٌ حقيقةً لا سيما على المسلمين من قبل الكفار أرجو الجواب بكل شفافية .
المدني : لقد أوقعتني في موضع محرج وتحتَّمَ عليَّ الجواب مع أني أكره أن يُطْرَحَ عليَّ مثل هذا السؤال .
الحكم : لا بأس أجبني فقد سقط الفأس على الرأس .
المدني : أما بالنسبة للكفار عموما فيلزم المسلمين القيام بمفهومه فلا ينكروا على راهب رهبانيته ولا على شارب ولا زان ما دام عقله يسمح له بذلك.
وأما المسلمون فلايجب لهم ذلك اللهم إلا أن يكون في أحسن الحالات له الحرية في ممارسة عبادته الفردية الْغَيرِ متعدية كالأمر والنهي والدعوة .
مداخلة: حتى هذه الموسومة بالفردية ليسوا في رضاً عنها .صدق ربنا إذ يقول : (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)
المدني:الواجب على المسلمين تطبيقها وليس على الكفار .
الحكم : لما ؟!
المدني : لا داعي لهذا السؤال ., هم الذين أنتجوها فلهم الحرية فيها على حسب المصلحة المثمرة لهم لا الضرر العائد عليهم .
الحكم: يعني أن ذلك مجرد شباك يُصطادُ به عقول المسلمين ؟! على مبدأ ( إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ)
المدني : لا أرى في ذلك عيب ما دامت المصلحة تقتضي ذلك .
الديني: لكني على مبدأ (وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) وهذا هو غاية العدل والإنصاف .
تقريرٌ :
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا الحكم مَن قعد لديَّ الخصمان (الحُكم المدني والديني ) أرفع تقريراً لكلِّ حاضرٍ ساحة الحُكْم ومن غاب عنها وهو :
إنَّ الحكم المدني هو الجانِ على الدين وحكمه وأهله ومبادئه وهو الدخيل على العقول والأفكار
وألفيتُ أجمل صورة فيه هي أقبح صورة ينبذها الإسلام
وكذا شهودَه كل متردية ونطيحة .,
مخرومُ العدالة ,ومع هذا رأيته يتبجَّح بمساويه ويجاهر بمعاصيه
وأما الديني (الإسلامي ) فهو البارُّ المنصف لاشطط فيه ولا وكس صادقُ اللسان, واضحُ الحُجَّةِ
تنزيلٌ من حكيمٍ حميد ,فيه صلاح الناس وسعادتهم وحاجتهم وكفايتهم يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن سفاسفها فأنعم به وأكرم .
ولا زال هناك مجال لأي حَكَمٍ متجرد للحق خاضع له فلا يخلو رأس منصف من حِكْمَة .
وإلى لقاء متجدد في الجلسة الرابعة . إن شاء الله تعالى
أخوكم أبو سليمان سلمان العماد ثبته الله
السبت 10/ربيع ثاني /1433هـ