• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صد عدوان البرمكي المشين (3) التدليل على بطلان دعوى البتر والتلبيس والتهويل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صد عدوان البرمكي المشين (3) التدليل على بطلان دعوى البتر والتلبيس والتهويل

    صد عدوان البرمكي المشين
    (3)
    التدليل على بطلان دعوى البتر والتلبيس والتهويل


    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ، أما بعد:

    فإن من الصفات المشهورة عن الحدادية الغلاة: تشنيعهم في مسائل الاجتهاد وتبديعهم بما يسوغ فيه الاختلاف ، ومن هؤلاء الحدادية الذين يسيرون على هذا المنهج ذلك المدعو "عرفات البرمكي" وقد رأيت في كتاباته الكثير من قواعد الحدادية ، ينصرها ويحتج بها ويوالي ويعادي عليها ، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: تحريمه الترحم على أهل البدع، وقوله بأنّ الترحم عليهم جريمة شنعاء، بل جعل من الجرائم ! مجرد نقل كلام موافق للحق ممن تلطخ ببدعة ولو كان الكلام المنقول في فن برع فيه، فأنكر على الشيخ عبد الحميد الحجوري نقله عن الجاحظ تعريف الخيانة وجعل هذا جريمة كبرى يعاقب عليها قانون الحدادية الوضعي، وقد رددت قوله هذا في "الصارم المسلول على البرمكي المخذول" ونقلت عن أكثر من عشرة من العلماء الأجلاء نقلهم عن الجاحظ والاعتداد بقوله ، منهم:
    شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (4/261) و"منهاج السنة" (1/32)
    ابن القيم في "زاد المعاد" (4/240) و "شفاء العليل" (ص: 73)
    الشوكاني "نيل الأوطار" (7/66)
    الذهبي في "الكاشف" (ت:196) و "الميزان" (ت:8690) و "من له رواية في الكتب الستة" (1/169) نقلا عن السهيلي.
    النووي في "تهذيب الأسماء" (ت:1067)
    ابن حجر في "الإصابة" (2/645) "اللسان" (1/437) (2/33) (4/355) (7/115) "فتح الباري" (9/660) (10/250) (10/427)
    عبد الحق العظيم أبادي في "عون المعبود" (3/84)
    ابن النجار في "شرح الكوكب المنير" (1/392)
    اللجنة الدائمة في "مجلة البحوث الإسلامية" (42/273) (48/189) (48/191) (80/46) (80/286) (80/1080)
    الآلوسي في "التفسير" عند قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)
    العيني في "مغاني الأخيار" (5/488)

    ومن بدع البرمكي قوله بالعصمة المطلقة للأنبياء في "البيان الفوري" الذي قدّم له الجابري ، وهذا ليس قول أهل السنة بل قول المعتزلة والشيعة والخوارج، وقد رددت عليه في "الناصح الأمين وشبهات المرجفين" ونقلت عن عدد من العلماء ما يبيّن بدعته وضلاله.

    ومما جعجع به البرمكي، زعمه أن العلامة الناصح الأمين يحى الحجوري حفظه الله يطعن في أمير المؤمنين عثمان! لأنّه خالف اجتهاده في زيادة أذان قبل أذان الجمعة ! وهذا قمّة في الجهل والغلوّ، وقد رددت عليه في الجزء الأول والثاني من "صد عدوان البرمكي المشين" فبيّنت فيه بحمد الله بطلان هذه الدعوى ورددت شبهه الواهية.
    ولو كان البرمكي صادقا في دفاعه عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لردّ على من طعن فيهم بصريح العبارة، لا بالإلزام والإلصاق، فقد طعن الجابري في كعب بن مالك رضي الله عنه فقال: ((لو مات لمات مهجورا ومات ضالا مضلا)) ثم عدّلها بزعم التراجع فقال: (خشي أن يموت على الضلالة)! فأي فرق بين العبارة التي تراجع عنها والتي تراجع بها؟!
    كما طعن الوصابي في الصحابة أيضا ووصفهم بأنّهم أبواق! وأنّهم لا يدركون الأمور على ما هي عليه في الغالب، وأنهم بحاجة إلى التربية والتعليم!
    راجع "الناصح الأمين وشبهات المرجفين" و "أصول الوصابي التي خالف فيها أهل السنّة"

    ومع كلّ هذه الطعون الصريحة والحرب المعلنة على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرك البرمكي ساكنا، ولم يتلق أوامر ممن فوقه بالدفاع عن صحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل إنّه -وهُمْ-لم يردّ[وا] على الروافض بحرف واحد! بينما يحارب أهل دماج الذين حاربوا الروافض بالسلاح، ودفعوا الأنفس والدماء الغالية في سبيل الله ودفاعا عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    هذا وقد أطلعني أخونا أبو عمر الكردي على مقال أجوف للبرمكي يواصل فيه حملته الهزيلة في هذه المسألة، وكأن البرمكي لم يكتف بما مرّ عليه من فضائح، ولم يعتبر بما طرق رأسه من فؤوس الحجة الدامغة، فأخرج هذا التقوّل الأعوج يزعم فيه أنّ علامة اليمن يبتر النصوص! ويحرف الأقوال ويكذب على العلماء!
    فأقول: من كان بيته فقاعة صابون فلا يرمينّ حصون الناس بالحجر! البرمكي من أخبث من خبرت في بتر النصوص والكذب على العلماء، كيف لا وقد بتر حديثا نبويا صحيحا في "البيان الفوري" وقد قلت ردّا عليه: ((قال عرفات البرمكي في سياق احتجاجه على الناصح الأمين في هذه المسالة: ((وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلّم: "... وإنّما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ ... ")) فجعل هذا دليلا على إثبات (الأصول التي خالف فيها الحجوري) !! مع أنّ الحديث لا علاقة له بهذه المسألة ، وتمامه: ((ما من الأنبياء نبي إلا اعطي ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكثرهم تابعا يوم القيامة)) قال الحافظ ابن حجر: ((أي أن معجزتي التي تحديت بها: الوحي الذي أنزل علي وهو القرآن)) أهـ "الفتح" (9/6)
    قلت: فلم يكتف البرمكي ببتر كلام الناصح الأمين وغيره من العلماء المتقدّمين والمتأخّرين ، فتعدّى ذلك إلى بتر كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- (!) وهذا من أساليب أهل الزيغ والضلال ، فإنَّهم يقطعون ما أمر الله به أن يوصل كما ذكر ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- ولا عجب في هذا فقد رمى قبلُ حديثا نبويّا صحيحا بأنّه قول الأشاعرة !! وسيأتي ذكره إن شاء الله.
    لكنّ العجيب في الأمر: أن يقدّم لهذا الهراء الشيخ عبيد الجابري ، بل ويثني عليه ثناء بديعا !! فاللهم سلّم سلّم.)) أهـ
    ومن أراد مراجعة الحلقتين السابقتين من "صد عدوان البرمكي المشين" فسيرى مزيدا من بتر البرمكي وكذبه.

