السيوف الصلاب
في
الطعن على
المخذلين عن مجاهدة
الروافض الكلاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله فاضح المنافقين، والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على من أمره ربه بقوله:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}أما بعد:
فإن الله -عز وجل- قد نهى نبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن طاعة الكافرين والمنافقين، وأمره باتباع وحيه والتوكل عليه، قال-عز من قائل-:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره، جزء (6) ص (222) طبعة المكتبة التوفيقية:
"هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى, فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا, فلأن يأتمر مندونه بذلك بطريق الأولى والأحرى. وقد قال طلق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله, ترجو ثواب الله, وأن تترك معصية الله على نور من الله مخافة عذاب الله وقوله: {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} أي لا تسمع منهم ولا تستشرهم {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} أي فهو أحق أن تتبع أوامره وتطيعه, فإنه عليم بعواقب الأمور, حكيم في أقواله وأفعاله, ولهذا قال تعالى: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} أي من قرآن وسنة {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}أي فلا تخفى عليه خافية, وتوكل على الله, أي في جميع أمورك وأحوالك {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} أي وكفى به وكيلاً لمن توكل عليه وأناب إِليه".انتهى
قلت: وقد نهى الله نبيه عن طاعة الكافرين والمنافقين في موضع آخر من سورة الأحزاب، فقال:
{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}
والمخذل عن جهاد الرافضة اليوم لا يُسمع له ولايطاع، ولا يسأل ولا يستشار؛ إذ إنه ليس من أهل الذكر، ولا من أهل المشورة، وقد قال -تعالى-:
{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
وأهل الذكر هم أهل القرآن والسنة، قال -تعالى-:
{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}
والحكمة هي السنة، والتخذيل عن جهاد الرافضة خاصة مع وجوبه، ليس من القرآن ولا من السنة، والمخذل ليس قرآنيًا ولا سنيًا، وبه من النفاق ما به، ويعد آمرًا بالمنكر ناهيًا عن المعروف، إضافة إلى قبض يده عن الإنفاق، قال -تعالى-:
{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنّ َالْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}
فإنفاق هذا المخذل يكون عادة عن نفاق، وعن كراهة لهذا الإنفاق، كما هو شأن المنافقين، ومثل هذا لا يقبل منه إنفاقه -لو أنفق- لعدم إخلاصه، قال -عز وجل- عن المنافقين:
{قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ}
وقد ذكر الله في غير ما آية من كتابه الإنفاق في سبيله، وجعل من أعظم وأبرز علامات المنافق، قبض اليد عن الإنفاق في سبيل الله، وأنه لو أنفق، أنفق كارهًا كما سبق، يؤكده قوله -عز وجل- :
{وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ * رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ}.
وقوله -تعالى-:{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}
فتأمل إخلاد المخذل عن الجهاد إلى الأرض، وتأمل صفة الكلبية فيه، وما أخسها من صفة !!
هذا، وكما أن التخاذل عن الإنفاق في سبيل الله هو من سبيل المنافقين، فكذلك التخذيل عنه، قال -تعالى- عن المنافقين :
{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ}.
واعلم -رحمني الله وإياك- أن الجهاد محنة للناس، يمتحن به الصادق من الكاذب، قال -تعالى- عن غزوة الأحزاب :
{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}
قال الحافظ ابن كثير –رحمه الله- في تفسير هذه الآية ص (232-233):
"يقول الله تعالى مخبراً عن ذلك الحال حين نزلت الأحزاب حول المدينة, والمسلمون محصورون في غاية الجهد والضيق, ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم, أنهم ابتلوا واختبروا وزلزلوا زلزالاً شديداً, فحينئذ ظهر النفاق, وتكلم الذين في قلوبهم مرض بما في نفوسهم {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}أما المنافق فنجم نفاقه, والذي في قلبه شبهة أو حسيكة لضعف حاله فتنفس بما يجده من الوسواس في نفسه لضعف إِيمانه وشدة ما هو فيه من ضيق الحال, وقوم آخرون قالوا كما قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ} يعني المدينة. كما جاء في الصحيح «أريت في المنام دار هجرتكم, أرضًا بين حرتين, فذهب وهلي أنها هجر فإِذا هي يثرب» وفي لفظ: المدينة".
