المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبة ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل: «أَنَّ الْجِهَادَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ». أما بعد: لقد سمعتُ الخبر من إخواني في الله أن في جزيرتي المُلوك قد وقعت الحرب والقتال بين المسلمين والكفار، وأن أول مَن بدأ القتالَ الكفارُ النصارى، وبدأوا القتال يوم الأحد (15/شوال/1432)، وهذا القتال في الرابعة أو الخامسة، وأما أول القتال فهو يوم العيد (1/شوال/1421)، وكان المسلمون يصلون العيد، وجاء هؤلاء الكفار وقتلوهم في مساجدهم، ثم قام المسلمون في دفاع عن أنفسهم، حتى وقع الحرب بين المسلمين والكفار من سنة 1421 إلى 1423 ثم طلب أمراء المسلمين أندونيسيا الإصلاح بين المسلمين وبين الكفار. فإني لما سمعتُ الخبر في القتال يوم الأحد (15/شوال/1432) أحببتُ أن أكتب النصيحة، لأن أحدًا من إخواني طلبني أن أرجع إلى بلادي من أجل الجهاد في سبيل الله. أسأل الله ﻷ أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وصوابًا وموافقًا للحق وأن يجعله مباركًا أينما كان، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلوات الله وسلامه على نبينا الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو أحمد محمد بن سليم اللمبوري السيرامي اللمبوري
في دار الحديث بدماج (16/شوال/1432).
أبو أحمد محمد بن سليم اللمبوري السيرامي اللمبوري
في دار الحديث بدماج (16/شوال/1432).
النصيحة الأولى
الجهاد بالعلم قبل الجهاد بالسلاح
ومن المعلوم أن ظهور الإسلام بالعلم والبيان قبل ظهوره باليد والقتال فإن النبي ق مكث بمكة ثلاث عشرة سنة يظهر الإسلام بالعلم والبيان والبراهين فآمنت به المهاجرون والأنصار طوعا واختيارا بغير سيف لما بان لهم من العلم والبينات والبراهين ثم أظهره بالسيف فإذا وجب علينا جهاد الكفار بالسلاح ابتداء ودفعا فلأن يجب علينا بيان الإسلام وإعلامه ابتداء ودفعا لمن يطعن فيه بطريق الأولى والأحرى. ومن المعلوم –أيضا- أنه يحتاج كل وقت إلى السلاح فكذلك هو محتاج إلى العلم والبيان وإظهاره بالعلم والبيان من جنس إظهاره بالسلاح. فاعلم أعانك الله أن الجهاد بالعلم قبل الجهاد بالسلاح سبب الفلاح، وأن الكفار لا يفقهون، قال الله ﻷ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)﴾ [الأنفال: 65-67]. يا أخي –أعانك الله- إذا قمت في الحراسة أو الرباط خذ من وقتك العلمَ، ولا تسأل أخاك الذي في مركز العلمي أن يرجع إليك، لأن الله ـ يقول: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122]. قوله: ﴿لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ أي: جميعًا لجهاد عدوهم. المراد بالجهاد هنا هو قتال الكفار، فلا بد للمسلمين ولنا أن نقاتل مع إمام المسلمين؛ وقتال الكفار من أجل نشر التوحيد، وقمع الشرك، قال الله ﻷ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 193]، وقال النبي ق: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». (رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى ت)، وقتالهم من أجل قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ حُرْمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ». (رواه الجماعة، وبعض الألفاظ في "الصحيحين" عن عبد الله بن عمرو ب وبعضها في "السنن" عن عدد من الصحابة ن). وقتال الكفار على نوعين:
النوع الأول:
قتال دفاع، وهذه الحالة تكون في حالة ضعف المسلمين، فإنه إذا داهم العدو بلادهم وجب عليهم قتالهم، فيجب على جميع من يحمل السلاح قتالهم؛ من أجل دفع العدو عن أرضهم. وهذا النوع الواقع في جزيرتي الملوك الآن. النوع الثاني: قتال طلب، وذلك إن كان المسلمون أقوياء، فإنهم يغزون العدو في بلادهم، ويدعونهم إلى الله، فإن أجابوا وإلا قاتلوهم من أجل إعلاء كلمة الله ﻷ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)﴾ [الأنفال: 39، 40].
