إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شرح قصة رؤية المرأة بعض نعيم الجنة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شرح قصة رؤية المرأة بعض نعيم الجنة

    شرح حديث امرأة
    رأت في المنام نعيم الجنة




    جمعه الفقير إلى الله:
    أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا آل الطوري
    الإندونيسي الجاوي عفا الله عنه



    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة المؤلف

    الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على محمد وآله أجمعين، أما بعد: فإن الله قد دعا عباده إلى دار السلام، وهي جنته النعيم فقال: ﴿وَالله يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس: 25].
    وقد أكثر النبي صلى الله عليه وسلم سؤال ربه عز وجل الجنة. عن أنس، قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار». (أخرجه البخاري (6389) ومسلم (2690)).
    فنحب ذكر قصة عجيبة في زمن الوحي دالة على صدق خبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
    عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا الحسنة، فربما قال: «هل رأى أحد منكم رؤيا؟» فإذا رأى الرجل رؤيا سأل عنه، فإن كان ليس به بأس كان أعجب لرؤياه إليه. قال: فجاءت امرأة فقالت: يا رسول الله رأيت كأني دخلت الجنة، فسمعت بها وجبة ارتجت لها الجنة، فنظرت فإذا قد جيء بفلان بن فلان، وفلان بن فلان، حتى عدت اثني عشر رجلا وقد بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سرية قبل ذلك. قالت: فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم. قال: فقيل اذهبوا بهم إلى نهر السدخ -أو قال: إلى نهر البيدج- قال: فغمسوا فيه فخرجوا منه وجوههم كالقمر ليلة البدر. قال: ثم أتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها، وأتي بصحفة -أو كلمة نحوها- فيها بسرة، فأكلوا منها، فما يقلبونها لشق إلا أكلوا من فاكهة ما أرادوا، وأكلتُ معهم. قال: فجاء البشير من تلك السرية فقال: يا رسول الله، كان من أمرنا كذا وكذا، وأصيب فلان، وفلان، حتى عد الاثني عشر الذين عدتهم المرأة. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «عليّ بالمرأة». فجاءت. قال: «قصّي على هذا رؤياك». فقصّت. قال: هو كما قالت لرسول الله صلى الله عليه و سلم. (أخرجه الإمام أحمد (12408) بسند صحيح).
    ولهذا الحديث فوائد سأذكر بعضها إن شاء الله:
    الباب الأول: شرح حديث أنس رضي الله عنه

    قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا الحسنة، فربما قال: «هل رأى أحد منكم رؤيا؟»).
    إن أهل السنة والجماعة لا يستدلون بالمنامات إذا جاءت ممن ليس بمعصوم. إلا إذا كانت أقرها رسول الله ﷺ. ولكنا نفرح بالمبشرات التي رآها المؤمن، كما جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات». قالوا: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة». (أخرجه البخاري (6990)).
    وعن أبي قتادة رضي الله عنه: عن النبي ﷺ قال: «الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان». [أخرجه البخاري (6984)].
    قال القرطبي رحمه الله: وعلى الجملة فإن الرؤيا الصادقة من الله، وأنها من النبوة، قال صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان» وأن التصديق بها حق، ولها التأويل الحسن، وربما أغنى بعضها عن التأويل، وفيها من بديع الله ولطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه. ("الجامع لأحكام القرآن"/9 /ص124).
    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: عن النبي ﷺ قال: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة». (أخرجه البخاري (6987) ومسلم (2264)).
    فليست كما يزعمها بعض العقلانيين أنها مجرد تخيلات وخرافات. قال الإمام القرطبي رحمه الله: ولا خلاف في هذا بين أهل الدين والحق من أهل الرأي والأثر، ولا ينكر الرؤيا إلا أهل الإلحاد وشر ذمة من المعتزلة. ("الجامع لأحكام القرآن"/9 /ص124).
