إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

معرفة النجد التي فيها زلازل والفتن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معرفة النجد التي فيها زلازل والفتن

    بسم الله الرحمن الرحيم
    معنى النجد الذي فيها فتن وزلازل

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد:
    فقد جاءت رسالة من أخ فاضل في السعودية: تناقشت مع زبون من جماعة المطلق الإخواني فقال: المقصود به نجد السعودية والرسول عليه الصلاة والسلام ذكر الحديث وهو في المدينة وقال نجد شرق المدينة والعراق شمالها. السؤال: حديث: « اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا». وفي الرابعة: وفي نجدنا. قال : «فيها الزلازل والفتن ومنه يطلع قرن الشيطان». ما المقصود بنجد ؟ هل هو نجد السعودية أم العراق ؟ بارك فيكم.
    الجواب بتوفيق الله وحده: قد تواردت الأدلة الدالة على أن قبل (النجد) منبأ الفتن والبلايا، بعضها بهذا اللفظ، وبعضها بلفظ (المشرق)، وبعضها بلفظ (العراق).
    فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا» قال: قالوا: وفي نجدنا. قال: قال: «اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا» قال: قالوا: وفي نجدنا. قال: قال: «هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان». (أخرجه البخاري (1037)).
    وعن أبي مسعود رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ها هنا جاءت الفتن نحو المشرق والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين أهل الوبر عند أصول أذناب الإبل والبقر في ربيعة ومضر». (أخرجه البخاري (3498)).
    وعن ابن أبي نعم قال: كنت شاهداً لابن عمر وسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق. قال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «هما ريحانتاي من الدنيا». (أخرجه البخاري (5994)).
    وعن سالم بن عبدالله بن عمر يقول: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة، سمعت أبي عبدالله بن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «إن الفتنة تجئ من ههنا»، وأومأ بيده نحو المشرق، «من حيث يطلع قرنا الشيطان، وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ، فقال الله عز و جل له: ﴿وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا﴾. (أخرجه مسلم (2905)).
    وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لا تتنافى ولا تتناقض، فكلٌّ من عند الله تعالى.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فألفاظ الحديث يبين بعضها بعضا وهي تبين مراده فلا يجوز ان يتعلق بلفظ منها ويترك بقيتها. ("الصلاة وحكم تاركها"/ص171).
    فلا منافاة بين هذه الألفاظ: (نجد)، و(المشرق) و(العراق)، لأن العراق من المشرق، وأن النجد هو كما قال ابن حجر رحمه الله: وقال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة. وأصل النجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها. وتهامة كلها من الغور، ومكة من تهامة انتهى. ("فتح الباري"/13/ص47).
    هذا ردّ على قول بعض الخوارج الذين قالوا: (هذا الحديث يعني نجد السعودية) ليتنسى به إغراء الناس على الدولة العربية السعودية الإسلامية.
    فالنجد لفظ عام، شامل للعراق لا مكة ولا المدينة.
    قال القاضي العيني رحمه الله: والنجد كل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق فهو نجد. ("عمدة القاري"/10/ص218).
    ومن ناحية أخرى: أن أعلم الناس بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أصحابه رضي الله عنهم الذين اختارهم الله لصحبته سفرا وحضرا في اليسر والعسر ونشر دينه وإعلاء كلمات الله في المشرق والمغرب.
    قال عنهم الإمام أبو شامة (عبدالرحمن بن إسماعيل، ت 665 هـ) رحمه الله: ... وعاينوا المصطفى، وفهموا مراد النبي صلى الله عليه وسلم فيما خاطبهم بقرائن الأحوال. (مختـصر كتاب "المؤمل في الرد إلى الأمر الأول"/ص26/المكتبة الإسلامية).
    وقد مرّ بنا أن السلف رضي الله عنهم جعلوا العراق مما يعنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الفتن التي في المشرق.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكان السلف يسمون أهل الشام : أهل المغرب، ويسمون أهل العراق : أهل المشرق. وهذه الجملة التى ذكرتها فيها. ("مجموع الفتاوى"/28/ص552).