    قال البرمكي في تقوّله الجديد: ((الحجوري نقل عن تسعة وعشرين شخصاً، وظن أنهم يؤيدونه على رميه لعثمان بالبدعة؛ وقد بتر كلام بعضهم بتراً قبيحاً!)) أهـ

    قلت: إمّا أنّ البرمكي لا يعرف ما هو البتر، وإمّا أنّه لا يقصد نصر الحق بل همّه النيل من خصمه بالحق أو بالباطل، وإذا عُدِم الحقّ فليس أمامه سوى الباطل.
    فهل نقل موضع الشاهد من الكلام يعدّ بتراً؟! لو كان الأمر كذلك للزم كلّ ناقل أن ينقل الكتاب كلّه.
    إن البتر الذي يذمه العلماء ويقبحه كل عاقل، هو ما أحال المعنى أو ستر القصد، أمّا اختصار الكلام أو الاقتصار على محل الشاهد فليس بمذموم، إذ كيف يكون مذموما وقد استعمله العلماء الأجِلاّء حتّى في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟! فأكثر العلماء على جواز حذف طرف الحديث اختصارا ، بل منهم من ذهب إلى جواز حذف وسط الحديث والتحديث بطرفيه، إذا كان ذلك لا يحيل المعنى وكان من عارف بمعاني ألفاظ الحديث.
    وأنبّه هنا إلى أنّ العلامة الحجوري حفظه الله قد نقل في كتابه "أحكام الجمعة" عن عدد من العلماء ما يدلّ على أنّ الأذان الأوّل يوم الجمعة إنما حدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، بغضّ النظر عن مذهب المنقول عنهم هل يرون الاقتصار على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلّم أو متابعة عثمان رضي الله عنه على اجتهاده لاجتهاد رأوه، وعلى هذا فإذا علم عن بعض من نقل عنهم أنه يوافق اجتهاد عثمان رضي الله عنه، وعلم عن الشيخ يحيى حفظه الله أنّه نقل من كلامهم ما يدلّ على حدوث الأذان زمن عثمان رضي الله عنه دون نقل موافقتهم له، فإنّ هذا لا يعدّ بترا إلاّ عند من طمس الله بصيرته، وتشبّع قلبه غلوّا وحقدا على أهل السنّة، وامتلأت نفسه حسدا لعباد الله على ما آتاهم الله من فضله.
    وهذا كاف بحمد الله وقاض على تهويل البرمكي كلّه ـ إذا فُهِم ـ لكن حسبي أن أعلق على نتفٍ من كلامه السمج، بغير شرط الاستيعاب لضيق الوقت والله المستعان.

    قال البرمكي: (أولاً: بتر الحجوري لكلام الإمام إسحاق بن راهوية –رحمه الله عنه-:
    قال الحجوري في طبعته الجديدة للجمعة ص (413):
    (12- إسحاق بن راهوية قال: إن الأذان الأول محدث أحدثه عثمان، ذكر هذا الأثر ابن رجب في فتح الباري (8/220-221) انتهى كلام الحجوري.
    قلت: لقد ارتكب الحجوري جريمة شنعاء؛ ولم أرَ هذا الطريقة المزرية تستخدم مع الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه- إلا من قِبَل أهل البدع، وإليك كلام إسحاق بن راهوية كاملاً كما نقله ابن رجب عنه من الموضع نفسه الذي نقل عنه الحجوري، قال ابن رجب: (ونقل حرب، عن إسحاق بن راهوية: أن الأذان الأول للجمعة محدث، أحدثه عثمان، رأى أنه لا يسمعه إلا أن يزيد في المؤذنين، ليعلم الأبعدين ذلك، فصار سنة: لأن على الخلفاء النظر في مثل ذلك للناس). أهـ

    قلت: قد مضى التنبيه على أنّ الشيخ حفظه الله إنّما نقل عن طائفة من العلماء ما يدلّ على حدوث هذا الاذان دون التطرق لمذهبهم فيه موافقة أو مخالفة، فإذا ثبت إحداثه كمقدّمة أولى، قدّم المقدّمة الثانية وهي إنكار المحدثات مهما علت درجة من أحدثها، فيتقرر حينئذٍ النهي عن هذا الأذان لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلّم، فاستغلّ البرمكي هذا ليوهم جهلة القراء أنّ الشيخ يحيى حفظه الله قد بتر الكلام، فحسبنا الله ونعم الوكيل.

    قال البرمكي: (ثانياً: الإمام نافع –رحمه الله-:
    قال الحجوري في طبعته الجديدة ص (414):
    (13- نافع مولى ابن عمر: أخرج وكيع، من طريق هشام بن الغاز قال: سألت نافعاً عن الأذان يوم الجمعة، فقال: قال ابن عمر: بدعة، وكل بدعة ضلالة. وتقدم ثبوت سندها إلى نافع عند أثر ابن عمر برقم [1] ). انتهى كلام الحجوري.
    قلت: هذا الأثر عن ابن عمر رضي الله عنهما كما ساقه الحجوري، وليس عن نافع!
    ونحن نطالب الحجوري أن يثبت هذا عن نافع وأنى له ذلك إلا أن يشاء الها تعالى.) أهـ

    قلت: إمّا أن البرمكي غبي أو أنّه يستغبي الناس! فالرواية صريحة جدّا في أنّ نافعا رحمه سُئل فأجاب بقول ابن عمر، أي أنّه رحمه الله موافق لشيخه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في حكمه على هذا الاذان بالبدعة، وعلى هذا فتصحّ نسبة القول لكليهما.
    أمّا مطالبته الشيخ حفظه الله بإثبات هذا النقل عن نافع رحمه الله: فهو طلب تحصيل حاصل، فقد أثبته تلميذه البار الشيخ أبو حاتم يوسف بن العيد العنابي حفظه الله بما لا مزيد عليه في جزء بعنوان "بيان الغلط في تضعيف الشيخ ربيع لأثر ابن عمر رضي الله عنهما" وهو قاض على كلّ ما أثير في الباب فليراجع.