قال:
"وقوله {لَا مُقَامَ لَكُمْ} أي ههنا يعنون عند النبي صلى الله عليه وسلم في مقام المرابطة {فَارْجِعُوا} أي إِلى بيوتكم ومنازلكم { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ} قال العوفي (قلت: العوفي ضعيف) عن ابن عباس رضي الله عنهما: هم بنو حارثة قالوا: بيوتنا نخاف عليها السَّرَق, وكذا قال غير واحد, وذكر ابن إِسحاق أن القائل لذلك هو أوس بن قيظي, يعني اعتذروا في الرجوع إِلى منازلهم بأنها عورة أي ليس دونها ما يحجبها من العدو, فهم يخشون عليها منهم, قال الله تعالى: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} أي ليست كما يزعمون {إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} أي هربًا من الزحف". انتهى
قلت:وكما أن محنة الجهاد مازت الصادق من الكاذب بالأمس، فقد مازت الصادق من الكاذب اليوم، وإلا، فقل لي: كيف يتسنى لمؤمن صادق مخالفة فتاوى أهل العلم في وجوب الجهاد على أهل اليمن اليوم والتخذيل عنه؟!
وليُعلم أن المتخاذل عن الجهاد جبان قاعد عن الجهاد خلف صفوف الشجعان، ومثل هذا الجبن والتخاذل لا ينفع صاحبه، قال -تعالى- عن المنافقين :
{قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا}.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- ص (233-234) :
"ثم أخبرهم أن فرارهم ذلك لا يؤخر آجالهم ولا يطول أعمارهم بل ربما كان ذلك سببًا في تعجيل أخذهم غرة, ولهذا قال تعالى: {وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} أي بعد هربكم وفراركم {قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى} ثم قال تعالى: {قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ} أي يمنعكم {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَايَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} أي ليس لهم ولا لغيرهم من دون الله مجير ولا مغيث". انتهى
وقال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره جزء (14) ص (123) طبعة المكتبة التوفيقية:
"قوله -تعالى-:{قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ}أي: من حضر أجله مات أو قتل فلا ينفعه الفرار {وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا}أي: في الدنيا بعد الفرار إلى أن تنقضي آجالكم وكل ما هو آت قريب". انتهى
واعلم أن المخذل عن الجهاد مُعَوِّق، وقد تهدد الله المعوقين، وتوعدهم، بقوله:
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-:
"يخبر تعالى عن إِحاطة علمه بالمعوقين لغيرهم عن شهود الحرب والقائلين لإخوانهم أي أصحابهم وعشرائهم وخلطائهم {هَلُمَّ إِلَيْنَا} أي: إِلى ما نحن فيه من الإقامة في الظلال والثمار, وهم مع ذلك {وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّاقَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} أي بخلاء بالمودة والشفقة عليكم. وقال السدي {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ}أي في الغنائم, {فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} أي من شدة خوفه وجزعه, وهكذا خوف هؤلاء الجبناء من القتال {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } أي فإِذا كان الأمن تكلموا كلاماً بليغاً فصيحاً عالياً, وادعوا لأنفسهم المقامات العالية في الشجاعة والنجدة, وهم يكذبون في ذلك, وقال ابن عباس رضي الله عنهما {سَلَقُوكُم} أي استقبلوكم. وقال قتادة: أما عند الغنيمة فأشح قوم وأسوأه مقاسمة: أعطونا أعطونا قد شهدنا معكم, وأما عند البأس فأجبن قوم وأخذله للحق, وهم مع ذلك أشحة على الخير, أي ليس فيهم خير قد جمعوا الجبن والكذب وقلة الخير, فهم كما قال في أمثالهم الشاعر:
أفي السلم أعياراً جفاءً وغلظة ***وفي الحرب أمثال النساء العوارك
أي في حال المسالمة كأنهم الحمر, والأعيار جمع عير وهو الحمار, وفي الحرب كأنهم النساء الحيض, ولهذا قال تعالى: {أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} أي سهلاً هيناً عنده". انتهى
فويل للمخذلين المعوقين الجبناء الرعاديد.
