بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة فيها إيضاح فهم حديث : « البركة مع أكابركم » و فهم لزوم العلماء
السؤال / أخ يقول: ما معنى حديث : « البركة مع أكابركم » ؟
الجواب / معناه : أن البركة مع الأكابر حسـﴼ ومعنى ، وليس المقصود وليس معناه الأكابر بدون تقى وبدون هدى ، وإلا لشمل ذلك أكابر المشركين والمبتدعة الضالـين ! لكن إذا كان كبيرًا حسـﴼ ومعنى فإنه يكون كذلك تجتمع قوة الرأي مع قوة العـلم مع حسن الفهم مع حسن القصد هذه بمجموعها بركة العـلم والعمـل والقصد الحسن والسنة ، فهـمُ هـذا الحديث : « البركة مـع أكابركم» على إطلاقه مع مخالفة الصواب فهمٌ سيئ لا يتـناسب مع الحديث ولا مع معناه ولا مع الأدلة الأخرى .
قال المناوي في فيض القدير(3 /ص287) : (البركة مع أكابركم) المجربين للأمور المحافظين على تكثيرالأجور فجالسوهم لتقتدوا برأيهم وتهتدوا بهديهم ، أوالمراد من له منصب العـلم وإن صـغر سنه فيجب إجلالهم حفظـﴼ لحرمة ما منحهم الحـق سبحانه و تعالى ، وقـال شارح الشهاب : هـذا حث على طلـب البركة في الأمور والتبحبـح في الحاجات بمراجعة الأكابر لما خصوا به من سبق الوجـود وتجربة الأمور وسـالف عبادة المعبود قـال تعالى : ﴿ قَالَ كَبِيرُهُمْ ﴾ ، و كان في يد المصطفى صلى الله عليه وسلم سواك فأراد أن يعطيه بعض من حضر فقـال جبريل عليه السلام : كبر كبر فأعطـاه الأكبر وقد يكون الكبير في العلم أو الدين فيقدم على من هو أسن منه. اهـ
ونظير ذلك أيضًا ما نسمعه من كثير من الناس من كلمة: (مع العلماء)‼ هذا لاشك فيـه ولا محيص عنه لسلفي من السلفيين ، لأن الله عزوجل يقول : ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ ، و يقول : ﴿ َمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾ ، وفي جامع الترمذي والحديث حسـن ؛ عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قـال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب و ذرفت منـها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظـة مودع فأوصنا . قـال: « أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمـر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافـﴼ كثيرًا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشـدين المهديين من بعدي تمسـكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور» أي طريقة السلف رضوان الله عليهم ، فاشتملـت هذه الأدلة وغيرها كثير من بابها على أنه لا مفر من طريقة العلمـاء وطريقة السلـف، ولا يعني ذلك حصر العلمـاء في عشرة ولا عشرين أنه يدندن حولـهم :
عليكم بالعلماء ، حول العلماء ، كونوا مع العلماء ، ويُعنى بهم عشرين أو خمسة عشر ‼ لا ، يُعنى بهم العلماء من زمن رسـول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا إلى قيام الساعة ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : « لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله » ، فحَصْرُ العلمـاء في عشرة أوعشرين أو خمس عشر فقهٌ هزيل وفهـمٌ غير سديد ، وفي الحقيقة ترى ابن مندة واللالكائي والآجُري وأمثـال هؤلاء يحاكمون المبتدعة إلى الكتـاب والسنة وأقوال العلماء ، و يقولون : قال مجاهد، قال سفيان، قال الأوزاعي، قال فلان، قال فلان فيسوقون من أقوال الأئمة في أزمنتهم ومن مضى ، وهكذا مَن بعدهم ممن سلك مسلكهم يحاكم من خالف الصواب على قواعد العلماء ، وهذا هو في الحقيـقة فهم العلماء والتحاكم إليهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم و فهم السلف ، فالذي يحاكمك إلى قاعدة سلفية إلى أين حاكمـك؟! إلى الدليل والى العلماء ، والذي يحاكمك مثلا إلى قول البخاري والى قول الأوزاعي وإلى قول ابن تيمية وإلى قول ابن القيم وإلى قول النووي و ابن حجر وأمثـال هؤلاء إلى أين حاكمك ؟ وإلى أين دعاك؟! إلى الكتاب والسنة وإلى العلماء . فهذا هو فهم العلماء وهذا هو غرز العلماء حقًا، نحن مَن نكون؟! عسانا أن نكون موفقين إذا سلكنا مسلكهم، ولسنا بأهل أن نحصر الناس علينا نقول: نحن العلماء فمن خالفنا فهو الضـال‼ أعوذ بالله هذا الضلال بعينه هذا الضلال بعينه أن نحصر الناس علينا مثلا لو كنا عشرة أو عشرين أو أكثر أو أقل.
