• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عشر درر من كلام إمام ابن القيم في إبتلاء صالحي البشر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عشر درر من كلام إمام ابن القيم في إبتلاء صالحي البشر

    عشر درر
    من كلام إمام ابن القيم في إبتلاء
    صالحي البشر



    بِسْمِاللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذبالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديله وأشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً محمداً عبده ورسولهصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً مزيداً.
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّتُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلعمران:102].
    ﴿ يَا أَيُّهَاالنَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَمِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوااللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْرَقِيبًا﴾[النساء:1].
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُواقَوْلًا سَدِيدًا ۞يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِاللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70-71].
    أما بعد:
    فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدصلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالةوكل ضلالة في النار.
    وبعد :
    فهذه نبذة يسيرة من كلام الإمام العلامةالفهامةالمتقن الحافظ الناقد قامع البدعة والمبتدعين شمسالدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية-رحمه الله تعالى-.
    حول موضوع الإبتلاء وضرر الإمتحان الذي يبلغ المؤمن في دربسيره إلى ربه في هذه الدنيا.
    أحببت أن أنقله لأخوننا أهل السنة المرابطين فيسبيل الله بدار الحديث بدماج –حرسها الله وحفظ ونصر القائمين عليها من كيد وعدوانالرافضة البغاة المعتدين الأرجاس الأنجاس عليهم لعائن الله إلى يوم القيامة-.
    وقدمت قبل هذه الدرر القيمة البليغة من كلامهذا الإمام بعض الآيات والأحاديث في هذا الموضوع علّ أن يكون ذلك تسلية لإخونناالمجاهدين في سبيل الله .




    قال الله تعالى:﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْبِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِوَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُواإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْصَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾[البقرة:155-157].
    وقال الله تعالى:﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْوَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْقَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُواوَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾[آلعمران:186].
    وقال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْحَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَأَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد:31].
    وقال الله تعالى: ﴿ الم(1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَايُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّاللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ﴾[العنكبوت:1-3].
    وقال الله تعالى: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[الأعراف:168].
    وقال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِلَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّانَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَافَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَدَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
    وقال الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَجَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران:142].
    وقال الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَخَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواحَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَاإِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة:214].
    وقال الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةًوَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء:35].
    قال الإمام البخاري-رحمه الله- حَدَّثَنَاعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُسَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ أَبَا الْحُبَابِ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «مَنْ يُرِدِاللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ »
    قال -رحمه الله- حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِبْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا زُهَيْرُبْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِيَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلىالله عليه وسلم قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ،وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمِّ، وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمِّ، حَتَّىالشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلاَّ كَفَّرَ الله بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ».وراهمسلم أيضاً
    قال الإمام مسلم-رحمه الله- حَدَّثَنَاعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُإِبْرَاهِيمَ قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌعَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِاللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُوعَكُ فَمَسِسْتُهُ بِيَدِى فَقُلْتُ يَارَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا.
    فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَجَلْ إِنِّى أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ». قَالَ فَقُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلىالله عليه وسلم- « أَجَلْ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّاللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ فَمَسِسْتُهُ بِيَدِى.
    وقال–رحمه الله -حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍعَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِلاَ تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ وَلاَ يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلاَءُ وَمَثَلُالْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأَرْزِ لاَ تَهْتَزُّ حَتَّى تَسْتَحْصِدَ».


    قال الإمام أحمد-رحمه الله- حَدَّثَنَاعَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَاشُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ عَنْ عَمَّتِهِفَاطِمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : أَتَيْنَا رَسُولَاللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَعُودُهُ فِى نِسَاءٍ فَإِذَا سِقَاءٌ مُعَلَّقٌنَحْوَهُ يَقْطُرُ مَاؤُهُ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ مَا يَجِدُ مِنْ حَرِّ الْحُمَّىقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ دَعَوْتَ اللَّهَ فَشَفَاكَفَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّمِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلاَءً الأَنْبِيَاءَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّالَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ »([1]).
    وقال -رحمه الله- حَدَّثَنَا وَكِيعٌحَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِسَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ : يَارَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ مِنْالنَّاسِ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِصَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُوَمَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِلَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ». ([2])
    وقال -رحمه الله- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُبِشْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَا يَزَالُ الْبَلَاءُبِالْمُؤْمِنِ أَوْ الْمُؤْمِنَةِ فِي جَسَدِهِ وَفِي مَالِهِ وَفِي وَلَدِهِحَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ».
    وقال -رحمه الله- حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْيَزِيدَ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِقَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَاأَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ وَمَنْجَزِعَ فَلَهُ الْجَزَعُ».([3])
    قال الإمام الترمذي -رحمه الله-حَدَّثَنَاقُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِبْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُالْعُقُوبَةَ فِى الدُّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّأَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([4])
    قال الإمام الطبراني-رحمه الله- حدثنا محمد بن عبد اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثنامحمد بن عبد اللَّهِ بن نُمَيْرٍ ثنا سَعِيدُ بن الرَّبِيعِ ثنا شُعْبَةُ عنحُصَيْنِ بن عبد الرحمن قال سمعت أَبَا عُبَيْدَةَ بن حُذَيْفَةَ يحدث عنعَمَّتِهِ فَاطِمَةَ قالت : عُدْتُ رَسُولَ اللَّهِصلى اللَّهُ عليه وسلم في نِسَاءٍ وقد عَلَّقَ السِّقَاءُ يَقْطُرُ عليه منشِدَّةِ الْحُمَّى فقلت يا رَسُولَ اللَّهِ لو دَعَوْتَ فَذَهَبَ عَنْكَ شِدَّتُهَافقال : «أَشَدُّ الناس بَلاءً الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّالأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ».([5])
    حَدَّثَنَاسَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَاأَبُو الْمَلِيحِ عن محمد بن خالد عن أبيه عن جده وكانت له صحبة من رَسُولَ اللهِصلى الله عليه وسلم ، قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: « إن العَبد إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مَنْزِلَةٌ فلَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلٍ، ابْتَلاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ ، أو مَالِهِ ، أو وَلَدِهِ ، ثُم َصَبرَ عَلَىذَلِكَ حَتَّى يَبْلٌغه الْمَنْزِلَةَالَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللهِ جزّ وَجَل».اهـ([6])





    وقد اقتصرت على بعض مؤلفات هذا الإمام - الغاليةالأثمان عقود لآليها مزرية بقلائد العقيان - دون غيره , لما ووجدته محتوياً على درر كلاميةالتي اشتمل على ما تستلذ به الأسماع، وتميل إليه الطباع- .
    والآن مع بعض الدرر لهذا الإمام-" المعروفبأصله وفصله، والمشهود له بنبله وفضله، له المقام الأحظى، والمعارف التي ملأتسمعاً ولحظا"-([7]).

    ۞۞۞

    الدرة الأولى
    أن ابتلاء المؤمن كالدواء له



    قال الإمام الفهامة ابن القيم الجوزية–رحمه الله :
    (الأصل السادس : أن ابتلاءالمؤمن كالدواء له يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته أو نقصت ثوابهوأنزلت درجته فيستخرج الإبتلاء والإمتحان منه تلك الأدواء ويستعد به لتمام الأجروعلو المنزلة .
    ومعلوم أن وجود هذا خيرللمؤمن من عدمه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا يقضي اللهللمؤمن قضاء إلا كان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا لهوإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له .
    فهذا الإبتلاء والإمتحانمن تمام نصره وعزه وعافيته ولهذا كان أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأقرب إليهمفالأقرب يبتلى المرء على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة شدد عليه البلاء وإن كانفي دينه رقة خفف عنه ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على وجه الأرض وليس عليهخطيئة).اهـ"إغاثة اللهفان" - (2 / 188).


    الدرةالثانية
    أنه لولا هذا الإبتلاء والإمتحان لما ظهر فضل الصبر والرضا والتوكل والجهاد والعفة والشجاعة والحلم والعفو والصفح



    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله :
    ( أنه لولا هذا الإبتلاء والإمتحان لما ظهر فضل الصبروالرضا والتوكل والجهاد والعفة والشجاعة والحلم والعفو والصفح والله سبحانه يحب أنيكرم أوليائه بهذه الكمالات ويحب ظهورها عليهم ليثني بها عليهم هو وملائكتهوينالوا باتصافهم بها غاية الكرامة واللذة والسرور وإن كانت مرة المبادئ فلا أحلىمن عواقبها ووجود الملزم بدون لازمه ممتنع , وقد أجرى الله سبحانه حكمته بأنكمال الغايات تابعة لقوة أسبابها وكمالها ونقصانها لنقصانها فمن كمل أسبابالنعيم واللذة كملت له غاياتها ومن حرمها حرمها ومن نقصها نقص له من غاياتها وعلىهذا قام الجزاء بالقسط والثواب والعقاب وكفى بهذا العالم شاهداً لذلك فرب الدنياوالآخرة واحد وحكمته مطردة فيهما وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليهترجعون يوضحه) اهـ شفاء العليل (دار الفكر) - (1 / 244).

    ۞۞۞


    الدرةالثالثة
    وهل وصل من وصل-أي من العباد- الى المقامات المحمودة والنهايات الفاضلة إلاّ على جسر المحنة والإبتلاء



    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:
    ( فصلٌ :
    وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهبه الى اجل الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون اليها إلاّ على جسر من الإبتلاءوالإمتحان وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي لا سبيل الى عبورهم الى الجنة إلاعليه وكان ذلك الإبتلاء ولامتحان عين المنهج في حقهم والكرامة فصورته صورة ابتلاءوامتحان وباطنه فيه الرحمة والنعمة .
    فكم لله من نعمة جسيمة ومنه عظيمة تجنى من قطوف الإبتلاء والإمتحانفتأمل حال ابينا آدم وما آلت اليه محنته من الاصطفاء والاجتباء والتوبة والهدايةورفعة المنزلة ولولا تلك المحنة التي جرت عليه وهي إخراجه من الجنة وتوابع ذلك لماوصل الى ما وصل اليه فكم بين حالته الاولى وحالته الثانية في نهايته .
    وتأمل حال ابينا الثاني نوح صلى الله عليه و سلم وما آلت اليهمحنته وصبره على قومه تلك القرون كلها حتى اقر الله عينه واغرق اهل الارض بدعوتهوجعل العالم بعده من ذريته وجعله خامس خمسة وهم اولو العزم الذين هم افضل الرسلوأمر رسوله ونبيه محمدا صلى الله عليه و سلم ان يصبر كصبره واثنى عليه بالشكر فقالإنه كان عبدا شكورا فوصفه بكمال الصبر والشكر .
    ثم تأمل حال ابينا الثالث إبراهيم صلى الله عليه و سلم إمامالحنفاء وشيخ الانبياء وعمود العالم وخليل رب العالمين من بني آدم وتأمل ما آلتاليه محنته وصبره وبذله نفسه لله وتأمل كيف آل به بذله لله نفسه ونصره دينه الى اناتخذه الله خليلا لنفسه وامر رسوله وخليله محمدا صلى الله عليه و سلم ان يتبع ملته , وأنبهك على خصلة واحدة مما اكرمهالله به في محنته بذبح ولده فإن الله تبارك وتعالى جازاه على تسليمه ولده لأمرالله بان بارك في نسله وكثرة حتى ملأ السهل والجبل فإن الله تبارك وتعالى لا يتكرمعليه احد وهو اكرم الاكرمين فمن ترك لوجهه امرا او فعله لوجهه بذل الله له اضعافما تركه من ذلك الامر اضعافا مضاعفة وجازاه باضعاف ما فعله لاجله اضعافا مضاعفةفلما أمر إبراهيم بذبح ولده فبادر لامر الله ووافق عليه الولد أباه رضاء منهماوتسليما وعلم الله منهما الصدق والوفاء فداه بذبح عظيم واعطاهما ما اعطاهما منفضله وكان من بعض عطاياه ان بارك في ذريتهما حتى ملؤا الارض فإن المقصود بالولدإنما هو التناسل وتكثير الذرية ولهذا قال إبراهيم رب هب لي من الصالحين وقال رباجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي فغاية ما كان يحذر ويخشى من ذبح ولده انقطاع نسلهفلما بذل ولده لله وبذل الولد نفسه ضاعف الله له النسل وبارك فيه وكثر حتى ملؤاالدنيا وجعل النبوة والكتاب في ذريته خاصة وأخرج منهم محمدا صلى الله عليه و سلموقد ذكر ان داود عليه السلام اراد ان يعلم عدد بني إسرائيل فأمر بإحضارهم وبعثلذلك نقباء وعرفاء وامرهم ان يرفعوا اليه ما بلغ عددهم فمكثوا مدة لا يقدرون علىذلك فأوحى الله إلى داود ان قد علمت اني وعدت أباك إبراهيم لما أمرته بذبح ولدهفبادر الى طاعة امري ان أبارك له في ذريته حتى يصيروا في عدد النجوم واجعلهم بحيثلا يحصى عددهم وقد اردت ان يحصى عددا قدرت انه لا يحصى وذكر باقي الحديث فجعل مننسله هاتين الامتين العظيمتين اللتين لا يحصى عددهم الا الله خالقهم ورازقهم وهمبنو إسرائيل وبنو إسمايعل هذا سوى ما أكرمه الله به من رفع الذكر والثناء الجميلعلى السنة جميع الامم وفي السموات بين الملائكة فهذا من بعض ثمرة معاملته فتبا لمنعرفه ثم عامل غيره ما اخسر صفقته وما اعظم حسرته .

    فصلٌ


    ثم تأمل حال الكليمموسى عليه السلام وما آلت اليه محنته
    وفتونه من أول ولادته الى منتهى امره حتى كلمهالله تكليما وقربه منه وكتب له التوراة بيده ورفعه الى اعلى السموات واحتمل لهمالا يحتمل لغيره فإنه رمى الالواح على الارض حتىتكسرت اخذ بلحية نبي الله هارون وجرهاليه ولطم وجه ملك الموت ففقأ عينه وخاصم ربه ليلة الاسراء في شأن رسول الله صلىالله عليه و سلم وربه يحبه على ذلك كله ولا سقط شيء منه من عينه ولا سقطت منزلتهعنده بل هو الوجيه عند الله القريب ولولا ماتقدم له من السوابق وتحمل الشدائدوالمحن العظام في الله ومقاسات الامر الشديد بين فرعون وقومه ثم بنى إسرائيل وماآذوه به وما صبر عليهم لله لم يكن ذلك .
    ثم تأمل حال المسيح صلىالله عليه و سلم وصبره على قومه واحتماله في الله وما تحمله منهم حتى رفعه اللهإليه وطهره من الذين كفروا وانتقم من اعدائه وقطعهم في الارض ومزقهم كل ممزقوسلبهم ملكهم وفخرهم الى آخر الدهر .