    قال الإمام ابن القيم رَحِمَـهُ اللهُ بعد ذكر أدلة الرؤيا: والذي هو من أسباب الهداية هو الرؤيا التي من الله خاصة. ورؤيا الأنبياء وحي فإنها معصومة من الشيطان، وهذا باتفاق الأمة. ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام بالرؤيا. وأما رؤيا غيرهم فتعرض على الوحي الصريح فإن وافقته وإلا لم يعمل بها. فإن قيل: فما تقولون إذا كانت رؤيا صادقة أو تواطأت؟ قلنا: متى كانت كذلك استحال مخالفتها للوحي، بل لا تكون إلا مطابقة له منبهة عليه أو منبهة على اندراج قضية خاصة في حكمه لم يعرف الرائي اندراجها فيه فيتنبه بالرؤيا على ذلك. ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحر الصدق، وأكل الحلال، والمحافظة على الأمر والنهي، ولينم على طهارة كاملة، مستقبل القبلة، ويذكر الله حتى تغلبه عيناه، فإن رؤياه لا تكاد تكذب ألبتة.
    وأصدق الرؤيا رؤيا الأسحار فإنه وقت النزول الإلهي واقتراب الرحمة والمغفرة وسكون الشياطين. وعكسه رؤيا العتمة عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية. وقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: رؤيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده في المنام.
    وللرؤيا ملك موكل بها يريها العبد في أمثال تناسبه وتشاكله فيضربها لكل أحد بحسبه. وقال مالك: الرؤيا من الوحي، وحيٌ. وزجر عن تفسيرها بلا علم وقال: أتتلاعب بوحي الله؟
    (انتهى من "مدارج السالكين"/1 /ص51-52).
    وقوله: (فإذا رأى الرجل رؤيا سأل عنه، فإن كان ليس به بأس كان أعجب لرؤياه إليه). فيه جواز إخبار الرؤيا للناصح، وتأويلها للمحسن. ولا ينبغي أن نقصّ الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح، ولا على من لا يحسن التأويل فيها. قال الله تعالى: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [يوسف: 5].
    قال الإمام القرطبي رحمه الله: هذه الآية أصل في ألا نقص الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح، ولا على من لا يحسن التأويل فيها. ("الجامع لأحكام القرآن"/9 /ص126).
    وقوله: (فجاءت امرأة فقالت: يا رسول الله رأيت كأني دخلت الجنة ...) فيه جواز قبول خبر المرأة الثقة وإن كانت واحدة.
    قال الخطيب البغدادي رحمه الله: ثبت أن خبر المرأة العدل مقبول، وأنه إجماع من السلف. ("الكفاية في علم الرواية" /للخطيب البغدادي /ص 98).
    وقال عبد العزيز بن أحمد البخاري رحمه الله: كان خبر المرأة مثل خبر الرجل وخبر العبد مثل خبر الحرّ. ("كشف الأسرار شرح أصول البزدوي" /3/ص 103).
    وقولها: (رأيت كأني دخلت الجنة) دليل على إمكانية رؤية الجنة في المنام. والأدلة على ذلك كثيرة، منها: هذا الحديث.
    ومنها: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء، امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك». فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار. (أخرجه البخاري (5679) ومسلم (2394)).
    ومنها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: رأيت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كأن بيدي قطعة إستبرق، فكأني لا أريد مكانا من الجنة إلا طارت إليه، ورأيت كأن اثنين أتياني أرادا أن يذهبا بي إلى النار، فتلقاهما ملك، فقال: لم ترع خليا عنه، فقصت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم إحدى رؤياي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» فكان عبد الله رضي الله عنه يصلي من الليل. (أخرجه البخاري (1156) ومسلم (2479)).
