بســــم الله الرحمن الرحيم
قول "ما أصاب فلان عقوبة" ينافي التعظيم الواجب لله عز وجل
(من كتاب شرح أصول الإيمان للشيخ صالح آل الشيخ)
[باب حرمة التألي على الله عز وجل]
قول "ما أصاب فلان عقوبة" ينافي التعظيم الواجب لله عز وجل
(من كتاب شرح أصول الإيمان للشيخ صالح آل الشيخ)
[باب حرمة التألي على الله عز وجل]
١٦ - ولمسلم عن جندب مرفوعاً: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ»[أخرجه مسلم (٢٦٢١)] (١)
الشرح:
هذا الحديث معلوم شرحه وبيانه في كتاب التوحيد [انظر تيسير العزيز الحميد (٦٥٦) باب ما جاء في الإقسام على الله]، وفيه أن قول القائل: «لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ» هذا له نظائر، وأن الإقسام على الله عز وجل لا يجوز في أكثر أحواله؛ لأن فيه تركاً للتعظيم الواجب لله عز وجل، فمن عظّم الله وعرف حقه وعرف تصرفه في ملكوته، فإنه لا يقسم على الله عز وجل أن يكون حال فلان في الآخرة كذا، أو أن يكون مغفوراً له، أو لا يكون مغفوراً له، أو يكون معذباً أو غير معذب؛ لأن علم هذا عند الله عز وجل، ولأن الله سبحانه وتعالى يتصرف في ملكوته كيف يشاء، لا معقب لحكمه، يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، فالتعظيم الواجب لله عز وجل يُوجب على الموحد ألاّ يغتر بنفسه، وألاّ يقسم على الله سبحانه وتعالى ألاّ يغفر لأحد، أو ألاّ يعذب أحداً، فإذا كان الإقسام على الله فيما يختص به ربنا عز وجل في غفران الذنوب وتكفير السيئات وإدخال الجنة أو الإخراج من النار، فإن الإقسام على هذا الحال حرام ولا يجوز، وينافي كمال التوحيد الواجب.
وأما إن أقسم على الله عز وجل في صدقه فيما قال، أو في تحقيق أمر يحصل في الدنيا لنفسه، ويكون في إقسامه على الله عز وجل راجياً الإجابة من الله عز وجل غير متعالٍ، فإن هذا لا بأس به لمن قوي يقينه بربه، وعلم من حاله أن الله عز وجل يستجيب له، وهذا هو توجيه ما جاء في أحاديث متعددة أن فلاناً أقسم على الله بكذا، أو أقسم بالله أن لا يكون كذا مما يحصل في الدنيا، وثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» [أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه] يعني: فيما يحصل في الدنيا، وما يكون من أحوال: إما تصديق خبر، أو تحقيق انتصار، وما أشبه ذلك، أما ما يختص بالله عز وجل في أفعاله سبحانه وتعالى، وما يفعله بالعباد من مغفرة وإماتة وإحياء، والتعذيب بالنار، أو التعذيب في القبر، أو إهلاك عام، أو ما تقتضيه حكمته سبحانه وتعالى، فإن هذا لا يناسب الإقسام على الله به، لأنه لا مصلحة للعبد فيه، وإنما هو يخبر عن فعل الله عز وجل بما ليس له به علم، وهذا ينافي التعظيم الواجب لله عز وجل.
وهذا الحديث الذي ساقه الإمام رحمه الله ظاهر الدلالة على ذلك، وفيه من الفوائد أن العبد المؤمن يجب عليه أن يخاف على نفسه من فلتات لسانه، فإنه قد ثبت عنه ﷺ أنه قال: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» [أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
وهذا الرجل الذي تكلم بهذه الكلمة أوبقت دنياه وآخرته؛ لأنه تألى على الله بقوله: «وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ»، فقال عز وجل: «مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ» يعني: يتعالى عليّ، ويتعاظم عليّ، حيث يتصرف قي مغفرتي، والمغفرة بيد الله سبحانه وتعالى.
وقوله هنا: «وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ» يعني: أنه تحكم في صفة لله عز وجل، بأن جعل هذه الصفة لا أثر لها على فلان، وهذا يكون عند الناس في حديثهم في صفات أخر، ومن أصول الإيمان عند أهل السنة توقير الله عز وجل وتعظيمه، والإنابة إليه والاستكانة له، وعدم التألي عليه والقول عليه بلا علم. فمثلاً: يقول الناس في ألفاظهم: هذا لا يستحق النعمة، أو حرام أن فلاناً يصيبه كذا من مكروه، أو مثل هذا لا يُعاقب، أو هذا ستنزل عليه العقوبة، وأشباه هذه الألفاظ التي فيها تحكم في صفات الله عز وجل.
فأي صفة من صفات الله أردتَّ الكلام عليها يجب أن تستحضر الوجل والخوف من الله عز وجل، فلا تتحكم في صفات الله عز وجل فتخبر عنها بشيء ليس لك؛ كمن يقول: مثل هذا ستحل عليه عقوبة من الله، أو من المؤكد أن هذا ستأتيه العقوبة، وأشباه ذلك مما يستعمله الخاصة والعامة في ألفاظهم، وهذا مما لا يجوز أن يستعمله الناس، بل يذكرون ما دلّت عليه الأدلة من الرجاء للمحسن والخوف على المسيء، فيُقال: نخشى أن تكون عقوبة، نخشى أن يحلّ علينا كذا، وأشباه هذه العبارات التي فيها تعظيم أمر الله وتعظيم صفاته سبحانه وتعالى.
المصدر: [شرح أصول الإيمان للشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله (ص ٦٨)]
(١) قال الشيخ محمد بن حزام حفظه الله [في التوضيح المفيد على كتاب فتح المجيد]:
فائدة: ما الجمع بين هذا الحديث، وحديث أنس [في الصحيحين] في قصة أنس بن النضر أنه حلف أن لا تُكسر ثنية الربيع بنت النضر عند أنِ اعتدت على امرأةٍ، وكسرت سِنَّها، فقضى النبي ﷺ بالقصاص، فقال أنس بن النضر: والله يا رسول الله، لا تُكْسَر ثنيتها؟
الجواب: أن العلماء حملوا ذلك على أنه حلف ثقةً بالله، وعلى حسن ظنٍ به أنه سبحانه سيجعل أصحاب الحق يعفوا عن حقهم، وفعلاً عفا أصحاب الحق عن حقهم، فقال النبي ﷺ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ»، وفي حديث آخر: «رُبَّ أَشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ»[أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه] فهذا كله محمول على حسن الظن، وأما الوارد في الحديث فإنه اعتداء؛ لأنه جزمَ بشيء ليس لأحد فيه تدخل، وهو رحمة الله تبارك وتعالى، وفيه شيء من العُجْب، واحتقار الآخرين.
تعليق