    فصلٌ



    فإذا جئت الى النبي صلىالله عليه و سلم وتأملت سيرته مع قومه وصبره في الله
    واحتماله مالم يحتمله نبي قبله وتلون الاحوالعليه من سلم وخوف وغني وفقر وأمن وإقامة في وطنه وظعن عنه وتركه لله وقتل احبابهواوليائه بين يديه واذى الكفار له بسائر انواع الاذى من القول والفعل والسحروالكذب والافتراء عليه والبهتان وهو مع ذلك كله صابر على امر الله يدعو الى اللهفلم يؤذ نبي ما أوذي ولم يحتمل في الله ما احتمله ولم يعط نبي ما اعطيه فرفع اللهله ذكره وقرن اسمعه باسمه وجعله سيدالناس كلهم وجعله اقرب الخلق اليه وسيلةواعظمهم عنده جاها واسمعهم عنده شفاعة وكانت تلك المحن والإبتلاء عين كرامته وهيمما زاده الله بها شرفا وفضلا وساقه بها الى أعلا المقامات وهذا حال ورثته من بعدهالامثل فالأمثل كل له نصيب من المحنة يسوقه الله به إلى كماله بحسب متابعته له ومن لا نصيب له من ذلك فحظه منالدنيا حظ من خلق لها وخلقت له وجعل خلاقه ونصيبه فيها فهو يأكل منها رغدا ويتمتعفيها حتى يناله نصيبه من الكتاب يمتحن اولياء الله وهو في دعة وخفض عيش ويخافونوهو آمن ويحزنون وهو في اهله مسرور له شأن ولهم شأن وهو في واد وهم في واد همه مايقيم به جاهه ويسلم به ماله وتسمع به كلمته لزم من ذلك ما لزم ورضى من رضى وسخط منسخط وهمهم إقامة دين الله وإعلاء كلمته وإعزاز اوليائه وان تكون الدعوة له وحدهفيكون هو وحده المعبود لا غيره ورسوله المطاع لا سواه فلله سبحانه من الحكم فيابتلائه انبياءه ورسله وعباده المؤمنين ما تتقاصر عقول العالمين عن معرفته وهل وصلمن وصل الى المقامات المحمودة والنهايات الفاضلة إلا على جسر المحنة والإبتلاء
    كذا المعالي إذا مارمت ندركها ... فاعبر اليها على جسر من التعب والحمد لله وحده وصلى الله على محمدوآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما ابدا الى يوم الدين ورضى الله عن اصحاب رسولالله اجمعين ). اهـ مفتاح دار السعادة - (1 / 299).

    ۞۞۞


    الدرةالرابعة
    فلا بد من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرة لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا أشد ثم ينقطع ويعقبه أعظم اللذة والكافر يحصل له اللذة والسرور ابتداء ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم والمشقة.



    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:
    (والمحنةالتي يمتحن بها رسله وأتباعهم ظنه وحسبانه أنه بإعراضه عن الإيمان وتصديق رسلهيتخلص من الفتنة والمحنة فإن بين يديه من الفتنة والمحنة والعذاب أعظم وأشق مما فرعنه فإن المكلفين بعد إرسال الرسل إليهم بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنت وإما أنلا يقول بل يستمر على السيئات فمن قال آمنا امتحنه الرب تعالى وابتلاه لتتحققبالإيمان حجة إيمانه وثباته عليه وأنه ليس بإيمان عافية ورخاء فقط بل إيمان ثابتفي حالتي النعماء والبلاء.
    ومن لم يؤمن فلا يحسبأنه يعجز ربه تعالى ويفوته بل هو في قبضته وناصيته بيده فله من البلاء أعظم مماابتلى به من قال آمنت فمن آمن به وبرسله فلا بد أن يبتلي من أعدائه و أعداءرسله بما يؤلمه ويشق عليه ومن لم يؤمن به وبرسله فلا بد أن يعاقبه فيحصل له منالألم والمشقة أضعاف ألم المؤمنين فلا بد من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرةلكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا أشد ثم ينقطع ويعقبه أعظم اللذة والكافر يحصلله اللذة والسرور ابتداء ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم والمشقة.. )"شفاء العليل "(دار المعرفة) –
    (24/ 79).

    ۞۞۞


    الدرةالخامسة
    أن الله سبحانه إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم، قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم، ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم، وطغيانهم، ومبالغتهم في أذي أوليائه، ومحاربتهم، وقتالهم، والتسلط عليهم



    قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
    (أن الله سبحانه إذاأراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم، قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم،ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم، وطغيانهم، ومبالغتهم في أذي أوليائه، ومحاربتهم،وقتالهم، والتسلط عليهم، فيتمحص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم، ويزداد بذلكأعداؤه من أسباب محقهم وهلاكهم ).اهـ ( زاد المعاد في هدي خير العباد - (3 /222).
    وقال رحمه الله وهو يتكلم عن الأنبياء:
    (فإنه سبحانه كمايحميهم ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبواكمال كرامته وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ماجرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبونما أعد لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة فيمحقهم بسبب بغيهم وعداوتهم فيعجلتطهير الأرض منهم فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاءقومهم وله الحكمة البالغة والنعمة السابغة لا إله غيره ولا رب سواه ).اهـ.بدائع الفوائد (مكتبة دار الكتاب العربي) - (3 / 328).

    ۞۞۞


    الدرةالسادسة
    ليس كل من وسع الله عليه وأكرمه ونعمه يكون ذلك إكراما منه له ولا كل من ضيق عليه رزقه وابتلاه يكون ذلك إهانة منه له



    قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
    ( فالنعم ابتلاء من اللهوامتحان يظهر بها شكر الشكور وكفر الكفور كما أن المحن بلوى منه سبحانه فهو يبتلي بالنعمكما يبتلي بالمصائب.
    قال تعالى : ﴿فَأَمَّاالْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُرَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُفَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّاأي ليس كل من وسعتعليه وأكرمته ونعمته يكون ذلك إكراما مني له ولا كل من ضيقت عليه رزقه وابتليته يكونذلك إهانة مني له).اهـ الفوائد - (1 / 155).

    ۞۞۞
    الدرة السابعة
    إن الله خلق السموات والأرض وخلق الموت والحياة وزين الأرض بماعليها لابتلاء عباده وامتحانهم ليعلم من يريده ويريد ما عنده ممن يريد الدنيا وزينتها.



    قالالإمام بن القيم-رحمه الله - :
    ( أنه سبحانه وتعالىإنما خلق السموات والأرض وخلق الموت والحياة وزين الأرض بما عليها لابتلاء عباده وامتحانهمليعلم من يريده ويريد ما عنده ممن يريد الدنيا وزينتها.
    قال تعالى:﴿وَهُوَالَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُعَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾
    وقال:﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْأَحْسَنُ عَمَلًا ﴾
    وقال :﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾.
    وقال تعالى﴿ وَنَبْلُوكُمْبِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾
    وقال تعالى : ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْحَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَأَخْبَارَكُمْ ﴾.
    وقال تعالى :﴿ الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْيَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْقَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّالْكَاذِبِينَ ﴾.
    فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرينإما أن يقول أحدهم : آمنت أو لا يؤمن بل يستمر على السيئات والكفر ولابد من امتحانهذا وهذا
    فأما من قال : آمنت فلابد أن يمتحنه الربويبتليه ليتبين : هل هو صادق في قوله آمنت أو كاذب فإن كان كاذبا رجع على عقبيه وفرمن الإمتحان كما يفر من عذاب الله وإن كان صادقا ثبت على قوله ولم يزده الإبتلاء والإمتحانإلا إيمانا على إيمانه .
    قال تعالى : ﴿وَلَمَّارَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُوَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًاوَتَسْلِيمًا ﴾.
    وأما من لم يؤمن فإنه يمتحن في الآخرة بالعذاب ويفتنبه وهي أعظم المحنتين هذا إن سلم من امتحانه بعذاب الدنيا ومصائبها وعقوبتها التي أوقعهاالله بمن لم يتبع رسله وعصاهم فلابد من المحنة في هذه الدار وفي البرزخ وفي القيامةلكل أحد ولكن المؤمن أخف محنة وأسهل بلية فإن الله يدفع عنه بالإيمان ويحمل عنهبه ويرزقه من الصبر والثبات والرضى والتسليم ما يهون به عليه محنته وأما الكافر والمنافقوالفاجر فتشتد محنته وبليته وتدوم فمحنة المؤمن خفيفة منقطعة ومحنة الكافر والمنافقوالفاجر شديدة متصلة فلا بد من حصول الألم والمحنة لكل نفس آمنت أو كفرت لكن المؤمنيحصل له الألم في الدنيا ابتداء ثم تكون له عاقبة الدنيا والآخرة والكافر والمنافقوالفاجر تحصل له اللذة والنعيم ابتداء ثم يصير إلى الألم فلا يطمع أحد أن يخلص من المحنةوالألم ألبتة يوضحه).اهـ إغاثة اللهفان - (2 / 191-193).

    ۞۞۞
    الدرة الثامنة


    وفي هذه الدرة نصح لإخوننا المجاهدين ولجميع أهل السنة فليتدبر القارئ-الكريم-


    قال الإمام بن القيم-رحمه الله - :
    (أن البلاء الذي يصيب العبد في الله لا يخرج عن أربعة أقسام فإنهإما أن يكون في نفسه أو في ماله أو في عرضه أو في أهله ومن يحب والذي في نفسه قد يكونبتلفها تارة وبتألمها بدون التلف فهذا مجموع ما يبتلى به العبد في الله .
    وأشد هذه الأقسام : المصيبة في النفس .
    من المعلوم : أن الخلق كلهميموتون وغاية هذا المؤمن أن يستشهد في الله وتلك أشرف الموتات وأسهلها فإنه لا يجدالشهيد من الألم إلا مثل ألم القرصة فليس في قتل الشهيد مصيبة زائدة على ما هو معتادلبني آدم فمن عد مصيبة هذا القتل أعظم من مصيبة الموت على الفراش فهو جاهل بل موت الشهيدمن أيسر الميتات وأفضلها وأعلاها ولكن الفار يظن أنه بفراره يطول عمره فيتمتع بالعيشوقد أكذب الله سبحانه هذا الظن حيث يقول : ﴿قُلْلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِوَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا
    فأخبر الله أن الفرار من الموت بالشهادةلا ينفع فلا فائدة فيه وأنه لو نفع لم ينفع إلا قليلا إذ لابد له من الموت فيفوته بهذاالقليل ما هو خير منه وأنفع من حياة الشهيد عند ربه
    ثم قال :﴿قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْأَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّاوَلَا نَصِيرًا ﴾.
    فأخبر سبحانه أن العبد لايعصمه أحد من الله إن أراد به سوءا غير الموت الذي فر منه فإنه فر من الموت لما كانيسوءه فأخبر الله سبحانه أنه لو أراد به سوءا غيره لم يعصمه أحد من الله وأنه قد يفرمما يسوءه من القتل في سبيل الله فيقع فيما يسوءه مما هو أعظم منه .
    وإذا كان هذا في مصيبة النفسفالأمر هكذا في مصيبة المال والعرض والبدن فإن من بخل بماله أن ينفقه في سبيل اللهتعالى وإعلاء كلمته سلبه الله إياه أو قيض له إنفاقه فيما لا ينفعه دنيا ولا أخرى بلفيما يعود عليه بمضرته عاجلا وآجلا وإن حبسه وادخره منعه التمتع به ونقله إلى غيرهفيكون له مهنؤه وعلى مخلفه وزره .
    وكذلك منرفه بدنه وعرضه وآثر راحته على التعب لله وفي سبيله أتعبه الله سبحانه أضعاف ذلك فيغير سبيله ومرضاته وهذا أمر يعرفه الناس بالتجارب.
    قال أبو حازم : لمايلقى الذي لا يتقي الله من معالجة الخلق أعظم مما يلقى الذي يتقى الله من معالجة التقوى.
    واعتبر ذلك بحال إبليس فإنه امتنع من السجودلأدم فرارا أن يخضع له ويذل وطلب إعزاز نفسه فصيره الله أذل الأذلين وجعله خادما لأهلالفسوق والفجور من ذريته فلم يرض بالسجود له ورضى أن يخدم هو وبنوه فساق ذريته
    وكذلك عباد الأصنام أنفوا أن يتبعوا رسولامن البشر وأن يعبدوا إلها واحدا سبحانه ورضوا أن يعبدوا آلهة من الأحجار
    وكذلككل من امتنع أن يذل لله أو يبذل ماله في مرضاته أو يتعب نفسه وبدنه في طاعته لابد أنيذل لمن لا يسوى ويبذل له ماله ويتعب نفسه وبدنه في طاعته ومرضاته عقوبة له كما قالبعض السلف من امتنع أن يمشي مع أخيه خطوات في حاجته أمشاه الله تعالى أكثر منها فيغير طاعته ).اهـ إغاثةاللهفان - (2 / 193-195).

    ۞۞۞


    الدرةالتاسعة
    فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنا وإما أن لا يقول آمنا بل يستمر على عمل السيئات فمنقال آمنا امتحنه الرب عز و جل وابتلاه وألبسه الإبتلاء والاختبار ليبين الصادق من الكاذب.



