هنيئًا للمهاجرين والأنصار
وويلًا وخيبة للروافض
الزنادقة المنافقين الأشرار
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه واتَّبع هداه، أمَّا بعد.
فإنَّ الله -عز وجل- قد كتب على إخواننا أهل السنة بدماج بعد نحو أربعة عقود من الزمان، بُدِئت بدعوة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله تعالى- وثُنِّيَتْ بدعوة الشيخ يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى- كَتَبَ عليهم الهجرة من دار الحديث السلفية بدماج بسبب الأذى الشديد من رافضة صعدة -قبَّحهم الله- لهم، وحصارِهم إياهم نحوًا من بضعة أشهر، وبغيهم عليهم، ورميهم إياهم بشتى أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، وتدميرهم لبعض مساجدهم، وقتلهم عددًا منهم، وجرحهم أعدادًا.
هذا، ومَن دَمَّر مسجدًا واحدًا فكأنما دمَّر جميع المساجد، ومَن منع مِن ذكر الله في مسجد فكأنما منع مِن ذِكْر الله في جميع المساجد، قال -عز وجل-:
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾
وويلًا وخيبة للروافض
الزنادقة المنافقين الأشرار
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه واتَّبع هداه، أمَّا بعد.
فإنَّ الله -عز وجل- قد كتب على إخواننا أهل السنة بدماج بعد نحو أربعة عقود من الزمان، بُدِئت بدعوة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله تعالى- وثُنِّيَتْ بدعوة الشيخ يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى- كَتَبَ عليهم الهجرة من دار الحديث السلفية بدماج بسبب الأذى الشديد من رافضة صعدة -قبَّحهم الله- لهم، وحصارِهم إياهم نحوًا من بضعة أشهر، وبغيهم عليهم، ورميهم إياهم بشتى أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، وتدميرهم لبعض مساجدهم، وقتلهم عددًا منهم، وجرحهم أعدادًا.
هذا، ومَن دَمَّر مسجدًا واحدًا فكأنما دمَّر جميع المساجد، ومَن منع مِن ذكر الله في مسجد فكأنما منع مِن ذِكْر الله في جميع المساجد، قال -عز وجل-:
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾
ومعلوم أنه لم يمنع أحدٌ جميع الناس من ذكر الله في عموم المساجد.
هذا، ومَن قَتَلَ واحدًا معصوم الدم فكأنما قتل جميع معصومي الدماء، قال -عز وجل-: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْـرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾
هذا، وإذا كان بعض الصحابة قد هاجروا هجرتين، أولاهما إلى الحبشة، وأخراهما إلى المدينة، وبعضهم قد هاجروا هجرة واحدة من مكة إلى المدينة، فكذلك قد هاجر بعض إخواننا من ديار الكفر إلى دماج لطلب العلم، ثم هاجروا من دماج إلى غيرها هجرة أخرى، والله المسئول أن يكتب أجر هؤلاء المهاجرين، وبعض هؤلاء قد قُتِل على أيدي الرافضة في جبهات الجهاد ضد الروافض فنال الشهادة، وقد قال الله -عز وجل-:
﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾
وقد أُخبرنا مِن طريق ثقة عن ثقة أنَّ الشيخ العلامة المحدِّث ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى- قد عَدَّ خروج إخواننا هجرة.
هذا، وقد خرج إخواننا من دماج مضطرين، فهم في الحقيقة أُخْرِجوا ما خرجوا، كما أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه خرجوا من مكة مضطرين، فهم في الحقيقة أُخرِجوا ما خرجوا.