    وهو المعروف في فهم كثير من الأئمة رحمهم الله.
    عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يشير إلى المشرق ويقول: «ها إن الفتنة ها هنا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان». (أخرجه مالك (1757)/صحيح).
    قال الإمام أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله: إشارة رسول الله صلى الله عليه و سلم - والله أعلم - إلى ناحية المشرق بالفتنة لأن الفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين هي قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهي كانت سبب وقعة الجمل وحروب صفين كانت في ناحية المشرق، ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق.
    قال أبو عمر: روينا عن حذيفة ( رضي الله عنه ) أنه قال: أول الفتن قتل عثمان وآخرها الدجال. ومعلوم أن أكثر البدع إنما ظهرت وابتدأت من المشرق، وإن كان الذين اقتتلوا بالجمل وصفين منهم كثير من أهل الحجاز والشام، فإن الفتنة وقعت في ناحية المشرق، فكانت سببا إلى افتراق كلمة المسلمين ومذاهبهم وفساد نيات كثير منهم إلى اليوم، وإلى أن تقوم الساعة، والله أعلم.
    (انتهى من "الاستذكار"/8/ ص519-520).
    والنجد كما مرّ بنا: كل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق.
    قال القاضي العيني رحمه الله: والنجد بفتح النون وسكون الجيم وهو اسم خاص لما دون الحجاز مما يلي العراق. ("عمدة القاري"/22/ص301).
    وفتن أهل العراق معروفة.
    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج ناس من قبل المشرق ويقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه». قيل: ما سيماهم؟ قال: «سيماهم التحليق»، أو قال: «التسبيد». (أخرجه البخاري (7563)).
    قال ابن حجر رحمه الله: تقدم في كتاب الفتن أنهم الخوارج، وبيان مبدا أمرهم، وما ورد فيهم. وكان ابتداء خروجهم في العراق، وهي من جهة المشرق بالنسبة إلى مكة المشرفة. ("فتح الباري"/13/ص536).
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأس الكفر نحو المشرق، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم». (أخرجه البخاري (3301) ومسلم (52)).
    وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من بيت عائشة فقال: «رأس الكفر من ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان»، يعني: المشرق. (أخرجه مسلم (2905)).
    قال الإمام أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله: أما قوله عليه السلام: «رأس الكفر نحو المشرق» فمعناه أن كفر أهل المشرق - وهم ذلك الوقت فارس وما وراءهم من العجم، وكلهم لا كتاب له ولا شريعة ومن كان كذلك فكفره أشد الكفر لأنه لا يقر بنبي ولا برسول ولا كتاب له ولا شريعة ولا يدين بدين يرضاه الله عز و جل. ("الاستذكار"/8/ص499).
    وقال المباركفوري رحمه الله: أي: من جهته، وفي ذلك إشارة إلى شدة كفر المجوس لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة وكانوا في غاية القوة والتجبر حتى مزق ملكهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم واستمرت الفتن من قبل المشرق. ("تحفة الأحوذي"/12/ص117).
    والعراق كانت في مملكة الفرس. قال حمز صاحب "الموازنة": وواسطة مملكة الفرس العراق. (كما في " معجم البلدان"/لياقوت الحموي/3/ص207).
    وقال ابن حجر رحمه الله: فان بلاد العراق كلها في ذلك الوقت كانت بأيدي كسرى وعماله من الفرس والعرب. ("فتح الباري"/13/ص312).
    فالعراق من المشرق. ورأس الفتن والكفر من تلك الناحية.
    قال القرطبي رحمه الله: وقيل : المراد بهذا الحديث : ما ظهر بالعراق من الفتن العظيمة ، والحروب الهائلة ؛ كوقعة الجمل ، وحروب صفين ، وحروراء ، وفتن بني أمية ، وخروج الخوارج ؛ فإن ذلك كان أصله ، ومنبعه العراق ومشرق نجد ، وتلك مساكن ربيعة ومضر إذ ذاك ، والله أعلم. ("المفهم"/2/ص5).
