بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم
الحمد لله ملك من شاء ونزع الملك ممن شاء ، وأعز من شاء وأذل من شاء ، وأظهر بالنهار ما شاء وطمس بالليل ما شاء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :
اعلم أن الله سبحانه اصطفى رسلاً من خلقه فبعثهم بالدعاء إليه والصبر على ما نالهم من جهلة خلقه وامتحنهم من المحن بصنوف من البلاء وضروب من المحن واللأواء وكل ذلك تكريماً لهم غير تذليل وتشريفاً غير تخسير ولا تقليل .
وكان أرفع رسله عنده منزلة: أشدهم اجتهاداً وأخذاً في إمضاء أمره مع البلية بأهل دهره قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:
{فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل } [ الأحقاف : 35 ]
وقال تعالى: { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ ص 17]
وقال عز وجل له صلى الله عليه وسلم ولأتباعه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [ البقرة 214] وقال عز وجل: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) } [ العنكبوت 1ـ3]
فلم يخل جل ثناؤه أحداً من مكرمي رسله وأنبيائه ومقربي أصفيائه وأوليائه من محنة في عاجلته دون آجلته يستوجب بصبره عليها ما أعد له من الدرجات التي قسم مصيره إليها وجعل سبحانه علماء الأمم الماضين خلفاء أنبيائهم المرسلين والقوام بما جاءوا به من الدين يرخصون عن أحكامه ويحامون عن حدوده وأعلامه يدفعون عنه كيد الشيطان ويحرسونه من الترك والنسيان لا يصدهم عن التمسك بالحق ولا يثنيهم عن التعطف على الخلق: سوء ما به ينالون توخياً لثواب الله الذي له يطلبون وفيه يرغبون .
ثم جعل سبحانه علماء هذه الأمة أفضل علماء الأمم قسماً وأوفرهم من الخيرات حظاً أعد لهم الكرامات وقسم لهم المنازل والدرجات مع ابتلائه سبحانه لمؤمنيهم بالمنافقين ولصادقيهم بالمكذبين ولخيارهم بالأشرار ولصالحيهم بالفجار وللأماثل الرفعاء بأوضع السفهاء فلم يكن يثني العلماء ما يلقونه من الأذى عن القيام بحقوق الله تعالى في عباده وإظهار الحق في بلاده.
وإذا كان البارىء عز وجل يصبر على ما يقول فيه الجاحدون والمشركون مع قدرته على إهلاكهم وإفنائهم ومنعهم مما يتفوهون به لما سبق في علمه من الإملاء لهم ليزدادوا إثماً والأنبياء عليهم السلام قد صبروا على ما أوذوا به والصالحون قد تأسوا بهم في ذلك .
فالواحد منا مع علمه بتقصيره في كل معنى: لا ينبغي له أن يقلق لكلمة تسوءه وإذا كان القيام بالذب عن أهل الحق ديناً واحتساباً فالصبر على ما يصيبه هو من تمام الاحتساب [ تراجع ترجمة أبي يعلى من طبقات ولده ]
وممن ابتُلي بصنوف أهل الريب والأهواء شيخنا ووالدنا المحدث الصابر المحتسب الناصح الأمين الذي لا يألوا جهداً في تبصير المسلمين وإرشاد الحائرين والذب عن دين رب العالمين ذلك العلامة المتفنن أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري :
فلا زال يحيى واسمه فال عمره *** وكاسم أبيه نجمه دام عالياً
ابتُلي بالرافضة الملحدين و بالمبتدعة المبطلين وبالفجرة الحاقدين وبمن كان أذناً لهم فيما ينقلون وهو في نفسه نرجو أن يكون من الصالحين {وفيكم سماعون لهم }
والسؤال الذي يطرح نفسه كما يقولون !
ماذا يريدون ؟! وإلى ماذا يهدفون ؟ّ! وما غرضهم من هذا التجلد المشين على هذا الدرب الوخيم؟! ومن ورائهم ؟!!! وهل يستطيعون الوصول إلى هدفهم هذا ؟!!!
هذه تساؤلات بحاجة إلى أجوبة صريحة سريعة !!
فمرادهم هو إسقاط يحيى والبيت الأبيض !!
يهدفون إلى إضعاف أهل السنة والتقلص لجهودهم حتى يتمكن الدعاة المبطلين فبوجود يحيى لا راية ترفع لهم وقد كانوا من قبل يقولون : لا ترفع لنا راية ومقبل حي !! فلما مات ظنوا بأن الجو خلا بل وخرجوا وهم يرقصون احتفالاً بما ظنوه انتهاء للكابوس الذي عاشوه في حياة ذلك الإمام -رحمه الله وأعلى منزلته- لكنهم تفاجئوا بالشبل المغوار الذي رباه ذلك الأسد وخلع عليه أحسن الألقاب بل وخصه بأنواع الخصائص كما في وصيته العظيمة تلك لأنه أدرى بطلابه وأهل مكة أدرى بشعابها
وأما ماذا يريدون من هذا التجلد فظاهر وأما من ورائهم فأهل الكفر فمن دونهم من أهل البدع والأهواء فلا رفع لهم اللهُ راية ولا حقق لهم غاية { إِنَّ الله لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المفسدين } [ يونس : 81 ] .
وأما هل يستطيعون الوصول إلى هدفهم هذا أم لا ؟!
