الشيخ ربيع المدخلي يسلك طريقة حمزة المليباري في التضعيف
وينسف باباً كاملاً يتضمن معنى أثر هشام بن الغاز
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه:
أبو مصعب
علي بن ناصر بن محمد العـــدني
وينسف باباً كاملاً يتضمن معنى أثر هشام بن الغاز
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد اطّلعتُ على مقال كتبه فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي–عافاه الله- سلك فيه طريقة غريبة مريبة تجاه الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي-رحمه الله-، والدعوة السلفية في دار الحديث بدماج، ورميها بالطعن والثلب للصحابة الكرام رضي الله عنهم.
مبررا ذلك بأنه وقف على مقال للأخ علي بن رشيد العفري يتضمّن رداً على أكثر من ستة عشر عالماً ينقلون الإجماع على سنية أذان الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه بينما الواقع أن الأخ علي بن رشيد العفري لم يذكر إلا ما ذكره العلماء في كتبهم المصنفة حِيَال مسألة دعوى الإجماع في الأذان الثاني التي قال بها الشيخ ربيع المدخلي بلا زيادة ولا نقصان.
وقد نقل الأخ الفاضل علي بن رشيد العفري أقوال طائفة من علماء الأمة في إنكار الأذان الأول من المتقدمين والمتأخرين ردا على ما قام به البرمكي عرفات من الإذاعة والإشاعة لتشويه سمعة علماء الأمة ورميهم بالطعن والثلب للصحابة الكرام رضي الله عنهم ولكبح جماح فتنة عرفات البرمكي ولأجل قمع شره وعدوانه الآثم تجاه الشيخ العلامة مقبل الوادعي-رحمه الله- وغيرهم من العلماء، فكان غرضه إظهارَ السوء وإشاعتِهِ في قالب من النصح وهذه سجية حزبية معروفة يتطاولون بها على أهل الحق ويدعون ما ليس لهم.
فكان حاله كحال هؤلاء الذين قال الله فيهم قال تعالى:{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}سورة آل عمران:(188).
وهذه الآية نزلت في اليهود لما سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره وأرادوا أن يحمدوا بما ظهروه له، وفرحوا بما أتوا من كتمانه وما سألهم عنه.قال ابن رجب الحنبلي في"الفرق بين النصيحة والتعيير(صـ10):"فإن الله تعالى ذم من أظهر فعلاً أو قولاً حسناً وأراد به التوصل إلى غرض فاسد يقصده في الباطن وعدَّ ذلك من خصال النفاق كما في سورة براءة التي هتك فيها المنافقين وفضحهم بأوصافهم الخبيثة:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}سورة التوبة:(107)"اهـ.
وللاسف الشديد أن كانت هذه هي أيضاً طريقة فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حيث بَرَّرَ هذا الخطأ الجَلَل وتبين مضمونهبنقيض ما كان يدعو إليه الشيخ ربيع المدخلي ويحاربه وقام بتضعيف الآثار الموقوفة والأحاديث المرفوعة بكلام هو أشبه بطريقة الميلباري الذي كان فضيلة الشيخ ربيع المدخلي يردها عليه في المجازفات.
وبالتَّعَدِّي على رواة الأسانيد وبالتسلط على أحكام من عرفوا بالاستقراء لكلام أئمة النقد كالحافظ ابن حجر رحمه الله، ويأخذ بالأقوال المرجوحة في النقد ويترك الأقوال الكثيرة الراجحة لنصرة ما في نفسه وتحقيق مقاصده لا للنظرة العادلة والإنصاف، وقد كانت طريقة الميلباري التي انتقدها فضيلة الشيخ ربيع المدخلي-هداه الله- هي التضعيف لعدة أحاديث وأبواب كاملة من خلال الحكم على سند حديث واحد ويتجاهل الشواهد التي تؤكد صحته ولا يعتد بالشواهد والمتابعات وتعدد الطرق ولا يتبع أصول العلماء وقواعدهم الحديثية والفقهية في التضعيف والتصحيح، ويدعي العلة والنكارة على أحديث هي بغاية الصحة ورجال أسانيدها ثقات ومسلسلة بالتحديث.
وهذا واضح أيضا في رد الشيخ ربيع المدخلي على مقال لأبي عاصم عبد الله بن صوان الغامدي عندما نقل تصحيح أثر عبد اللَّهِ بن شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ قال:((كان أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَا يَرَوْنَ شيئاً من الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غير الصَّلَاةِ)) عن جمع من العلماء، وأكد ذلك بالشواهد الحديثية المرفوعة والأثر الموقوفة عن الصحابة وعن التابعين لهم التي تزيد الأثر قوة فوق قوة في الصحة والثبوت، وقام فضيلة الشيخ العلامة ربيع المدخلي بتضعيف الأثر ولم يعتبر بتصحيح من صححه بوجه من الوجوه ولم يعتبر بالشواهد والطرق التي تعضد الأثر ولم يلتفت للأحاديث المرفوعة التي جاءت بمعناه، وضعف رواية بشر بن المفضل عن الْجُرَيْرِيِّ عن عبد اللَّهِ بن شَقِيقٍ التي اعتمدها الشيخان في صحيحهما ، بحجة اختلاط سعيد بن إياس الْجُرَيْرِيِّ ورواية بشر بن المفضل عنه قبل الاختلاط، ولذلك روى الشيخان للجُريري من رواية بشر بن المفضل وكفى بذلك دلالة على صحتها.
وأسقط سنة الخلفاء الراشدين والأئمة المهتدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي في تكفير تارك الصلاة عمدا عندما ضعف أثر عبد الله بن شقيق قال المروزي في "تعظيم قدر الصلاة "(2/934): قال إسحاق:"وقد كفى أهل العلم مؤونة القياس في هذا عن ما سن لهم النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده جعلوا حكم تارك الصلاة عمدا حكم الكافر".
ومن ذلك الهدم والنسف ادّعا فضيلة الشيخ -هداه الله- من دعوى الإعلال بالنكارة في رواية هشام بن الغاز بدعوى تفرد بها من بين أصحاب نافع الكثر، وفيهم فحول أهل بلده المدينة النبوية ومن وهذا حاله- يعتبر منكراً".
واستدل على نكارة ذلك بكلام الإمام مسلم في مقدمة صحيحة الذي نص فيه مسلم ما لم يكن شاركهم في الصحيح من الحديث كما هو الحال في هشام بن الغاز في مشاركة الرواة لنافع في صحيح حديثهم وأهمل الآثار المروية ممن في طبقته في الباب التي تدل على أن أثر عبد الله بن عمر رضي الله عنه يستند إلى أصل ثابت معروف عن غير هشام بن الغاز ، مما يدل على عدم تفرده، والمسألة على خلاف ما قاله الشيخ ربيع المدخلي بالنسبة لرواية هشام بن الغاز، وإنما هي من الدعاوي والمجازفات التي كان يقوم بها حمزة الميلباري.
وهذا مصداق ما قاله العلامة المعلمي في "التنكيل "(1/120):"ودرجة الاجتهاد المشار إليه لا يبلغها أحد من أهل العصر فيما يتعلق بالرواة المتقدمين، اللهم إلا أن يتهم بعض المتقدمين رجلاً في حديث يزعم أنه تفرد به فيجد له بعض أهل العصر متابعات صحيحة، وإلا حيث يختلف المتقدمون فيسعى في الترجيح، فأما من وثقه إمام من المتقدمين أو أكثر ولم يتهمه أحد من الأئمة فيحاول بعض أهل العصر أن يكذبه أو يتهمه فهذا مردود لأنه إن تهيأ له إثبات بطلان الخبر عن ذلك الراوي ثبوتاً لا ريب فيه فلا يتهيأ له الجزم بأنه تفرد به".اهـ
وهذا هو ما وقع فيه فضيلة الشيخ ربيع المدخلي مع ما قام به فضيلته من الإهدار لكلام طائفة كبيرة الذين وصفوا هشام بن الغاز بأنه ثقة وأثنوا عليه، وعارضهم بقول واحد للإمام أحمد، ولم يعتد بكلام نحو أَحَدَ عَشَرَ عالما من علماء الجرح والتعديل، وقام بالغمز واللمز لحكم الحافظ ابن حجر-رحمه الله- بالطريقة التي لم تعرف إلا من الكوثريين ومنهم شعيب الأرناؤوط ومجموعته وأهمل هيبة إخراج البخاري لهشام بن الغاز في صحيحه ولو تعليقا بصيغة الجزم بنفس السند كما في (الفتح 3:459 ) عقيب حديث عاصم بن محمد بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ قَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بمنى أَتَدْرُونَ أَي يَوْم هَذَا الحَدِيث. وقال هشام بن الغاز أخبرني نافع عن ابن عمر وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج وقال: أتدرون أي يوم هذا؟ وقال:((هذا يوم الحج الأكبر)).
ولو كان فيها علة أو مخالفة لم يوردها بصيغة الجزم قال عبد الرحمن المعلمي في"الأنوار الكاشفة" (1/87):"ثم بالغ محققوهم في العناية بالحديث عند التصحيح ،فلا يصححون ما عرفوا له علة ،نعم قد يذكرون في المتابعات والشواهد ما وقعت فيه مخالفة ما وينبهون عليه".
لقد حكم فضيلة الشيخ ربيع المدخلي-كان الله في عونه- على هشام بن الغاز بحكم فيه مجازفة المليباري وسوء قصد الكوثريين وسوء صنيع الهدام ابن عبد المنان.