    وقال أبو بكر الكلاباذي البخاري رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: «رأس الكفر قبل المشرق» يجوز أن يكون المراد فيه كفر النعمة، لا كفر الجحود، وذلك أن أكثر الفتن التي كانت في الإسلام ظهرت من قبل المشرق ، وهو العراق وما وراءه ، فإن الجمل وهو أعظم الفتن التي كانت في الإسلام بعد قتل عثمان رضي الله عنه كان بالعراق ، وكذلك الصفين والنهروان ، وقتل الحسين رضي الله عنه بالعراق ، وفيها كانت فتنة ابن الزبير تسع سنين ، وفتنة الجماجم ، قالوا : قتل فيها خمسمائة من قراء التابعين ، ثم فتنة أبي مسلم كان ظهوره من قبل المشرق ، هذا وغيرها من الفتن والأحداث أكثرها كانت من قبل المشرق ، وسبب الفتنة وإراقة دماء المسلمين كفران نعمة الإسلام ، ويجوز أن يكون المراد فيه الكفر الذي هو ضد الإيمان ، ويكون ذلك خروج الدجال ، فإن أكثر الروايات على أن خروجه يكون من قبل الترك. ("بحر الفوائد" المسمى بـ: "معاني الأخبار"/للكلاباذي /ص92).
    وقال المناوي رحمه الله: أي: أكثر الكفر من جهة المشرق وأعظم أسباب الكفر منشؤه منه والمراد كفر النعمة لأن أكثر فتن الإسلام ظهرت من تلك الجهة كفتنة الجمل وصفين والنهروان وقتل الحسين وفتنة مصعب والجماجم قيل : قتل فيها خمس مئة من كبار التابعين وإثارة الفتن وإراقة الدماء كفران نعمة الإسلام ويحتمل أن المراد كفر الجحود ويكون إشارة إلى وقعة التتار التي وقع الاتفاق على أنه لم يقع له في الإسلام نظير وخروج الدجال ففي خبر أنه يخرج من المشرق. ("فيض القدير"/4/ص4).
    وهذه الفتن العظيمة كانت في العراق.
    ففتنة الجمل كانت في الزابُوقَة، وهو موضع قريب من البصرة. ("معجم البلدان"/2/ص384).
    ووقعة صفين بين علي رضي الله عنه ومعاوية في سنة 37 كانت في صفين، وهو موضع بقرب الرقة على شاطىء الفرات من الجانب الغربىِ بين الرَقة وبالس. ("معجم البلدان"/3/ص98).
    وحروراء: قرية بظاهر الكوفة وقيل موضع على ميلين منها نزل به الخوارج الذين خالفها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فنُسبها إليها. ("معجم البلدان"/2/ص74).
    والنهروان كانت بها وقعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللهَ عنه مع الخوارج مشهورة. وهي كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي حدها الأعلى متصل ببغداد. ("معجم البلدان"/4/ص260).
    وقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما كان في كربلاء، وهو في طرف البرية عند الكوفة. ("معجم البلدان"/3/ص471).
    ووقعة مصعب بن الزبير كانت في ديرُ الجاثلِيقِ، وعنده كانت الحرب بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير وكان الجيشان على شاطىء دجلة وإلى ذلك الموضع في العرض وعنده قُتل مصعب بن الزبير. ("معجم البلدان"/2/ص264).
    والجماجم، أي: ديرُ الجماجم: بظاهر الكوفة على سبعة فراسخ منها على طرف البر للسالك إلى البصرة. وعند هذا الموضع كانت الوقعة بين الحجاج بن يوسف الثقفي وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث التي كُسر فيها ابن الأشعث وقُتل القراء. ("معجم البلدان"/2/ص265).
    لا شك أن الفتن وقعت في جلّ الأماكن في الأرض، ولكن الكبرى المتكاثرة كانت في العراق.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومعلوم أنه كان بالكوفة من الفتنة والتفرق ما دل عليه النص والإجماع لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «الفتنة من هاهنا، الفتنة من هاهنا، الفتنة من هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان». ("مجموع الفتاوى"/20 /ص316).