    قال الإمام بن القيم-رحمه الله - :
    ( فصل قال الله تعالى
    ﴿الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْيُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّاالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواوَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِأَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِفَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَفَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِلَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِيكَانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْجَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّمَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُواوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَالنَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَفِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَلَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِيصُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواوَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ﴾.
    وقال الله تعالى:﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَخَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواحَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَاإِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.
    وقال الله تعالى لما ذكر المرتد والمكره بقوله:﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ ﴾قال بعد ذلك﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَافُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌرَحِيمٌ ﴾.
    فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرينإما أن يقول أحدهم آمنا وإما أن لا يقول آمنا بل يستمر على عمل السيئات فمن قال آمناامتحنه الرب عز و جل وابتلاه وألبسه الإبتلاء والاختبار ليبين الصادق من الكاذب ومنلم يقل آمنا فلا يحسب أنه يسبق الرب لتجربته فإن أحدا لن يعجز الله تعالى هذه سنتهتعالى يرسل الرسل إلى الخلق فيكذبهم الناس ويؤذنهم.
    قال تعالى ﴿وكذلكجعلنا لكل نبي عدوا شياطين الأنس والجن﴾.
    وقال تعالى:﴿ كذلك ماأني الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون﴾.
    وقال تعالى:﴿ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك﴾.
    ومن آمن بالرسل وأطاعهم عادوه وآذوه فابتلىبما يؤلمه وإن لم يؤمن بهم عوقب فحصل ما يؤلمه أعظم وأدوم فلا بد من حصول الألم لكلنفس سواء آمنت أم كفرت لكن المؤمن يحصل له الألم في بد من الدنيا ابتداء ثم تكون لهالعاقبة والآخرة والكافر تحصل له النعمة ابتداء ثم يصير في الألم.
    سأل رجل الشافعي فقال : يا أبا عبد الله أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلي فقال الشافعي : (لا يمكن حتى يبتلي فإن الله ابتلي نوحا وإبراهيموموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلما صبروا مكنهم ).
    فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة وهذا اصل عظيم فينبغي للعاقلأن يعرفه وهذا يحصل لكل أحد فإن الإنسان مدني بالطبع لا بد له من أن يعيش مع الناسوالناس لهم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها وإن لم يوافقوهم آذوه وعذبوهوإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب تارة منهم وتاره من غيرهم ومن اختبر أحواله وأحوالالناس وجد من هذا شيئا كثيرا كقوم يريدون الفواحش والظلم ولهم أقوال باطلة في الدينأو شرك فهم مرتكبون بعض ما ذكره الله من المحرمات في قوله تعالى :﴿قُلْإِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَ‌ٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلْإِثْمَوَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا۟ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْبِهِۦ سُلْطَـٰنًۭا وَأَن تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَوهم في مكان مشترك كدار جامعة أوخان أو قيسرية أو مدرسة أو رباط أو قرية أو درب أو مدينة فيها غيرهم وهم لا يتمكنونمما لا يريدون إلا بموافقة ألئك أو بسكوتهم عن الإنكار عليهم فيطلبون من أولئك الموافقهأو السكوت فإن وافقوهم أو سكتوا سلموا من شرهم في الإبتلاء ثم قد يتسلطون هم أنفسهمعلى أولئك يهينونهم ويعاقبونهم أضعاف ما كما أولئك يخافونه ابتداء كمن يطلب منه شهادةالزور أو الكلام في الدين بالباطل إما في الخبر وإما في الأمر أو المعاونة على الفاحشةوالظلم فإن لم يجبهم آذوه وعادوه وإن أجابهم فهم أنفسهم يتسلطون عليه فيهينونه ويؤذونهأضعاف ما كان يخافه وإلا عذب بغيرهم فالواجب ما في حديث عائشة الذي بعثت به إلىمعاوية ويروي موقوفا ومرفوعا :( مَنْ الْتَمَسَ رِضَااللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ) ([8]) وفي لفظ رضي الله عنه( وأرضيعنه الناس ومن أرضي الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا) وفي لفظ( عادحامده من الناس ذاما ).
    وهذا يجري فيمن يعين الملوك والرؤساء علىأغراضهم الفاسدة وفيمن يعين أهل البدع المنتسبين إلى العلم والدين على بدعهم فمن هداهالله وأرشده امتنع من فعل المحرم وصبر على أذاهم وعداوتهم ثم تكون العاقبة في الدنياوالآخرة كما جرى للرسل واتباعهم مع من آذاهم وعاداهم مثل المهاجرين في هذه الأمة ومنابتلي من علمائها وعبادها وتجارها وولاتها وقد يجوز في بعض الأمور إظهار الموافقةوإبطان المخالفة كالمكره على الكفر كما هو مبسوط في غير هذا الموضع إذ المقصود هناأنه لا بد من الإبتلاء بما يؤذي الناس فلا خلاص لأحد مما يؤذيه البتة ولهذا ذكرالله تعالى في غير موضع انه لا بد أن يبتلي الناس والإبتلاء يكون بالسراء والضراء ولابد أن يبتلى الإنسان بما يسره وبما يسوؤه فهو محتاج إلى أن يكون صابراً شكوراً
    قال تعالى:﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْأَحْسَنُ عَمَلًا ﴾
    وقال تعالى:﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾.
    وقال تعالى﴿ فَإِمَّايَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَايَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًاوَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.
    وقال تعالى﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُالَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ هذا في آل عمران وقد قال قبل ذلك في البقرةنزل أكثرها قبل آل عمران﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْتَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْقَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَالرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَاللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ وذلك أن النفس لا تزكو وتصلح حتى تمحصبالبلاء كالذهب الذي لا يخلص جيده من رديئه حتى يفتن في كبر الإمتحان).اهـ الفوائد -(1 / 207- 210).

    ۞۞۞

    الدرةالعاشرة
    أن أفضل العطاء وأجله على الإطلاق الإيمان وجزاؤه وهو لا يتحقق إلا بالإمتحان والاختبار



    قال رحمه الله: ( الوجه الرابع والثلاثون وهو أن أفضلالعطاء وأجله على الإطلاق الإيمان وجزاؤه وهو لا يتحقق إلا بالإمتحان والاختبار .
    قال تعالى: ﴿الم(1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُالَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَيَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْكَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُالْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَلَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.
    فذكر سبحانه في هذه السورة أنه لا بد أن يمتحن خلقهويفتنهم ليتبين الصادق من الكاذب والمؤمن من الكافر ومن يشكره ويعبده ممن يكفره ويعرضعنه ويعبد غيره وذكر أحوال الممتحنين في العاجل والآجل وذكر أئمة الممتحنين في الدنياوهم الرسل وأتباعهم وعاقبة أمرهم وما صاروا إليه وافتتح بالإنكار على من يحسب أنه يتخلصمن الإمتحان والفتنة في هذه الدار إذا دعى الإيمان وأن حكمته سبحانه وشأنه في خلقهيأبى ذلك وأخبر عن سر هذه الفتنة والمحنة وهو تبيين الصادق من الكاذب والمؤمن من الكافروهو سبحانه كان يعلم ذلك قبل وقوعه ولكن اقتضى عدله وحمده أنه لا يجزي العباد بمجردعلمه فيهم بل بمعلومه إذا وجد وتحقق والفتنة هي التي أظهرته وأخرجته إلى الوجود فحينئذحسن وقوع الجزاء عليه ثم أنكر سبحانه على من لم يلتزم الإيمان به ومتابعة رسله خوفالفتنة والمحنة التي يمتحن بها رسله واتباعهم ظنه وحسبانه أنه بإعراضه عن الإيمان وتصديقرسله يتخلص من الفتنة والمحنة فإن بين يديه من الفتنة والمحنة والعذاب أعظم وأشق ممافرعنه فإن المكلفين بعد إرسال الرسل إليهم بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنت وإما أنلا يقول بل يستمر على السيئات فمن قال آمنا امتحنه الرب تعالى وابتلاه لتتحقق بالإيمانحجة إيمانه وثباته عليه وأنه ليس بايمان عافية ورخاء فقط بل إيمان ثابت في حالتي النعماءوالبلاء ومن لم يؤمن فلا يحسب أنه يعجز ربه تعالى ويفوته بل هو في قبضته وناصيته بيدهفله من البلاء أعظم مما ابتلى به من قال آمنت فمن آمن به وبرسله فلا بد أن يبتلي منأعداد رسله بما يؤلمه ويشق عليه ومن لم يؤمن به وبرسله فلا بد أن يعاقبه فيحصل له منالألم والمشقة أضعاف ألم المؤمنين فلا بد من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرة لكنالمؤمن يحصل له الألم في الدنيا أشد ثم ينقطع ويعقبه أعظم اللذة والكافر يحصل له اللذةوالسرور ابتداء ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم والمشقة وهكذا حال الذين يتبعون الشهواتفيلتذون بها ابتداء ثم تعقبها الآلام لم بحسب ما نالوه منها والذين يصبرون عنها ينالونبفقدها ابتداء ثم يعقب ذلك الألم من اللذة والسرور بحسب ما صبروا عنه وتركوه منها فالألمواللذة أمر ضروري لكل إنسان لكن الفرق بين العاجل المنقطع اليسير والآجل الدائم العظيمبون ولهذا كان خاصة العقل النظر في العواقب والغايات فمن ظن أنه يتخلص من الألم بحيثلا يصيبه البتة فظنه أكذب الحديث فإن الإنسان خلق عرضة للذة والألم والسرور والحزنوالفرح والغم وذلك من جهتين من جهة تركبه وطبيعته وهيئته فإنه مركب من اخلاط متفاوتةمتضادة يمتنع أو يعز اعتدالها من كل وجه بل لا بد أن يبغي بعضها على بعض فيخرج عن حدالاعتدال
    فيحصل الألم ومن جهة بني جنسه فإنه مدنيبالطبع لا يمكنه أن يعيش وحده بل لا يعيش الا معهم وله ولهم لذاذات ومطالب متضادة ومتعارضةلا يمكن الجمع بينها بل إذا حصل منها شيء فات منها أشياء فهو يريد منهم أن يوافقوهعلى مطالبه وإرادته وهم يريدون منه ذلك فإن وافقهم حصل له من الألم والمشقة بحسب مافاته من إرادته وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه وسعوا في تعطيل مراداته كما لم يوافقهمعلى مراداتهم فيحصل له من الألم والتعذيب بحسب ذلك فهو في ألم ومشقة وعناء وافقهم أوخالفهم ولا سيما إذا كانت موافقتهم على أمور يعلم أنها عقائد باطلة وارادات فاسدة وأعمالتضره في عواقبها ففي موافقتهم أعظم الألم وفي مخالفتهم حصول الألم فالعقل والدين والمروءةوالعلم تأمره باحتمال أخف الألمين تخلصا من أشدهما وبإيثار المنقطع منهما لينجو منالدائم المستمر فمن كان ظهيرا للمجرمين من الظلمة على ظلمهم ومن أهل الأهواء والبدععلى أهوائهم وبدعهم ومن أهل الفجور والشهوات على فجورهم وشهواتهم ليتخلص بمظاهرتهممن ألم أذاهم أصابه من ألم الموافقة لهم عاجلا وآجلا أضعاف أضعاف ما فر منه وسنة اللهفي خلقه أن يعذبهم بإنذار من إيمانهم وظاهرهم وأن صبر على ألم مخالفتهم وجانبتهم أعقبهذلك لذة عاجلة وآجلة تزيد على لذة الموافقة بأضعاف مضاعفة وسنة الله في خلقه أن يرفعهعليهم ويذلهم به بسب صبره وتقواه وتوكله وإخلاصه وإذا كان لا من الألم والعذاب فذلكفي الله وفي مرضاته ومتابعة رسله أولى وأنفع منه في الناس ورضائهم وتحصيل مراداتهم ولما كان زمن التألم والعذاب فصبره طويلفأنفاسه ساعات وساعاته أيام وأيامه شهور وأعوام بلا سبحانه الممتحنين فيه بأن ذلك الإبتلاءآجلا ثم ينقطع وضرب لأهله أجلا للقائه يسليهم به ويشكر نفوسهم ويهون عليهم أثقاله فقال:﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍوَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُفإذا تصور العبد أجل ذلك البلاء وانقطاعه وأجل لقاء المبتلىسبحانه وإثباته هان عليه ما هو فيه وخف عليه حمله ثم لما كان ذلك لا يحصل إلا بمجاهدةللنفس وللشيطان ولبني جنسه وكان العامل إذا علم أن ثمرة علمه وتعبه يعود عليه وحدهلا يشكره فيه غيره كأن أتم اجتهادا وأوفر سعيا فقال تعالى﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّما يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ وأيضا فلا يتوهم متوهمأن منفعة هذه المجاهدة والصبر والاحتمال يعود على الله سبحانه فإنه غني عن العالمينلم يأمرهم بما أمرهم به حاجة منه إليهم ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا منه عليهم بلأمرهم بما يعود نفعه ومصلحته عليهم في معاشهم ومعادهم ونهاهم عما يعود مضرته وعتيهعليهم في معاشهم ومعادهم فكانت ثمرة هذا الإبتلاء والإمتحان مختصة بهم واقتضت حكمتهأن نصب ذلك سببا مقضيا إلى يميز الخبيث من الطيب والشقي من الغوي ومن يصلح له ممن لايصلح.
    قال تعالى:﴿ مَاكَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىيَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ فابتلاهم سبحانه بإرسال الرسل إليهم بأوامرهونواهيه واختياره فامتاز برسله طيبهم من خبيثهم وجيدهم من رديئهم فوقع الثواب والعقابعلى معلوم أظهره ذلك الإبتلاء والإمتحان...إلخ ) (شفاء العليل (دار الفكر) - (1 / 245- 246).
    ۞۞۞


    وإلى هنا ينتهي نقل هذا الدرر من كلام الإمامبن القيم الجوزية-رحمه الله- تسلية لإخوننا أهل السنة السلفيين المرابطيين في دارالحديث السلفية بدماج الخير دار العلم والتوحيد والسنة.
    فنسأل الله أن ينصر إخوننا من عدوان الرافضة الأنجاس ويثبت أقدامهمويرفع درجتهم في العليين, ويقوي شوكتهم , ويذل أعدائهم.
    اللهم انصرهم ولا تنصر عليهم وامكر لهم ولا تمكر عليهم .
    اللهم ياقوي يا متين عليك بالرافضة الزنادقة الشياطين الفجرة ، اللهم رد كيد الحوثيينالمارقين في نحورهم.
    اللهم زلزلالأرض من تحت أقدامهم.
    اللهم لاترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية.
    اللهم اذهبشوكتهم، وفرق جمعهم، وشتت شملهم، واجعل بأسهم بينهم، ورد كيدهم في نحورهم، واجعلتدبيرهم تدميراً عليهم، ومزقهم كل ممزق.
    اللهم خذهمأخذ عزيز مقتدر اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحداً.


    اللهم آمين اللهم آمين اللهم آمين


    جمعه:

    أبوإسحاق عبد الناصر بن محمود السعدي
    يوم عاشورا /محرم /1433هـ.
    مدينة هرجيسا- أرض الصومال-










    [1] ) ( صحيح ) رواه أحمدقال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 996 في صحيح الجامع", و" السلسلة الصحيحة - مختصرة - (1 / 275)"

    [2])( صحيح ) رواه أحمد وصححه الأباني فيكتاب:" الإيمان لابن تيمية - (1 / 62)".

    [3] )( صحيح )رواه أحمدورواته ثقات, وصححه الأباني في صحيح الترغيب والترهيب - (3 / 180).

    [4] ) ( صحيح ) رواه الترمذي وحاكم , وصححه الأباني فيصحيح الجامع رقم( 308).

    [5] ) ( صحيح) أخرجهالطبراني في معجم الكبير , وصححه الأباني في صحيح الجامع رقم (994).

    [6]) ( صحيح لغيره )رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط ومحمد بن خالد لم يروعنه غير أبي المليح الرقي , ولم يرو عنخالد إلا ابنه محمد والله أعلم انظر[صحيح الترغيب والترهيب- (3 / 181)]. وانظر( الآحاد والمثاني - (2 / 592)

    [7])حليةالبشر في تاريخ القرن الثالث عشر - (1 / 430)

    [8] ) (صحيح )انظر" السلسلة الصحيحة "( 5/ 392) و " صحيح الجامع " حديث رقم :(6097).
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو إبراهيم علي مثنى; الساعة 07-12-2011, 09:20 PM.

  • #2
    ما شاء الله موضوع مهم ومفيد أثابك الله أخي وجزاك خيراً

    تعليق


    • #3
      بارك الله فيك أخي
      ددر ذهبية وقيمة

      تعليق


      • #4
        جزاكم الله خيرا يا أبا إسحاق
        ويا حبذا إرفاق الموضوع (بصيغة وورد) لوجود تداخل في الكلمات
        وبارك الله فيكم

        تعليق


        • #5
          جزاك الله خيرا اخانا الكريم أبا إسحاق عبد الناصر

          تم إصلاح الموضوع
          ويمكنكم أيضا تحميله بصيغة pdf من المرفقات


          ***********




          عشر درر
          من كلام إمام ابن القيم في إبتلاء
          صالحي البشر







          بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


          إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذبالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً مزيداً.
          ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلعمران:102].
          ﴿ يَا أَيُّهَاالنَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَمِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوااللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء:1].
          ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُواقَوْلًا سَدِيدًا ۞يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِاللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب:70-71].
          أما بعد:
          فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
          وبعد :
          فهذه نبذة يسيرة من كلام الإمام العلامة الفهامةالمتقن الحافظ الناقد قامع البدعة والمبتدعين شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية-رحمه الله تعالى-.
          حول موضوع الإبتلاء وضرر الإمتحان الذي يبلغ المؤمن في درب سيره إلى ربه في هذه الدنيا.
          أحببت أن أنقله لأخواننا أهل السنة المرابطين في سبيل الله بدار الحديث بدماج –حرسها الله وحفظ ونصر القائمين عليها من كيد وعدوان الرافضة البغاة المعتدين الأرجاس الأنجاس عليهم لعائن الله إلى يوم القيامة-.