قال العلامة الألباني-رحمه الله- في"الرد المفحم"(1/89): " قلت:وهذا انتقاد باطل يدل على جهل بالغ بهذا العلم الشريف وأصوله فإن تقوية الحديث بكثرة الطرق - بشرط أن لا يشتد ضعفها - أمر معروف وسبيل مطروق عند علماء الحديث لا حاجة للاستدلال له وهو الحديث الحسن لغيره الذي يكثر الترمذي من ذكره في"سننه"وتحدث عنه في"العلل" الذي في آخره (10/ 457) وكتبي طافحة بهذا النوع من الحديث والتذكير به ولا سيما "الصحيحة"منها وكذلك النقل عن كتب التراجم وتفريقهم بين الراوي الضعيف الذي يستشهد به وغيره ممن لا يستشهد به لشدة ضعفه".اهـ
والحفّاظ لهم فهم خاص في إعلال الأحاديث لكثرة ممارستهم ومع ذلك فإذا أعلّوا حديثا أو قالوا إن هذا الحديث يشبه حديث فلان ولا يشبه حديث فلان أو أن هذا الحديث يخالف حديث الثقات لا بد بأن يدللوا على ذلك بما يكون علة قادحة أو بما يقوم مقامها ولا يكون ذلك إلا إذا غلب على ظنهم أن الراوي فلان يحدث بالمناكير أو صاحب مناكير أو عنده مناكير أو منكر الحديث، وهذا مخالف تماما لصنيع فضيلة الشيخ ربيع المدخلي –سلمه الله- في تضعيف أثر هشام بن الغاز بمجرد دعوى قام بها من دون بيان أو تدليل.
وتوهيم الراوي ونسبته إلى القصور بدون أي دليل لا يجوز قال الحافظ ابن رجب في"شرح علل الترمذي"(1/163):"ومن ذلك أنهم يعرفون الكلام الذي يشبه كلام النبي من الكلام الذي لا يشبه كلامه قال ابن أبي حاتم الرازي عن أبيه تعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه وأن يكون كلاما يصلح أن يكون مثل كلام النبوة ، ويعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تتضح عدالته والله أعلم".اهـ
وفضيلة الشيخ ربيع بن هادي وضع منهجاً خطيراً انطلق منه إلى تدمير مكانة هشام بن الغاز وأنزله عن منزلته التي أعطاها أياه جهابذة أهل النقد، وذهب ينسف غالب الأثار التي سيقت في معنى أثر هشام بن الغاز ممن في طبقته بطريقة سلكها ومنهجاً وأسلوباً لا يعرفه أهل الحديث وعلماء النَّقد والجرح والتعديل ألا وهو تضعيف كل سند لحاله من دون النظر إلى تقويته بالطرق والشواهد، وإلى عدم اعتبار كلام أئمة النقد في فيما ادعاه من النكارة، وخاصة أنه ذُكر حكم زيادة الأذان الثاني وأنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر كما روى البخاري في صحيحه كتاب الجمعة، باب الأذان يوم الجمعة، الحديث(912)، من طريق الزهري عن السائب بن يزيد قال:((كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء)).
فهذا الحديث مما يشهد لهذه الآثار والآثار تقوي بعضها بعضا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-"الرد على البكري"(ص152):". . . كما أنه إذا ذُكر حكم بدليل معلوم ذُكر ما يوافقه من الآثار والمراسيل وأقوال العلماء وغير ذلك لما في ذلك من الاعتضاد والمعاونة، لا لأن الواحد من ذلك يعتمد عليه في حكم شرعي، ولهذا كان العلماء متفقين على جواز الاعتضاد والترجيح بما لا يصلح أن يكون هو العمدة من الأخبار التي تكلم في بعض رواتها لسوء حفظ أو نحو ذلك وبآثار الصحابة والتابعين، بل بأقوال المشايخ والإسرائيليات، والمنامات مما يصلح للاعتضاد، فما يصلح للاعتضاد نوع وما يصلح للاعتماد نوع".اهـ
وخالف علماء الحديث في تأصيلهم في تقوية الحديث بالطرق والشواهد فإن هذا من أصولهم التي تفرع منها تقوية بعض الأحاديث التي ليس لها سند صحيح يحتج به.
قال العلامة الألباني رحمه الله في"الرد المفحم"(1/96-98):"فمن كان جاهلا بهذا الأصل وبطرق الحديث والشواهد وقع فيما وقع فيه هؤلاء من تضعيف هذا الحديث الصحيح قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى"(18/25-26):"والضعيف عندهم نوعان:ضعيف لا يمتنع العمل به وهو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي وضعيف ضعفا يوجب تركه وهو الواهي.
وقد يكون الرجل عندهم ضعيفا لكثرة الغلط في حديثه ويكون الغالب عليه الصحة فيروون حديثه لأجل الاعتبار به والاعتضاد به فإن تعدد الطرق وكثرتها يقوى بعضها بعضا حتى قد يحصل العلم بها ولو كان الناقلون فجارا فساقا فكيف إذا كانوا علماء عدولا ولكن كثر في حديثهم الغلط وهذا مثل عبد الله بن لهيعة فإنه من أكابر علماء المسلمين وكان قاضيا بمصر كثير الحديث لكن احترقت كتبه فصار يحدث من حفظه فوقع في حديثه غلط كثير مع أن الغالب على حديثه الصحة قال أحمد:قد اكتب حديث الرجل للاعتبار به مثل ابن لهيعة.ولقد أبان ابن تيمية رحمه الله في كلمة أخرى عن السبب في تقوية الحديث الضعيف بالطرق والشرط في ذلك ووجوب التمسك بهذه القاعدة
فقال(13/347):"والمراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصدا أو كان الاتفاق بغير قصد كانت صحيحة قطعا النقل إما أن يكون صدقا مطابقا للخبر وإما أن يكون كذبا تعمد صاحبه الكذب أو أخطأ فيه فمتى سلم من الكذب العمد والخطأ كان صدقا بلا ريب.وإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات قلت:كحديث هذا، وقد علم أن المخبرين لم يتواطآ على اختلافه وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقا بلا قصد علم أنه صحيح مثل شخص يحدث عن واقعة جرت ويذكر تفاصيل ما فيها من الأقوال والأفعال ويأتي شخص قد علم أنه لم يواطئ الأول فيذكر ما ذكره الأول من تفاصيل الأقوال والأفعال فيعلم قطعا أن تلك الواقعة حق في الجملة فإنه لو كان كل منهما كذبها عمدا أو خطأ لم يتفق في العادة أن يأتي كل منهما بتلك التفاصيل التي تمنع العادة اتفاق الاثنين عليها بلا مواطأة من أحدهما لصاحبه.
قال: وبهذه الطريق يعلم عامة ما تتعدد جهالته المختلفة على هذا الوجه من المنقولات وإن لم يكن أحدهما كافيا إما لإرساله وإما لضعف ناقله.
قال:وهذا الأصل ينبغي أن يعرف فإنه نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي وما ينقل من أقوال الناس وأفعالهم وغير ذلك.ولهذا إذا روي الحديث الذي يأتي فيه ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهين مع العلم بأن أحدهما لم يأخذه عن الآخر جزم بأنه حق لا سيما إذا علم أن نقلته ليسوا ممن يتعمد الكذب وإنما يخاف على أحدهما النسيان والغلط.وذكر نحو هذا المقطع الأخير من كلامه رحمه الله الحافظ العلائي في"جامع التحصيل"(ص: 38)، وزاد:فإنه يرتقي بمجموعهما إلى درجة الحسن لأنه يزول عنه حينئذ ما يخاف من سوء حفظ الرواة ويعتضد كل منهما بالآخر.ونحوه في"مقدمة ابن الصلاح"و"مختصرها"لابن كثير ثم قال ابن تيمية رحمه الله تعالى (ص: 352 ):"وفي مثل هذا ينتفع برواية المجهول والسيئ الحفظ وبالحديث المرسل ونحو ذلك ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث ويقولون : إنه يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح لغيره "اهـ
والشيخ ربيع المدخلي لا يجهل هذا الباب لكن فعل ذلك والله اعلم نكاية بالدعوة السلفية في دار الحديث بدماج وجر الفتن والخصومة عليها ،انتصارا لخصومها وعلى رأسهم عبد الرحمن العدني ومن هو على شاكلته.
وكان عاقبة هذا الانتصار أن الشيخ ربيعاً المدخلي تورط في النيل من نحو اثنين وثلاثين عالما أو يزيدون من علماء الأمة من المتقدمين والمتأخرين بمقاله: ((الذب عن الخليفة الراشد عثمان بن عفان-رضي الله عنه-)).
في مسألة قد عُرف الكلام فيها من الشيخ العلامة الألباني والشيخ العلامة مقبل الوادعي-رحمهما الله- من نحو أربعين سنة فإذا هو يذهب يثيرها وكأنها وليدة اليوم ويتكلم فيها ويبعثها إلى النّاس تحت عنوان الذب عن الخليفة الراشد ذي النورين ليجلب على أهل الدعوة السلفية في دار الحديث بدماج بخيله ورجله من الفتن ليشكك الناس في هذه الدعوة وفي مصادرها ويرميهم بما ليس فيهم، ويظهر الجرأة في الحكم والتعصب في الدفاع عن خصوم الدعوة وانتصارا لهم على دماج وشيخها الفاضل الذي تصدى لمكرهم لا نصرة ولا ذبا عن ذي النورين الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه كما يزعم، بل من أجل العدني وحزبه.
قام فضيلته في تضعيف أثر هشام بن الغاز ونسف بابا بكامله من مصنف أبي بكر بن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق يتضمن عدة طرق وشواهد فقام بتضعيفه بنسف باب كامل تضمن معنى الأثر في الباب ولفظه لأجل يسقط حجية أثر هشام بن الغاز ليلصق بأهل الدعوة السلفية في اليمن كل التهم ويوصف جمهرة كبيرة بالثلب والطعن في عثمان بن عفان رضي الله عنه إضافة إلى رميهم بأشد الغلو وأنهم أضر على الدعوة السلفية الأقدمون من كل أحد وأنهم كلاب، بلا أدب تنكيلا عظيما فاق ما فعله خصوم الدعوة السلفية، ودون مبرر حقيقي إلا شهوة الاستبداد!، وخَبط في الكلام خبط عشواء وغلط في أظهر الأمور وأبينها الحسية البديهية وأتى منكراً في الوقت الذي يزعم فيه بالدراسة الموثقة والبيان والتقويم والتخريج الاستقرائي لرواية هشام بن الغاز مما يجعل صغار طلبة العلم يردون عليه فيها ويكشفون حقيقتها وإليك مناقشة بعض ما تضمنه المقال:
(1)-قال فضيلة الشيخ ربيع المدخلي-عافاه الله-:"ولم يرو من الأئمة كلهم هذا الأثر إلا ابن أبي شيبة، وهو لم يلتزم الصحة فيما يرويه، مما يؤكد نكارة هذا الأثر المنسوب إلى ابن عمر"اهـ
أقول: إن موضوع مصنف ابن أبي شيبة للآثار الموقوفة على الصحابة، أو المقطوعة على التابعين ومن بعدهم من الفقهاء، ورواية ذلك بالأسانيد، وموضوع أغلب هذه الآثار الواردة هو الفقه والأحكام، وفيه بعض الأبواب المتعلقة بالعقيدة، والهدي النبوي، والرقائق، والفضائل، والردود، مع ترتيب هذه النصوص على الأبواب والكتب، وتحلية كل باب بحديث مرفوع أو عدة أحاديث.