    ومنها: عن ثابت البناني رحمه الله قال: كنت عند أنس بن مالك إذ قدم عليه ابن له من غزاة له، يقال له أبو بكر، فسأله، فقال: ألا أخبرك عن صاحبنا، فلان؟ بينا نحن قافلين في غزاتنا، إذ ثار وهو يقول: واأهلاه واأهلاه، فثرنا إليه، وظننا أن عارضا عرض له، فقلنا: ما لك؟ فقال: إني كنت أحدث نفسي ألا أتزوج حتى أستشهد، فيزوجني الله تعالى من حور العين، فلما طالت علي الشهادة، قلت في سفري هذا: إن أنا رجعت هذه المرة تزوجت، فأتاني آت قبيل في المنام، فقال: أنت القائل: إن رجعت تزوجت؟ قم فقد زوجك الله "العيناء"، فانطلق بي إلى روضة خضراء معشبة، فيها عشر جوار، بيد كل واحدة صنعة تصنعها، لم أر مثلهن في الحسن والجمال، فقلت: فيكن العيناء؟ فقلن: نحن من خدمها، وهي أمامك فمضيت، فإذا روضة أعشب من الأولى وأحسن، فيها عشرون جارية، في يد كل واحدة صنعة تصنعها ليس العشر إليهن بشيء في الحسن والجمال، قلت: فيكن العيناء؟ قلن: نحن من خدمها، وهي أمامك ، فمضيت ، فإذا أنا بروضة ، وهي أعشب من الأولى والثانية في الحسن ، فيها أربعون جارية ، في يد كل واحدة منهن صنعة تصنعها ليس العشر والعشرون إليها بشىء في الحسن والجمال ، قلت : فيكن العيناء ؟ قلن : نحن من خدمها ، وهي أمامك ، فمضيت ، فإذا أنا بياقوتة مجوفة فيها سرير عليه امرأة قد فضل جنباها السرير ، قلت : أنت العيناء ؟ قالت : نعم مرحبا ، فذهبت أضع يدي عليها ، قالت : مه ؛ إن فيك شيئا من الروح بعد ، ولكن تفطر عندنا الليلة ، قال : فانتبهت ، قال : فما فرغ الرجل من حديثه حتى نادى المنادي : يا خيل الله اركبي ، قال: فركبنا ، فصافنا العدو ، قال : فإني لأنظر إلى الرجل ، وأنظر إلى الشمس ، وأذكر حديثه ، فما أدري رأسه سقط أم الشمس سقطت.
    (انتهى النقل من "الغيلانيات"/لأبي بكر الشافعي /2/ص421).
    السند صحيح، رجاله ثقات.
    والأثر أخرجه أيضا الإمام ابن المبارك في "الجهاد" برقم (149) من طريق السري بن يحيى عن ثابت به، وفيه: ثم انتهيت إلى قبة من ياقوتة حمراء مجوفة قد أضاء لها ما حولها، فقال لي صاحبي: ادخل، فدخلت، فإذا امرأة ليس للقبة معها ضوء، فجلست فتحدثت ساعة، فجعلت تحدثني، فقال صاحبي: اخرج انطلق. قال: ولا أستطيع أن أعصيه. قال: فقمت فأخذتْ بطرف ردائي فقالت: أفطر عندنا الليلة. فلما أيقظتموني رأيت إنما هو حلم فبكيت. فلم يلبثوا أن نودي في الخيل. قال: فركب الناس، فما زالوا يتطاردون حتى إذا غابت الشمس وحلّ للصائم الإفطار أصيب تلك الساعة، وكان صائما. وظننت أنه من الأنصار، وظننت أن ثابتا كان يعلم نسبه اهـ.
    ومنها: قصة أخرى عجيبة لرحمة بنت إبراهيم رحمها الله، وأنه كان لها زوج نجار فقير، معيشته من عمل يده، يأتيه رزقه يوما ويوما، لا فضل في كسبه عن قوت أهله، وأنها ولدت منه عدة أولاد، ثم قتل زوجها في سبيل الله لما هجم عليهم الكفار، ... –إلى قولها:- وأدخل الحصن علينا عشية ذلك أربعمائة جنازة فلم تبق دار إلا حمل إليها قتيل وعمت المصيبة وارتجَت الناحية بالبكاء. قالت: ووضع زوجي بين يدي قتيلا فأدركني من الجزع والهلع عليه ما يدرك المرأة الشابة على زوج أبي الأولاد وكانت لنا عيال.
    قالت: فاجتمع النساء من قراباتي والجيران يسعدنني على البكاء وجاء الصبيان وهم أطفال لا يعقلون من الأمر شيئا، يطلبون الخبز، وليس عندي ما أعطيهم فضقت صدرا بأمري، ثم إني سمعت أذان المغرب ففزعت إلى الصلاة، فصليت ما قضى لي ربي، ثم سجدت أدعو وأتضرع إلى الله وأسأله الصبر بأن يجبر يتم صبياني.