فهنا مربط الفرس كما يقال !
والحق أن هؤلاء غفلوا أو تغافلوا أن لكل من الرفعة والضعة أسباب وأن الرافع الخافض هو الله -سبحانه وتعالى- فمن عمل بأسباب الرفعة والعزة والتمكين رفعه الله ووفقه ومن عمل بأسباب الضعة والغواية والضلالة وضعه الله وأضله وخفضه {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران 26]
وهذا السبيل الذي يسلكه هؤلاء هو سبيل السحرة المردة ورحمة الله على الإمام ابن القيم : الذي يعتبر كلامه كموسوعة في التعرف على هؤلاء المردة الخناسين ـ أخزاهم الله ـ قال رحمه الله ـ وهو يصف أحوال هؤلاء مع العالم الصادق : ولكنهم لما علموا انه لا سبيل الى سلب علمه عمدوا الى جحده وانكاره ليزيلوا من القلوب محبته وتقديمه والثناء عليه فإن بهر علمه وامتنع عن مكابرة الجحود والانكار رموه بالعظائم ونسبوه الى كل قبيح ليزيلوا من القلوب محبته ويسكنوا موضعها النفرة عنه وبغضه وهذا شغل السحرة بعينه فهؤلاء سحرة بألسنتهم فإن عجزوا له عن شيء من القبائح الظاهرة رموه بالتلبيس والتدليس والدوكرة والرياء وحب الترفع وطلب الجاه وهذا القدر من معاداة أهل الجهل والظلم للعلماء مثل الحر والبرد لا بد منه فلا ينبغي لمن له مسكة عقل أن يتأذى به إذ لا سبيل له الى دفعه بحال فليوطن نفسه عليه كما يوطنها على برد الشتاء وحر الصيف اهـ [مفتاح دار السعادة 132]
وعليه فمن أصغى سمعه وألقى قلبه بين يدي هؤلاء ونفقت عليه أفاعيل هذه الأفاعي السحرة المردة فلا بد من تبصيره وتوجيهه ولو بشيء من التخشين لا سيما إذا كان كلامه سباً وتجديعاً انتصاراً للرجال كحال ذلك البخاري ومن استغضب والحالة هذه فلم يغضب فهو حمار:
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته **** على طرف الهجران إن كان يعقل
فلئن لم تعرفوا قدر شيخنا يحيى لم تعرفوا قدر الإمام الوادعي من قبل وصدق من قال : لا يعرف قدر الشخص في العلم إلا من ساواه في رتبته وخالطه مع ذلك اهـ [ الطبقات الكبرى 6/202] وهنا لا يتوفر الشرطان فلستم في رتبة الشيخ يحيى في العلم ولا أنتم مخالطون له فنفقت عليكم أقاويل هؤلاء المردة:
إذا لم يكن فيكن ظل ولا خبا *** فأبعدكن الله من شجرات :
وأما هؤلاء السحرة الفجرة ننصحهم بأن يراجعوا سير الرسل عليهم السلام والصالحين وليعتبروا بذلك إن كانت لهم قلوب تعتبر !
وكذلك بمراجعة سير أئمة العلم والهدى كالإمام أحمد وكيف نصب له المعتزلة وغيرهم من المبتدعة العدا حتى نصره الله وأعلى شأنه بخلاف أحيمد البدعة فلا يكاد يذكر إلا في معرض الذم !
وكذلك سير الإمام شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : كيف أنهم ألبوا عليه الخاصة والعامة فنصره الله
و الذهبي حيث ابتلاه بطالبه السبكي انتصاراً للأشاعرة فنصره الله بل وقيض من الأشاعرة أنفسهم من يرمي هذا السبكي بقلة الأدب والمعرفة فسبحان الله
وهكذا الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب كيف أن الله ابتلاه بالصوفية وعباد القبور ووضعوا الأحاديث المكذوبة في تشويهه والنيل منه فنصره الله ورفع ذكره في الباقين وجعل له لسان صدق في الآخرين
وهكذا الإمام المجدد مقبل بن هادي الوادعي كيف أنه ابتلي من أصناف المبطلين فنصره الله حتى عد رابع أربعة من أئمة الهدى ومصابيح الدجى
بل لكم عبرة في أنفسكم تريدون إسقاط هذا العَلم وتعقدون الندوات والمجالس وترسلون الوفود ـ المحرشين ـ بهدف إسقاط وتشويه هذا الإمام غافلين أو متغافلين عن أساب الرفعة والضعة فتكلم الوصابي فتورط وتكلم الجابري وسقط و لحقه البخاري فغى وما ارعوى وتبخر وكل هذه الفترة لم تستطيعوا أن تبرزوا رجالكم وتظهروا أسمائكم فكلما تكلم رجل من هؤلاء قلتم : الآن سيسقط فإذا بشيخنا يعلوهم بحجته ويبدد جمعهم ببراهين لا قبل لهم بها ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً لأنها مستمدة من كتاب ربنا وسنة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ
فالحمد لله الذي بصرنا بكم وصبرنا على أذاكم وأما شيخنا يحيى فعليه البرد والسلام مادام للدين ناصراً وللأعادي كاسراً وللمسلمين ناصحاً وعلى المبطلين ظاهراً والحمد لله رب العالمين
كتبه / أبو عيسى علي بن رشيد العفري
تعليق