المسألة: ومن ينظم القتال؟
الجواب: هو إمام المسلمين، فنحن نتبع الإمام، فإن أُمرنا بالقتال نقتل، ولا نقتل بغير إذن الإمام؛ لأنه من صلاحيات الإمام، قال الله ﻷ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)﴾ [التوبة: 38-40]. فالقتال من صلاحيات الإمام، فإذا استنفر الإمام الناس للقتال وجب على كل من أطاق حمل السلاح، ولا يشترط في الإمام الذي يقيم الجهاد أن يكون غير عاصٍ، فقد يكون عنده بعض المعاصي والمخالفات، لكن ما دام أنه لم يخرج من الإسلام فيجب الجهاد معه، وصلاحه وقوته للمسلمين وفساده على نفسه، أما الجهاد ففي صالح المسلمين، وإن أخطأ فنتجنب إساءته، لكن لا نخرج ونشق عصا الطاعة لقول النَّبِىِّ : صلى الله عليه وسلم :«عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إِلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ». (رواه البخاري ومسلم عن عن عبد الله بن عمر ت)، وَعَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِى أُمَيَّةَ / قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقُلْنَا: حَدِّثْنَا أَصْلَحَكَ الله بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ الله بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله ق، فَقَالَ: دَعَانَا رَسُولُ الله ق فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ قَالَ ق: «إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ الله فِيهِ بُرْهَانٌ»، (رواه البخاري ومسلم)، هذا مذهب أهل السنة والجماعة، وعليه تقوم مصالح المسلمين. فأقول لإخي السلفي في المُلوك –أعانك الله- أن لا تكن كما في القتال الماض؛ وفي الماض بعض المسلمين خرجوا من طاعة على الأمراء حتى قتلوا بعضهم على بعض، وهم ما يسمعون النصيحة من الناصحين الصالحين. فالواجب عليك أَصْلَحَكَ الله أن تدافع دينك، ونفسك، ودمك، وحرمتك، وأهلك، ومالك، وأرضك، وأن تقوم مع المسلمين وإمامهم. إذا تحتاج المثال الواقع فانظر إلى إخوانك المجاهدين في دار الحديث بدماج! فكيف إخوانك في دار الحديث بدماج يقاتلون الروافض؟ انظر أنهم مع إمام المسلمين في قتل الروافض!. ولا تكن كالحزبيين الذين يسمون أنفسهم بـ(عسكر جهاد أهل السنة والجماعة)، ولكن كن جهاديًا سفليًّا شرعيًّا. ثم أقول: ويجب جهاد الكفار واستنقاذ ما بأيديهم من بلاد المسلمين وأسراهم، ويجب على المسلمين أن يكونوا يدًا واحدة على الكفار، وأن يجتمعوا ويقاتلوا على طاعة الله وطاعة رسوله وَأُولِي الْأَمْرِ كما أمر الله ﻷ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59]، وأن يدعوا المسلمين إلى ما كان عليه السلف من الصدق، وحسن الخلق، والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله فصلى الله عليه وسلمإن هذا من أعظم أصول الإسلام وقواعد الإيمان التي بعث الله بها رسله، قال الله : ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)﴾ [النحل: 125-128].
النصيحة الثانية
إخلاص النية في الجهاد
يا أخي أعانك الله أن إخلاص النية شرط من شروط صحة الأعمال، قال الله ـ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5]، وقد بوّب الإمام النووي / في "صحيح مسلم": {باب قَوْلِهِ ق: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ»، وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْغَزْوُ وَغَيْرُهُ مِنَ الأَعْمَالِ}. وإخلاص النية سبب من أسباب الفلاح، قال الله ﻷ: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77]. ثم اعلم أعانك الله أن الشرك في النية سبب من أسباب الهلاك في الدنيا والآخرة، عن عائشة ل قالت: قال رسول الله ن: «يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم». قالت: قلت: يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال ق: «يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم». (رواه البخاري)، وقال الله ـ: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: 23]، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ ت فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ أَيُّهَا الشَّيْخُ حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله ق قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله ق يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ الله عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ فِى النَّارِ». (رواه مسلم).
