إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هل يوصف طريق الله بالطول والقصر؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل يوصف طريق الله بالطول والقصر؟



    هل يوصف طريق الله بالطول والقصر؟


    كتبه الفقير إلى الله
    أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي عفا الله عنه

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله أجمعين أما بعد:
    فقد تفكرت الطريق الذي أسير عليه، طريق السائرين المليء بالمحن والابتلاءات، وقد تساقط عنه رجال، ولا أحد استقام عليه إلا من ثبته الله عليه. ثم انتقل ذهني إلى الصراط الممدود على متن جهنم يوم القيامة، وهو أحدّ من السيف وأدق من الشعرة، وعليه كلاليب والحسكة تخطف المارّين عليه بحسب ما أمرها الله بخطفه، فمن زل قدمه هوي في النار التي قال الله تعالى فيها: ﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ﴾ [المرسلات: 32، 33].
    ولا أدري أأنا من الناجين أو من الهالكين؟ فإن قطاع الطريق كثير، والشبهات والشهوات تخطفني يمينا وشمالاً، فاللهم سلم سلم.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وقد نصب الله سبحانه الجسر الذي يمر الناس من فوقه إلى الجنة، ونصب بجانبيه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم. فهكذا كلاليب الباطل من تشبيهات الضلال وشهوات الغي تمنع صاحبها من الاستقامة على طريق الحق وسلوكه. والمعصوم من عصمه الله. ("الصواعق المرسلة"/2/ص146).
    ثم انتقل ذهني إلى رسالة قال مكتوب فيها: هل يوصف طريق الله بالطويل؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا اهـ.
    فلما كانت عندي أقوال بعض الأئمة رحمهم الله في ذلك –والتوفيق من الله وحده-، أستعين به تعالى على إجابة السؤال نشراً للعلم وإظهاراً للحق.
    وقبل الجواب عن صميم السؤال، لا بد أن نعرف ما هو طريق الله، الذي سماه الله أيضا بصراطه وسبيله، كما جاء هذه التسامي في كتابه العزيز.
    فأما الطريق المستقيم فقد قال الله تعالى فيه: ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأحقاف: 30].
    قال القرطبي رحمه الله: ﴿يهدي إلى الحق﴾ دين الحق. ﴿وإلى طريق مستقيم﴾ دين الله القويم. ("الجامع لأحكام القرآن"/للقرطبي /16/ص217).
    وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: وقولهم: ﴿يهدي إلى الحق﴾ أي: في الاعتقاد والإخبار، ﴿وإلى طريق مستقيم﴾ في الأعمال، فإن القرآن يشتمل على شيئين: خبر وطلب، فخبره صدق، وطلبه عدل، كما قال: ﴿وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا﴾ [الأنعام: 115]، وقال: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق﴾ [التوبة: 33]، فالهدى هو: العلم النافع، ودين الحق: هو العمل الصالح. وهكذا قالت الجن: ﴿يهدي إلى الحق﴾ في الاعتقادات، ﴿وإلى طريق مستقيم﴾ أي: في العمليات. ("تفسير القرآن العظيم"/لابن كثير /7/ص 303).
    وأما صراطه المستقيم، قال الله سبحانه فيه : ﴿وَالله يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213].
    قال الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله: يقول تعالى ذكره لعباده: أيها الناس ، لا تطلبوا الدنيا وزينتَها، فإن مصيرها إلى فناءٍ وزوالٍ ، كما مصير النبات الذي ضربه الله لها مثلا إلى هلاكٍ وبَوَارٍ، ولكن اطلبوا الآخرة الباقية، ولها فاعملوا، وما عند الله فالتمسوا بطاعته، فإن الله يدعوكم إلى داره، وهي جناته التي أعدَّها لأوليائه، تسلموا من الهموم والأحزان فيها، وتأمنوا من فناء ما فيها من النَّعيم والكرامة التي أعدَّها لمن دخلها، وهو يهدي من يشاء من خلقه فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم، وهو الإسلام الذي جعله جل ثناؤه سببًا للوصول إلى رضاه ، وطريقًا لمن ركبه وسلك فيه إلى جِنانه وكرامته. ("جامع البيان"/ للطبري /15/ص 59).