فكيف استجاز الشيخ ربيع المدخلي يقول: ((مما يؤكد نكارة هذا الأثر))، وهو كتاب عمدة في الآثار، ومختص بروايات الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، ثم إن كثرة المخرجين للحديث لا تعطيه قوة إذا انتهت أسانيدهم إلى طريق واحد فأين الدعوى ؟؟
ومع ذلك فإن الشيخ ربيع المدخلي يرمي بالكلام على عواهنه جزافا من دون بحث ولا تحقيق فالأثر أخرجه جماعة من أهل العلم وإليك البيان:
أخرجه وكيع في ((كتابه))كما في"فتح الباري ابن رجب "(5/ 452):" عن هشام بن الغاز ، قال : سألت نافعاً عن الأذان يوم الجمعة ثم قال....
وخرّجه ابن أبي حاتمٍ كما في"فتح الباري ابن رجب "(5/ 452).
وخرّجه عبد الرزاق كما في"فتح الباري ابن رجب "(5/ 452).
وأخرجهالدارمي في"سننه"(1/61)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1/77) (رقم126) ح 226، وابن بطة (205) ، والبيهقي في "المدخل إلى السنن"(191)، وابن نصر في المروزي"السنة"صـ24(رقم70)والهروي في"يذم الكلام وأهله"(2/218)حديث رقم(276)،وأبو شامة في"الباعث على إنكار البدع"(1 / 17)من طريق شبابه بن سوار قال حدثنا هشام بن الغاز عن نافع عن عمر رضي الله عنه فذكره مختصرا دون ذكر سؤال نافع عن الأذان .
وتقطيع متن الحديث واختصاره عادة جرى عليها العمل عند كثيرين من المحدثين كما أن الحديث إذا اتحد مخرجه لا يضر تغير بعض ألفاظه ولا الزيادة فيه أو النقص لأن العمدة هو اتحاد مخرج الحديث.وهذا مما لا يخفى قال العلامة الزيلعي رحمه الله تعالى في نصب الرَّاية((200/1) :
1- وهم شيخنا علاء الدين في عزوه هذا الحديث لأبي داود مقلدا لغيره في ذلك ، وأبو داود وإن كان أخرجه لكن لم يقل فيه :"{وإن قطر الدم على الحصير} " فليس هو حديث الكتاب ، والذي أوقعه في ذلك أن أصحاب " الأطراف " عزوه لأبي داود ، وابن ماجه ، ومثل هذا لا ينكر على أصحاب " الأطراف " ولا غيرهم من أهل الحديث ؛ لأن وظيفة المحدث أن يبحث عن أصل الحديث ، فينظر من خرجه ولا يضره تغير بعض ألفاظه ولا الزيادة فيه أو النقص وأما الفقيه فلا يليق به ذلك ، لأنه يقصد أن يستدل على حكم مسألة ، ولا يتم له هذا إلا بمطابقة الحديث لمقصوده ، والله أعلم .
هل من يجهل مثل هذا يكون قد استنار بالدراسة والتحليل وألم بكل الجوانب كبيرها وصغيرها أم أن هذامن لقي بالكلام على عواهنه ويطلقه بلا زمام ولا خطام! وقد صححه الأثر ابن حجر في"الفتح" (13/253).
وقال العلامة الألباني في"أحكام الجنائز"(ص:200)موقوفا بإسناد صحيح، وقال فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد في الرد على الرفاعي والبوطي (ص: 26) وروى الإمام محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة بإسنادٍ صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما وصححه العلامة مقبل الوادعي رحمه الله الشيخ محمد آدم الأثيوبي .
واعتمده أهلُ العلم في كتب العقائد وأصول السنة ولم يعله أحد بالنكارة التي يدعيها فضيلة الشيخ ربيع المدخلي.وهذا يرد كلام الشيخ ربيع المدخلي وطريقته في تهويل الأمور وتكبيرها عندما يريد أن يشوهه صورة أحد أو إسقاطه وعنوان مقاله من هذا القاموس قاموس المجازفات في الرمي جزافا والتهويل وهذا الذي ذكرته من قاموسه الكبير....
وتضعيف الشيخ ربيع المدخلي لأثر هشام بن الغاز إنما جاء من التعصب المقيت لعبد الرحمن العدني وحزبه، لذلك نسف بابا كاملا ساقه ابن أبي شيبة في مصنفه كتاب الأذان ولم يلتفت إلى صنيع الأئمة الأعلام في إثبات هذا الأصل العظيم.
قال العلامة الألباني في"سلسلة الأحاديث الضعيفة"(14/246): "وهو ينسب إليهم أنهم يعلون الخبر - ولو كان صحيح الإسناد - بأنه لا يعرف إلا من هذا الوجه! فإن المعروف عن العلماء في (علم المصطلح) -وعليه عملهم- أن تفرد الثقة بالحديث لا يعتبر علة، وقد أشار إلى هذا الإمام الشافعي بقوله المأثور عنه: "ليس الحديث الشاذ أن يروي الثقة ما لم يرو غيره، وإنما هو: أن يروي حديثاً يخالف فيه ما رواه الثقات " انظر الحديث الشاذ، والغريب في كتب المصطلح"اهـ.
(2)- قال الشيخ ربيع المدخلي:((ولذا لم يرو له الإمامان البخاري ومسلم أي حديث متصل عن نافع، غير أن البخاري علّق عنه حديثاً واحداً في المتابعات)).انتهى
أقول:
بل روى البخاري له في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم بنفس السند كما في (الفتح3/459) عقيب حديث عاصم بن محمد بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر بمنى أَتَدْرُونَ أَي يَوْم هَذَا الحَدِيث:وقال هشام بن الغاز أخبرني نافع عن ابن عمر وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج.
وقال: أتدرون أي يوم هذا؟ وقال:((هذا يوم الحج الأكبر))، ووصله و"أبو داود"(1945)قال:حدثنا مُوَمل بن الفضل ،حدثنا الوليد. وابن ماجة (3058 )قال:حدثنا هشام بن عَمَّار حدثنا صدقة لن خالد.كلاهما (الوليد بن مُسْلِم ، وصدقة بن خالد) عن هشام بن الغاز، قال:سَمِعْتُ نافعًا ، فذكره.
وقال العلامة الألباني في "صحيح أبي داود" (6 /191)عن ابن عمر:((أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف يوم النَّحْرِ بين الجَمَرَاتِ في الحجة التي حَجَّ ،فقال:" أيُ يومٍ هذا؟ ". قالوا:يوم النحر قال:"هذا يوم الحجِّ الأكبِر)).
إسناده:حدثنا مُؤَمَّلُ بن الفضل: ثنا الوليد ثنا هشام - يعني:ابن الغاز-:ثنا نافع عن ابن عمر.
قلت:وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات مسلسل بالتحديث".اهـ
فأين النكارة المزعومة، ولا شك أن تعليقات البخاري المتصلة صحيحة إلى قائلها فهي محكوم بصحتها عن المضاف إليه لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك إلا مكان صحيحا، مما يدل على أن رواية هشام بن الغاز عن نافع عن بن عمر رضي الله عنه صحيحة معتمدة عند العلماء، وذكره أبو الحسن الدارقطني في كتابه"ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته عن الثقات عند البخاري ومسلم" (1/441) وذكر هشاما بن الغاز:"ممن ذكره البخاري اعتبارا بحديثه وروايته أو مقرونا مع غيره".
وهذا يرد دعوى الشيخ ربيع المدخلي العريضة ويبين تحامله على هشام بن الغاز، وعدم إخراج الشيخين له لا يجرحه بدليل أن هناك كثيرا من الرواة صححا أحاديثهم، ووثقاهم مع كونهم ممن لم يخرجا لهم في"الصحيحين"شيئا، وهذا أمر معروف عند المشتغلين بهذا العلم".
كما هو كلام الشيخ العلامة الألباني رحمه الله في"الإرواء"(5/353).
(3)- قال الشيخ ربيع المدخلي:((هذا مع أن الناقل عنه هشام بن الغاز، وهو ليس من أهل المدينة، وإنما هو غريب أصله من دمشق، ثم صار نزيل بغداد، وكان على بيت المال لأبي جعفر المنصور" انتهى.
أقول:
رواية الغرباء عن الثقة على خلاف رواية أهل بلده ، أو المعروفين من ثقات أصحابه لا تكون منكرة إلا إذا نصوا على ذلك الجهابذة النقد من أئمة الحديث ،فهم الذين توجهوا بعنايتهم إلى هذا الفن الدقيق الخطير وميزوا بين صحيح الحديث وسقيمه كما يميز البصير بصناعته بين الجيد والردىء، وقد ضمنوا كل ذلك أهل الحديث في كتبهم المؤلفة باسم كتب العلل.
ومثل له الحاكم في كتابه معرفة علوم الحديث (113) بما رواه موسى بن عقبة، وهو مدني عن أبي إسحاق السبيعي، وهو كوفي، زعم الحاكم أنه وهم في إسناده ، من جهة أنه قال : عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مئة مرة)).