وهذا الإخراج لا يُذْهِب غيظ أعداء الإسلام اليوم كما لم يُذهبه بالأمس، وقد وَعَدَ الله عباده المؤمنين المظلومين المخرَجين بالنصر، وهَزَمَ وأَهْلَكَ أعداءهم المُخْرِجين لهم أو توعَّدَهم بذلك، أو ذَمَّهم على عزمهم على إخراج المؤمنين من ديارهم، قال -عز وجل-:
﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِيأَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ﴾
وقال -عز وجل-:
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾
وقال -عز وجل-:
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ * وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾
وقال -عز وجل- عن المنافقين:
﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾
وقال عن الملأ من قوم شعيب:
﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ * وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾
وقال -عز وجل- عن لوط وقومه:
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّه وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ * رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
وقال -عز وجل- :
﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ *الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّه النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾
هذا، وإن قال شامِتٌ:
قد قلنا بوجوب خروج الشيخ يحيى وطلبته من دماج في الحرب السابقة على هذه الحرب، فالتبعة والعهدة عليه في ما حدث لإخواننا مِنْ قَتْلٍ وجرحٍ وحصارٍ وما تبعه إلى غير ذلك، قلنا:
ليس المقامان سواء، فمقام الحرب الأولى ليس كمقام الحرب الأخيرة، فقد تم في الحرب الأولى رَفْع الحصار عن إخواننا بفضل الله ثم بفضل الجبهات التي قامت حينذاك، ولم يحِل بإخواننا من الضرورة إلى الخروج في الحرب السابقة ما حل بهم منها في هذه الحرب الأخيـرة، وإن كان إخواننا أهل السنة في كلا الأمرين والمقامين وفي كلتا الحربين قد أثْخَنوا الرافضة وقتلوا وجرحوا منهم ما لم يقتله وما لم يجرحه الروافض من أهل السنة، ولا يلزم بالضرورة من مثل هذا التنكيل بالرافضة أن لا يكون إخواننا مضطرين إلى الخروج من دماج بسبب أذى وبغي وعدوان وحصار الرافضة لهم، هذا عند مَن يعقِل الأمور ويقدرها بمقدارها ويزنها بميزانها الشرعي.
فيجوز أن يَقتل أهل السنة أضعافًا مضاعَفة من الرافضة ويَجرحوا أضعافًا مضاعفة منهم -كما هو الواقع- ويجوز -بل يجب- في الوقت نفسه أن يَقبلوا هدنة لوقف القتال أو صلحًا أو مسالَمة أو هجرة إبقاءً على أنفسهم، وحفاظًا عليها من الاستئصال والتهلكة؛ مراعاة لتحقيق وجلب المصالح ومراعاة لدرء ودفع ورفع المفاسد والقبائح؛ إذ إنَّ الدين مبني على ذلك.
على أنَّ مشاهير المخذِّلين عن الجهاد مع أهل السنة ضد الرافضة أو أكثـرهم لم يَذكروا وجوب خروج إخواننا أهل السنة من دماج أو لم يصرِّحوا به لا في هذه الحرب ولا في الحرب السابقة، بل كانت تصريحاتهم هي أن إخواننا مَبْغِيٌّ عليهم، وأنَّ لهم الحق في الدفاع عن أنفسهم، وأنَّ مَن استطاع أن يَذهب إلى دماج لنصرتهم فلْيَفْعَل، مع كونهم محاصَرين لا يمكن الوصول إليهم ولا خروجهم!!
ولقد مكث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه ثلاث عشرة سنة وهم يُؤذَون من أول أمر البعثة والدعوة، ومع ذلك لم يأذن الله لنبيه بالهجرة من مكة إلى المدينة من أول أذى، ولم يأذن النبي لأصحابه بالهجرة من أول أذى، يدل على ذلك وَضْعُ سلى الجزور على ظهره -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو يصلي، وضَحِكُ أبي جهل ومَن معه من صناديد الكفر من ذلك وتمايل بعضهم على بعض،
وكذلك قولُ عمِّه أبي لهب له : تَبًّا لك سائر اليوم، ألِهذا جَمَعْتنا؟! لَمَّا وقف النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على الصفا وهتف ببطون قريش ودعاهم إلى التوحيد، ورفع صوته بذلك،
وكذلك قولُه -صلى الله الله عليه وعلى آله وسلم- لخَبَّاب بن الأَرَتِّ:
«لقد كان يؤتى بالرجل مِمَّن كان قبلكم فيُحفر له في الأرض، ثم يُمْشَط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، واللهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هذا الدين حتى يَسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلَّا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجِلون» وذلك لَمَّا أتاه خباب وهو متوسِّدٌ بردةً في ظل الكعبة وقال له -وقد لَقُوا مِن المشركين شدة-: أَلَا تستنصِر لنا، ألا تدعو الله لنا؟!
وكل ذلك في الصحاح، إلى أمثال وأضعاف ذلك.
ولو كانت الهجرة واجبة مع كل أذى لَهَاجَر النبي من المدينة -أيضًا- إلى غيرها، فكم!! كان فيها من أذى المنافقين واليهود للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه.