    وإذا قيل: ما توجيه حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه في كثرة الفتن في المدينة، حيث قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم من آطام المدينة فقال: «هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر». (أخرجه البخاري (1878) ومسلم (2885)).
    الجواب بتوفيق الله: أن السبب الأساسي لهذه الفتن الذتي في المدينة هم أهل العراق.
    قال ابن حجر رحمه الله: وإنما اختصت المدينة بذلك لأن قتل عثمان رضي الله عنه كان بها، ثم انتشرت الفتن في البلاد بعد ذلك، فالقتال بالجمل وبصفين كان بسبب قتل عثمان، والقتال بالنهروان كان بسبب التحكيم بصفين. وكل قتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شيء من ذلك، أو عن شيء تولد عنه، ثم إن قتل عثمان كان أشد أسبابه الطعن على أمرائه، ثم عليه بتوليته لهم. وأول ما نشأ ذلك من العراق وهي من جهة المشرق، فلا منافاة بين حديث الباب وبين الحديث الآتي أن الفتنة من قبل المشرق. ("فتح الباري"/13/ص13).
    فلا يصح أن يقال إن "نجد الفتن والكفر والبلايا" هي نجد السعودية، بل هي "نجد العراق"، "نجد المشرق".
    قال القرطبي رحمه الله: وقوله في أهل اليمن : «هم أرق أفئدة ، وأضعف قلوبا»، يعني : من أهل المشرق ، لا من أهل الحجاز ؛ لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد قال في الحديث الآخر : «والإيمان في أهل الحجاز»، واليمن من الحجاز ؛ كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وقد وصف أهل اليمن في هذا الحديث بضدّ ما وصف به فيه أهل العراق ؛ فإنه قابل وصفي القسوة والغلظ بوصفي الرقة والضعف ؛ فالرقة في مقابلة القسوة ، والضعف يقابل الغلظ ، فمعنى أرق : أخشع ، ومعنى أضعف : أسرع فهما وانفعالا للخير. ("المفهم"/2/ص5).
    وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن في النجد فتن وبلايا، وذكر أنها نحو المشرق، وذكر أنها في العراق. فبجمع الأدلة علم مراده صلى الله عليه وسلم.
    وكون العراق في المشرق هو المعروف في الواقع، وهو المشهور في ألسنة العلماء.
    قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: فقال مالك والشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابهم: ميقات أهل العراق من ناحية المشرق كلها ذات عرق. ("الاستذكار"/4/ص37).
    وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: لأن الشام يسمى مغرباً لأنه مغرب للعراق، كما يسمى العراق مشرقاً، ولهذا قيل : ولأهل المشرق ذات عرق. ("المغني"/10/ص371).
    وأهل العراق مشهور بمخالفة الحق –إلا من اعتصم بمنهج السلف-.
    وقد أخرج الإمام أبو جعفر الفرياني رحمه الله بثلاثة طرق عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبيه ، قال : كنت جالسا مع عمر بن الخطاب ، فجاءه رجل من أهل الشام ، فسأله عمر عن أهل الشام ، فألطف المسألة ، وكان فيما سأله عنه فقال : « يعجلون الفطر ؟ قال : فقال : نعم . قال : لن يزالوا بخير ما عجلوا الفطر ، ولم يتنطعوا تنطع أهل العراق ». ("الصيام"/للفريابي/بأرقام (43 و44 و45)/صحيح).
    والحديث أخرجه عبد الرزاق من طريق معمر عن الزهري به. ("المصنف" (7589)/صحيح).
    ومن أجل هذه المخالفة وغيرها قلّ في أهل العراق الخير وكثر فيهم الشرّ.
    قال ابن حجر رحمه الله: من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان واطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعما ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ولا يعلم بذلك الا آحاد الناس وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون الا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا فاخروا الفطر وعجلوا السحور وخالفوا السنة فلذلك قل عنهم الخير وكثير فيهم الشر والله المستعان. ("فتح الباري"/4/ص199).
    ولا شك أن في أرض العراق أئمة الهدى يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويظهرون الحق والسنة بين أظهر أهل الفساد المتكاثرين.