قال الحاكم:"هذا إسناد لا ينظر فيه حديثي إلا علم أنه من شرط الصحيح ، والمدنيون إذا رووا عن الكوفيين زلقوا ".
وقال الحافظ ابن رجب في"شرح العلل"(1/127):"ومنهم عبيد الله بن عمر العمري ذكر يعقوب بن شيبة أن في سماع أهل الكوفة منه شيئا ومنهم الوليد بن مسلم الدمشقي صاحب الأوزاعي ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا حدث بغير دمشق ففي حديثه شيء قال أبو داود سمعت أبا عبد الله سئل عن حديث الأوزاعي عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي عليكم بالباءة قال هذا من الوليد يخاف أن يكون ليس بمحفوظ عن الأوزاعي لأنه حدث به الوليد بحمص ليس هو عند أهل دمشق.ومنهم المسعودي من سمع منه بالكوفة فسماعه صحيح ومن سمع منه ببغداد فسماعه مختلط"اهـ
وكما هو الحال في رواية إسماعيل بن عياش قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله-فيالقول المسدد"(1/12):" كان إسماعيل من الحفاظ المتقنين في حديثهم فلما كبر تغير حفظه فما حفظه في صباه وحداثته أتى به على وجهه وما حفظه على الكبر من حديث الغرباء خلط فيه وأدخل الإسناد في الإسناد وألزق المتن بالمتن".
وقد عرف هشام بن الغاز بالرواية عن نافع في غير حديث؟، وحديثه عند أصحاب السنن الأربعة وغيرهمفرواه على الصواب، ولم يظهر في روايتهم عنه شيء من النكارة في حديثه، ولم ينصَّ أحد من الأئمة أن في رواية هشام الذي يعد من الغرباء عن نافع نكارة، وإنما هذا من الجرح الذي لم يسبق فضيلة الشيخ أحد.بل مما يشهد الأثر هشام بن الغاز في زيادة الأذان الثالث:ما أخرجه البخاري"2/393":كتاب الجمعة، باب الأذان يوم الجمعة، الحديث"912"، وأبو داود"1/655":كتاب الصلاة، باب النداء يوم الجمعة، الحديث "1087"، والترمذي "2/393":كتاب الجمعة:باب في أذان الجمعة،
الحديث"516"والنسائي"3/100": كتاب الجمعة:باب الأذان للجمعة، وابن ماجة"1/359":كتاب إقامة الصلاة، باب الأذان يوم الجمعة، الحديث"1135"،ابن الجارود "108":كتاب الصلاة:باب الجمعة، الحديث "290"، والبيهقي"3/205":كتاب الجمعة:باب الإمام يجلس على المنبر، وأحمد "3/450" وابن خزيمة "3/136"رقم(1773)، (1774)والبغوي في "شرح السنة" "2/574" كلهم من طريق الزهري عن السائب بن يزيد قال:كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء".
وأضف على ذلك ما جاء في الباب عمن في طبقته يتضمن معنى الأثر في الباب ولفظه وجاءت بموافقة لهم.بهذا يتبين أن إسناد ابن الغاز صحيح، وله شواهد تعضده، وأن التفرد المزعوم غير صحيح وإنما مناورة قام بها الشيخ ربيع المدخلي ظانا أنها ستنطلي كما انطلت في رده على أبي عاصم الغامدي في مقاله:((الحدادية تتسقط الآثار الواهية والأصول الفاسدة))نسف فيها جميع الشواهد الصحيحة التي تشهد لأثر عبد الله بن شقيق وأسقط إجماع الأمة من غير حجة ولا برهان، وهنا يسقط الطرق والشواهد وينسفها لينتصر فيها لحزب عبد الرحمن العدني، ويثبت أن المسألة إجماع بسيف الحدادية وأن من حاد عن ذلك فهو يثلب ويطعن في الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه.وقد علمت أنه لم يتفرد بل تابعه غيره، وهو ممن يوافق الرواة من أصحاب نافع.
وكلام الشيخ ربيع مجرد دعوة لا دليل عليها لو أن التزمنا بما يقوله الشيخ ربيع بن هادي-عافاه الله- فقد يفتح الطريق لجاهل أو لحاقد إلى الطعن والغمز واللمز في الرواة بمثل هذه المسالك وقد فعل حمزة المليباري ورد عليه الشيخ ربيع وأنكر ذلك بشدة.
ويقع فضيلة الشيخ ربيع اليوم بنفس النفس والطريقة التي سار عليها حمزة المليباري حيث إن الإمام عبد الرزاق ذكر في مصنفه في باب الأذان يوم الجمعة نحو من ثمانية أثار وقام بنسفها الشيخ ربيع كلها بسبب تضعيفه لرواية ابن الغاز وهكذا صنع ذلك أيضا مع الإمام أبي بكر بن أبي شيبة ذكر في مصنفه في باب الأذان يوم الجمعة عدة آثار تقوي بعضها بعضا ويجبر بعضها بعضا .وكان يحكم على الرواية كل إسناد على حدة ولا يعتبر مجموع الطرق ولا التقوية بالشواهد فما أشبه حال فضيلة الشيخ ربيع المدخلي هذا بحمزة المليباري وبالأكاديميين الذي يتسلطوا على تضعيف الأحاديث بمثل هذه الطريقة.ولو كان فضيلة الشيخ ربيع المدخلي في قضية مع دار الحديث في دماج من أهل الإنصاف والتجرد لحكم على الآثار بجموعها التي تشهد لبعضها البعض ويرتقي بجموعها إلى درجة الصحة
إلا أن الشيخ ربيعا يسلك طريقة شعيب الارناؤوط عند ما ينتصر لهواه في تضعيف الأحاديث كل إسناد على حدة ولا يعتبر الشواهد وتعدد الطرق التي يرويها من هو صالح الحديث والرواية مناقضة للعلامة الألباني، وهذا نفس صنيع الشيخ ربيع المدخلي مناقضة للشيخ مقبل الوادعي والدعوة السلفية في دار الحديث بدماج وعلى رأسهم شيخها العلامة يحيى الحجوري-حفظه الله-.
وأقول في هذا المقام مقاله قال العلامة الألباني –رحمه الله في"الصحيحة المجلدات الكاملة(12/11):"قلت: ففي قولهما تلميح لطيف إلى أنه ليس لديهما حجة علمية في التوهيم المذكور، وإنما هو الرأي فقط، وبمثله لا ينبغي أن يخطَّأ الثقة؛لأن تفرده حجة إلا عند المخالفة لمن هو أوثق منه وأحفظ، وهي مفقودة هنا، ولقد أصاب الترمذي رحمه الله حينما جمع في كلمته السابقة بين تصحيح الحديث، والحكم عليه بالغرابة ؛لأنه الأصل المصرح به في علم المصطلح كما هو معروف عند العلماء، ولولا ذلك صارت الأحاديث الصحيحة عُرضةً للتضعيف لمجرد التفرد وهذا خُلف، وبخاصة أن الطريق الأخرى هي بإسناد آخر ورجال آخرين؛ فهي تؤيد رواية حفص وتشد من أزره، وتدل على أنه قد حفظ. والله أعلم".اه
ـوعلى ضوء الدراسة الحديثية تبين صحة أثر هشام بن الغاز وتصحيح أعلام النقد له من أمثال الحافظ ابن حجر والعلامة الألباني والعلامة مقبل الوادعي والعلامة عبد المحسن العباد والعلامة يحيى الحجوري وغيرهم.فإنكار ابن عمر الذي يرويه هشام ابن الغاز عن نافع صحيح ثابت في إنكار الزيادة الأذان الثالث
وأنه لا مكان لدعوى الإجماع مع موجود المخالف، ولا يجوز لمن عرف صحة إنكار عبد الله بن عمر أن يتعلق بهذه الدعوى لأن مواضع النزاع لا يصح فيها دعوى الإجماع
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في"الرد على الأخنائي" (ص: 195):"أن دعوى الإجماع من علم الخاصة الذي لا يمكن الجزم فيه بأقوال العلماء إنما معناها عدم العلم بالمنازع ليس معناه الجزم بنفي المنازع فان ذلك قول بلا علم.ولهذا رد الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما على من ادعاها بهذا المعنى وبسط الشافعي في ذلك القول وأحمد كان يقول هذا كثيرا ويقول من ادعى الإجماع فقد كذب وما يدريه أن الناس لم يختلفوا ولكن يقول لا أعلم مخالفا وأبو ثور قال إن الذي يذكر من الإجماع معناه أنا لا نعلم منازعا ثم يعرف من ادعى الإجماع في هذه الأمور إلا وقد وجد في بعض ما نذكره من الاجماعات نزاعا لم يطلع عليه كما قد بسط الكلام على هذا في مواضع".اهـولا يُوجد دليل مشاهد ولا ملموس ولا شرعي على حدوث ما ادعاه في الواقع، وما سماه ذبا عن الخليفة الراشد فهو ليس دليلا صحيحا، ولا حجة يُحتج بها وإنما هو مجرد افتراض باطل.
وأصبح الشيخ ربيع بهذا المقال في موقف لا يحسد عليه فهو وحزب الإخوان المسلمون وأذيالهم من أمثال عبد الرحمن العدني والبرمكي وغيره وفلول الرافضة كلهم يرمون دماج عن قوس واحدة بهدف إسقاطها والقضاء على الدعوة السلفية بالديار اليمنية.
وما قام به الشيخ ربيع المدخلي من رمي دماج بالطعن في الخليفة الراشد الشهيد المسدد عثمان بن عفان رضي الله عنه بلا بينة ولا علم ولا كتاب منير إنما يدل على المستوى الذي يقف فيه الشيخ ربيع المدخلي من دعوة دماج وشيخها الهمام مقبل الوادعي -رحمه الله-، وخليفته الشيخ يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى.
والشيخ ربيع لا يجهل الأصول التي يقف عليها علماء الدعوة السلفية في دار الحديث بدماج وما تحتاج من صدق ونصح وإخلاص وإلا فماذا يتصور الشيخ ربيع المدخلي لو كان يقف في مكان الشيخ يحيى الحجوري هل يتصور أن يصد غارات أعداء الدعوة بالملاينة والتعاطف والسكوت على ما يجري من كيد ومكر كما يفعل العدني وأعوانه ممن سيرهم الحزبيون لتفريق الدعوة السلفية وإسقاطها.