ولو كانت الهجرة واجبة مع كل أذى لَمَا نهى الله نبيه محمـدًا أن يكون كنبيه يونس على حد قوله -تعالى-:﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ أي يونس -عليه وعلى نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين الصلاة والسلام- وذلك لَمَّا غاضَب نبي الله يونس قومَه وذهب، قال -تعالى-:
﴿وَذَا النُّونِ﴾ -أي: واذكر ذا النون-
﴿إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ﴾ -أي نُضَيِّق- ﴿عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾
والسؤال هنا:
هل سيَفرح هؤلاء الذين صرَّحوا قديمًا بوجوب خروج الشيخ يحيى وطلبته من جبال!! دماج -مع أنه كان لا يجب عليه ذلك يومها- هل سيفرحون بخروج الشيخ يحيى اليوم من جبال!! دماج مع وجوب ذلك وتعيُّنه عليه وعلى طلبته، ومع كون خروجه بطلابه يُعَدُّ فتحًا كما عَدَّ اللهُ صلح الحديبية فتحًا مبينًا، وكما عد رسول الله غزوة مؤتة بإمرة خالد بن الوليد فتحًا أيضًا؟!
ومَن بَذَلَ وسعه واتقى الله -عز وجل- فهو مشكور لا مكفور، ومأجور لا موزور، ومحمود لا ملوم، ومنصور لا مهزوم.
على كل حال، فسيحط الشيخ يحيى وطلبته رحالهم حيث شاء الله مِن أرض الله حيث يكون له في تلك الأرض أنصار.
هذا، ونُذَكِّر ونُبَشِّر هؤلاء المهاجرين وأنصارهم بما قاله الله في أسلافهم من المهاجرين والأنصار زمن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حيث قال -عز وجل-:
﴿لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
فالـلَّهَ اللهَ يا معشر الأنصار في إخوانكم أهل السنة المهاجِرين، أهل الهجرة والهجرتين، آووهم، وأطعِموا جائعهم، واكسوا عاريهم، وداووا مريضهم وجريحهم، وواسوهم فإنهم حديثوا عهد بمصيبة، وأَنْكِحوا أَيَامَاهُم، وأكرِموهم، وامنعوهم مما تمنعون منه أنفسكم ونساءكم وأولادكم، وتعاونوا معهم على البـر والتقوى، وشدوا أزرهم، وقووا عزائمهم على الخيـر.
والحذرَ الحذرَ من أهل النميمة والتحريش والوقيعة والتخبيب والإفساد،
واللهَ اللهَيا معشر المهاجرين في إخوانكم الأنصار، اعرفوا حقهم، واحفظوا لهم فضلهم، وكافئوهم على الإحسان إحسانًا، وتجاوزوا -إن استطعتم- عن مسيئهم.
اللهم اغفر لإخواننا المهاجرين، ولأبناء المهاجرين، ولأبناء أبناء المهاجرين، واغفر اللهم لأنصارهم، ولأبناء أنصارهم، ولأبناء أبناء أنصارهم.
اللهم لا عيشَ إلَّا عيشُ الآخرة *** فاغفر للأنصار والمهاجرة
اللهم لا عيش إلَّا عيش الآخرة ***فارحم الأنصار والمهاجرة
اللهم لا عيش إلَّا عيش الآخرة ***فأكرِم الأنصار والمهاجرة
هذا، ومَن كان راغِبًا في أن يهاجر الشيخ وطلبته إلى بلده وراغبًا في أن يحوزهم إلى رحله فلم يُقدَّر له ذلك، فإن استطاع أن يُعين هؤلاء المهاجرين وهؤلاء الأنصار بما كان رصده لذلك أو ببعضه -على الأقل- فليَفعل، فإنَّ الله يحب المحسنين أينما كانوا، وأينما كان إحسانهم.
هذا، وليَعلَم المسلمون كلهم عمومًا -وأهل السنة خصوصًا- في شتى الأقطار والأمصار أنَّ لإخوانهم أهل السنة من المهاجرين وأنصارهم حقًّا عليهم في مد يد العون والإحسان إليهم، فإنَّ العدد كثيـر والخطب جلل كبير، والله المسئول أن يَكتب لكم الأجور.