    قالت: فذهب بي النوم في سجودي فرأيت في منامي كأني في أرض حسناء ذات حجارة، وأنا أطلب زوجي، فناداني رجل إلى أين أيتها الحرة؟ قلت: أطلب زوجي. فقال: خذي ذات اليمين. قالت: فأخذت ذات اليمين، فرفع لي أرض سهلة طيبة الري، ظاهرة العشب، وإذا قصور وأبنية لا أحفظ أن أصفها أو لم أر مثلها، وإذا أنهار تجري على وجه الأرض عبر أخاديد ليست لها حافات، فانتهيت إلى قوم جلوس حلقا حلقا عليهم ثياب خضر قد علاهم النور، فإذا هم الذين قتلوا في المعركة يأكلون على موائد بين أيديهم، فجعلت أتخللهم وأتصفح وجوههم أبغي زوجي لكي ينظرني، فناداني: يا رحمة يا رحمة، فيممت الصوت، فإذا أنا به في مثل حال من رأيت من الشهداء، وجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه، فقال لأصحابه: إن هذه البائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنون لي أن أناولها شيئا تأكله؟ فأذنوا له، فناولني كسرة خبز. قالت: وأنا أعلم حينئذ أنه خبز ولكن لا أدري كيف يخبز؟ هو أشد بياضا من الثلج واللبن وأحلى من العسل والسكر وألين من الزبد والسمن. فأكلته فلما استقر في جوفي قال: اذهبي كفاك الله مؤنة الطعام والشراب ما حييت الدنيا. فانتبهت من نومي شبعى ريا، لا أحتاج إلى طعام ولا شراب. وما ذقتهما منذ ذلك اليوم إلى يومي هذا، ولا شيئاً يأكله الناس.
    قال أبو العباس عيسى بن محمد بن عيسى الطهماني المروزي(): فسألتها: هل تتغذى بشيء أو تشرب شيئا غير الماء؟ فقالت: لا.
    فسألتها هل يخرج منها ريح أو أذى كما يخرج من الناس؟ فقالت: لا عهد لي بالأذى منذ ذلك الزمان. قلت: والحيض؟ و أظنها قالت: انقطع بانقطاع الطعم.
    قلت: فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال؟ قالت: أما تستحيي مني تسألني عن مثل هذا؟ قلت: إني لعلي أحدثُ الناس عنك، ولا بد أن أستقصي. قالت: لا أحتاج.
    قلت: فتنامين؟ قالت: نعم أطيب نوم. قلت: فما ترين في منامك؟ قالت: مثل ما ترون. قلت: فتجدين لفقد الطعام وهناً في نفسك؟ قالت: ما أحسست بجوع منذ طعمت ذلك الطعام.
    وكانت تقبل الصدقة. فقلت لها: ما تصنعين بها؟ قالت: أكتسي وأكسو ولدي. قلت: فهل تجدين البرد وتتأذين بالحر؟ قالت: نعم. قلت: فهل تدرين كلل اللغوب والإعياء إذا مشيت؟ قالت: نعم. ألست من البشر؟ قلت: فتتوضئين للصلاة؟ قالت: نعم. قلت: لم؟ قالت: أمرني بذلك الفقهاء. فقلت: إنهم أفتوها على حديث: «لا وضوء إلا من حدث أو نوم».
    وذكرت لي أن بطنها لاصق بظهرها. فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها كما وصفت، وإذا قد اتخذت كيسا فضمت القطن وشدته على بطنها كي لا ينقصف ظهرها إذا مشت. ثم لم أزل أختلف إلى هزاراسب بين السنتين والثلاث، فتحضرني فأعيد مسألتها، فلا تزيد ولا تنقص. وعرضت كلامها على عبد الله بن عبد الرحمن الفقيه، فقال: أنا أسمع هذا الكلام منذ نشأت، فلا أجد من يدفعه أو يزعم أنه سمع أنها تأكل أو تشرب أو تتغوط.
    (انتهى النقل من "طبقات الشافعية الكبرى"/لابن السبكي/8/ص2-7/سنده صحيح).
    وقولها في حديث الباب: (فسمعت بها وجبة ارتجت لها الجنة) الوجبة: صَوت الشَّيْء يسْقط فَيسمع لَهُ كالهدة. ("المحكم والمحيط الأعظم" /لابن سيدة/7/ص 570).
    والوجبة: السقطة من علو إلى أسفل بصوت مزعج. ("غريب الحديث"/لابن الجوزي /2/ص454).
    فلذلك قالت المرأة رضي الله عنها: (ارتجت لها الجنة).