قلت: ومما ذكره الله في كتابه من صفات المنافقين الجبناء، قوله -عز وجل-:
{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا}.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- ص (234-235):
"وهذا أيضًا من صفاتهم القبيحة في الجبن والخور والخوف {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا} بل هم قريب منهم وإِن لهم عودة إِليهم {وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ}أي ويودون إِذا جاءت الأحزاب أنهم لا يكونون حاضرين معكم في المدينة, بل في البادية يسألون عن أخباركم وما كان من أمركم مع عدوكم {وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا} أي ولو كانوا بين أظهركم لما قاتلوا معكم إِلا قليلاً لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم, والله سبحانه وتعالى العالم بهم". انتهى
قال القرطبي -رحمه الله- جزء (14) ص (126) عند قوله -تعالى- :{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا}:
"أي: لجبنهم يظنون الأحزاب لم ينصرفوا وكانوا انصرفوا، ولكنهم لم يتباعدوا في السير". انتهى
أقول:
هذا، وإن المرجف الذي يشيع في المؤمنين المجاهدين ما يخيفهم، ويرهبهم من عدوهم، ويفت في عضدهم، له نصيب من الوعيد المذكور في قوله -تعالى-:
{لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- ص (299) :
"ثم قال تعالى متوعدًا للمنافقين وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} قال عكرمة وغيره هم الزناة ههنا { وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} يعني الذين يقولون جاء الأعداء وجاءت الحروب وهو كذب وافتراء لئن لم ينتهوا عن ذلك ويرجعوا إلى الحق {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} قال علي بن أبي طلحة (قلت: لم يسمع التفسير من ابن عباس) عن ابن عباس أي لنسلطنك عليهم. وقال قتادة لنحرشنك بهم, وقال السدي لنعلمنك بهم {ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا} أي في المدينة {إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ}حال منهم في مدة إقامتهم في المدينة مدة قريبة مطرودين مبعدين {أَيْنَمَا ثُقِفُوا} أي وجدوا {أُخِذُوا} لذلتهم وقلتهم {وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} ثم قال تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ} أي هذه سنته في المنافقين إذا تمردوا على نفاقهم وكفرهم ولم يرجعوا عما هم فيه أن أهل الإيمان يسلطون عليهم ويقهرونهم {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} أي وسنة الله في ذلك لا تبدل ولا تغير". انتهى
قلت: وقد أغري أهل السنة بدار الحديث السلفية بدماج بأهل الإرجاف والفتنة قبل فتنة الرافضة، وسُلطوا عليهم، وفضحوهم، فلم يجاوروا أهل السنة في هذه الدار إلا قليلاً، وهاهم أهل السنة اليوم قد أُغروا بأهل الإرجاف والتخذيل عن جهاد الرافضة، وسلطوا عليهم، وكشفوا صحائف فضائحهم، ولا يزالون، فاللهم طهر دور الحديث السلفية، وجبهات القتال السلفية، من المنافقين، ومن الذين في قلوبهم مرض، ومن المرجفين، حتى لا يجاوروا أهل السنة، لا في طلب علم ولا مقاتلة عدو، ونقول للقاعدين عن الجهاد والمخذلين عنه، واللائمين للمجاهدين:
الله غني عنكم، فاقعدوا مع الخوالف والخالفين، وخلوا عن سبيل المجاهدين
وما أحسن!! قول القائل:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمو ***من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
أما إخواننا المجاهدون بالسنان أو اللسان أو بهما معًا، فنبشرهم بالعاقبة الحميدة؛ لقيامهم بوظيفة الوقت، قال -عز وجل-:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}.
وقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.
والحمدلله رب العالمين
تم الفراغ منه في ليلة الأربعاء الموافق الثلاثين من شهر
ربيع الأول لسنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وألف
من الهجرة النبوية على صاحبها
الصلاة والسلام
وكتب
أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري
أبو عبدالله
تعليق