النصيحة الثالثة
العمل الصالح وتوحيد الله من أسباب التمكين
اعلم أعانك الله أن سبب من أسباب الأمن والفلاح توحيد الله والعمل الصالح، قال الله ﻷ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النور: 55، 56]. وصلاح أمر السلطان بتجريد المتابعة لكتاب الله وسنة رسوله ق، وحمل الناس على ذلك فإنه ـ جعل صلاح أهل التمكين فى ثلاثة أشياء: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، قال الإمام البخاري /: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن إسماعيل قال: حدثني قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله ت قال: {بايعت رسول الله ق على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم}. فاذا أقام الصلاة فى مواقيتها جماعة هو وحاشيته وأهل طاعته وأمر بذلك جميع الرعية وعاقب من تهاون فى ذلك العقوبة التى شرعها الله ـ فقد تم هذا الأصل، ثم إنه مضطر إلى الله ـ فإذا ناجى ربه ـ فى السحر واستغاث به وقال: ياحى يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك استغيث أعطاه الله ـ من التمكين مالا يعلمه إلا الله، قال الله ـ: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)﴾ [النساء: 66 - 69]. ثم كل نفع وخير يوصله إلى الخلق هو من جنس الزكاة فمن أعظم العبادات سد الفاقات وقضاء الحاجات ونصر المظلوم وإغاثة الملهوف، والنصح لكل مسلم وهو الأمر بما أمر الله به ورسوله ق من العدل والاحسان وأمر نوائب البلاد وولاة الأمور باتباع حكم الكتاب والسنة واجتنابهم حرمات الله والنهى عن المنكر وهو النهى عما نهى الله عنه ورسوله ق. وإذا تقدم السلطان ايده الله بذلك فى عامة بلاد الاسلام كان فيه من صلاح الدنيا والآخرة له وللمسلمين ما لا يعلمه إلا الله والله يوفقه لما يحبه ويرضاه.
النصيحة الرابعة
الرجوع إلى القرآن والسنة بإرشاد العلماء
يا أخي أعانك الله إذا وجدت المشاكل، فالواجب عليك أن تسأل العلماء، قال الله ـ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)﴾ [النساء: 83 - 85]، وقال الله ـ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].
النصيحة الخامسة
الاستعانة بالله ـ في الجهاد
يا أخي أعانك الله أنا وأنت من الضعفاء كما قال الله ـ: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]، فمن ذلك واجب علينا أن نسأل الله ﻷ في سائر أمورنا، عَنْ أَبِى النَّضْرِ عَنْ كِتَابِ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ ق يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أَوْفَى فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ الله حِينَ سَارَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ يُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و سلم كَانَ فِى بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِى لَقِىَ فِيهَا الْعَدُوَّ يَنْتَظِرُ حَتَّى إِذَا مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ». ثُمَّ قَامَ النَّبِىُّ صلى الله عليه و سلم وَقَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِىَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ». (رواه البخاري ومسلم). وعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه سلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِى خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى الله وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : «اغْزُوا بِاسْمِ الله فِى سَبِيلِ الله قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَ لاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ - أَوْ خِلاَلٍ - فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِى عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِى يَجْرِى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِى الْغَنِيمَةِ وَالْفَىْءِ شَىْءٌ إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِالله وَقَاتِلْهُمْ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ الله وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ الله فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ». (رواه مسلم).
النصيحة السادسة
الإكثار من ذكر الله
يا أخي أعانك الله لا تنسى ذكر الله ـ، لأنه سبب من أسباب الفلاح، قال الله : ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]، وقال الله : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: 45]. عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ قَالَ مَكِّيٌّ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا وَذَلِكَ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». (رواه الترمذي وأحمد). والشجاعة ليست هي قوة البدن، وقد يكون الرجل قوي البدن ضعيف القلب، وإنما هي قوة القلب وثباته، فإن القتال مداره على قوة البدن وصنعته للقتال، وعلى قوة القلب وخبرته به، والمحمود منهما ما كان بعلم ومعرفة، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ ت قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و سلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».
تعليق