    وقالت: (فنظرت فإذا قد جيء بفلان بن فلان، وفلان بن فلان، حتى عدت اثني عشر رجلا وقد بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سرية قبل ذلك). السرية: قطعة من الجيش؛ يقال: خير السرايا أربعمائة رجل. التهذيب: وأما السرية من سرايا الجيوش فإنها فعيلة بمعنى فاعلة، سميت سرية لأنها تسري ليلا في خفية لئلا ينذر بهم العدو فيحذروا أو يمتنعوا. ("لسان العرب" /14/ ص383).
    قولها: (فجيء بهم عليهم ثياب طلس)، والأطلس: الثوب الخلق، وكذلك الطلس بالكسر. ("لسان العرب" /6/ص 124).
    وقولها: (تشخب أوداجهم). والشخب: الدم. وكل ما سال فقد شخب. ("لسان العرب"/1/ص 485).
    والودج –بفتحتين- والوداج بالكسر: عرق في العنق. ("مختار الصحاح" /ص 335).
    وقولها: (فقيل اذهبوا بهم إلى نهر السدخ -أو قال: إلى نهر البيدج- ) السدخ أو البيدج اسمان لنهر من أنهار الجنة. وأما من حيث المعنى، فليس للسدخ أصل من كلام العرب.
    قال ابن فارس رحمه الله: (سدخ) السين والدال والخاء لا أصل له في كلام العرب. ولا معنى لقول من قال: انسدخ مثل انسدح، إذا استلقى عند الضرب أو انبطح. والله أعلم. ("مقاييس اللغة" /3/ص152).
    والبيدج كأبدوج، كأنه كلمة أعجمية. ("تاج العروس" /لمرتضى الزبيدي/5/ص414).
    وقولها: (فغمسوا فيه فخرجوا منه وجوههم كالقمر ليلة البدر). هذا من عظيم قدرة الله في هذا النهر، وجميل صنعته وجزيل ثوابه لمن قُتل في سبيل الله خصوصاً ولأهل الجنة عموماً.
    وجاء في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه في قصة رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم: «... فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها، فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء» قال: «قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر» قال: «وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة». (أخرجه البخاري (7047)).
    وكما جاء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً: «... فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له: نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض. فيخرجون كاللؤلؤ... ». (أخرجه البخاري (7439) ومسلم (183)).
    وقولها: (وجوههم كالقمر ليلة البدر)، دليل على جمال أهل الجنة. وهذا معروف كما مرّ بنا.
    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد يعني سوطه خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها». (أخرجه البخاري (2796)).
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة الأنجوج، عود الطيب وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعا في السماء». (أخرجه البخاري (3327) ومسلم (2834)).
    قال القرطبي رحمه الله: قد يقال: أي حاجة في الجنة للأمشاط لا تتلبد شعورهم ولا تنسح، وأي حاجة للبخور وريحهم أطيب من المسك؟ ويجاب عن ذلك: بأن نعيم أهل الجنة وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم فليس أكلهم عن جوع ولا شربهم عن ظمأ ولا تطييبهم عن نتن وإنما هي لذات متوالية، ونعم متتابعة، وحكمة ذلك أن الله تعالى نعمهم في الجنة تنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا وزادهم على ذلك ما لا يعلمه إلا الله انتهى. (كما في "طرح التثريب في شرح التقريب" /للعراقي/8/ص 268).
    وقال العراقي رحمه الله: ولما كانت أغذية الجنة في غاية اللطافة، والاعتدال لا عجم لها ولا تفل لم يكن لها فضلة تستقذر، بل تستطاب وتستلذ فعبر عنها بالمسك الذي هو أطيب طيب أهل الدنيا. ("طرح التثريب في شرح التقريب" /للعراقي/8/ص 268).
    وعن صهيب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل»، ثم تلا هذه الآية: ﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة﴾ [يونس: 26]. (أخرجه مسلم (181)).
    وقولها: (ثم أتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها)، الذهب من نعيم أهل الجنة كما مرّ بنا ذكره.
    وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جَنَّتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فِضَّة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى الله إلا رِدَاء الكبرياء على وجهه في جنة عدن». (أخرجه البخاري (4878) ومسلم (180)).
    وأخرج الحاكم في "المستدرك" (3776)، والبيهقي في "البعث والنشور" (283)، والبغوي في "شرح السنة" (4384) من طريق سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله عز وجل: ﴿فيهما فاكهة ونخل ورمان﴾ [الرحمن: 68] قال: «نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر وكرانيفها ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال أو الدلاء أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد، وليس لها عجم». سنده صحيح.
