« وصية لأهل السنة في دار الحديث بدماج بعدم الوحشة من القلة »
إن الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، وبعد ..
فإن هذه الوصية أُظهر وأُبين بما في قلبي من الحب للمكان الذي تربيت وتعلمت العلم النافع والأدب والإحترام منه وهكذا يجب على كل من جاء من هذا المكان وتلقى العلم أن يكون على هذا المنوال وألا يتنكر هذه النعمة خوفاً من أن يسلبه الله منها وإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [ من لا يشكر الناس لا يشكر الله] رواه أبو داود عن أبي هريرة وهو في "الجامع الصحيح" لشيخنا الوادعي رحمه الله, وكفران النعمة من علمات الحزبيين والله المستعان , ومن علامات السني حب السنة وأهلها والعكس يكون العكس.وأُذكّر إخواني وعلمائي هذه النصيحة
من باب: [ يأيها النبي اتق الله ]
ومن باب :[ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ]
قال ابن قدامة في المناظرة لأهل البدع في القرآن 70:
ومن العجيب أن أهل البدع يستدلون على كونهم أهل الحق بكثرتهم وكثرة أموالهم و وجاههم وظهورهم ويستدلون على بطلان السنة بقلة أهلها وغربتهم وضعفهم فيجعلون ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بقلة أهل الحق في آخر الزمان وغربتهم وظهورهم أهل البدع وكثرتهم ولكنهم سلكوا سبيل الأمم في استدلالهم على انبيائهم و أصحاب أنبيائهم بكثرة أموالهم وأولادهم وضعف أهل الحق فقال قوم نوح له ( ما نراك إلا بشراً وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ) هود 27.
وقال قوم صالح فيما أخبر الله عنهم بقوله: ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استُضعفوا لمن ءامن منهم أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي ءامنتم به كافرون ) .
وقال قوم نبينا صلى الله عليه وسلم: ( نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين )
وقال الله عز وجل: ( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا )
وقال: ( الذين كفروا للذين ءامنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه )
ونسوا قول الله تعالى: ( وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع )
وقوله سبحانه: ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا ) .
( واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب... ) الكهف 32
وقوله: ( لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم... ) الحجر 88
وقوله ( ولولا أن يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ) إلى قوله: ( وإن ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين ) الزخرف 32- 35 .
وقد كان قيصر ملك الروم وهو كافر أهدى منهم فإنه حين بلغه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم سأل عنه أبا سفيان فقال : يتبعه ضعفاء الناس أو أقوياؤهم ؟ فقال بل ضعفاؤهم . فكان هذا مما استدل به على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنهم أتباع الرسل في كل عصر وزمان وفي الآثار أن موسى ـ عليه السلام ـ لما كلمه ربه تعالى قال: ( يا موسى لا يغرنكما زينة فرعون ولا ما متع به فلو شئت أن ازينكما بزينة ليعلم فرعون أن مقدرته تعجز عن أقل ما أوتيتما ليعلم ولكن أضن بكما عن ذلك و أزويه عنكما وكذلك أفعل بأوليائي , وقديما ما خرت لهم أنى لأذودهم عن الدنيا كما يذود الراعي الشفيق إبله عن (مبارك الهلكة) وأني لأجنبهم سلوتها ونعيمها كما يجنب الراعي الشفيق (غنمه) عن مراتع الهلكة وما ذلك لهوانهم عليّ ولكن ليستكملوا نصيبهم من الاخرة سالماً موفراً لم تكمله الدنيا ولم يطعه الهوى، وقد روى عن عمر رضي الله عنه أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بمشربه له فرفع رأسه في البيت فلم يرفيه إلا أهبة ثلاثه والنبي صلى الله عليه وسلم متكى على رمال حصير ما بينه وبينه شيء قد أثر في جنبه فقلت يارسول الله وأنت على هذه الحال وفارس والروم وهو لايعبدون الله لهم الدنيا , فجلس النبي صلى الله عليه وسلم محمراً وجهه ثم قال( أفي شك انت ياابن الخطاب ؟ أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ) هذا معنى الخبر اهـ
متفق عليه
وقال عبدالرحمن بن حسن بن محمد عبدالوهاب رحمه الله في قرة عيون الموحدين ص 27في قول النبي صلى الله عليه وسلم
( النبي وليس معه احد ):
فيه رد على من احتج بالكثرة كما قال تعالى ( ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الاولين وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن) وفيه دليل على أن الناجي من الأمم هم القليل والاكثر غلبت عليهم الطبائع البشرية فعصوا الرسل فهلكوا كما قال تعالى (وإن تتطع أكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله) وقال ( وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ) وقال ( قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين )
وأمثال هذه الايات في القران كثيرة والناجون وإن كانوا أقل قليل فهم السواد الاعظم فإنهم الاعظمون قدراً عند الله وإن قلوا فليحذر المسلم أن يغتر بالكثرة وقد اغتر بهم كثيرون حتى بعض من يدعي العلم اعتقدوا في دينهم ما يعتقده الجهال الضلال ولم يلتفتوا الى ما قال الله ورسوله . ا هـ
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله كما في الاعتصام 1-112 :
اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين.اهـ
وقال الحسن البصري رحمه الله كما في شرح أصول الاعتقاد 1-57:
يا أهل السنة ترفقوا رحمكم الله فإنكم من أقل الناس.اهـ.