    قال البرمكي: (لا يثبُت من قول ابن عمر رضي الله عنهما إلا قوله: الأذان الأول يوم الجمعة بدعة.
    فقط لا غير، فزيادة : "وكل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسناً" زيادة شاذة لا تصح.
    فقد روى ابن أبي شيبة هذا الأثر برقم (5479) عن شبابة، وبرقم (5483) عن وكيع، كلاهما (شبابة ووكيع) عن هشام بن الغاز، عن نافع، عن ابن عمر به. بغير هذه الزيادة.) أهـ

    قلت: وقد رواه وكيع نفسه في (كتابه) بهذه الزيادة، كما في "فتح الباري" لابن رجب (6/205) والذي رواه ابن أبي شيبة أتى بلفظ مختصر، وقد روى الشطر الثاني عن وكيع إسحاق بن إبراهيم عند المروزي في "السنة" (67) مما يدل على ثبوته.

    قال البرمكي: (وقد بينت في الجزء الأول والثاني معنى كلام ابن عمر رضي الله عنهما، ونقلت كلام ابن رجب وأبا بطين -رحمهما الله تعالى- على أن أثر ابن عمر يحمل على المعنى اللغوي، بل صرح ابن رجب أن قوله كقول أبيه : "نعمت البدعة هذه".)أهـ

    قلت: وقد وقعتَ في البتر الذي تحاول إلصاقه بغيرك، حيث أنّك قد بترت كلام الحافظ ابن حجر الذي قال: ((وروى بن أبي شيبة من طريق بن عمر قال: (الأذان الأول يوم الجمعة بدعة) فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار ويحتمل أنه يريد أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه و سلم وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة لكن منها ما يكون حسنا ومنها ما يكون بخلاف ذلك))أهـ "فتح الباري" (2/394)
    أمّا نحن فبحمد الله سائرون على نهج سلفنا الصالح، نقرّ بأنّ المسالة من مسائل الاجتهاد، وما نقلته من أقوال العلماء فلا تثريب عليهم فيها، لكنها اجتهادات يستدلّ لها ولا يستدلّ بها.

    قال البرمكي: (قال الحجوري في طبعته الجديدة ص (411):
    (الزهري رحمه الله (ج2 ص140): حدثنا هشيم، عن أشعث، عن الزهري قال: أول من أحدث الأذان الأول عثمان ليؤذن أهل السوق اهـ وهذا سند لا بأس به إلى الزهري، فهشيم: ثقة. وأشعث: هو ابن عبد الملك الحمراني ثقة. أما عنعنة هشيم فهي في الباب مع غيرها من الآثار.) اهـ كلام الحجوري.
    قلت: هذا الأثر ضعيف لا يصح! لأن فيه هشيم بن بشير الواسطي وهو مدلس وقد عنعن!
    وقد عدَّه الحافظ في طبقات المدلسين في المرتبة الثالثة وهم الذين: أكثروا من التدليس، فلم يحتج
    الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع. وانظر تعريف أهل التقديس (63). تحقيق د/ أحمد المباركي.
    وقال الحافظ عن هشيم كما في الكتاب نفسه ص (159): مشهور بالتدليس مع ثقته.
    والحجوري ضعف حديثاً في كتابه الجمعة ص (150) بسبب عنعنة هشيم فقال:
    (وهو مرسل ضعيف فيه عنعنة هشيم، ومراسيل الحسن شديدة الضعف.).
    وهنا لما وافق هذا الأثر هواه صححه واكتفى بقوله: هشيم ثقة!
    ثم أراد أن يستدرك فقال ص (411):
    (أما عنعنة هشيم فهي في الباب مع غيرها من الآثار.!)
    قلت: ما هذا الكلام السمج؟ إن أمر هذا الحجوري عجيب جداً! فهو يقدم رِجْلاً ويؤخر أخرى! هناك عنعنة هشيم تضر! وهنا لا تضر! إنها العشوائية في التحقيق فوا أسفاه.
    والحجوري لم يَخْفَ عليه هذا لكنه الهوى لنصرة باطله والله المستعان.) أهـ

    قلت: من الجهل أوتيت يا برمكي! فمعنى قول العلامة الحجوري: (أمّا عنعنة هشيم فهي في الباب مع غيرها من الآثار)أهـ فمعناه: أنّ عنعنة هشيم وإن كانت تضر إلاّ أنّها تعتضد بما ورد في الباب من آثار توافقها في المعنى، وهو أنّ الأذان الأوّل يوم الجمعة إنّما حدث في خلافة عثمان رضي الله عنه، وهذا لا غبار عليه وإنّما الآفة في الفهم السقيم.
    وأمّا قوله حفظه الله: (وهو مرسل ضعيف فيه عنعنة هشيم، ومراسيل الحسن شديدة الضعف.)أهـ فيعني أن لهذا الحديث علّتان: العنعنة والإرسال، ولئن جبِرت العنعنة فلن يجبر الإرسال لكونه من مراسيل الحسن وهي شديدة الضعف لا تعتضد، والكلام في أثر الحسن كالكلام في هذا.
    فلا غبار على هذا الكلام ولا مطعن فيه، لكن التهويل وحبّ الظهور، وإرادة إسقاط العلماء ليخلو الجوّ لأهل الغلو وأهل التمييع ومن جمع بينهما.