          وقدمت قبل هذه الدرر القيمة البليغة من كلام هذا الإمام بعض الآيات والأحاديث في هذا الموضوع علّ أن يكون ذلك تسلية لإخواننا المجاهدين في سبيل الله .
          قال الله تعالى:﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُواإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ[البقرة:155-157].
          وقال الله تعالى:﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُواوَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ[آلعمران:186].
          وقال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ[محمد:31].
          وقال الله تعالى: ﴿ الم(1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَايُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)[العنكبوت:1-3].
          وقال الله تعالى: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[الأعراف:168].
          وقال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِلَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّانَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَافَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
          وقال الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾[آل عمران:142].
          وقال الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواحَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَاإِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾[البقرة:214].
          وقال الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةًوَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾[الأنبياء:35].
          قال الإمام البخاري-رحمه الله-حَدَّثَنَاعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ أَبَا الْحُبَابِ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ »
          قال -رحمه الله-حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ،وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمِّ، وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمِّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلاَّ كَفَّرَ الله بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ».وراه مسلم أيضاً
          قال الإمام مسلم-رحمه الله-حَدَّثَنَاعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌعَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِاللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُوعَكُ فَمَسِسْتُهُ بِيَدِى فَقُلْتُ يَارَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا.
          فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَجَلْ إِنِّى أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ». قَالَ فَقُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلىالله عليه وسلم- «أَجَلْ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ فَمَسِسْتُهُ بِيَدِى.

          وقال–رحمه الله -حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍعَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لاَ تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ وَلاَ يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلاَءُ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأَرْزِ لاَ تَهْتَزُّ حَتَّى تَسْتَحْصِدَ».



          قال الإمام أحمد-رحمه الله-حَدَّثَنَاعَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَاشُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ عَنْ عَمَّتِهِ فَاطِمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : أَتَيْنَا رَسُولَاللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَعُودُهُ فِى نِسَاءٍ فَإِذَا سِقَاءٌ مُعَلَّقٌ نَحْوَهُ يَقْطُرُ مَاؤُهُ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ مَا يَجِدُ مِنْ حَرِّ الْحُمَّى قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ دَعَوْتَ اللَّهَ فَشَفَاكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلاَءً الأَنْبِيَاءَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ »(1).
          وقال -رحمه الله-حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ : يَارَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءًقَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ مِنْ النَّاسِ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ وَمَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ».2
          وقال -رحمه الله-حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَا يَزَالُ الْبَلَاءُبِالْمُؤْمِنِ أَوْ الْمُؤْمِنَةِ فِي جَسَدِهِ وَفِي مَالِهِ وَفِي وَلَدِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ».
          وقال -رحمه الله-حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«إِذَاأَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ وَمَنْ جَزِعَ فَلَهُ الْجَزَعُ».3
          قال الإمام الترمذي -رحمه الله-حَدَّثَنَاقُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِبْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِى الدُّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّأَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»4
          قال الإمام الطبراني-رحمه الله-حدثنا محمد بن عبد اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثنا محمد بن عبد اللَّهِ بن نُمَيْرٍ ثنا سَعِيدُ بن الرَّبِيعِ ثنا شُعْبَةُ عن حُصَيْنِ بن عبد الرحمن قال سمعت أَبَا عُبَيْدَةَ بن حُذَيْفَةَ يحدث عن عَمَّتِهِ فَاطِمَةَ قالت : عُدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في نِسَاءٍ وقد عَلَّقَ السِّقَاءُ يَقْطُرُ عليه من شِدَّةِ الْحُمَّى فقلت يا رَسُولَ اللَّهِ لو دَعَوْتَ فَذَهَبَ عَنْكَ شِدَّتُهَافقال :«أَشَدُّ الناس بَلاءً الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ».5
          حَدَّثَنَاسَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَاأَبُو الْمَلِيحِ عن محمد بن خالد عن أبيه عن جده وكانت له صحبة من رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ:« إن العَبد إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مَنْزِلَةٌ فلَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلٍ، ابْتَلاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ ، أو مَالِهِ ، أو وَلَدِهِ ، ثُم َصَبرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَبْلٌغه الْمَنْزِلَةَالَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللهِ جزّ وَجَل».اهـ6

          وقد اقتصرت على بعض مؤلفات هذا الإمام - الغاليةالأثمان عقود لآليها مزرية بقلائد العقيان - دون غيره , لما وجدته محتوياً على درر كلاميةالتي اشتمل على ما تستلذ به الأسماع، وتميل إليه الطباع- .
          والآن مع بعض الدرر لهذا الإمام-" المعروف بأصله وفصله، والمشهود له بنبله وفضله، له المقام الأحظى، والمعارف التي ملأت سمعاً ولحظا"-7.
          ۞۞۞


          الدرة الأولى
          أن ابتلاء المؤمن كالدواء له

          قال الإمام الفهامة ابن القيم الجوزية–رحمه الله :
          (
          الأصل السادس :أن ابتلاءالمؤمن كالدواء له يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته فيستخرج الإبتلاء والإمتحان منه تلك الأدواء ويستعد به لتمام الأجر وعلو المنزلة.
          ومعلوم أن وجود هذا خيرللمؤمن من عدمه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له .
          فهذا الإبتلاء والإمتحان من تمام نصره وعزه وعافيته ولهذا كان أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأقرب إليهم فالأقرب يبتلى المرء على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة شدد عليه البلاء وإن كان في دينه رقة خفف عنه ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على وجه الأرض وليس عليه خطيئة).اهـ"إغاثة اللهفان" - (2 / 188).


          الدرةالثانية
          أنه لولا هذا الإبتلاء والإمتحان لما ظهر فضل الصبر والرضا والتوكل والجهاد والعفة والشجاعة والحلم والعفو والصفح




          وقال الإمام ابن القيم رحمه الله :
          (
          أنه لولا هذا الإبتلاء والإمتحان لما ظهر فضل الصبر والرضا والتوكل والجهاد والعفة والشجاعة والحلم والعفو والصفح والله سبحانه يحب أن يكرم أوليائه بهذه الكمالات ويحب ظهورها عليهم ليثني بها عليهم هو وملائكته وينالوا باتصافهم بها غاية الكرامة واللذة والسرور وإن كانت مرة المبادئ فلا أحلى من عواقبها ووجود الملزم بدون لازمه ممتنع, وقد أجرى الله سبحانه حكمته بأن كمال الغايات تابعة لقوة أسبابها وكمالها ونقصانها لنقصانها فمن كمل أسباب النعيم واللذة كملت له غاياتها ومن حرمها حرمها ومن نقصها نقص له من غاياتها وعلىهذا قام الجزاء بالقسط والثواب والعقاب وكفى بهذا العالم شاهداً لذلك فرب الدنياوالآخرة واحد وحكمته مطردة فيهما وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون يوضحه)اهـ شفاء العليل (دار الفكر) - (1 / 244).

          ۞۞۞




          الدرةالثالثة
          وهل وصل من وصل-أي من العباد- الى المقامات المحمودة والنهايات الفاضلة إلاّ على جسر المحنة والإبتلاء




          وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:
          (
          فصلٌ :
          وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقه به الى اجل الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون اليها إلاّ على جسر من الإبتلاءوالإمتحان وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي لا سبيل الى عبورهم الى الجنة إلاعليه وكان ذلك الإبتلاء والامتحان عين المنهج في حقهم والكرامة فصورته صورة ابتلاءوامتحان وباطنه فيه الرحمة والنعمة .
          فكم لله من نعمة جسيمة ومنه عظيمة تجنى من قطوف الإبتلاء والإمتحانفتأمل حال ابينا آدم وما آلت اليه محنته من الاصطفاء والاجتباء والتوبة والهدايةورفعة المنزلة ولولا تلك المحنة التي جرت عليه وهي إخراجه من الجنة وتوابع ذلك لماوصل الى ما وصل اليه فكم بين حالته الاولى وحالته الثانية في نهايته .
          وتأمل حال ابينا الثاني نوح صلى الله عليه و سلم وما آلت اليه محنته وصبره على قومه تلك القرون كلها حتى اقر الله عينه واغرق اهل الارض بدعوته وجعل العالم بعده من ذريته وجعله خامس خمسة وهم اولو العزم الذين هم افضل الرسلوأمر رسوله ونبيه محمدا صلى الله عليه و سلم ان يصبر كصبره واثنى عليه بالشكر فقال إنه كان عبدا شكورا فوصفه بكمال الصبر والشكر .
          ثم تأمل حال ابينا الثالث إبراهيم صلى الله عليه و سلم إمام الحنفاء وشيخ الانبياء وعمود العالم وخليل رب العالمين من بني آدم وتأمل ما آلت اليه محنته وصبره وبذله نفسه لله وتأمل كيف آل به بذله لله نفسه ونصره دينه الى اناتخذه الله خليلا لنفسه وامر رسوله وخليله محمدا صلى الله عليه و سلم ان يتبع ملته, وأنبهك على خصلة واحدة مما اكرمه الله به في محنته بذبح ولده فإن الله تبارك وتعالى جازاه على تسليمه ولده لأمرالله بان بارك في نسله وكثرة حتى ملأ السهل والجبل فإن الله تبارك وتعالى لا يتكرم عليه احد وهو اكرم الاكرمين فمن ترك لوجهه امرا او فعله لوجهه بذل الله له اضعاف ما تركه من ذلك الامر اضعافا مضاعفة وجازاه باضعاف ما فعله لاجله اضعافا مضاعفةفلما أمر إبراهيم بذبح ولده فبادر لامر الله ووافق عليه الولد أباه رضاء منهماوتسليما وعلم الله منهما الصدق والوفاء فداه بذبح عظيم واعطاهما ما اعطاهما منفضله وكان من بعض عطاياه ان بارك في ذريتهما حتى ملؤا الارض فإن المقصود بالولدإنما هو التناسل وتكثير الذرية ولهذا قال إبراهيم رب هب لي من الصالحين وقال رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي فغاية ما كان يحذر ويخشى من ذبح ولده انقطاع نسله فلما بذل ولده لله وبذل الولد نفسه ضاعف الله له النسل وبارك فيه وكثر حتى ملؤا الدنيا وجعل النبوة والكتاب في ذريته خاصة وأخرج منهم محمدا صلى الله عليه و سلم وقد ذكر ان داود عليه السلام اراد ان يعلم عدد بني إسرائيل فأمر بإحضارهم وبعث لذلك نقباء وعرفاء وامرهم ان يرفعوا اليه ما بلغ عددهم فمكثوا مدة لا يقدرون على ذلك فأوحى الله إلى داود ان قد علمت اني وعدت أباك إبراهيم لما أمرته بذبح ولده فبادر الى طاعة امري ان أبارك له في ذريته حتى يصيروا في عدد النجوم واجعلهم بحيث لا يحصى عددهم وقد اردت ان يحصى عددا قدرت انه لا يحصى وذكر باقي الحديث فجعل من نسله هاتين الأمتين العظيمتين اللتين لا يحصي عددهم الا الله خالقهم ورازقهم وهم بنو إسرائيل وبنو إسمايعل هذا سوى ما أكرمه الله به من رفع الذكر والثناء الجميل على السنة جميع الامم وفي السموات بين الملائكة فهذا من بعض ثمرة معاملته فتبا لمن عرفه ثم عمل غيره ما اخسر صفقته وما اعظم حسرته .

          فصلٌ



          ثم تأمل حال الكليم موسى عليه السلام وما آلت اليه محنته
          وفتونه من أول ولادته الى منتهى امره حتى كلمه الله تكليما وقربه منه وكتب له التوراة بيده ورفعه الى اعلى السموات واحتمل له مالا يحتمل لغيره فإنه رمى الالواح على الارض حتى تكسرت اخذ بلحية نبي الله هارون وجره اليه ولطم وجه ملك الموت ففقأ عينه وخاصم ربه ليلة الاسراء في شأن رسول الله صلى الله عليه و سلم وربه يحبه على ذلك كله ولا سقط شيء منه من عينه ولا سقطت منزلته عنده بل هو الوجيه عند الله القريب ولولا ماتقدم له من السوابق وتحمل الشدائدوالمحن العظام في الله ومقاسات الامر الشديد بين فرعون وقومه ثم بنى إسرائيل وماآذوه به وما صبر عليهم لله لم يكن ذلك.
          ثم تأمل حال المسيح صلى الله عليه و سلم وصبره على قومه واحتماله في الله وما تحمله منهم حتى رفعه الله إليه وطهره من الذين كفروا وانتقم من اعدائه وقطعهم في الارض ومزقهم كل ممزق وسلبهم ملكهم وفخرهم الى آخر الدهر .


          فصلٌ




          فإذا جئت الى النبي صلى الله عليه و سلم وتأملت سيرته مع قومه وصبره في الله
          واحتماله مالم يحتمله نبي قبله وتلون الاحوال عليه من سلم وخوف وغني وفقر وأمن وإقامة في وطنه وظعن عنه وتركه لله وقتل احبابه واوليائه بين يديه واذى الكفار له بسائر انواع الاذى من القول والفعل والسحر والكذب والافتراء عليه والبهتان وهو مع ذلك كله صابر على امر الله يدعو الى الله فلم يؤذ نبي ما أوذي ولم يحتمل في الله ما احتمله ولم يعط نبي ما اعطيه فرفع الله له ذكره وقرن اسمعه باسمه وجعله سيد الناس كلهم وجعله اقرب الخلق اليه وسيلةواعظمهم عنده جاها واسمعهم عنده شفاعة وكانت تلك المحن والإبتلاء عين كرامته وهي مما زاده الله بها شرفا وفضلا وساقه بها الى أعلا المقامات وهذا حال ورثته من بعده الامثل فالأمثل كل له نصيب من المحنة يسوقه الله به إلى كماله بحسب متابعته لهومن لا نصيب له من ذلك فحظه من الدنيا حظ من خلق لها وخلقت له وجعل خلاقه ونصيبه فيها فهو يأكل منها رغدا ويتمتع فيها حتى يناله نصيبه من الكتاب يمتحن اولياء الله وهو في دعة وخفض عيش ويخافون وهو آمن ويحزنون وهو في اهله مسرور له شأن ولهم شأن وهو في واد وهم في واد همه مايقيم به جاهه ويسلم به ماله وتسمع به كلمته لزم من ذلك ما لزم ورضى من رضى وسخط من سخط وهمهم إقامة دين الله وإعلاء كلمته وإعزاز اوليائه وان تكون الدعوة له وحده فيكون هو وحده المعبود لا غيره ورسوله المطاع لا سواه فلله سبحانه من الحكم في ابتلائه انبياءه ورسله وعباده المؤمنين ما تتقاصر عقول العالمين عن معرفته وهل وصل من وصل الى المقامات المحمودة والنهايات الفاضلة إلا على جسر المحنة والإبتلاء
          كذا المعالي إذا مارمت ندركها ... فاعبر اليها على جسر من التعب

          والحمد لله وحده وصلى الله على محمدوآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما ابدا الى يوم الدين ورضى الله عن اصحاب رسول الله اجمعين ). اهـ مفتاح دار السعادة - (1 / 299).
          ۞۞۞




          الدرةالرابعة
          فلا بد من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرة لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا أشد ثم ينقطع ويعقبه أعظم اللذة والكافر يحصل له اللذة والسرور ابتداء ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم والمشقة.




          وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:
          (
          والمحنةالتي يمتحن بها رسله وأتباعهم ظنه وحسبانه أنه بإعراضه عن الإيمان وتصديق رسله يتخلص من الفتنة والمحنة فإن بين يديه من الفتنة والمحنة والعذاب أعظم وأشق مما فرعنه فإن المكلفين بعد إرسال الرسل إليهم بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنت وإما أن لا يقول بل يستمر على السيئات فمن قال آمنا امتحنه الرب تعالى وابتلاه لتتحقق بالإيمان حجة إيمانه وثباته عليه وأنه ليس بإيمان عافية ورخاء فقط بل إيمان ثابت في حالتي النعماء والبلاء.
          ومن لم يؤمن فلا يحسب أنه يعجز ربه تعالى ويفوته بل هو في قبضته وناصيته بيده فله من البلاء أعظم مما ابتلى به من قال آمنتفمن آمن به وبرسله فلا بد أن يبتلي من أعدائه و أعداءرسله بما يؤلمه ويشق عليه ومن لم يؤمن به وبرسله فلا بد أن يعاقبه فيحصل له من الألم والمشقة أضعاف ألم المؤمنين فلا بد من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرة لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا أشد ثم ينقطع ويعقبه أعظم اللذة والكافر يحصل له اللذة والسرور ابتداء ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم والمشقة.. )"شفاء العليل "(دار المعرفة) –
          (24/ 79).

          ۞۞۞




          الدرةالخامسة
          أن الله سبحانه إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم، قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم، ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم، وطغيانهم، ومبالغتهم في أذى أوليائه، ومحاربتهم، وقتالهم، والتسلط عليهم




          قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
          (
          أن الله سبحانه إذاأراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم، قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم،ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم، وطغيانهم، ومبالغتهم في أذى أوليائه، ومحاربتهم،وقتالهم، والتسلط عليهم، فيتمحص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم، ويزداد بذلك أعداؤه من أسباب محقهم وهلاكهم).اهـ ( زاد المعاد في هدي خير العباد - (3 /222).
          وقال رحمه الله وهو يتكلم عن الأنبياء:
          (
          فإنه سبحانه كمايحميهم ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبواكمال كرامته وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ماجرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة في محقهم بسبب بغيهم وعداوتهم فيعجل تطهير الأرض منهم فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم وله الحكمة البالغة والنعمة السابغة لا إله غيره ولا رب سواه ).اهـ.بدائع الفوائد (مكتبة دار الكتاب العربي) - (3 / 328).

          ۞۞۞




          الدرةالسادسة
          ليس كل من وسع الله عليه وأكرمه ونعمه يكون ذلك إكراما منه له ولا كل من ضيق عليه رزقه وابتلاه يكون ذلك إهانة منه له




          قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
          (
          فالنعم ابتلاء من الله وامتحان يظهر بها شكر الشكور وكفر الكفور كما أن المحن بلوى منه سبحانه فهو يبتلي بالنعم كما يبتلي بالمصائب.
          قال تعالى :﴿فَأَمَّاالْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّاأي ليس كل من وسعت عليه وأكرمته ونعمته يكون ذلك إكراما مني له ولا كل من ضيقت عليه رزقه وابتليته يكونذلك إهانة مني له).اهـ الفوائد - (1 / 155).

          ۞۞۞
          الدرة السابعة
          إن الله خلق السموات والأرض وخلق الموت والحياة وزين الأرض بماعليها لابتلاء عباده وامتحانهم ليعلم من يريده ويريد ما عنده ممن يريد الدنيا وزينتها.




          قال الإمام بن القيم-رحمه الله - :
          (
          أنه سبحانه وتعالى إنما خلق السموات والأرض وخلق الموت والحياة وزين الأرض بما عليها لابتلاء عباده وامتحانهم ليعلم من يريده ويريد ما عنده ممن يريد الدنيا وزينتها.
          قال تعالى:﴿وَهُوَالَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾
          وقال:﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾
          وقال :﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾.
          وقال تعالى﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾
          وقال تعالى : ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾.
          وقال تعالى :﴿ الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْيَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْقَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾.
          فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين إما أن يقول أحدهم : آمنت أو لا يؤمن بل يستمر على السيئات والكفر ولابد من امتحان هذا وهذا
          فأما من قال : آمنت فلابد أن يمتحنه الرب ويبتليه ليتبين : هل هو صادق في قوله آمنت أو كاذب فإن كان كاذبا رجع على عقبيه وفرمن الإمتحان كما يفر من عذاب الله وإن كان صادقا ثبت على قوله ولم يزده الإبتلاء والإمتحان إلا إيمانا على إيمانه .
          قال تعالى : ﴿وَلَمَّارَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًاوَتَسْلِيمًا ﴾.
          وأما من لم يؤمن فإنه يمتحن في الآخرة بالعذاب ويفتن به وهي أعظم المحنتين هذا إن سلم من امتحانه بعذاب الدنيا ومصائبها وعقوبتها التي أوقعه االله بمن لم يتبع رسله وعصاهم فلابد من المحنة في هذه الدار وفي البرزخ وفي القيامةلكل أحد ولكن المؤمن أخف محنة وأسهل بلية فإن الله يدفع عنه بالإيمان ويحمل عنه به ويرزقه من الصبر والثبات والرضى والتسليم ما يهون به عليه محنته وأما الكافر والمنافق والفاجر فتشتد محنته وبليته وتدوم فمحنة المؤمن خفيفة منقطعة ومحنة الكافر والمنافق والفاجر شديدة متصلة فلا بد من حصول الألم والمحنة لكل نفس آمنت أو كفرت لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء ثم تكون له عاقبة الدنيا والآخرة والكافر والمنافق والفاجر تحصل له اللذة والنعيم ابتداء ثم يصير إلى الألم فلا يطمع أحد أن يخلص من المحنةوالألم ألبتة يوضحه).اهـ إغاثة اللهفان - (2 / 191-193).

          ۞۞۞
          الدرة الثامنة


          وفي هذه الدرة نصح لإخوننا المجاهدين ولجميع أهل السنة فليتدبر القار-الكريم-



          قال الإمام بن القيم-رحمه الله - :
          (
          أن البلاء الذي يصيب العبد في الله لا يخرج عن أربعة أقسام فإنه إما أن يكون في نفسه أو في ماله أو في عرضه أو في أهله ومن يحب والذي في نفسه قد يكون بتلفها تارة وبتألمها بدون التلف فهذا مجموع ما يبتلى به العبد في الله .
          وأشد هذه الأقسام : المصيبة في النفس .
          من المعلوم : أن الخلق كلهم يموتون وغاية هذا المؤمن أن يستشهد في الله وتلك أشرف الموتات وأسهلها فإنه لا يجد الشهيد من الألم إلا مثل ألم القرصة فليس في قتل الشهيد مصيبة زائدة على ما هو معتاد لبني آدم فمن عدّ مصيبة هذا القتل أعظم من مصيبة الموت على الفراش فهو جاهل بل موت الشهيد من أيسر الميتات وأفضلها وأعلاها ولكن الفار يظن أنه بفراره يطول عمره فيتمتع بالعيش وقد أكذب الله سبحانه هذا الظن حيث يقول: ﴿قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا
          فأخبر الله أن الفرار من الموت بالشهادة لا ينفع فلا فائدة فيه وأنه لو نفع لم ينفع إلا قليلا إذ لابد له من الموت فيفوته بهذا القليل ما هو خير منه وأنفع من حياة الشهيد عند ربه
          ثم قال :﴿قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّاوَلَا نَصِيرًا ﴾.
          فأخبر سبحانه أن العبد لايعصمه أحد من الله إن أراد به سوءا غير الموت الذي فر منه فإنه فر من الموت لما كان يسوءه فأخبر الله سبحانه أنه لو أراد به سوءا غيره لم يعصمه أحد من الله وأنه قد يفر مما يسوءه من القتل في سبيل الله فيقع فيما يسوءه مما هو أعظم منه .
          وإذا كان هذا في مصيبة النفس فالأمر هكذا في مصيبة المال والعرض والبدن فإن من بخل بماله أن ينفقه في سبيل الله تعالى وإعلاء كلمته سلبه الله إياه أو قيض له إنفاقه فيما لا ينفعه دنيا ولا أخرى بل فيما يعود عليه بمضرته عاجلا وآجلا وإن حبسه وادخره منعه التمتع به ونقله إلى غيره فيكون له مهنؤه وعلى مخلفه وزره.
          وكذلك منرفه بدنه وعرضه وآثر راحته على التعب لله وفي سبيله أتعبه الله سبحانه أضعاف ذلك فيغير سبيله ومرضاته وهذا أمر يعرفه الناس بالتجارب.
          قال أبو حازم : لمايلقى الذي لا يتقي الله من معالجة الخلق أعظم مما يلقى الذي يتقى الله من معالجة التقوى.
          واعتبر ذلك بحال إبليس فإنه امتنع من السجود لأدم فرارا أن يخضع له ويذل وطلب إعزاز نفسه فصيره الله أذل الأذلين وجعله خادما لأهل الفسوق والفجور من ذريته فلم يرض بالسجود له ورضى أن يخدم هو وبنوه فساق ذريته
          وكذلك عباد الأصنام أنفوا أن يتبعوا رسولامن البشر وأن يعبدوا إلها واحدا سبحانه ورضوا أن يعبدوا آلهة من الأحجار
          وكذلك كل من امتنع أن يذل لله أو يبذل ماله في مرضاته أو يتعب نفسه وبدنه في طاعته لابد أن يذل لمن لا يسوى ويبذل له ماله ويتعب نفسه وبدنه في طاعته ومرضاته عقوبة له كما قال بعض السلف من امتنع أن يمشي مع أخيه خطوات في حاجته أمشاه الله تعالى أكثر منها فيغير طاعته).اهـ إغاثةاللهفان - (2 / 193-195).

          ۞۞۞




          الدرةالتاسعة
          فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنا وإما أن لا يقول آمنا بل يستمر على عمل السيئات فمن قال آمنا امتحنه الرب عز و جل وابتلاه وألبسه الإبتلاء والاختبار ليبين الصادق من الكاذب.









          قال الإمام بن القيم-رحمه الله - :
          (
          فصل قال الله تعالى
          ﴿الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواوَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُواوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ.
          وقال الله تعالى:﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواحَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَاإِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.
          وقال الله تعالى لما ذكر المرتد والمكره بقوله:﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ ﴾قال بعد ذلك﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَافُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌرَحِيمٌ ﴾.
          فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنا وإما أن لا يقول آمنا بل يستمر على عمل السيئات فمن قال آمنا امتحنه الرب عز و جل وابتلاه وألبسه الإبتلاء والاختبار ليبين الصادق من الكاذب ومن لم يقل آمنا فلا يحسب أنه يسبق الرب لتجربته فإن أحدا لن يعجز الله تعالى هذه سنته تعالى يرسل الرسل إلى الخلق فيكذبهم الناس ويؤذنهم.
          قال تعالى﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الأنس والجن.
          وقال تعالى:﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾.
          وقال تعالى: ﴿َ ما يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ﴾.
          ومن آمن بالرسل وأطاعهم عادوه وآذوه فابتلي بما يؤلمه وإن لم يؤمن بهم عوقب فحصل ما يؤلمه أعظم وأدوم فلا بد من حصول الألم لكل نفس سواء آمنت أم كفرت لكن المؤمن يحصل له الألم في بد من الدنيا ابتداء ثم تكون له العاقبة والآخرة والكافر تحصل له النعمة ابتداء ثم يصير في الألم.
          سأل رجل الشافعي فقال : يا أبا عبد الله أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلي فقال الشافعي : (لا يمكن حتى يبتلي فإن الله ابتلى نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلما صبروا مكنهم ).
          فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة وهذا اصل عظيم فينبغي للعاقل أن يعرفه وهذا يحصل لكل أحد فإن الإنسان مدني بالطبع لا بد له من أن يعيش مع الناس والناس لهم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها وإن لم يوافقوهم آذوه وعذبوه وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب تارة منهم وتارة من غيرهم ومن اختبر أحواله وأحوال الناس وجد من هذا شيئا كثيرا كقوم يريدون الفواحش والظلم ولهم أقوال باطلة في الدين أو شرك فهم مرتكبون بعض ما ذكره الله من المحرماتفي قوله تعالى :﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَ‌ٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلْإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا۟ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ سُلْطَـٰنًۭا وَأَن تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَوهم في مكان مشترك كدار جامعة أوخان أو قيسرية أو مدرسة أو رباط أو قرية أو درب أو مدينة فيها غيرهم وهم لا يتمكنون مما لا يريدون إلا بموافقة أولئك أو بسكوتهم عن الإنكار عليهم فيطلبون من أولئك الموافقه أو السكوت فإن وافقوهم أو سكتوا سلموا من شرهم في الإبتلاء ثم قد يتسلطون هم أنفسهم على أولئك يهينونهم ويعاقبونهم أضعاف ما كما أولئك يخافونه ابتداء كمن يطلب منه شهادة الزور أو الكلام في الدين بالباطل إما في الخبر وإما في الأمر أو المعاونة على الفاحشة والظلم فإن لم يجبهم آذوه وعادوه وإن أجابهم فهم أنفسهم يتسلطون عليه فيهينونه ويؤذونه أضعاف ما كان يخافه وإلا عذب بغيرهم فالواجب ما في حديث عائشة الذي بعثت به إلى معاوية ويروى موقوفا ومرفوعا :( مَنْ الْتَمَسَ رِضَااللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ)8 وفي لفظ رضي الله عنه( وأرضى عنه الناس ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا) وفي لفظ( عادحامده من الناس ذاما).
          وهذا يجري فيمن يعين الملوك والرؤساء على أغراضهم الفاسدة وفيمن يعين أهل البدع المنتسبين إلى العلم والدين على بدعهم فمن هداه الله وأرشده امتنع من فعل المحرم وصبر على أذاهم وعداوتهم ثم تكون العاقبة في الدنياوالآخرة كما جرى للرسل واتباعهم مع من آذاهم وعاداهم مثل المهاجرين في هذه الأمة ومن ابتلي من علمائها وعبادها وتجارها وولاتهاوقد يجوز في بعض الأمور إظهار الموافقةوإبطان المخالفة كالمكره على الكفر كما هو مبسوط في غير هذا الموضع إذ المقصود هنا أنه لا بد من الإبتلاء بما يؤذي الناس فلا خلاص لأحد مما يؤذيه البتة ولهذا ذكرالله تعالى في غير موضع انه لا بد أن يبتلي الناس والإبتلاء يكون بالسراء والضراء ولابد أن يبتلى الإنسان بما يسره وبما يسوؤه فهو محتاج إلى أن يكون صابراً شكوراً
          قال تعالى:﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾
          وقال تعالى:﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾.
          وقال تعالى﴿ فَإِمَّايَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَايَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًاوَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.
          وقال تعالى﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ هذا في آل عمران وقد قال قبل ذلك في البقرةنزل أكثرها قبل آل عمران﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَاللَّهِ قَرِيبٌ ﴾وذلك أن النفس لا تزكو وتصلح حتى تمحص بالبلاء كالذهب الذي لا يخلص جيده من رديئه حتى يفتن في كبر الإمتحان).اهـ الفوائد -(1 / 207- 210).
          ۞۞۞

          الدرةالعاشرة
          أن أفضل العطاء وأجله على الإطلاق الإيمان وجزاؤه وهو لا يتحقق إلا بالإمتحان والاختبار