ولا يزال أهل الهدى يحاكمون من خالف إلى الكتاب والسنة والعلماء، لكن نحن نقول: إن من سلك مسلك العلماء فهو منهم ، فيُحاكم مثلاً المحاكم المخالف للصواب إلى الكتاب وإلى السنة وإلى قول البخاري وإلى قول اللالكائي وإلى قول شيخ الإسلام والى قول إمام متقدم أو إمـام متأخرأوعالم معاصر في الجملة مع من مضى دون فصل بين المتقدمين والمتأخرين بزحزحة قواعد السلف وإبقاء المحاكمة إلى اثنين، أربعة، عشرة أو عشرين هؤلاء العلماء الذين يُحاكم إليهم ‼ بأي برهانٍ هذا؟! هذه غباوة ! صحيح هذا لابد من التنبيه عليه بارك الله فيـكم لأنها راجت على كثير من النـاس في أزمنة متأخرة أن العلمـاء يُحصرَون في فلان وفلان يحيى وزيد وعمرو وما إلى ذلك ما هو صحيح ‼ الشيخ رحمه الله كان يقول : لا يقلدني إلا ساقط . ويقول : نحن نتبع الكتـاب والسنة وإذا رأيتموني خالفت في فتوى من فتواي خالفت العلمـاء المتقدمين أو خالفت إجماع العلماء أو قول العلماء فردوها . هذا هو ربط الناس بالعلماء على هذا المعنى: على قواعدهم ،على أصولهم، على آثارهم، على أدلتهم ، على تفسيرهم، على ما إلى ذلك فهذا الذي ندعو الناس إليه جميعًا : الكتاب والسنة وفهم العلماء ؛ لا مجرد فهم زيـد وعبيد الذي يريد أن يحصر العلماء فيه أو فيه ومن وافقه ! ما هو صحيح. هذا فهمٌ لا يقبـله الشرع ولا تقبله كذلك أصول السلف ولا قواعدهم .
الشافعية حصروا العلمـاء في الشافعية فمقت كثير من الناس مقلدة الشافعية حتى قال قائلـهم وهو البوشنجي:
أنا شافعي ما حييت وإن أمت فوصيتي للناس أن يتشفعوا !!
قالوا: هذا غلط ! قل أنا سني ما حييت أتبع الكتاب والسنة هذا هوالواجب عليك وعلى غيرك ، وهكذا الحنفي يقول :
فلعنة ربنا عِدادَ رملٍ على من رد قول أبي حنيفة ‼
والآخر يقول : أنا مالكي ما حييت !! ، وهو أبو إسماعيل الهروي ، وأمثال هؤلاء ، فالذين حصروا العلماء في مذهبهم الشافعية مثلا حصروا العلماء المتبعين في أصحاب مذهبهم و أن من خالـف ذلك أخطأ ! واللهِ ما قبل منـهم هذا .
الذين تجردوا للحـق والصواب أهلُ الحديث ، وقالوا : قولكم مردود عليكم كيف تحصرون العلماء في الشافعية ؟! والآخرون كذلك من المالكـية ومن الحنفية ومن الحنابلة كلُ من تعصـب لمذهبه قـالوا : لا الواجب أخذ الكتاب والسنة على فهم من وافق الكتاب والسنة هؤلاء هم العلماء و هـؤلاء هم الحجة ، الحجة الصـواب وإن كان واحدًا أو أكثر فهـذا هو الصواب في هذه المسـألة لأن فهمها أُسيئ جدًا واللهِ حتى حُصِرَ العلمـاء في قطر مثـلاً :عليكم بالعلماء ، عليكم بالعلماء، غرز العلماء ، طيب والقواعد التي سيقت: ساقها الخطيـب وساقـها ابن القيم والقاعدة ربما عليها ألف عـالم هؤلاء كلهم صفر على الشمال لا نأخـذ بغرزهم ولا بأقوالهم ثم نأخذ بقول زيد وعبيد ويحيى وفلان وعلان‼ بأي برهان هذا ؟! ابن حزم يرد على من يقـول بأن الأذان الأول للجمعة يعني بأخذه يقـول:إما أن تأخذوا بآثارهم جميعًا في ذلك: فأبو بكر لم يفعله تبعًا لرسول الله عليه الصلاة والسلام وعمر لم يفعله والزبير بعد ذلك أيضـﴼ لم يفعله وعلي لم يفعله وفعله عثمان ولا سبيل إلى أخـذ مقالهم جميـعًا في هذا يعني وعثمان كذلك ، وإما أن تأخذوا بقول آخرين وتردوا قول آخرين ، وهذا هوى ، وأما أن تأخذوا ما وافق الدليل ومَن وافق قوله الدليل ، وهذا هو الصواب وهذا هو فهم العلماء . اهـ
اجاب عنه شيخنا الناصح الأمين
أبو عبد الرحمن : يحيى بن علي الحجوري
حفظه الله و رعاه
و قد عُرِض هذا التفريغ على الشيخ حفظه الله فأذن بنشره والعنوان من وضعه أيده الله .
وكتبه أبو عبد الرحمن ياسر بن عوض بن مسلم وفقه الله وأعانه
تعليق