    قال البرمكي: (قلت: فلينظر القارئ الجريمة الشنعاء التي ارتكبها هذا الحجوري !
    فالكلام ليس هو كلام الباجي، بل هو كلام ابن حبيب! وقد يقول قائل: وما الفرق سواء كان الباجي أو ابن حبيب؟ فسنة النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع وهي الأذان الذي كان في زمنه!
    والجواب: أتدري ماذا يقصد ابن حبيب بقوله: وفعل النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن يتبع.
    يريد به قوله والذي نقلته لك آنفاً مع كلام الباجي فارجع إليه ووضعته بخط غامق وهو:
    (وقال ابن حبيب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد رقى المنبر فجلس فأذن المؤذنون على المنار واحدا بعد واحد...)
    فهو يقرر ما تقرره المالكية وتعتقد أنه سنة: يؤذن مجموعة من المؤذنين واحدا بعد واحد ثم يخطب الخطيب.
    فالحجوري أدرك هذا، وعلم مقصد ابن حبيب فبتر كلامه السابق، وحذف اسمه في آخر الكلام حتى يظهر للقراء أن الكلام للباجي! وأنه حول أذان عثمان رضي الله عنه، وليس الأمر كذلك.
    فكان على الحجوري أن يثبت كلام ابن حبيب كاملاً بغير بتر ثم بعد ذلك يرد عليه.) أهـ

    قلت: كلام ابن حبيب الذي نقله البرمكي هو: (قال ابن حبيب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد رقى المنبر فجلس فأذن المؤذنون على المنار واحدا بعد واحد فخطب، قال: ثم أمر عثمان لما كثر الناس أن يؤذن عند الزوال بالزوراء وهو موضع السوق ليرتفع منها الناس فإذا خرج وجلس على المنبر أذن المؤذنون على المنار، ثم إن هشام بن عبد الملك في إمارته نقل الأذان الذي في الزوراء فجعله مؤذنا واحدا يؤذن عند الزوال على المنار فإذا خرج هشام وجلس على المنبر أذن المؤذنون بين يديه فإذا فرغوا خطب قال ابن حبيب: وفعل النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن يتبع)أهـ

    فقوله: (وفعل النبي صلى الله عليه وسلّم أحقّ أن يتّبع) واضح في إنكار فعل عثمان رضي الله عنه وفعل هشام رحمه الله، إذ أنّه لو لم يكن منكرا لقال: [وفعل الخليفة الراشد أحق أن يتبع]!! لكن قوله قاضٍ بأن لا نعبد الله إلاّ بما عبده به رسوله صلى الله عليه وسلّم.
    وقد نقل الباجي هذا الكلام مقرّا له، بل أيّده بقوله: (وهذا كما قال أنه لا يصح في الأذان والإقامة إلا ما أدرك الناس عليه واتصل العمل به في المدينة وهو أصل يجب أن يرجع إليه) أهـ
    أي أنّ الأمر كما قال ابن حبيب وهو ما اتصل العمل عليه في عهد أبي بكر وعمر وصدر من خلافة عثمان رضي الله عنهم جميعا.

    قال البرمكي: (الحادي عشر: ابن رشد الحفيد المالكي:
    قال الحجوري في طبعته الجديدة ص (416):
    (18- ابن رشد الْحَفيد: قال -رحِمه الله-: أما الأذان؛ فإن جُمهور الفقهاء اتفقوا على أن وقته هو إذا جلس الإمام على الْمِنبر. اهـ الْمُراد من بداية الْمُجتهد (ج1 ص382).
    قلت: إليكم كلام ابن رشد حيث قال في الموضع نفسه الذي نقل منه الحجوري:
    (أما الوقت فإن الجمهور على أن وقتها وقت الظهر بعينه: أعني وقت الزوال وأنها لا تجوز قبل الزوال وذهب قوم إلى أنه يجوز أن تصلى قبل الزوال وهو قول أحمد بن حنبل. والسبب في هذا الاختلاف، الاختلاف في مفهوم الآثار الواردة في تعجيل الجمعة، مثل ما خرجه البخاري عن سهل بن سعد أنه قال: ما كنا نتغدى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نقيل إلا بعد الجمعة. ومثل ما روى أنهم كانوا يصلون وينصرفون وما للجدران أظلال فمن فهم من هذه الآثار الصلاة قبل الزوال أجاز ذلك ومن لم يفهم منها إلا التبكير فقط لم يجز ذلك لئلا تتعارض الأصول في هذا الباب وذلك أنه قد ثبت من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس وأيضا فإنها لما كانت بدلا من الظهر وجب أن يكون وقتها وقت الظهر فوجب من طريق الجمع بين هذه الآثار أن تحمل تلك على التبكير إذ ليست نصا في الصلاة قبل الزوال وهو الذي عليه الجمهور. وأما الأذان فإن جمهور الفقهاء اتفقوا على أن وقته هو إذا جلس الإمام على المنبر واختلفوا هل يؤذن بين يدي الإمام مؤذن واحد فقط أو أكثر من واحد؟).
    قلت: فكل هذا رمى به الحجوري خلف ظهره، وتمسك بالعبارة الأخيرة فقط، التي لا حجة له فيها لا من قريب ولا من بعيد! لأن سياق الكلام وسباقه يبين معنى كلام ابن رشد؛ حيث إنه ينقل الخلاف كما نقله الباجي في مسألة وقت صلاة الجمعة، وهل يجوز أن تصلى قبل الزوال ... ) إلخ