    قال البغوي: المقطعات: الثياب القصار.
    وقولها: (وأتي بصحفة -أو كلمة نحوها- فيها بسرة، فأكلوا منها، فما يقلبونها لشق إلا أكلوا من فاكهة ما أرادوا)، فيه دليل على تنعّم أهل الجنة بما أرادوا من الطعام والشراب. قال الله تعالى: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الواقعة: 17 - 24].
    وقال سبحانه: ﴿... وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت: 30 - 32].
    وقال الإمام النووي رحمه الله: مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون يتنعمون بذلك وبغيره من ملاذ وأنواع نعيمها تنعما دائما لا آخر له ولا انقطاع أبداً، وإن تنعمهم بذلك على هيئة تنعم أهل الدنيا، إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة والنفاسة التي لا يشارك نعيم الدنيا إلا في التسمية وأصل الهيئة. ("شرح النووي على مسلم" /17/ ص173).
    ومأكولات أهل الجنة مباركة. عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة صلاة الكسوف: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني أريت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا». (أخرجه البخاري (748) ومسلم (907)).
    وقولها: (وأكلتُ معهم) هذا من نعمة الله على هذه الصحابية رضي الله عنها حيث أطعمها الله من نعيم الجنة تلك الليلة، وإن لم يحصل لها ما حصل في رحمة بنت إبراهيم رحمها الله. وليس هذا منقصة للصحابية ولا يدل على أن رحمة بنت إبراهيم أفضل منها.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومما ينبغي أن يعرف أن الكرامات قد تكون بحسب حاجة الرجل فإذا احتاج إليها الضعيف الإيمان أو المحتاج أتاه منها ما يقوي إيمانه ويسد حاجته ويكون من هو أكمل ولاية لله منه مستغنيا عن ذلك فلا يأتيه مثل ذلك لعلو درجته وغناه عنها لا لنقص ولايته؛ ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة. ("مجموع الفتاوى" /11/ ص283).
    وقول أنس رضي الله عنه: (فجاء البشير من تلك السرية فقال: يا رسول الله، كان من أمرنا كذا وكذا، وأصيب فلان، وفلان، حتى عد الاثني عشر الذين عدتهم المرأة). هذا يدل على التوافق بين رؤيا المرأة وبين واقع تلك السرية. وهذا من كرامة تلك المرأة وهؤلاء الشهداء. وهذا من المغيبات التي أظهرها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بما شاء وكيف شاء. وقد قال الله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴾ [الجن: 26، 27].
    وقول أنس رضي الله عنه: (قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «عليّ بالمرأة». فجاءت. قال: «قصّي على هذا رؤياك». فقصّت. قال: هو كما قالت لرسول الله صلى الله عليه و سلم)، دليل على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَظهر صدق رسالته من غيره أيضاً لتكثر البينات. وهذا كما حصل في قصة الراعي والذئب.
    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه قال: ألا تتقي الله تنزع مني رزقا ساقه الله إلي. فقال: يا عجبي ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس. فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك محمد صلى الله عليه و سلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم، فأخبره، فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فنودي الصلاة جامعة ثم خرج فقال للراعي: أخبرهم، فأخبرهم. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «صدق والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده». (أخرجه الإمام أحمد ((11792)/الرسالة/صحيح).
    وفي هذا الحديث دليل على أن الشهداء لم يموتوا بل حياتهم عند الله أتمّ وأكمل. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران : 169].
    وعن مسروق قال: سألنا عبد الله –يعني ابن مسعود- عن هذه الآية: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: «أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئا قالوا: أي شيء نشتهى ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا. ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب، نريد أن تردّ أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا». (أخرجه مسلم (1887)).
    ولا شكّ أن هؤلاء الشهداء هم في سبيل الله، لا في سبيل الخوارج المفسدين في الأرض بجهاد بدعي.
    وأرواح عموم المؤمنين تُنَعَّم في الجنة أيضاً.
    قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في "المسند" (15778): حدثنا محمد بن إدريس يعني الشافعي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك كان يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه». سنده صحيح مسلسل بالأئمة.
    والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين
    إندونيسيا، 14 شعبان 1436 هـ
يعمل...
X