    قال الإمام الذهبي رحمه الله: وأهل العراق كغيرهم، فيهم الثقة الحجة، والصدوق، والفقيه، والمقرئ، والعابد، وفيهم الضعيف، والمتروك، والمتهم. وفي "الصحيحين" شيء كثير جدا من رواية العراقيين رحمهم الله. وفيهم من التابعين كمثل علقمة، ومسروق، وعبيدة، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، وإبراهيم، ثم الحكم، وقتادة، ومنصور، وأبي إسحاق، وابن عون، ثم مسعر، وشعبة، وسفيان، والحمادين، وخلائق أضعافهم، رحم الله الجميع. ("سير أعلام النبلاء"/8/ص68-69).
    ولكن أهل الخير الحجاز والشام واليمن أكثر.
    كيف لا؟ وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها». (أخرجه البخاري (1876)).
    وقال ابن عمر رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها». (أخرجه مسلم (146)).
    وكيف لا؟ وأهل اليمن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية». (أخرجه البخاري (4390) ومسلم (52)، واللفظ له، عن أبي هريرة رضي الله عنه).
    وكيف لا؟ وقد قال عمير بن هانئ أنه سمع معاوية رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك». قال عمير: فقال مالك بن يخامر: قال معاذ: وهم بالشأم. فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول: وهم بالشأم. (أخرجه البخاري (3641)).
    وإذا حاول بعض الخوارج بغض بني تميم والدفاع عن أهل العراق فليعلموا أن الدجال خرج من نحو المشرق، وأن بني تميم هم أشد الناس على الدجال.
    فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما زلت أحب بني تميم منذ ثلاث سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم. سمعته يقول: «هم أشد أمتي على الدجال». قال: وجاءت صدقاتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه صدقات قومنا». وكانت سبية منهم عند عائشة فقال: «أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل». (أخرجه البخاري (2543) ومسلم (2525)).
    فالبقعة لا تقدس سُكّانها، ولكن أعمالهم الصالحة هي سبب تزكّيهم برحمة الله وفضله، فمن اتقى الله وجاهد نفسه لطاعته فإنما يجاهد لنفسه، والله هو الغني الحميد، ولا يضيع أجل المحسنين من أي بقعة كان.
    ومن انحرف عن الحق وطغى وبغى فهو الهالك وإن كان ولد في جوف الكعبة.
    قال الشيخ العلامة حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله تعالى في رده على بعض المجادلين: وقوله: (ولو قيل إن هذا الحديث ورد في ذم نجد وأهلها)... إلى آخره.
    فأقول: الذم إنما يقع في الحقيقة على الحال، لا على المحل؛ والأحاديث التي وردت في ذم نجد، كقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لنا في يمننا، اللهم بارك لنا في شامنا» قالوا: وفي نجدنا، قال: «هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان»، قيل: إنه أراد نجد العراق؛ لأن في بعض ألفاظه ذكر المشرق، والعراق شرقي المدينة، والواقع يشهد له، لا نجد الحجاز، ذكره العلماء في شرح هذا الحديث. فقد جرى في العراق من الملاحم والفتن، ما لم يجر في نجد الحجاز، يعرف ذلك من له اطلاع على السير، والتاريخ، كخروج الخوارج بها، الذين قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وكمقتل الحسين، وفتنة ابن الأشعث، وفتنة المختار وقد ادعى النبوة، وقتال بني أمية لمصعب بن الزبير، وقتله، وما جرى في ولاية الحجاج بن يوسف، من القتل والسفك، وغير ذلك مما يطول عده.
    وعلى كل حال، فالذمّ يكون في حال دون حال، ووقت دون وقت، بحسب حال الساكن، لأن الذم إنما يكون للحال دون المحل، وإن كانت الأماكن تتفاضل. وقد تقع المداولة فيها; فإن الله يداول بين خلقه حتى في البقاع، فمحل معصية في زمن، قد يكون محل طاعة في زمن آخر.
    ("الدرر السنية في الأجوبة النجدية"/15/ص180-181).

    والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
    صنعاء 25 شوال 1435 من الهجرة.
يعمل...
X