    قلت: لا أدري بأي عقل يكتب البرمكي، بل لا أدري أيكتب بعقل أم بغير عقل، فإنّ من أدرك أقلّ القليل من لغة العرب يفهم من كلام ابن رشد رحمه الله أنّ جمهور الفقهاء على أنّ الجمعة لها أذان وقته إذا جلس الإمام على المنبر وليس لها أذان قبله، وليس ينفع البرمكي أنّ ينقل عن ابن رشد كلامه في المسألة السابقة لهذه في كتابه وهي مسألة وقت الجمعة.
    وبيان ذلك: أنّ ابن رشد رحمه الله قد تكلم عن مسألة وقت صلاة الجمعة، فذكر الخلاف وفصّل فيه إلى نهاية المسألة، ثم ابتدأ الكلام في مسألة جديدة وهي مسألة وقت الأذان، وفصل بينهما بقوله (وأمّا) ثمّ ذكر أنّ وقت الأذان عند جلوس الإمام على المنبر.
    وابن رشد رحمه الله علم فقيه، لهذا ذكر الخلاف في المسألة ولم ينسب أي قول من الأقوال إلى الطعن في أمير المؤمنين رضي الله عنه، فقال: (فذهب بعضهم إلى أنه إنما يؤذن بين يدي الإمام مؤذن واحد فقط وهو الذي يحرم به البيع والشراء. وقال آخرون: بل يؤذن اثنان فقط. وقال قوم: بل إنما يؤذن ثلاثة. والسبب في اختلافهم اختلاف الآثار في ذلك وذلك أنه روى البخاري عن السائب بن يزيد أنه قال كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان زمان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء وروي أيضا عن السائب بن يزيد أنه قال لم يكن يوم الجمعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد وروي أيضا عن سعيد بن المسيب أنه قال كان الأذان يوم الجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أذانا واحدا حين يخرج الإمام فلما كان زمان عثمان وكثر الناس فزاد الأذان الأول ليتهيأ الناس للجمعة وروى ابن حبيب أن المؤذنين كانوا يوم الجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة فذهب قوم إلى ظاهر ما رواه البخاري وقالوا: يؤذن يوم الجمعة مؤذنان. وذهب آخرون إلى أن المؤذن واحد فقالوا: إن معنى قوله: فلما كان زمان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث أن النداء الثاني هو الإقامة. وأخذ آخرون بما رواه ابن حبيب وأحاديث ابن حبيب عند أهل الحديث ضعيفة ولا سيما فيما انفرد به.) أهـ
    فلماذا لا يقرّ البرمكي ومن يقف وراءه بهذا الذي سطّره العلماء في كتبهم من حكاية الخلاف في المسألة وعدم الانكار فيها لكونها من قضايا الاجتهاد؟!

    قال البرمكي: (الثاني عشر: القرطبي المالكي:
    قال الحجوري في طبعته الجديدة ص (420):
    (24- القرطبِي -رحِمه الله-: قال فِي تفسير سورة الْجُمعة عند الآية (9) منها: وقد كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فِي سائر الصلوات يؤذن واحد إذا جلس النَّبِي صلى الله عليه وسلم على الْمِنبر، وكذلك كان يفعل أبو بكر وعمر وعلي بالكوفة، ثُمَّ زاد عثمان أذانًا ثالثًا على داره الَّتِي تسمى بـ: الزوراء حين كثر الناس بالْمَدينة. اهـ الْمُراد. ) انتهى كلام الحجوري.
    قلت: هل تجد أيها القارئ في كلام القرطبي رمي عثمان بالبدعة !!؟)أهـ

    قلت: وهل تجد في كلام العلاّمة الحجوري حفظه الله رمي عثمان رضي الله عنه بالبدعة؟! أم أنّه خالفه في اجتهاده وقال: ((وهو رضي الله عنه فِي ذلك معذور وعلى اجتهاده وحسن قصده مأجور)) أهـ
    إن كلام القرطبي رحمه الله ككلام غيره من العلماء يدلّ على ما أجمع عليه أهل الإسلام قاطبة من أنّ الأذان الأوّل للجمعة ليس من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، ومثله يقال في كلام ابن عبد البر رحمه الله، وعلى ذلك فقس.

    قال البرمكي: (زعمه أن شيخ الإسلام قال بأن ظاهرة الإرجاء ظهرت في الصحابة أولاً!!)أهـ

    قلت: قد سبق الردّ على هذا الكلام في "الناصح الأمين وشبهات المرجفين" وأذكرك هنا بما رددت به عليه سابقا فأقول:
    لقد حرّف الحزبيّون كلام الشيخ يحيى في هذه المسألة تحريفا فاحشا ، حتّى أدعوا عليّه أنّه يقول بأنّ أوّل من قال بالإرجاء هم الصحابة!! وهذا من الكذب العظيم الذي بلغ الآفاق ، وغاية فعل الشيخ يحيى -حفظه الله- أن نقل كلام من سبقه من العلماء.
    قال ابن أبي العز -رحمه الله-: ((وأراد الشيخ -رحمه الله- بقوله: (لا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله) مخالفة للمرجئة ، وشبهتهم كانت قد دخلت لبعض الأوّلين ، فاتفق الصحابة على قتلهم إن لم يتوبوا ، فإن قدامة بن عبد الله شرب الخمر بعد تحريمها هو وطائفة ، وتأوّلوا قوله تعالى: ﴿ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات﴾)) أهـ "شرح الطحاوية" (ص:259) ط/دار الإمام مالك-الجزائر.
    قلت: قال هذا في (شرح الطحاوية) وهو من الكتب المعتمدة عند العلماء في تقرير العقيدة السلفية ، وقد قرأه العلماء وعلقوا عليه ، وذكروا ملاحظات على ما أخطأ فيه مصنفه ، ومن هؤلاء العلماء الذين علقوا عليه: الإمام الألباني ، والعلامة ابن باز ، والشيخ عبد الرزاق عفيفي ، وكلّهم أقرّوا هذا الكلام ولم يتعقّبوه.
    ومعلوم أنّ هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم ما استحلّوا الخمر !! قال شيخ الإسلام: ((كما لم يحكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون وأصحابه لما غلطوا فيما غلطوا فيه من التأويل)). "مجموع الفتاوى" (7/610).
    والتأوّل إنّما يكون بشبهة ، وهذه الشبهة التي تأوّلوا بها هي: أنّهم إذا كانوا مؤمنين فلن يضرهم شرب الخمر ، وهي نفس الشبهة التي دخلت فيما بعد على المرجئة ، لكنّ أولئك من الصحابة رضي الله عنهم لما علّمهم من هو أعلم منهم تابوا وندموا فرُفعوا ، أمّا المرجئة فعاندو فصاروا من أعتى صنوف أهل البدع.

    قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: ((ومنهم من يستحل الخمر زعما منه أنها إنما تحرم على العامة: الذين إذا شربوها تخاصموا وتضاربوا ، دون الخاصة العقلاء ، ويزعمون أنها تحرم على العامة الذين ليس لهم أعمال صالحة !! فأما أهل النفوس الزكية والأعمال الصالحة: فتباح لهم دون العامة؛ وهذه (الشبهة) كانت قد وقعت لبعض الأولين ، فاتفق الصحابة على قتلهم إن لم يتوبوا من ذلك ، فإن قدامة بن مظعون شربها هو وطائفة ، وتأولوا قوله تعالى: ﴿ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات﴾ فلما ذكر ذلك لعمر بن الخطاب: اتفق هو وعلي بن أبي طالب وسائر الصحابة على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جلدوا ، وإن أصروا على استحلالها قتلوا؛ وقال عمر لقدامة: أخطأت استك الحفرة ، أما إنك لو اتقيت وآمنت وعملت الصالحات لم تشرب الخمر ؛ وذلك أن هذه الآية نزلت بسبب: أن الله سبحانه لما حرم الخمر –وكان تحريمها بعد وقعة أحد- قال بعض الصحابة: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ؟! فأنزل الله هذه الآية يبين فيها أن من طعم الشيء في الحال التي لم تحرم فيها فلا جناح عليه إذا كان من المؤمنين المتقين المصلحين.)) "مجموع الفتاوى" (11/403-404).

    جاء في "مجلّة البحوث الإسلامية" (12/271) بإشراف الشيخ العلامة عبد العزيز ابن باز –رحمه الله-: ((ولو رجعنا إلى الوراء في تاريخنا الطويل ، لوجدنا أن هذه البدعة التي تسمى بالتصوف اليوم قد أطلت برأسها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلا أنها قمعت عند أول ظهورها أو التفكير فيها ، وذلك عندما جنح بعض الناس إلى نوع من الرهبانية فذهب ثلاثة أشخاص من الصحابة إلى بيت من بيوت الرسول عليه الصلاة والسلام ، فسألوا عن عبادته عليه الصلاة والسلام ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها –أي رأوا أن ما يفعله الرسول من العبادة قليل- فهم يريدون أكثر من ذلك؛ فقال أحدهم: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر ، وقال الثاني: وأما أنا فأقوم الليل ولا أنام ، وقال الثالث: وأما أنا فلا أتزوج النساء ، فلما بلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام طلبهم فأتي بهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ فلم يسعهم إلا أن يقولوا: نعم ، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((أما والله إني لأعبدكم وأخشاكم لله ، ولكني أصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) هذه الواقعة رويناها بالمعنى تقريبا ، وهي عند الشيخين وبعض أهل السنن.
    ومما يلاحظ أن الرسول عليه الصلاة والسلام استخدم في إنكار هذه البدعة أسلوبا لا نعلم أنه كان يستخدمه عندما يبلغه أن إنسانا ما ارتكب مخالفة أو أتى معصية ، بل كانت عادته الكريمة المعروفة أنه في مثل هذه الحالة يجمع الناس فيوجه إليهم كلمة عامة واستنكارا وتوبيخا لا مجابهة فيه , كأن يقول : ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ؟ وقد كان هذا الأسلوب كافيا للردع والإنكار مع ما يتضمنه من الستر على مقترف تلك المعصية .
    ولكننا رأينا الرسول عليه الصلاة والسلام هذه المرة يطلب حضور الثلاثة الذين جنحوا إلى ما يسمى (التصوف) اليوم ، ثم يسألهم أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ ، ثم يعلن لهم أنه أعبدهم وأخشاهم لله مؤكدا ذلك بالقسم ، كأنهم لا يعلمون ذلك تقريعا لهم وتوبيخا ، فأشعرهم أن الأساس في العبادة الاتباع دون الابتداع ، وأن الكيفية مقدمة على الكم المخالف للسنة ، ثم يختم التوبيخ بالبراءة أي بالإخبار أن من يرغب عن سنته وهديه ليس منه ولا هو على دينه الذي جاء به من عند الله.
    ومما ينبغي التنويه به هنا أن حسن النية وسلامة القصد والرغبة في الإكثار من التعبد ، كل هذه المعاني لا تشفع لصاحب البدعة لتقبل بدعته أو لتصبح حسنة وعملا صالحا ، لأن هؤلاء الثلاثة لم يحملهم على ما عزموا عليه إلا الرغبة في الخير بالإكثار من عبادة الله رغبة فيما عند الله ، فنيتهم صالحة ، وقصدهم حسن ، إلا أن الذي فاتهم هو التقيد بالسنة التي موافقتها هو الأساس في قبول الأعمال مع الإخلاص لله تعالى وحده؛ وبعد: لعل القارئ يلاحظ أن بدعة التصوف ظهرت أول ما ظهرت مغلفة بغلاف العبادة والزهد ، وهما أمران مقبولان في الإسلام ، بل مرغوب فيهما ، ثم ظهرت على حقيقتها التي هي عليها الآن ، وهذا شأن كل بدعة ، إذ لا تكاد تظهر وتقبل إلا مغلفة بغلاف يحمل على الواجهة التي تقابل الناس معنى إسلاميا مقبولا ، بل محبوبا.)) أهـ
    فكيف يفعل البرمكي الآن مع الشيخ ابن باز رحمه الله ومن معه من العلماء المشاركين في (مجلة البحوث الإسلامية) وهم يقولون بأنّ بدعة التصوف قد ظهرت في الصحابة أوّلا، وأنّ بعض الصحابة قد جنحوا إلى التصوّف وأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد قمع هذه البدعة؟!! هل سيقول البرمكي بأنّ الشيخ ابن باز رحمه الله (طعن السلفية طعنة خبيثة) !! وهل من عقيدة أهل السنّة عصمة الصحابة؟!!

    قال البرمكي: (ومنها أنه يقول: إن أهل السنة هم أقرب الطوائف إلى الحق!!) أهـ

    قلت: وقد أطلق أهل العلم هذه العبارة بإطلاقات متعدّدة ، فمنهم من صرّح بأنّ أهل السنّة أقرب إلى الحقّ:
    كما قالت اللجنة الدائمة ، برئاسة الإمام ابن باز: ((أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق وأحرصها على تطبيقه أهل السنة ، وهم أهل الحديث . . . ))[1]أهـ
    قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: ((ولا شك أن أقرب الناس إلى الصواب أهل الحديث))[2]
    وقال الإمام الوادعي -رحمه الله-: ((فمن توفرت فيه هذه الصفات في سورة العصر والمؤمنون و الحديث فهو من الفرقة الناجية ، وأقرب الناس ممن تنطبق عليه هذه الصفات هم أهل الحديث...))[3].