مبررا ذلك بأنه وقف على مقال للأخ علي بن رشيد العفري يتضمّن رداً على أكثر من ستة عشر عالماً ينقلون الإجماع على سنية أذان الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه بينما الواقع أن الأخ علي بن رشيد العفري لم يذكر إلا ما ذكره العلماء في كتبهم المصنفة حِيَال مسألة دعوى الإجماع في الأذان الثاني التي قال بها الشيخ ربيع المدخلي بلا زيادة ولا نقصان.
وقد نقل الأخ الفاضل علي بن رشيد العفري أقوال طائفة من علماء الأمة في إنكار الأذان الأول من المتقدمين والمتأخرين ردا على ما قام به البرمكي عرفات من الإذاعة والإشاعة لتشويه سمعة علماء الأمة ورميهم بالطعن والثلب للصحابة الكرام رضي الله عنهم ولكبح جماح فتنة عرفات البرمكي ولأجل قمع شره وعدوانه الآثم تجاه الشيخ العلامة مقبل الوادعي-رحمه الله- وغيرهم من العلماء، فكان غرضه إظهارَ السوء وإشاعتِهِ في قالب من النصح وهذه سجية حزبية معروفة يتطاولون بها على أهل الحق ويدعون ما ليس لهم.
فكان حاله كحال هؤلاء الذين قال الله فيهم قال تعالى:{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}سورة آل عمران:(188).
وهذه الآية نزلت في اليهود لما سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره وأرادوا أن يحمدوا بما ظهروه له، وفرحوا بما أتوا من كتمانه وما سألهم عنه.قال ابن رجب الحنبلي في"الفرق بين النصيحة والتعيير(صـ10):"فإن الله تعالى ذم من أظهر فعلاً أو قولاً حسناً وأراد به التوصل إلى غرض فاسد يقصده في الباطن وعدَّ ذلك من خصال النفاق كما في سورة براءة التي هتك فيها المنافقين وفضحهم بأوصافهم الخبيثة:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}سورة التوبة:(107)"اهـ.
وللاسف الشديد أن كانت هذه هي أيضاً طريقة فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حيث بَرَّرَ هذا الخطأ الجَلَل وتبين مضمونهبنقيض ما كان يدعو إليه الشيخ ربيع المدخلي ويحاربه وقام بتضعيف الآثار الموقوفة والأحاديث المرفوعة بكلام هو أشبه بطريقة الميلباري الذي كان فضيلة الشيخ ربيع المدخلي يردها عليه في المجازفات.
وبالتَّعَدِّي على رواة الأسانيد وبالتسلط على أحكام من عرفوا بالاستقراء لكلام أئمة النقد كالحافظ ابن حجر رحمه الله، ويأخذ بالأقوال المرجوحة في النقد ويترك الأقوال الكثيرة الراجحة لنصرة ما في نفسه وتحقيق مقاصده لا للنظرة العادلة والإنصاف، وقد كانت طريقة الميلباري التي انتقدها فضيلة الشيخ ربيع المدخلي-هداه الله- هي التضعيف لعدة أحاديث وأبواب كاملة من خلال الحكم على سند حديث واحد ويتجاهل الشواهد التي تؤكد صحته ولا يعتد بالشواهد والمتابعات وتعدد الطرق ولا يتبع أصول العلماء وقواعدهم الحديثية والفقهية في التضعيف والتصحيح، ويدعي العلة والنكارة على أحديث هي بغاية الصحة ورجال أسانيدها ثقات ومسلسلة بالتحديث.
وهذا واضح أيضا في رد الشيخ ربيع المدخلي على مقال لأبي عاصم عبد الله بن صوان الغامدي عندما نقل تصحيح أثر عبد اللَّهِ بن شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ قال:((كان أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَا يَرَوْنَ شيئاً من الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غير الصَّلَاةِ)) عن جمع من العلماء، وأكد ذلك بالشواهد الحديثية المرفوعة والأثر الموقوفة عن الصحابة وعن التابعين لهم التي تزيد الأثر قوة فوق قوة في الصحة والثبوت، وقام فضيلة الشيخ العلامة ربيع المدخلي بتضعيف الأثر ولم يعتبر بتصحيح من صححه بوجه من الوجوه ولم يعتبر بالشواهد والطرق التي تعضد الأثر ولم يلتفت للأحاديث المرفوعة التي جاءت بمعناه، وضعف رواية بشر بن المفضل عن الْجُرَيْرِيِّ عن عبد اللَّهِ بن شَقِيقٍ التي اعتمدها الشيخان في صحيحهما ، بحجة اختلاط سعيد بن إياس الْجُرَيْرِيِّ ورواية بشر بن المفضل عنه قبل الاختلاط، ولذلك روى الشيخان للجُريري من رواية بشر بن المفضل وكفى بذلك دلالة على صحتها.
وأسقط سنة الخلفاء الراشدين والأئمة المهتدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي في تكفير تارك الصلاة عمدا عندما ضعف أثر عبد الله بن شقيق قال المروزي في "تعظيم قدر الصلاة "(2/934): قال إسحاق:"وقد كفى أهل العلم مؤونة القياس في هذا عن ما سن لهم النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده جعلوا حكم تارك الصلاة عمدا حكم الكافر".
ومن ذلك الهدم والنسف ادّعا فضيلة الشيخ -هداه الله- من دعوى الإعلال بالنكارة في رواية هشام بن الغاز بدعوى تفرد بها من بين أصحاب نافع الكثر، وفيهم فحول أهل بلده المدينة النبوية ومن وهذا حاله- يعتبر منكراً".
واستدل على نكارة ذلك بكلام الإمام مسلم في مقدمة صحيحة الذي نص فيه مسلم ما لم يكن شاركهم في الصحيح من الحديث كما هو الحال في هشام بن الغاز في مشاركة الرواة لنافع في صحيح حديثهم وأهمل الآثار المروية ممن في طبقته في الباب التي تدل على أن أثر عبد الله بن عمر رضي الله عنه يستند إلى أصل ثابت معروف عن غير هشام بن الغاز ، مما يدل على عدم تفرده، والمسألة على خلاف ما قاله الشيخ ربيع المدخلي بالنسبة لرواية هشام بن الغاز، وإنما هي من الدعاوي والمجازفات التي كان يقوم بها حمزة الميلباري.
وهذا مصداق ما قاله العلامة المعلمي في "التنكيل "(1/120):"ودرجة الاجتهاد المشار إليه لا يبلغها أحد من أهل العصر فيما يتعلق بالرواة المتقدمين، اللهم إلا أن يتهم بعض المتقدمين رجلاً في حديث يزعم أنه تفرد به فيجد له بعض أهل العصر متابعات صحيحة، وإلا حيث يختلف المتقدمون فيسعى في الترجيح، فأما من وثقه إمام من المتقدمين أو أكثر ولم يتهمه أحد من الأئمة فيحاول بعض أهل العصر أن يكذبه أو يتهمه فهذا مردود لأنه إن تهيأ له إثبات بطلان الخبر عن ذلك الراوي ثبوتاً لا ريب فيه فلا يتهيأ له الجزم بأنه تفرد به".اهـ
وهذا هو ما وقع فيه فضيلة الشيخ ربيع المدخلي مع ما قام به فضيلته من الإهدار لكلام طائفة كبيرة الذين وصفوا هشام بن الغاز بأنه ثقة وأثنوا عليه، وعارضهم بقول واحد للإمام أحمد، ولم يعتد بكلام نحو أَحَدَ عَشَرَ عالما من علماء الجرح والتعديل، وقام بالغمز واللمز لحكم الحافظ ابن حجر-رحمه الله- بالطريقة التي لم تعرف إلا من الكوثريين ومنهم شعيب الأرناؤوط ومجموعته وأهمل هيبة إخراج البخاري لهشام بن الغاز في صحيحه ولو تعليقا بصيغة الجزم بنفس السند كما في (الفتح 3:459 ) عقيب حديث عاصم بن محمد بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ قَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بمنى أَتَدْرُونَ أَي يَوْم هَذَا الحَدِيث. وقال هشام بن الغاز أخبرني نافع عن ابن عمر وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج وقال: أتدرون أي يوم هذا؟ وقال:((هذا يوم الحج الأكبر)).
ولو كان فيها علة أو مخالفة لم يوردها بصيغة الجزم قال عبد الرحمن المعلمي في"الأنوار الكاشفة" (1/87):"ثم بالغ محققوهم في العناية بالحديث عند التصحيح ،فلا يصححون ما عرفوا له علة ،نعم قد يذكرون في المتابعات والشواهد ما وقعت فيه مخالفة ما وينبهون عليه".
لقد حكم فضيلة الشيخ ربيع المدخلي-كان الله في عونه- على هشام بن الغاز بحكم فيه مجازفة المليباري وسوء قصد الكوثريين وسوء صنيع الهدام ابن عبد المنان.
قال العلامة الألباني-رحمه الله- في"الرد المفحم"(1/89): " قلت:وهذا انتقاد باطل يدل على جهل بالغ بهذا العلم الشريف وأصوله فإن تقوية الحديث بكثرة الطرق - بشرط أن لا يشتد ضعفها - أمر معروف وسبيل مطروق عند علماء الحديث لا حاجة للاستدلال له وهو الحديث الحسن لغيره الذي يكثر الترمذي من ذكره في"سننه"وتحدث عنه في"العلل" الذي في آخره (10/ 457) وكتبي طافحة بهذا النوع من الحديث والتذكير به ولا سيما "الصحيحة"منها وكذلك النقل عن كتب التراجم وتفريقهم بين الراوي الضعيف الذي يستشهد به وغيره ممن لا يستشهد به لشدة ضعفه".اهـ
والحفّاظ لهم فهم خاص في إعلال الأحاديث لكثرة ممارستهم ومع ذلك فإذا أعلّوا حديثا أو قالوا إن هذا الحديث يشبه حديث فلان ولا يشبه حديث فلان أو أن هذا الحديث يخالف حديث الثقات لا بد بأن يدللوا على ذلك بما يكون علة قادحة أو بما يقوم مقامها ولا يكون ذلك إلا إذا غلب على ظنهم أن الراوي فلان يحدث بالمناكير أو صاحب مناكير أو عنده مناكير أو منكر الحديث، وهذا مخالف تماما لصنيع فضيلة الشيخ ربيع المدخلي –سلمه الله- في تضعيف أثر هشام بن الغاز بمجرد دعوى قام بها من دون بيان أو تدليل.