          قال رحمه الله: ( الوجه الرابع والثلاثون وهو أن أفضل العطاء وأجله على الإطلاق الإيمان وجزاؤه وهو لا يتحقق إلا بالإمتحان والاختبار .
          قال تعالى: ﴿الم(1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.
          فذكر سبحانه في هذه السورة أنه لا بد أن يمتحن خلقه ويفتنهم ليتبين الصادق من الكاذب والمؤمن من الكافر ومن يشكره ويعبده ممن يكفره ويعرض عنه ويعبد غيره وذكر أحوال الممتحنين في العاجل والآجل وذكر أئمة الممتحنين في الدنياوهم الرسل وأتباعهم وعاقبة أمرهم وما صاروا إليه وافتتح بالإنكار على من يحسب أنه يتخلصمن الإمتحان والفتنة في هذه الدار إذا دعى الإيمان وأن حكمته سبحانه وشأنه في خلقه يأبى ذلك وأخبر عن سر هذه الفتنة والمحنة وهو تبيين الصادق من الكاذب والمؤمن من الكافر وهو سبحانه كان يعلم ذلك قبل وقوعه ولكن اقتضى عدله وحمده أنه لا يجزي العباد بمجرد علمه فيهم بل بمعلومه إذا وجد وتحقق والفتنة هي التي أظهرته وأخرجته إلى الوجود فحينئذ حسن وقوع الجزاء عليهثم أنكر سبحانه على من لم يلتزم الإيمان به ومتابعة رسله خوف الفتنة والمحنة التي يمتحن بها رسله واتباعهم ظنه وحسبانه أنه بإعراضه عن الإيمان وتصديق رسله يتخلص من الفتنة والمحنة فإن بين يديه من الفتنة والمحنة والعذاب أعظم وأشق ممافرعنه فإن المكلفين بعد إرسال الرسل إليهم بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنت وإما أن لا يقول بل يستمر على السيئات فمن قال آمنا امتحنه الرب تعالى وابتلاه لتتحقق بالإيمان حجة إيمانه وثباته عليه وأنه ليس بايمان عافية ورخاء فقط بل إيمان ثابت في حالتي النعماءوالبلاء ومن لم يؤمن فلا يحسب أنه يعجز ربه تعالى ويفوته بل هو في قبضته وناصيته بيده فله من البلاء أعظم مما ابتلى به من قال آمنت فمن آمن به وبرسله فلا بد أن يبتلي من أعداد رسله بما يؤلمه ويشق عليه ومن لم يؤمن به وبرسله فلا بد أن يعاقبه فيحصل له من الألم والمشقة أضعاف ألم المؤمنين فلا بد من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرة لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا أشد ثم ينقطع ويعقبه أعظم اللذة والكافر يحصل له اللذة والسرور ابتداء ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم والمشقة وهكذا حال الذين يتبعون الشهوات فيلتذون بها ابتداء ثم تعقبها الآلام لم بحسب ما نالوه منها والذين يصبرون عنها ينالون بفقدها ابتداء ثم يعقب ذلك الألم من اللذة والسرور بحسب ما صبروا عنه وتركوه منها فالألم واللذة أمر ضروري لكل إنسان لكن الفرق بين العاجل المنقطع اليسير والآجل الدائم العظيم بون ولهذا كان خاصة العقل النظر في العواقب والغايات فمن ظن أنه يتخلص من الألم بحيث لا يصيبه البتة فظنه أكذب الحديث فإن الإنسان خلق عرضة للذة والألم والسرور والحزن والفرح والغم وذلك من جهتين من جهة تركبه وطبيعته وهيئته فإنه مركب من اخلاط متفاوتةمتضادة يمتنع أو يعز اعتدالها من كل وجه بل لا بد أن يبغي بعضها على بعض فيخرج عن حد الاعتدال
          فيحصل الألم ومن جهة بني جنسه فإنه مدني بالطبع لا يمكنه أن يعيش وحده بل لا يعيش الا معهم وله ولهم لذاذات ومطالب متضادة ومتعارضةلا يمكن الجمع بينها بل إذا حصل منها شيء فات منها أشياء فهو يريد منهم أن يوافقوه على مطالبه وإرادته وهم يريدون منه ذلك فإن وافقهم حصل له من الألم والمشقة بحسب مافاته من إرادته وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه وسعوا في تعطيل مراداته كما لم يوافقهم على مراداتهم فيحصل له من الألم والتعذيب بحسب ذلك فهو في ألم ومشقة وعناء وافقهم أوخالفهم ولا سيما إذا كانت موافقتهم على أمور يعلم أنها عقائد باطلة وارادات فاسدة وأعمال تضره في عواقبها ففي موافقتهم أعظم الألم وفي مخالفتهم حصول الألم فالعقل والدين والمروءة والعلم تأمره باحتمال أخف الألمين تخلصا من أشدهما وبإيثار المنقطع منهما لينجو من الدائم المستمر فمن كان ظهيرا للمجرمين من الظلمة على ظلمهم ومن أهل الأهواء والبدع على أهوائهم وبدعهم ومن أهل الفجور والشهوات على فجورهم وشهواتهم ليتخلص بمظاهرتهم من ألم أذاهم أصابه من ألم الموافقة لهم عاجلا وآجلا أضعاف أضعاف ما فر منه وسنة الله في خلقه أن يعذبهم بإنذار من إيمانهم وظاهرهم وأن صبر على ألم مخالفتهم وجانبتهم أعقبه ذلك لذة عاجلة وآجلة تزيد على لذة الموافقة بأضعاف مضاعفة وسنة الله في خلقه أن يرفعه عليهم ويذلهم به بسب صبره وتقواه وتوكله وإخلاصه وإذا كان لا من الألم والعذاب فذلك في الله وفي مرضاته ومتابعة رسله أولى وأنفع منه في الناس ورضائهم وتحصيل مراداتهمولما كان زمن التألم والعذاب فصبره طويل فأنفاسه ساعات وساعاته أيام وأيامه شهور وأعوام بلا سبحانه الممتحنين فيه بأن ذلك الإبتلاءآجلا ثم ينقطع وضرب لأهله أجلا للقائه يسليهم به ويشكر نفوسهم ويهون عليهم أثقاله فقال:﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُفإذا تصور العبد أجل ذلك البلاء وانقطاعه وأجل لقاء المبتلى سبحانه وإثباته هان عليه ما هو فيه وخف عليه حمله ثم لما كان ذلك لا يحصل إلا بمجاهدة للنفس وللشيطان ولبني جنسه وكان العامل إذا علم أن ثمرة علمه وتعبه يعود عليه وحده لا يشكره فيه غيره كأن أتم اجتهادا وأوفر سعيا فقال تعالى﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّما يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾وأيضا فلا يتوهم متوهم أن منفعة هذه المجاهدة والصبر والاحتمال يعود على الله سبحانه فإنه غني عن العالمين لم يأمرهم بما أمرهم به حاجة منه إليهم ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا منه عليهم بلأمرهم بما يعود نفعه ومصلحته عليهم في معاشهم ومعادهم ونهاهم عما يعود مضرته وعتيه عليهم في معاشهم ومعادهم فكانت ثمرة هذا الإبتلاء والإمتحان مختصة بهم واقتضت حكمته أن نصب ذلك سببا مقضيا إلا ليميز الخبيث من الطيب والشقي من الغوي ومن يصلح له ممن لايصلح.
          قال تعالى:﴿ مَاكَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾فابتلاهم سبحانه بإرسال الرسل إليهم بأوامره ونواهيه واختياره فامتاز برسله طيبهم من خبيثهم وجيدهم من رديئهم فوقع الثواب والعقاب على معلوم أظهره ذلك الإبتلاء والإمتحان...إلخ )(شفاء العليل (دار الفكر) - (1 / 245- 246).

          ۞۞۞



          وإلى هنا ينتهي نقل هذا الدرر من كلام الإمام بن القيم الجوزية-رحمه الله- تسلية لإخواننا أهل السنة السلفيين المرابطيين في دارالحديث السلفية بدماج الخير دار العلم والتوحيد والسنة.
          فنسأل الله أن ينصر إخواننا من عدوان الرافضة الأنجاس ويثبت أقدامهم ويرفع درجتهم في العليين, ويقوي شوكتهم , ويذل أعدائهم.
          اللهم انصرهم ولا تنصر عليهم وامكر لهم ولا تمكر عليهم .
          اللهم ياقوي يا متين عليك بالرافضة الزنادقة الشياطين الفجرة ، اللهم رد كيد الحوثيين المارقين في نحورهم.
          اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم.
          اللهم لاترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية.
          اللهم اذهب شوكتهم، وفرق جمعهم، وشتت شملهم، واجعل بأسهم بينهم، ورد كيدهم في نحورهم، واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم، ومزقهم كل ممزق.
          اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحداً.



          اللهم آمين اللهم آمين اللهم آمين



          جمعه:
          أبوإسحاق عبد الناصر بن محمود السعدي
          يوم عاشورا /محرم /1433هـ.
          مدينة هرجيسا- أرض الصومال-





          1( صحيح ) رواه أحمدقال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 996 في صحيح الجامع", و" السلسلة الصحيحة - مختصرة - (1 / 275)"

          2( صحيح ) رواه أحمد وصححه الأباني فيكتاب:" الإيمان لابن تيمية - (1 / 62)".

          3( صحيح )رواه أحمدورواته ثقات, وصححه الأباني في صحيح الترغيب والترهيب - (3 / 180).

          4( صحيح )رواه الترمذي وحاكم , وصححه الأباني فيصحيح الجامع رقم( 308).

          5( صحيح)أخرجهالطبراني في معجم الكبير , وصححه الأباني في صحيح الجامع رقم (994).

          6( صحيح لغيره )رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط ومحمد بن خالد لم يروعنه غير أبي المليح الرقي , ولم يرو عنخالد إلا ابنه محمد والله أعلم انظر[صحيح الترغيب والترهيب- (3 / 181)]. وانظر( الآحاد والمثاني - (2 / 592)

          7حليةالبشر في تاريخ القرن الثالث عشر - (1 / 430)

          8 (صحيح )انظر" السلسلة الصحيحة "( 5/ 392) و " صحيح الجامع " حديث رقم :(6097).


          الملفات المرفقة

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خيرا الجزاء يا أخانا أبا إبراهيم على هذا العمل جزاك الله خيراجزاك الله خيرا

            تعليق


            • #7
              جزاك الله خيرا أخي أبوإسحاق على هذه الفوائد القيمة من درر هذا العلامة الكبير إبن القيم رحمه الله .

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة أبو إسحاق عبد الناصر السعدي مشاهدة المشاركة
                الدرةالثانية
                أنه لولا هذا الإبتلاء والإمتحان لما ظهر فضل الصبر والرضا والتوكل والجهاد والعفة والشجاعة والحلم والعفو والصفح



                وقال الإمام ابن القيم رحمه الله :
                ( أنه لولا هذا الإبتلاء والإمتحان لما ظهر فضل الصبروالرضا والتوكل والجهاد والعفة والشجاعة والحلم والعفو والصفح والله سبحانه يحب أنيكرم أوليائه بهذه الكمالات ويحب ظهورها عليهم ليثني بها عليهم هو وملائكتهوينالوا باتصافهم بها غاية الكرامة واللذة والسرور وإن كانت مرة المبادئ فلا أحلىمن عواقبها ووجود الملزم بدون لازمه ممتنع , وقد أجرى الله سبحانه حكمته بأنكمال الغايات تابعة لقوة أسبابها وكمالها ونقصانها لنقصانها فمن كمل أسبابالنعيم واللذة كملت له غاياتها ومن حرمها حرمها ومن نقصها نقص له من غاياتها وعلىهذا قام الجزاء بالقسط والثواب والعقاب وكفى بهذا العالم شاهداً لذلك فرب الدنياوالآخرة واحد وحكمته مطردة فيهما وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليهترجعون يوضحه) اهـ شفاء العليل (دار الفكر) - (1 / 244).

                ۞۞۞

                الدرةالثالثة
                وهل وصل من وصل-أي من العباد- الى المقامات المحمودة والنهايات الفاضلة إلاّ على جسر المحنة والإبتلاء



                وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:
                ( فصلٌ :
                وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهبه الى اجل الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون اليها إلاّ على جسر من الإبتلاءوالإمتحان وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي لا سبيل الى عبورهم الى الجنة إلاعليه وكان ذلك الإبتلاء ولامتحان عين المنهج في حقهم والكرامة فصورته صورة ابتلاءوامتحان وباطنه فيه الرحمة والنعمة .
                فكم لله من نعمة جسيمة ومنه عظيمة تجنى من قطوف الإبتلاء والإمتحانفتأمل حال ابينا آدم وما آلت اليه محنته من الاصطفاء والاجتباء والتوبة والهدايةورفعة المنزلة ولولا تلك المحنة التي جرت عليه وهي إخراجه من الجنة وتوابع ذلك لماوصل الى ما وصل اليه فكم بين حالته الاولى وحالته الثانية في نهايته .
                وتأمل حال ابينا الثاني نوح صلى الله عليه و سلم وما آلت اليهمحنته وصبره على قومه تلك القرون كلها حتى اقر الله عينه واغرق اهل الارض بدعوتهوجعل العالم بعده من ذريته وجعله خامس خمسة وهم اولو العزم الذين هم افضل الرسلوأمر رسوله ونبيه محمدا صلى الله عليه و سلم ان يصبر كصبره واثنى عليه بالشكر فقالإنه كان عبدا شكورا فوصفه بكمال الصبر والشكر .
                ثم تأمل حال ابينا الثالث إبراهيم صلى الله عليه و سلم إمامالحنفاء وشيخ الانبياء وعمود العالم وخليل رب العالمين من بني آدم وتأمل ما آلتاليه محنته وصبره وبذله نفسه لله وتأمل كيف آل به بذله لله نفسه ونصره دينه الى اناتخذه الله خليلا لنفسه وامر رسوله وخليله محمدا صلى الله عليه و سلم ان يتبع ملته , وأنبهك على خصلة واحدة مما اكرمهالله به في محنته بذبح ولده فإن الله تبارك وتعالى جازاه على تسليمه ولده لأمرالله بان بارك في نسله وكثرة حتى ملأ السهل والجبل فإن الله تبارك وتعالى لا يتكرمعليه احد وهو اكرم الاكرمين فمن ترك لوجهه امرا او فعله لوجهه بذل الله له اضعافما تركه من ذلك الامر اضعافا مضاعفة وجازاه باضعاف ما فعله لاجله اضعافا مضاعفةفلما أمر إبراهيم بذبح ولده فبادر لامر الله ووافق عليه الولد أباه رضاء منهماوتسليما وعلم الله منهما الصدق والوفاء فداه بذبح عظيم واعطاهما ما اعطاهما منفضله وكان من بعض عطاياه ان بارك في ذريتهما حتى ملؤا الارض فإن المقصود بالولدإنما هو التناسل وتكثير الذرية ولهذا قال إبراهيم رب هب لي من الصالحين وقال رباجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي فغاية ما كان يحذر ويخشى من ذبح ولده انقطاع نسلهفلما بذل ولده لله وبذل الولد نفسه ضاعف الله له النسل وبارك فيه وكثر حتى ملؤاالدنيا وجعل النبوة والكتاب في ذريته خاصة وأخرج منهم محمدا صلى الله عليه و سلموقد ذكر ان داود عليه السلام اراد ان يعلم عدد بني إسرائيل فأمر بإحضارهم وبعثلذلك نقباء وعرفاء وامرهم ان يرفعوا اليه ما بلغ عددهم فمكثوا مدة لا يقدرون علىذلك فأوحى الله إلى داود ان قد علمت اني وعدت أباك إبراهيم لما أمرته بذبح ولدهفبادر الى طاعة امري ان أبارك له في ذريته حتى يصيروا في عدد النجوم واجعلهم بحيثلا يحصى عددهم وقد اردت ان يحصى عددا قدرت انه لا يحصى وذكر باقي الحديث فجعل مننسله هاتين الامتين العظيمتين اللتين لا يحصى عددهم الا الله خالقهم ورازقهم وهمبنو إسرائيل وبنو إسمايعل هذا سوى ما أكرمه الله به من رفع الذكر والثناء الجميلعلى السنة جميع الامم وفي السموات بين الملائكة فهذا من بعض ثمرة معاملته فتبا لمنعرفه ثم عامل غيره ما اخسر صفقته وما اعظم حسرته .