    ومنهم من وصف الطريق التي يهدي إليها القرآن بأنّها أقرب إلى الحقّ:
    قال الإمام ابن القيّم -رحمه الله-: ((فإن الله سبحانه وصفه بكونه هدى في غير موضع ، وأخبر أنه ﴿يهدي للتي هي أقوم﴾ الطرق ، وهي أقربها إلى الحق))[4].

    ومنهم من وصف الصحابة -الذين هم رأس أهل السنة- بأنّهم أقرب إلى الحقّ:
    قال الإمام ابن قدامة المقدسي -رحمه الله-: ((ومن وجه آخر: وهو أن الصحابة أقرب إلى الصواب وأبعد من الخطأ ، لأنهم حضروا التنزيل وسمعوا كلام الرسول منه ، فهم أعلم بالتأويل وأعرف بالمقاصد ، فيكون قولهم أولى كالعلماء مع العامة))[5].أهـ

    قال الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله-: ((والذي ثبت عن الصحابة: أقرب إلى الصواب من أقوال المتأخرين التي لم تقترن بالدليل))[6] اهـ

    قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: ((ولهذا كان الصحابة أقرب إلى الحق ممن بعدهم ، لا في التفسير ، ولا في أحكام أفعال المكلفين ، ولا في العقائد أيضاً؛ لأن الهداية للحق علقت بالإيمان؛ ولا شك أن الصحابة أقوى الناس إيماناً))[7].

    وقال -رحمه الله-: ((وإنما كان اتباع سبيلهم من منهج أهل السنة والجماعة ، لأنهم أقرب إلى الصواب والحق ممن بعدهم ، وكلما بعد الناس عن عهد النبوة، بعدوا من الحق ، وكلما قرب الناس من عهد النبوة، قربوا من الحق ، وكلما كان الإنسان أحرص على معرفة سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين ، كان أقرب إلي الحق.
    ولهذا ترى اختلاف الأمة بعد زمن الصحابة والتابعين أكثر انتشاراً وأشمل لجميع الأمور، لكن الخلاف في عهدهم كان محصوراً.
    فمن طريقة أهل السنة والجماعة: أن ينظروا في سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار فيتبعوها ، لأن اتباعها يؤدي إلي محبتهم ، مع كونهم أقرب إلى الصواب والحق))[8].

    قال الشيخ العلامة صالح الفوزان -حفظه الله-: ((ومن صفات أهل السنة: اتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لما خصهم الله به من العلم والفقه ، فقد شاهدوا التنزيل وسمعوا التأويل وتلقوا عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بدون واسطة فهم أقرب إلى الصواب وأحق بالإتباع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم))[9]

    بل من العلماء من وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- بأنّه أقرب إلى الصواب:
    قال الإمام الألباني -رحمه الله-: ((فرسول الله -صلى الله عليه وسلّم- أولى بالاجتهاد ، وأقرب إلى إصابة الصواب))[10]

    ومنهم من وصف فعل الأمور المشروعة بأنّه أقرب إلى الحقّ:
    قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: ((لأن الذي يفعل الأمور المشروعة التي ثبتت بها السنة أقرب إلى الحق ممن يعتمد على تقليد فلان وفلان ممن هم عرضة للخطأ))[11].

    وقال الشيخ العلامة أحمد النجمي -رحمه الله-: ((فإذا توازن في نفس العبد الخوف والرجاء: ففي هذه الحالة يكون أقرب إلى الحقّ))[12].

    ومعلوم أنّ من اعتمد على التقليد ، ولم يفعل الأمور المشروعة الثابتة بالكتاب والسنّة ، فهو على الباطل ، وأن الذي يفعل الأمور المشروعة التي ثبتت بها السنة فهو على الحقّ المحض ، ومع هذا جاز أن يوصف بكونه أقرب إلى الحقّ.
    ومعلوم أيضا: أنّ من غلّب الخوف على الرجاء ، أو الرجاء على الخوف ، كان من أهل الباطل ، وأنّ توازن الخوف والرّجاء هو الحقّ المحض ، ومع هذا جاز أنّ يوصف هذا (الحق المحض) بأنّه أقرب إلى الحق ، لأنه لا تعارض بين الوصفين ، فمن كان على الحقّ المحض فهو أقرب إليه من غيره ، كما أنّ من كان داخل البيت فهو أقرب إليه ممن بخارجه !!

    ومنهم من أوجب على المسلم أن يحرص على أن يكون أقرب إلى الحقّ:
    قالت اللجنة الدائمة: ((الواجب على المسلم أن يتبع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- قولا وعملا واعتقادا ، وأن يحب في الله ويبغض في الله ، ويوالى في الله ويعادي في الله ، وأن يحرص على أن يكون أقرب الناس إلى الحق بقدر استطاعته.
    وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
    الرئيس: محمد بن إبراهيم آل الشيخ. نائب رئيس اللجنة: عبد الرزاق عفيفي. عضو: عبد الله بن سليمان بن منيع.))[13]

    ومعلوم أنّ المسلم يجب عليه أن يكون من أهل السنّة !!
    فمن جعل هذه الكلمة من (الأصول التي خالف فيها الحجوري) فليجعلها من الأصول التي خالف فيها كلّ هؤلاء العلماء ، وليظهر حدّاديّته التي أخفاها دهرا تحت أسماء مستعارة ، ومن حمل كلام هؤلاء العلماء على المحمل الصحيح فليحمل كلام الناصح الأمين على المحمل الصحيح ، بل على المعنى الذي بيّنه وصرّح به لما قال: ((الذي أعتقده: أنّ أهل السنّة هم أهل الحقّ)).
    ومن كال بمكيالين ، وقاس بمقياسين: فهو ألدّ خصم و(عند الله تجتمع الخصوم).


    يتبع إن شاء الله



    [1] من الفتوى رقم: (6250).