وتوهيم الراوي ونسبته إلى القصور بدون أي دليل لا يجوز قال الحافظ ابن رجب في"شرح علل الترمذي"(1/163):"ومن ذلك أنهم يعرفون الكلام الذي يشبه كلام النبي من الكلام الذي لا يشبه كلامه قال ابن أبي حاتم الرازي عن أبيه تعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه وأن يكون كلاما يصلح أن يكون مثل كلام النبوة ، ويعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تتضح عدالته والله أعلم".اهـ
وفضيلة الشيخ ربيع بن هادي وضع منهجاً خطيراً انطلق منه إلى تدمير مكانة هشام بن الغاز وأنزله عن منزلته التي أعطاها أياه جهابذة أهل النقد، وذهب ينسف غالب الأثار التي سيقت في معنى أثر هشام بن الغاز ممن في طبقته بطريقة سلكها ومنهجاً وأسلوباً لا يعرفه أهل الحديث وعلماء النَّقد والجرح والتعديل ألا وهو تضعيف كل سند لحاله من دون النظر إلى تقويته بالطرق والشواهد، وإلى عدم اعتبار كلام أئمة النقد في فيما ادعاه من النكارة، وخاصة أنه ذُكر حكم زيادة الأذان الثاني وأنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر كما روى البخاري في صحيحه كتاب الجمعة، باب الأذان يوم الجمعة، الحديث(912)، من طريق الزهري عن السائب بن يزيد قال:((كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء)).
فهذا الحديث مما يشهد لهذه الآثار والآثار تقوي بعضها بعضا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-"الرد على البكري"(ص152):". . . كما أنه إذا ذُكر حكم بدليل معلوم ذُكر ما يوافقه من الآثار والمراسيل وأقوال العلماء وغير ذلك لما في ذلك من الاعتضاد والمعاونة، لا لأن الواحد من ذلك يعتمد عليه في حكم شرعي، ولهذا كان العلماء متفقين على جواز الاعتضاد والترجيح بما لا يصلح أن يكون هو العمدة من الأخبار التي تكلم في بعض رواتها لسوء حفظ أو نحو ذلك وبآثار الصحابة والتابعين، بل بأقوال المشايخ والإسرائيليات، والمنامات مما يصلح للاعتضاد، فما يصلح للاعتضاد نوع وما يصلح للاعتماد نوع".اهـ
وخالف علماء الحديث في تأصيلهم في تقوية الحديث بالطرق والشواهد فإن هذا من أصولهم التي تفرع منها تقوية بعض الأحاديث التي ليس لها سند صحيح يحتج به.
قال العلامة الألباني رحمه الله في"الرد المفحم"(1/96-98):"فمن كان جاهلا بهذا الأصل وبطرق الحديث والشواهد وقع فيما وقع فيه هؤلاء من تضعيف هذا الحديث الصحيح قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى"(18/25-26):"والضعيف عندهم نوعان:ضعيف لا يمتنع العمل به وهو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي وضعيف ضعفا يوجب تركه وهو الواهي.
وقد يكون الرجل عندهم ضعيفا لكثرة الغلط في حديثه ويكون الغالب عليه الصحة فيروون حديثه لأجل الاعتبار به والاعتضاد به فإن تعدد الطرق وكثرتها يقوى بعضها بعضا حتى قد يحصل العلم بها ولو كان الناقلون فجارا فساقا فكيف إذا كانوا علماء عدولا ولكن كثر في حديثهم الغلط وهذا مثل عبد الله بن لهيعة فإنه من أكابر علماء المسلمين وكان قاضيا بمصر كثير الحديث لكن احترقت كتبه فصار يحدث من حفظه فوقع في حديثه غلط كثير مع أن الغالب على حديثه الصحة قال أحمد:قد اكتب حديث الرجل للاعتبار به مثل ابن لهيعة.ولقد أبان ابن تيمية رحمه الله في كلمة أخرى عن السبب في تقوية الحديث الضعيف بالطرق والشرط في ذلك ووجوب التمسك بهذه القاعدة
فقال(13/347):"والمراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصدا أو كان الاتفاق بغير قصد كانت صحيحة قطعا النقل إما أن يكون صدقا مطابقا للخبر وإما أن يكون كذبا تعمد صاحبه الكذب أو أخطأ فيه فمتى سلم من الكذب العمد والخطأ كان صدقا بلا ريب.وإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات قلت:كحديث هذا، وقد علم أن المخبرين لم يتواطآ على اختلافه وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقا بلا قصد علم أنه صحيح مثل شخص يحدث عن واقعة جرت ويذكر تفاصيل ما فيها من الأقوال والأفعال ويأتي شخص قد علم أنه لم يواطئ الأول فيذكر ما ذكره الأول من تفاصيل الأقوال والأفعال فيعلم قطعا أن تلك الواقعة حق في الجملة فإنه لو كان كل منهما كذبها عمدا أو خطأ لم يتفق في العادة أن يأتي كل منهما بتلك التفاصيل التي تمنع العادة اتفاق الاثنين عليها بلا مواطأة من أحدهما لصاحبه.
قال: وبهذه الطريق يعلم عامة ما تتعدد جهالته المختلفة على هذا الوجه من المنقولات وإن لم يكن أحدهما كافيا إما لإرساله وإما لضعف ناقله.
قال:وهذا الأصل ينبغي أن يعرف فإنه نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي وما ينقل من أقوال الناس وأفعالهم وغير ذلك.ولهذا إذا روي الحديث الذي يأتي فيه ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهين مع العلم بأن أحدهما لم يأخذه عن الآخر جزم بأنه حق لا سيما إذا علم أن نقلته ليسوا ممن يتعمد الكذب وإنما يخاف على أحدهما النسيان والغلط.وذكر نحو هذا المقطع الأخير من كلامه رحمه الله الحافظ العلائي في"جامع التحصيل"(ص: 38)، وزاد:فإنه يرتقي بمجموعهما إلى درجة الحسن لأنه يزول عنه حينئذ ما يخاف من سوء حفظ الرواة ويعتضد كل منهما بالآخر.ونحوه في"مقدمة ابن الصلاح"و"مختصرها"لابن كثير ثم قال ابن تيمية رحمه الله تعالى (ص: 352 ):"وفي مثل هذا ينتفع برواية المجهول والسيئ الحفظ وبالحديث المرسل ونحو ذلك ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث ويقولون : إنه يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح لغيره "اهـ
والشيخ ربيع المدخلي لا يجهل هذا الباب لكن فعل ذلك والله اعلم نكاية بالدعوة السلفية في دار الحديث بدماج وجر الفتن والخصومة عليها ،انتصارا لخصومها وعلى رأسهم عبد الرحمن العدني ومن هو على شاكلته.
وكان عاقبة هذا الانتصار أن الشيخ ربيعاً المدخلي تورط في النيل من نحو اثنين وثلاثين عالما أو يزيدون من علماء الأمة من المتقدمين والمتأخرين بمقاله: ((الذب عن الخليفة الراشد عثمان بن عفان-رضي الله عنه-)).
في مسألة قد عُرف الكلام فيها من الشيخ العلامة الألباني والشيخ العلامة مقبل الوادعي-رحمهما الله- من نحو أربعين سنة فإذا هو يذهب يثيرها وكأنها وليدة اليوم ويتكلم فيها ويبعثها إلى النّاس تحت عنوان الذب عن الخليفة الراشد ذي النورين ليجلب على أهل الدعوة السلفية في دار الحديث بدماج بخيله ورجله من الفتن ليشكك الناس في هذه الدعوة وفي مصادرها ويرميهم بما ليس فيهم، ويظهر الجرأة في الحكم والتعصب في الدفاع عن خصوم الدعوة وانتصارا لهم على دماج وشيخها الفاضل الذي تصدى لمكرهم لا نصرة ولا ذبا عن ذي النورين الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه كما يزعم، بل من أجل العدني وحزبه.
قام فضيلته في تضعيف أثر هشام بن الغاز ونسف بابا بكامله من مصنف أبي بكر بن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق يتضمن عدة طرق وشواهد فقام بتضعيفه بنسف باب كامل تضمن معنى الأثر في الباب ولفظه لأجل يسقط حجية أثر هشام بن الغاز ليلصق بأهل الدعوة السلفية في اليمن كل التهم ويوصف جمهرة كبيرة بالثلب والطعن في عثمان بن عفان رضي الله عنه إضافة إلى رميهم بأشد الغلو وأنهم أضر على الدعوة السلفية الأقدمون من كل أحد وأنهم كلاب، بلا أدب تنكيلا عظيما فاق ما فعله خصوم الدعوة السلفية، ودون مبرر حقيقي إلا شهوة الاستبداد!، وخَبط في الكلام خبط عشواء وغلط في أظهر الأمور وأبينها الحسية البديهية وأتى منكراً في الوقت الذي يزعم فيه بالدراسة الموثقة والبيان والتقويم والتخريج الاستقرائي لرواية هشام بن الغاز مما يجعل صغار طلبة العلم يردون عليه فيها ويكشفون حقيقتها وإليك مناقشة بعض ما تضمنه المقال:
(1)-قال فضيلة الشيخ ربيع المدخلي-عافاه الله-:"ولم يرو من الأئمة كلهم هذا الأثر إلا ابن أبي شيبة، وهو لم يلتزم الصحة فيما يرويه، مما يؤكد نكارة هذا الأثر المنسوب إلى ابن عمر"اهـ
أقول: إن موضوع مصنف ابن أبي شيبة للآثار الموقوفة على الصحابة، أو المقطوعة على التابعين ومن بعدهم من الفقهاء، ورواية ذلك بالأسانيد، وموضوع أغلب هذه الآثار الواردة هو الفقه والأحكام، وفيه بعض الأبواب المتعلقة بالعقيدة، والهدي النبوي، والرقائق، والفضائل، والردود، مع ترتيب هذه النصوص على الأبواب والكتب، وتحلية كل باب بحديث مرفوع أو عدة أحاديث.