هذا، وإني أخاف على إخواننا الشهداء بدماج من كيد الرافضة ومكرهم وغيظهم وحَنَقِهم عليهم؛ إذ إنَّ بإخواننا من الكرامات ما يُثْلِج صدورَ المؤمنين، ويغيظ أعداء الله الرافضة الزنادقة المنافقين، فأخشى أن تمتد إليهم أيدي الرافضة بسوء، وإذا كان يجب صون حرمة الأحياء، فكذلك يجب صون حرمة الأموات، فإن ترجَّح شرعًا لإخواننا نقل جثث الشهداء معهم إلى مقبـرة يؤمَن عليهم فيها، فليس لهم أن يتوانَوا في ذلك، والضرورات تبيح المحظورات، وقد صحَّ أنَّ جابرًا لم تطب نفسه أن يُدفَن والده مع رجل آخر، فأخرجه بعد ستة أشهر، وقد كان ذلك في زمن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأن والد جابر قُتِلَ بأحد، فلم يُنكَر على جابرٍ صنيعُه.
فهنيئًا ثم هنيئًا للشهداء، ولأولياء الشهداء الصابرين المحتسبين، وهنيئًا ثم هنيئًا للمهاجرين هجرة أو هجرتين، وهنيئًا ثم هنيئًا لأنصارهم.
تم الفراغ منها في ضحى الخميس الموافق الخامس عشر من شهر ربيع أول لسنة خمسٍ وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام.
وكتب
أبوبكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري
أبو عبدالله
هذا، ومَن قَتَلَ واحدًا معصوم الدم فكأنما قتل جميع معصومي الدماء، قال -عز وجل-: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْـرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾
هذا، وإذا كان بعض الصحابة قد هاجروا هجرتين، أولاهما إلى الحبشة، وأخراهما إلى المدينة، وبعضهم قد هاجروا هجرة واحدة من مكة إلى المدينة، فكذلك قد هاجر بعض إخواننا من ديار الكفر إلى دماج لطلب العلم، ثم هاجروا من دماج إلى غيرها هجرة أخرى، والله المسئول أن يكتب أجر هؤلاء المهاجرين، وبعض هؤلاء قد قُتِل على أيدي الرافضة في جبهات الجهاد ضد الروافض فنال الشهادة، وقد قال الله -عز وجل-:
﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾
وقد أُخبرنا مِن طريق ثقة عن ثقة أنَّ الشيخ العلامة المحدِّث ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى- قد عَدَّ خروج إخواننا هجرة.
هذا، وقد خرج إخواننا من دماج مضطرين، فهم في الحقيقة أُخْرِجوا ما خرجوا، كما أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه خرجوا من مكة مضطرين، فهم في الحقيقة أُخرِجوا ما خرجوا.
وهذا الإخراج لا يُذْهِب غيظ أعداء الإسلام اليوم كما لم يُذهبه بالأمس، وقد وَعَدَ الله عباده المؤمنين المظلومين المخرَجين بالنصر، وهَزَمَ وأَهْلَكَ أعداءهم المُخْرِجين لهم أو توعَّدَهم بذلك، أو ذَمَّهم على عزمهم على إخراج المؤمنين من ديارهم، قال -عز وجل-:
﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِيأَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ﴾
وقال -عز وجل-:
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾
وقال -عز وجل-:
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ * وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾
وقال -عز وجل- عن المنافقين:
﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾
وقال عن الملأ من قوم شعيب:
﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ * وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾
وقال -عز وجل- عن لوط وقومه:
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّه وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ * رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
وقال -عز وجل- :
﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ *الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّه النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾
هذا، وإن قال شامِتٌ:
قد قلنا بوجوب خروج الشيخ يحيى وطلبته من دماج في الحرب السابقة على هذه الحرب، فالتبعة والعهدة عليه في ما حدث لإخواننا مِنْ قَتْلٍ وجرحٍ وحصارٍ وما تبعه إلى غير ذلك، قلنا:
ليس المقامان سواء، فمقام الحرب الأولى ليس كمقام الحرب الأخيرة، فقد تم في الحرب الأولى رَفْع الحصار عن إخواننا بفضل الله ثم بفضل الجبهات التي قامت حينذاك، ولم يحِل بإخواننا من الضرورة إلى الخروج في الحرب السابقة ما حل بهم منها في هذه الحرب الأخيـرة، وإن كان إخواننا أهل السنة في كلا الأمرين والمقامين وفي كلتا الحربين قد أثْخَنوا الرافضة وقتلوا وجرحوا منهم ما لم يقتله وما لم يجرحه الروافض من أهل السنة، ولا يلزم بالضرورة من مثل هذا التنكيل بالرافضة أن لا يكون إخواننا مضطرين إلى الخروج من دماج بسبب أذى وبغي وعدوان وحصار الرافضة لهم، هذا عند مَن يعقِل الأمور ويقدرها بمقدارها ويزنها بميزانها الشرعي.