                فصلٌ






                ثم تأمل حال الكليمموسى عليه السلام وما آلت اليه محنته
                وفتونه من أول ولادته الى منتهى امره حتى كلمهالله تكليما وقربه منه وكتب له التوراة بيده ورفعه الى اعلى السموات واحتمل لهمالا يحتمل لغيره فإنه رمى الالواح على الارض حتىتكسرت اخذ بلحية نبي الله هارون وجرهاليه ولطم وجه ملك الموت ففقأ عينه وخاصم ربه ليلة الاسراء في شأن رسول الله صلىالله عليه و سلم وربه يحبه على ذلك كله ولا سقط شيء منه من عينه ولا سقطت منزلتهعنده بل هو الوجيه عند الله القريب ولولا ماتقدم له من السوابق وتحمل الشدائدوالمحن العظام في الله ومقاسات الامر الشديد بين فرعون وقومه ثم بنى إسرائيل وماآذوه به وما صبر عليهم لله لم يكن ذلك .
                ثم تأمل حال المسيح صلىالله عليه و سلم وصبره على قومه واحتماله في الله وما تحمله منهم حتى رفعه اللهإليه وطهره من الذين كفروا وانتقم من اعدائه وقطعهم في الارض ومزقهم كل ممزقوسلبهم ملكهم وفخرهم الى آخر الدهر .

                فصلٌ







                فإذا جئت الى النبي صلىالله عليه و سلم وتأملت سيرته مع قومه وصبره في الله
                واحتماله مالم يحتمله نبي قبله وتلون الاحوالعليه من سلم وخوف وغني وفقر وأمن وإقامة في وطنه وظعن عنه وتركه لله وقتل احبابهواوليائه بين يديه واذى الكفار له بسائر انواع الاذى من القول والفعل والسحروالكذب والافتراء عليه والبهتان وهو مع ذلك كله صابر على امر الله يدعو الى اللهفلم يؤذ نبي ما أوذي ولم يحتمل في الله ما احتمله ولم يعط نبي ما اعطيه فرفع اللهله ذكره وقرن اسمعه باسمه وجعله سيدالناس كلهم وجعله اقرب الخلق اليه وسيلةواعظمهم عنده جاها واسمعهم عنده شفاعة وكانت تلك المحن والإبتلاء عين كرامته وهيمما زاده الله بها شرفا وفضلا وساقه بها الى أعلا المقامات وهذا حال ورثته من بعدهالامثل فالأمثل كل له نصيب من المحنة يسوقه الله به إلى كماله بحسب متابعته له ومن لا نصيب له من ذلك فحظه منالدنيا حظ من خلق لها وخلقت له وجعل خلاقه ونصيبه فيها فهو يأكل منها رغدا ويتمتعفيها حتى يناله نصيبه من الكتاب يمتحن اولياء الله وهو في دعة وخفض عيش ويخافونوهو آمن ويحزنون وهو في اهله مسرور له شأن ولهم شأن وهو في واد وهم في واد همه مايقيم به جاهه ويسلم به ماله وتسمع به كلمته لزم من ذلك ما لزم ورضى من رضى وسخط منسخط وهمهم إقامة دين الله وإعلاء كلمته وإعزاز اوليائه وان تكون الدعوة له وحدهفيكون هو وحده المعبود لا غيره ورسوله المطاع لا سواه فلله سبحانه من الحكم فيابتلائه انبياءه ورسله وعباده المؤمنين ما تتقاصر عقول العالمين عن معرفته وهل وصلمن وصل الى المقامات المحمودة والنهايات الفاضلة إلا على جسر المحنة والإبتلاء
                كذا المعالي إذا مارمت ندركها ... فاعبر اليها على جسر من التعب والحمد لله وحده وصلى الله على محمدوآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما ابدا الى يوم الدين ورضى الله عن اصحاب رسولالله اجمعين ). اهـ مفتاح دار السعادة - (1 / 299).

                ۞۞۞






                الدرةالرابعة
                فلا بد من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرة لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا أشد ثم ينقطع ويعقبه أعظم اللذة والكافر يحصل له اللذة والسرور ابتداء ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم والمشقة.







                وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:
                (والمحنةالتي يمتحن بها رسله وأتباعهم ظنه وحسبانه أنه بإعراضه عن الإيمان وتصديق رسلهيتخلص من الفتنة والمحنة فإن بين يديه من الفتنة والمحنة والعذاب أعظم وأشق مما فرعنه فإن المكلفين بعد إرسال الرسل إليهم بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنت وإما أنلا يقول بل يستمر على السيئات فمن قال آمنا امتحنه الرب تعالى وابتلاه لتتحققبالإيمان حجة إيمانه وثباته عليه وأنه ليس بإيمان عافية ورخاء فقط بل إيمان ثابتفي حالتي النعماء والبلاء.
                ومن لم يؤمن فلا يحسبأنه يعجز ربه تعالى ويفوته بل هو في قبضته وناصيته بيده فله من البلاء أعظم مماابتلى به من قال آمنت فمن آمن به وبرسله فلا بد أن يبتلي من أعدائه و أعداءرسله بما يؤلمه ويشق عليه ومن لم يؤمن به وبرسله فلا بد أن يعاقبه فيحصل له منالألم والمشقة أضعاف ألم المؤمنين فلا بد من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرةلكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا أشد ثم ينقطع ويعقبه أعظم اللذة والكافر يحصلله اللذة والسرور ابتداء ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم والمشقة.. )"شفاء العليل "(دار المعرفة) –
                (24/ 79).

                ۞۞۞






                الدرةالخامسة
                أن الله سبحانه إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم، قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم، ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم، وطغيانهم، ومبالغتهم في أذي أوليائه، ومحاربتهم، وقتالهم، والتسلط عليهم







                قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
                (أن الله سبحانه إذاأراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم، قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم،ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم، وطغيانهم، ومبالغتهم في أذي أوليائه، ومحاربتهم،وقتالهم، والتسلط عليهم، فيتمحص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم، ويزداد بذلكأعداؤه من أسباب محقهم وهلاكهم ).اهـ ( زاد المعاد في هدي خير العباد - (3 /222).
                وقال رحمه الله وهو يتكلم عن الأنبياء:
                (فإنه سبحانه كمايحميهم ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبواكمال كرامته وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ماجرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبونما أعد لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة فيمحقهم بسبب بغيهم وعداوتهم فيعجلتطهير الأرض منهم فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاءقومهم وله الحكمة البالغة والنعمة السابغة لا إله غيره ولا رب سواه ).اهـ.بدائع الفوائد (مكتبة دار الكتاب العربي) - (3 / 328).

                ۞۞۞






                الدرةالسادسة
                ليس كل من وسع الله عليه وأكرمه ونعمه يكون ذلك إكراما منه له ولا كل من ضيق عليه رزقه وابتلاه يكون ذلك إهانة منه له







                قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
                ( فالنعم ابتلاء من اللهوامتحان يظهر بها شكر الشكور وكفر الكفور كما أن المحن بلوى منه سبحانه فهو يبتلي بالنعمكما يبتلي بالمصائب.
                قال تعالى : ﴿فَأَمَّاالْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُرَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُفَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّاأي ليس كل من وسعتعليه وأكرمته ونعمته يكون ذلك إكراما مني له ولا كل من ضيقت عليه رزقه وابتليته يكونذلك إهانة مني له).اهـ الفوائد - (1 / 155).

                ۞۞۞
                الدرة السابعة
                إن الله خلق السموات والأرض وخلق الموت والحياة وزين الأرض بماعليها لابتلاء عباده وامتحانهم ليعلم من يريده ويريد ما عنده ممن يريد الدنيا وزينتها.







                قالالإمام بن القيم-رحمه الله - :
                ( أنه سبحانه وتعالىإنما خلق السموات والأرض وخلق الموت والحياة وزين الأرض بما عليها لابتلاء عباده وامتحانهمليعلم من يريده ويريد ما عنده ممن يريد الدنيا وزينتها.
                قال تعالى:﴿وَهُوَالَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُعَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾
                وقال:﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْأَحْسَنُ عَمَلًا ﴾
                وقال :﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾.
                وقال تعالى﴿ وَنَبْلُوكُمْبِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾
                وقال تعالى : ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْحَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَأَخْبَارَكُمْ ﴾.
                وقال تعالى :﴿ الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْيَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْقَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّالْكَاذِبِينَ ﴾.
                فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرينإما أن يقول أحدهم : آمنت أو لا يؤمن بل يستمر على السيئات والكفر ولابد من امتحانهذا وهذا
                فأما من قال : آمنت فلابد أن يمتحنه الربويبتليه ليتبين : هل هو صادق في قوله آمنت أو كاذب فإن كان كاذبا رجع على عقبيه وفرمن الإمتحان كما يفر من عذاب الله وإن كان صادقا ثبت على قوله ولم يزده الإبتلاء والإمتحانإلا إيمانا على إيمانه .
                قال تعالى : ﴿وَلَمَّارَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُوَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًاوَتَسْلِيمًا ﴾.
                وأما من لم يؤمن فإنه يمتحن في الآخرة بالعذاب ويفتنبه وهي أعظم المحنتين هذا إن سلم من امتحانه بعذاب الدنيا ومصائبها وعقوبتها التي أوقعهاالله بمن لم يتبع رسله وعصاهم فلابد من المحنة في هذه الدار وفي البرزخ وفي القيامةلكل أحد ولكن المؤمن أخف محنة وأسهل بلية فإن الله يدفع عنه بالإيمان ويحمل عنهبه ويرزقه من الصبر والثبات والرضى والتسليم ما يهون به عليه محنته وأما الكافر والمنافقوالفاجر فتشتد محنته وبليته وتدوم فمحنة المؤمن خفيفة منقطعة ومحنة الكافر والمنافقوالفاجر شديدة متصلة فلا بد من حصول الألم والمحنة لكل نفس آمنت أو كفرت لكن المؤمنيحصل له الألم في الدنيا ابتداء ثم تكون له عاقبة الدنيا والآخرة والكافر والمنافقوالفاجر تحصل له اللذة والنعيم ابتداء ثم يصير إلى الألم فلا يطمع أحد أن يخلص من المحنةوالألم ألبتة يوضحه).اهـ إغاثة اللهفان - (2 / 191-193).

                ۞۞۞
                الدرة الثامنة


                وفي هذه الدرة نصح لإخوننا المجاهدين ولجميع أهل السنة فليتدبر القارئ-الكريم-






                قال الإمام بن القيم-رحمه الله - :
                (أن البلاء الذي يصيب العبد في الله لا يخرج عن أربعة أقسام فإنهإما أن يكون في نفسه أو في ماله أو في عرضه أو في أهله ومن يحب والذي في نفسه قد يكونبتلفها تارة وبتألمها بدون التلف فهذا مجموع ما يبتلى به العبد في الله .
                وأشد هذه الأقسام : المصيبة في النفس .
                من المعلوم : أن الخلق كلهميموتون وغاية هذا المؤمن أن يستشهد في الله وتلك أشرف الموتات وأسهلها فإنه لا يجدالشهيد من الألم إلا مثل ألم القرصة فليس في قتل الشهيد مصيبة زائدة على ما هو معتادلبني آدم فمن عد مصيبة هذا القتل أعظم من مصيبة الموت على الفراش فهو جاهل بل موت الشهيدمن أيسر الميتات وأفضلها وأعلاها ولكن الفار يظن أنه بفراره يطول عمره فيتمتع بالعيشوقد أكذب الله سبحانه هذا الظن حيث يقول : ﴿قُلْلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِوَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا
                فأخبر الله أن الفرار من الموت بالشهادةلا ينفع فلا فائدة فيه وأنه لو نفع لم ينفع إلا قليلا إذ لابد له من الموت فيفوته بهذاالقليل ما هو خير منه وأنفع من حياة الشهيد عند ربه
                ثم قال :﴿قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْأَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّاوَلَا نَصِيرًا ﴾.
                فأخبر سبحانه أن العبد لايعصمه أحد من الله إن أراد به سوءا غير الموت الذي فر منه فإنه فر من الموت لما كانيسوءه فأخبر الله سبحانه أنه لو أراد به سوءا غيره لم يعصمه أحد من الله وأنه قد يفرمما يسوءه من القتل في سبيل الله فيقع فيما يسوءه مما هو أعظم منه .
                وإذا كان هذا في مصيبة النفسفالأمر هكذا في مصيبة المال والعرض والبدن فإن من بخل بماله أن ينفقه في سبيل اللهتعالى وإعلاء كلمته سلبه الله إياه أو قيض له إنفاقه فيما لا ينفعه دنيا ولا أخرى بلفيما يعود عليه بمضرته عاجلا وآجلا وإن حبسه وادخره منعه التمتع به ونقله إلى غيرهفيكون له مهنؤه وعلى مخلفه وزره .
                وكذلك منرفه بدنه وعرضه وآثر راحته على التعب لله وفي سبيله أتعبه الله سبحانه أضعاف ذلك فيغير سبيله ومرضاته وهذا أمر يعرفه الناس بالتجارب.
                قال أبو حازم : لمايلقى الذي لا يتقي الله من معالجة الخلق أعظم مما يلقى الذي يتقى الله من معالجة التقوى.
                واعتبر ذلك بحال إبليس فإنه امتنع من السجودلأدم فرارا أن يخضع له ويذل وطلب إعزاز نفسه فصيره الله أذل الأذلين وجعله خادما لأهلالفسوق والفجور من ذريته فلم يرض بالسجود له ورضى أن يخدم هو وبنوه فساق ذريته
                وكذلك عباد الأصنام أنفوا أن يتبعوا رسولامن البشر وأن يعبدوا إلها واحدا سبحانه ورضوا أن يعبدوا آلهة من الأحجار
                وكذلككل من امتنع أن يذل لله أو يبذل ماله في مرضاته أو يتعب نفسه وبدنه في طاعته لابد أنيذل لمن لا يسوى ويبذل له ماله ويتعب نفسه وبدنه في طاعته ومرضاته عقوبة له كما قالبعض السلف من امتنع أن يمشي مع أخيه خطوات في حاجته أمشاه الله تعالى أكثر منها فيغير طاعته ).اهـ إغاثةاللهفان - (2 / 193-195).

                ۞۞۞






                الدرةالتاسعة
                فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنا وإما أن لا يقول آمنا بل يستمر على عمل السيئات فمنقال آمنا امتحنه الرب عز و جل وابتلاه وألبسه الإبتلاء والاختبار ليبين الصادق من الكاذب.