فكيف استجاز الشيخ ربيع المدخلي يقول: ((مما يؤكد نكارة هذا الأثر))، وهو كتاب عمدة في الآثار، ومختص بروايات الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، ثم إن كثرة المخرجين للحديث لا تعطيه قوة إذا انتهت أسانيدهم إلى طريق واحد فأين الدعوى ؟؟
ومع ذلك فإن الشيخ ربيع المدخلي يرمي بالكلام على عواهنه جزافا من دون بحث ولا تحقيق فالأثر أخرجه جماعة من أهل العلم وإليك البيان:
أخرجه وكيع في ((كتابه))كما في"فتح الباري ابن رجب "(5/ 452):" عن هشام بن الغاز ، قال : سألت نافعاً عن الأذان يوم الجمعة ثم قال....
وخرّجه ابن أبي حاتمٍ كما في"فتح الباري ابن رجب "(5/ 452).
وخرّجه عبد الرزاق كما في"فتح الباري ابن رجب "(5/ 452).
وأخرجهالدارمي في"سننه"(1/61)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1/77) (رقم126) ح 226، وابن بطة (205) ، والبيهقي في "المدخل إلى السنن"(191)، وابن نصر في المروزي"السنة"صـ24(رقم70)والهروي في"يذم الكلام وأهله"(2/218)حديث رقم(276)،وأبو شامة في"الباعث على إنكار البدع"(1 / 17)من طريق شبابه بن سوار قال حدثنا هشام بن الغاز عن نافع عن عمر رضي الله عنه فذكره مختصرا دون ذكر سؤال نافع عن الأذان .
وتقطيع متن الحديث واختصاره عادة جرى عليها العمل عند كثيرين من المحدثين كما أن الحديث إذا اتحد مخرجه لا يضر تغير بعض ألفاظه ولا الزيادة فيه أو النقص لأن العمدة هو اتحاد مخرج الحديث.وهذا مما لا يخفى قال العلامة الزيلعي رحمه الله تعالى في نصب الرَّاية((200/1) :
1- وهم شيخنا علاء الدين في عزوه هذا الحديث لأبي داود مقلدا لغيره في ذلك ، وأبو داود وإن كان أخرجه لكن لم يقل فيه :"{وإن قطر الدم على الحصير} " فليس هو حديث الكتاب ، والذي أوقعه في ذلك أن أصحاب " الأطراف " عزوه لأبي داود ، وابن ماجه ، ومثل هذا لا ينكر على أصحاب " الأطراف " ولا غيرهم من أهل الحديث ؛ لأن وظيفة المحدث أن يبحث عن أصل الحديث ، فينظر من خرجه ولا يضره تغير بعض ألفاظه ولا الزيادة فيه أو النقص وأما الفقيه فلا يليق به ذلك ، لأنه يقصد أن يستدل على حكم مسألة ، ولا يتم له هذا إلا بمطابقة الحديث لمقصوده ، والله أعلم .
هل من يجهل مثل هذا يكون قد استنار بالدراسة والتحليل وألم بكل الجوانب كبيرها وصغيرها أم أن هذامن لقي بالكلام على عواهنه ويطلقه بلا زمام ولا خطام! وقد صححه الأثر ابن حجر في"الفتح" (13/253).
وقال العلامة الألباني في"أحكام الجنائز"(ص:200)موقوفا بإسناد صحيح، وقال فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد في الرد على الرفاعي والبوطي (ص: 26) وروى الإمام محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة بإسنادٍ صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما وصححه العلامة مقبل الوادعي رحمه الله الشيخ محمد آدم الأثيوبي .
واعتمده أهلُ العلم في كتب العقائد وأصول السنة ولم يعله أحد بالنكارة التي يدعيها فضيلة الشيخ ربيع المدخلي.وهذا يرد كلام الشيخ ربيع المدخلي وطريقته في تهويل الأمور وتكبيرها عندما يريد أن يشوهه صورة أحد أو إسقاطه وعنوان مقاله من هذا القاموس قاموس المجازفات في الرمي جزافا والتهويل وهذا الذي ذكرته من قاموسه الكبير....
وتضعيف الشيخ ربيع المدخلي لأثر هشام بن الغاز إنما جاء من التعصب المقيت لعبد الرحمن العدني وحزبه، لذلك نسف بابا كاملا ساقه ابن أبي شيبة في مصنفه كتاب الأذان ولم يلتفت إلى صنيع الأئمة الأعلام في إثبات هذا الأصل العظيم.
قال العلامة الألباني في"سلسلة الأحاديث الضعيفة"(14/246): "وهو ينسب إليهم أنهم يعلون الخبر - ولو كان صحيح الإسناد - بأنه لا يعرف إلا من هذا الوجه! فإن المعروف عن العلماء في (علم المصطلح) -وعليه عملهم- أن تفرد الثقة بالحديث لا يعتبر علة، وقد أشار إلى هذا الإمام الشافعي بقوله المأثور عنه: "ليس الحديث الشاذ أن يروي الثقة ما لم يرو غيره، وإنما هو: أن يروي حديثاً يخالف فيه ما رواه الثقات " انظر الحديث الشاذ، والغريب في كتب المصطلح"اهـ.
(2)- قال الشيخ ربيع المدخلي:((ولذا لم يرو له الإمامان البخاري ومسلم أي حديث متصل عن نافع، غير أن البخاري علّق عنه حديثاً واحداً في المتابعات)).انتهى
أقول:
بل روى البخاري له في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم بنفس السند كما في (الفتح3/459) عقيب حديث عاصم بن محمد بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر بمنى أَتَدْرُونَ أَي يَوْم هَذَا الحَدِيث:وقال هشام بن الغاز أخبرني نافع عن ابن عمر وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج.
وقال: أتدرون أي يوم هذا؟ وقال:((هذا يوم الحج الأكبر))، ووصله و"أبو داود"(1945)قال:حدثنا مُوَمل بن الفضل ،حدثنا الوليد. وابن ماجة (3058 )قال:حدثنا هشام بن عَمَّار حدثنا صدقة لن خالد.كلاهما (الوليد بن مُسْلِم ، وصدقة بن خالد) عن هشام بن الغاز، قال:سَمِعْتُ نافعًا ، فذكره.
وقال العلامة الألباني في "صحيح أبي داود" (6 /191)عن ابن عمر:((أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف يوم النَّحْرِ بين الجَمَرَاتِ في الحجة التي حَجَّ ،فقال:" أيُ يومٍ هذا؟ ". قالوا:يوم النحر قال:"هذا يوم الحجِّ الأكبِر)).
إسناده:حدثنا مُؤَمَّلُ بن الفضل: ثنا الوليد ثنا هشام - يعني:ابن الغاز-:ثنا نافع عن ابن عمر.
قلت:وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات مسلسل بالتحديث".اهـ
فأين النكارة المزعومة، ولا شك أن تعليقات البخاري المتصلة صحيحة إلى قائلها فهي محكوم بصحتها عن المضاف إليه لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك إلا مكان صحيحا، مما يدل على أن رواية هشام بن الغاز عن نافع عن بن عمر رضي الله عنه صحيحة معتمدة عند العلماء، وذكره أبو الحسن الدارقطني في كتابه"ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته عن الثقات عند البخاري ومسلم" (1/441) وذكر هشاما بن الغاز:"ممن ذكره البخاري اعتبارا بحديثه وروايته أو مقرونا مع غيره".
وهذا يرد دعوى الشيخ ربيع المدخلي العريضة ويبين تحامله على هشام بن الغاز، وعدم إخراج الشيخين له لا يجرحه بدليل أن هناك كثيرا من الرواة صححا أحاديثهم، ووثقاهم مع كونهم ممن لم يخرجا لهم في"الصحيحين"شيئا، وهذا أمر معروف عند المشتغلين بهذا العلم".
كما هو كلام الشيخ العلامة الألباني رحمه الله في"الإرواء"(5/353).
(3)- قال الشيخ ربيع المدخلي:((هذا مع أن الناقل عنه هشام بن الغاز، وهو ليس من أهل المدينة، وإنما هو غريب أصله من دمشق، ثم صار نزيل بغداد، وكان على بيت المال لأبي جعفر المنصور" انتهى.
أقول:
رواية الغرباء عن الثقة على خلاف رواية أهل بلده ، أو المعروفين من ثقات أصحابه لا تكون منكرة إلا إذا نصوا على ذلك الجهابذة النقد من أئمة الحديث ،فهم الذين توجهوا بعنايتهم إلى هذا الفن الدقيق الخطير وميزوا بين صحيح الحديث وسقيمه كما يميز البصير بصناعته بين الجيد والردىء، وقد ضمنوا كل ذلك أهل الحديث في كتبهم المؤلفة باسم كتب العلل.
ومثل له الحاكم في كتابه معرفة علوم الحديث (113) بما رواه موسى بن عقبة، وهو مدني عن أبي إسحاق السبيعي، وهو كوفي، زعم الحاكم أنه وهم في إسناده ، من جهة أنه قال : عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مئة مرة)).
قال الحاكم:"هذا إسناد لا ينظر فيه حديثي إلا علم أنه من شرط الصحيح ، والمدنيون إذا رووا عن الكوفيين زلقوا ".