فيجوز أن يَقتل أهل السنة أضعافًا مضاعَفة من الرافضة ويَجرحوا أضعافًا مضاعفة منهم -كما هو الواقع- ويجوز -بل يجب- في الوقت نفسه أن يَقبلوا هدنة لوقف القتال أو صلحًا أو مسالَمة أو هجرة إبقاءً على أنفسهم، وحفاظًا عليها من الاستئصال والتهلكة؛ مراعاة لتحقيق وجلب المصالح ومراعاة لدرء ودفع ورفع المفاسد والقبائح؛ إذ إنَّ الدين مبني على ذلك.
على أنَّ مشاهير المخذِّلين عن الجهاد مع أهل السنة ضد الرافضة أو أكثـرهم لم يَذكروا وجوب خروج إخواننا أهل السنة من دماج أو لم يصرِّحوا به لا في هذه الحرب ولا في الحرب السابقة، بل كانت تصريحاتهم هي أن إخواننا مَبْغِيٌّ عليهم، وأنَّ لهم الحق في الدفاع عن أنفسهم، وأنَّ مَن استطاع أن يَذهب إلى دماج لنصرتهم فلْيَفْعَل، مع كونهم محاصَرين لا يمكن الوصول إليهم ولا خروجهم!!
ولقد مكث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه ثلاث عشرة سنة وهم يُؤذَون من أول أمر البعثة والدعوة، ومع ذلك لم يأذن الله لنبيه بالهجرة من مكة إلى المدينة من أول أذى، ولم يأذن النبي لأصحابه بالهجرة من أول أذى، يدل على ذلك وَضْعُ سلى الجزور على ظهره -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو يصلي، وضَحِكُ أبي جهل ومَن معه من صناديد الكفر من ذلك وتمايل بعضهم على بعض،
وكذلك قولُ عمِّه أبي لهب له : تَبًّا لك سائر اليوم، ألِهذا جَمَعْتنا؟! لَمَّا وقف النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على الصفا وهتف ببطون قريش ودعاهم إلى التوحيد، ورفع صوته بذلك،
وكذلك قولُه -صلى الله الله عليه وعلى آله وسلم- لخَبَّاب بن الأَرَتِّ:
«لقد كان يؤتى بالرجل مِمَّن كان قبلكم فيُحفر له في الأرض، ثم يُمْشَط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، واللهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هذا الدين حتى يَسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلَّا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجِلون» وذلك لَمَّا أتاه خباب وهو متوسِّدٌ بردةً في ظل الكعبة وقال له -وقد لَقُوا مِن المشركين شدة-: أَلَا تستنصِر لنا، ألا تدعو الله لنا؟!
وكل ذلك في الصحاح، إلى أمثال وأضعاف ذلك.
ولو كانت الهجرة واجبة مع كل أذى لَهَاجَر النبي من المدينة -أيضًا- إلى غيرها، فكم!! كان فيها من أذى المنافقين واليهود للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه.
ولو كانت الهجرة واجبة مع كل أذى لَمَا نهى الله نبيه محمـدًا أن يكون كنبيه يونس على حد قوله -تعالى-:﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ أي يونس -عليه وعلى نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين الصلاة والسلام- وذلك لَمَّا غاضَب نبي الله يونس قومَه وذهب، قال -تعالى-:
﴿وَذَا النُّونِ﴾ -أي: واذكر ذا النون-
﴿إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ﴾ -أي نُضَيِّق- ﴿عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾
والسؤال هنا:
هل سيَفرح هؤلاء الذين صرَّحوا قديمًا بوجوب خروج الشيخ يحيى وطلبته من جبال!! دماج -مع أنه كان لا يجب عليه ذلك يومها- هل سيفرحون بخروج الشيخ يحيى اليوم من جبال!! دماج مع وجوب ذلك وتعيُّنه عليه وعلى طلبته، ومع كون خروجه بطلابه يُعَدُّ فتحًا كما عَدَّ اللهُ صلح الحديبية فتحًا مبينًا، وكما عد رسول الله غزوة مؤتة بإمرة خالد بن الوليد فتحًا أيضًا؟!
ومَن بَذَلَ وسعه واتقى الله -عز وجل- فهو مشكور لا مكفور، ومأجور لا موزور، ومحمود لا ملوم، ومنصور لا مهزوم.