                قال الإمام بن القيم-رحمه الله - :
                ( فصل قال الله تعالى
                ﴿الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْيُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّاالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواوَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِأَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِفَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَفَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِلَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِيكَانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْجَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّمَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُواوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَالنَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَفِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَلَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِيصُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواوَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ﴾.
                وقال الله تعالى:﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَخَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواحَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَاإِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.
                وقال الله تعالى لما ذكر المرتد والمكره بقوله:﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ ﴾قال بعد ذلك﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَافُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌرَحِيمٌ ﴾.
                فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرينإما أن يقول أحدهم آمنا وإما أن لا يقول آمنا بل يستمر على عمل السيئات فمن قال آمناامتحنه الرب عز و جل وابتلاه وألبسه الإبتلاء والاختبار ليبين الصادق من الكاذب ومنلم يقل آمنا فلا يحسب أنه يسبق الرب لتجربته فإن أحدا لن يعجز الله تعالى هذه سنتهتعالى يرسل الرسل إلى الخلق فيكذبهم الناس ويؤذنهم.
                قال تعالى ﴿وكذلكجعلنا لكل نبي عدوا شياطين الأنس والجن﴾.
                وقال تعالى:﴿ كذلك ماأني الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون﴾.
                وقال تعالى:﴿ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك﴾.
                ومن آمن بالرسل وأطاعهم عادوه وآذوه فابتلىبما يؤلمه وإن لم يؤمن بهم عوقب فحصل ما يؤلمه أعظم وأدوم فلا بد من حصول الألم لكلنفس سواء آمنت أم كفرت لكن المؤمن يحصل له الألم في بد من الدنيا ابتداء ثم تكون لهالعاقبة والآخرة والكافر تحصل له النعمة ابتداء ثم يصير في الألم.
                سأل رجل الشافعي فقال : يا أبا عبد الله أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلي فقال الشافعي : (لا يمكن حتى يبتلي فإن الله ابتلي نوحا وإبراهيموموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلما صبروا مكنهم ).
                فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة وهذا اصل عظيم فينبغي للعاقلأن يعرفه وهذا يحصل لكل أحد فإن الإنسان مدني بالطبع لا بد له من أن يعيش مع الناسوالناس لهم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها وإن لم يوافقوهم آذوه وعذبوهوإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب تارة منهم وتاره من غيرهم ومن اختبر أحواله وأحوالالناس وجد من هذا شيئا كثيرا كقوم يريدون الفواحش والظلم ولهم أقوال باطلة في الدينأو شرك فهم مرتكبون بعض ما ذكره الله من المحرمات في قوله تعالى :﴿قُلْإِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَ‌ٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلْإِثْمَوَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا۟ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْبِهِۦ سُلْطَـٰنًۭا وَأَن تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَوهم في مكان مشترك كدار جامعة أوخان أو قيسرية أو مدرسة أو رباط أو قرية أو درب أو مدينة فيها غيرهم وهم لا يتمكنونمما لا يريدون إلا بموافقة ألئك أو بسكوتهم عن الإنكار عليهم فيطلبون من أولئك الموافقهأو السكوت فإن وافقوهم أو سكتوا سلموا من شرهم في الإبتلاء ثم قد يتسلطون هم أنفسهمعلى أولئك يهينونهم ويعاقبونهم أضعاف ما كما أولئك يخافونه ابتداء كمن يطلب منه شهادةالزور أو الكلام في الدين بالباطل إما في الخبر وإما في الأمر أو المعاونة على الفاحشةوالظلم فإن لم يجبهم آذوه وعادوه وإن أجابهم فهم أنفسهم يتسلطون عليه فيهينونه ويؤذونهأضعاف ما كان يخافه وإلا عذب بغيرهم فالواجب ما في حديث عائشة الذي بعثت به إلىمعاوية ويروي موقوفا ومرفوعا :( مَنْ الْتَمَسَ رِضَااللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ) ([8]) وفي لفظ رضي الله عنه( وأرضيعنه الناس ومن أرضي الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا) وفي لفظ( عادحامده من الناس ذاما ).
                وهذا يجري فيمن يعين الملوك والرؤساء علىأغراضهم الفاسدة وفيمن يعين أهل البدع المنتسبين إلى العلم والدين على بدعهم فمن هداهالله وأرشده امتنع من فعل المحرم وصبر على أذاهم وعداوتهم ثم تكون العاقبة في الدنياوالآخرة كما جرى للرسل واتباعهم مع من آذاهم وعاداهم مثل المهاجرين في هذه الأمة ومنابتلي من علمائها وعبادها وتجارها وولاتها وقد يجوز في بعض الأمور إظهار الموافقةوإبطان المخالفة كالمكره على الكفر كما هو مبسوط في غير هذا الموضع إذ المقصود هناأنه لا بد من الإبتلاء بما يؤذي الناس فلا خلاص لأحد مما يؤذيه البتة ولهذا ذكرالله تعالى في غير موضع انه لا بد أن يبتلي الناس والإبتلاء يكون بالسراء والضراء ولابد أن يبتلى الإنسان بما يسره وبما يسوؤه فهو محتاج إلى أن يكون صابراً شكوراً
                قال تعالى:﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْأَحْسَنُ عَمَلًا ﴾
                وقال تعالى:﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾.
                وقال تعالى﴿ فَإِمَّايَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَايَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًاوَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.
                وقال تعالى﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُالَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ هذا في آل عمران وقد قال قبل ذلك في البقرةنزل أكثرها قبل آل عمران﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْتَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْقَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَالرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَاللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ وذلك أن النفس لا تزكو وتصلح حتى تمحصبالبلاء كالذهب الذي لا يخلص جيده من رديئه حتى يفتن في كبر الإمتحان).اهـ الفوائد -(1 / 207- 210).

                ۞۞۞

                الدرةالعاشرة
                أن أفضل العطاء وأجله على الإطلاق الإيمان وجزاؤه وهو لا يتحقق إلا بالإمتحان والاختبار


                قال رحمه الله: ( الوجه الرابع والثلاثون وهو أن أفضلالعطاء وأجله على الإطلاق الإيمان وجزاؤه وهو لا يتحقق إلا بالإمتحان والاختبار .
                قال تعالى: ﴿الم(1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُالَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَيَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْكَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُالْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَلَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.
                فذكر سبحانه في هذه السورة أنه لا بد أن يمتحن خلقهويفتنهم ليتبين الصادق من الكاذب والمؤمن من الكافر ومن يشكره ويعبده ممن يكفره ويعرضعنه ويعبد غيره وذكر أحوال الممتحنين في العاجل والآجل وذكر أئمة الممتحنين في الدنياوهم الرسل وأتباعهم وعاقبة أمرهم وما صاروا إليه وافتتح بالإنكار على من يحسب أنه يتخلصمن الإمتحان والفتنة في هذه الدار إذا دعى الإيمان وأن حكمته سبحانه وشأنه في خلقهيأبى ذلك وأخبر عن سر هذه الفتنة والمحنة وهو تبيين الصادق من الكاذب والمؤمن من الكافروهو سبحانه كان يعلم ذلك قبل وقوعه ولكن اقتضى عدله وحمده أنه لا يجزي العباد بمجردعلمه فيهم بل بمعلومه إذا وجد وتحقق والفتنة هي التي أظهرته وأخرجته إلى الوجود فحينئذحسن وقوع الجزاء عليه ثم أنكر سبحانه على من لم يلتزم الإيمان به ومتابعة رسله خوفالفتنة والمحنة التي يمتحن بها رسله واتباعهم ظنه وحسبانه أنه بإعراضه عن الإيمان وتصديقرسله يتخلص من الفتنة والمحنة فإن بين يديه من الفتنة والمحنة والعذاب أعظم وأشق ممافرعنه فإن المكلفين بعد إرسال الرسل إليهم بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنت وإما أنلا يقول بل يستمر على السيئات فمن قال آمنا امتحنه الرب تعالى وابتلاه لتتحقق بالإيمانحجة إيمانه وثباته عليه وأنه ليس بايمان عافية ورخاء فقط بل إيمان ثابت في حالتي النعماءوالبلاء ومن لم يؤمن فلا يحسب أنه يعجز ربه تعالى ويفوته بل هو في قبضته وناصيته بيدهفله من البلاء أعظم مما ابتلى به من قال آمنت فمن آمن به وبرسله فلا بد أن يبتلي منأعداد رسله بما يؤلمه ويشق عليه ومن لم يؤمن به وبرسله فلا بد أن يعاقبه فيحصل له منالألم والمشقة أضعاف ألم المؤمنين فلا بد من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرة لكنالمؤمن يحصل له الألم في الدنيا أشد ثم ينقطع ويعقبه أعظم اللذة والكافر يحصل له اللذةوالسرور ابتداء ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم والمشقة وهكذا حال الذين يتبعون الشهواتفيلتذون بها ابتداء ثم تعقبها الآلام لم بحسب ما نالوه منها والذين يصبرون عنها ينالونبفقدها ابتداء ثم يعقب ذلك الألم من اللذة والسرور بحسب ما صبروا عنه وتركوه منها فالألمواللذة أمر ضروري لكل إنسان لكن الفرق بين العاجل المنقطع اليسير والآجل الدائم العظيمبون ولهذا كان خاصة العقل النظر في العواقب والغايات فمن ظن أنه يتخلص من الألم بحيثلا يصيبه البتة فظنه أكذب الحديث فإن الإنسان خلق عرضة للذة والألم والسرور والحزنوالفرح والغم وذلك من جهتين من جهة تركبه وطبيعته وهيئته فإنه مركب من اخلاط متفاوتةمتضادة يمتنع أو يعز اعتدالها من كل وجه بل لا بد أن يبغي بعضها على بعض فيخرج عن حدالاعتدال
                فيحصل الألم ومن جهة بني جنسه فإنه مدنيبالطبع لا يمكنه أن يعيش وحده بل لا يعيش الا معهم وله ولهم لذاذات ومطالب متضادة ومتعارضةلا يمكن الجمع بينها بل إذا حصل منها شيء فات منها أشياء فهو يريد منهم أن يوافقوهعلى مطالبه وإرادته وهم يريدون منه ذلك فإن وافقهم حصل له من الألم والمشقة بحسب مافاته من إرادته وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه وسعوا في تعطيل مراداته كما لم يوافقهمعلى مراداتهم فيحصل له من الألم والتعذيب بحسب ذلك فهو في ألم ومشقة وعناء وافقهم أوخالفهم ولا سيما إذا كانت موافقتهم على أمور يعلم أنها عقائد باطلة وارادات فاسدة وأعمالتضره في عواقبها ففي موافقتهم أعظم الألم وفي مخالفتهم حصول الألم فالعقل والدين والمروءةوالعلم تأمره باحتمال أخف الألمين تخلصا من أشدهما وبإيثار المنقطع منهما لينجو منالدائم المستمر فمن كان ظهيرا للمجرمين من الظلمة على ظلمهم ومن أهل الأهواء والبدععلى أهوائهم وبدعهم ومن أهل الفجور والشهوات على فجورهم وشهواتهم ليتخلص بمظاهرتهممن ألم أذاهم أصابه من ألم الموافقة لهم عاجلا وآجلا أضعاف أضعاف ما فر منه وسنة اللهفي خلقه أن يعذبهم بإنذار من إيمانهم وظاهرهم وأن صبر على ألم مخالفتهم وجانبتهم أعقبهذلك لذة عاجلة وآجلة تزيد على لذة الموافقة بأضعاف مضاعفة وسنة الله في خلقه أن يرفعهعليهم ويذلهم به بسب صبره وتقواه وتوكله وإخلاصه وإذا كان لا من الألم والعذاب فذلكفي الله وفي مرضاته ومتابعة رسله أولى وأنفع منه في الناس ورضائهم وتحصيل مراداتهم ولما كان زمن التألم والعذاب فصبره طويلفأنفاسه ساعات وساعاته أيام وأيامه شهور وأعوام بلا سبحانه الممتحنين فيه بأن ذلك الإبتلاءآجلا ثم ينقطع وضرب لأهله أجلا للقائه يسليهم به ويشكر نفوسهم ويهون عليهم أثقاله فقال:﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍوَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُفإذا تصور العبد أجل ذلك البلاء وانقطاعه وأجل لقاء المبتلىسبحانه وإثباته هان عليه ما هو فيه وخف عليه حمله ثم لما كان ذلك لا يحصل إلا بمجاهدةللنفس وللشيطان ولبني جنسه وكان العامل إذا علم أن ثمرة علمه وتعبه يعود عليه وحدهلا يشكره فيه غيره كأن أتم اجتهادا وأوفر سعيا فقال تعالى﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّما يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ وأيضا فلا يتوهم متوهمأن منفعة هذه المجاهدة والصبر والاحتمال يعود على الله سبحانه فإنه غني عن العالمينلم يأمرهم بما أمرهم به حاجة منه إليهم ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا منه عليهم بلأمرهم بما يعود نفعه ومصلحته عليهم في معاشهم ومعادهم ونهاهم عما يعود مضرته وعتيهعليهم في معاشهم ومعادهم فكانت ثمرة هذا الإبتلاء والإمتحان مختصة بهم واقتضت حكمتهأن نصب ذلك سببا مقضيا إلى يميز الخبيث من الطيب والشقي من الغوي ومن يصلح له ممن لايصلح.
                قال تعالى:﴿ مَاكَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىيَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ فابتلاهم سبحانه بإرسال الرسل إليهم بأوامرهونواهيه واختياره فامتاز برسله طيبهم من خبيثهم وجيدهم من رديئهم فوقع الثواب والعقابعلى معلوم أظهره ذلك الإبتلاء والإمتحان...إلخ ) (شفاء العليل (دار الفكر) - (1 / 245- 246).
                ۞۞۞






                وإلى هنا ينتهي نقل هذا الدرر من كلام الإمامبن القيم الجوزية-رحمه الله- تسلية لإخوننا أهل السنة السلفيين المرابطيين في دارالحديث السلفية بدماج الخير دار العلم والتوحيد والسنة.
                فنسأل الله أن ينصر إخوننا من عدوان الرافضة الأنجاس ويثبت أقدامهمويرفع درجتهم في العليين, ويقوي شوكتهم , ويذل أعدائهم.
                اللهم انصرهم ولا تنصر عليهم وامكر لهم ولا تمكر عليهم .
                اللهم ياقوي يا متين عليك بالرافضة الزنادقة الشياطين الفجرة ، اللهم رد كيد الحوثيينالمارقين في نحورهم.
                اللهم زلزلالأرض من تحت أقدامهم.
                اللهم لاترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية.
                اللهم اذهبشوكتهم، وفرق جمعهم، وشتت شملهم، واجعل بأسهم بينهم، ورد كيدهم في نحورهم، واجعلتدبيرهم تدميراً عليهم، ومزقهم كل ممزق.
                اللهم خذهمأخذ عزيز مقتدر اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحداً.


                اللهم آمين اللهم آمين اللهم آمين







                جمعه:

                أبوإسحاق عبد الناصر بن محمود السعدي
                يوم عاشورا /محرم /1433هـ.
                مدينة هرجيسا- أرض الصومال-

                جزاكم الله خيراً
                درر عليمة وفوائد قيمة

                التعديل الأخير تم بواسطة أبو سُليم عبد الله بن علي الحجري; الساعة 12-10-2013, 08:55 PM.

                تعليق

                يعمل...
                X