وقال الحافظ ابن رجب في"شرح العلل"(1/127):"ومنهم عبيد الله بن عمر العمري ذكر يعقوب بن شيبة أن في سماع أهل الكوفة منه شيئا ومنهم الوليد بن مسلم الدمشقي صاحب الأوزاعي ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا حدث بغير دمشق ففي حديثه شيء قال أبو داود سمعت أبا عبد الله سئل عن حديث الأوزاعي عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي عليكم بالباءة قال هذا من الوليد يخاف أن يكون ليس بمحفوظ عن الأوزاعي لأنه حدث به الوليد بحمص ليس هو عند أهل دمشق.ومنهم المسعودي من سمع منه بالكوفة فسماعه صحيح ومن سمع منه ببغداد فسماعه مختلط"اهـ
وكما هو الحال في رواية إسماعيل بن عياش قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله-فيالقول المسدد"(1/12):" كان إسماعيل من الحفاظ المتقنين في حديثهم فلما كبر تغير حفظه فما حفظه في صباه وحداثته أتى به على وجهه وما حفظه على الكبر من حديث الغرباء خلط فيه وأدخل الإسناد في الإسناد وألزق المتن بالمتن".
وقد عرف هشام بن الغاز بالرواية عن نافع في غير حديث؟، وحديثه عند أصحاب السنن الأربعة وغيرهمفرواه على الصواب، ولم يظهر في روايتهم عنه شيء من النكارة في حديثه، ولم ينصَّ أحد من الأئمة أن في رواية هشام الذي يعد من الغرباء عن نافع نكارة، وإنما هذا من الجرح الذي لم يسبق فضيلة الشيخ أحد.بل مما يشهد الأثر هشام بن الغاز في زيادة الأذان الثالث:ما أخرجه البخاري"2/393":كتاب الجمعة، باب الأذان يوم الجمعة، الحديث"912"، وأبو داود"1/655":كتاب الصلاة، باب النداء يوم الجمعة، الحديث "1087"، والترمذي "2/393":كتاب الجمعة:باب في أذان الجمعة،
الحديث"516"والنسائي"3/100": كتاب الجمعة:باب الأذان للجمعة، وابن ماجة"1/359":كتاب إقامة الصلاة، باب الأذان يوم الجمعة، الحديث"1135"،ابن الجارود "108":كتاب الصلاة:باب الجمعة، الحديث "290"، والبيهقي"3/205":كتاب الجمعة:باب الإمام يجلس على المنبر، وأحمد "3/450" وابن خزيمة "3/136"رقم(1773)، (1774)والبغوي في "شرح السنة" "2/574" كلهم من طريق الزهري عن السائب بن يزيد قال:كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء".
وأضف على ذلك ما جاء في الباب عمن في طبقته يتضمن معنى الأثر في الباب ولفظه وجاءت بموافقة لهم.بهذا يتبين أن إسناد ابن الغاز صحيح، وله شواهد تعضده، وأن التفرد المزعوم غير صحيح وإنما مناورة قام بها الشيخ ربيع المدخلي ظانا أنها ستنطلي كما انطلت في رده على أبي عاصم الغامدي في مقاله:((الحدادية تتسقط الآثار الواهية والأصول الفاسدة))نسف فيها جميع الشواهد الصحيحة التي تشهد لأثر عبد الله بن شقيق وأسقط إجماع الأمة من غير حجة ولا برهان، وهنا يسقط الطرق والشواهد وينسفها لينتصر فيها لحزب عبد الرحمن العدني، ويثبت أن المسألة إجماع بسيف الحدادية وأن من حاد عن ذلك فهو يثلب ويطعن في الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه.وقد علمت أنه لم يتفرد بل تابعه غيره، وهو ممن يوافق الرواة من أصحاب نافع.
وكلام الشيخ ربيع مجرد دعوة لا دليل عليها لو أن التزمنا بما يقوله الشيخ ربيع بن هادي-عافاه الله- فقد يفتح الطريق لجاهل أو لحاقد إلى الطعن والغمز واللمز في الرواة بمثل هذه المسالك وقد فعل حمزة المليباري ورد عليه الشيخ ربيع وأنكر ذلك بشدة.
ويقع فضيلة الشيخ ربيع اليوم بنفس النفس والطريقة التي سار عليها حمزة المليباري حيث إن الإمام عبد الرزاق ذكر في مصنفه في باب الأذان يوم الجمعة نحو من ثمانية أثار وقام بنسفها الشيخ ربيع كلها بسبب تضعيفه لرواية ابن الغاز وهكذا صنع ذلك أيضا مع الإمام أبي بكر بن أبي شيبة ذكر في مصنفه في باب الأذان يوم الجمعة عدة آثار تقوي بعضها بعضا ويجبر بعضها بعضا .وكان يحكم على الرواية كل إسناد على حدة ولا يعتبر مجموع الطرق ولا التقوية بالشواهد فما أشبه حال فضيلة الشيخ ربيع المدخلي هذا بحمزة المليباري وبالأكاديميين الذي يتسلطوا على تضعيف الأحاديث بمثل هذه الطريقة.ولو كان فضيلة الشيخ ربيع المدخلي في قضية مع دار الحديث في دماج من أهل الإنصاف والتجرد لحكم على الآثار بجموعها التي تشهد لبعضها البعض ويرتقي بجموعها إلى درجة الصحة
إلا أن الشيخ ربيعا يسلك طريقة شعيب الارناؤوط عند ما ينتصر لهواه في تضعيف الأحاديث كل إسناد على حدة ولا يعتبر الشواهد وتعدد الطرق التي يرويها من هو صالح الحديث والرواية مناقضة للعلامة الألباني، وهذا نفس صنيع الشيخ ربيع المدخلي مناقضة للشيخ مقبل الوادعي والدعوة السلفية في دار الحديث بدماج وعلى رأسهم شيخها العلامة يحيى الحجوري-حفظه الله-.
وأقول في هذا المقام مقاله قال العلامة الألباني –رحمه الله في"الصحيحة المجلدات الكاملة(12/11):"قلت: ففي قولهما تلميح لطيف إلى أنه ليس لديهما حجة علمية في التوهيم المذكور، وإنما هو الرأي فقط، وبمثله لا ينبغي أن يخطَّأ الثقة؛لأن تفرده حجة إلا عند المخالفة لمن هو أوثق منه وأحفظ، وهي مفقودة هنا، ولقد أصاب الترمذي رحمه الله حينما جمع في كلمته السابقة بين تصحيح الحديث، والحكم عليه بالغرابة ؛لأنه الأصل المصرح به في علم المصطلح كما هو معروف عند العلماء، ولولا ذلك صارت الأحاديث الصحيحة عُرضةً للتضعيف لمجرد التفرد وهذا خُلف، وبخاصة أن الطريق الأخرى هي بإسناد آخر ورجال آخرين؛ فهي تؤيد رواية حفص وتشد من أزره، وتدل على أنه قد حفظ. والله أعلم".اه
ـوعلى ضوء الدراسة الحديثية تبين صحة أثر هشام بن الغاز وتصحيح أعلام النقد له من أمثال الحافظ ابن حجر والعلامة الألباني والعلامة مقبل الوادعي والعلامة عبد المحسن العباد والعلامة يحيى الحجوري وغيرهم.فإنكار ابن عمر الذي يرويه هشام ابن الغاز عن نافع صحيح ثابت في إنكار الزيادة الأذان الثالث
وأنه لا مكان لدعوى الإجماع مع موجود المخالف، ولا يجوز لمن عرف صحة إنكار عبد الله بن عمر أن يتعلق بهذه الدعوى لأن مواضع النزاع لا يصح فيها دعوى الإجماع
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في"الرد على الأخنائي" (ص: 195):"أن دعوى الإجماع من علم الخاصة الذي لا يمكن الجزم فيه بأقوال العلماء إنما معناها عدم العلم بالمنازع ليس معناه الجزم بنفي المنازع فان ذلك قول بلا علم.ولهذا رد الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما على من ادعاها بهذا المعنى وبسط الشافعي في ذلك القول وأحمد كان يقول هذا كثيرا ويقول من ادعى الإجماع فقد كذب وما يدريه أن الناس لم يختلفوا ولكن يقول لا أعلم مخالفا وأبو ثور قال إن الذي يذكر من الإجماع معناه أنا لا نعلم منازعا ثم يعرف من ادعى الإجماع في هذه الأمور إلا وقد وجد في بعض ما نذكره من الاجماعات نزاعا لم يطلع عليه كما قد بسط الكلام على هذا في مواضع".اهـولا يُوجد دليل مشاهد ولا ملموس ولا شرعي على حدوث ما ادعاه في الواقع، وما سماه ذبا عن الخليفة الراشد فهو ليس دليلا صحيحا، ولا حجة يُحتج بها وإنما هو مجرد افتراض باطل.
وأصبح الشيخ ربيع بهذا المقال في موقف لا يحسد عليه فهو وحزب الإخوان المسلمون وأذيالهم من أمثال عبد الرحمن العدني والبرمكي وغيره وفلول الرافضة كلهم يرمون دماج عن قوس واحدة بهدف إسقاطها والقضاء على الدعوة السلفية بالديار اليمنية.
وما قام به الشيخ ربيع المدخلي من رمي دماج بالطعن في الخليفة الراشد الشهيد المسدد عثمان بن عفان رضي الله عنه بلا بينة ولا علم ولا كتاب منير إنما يدل على المستوى الذي يقف فيه الشيخ ربيع المدخلي من دعوة دماج وشيخها الهمام مقبل الوادعي -رحمه الله-، وخليفته الشيخ يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى.
والشيخ ربيع لا يجهل الأصول التي يقف عليها علماء الدعوة السلفية في دار الحديث بدماج وما تحتاج من صدق ونصح وإخلاص وإلا فماذا يتصور الشيخ ربيع المدخلي لو كان يقف في مكان الشيخ يحيى الحجوري هل يتصور أن يصد غارات أعداء الدعوة بالملاينة والتعاطف والسكوت على ما يجري من كيد ومكر كما يفعل العدني وأعوانه ممن سيرهم الحزبيون لتفريق الدعوة السلفية وإسقاطها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه:
أبو مصعب
علي بن ناصر بن محمد العـــدني
تعليق