    [2] الشريط في مكتبة الإبانة السمعية بجدة برقم (3 ج2664) وفيه لقاء ومناقشة بين الشيخ العثيمين والشيخ ربيع.

    [3] رياض الجنّة في الرد على أعداء السنّة (ص: 23).

    [4] "الصواعق المرسلة" (26/329)

    [5] روضة الناظر (ص: 166).

    [6] "مجموع فتاوى ورسائل محمد بن ابراهيم آل الشيخ" (11/318).

    [7] "تفسير القرآن" (5/28).

    [8] "مجموع الفتاوى والرسائل" (8/332).

    [9] شرح الواسطية (ص: 211).

    [10] "سلسلة الهدى والنور" (306).

    [11] مجموع الفتاوى والرسائل (13/102).

    [12] "الشرح الموجز الممهد" (ص:224).

    [13] من الفتوى رقم: (4161).

  • #2
    جزاك الله خيرا وبارك فيك أخانا الفاضل المبارك ياسراً الجيجلي أسأل الله العظيم أن يحفظك وأن يبارك في علمك وعملك ...... و ينفع به الاسلام والمسلمين ....
    قال العلامة الحجوري :
    هذا الرجل ما أدري أيش يريد - عرفات - نسأل الله أن يفضحه في الدنيا والآخرة .أ.هــ .
    آمين آمين
    نسأل الله أن يفضحه في الدنيا والآخرة
    التعديل الأخير تم بواسطة علي بن رشيد العفري; الساعة 21-06-2013, 11:39 PM.

    تعليق


    • #3
      جزاكم الله خيراً أيها الأخ المبارك على هذا البيان وهذه النصرة لمنهج السلف ونحن ننتظر المزيد في الرد على ما تبقّى وأوصي الإخوة في كردستان بنشر هذا الرد حتى يقضي على الشبهة التي أُثيرت بسبب هذه البرمكي المدبر شكر الله لكم هذا السعي الحثيث - رغم انشغالكم وظروفكم- وجعله في موازين حسناتكم .
      محبكم
      أنمار الجميلي
      العراق - صلاح الدين
      التعديل الأخير تم بواسطة علي بن رشيد العفري; الساعة 21-06-2013, 11:39 PM.

      تعليق


      • #4
        المشاركة الأصلية بواسطة أبو عمر أيوب الكردي مشاهدة المشاركة
        جزاك الله خيرا وبارك فيك أخانا الفاضل المبارك ياسراً الجيجلي أسأل الله العظيم أن يحفظك وأن يبارك في علمك وعملك ...... و ينفع به الاسلام والمسلمين ....
        قال العلامة الحجوري :
        هذا الرجل ما أدري أيش يريد - عرفات - نسأل الله أن يفضحه في الدنيا والآخرة .أ.هــ .
        آمين آمين
        نسأل الله أن يفضحه في الدنيا والآخرة


        اللهم آمين اللهم آمين اللهم آمين
        التعديل الأخير تم بواسطة علي بن رشيد العفري; الساعة 21-06-2013, 11:40 PM.

        تعليق


        • #5
          بارك الله في أخينا المبارك البطل أبي العباس الجيجلي على هذا الرد الماتع
          وفي الحقيقة من قرأ ردود أخينا أبي العباس يعجب من حسنها وحسن ترتيبها وغزارة فوائدها فنسأل الله تعالى أن يزيده علما وفهماً

          تعليق


          • #6
            ما شاء الله تبارك الله
            جزاك الله خيراً أخانا الجليل صاحب الردود القوية أبا العباس الجيجلي على هذا الرد الرصين على البرمكي المشين
            والله والله لقد ألقمته حجراً وما أبقيت له - إن كان يستحي- كلاماً

            وصدق الإمام المبجل أحمد بن حنبل إذ يقول كما في كتابه الرد على الجهمية والزنادقة "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناسوأقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون على مخالفة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين"
            فواصل يا أخانا الجليل على الضربات

            تعليق


            • #7
              فقل للبرمكي لدي سيف رشيدي به لكم الفناء
              فجزاك الله أخانا ياسرا وصل جهادك وضرباتك على البرامكة الفيوشيين والأوباش المجهولين

              تعليق


              • #8
                رد علمي بارك الله فيك اخي ياسر وفي علمك ووقتك واعانكم

                تعليق


                • #9
                  هذا الكذاب عرفات البرمكي
                  لم يكتف ببتر كلام العلماء فقط, بل تجرأ على الكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبتره لكي يوافق هواه عياذا بالله, ويأتي هنا في كتاباته في الشبكة السحاب يدعي الدفاع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفعلته هذه لم يفعلها لا المآربي ولا فالح ولا صالح البكري ولا شبكاتهم , فأسأل الله السلامة والعافية ممن سيأتي بعد عرفات ماذا سيصنع ربما سيحرف القرآن كي يطعن في العلامة يحيى الحجوري حفظه الله
                  وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلّم: "... وإنّما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ ... "))
                  مع أنّ الحديث الذي بتره عرفات الكذاب لا علاقة له بالمسألة ، وتمامه في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ((ما من الأنبياء نبي إلا اعطي ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكثرهم تابعا يوم القيامة)) قال الحافظ ابن حجر: ((أي أن معجزتي التي تحديت بها: الوحي الذي أنزل علي وهو القرآن)) أهـ "الفتح" (
                  وهذا من صنيع عرفات بتر الحديث
                  والآن يأتي ويقول بأن العلامة الحجوري يبتر الكلام العلماء
                  أتقى الله أيها الكذاب أنت تبتر الكلام رسول الله و الكلام العلماء كأمثال شيخ اللاسلام والإمام ابن باز و غيرهم .........
                  ألا تستحي من الله يا خائن؟؟؟ّّّ!!!!
                  وأين الأمانة العلمية عندك يا الفويسق لكلام العلماء
                  أسأل الله الغظيم أن يفظحك في الدنيا والآخرة
                  (ونرجوا من أخواننا الفضلاء

                  ياسر الجيجلي أو علي العفري

                  أن ينشروا الجزء الثاني من (

                  صد العدوان البرمكي المشين جزء الثالث التدليل على بطلان دعوى البتر والتلبيس والتهويل





                  تعليق

                  يعمل...
                  X