على كل حال، فسيحط الشيخ يحيى وطلبته رحالهم حيث شاء الله مِن أرض الله حيث يكون له في تلك الأرض أنصار.
هذا، ونُذَكِّر ونُبَشِّر هؤلاء المهاجرين وأنصارهم بما قاله الله في أسلافهم من المهاجرين والأنصار زمن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حيث قال -عز وجل-:
﴿لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
فالـلَّهَ اللهَ يا معشر الأنصار في إخوانكم أهل السنة المهاجِرين، أهل الهجرة والهجرتين، آووهم، وأطعِموا جائعهم، واكسوا عاريهم، وداووا مريضهم وجريحهم، وواسوهم فإنهم حديثوا عهد بمصيبة، وأَنْكِحوا أَيَامَاهُم، وأكرِموهم، وامنعوهم مما تمنعون منه أنفسكم ونساءكم وأولادكم، وتعاونوا معهم على البـر والتقوى، وشدوا أزرهم، وقووا عزائمهم على الخيـر.
والحذرَ الحذرَ من أهل النميمة والتحريش والوقيعة والتخبيب والإفساد،
واللهَ اللهَيا معشر المهاجرين في إخوانكم الأنصار، اعرفوا حقهم، واحفظوا لهم فضلهم، وكافئوهم على الإحسان إحسانًا، وتجاوزوا -إن استطعتم- عن مسيئهم.
اللهم اغفر لإخواننا المهاجرين، ولأبناء المهاجرين، ولأبناء أبناء المهاجرين، واغفر اللهم لأنصارهم، ولأبناء أنصارهم، ولأبناء أبناء أنصارهم.
اللهم لا عيشَ إلَّا عيشُ الآخرة *** فاغفر للأنصار والمهاجرة
اللهم لا عيش إلَّا عيش الآخرة ***فارحم الأنصار والمهاجرة
اللهم لا عيش إلَّا عيش الآخرة ***فأكرِم الأنصار والمهاجرة
هذا، ومَن كان راغِبًا في أن يهاجر الشيخ وطلبته إلى بلده وراغبًا في أن يحوزهم إلى رحله فلم يُقدَّر له ذلك، فإن استطاع أن يُعين هؤلاء المهاجرين وهؤلاء الأنصار بما كان رصده لذلك أو ببعضه -على الأقل- فليَفعل، فإنَّ الله يحب المحسنين أينما كانوا، وأينما كان إحسانهم.
هذا، وليَعلَم المسلمون كلهم عمومًا -وأهل السنة خصوصًا- في شتى الأقطار والأمصار أنَّ لإخوانهم أهل السنة من المهاجرين وأنصارهم حقًّا عليهم في مد يد العون والإحسان إليهم، فإنَّ العدد كثيـر والخطب جلل كبير، والله المسئول أن يَكتب لكم الأجور.
هذا، وإني أخاف على إخواننا الشهداء بدماج من كيد الرافضة ومكرهم وغيظهم وحَنَقِهم عليهم؛ إذ إنَّ بإخواننا من الكرامات ما يُثْلِج صدورَ المؤمنين، ويغيظ أعداء الله الرافضة الزنادقة المنافقين، فأخشى أن تمتد إليهم أيدي الرافضة بسوء، وإذا كان يجب صون حرمة الأحياء، فكذلك يجب صون حرمة الأموات، فإن ترجَّح شرعًا لإخواننا نقل جثث الشهداء معهم إلى مقبـرة يؤمَن عليهم فيها، فليس لهم أن يتوانَوا في ذلك، والضرورات تبيح المحظورات، وقد صحَّ أنَّ جابرًا لم تطب نفسه أن يُدفَن والده مع رجل آخر، فأخرجه بعد ستة أشهر، وقد كان ذلك في زمن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأن والد جابر قُتِلَ بأحد، فلم يُنكَر على جابرٍ صنيعُه.
فهنيئًا ثم هنيئًا للشهداء، ولأولياء الشهداء الصابرين المحتسبين، وهنيئًا ثم هنيئًا للمهاجرين هجرة أو هجرتين، وهنيئًا ثم هنيئًا لأنصارهم.
تم الفراغ منها في ضحى الخميس الموافق الخامس عشر من شهر ربيع أول لسنة خمسٍ وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام.
وكتب
أبوبكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري
أبو عبدالله
تعليق