وقال رحمه الله كما في الصوعق المرسلة 1-300:
السنة الذي لاإله إلا هو بين الغالي والجافي فاصبرواعليها رحمكم الله فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما بقي ، الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم ولا أهل البدع في بدعهم وصبرواعلى سنتهم حتى لقوا ربهم.فكذلك إن شاء الله فكونوا.اهـ
وقال سفيان بن عيينة رحمه الله كما في صفة الصفوة 2-235 والإعتصام 1-112:
اسلكوا سبل الحق ولا تستوحشوامن قلة أهلها .
وقال نعيم بن حماد رحمه الله كما في الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية 300:
إذا فسدت الجماعة عليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ.
وقال أبو شامة رحمه الله في الباعث على إنكار البدع والحوادث 26:
وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعةفالمراد به لزوم الحق واتباعه وإن كان المتمسك بالحق قليلاً والمخالف كثيراً، إلى أن قال ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم.اهـ.
وقال ابن حبان رحمه الله في صحيحة 8-44:
والجماعة بعد الصحابة هم أقوام اجتمع فيهم الدين والعقل والعلم ولزموا ترك الهوى فيما هم فيه وإن قلت أعدادهم لا أوباش الناس ورعاعهم وإن كثروا.اهـ.وقال عبدالله بن المبارك رحمه الله
قال سفيان الثوري رحمه الله كما في شرح أصول الاعتقاد 1-64:
استوصوا بأهل السنة خيراً فإنهم غرباء.اهـ.
وقال يوسف بن أسباط رحمه الله سمعت سفيان الثوري رحمه الله كما في شرح أصول 1-64.يقول:
إذا بلغك عن رجل بالمشرق صاحب سنة وآخر بالمغرب فابعث إليهما السلام وأدع لهما ما أقل أهل السنة والجماعة.اهـ.
وقال إسحاق بن رأهوية رحمه الله كما في حلية الأولياء 9-239:
لو سألت الجهال عن السواد الأعظم، قالوا جماعة الناس، ولا يعلمون أن الجماعة عالم متمسك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم وطريقه فمن كان معه وتبعه، فهو الجماعة.اهـ.
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله في الاعتصام 2-267:
مؤكداً هذا الفهم السني الصحيح " فانظر حكايته تتبين غلط من ظن أن الجماعة هي جماعة الناس وإن لم يكن فيهم عالم وهو وهم العوام لا فهم العلماء فليثبت الموفق في هذه المزلة قدمه لئلا يضل عن سواء السبيل ولا توفيق إلا بالله.اهـ.
قلت : تدبر أيها الأخ هذه الكلمات الغاليات واحفظها فإنها تنزيل عنك إشكالات الحزبيين الذين يزعزعون الناس عن هذه المنهج الذين قال فيه عبدالله بن مسعود لعمر بن ميمون يا عمرو قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية تدري ما الجماعة قلت لا قال إن جمهور الناس فارقوا الجماعة وإن الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك.اهـ كما في "الباعث على إنكار البدع والحوادث27".
فيا أخي السني لا تغتر بكثرة الناس فإن الكثرة مذمومة في كتاب الله كن مع الحق ولو كنت وحدك لا تضرك القلة.قال تعالى: [وإن كثيراً من الناس لفاسقون]
وقال تعالى: [وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله]
وقال تعالى: [ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين].
والآيات في هذا المعنى كثيرة وهذه كفاية لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد فهذه وصيتي أيها السني لا يغرنك الذين لا يعلمون الحق وإلا ما تلقوا من أفكارهم المنحرفة.أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعجل فك حصار دماج وأن ينصرهم نصراً مؤزراً وينتقم من الرافضة الحوثيين الأشرار ويظهر عجائب قوته إنه على كل شيئ قدير.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه أخوكم في الله:
أبو سفيان الزيلعي
تعليق