    وأما سبيله، فقد قال الله جل ذكره: ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ الله وَالله عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ [آل عمران: 195].
    قال أبو البركات النسفي رحمه الله: ﴿وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى﴾ بالشتم والضرب ونهب المال يريد سبيل الدين ﴿وقاتلوا وَقُتِلُواْ﴾ وغزوا المشركين واستشهدوا. ("تفسير النسفي"/1/ص 203).
    وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: ومعنى قوله : ﴿وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى﴾ أي : بسببه ، والسبيل : الدين الحق . والمراد هنا : ما نالهم من الأذية من المشركين بسبب إيمانهم بالله ، وعملهم بما شرعه الله لعباده . ("فتح القدير"/2/ص 70).
    هذا كله شيء واحد: سبيل الله، وصراط الله، وطريق الله.
    ومن معانيه: الدين الحق، والإسلام، والعمل الصالح الموصل إلى دار السلام، وكله يرجع إلى شيء واحد.
    فعلى هذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب : من اعتقادات ، وإرادات ، وغير ذلك ، وأمور ظاهرة : من أقوال ، أو أفعال قد تكون عبادات ، وقد تكون أيضا عادات في الطعام واللباس ، والنكاح والمسكن ، والاجتماع والافتراق ، والسفر والإقامة ، والركوب وغير ذلك . ("اقتضاء الصراط المستقيم" /1 / ص 92).
    ولا يمكن لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يسلكوا هذا الصراط إلا على منهج السلف الصالح لأنهم سادة الصديقين والشهداء والصالحين الذين أنعم الله عليهم بهدايته إلى الصراط المستقيم، والأدلة في هذا معروفة مبسوطة في رسالة أخرى.
    فمنهج السلف الصالح هو الصراط المستقيم.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ولهذا فسر السلف الصراط المستقيم وأهله بأبي بكر وعمر وأصحاب رسول الله ورضي الله عنهم. وهو كما فسروه فإنه صراطهم الذي كانوا عليه وهو عين صراط نبيهم وهم الذين أنعم الله عليهم وغضب على أعدائهم وحكم لأعدائهم بالضلال. وقال أبو العالية رفيع الرياحي والحسن البصري وهما من أجل التابعين: الصراط المستقيم رسول الله وصاحباه(). وقال أبو العالية أيضا في قوله: ﴿صراط الذين أنعمت عليهم﴾ هم آل رسول الله وأبو بكر وعمر(). وهذا حق فإنّ آله وأبا بكر وعمر على طريق واحدة ولا خلاف بينهم وموالاة بعضهم بعضا وثناؤهم عليهما. ومحاربةُ من حاربا ومسالمة من سالماً معلومة عند الأمة خاصها وعامها. وقال زيد بن أسلم: الذين أنعم الله عليهم هم رسول الله وأبو بكر وعمر().
    ولا ريب أن المنعم عليهم هم أتباعه والمغضوب عليهم هم الخارجون عن اتباعه. وأتبع الأمة له وأطوعهم أصحابه وأهل بيته وأتبع الصحابة له السمع والبصر أبو بكر وعمر. وأشد الأمة مخالفة له هم الرافضة فخلافهم له معلوم عند جميع فرق الأمة ولهذا يبغضون السنة وأهلها ويعادونها ويعادون أهلها. فهم أعداء سنته. وأهل بيته وأتباعه من بينهم أكمل ميراثا بل هم ورثته حقا. فقد تبين أن الصراط المستقيم طريق أصحابه وأتباعه وطريق أهل الغضب والضلال طريق الرافضة. وبهذه الطريق بعينها يرد على الخوارج فإن معاداتهم الصحابة معروفة اهـ. ("مدارج السالكين"/1/ص64-65/دار الحديث).
    فصراط الله أو طريق الله أو سبيل الله هو هذه الشريعة الإسلامية المبنية على الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح المراد بذلك الوصول إلى الله تعالى.
    وهذا الصراط له أوصاف، كما قاله الإمام ابن القيم رحمه الله: والصراط ما جمع خمسة أوصاف: أن يكون طريقاً مستقيماً سهلاً مسلوكاً واسعاً موصلاً إلى المقصود. فلا تسمي العرب الطريق المعوج صراطاً ولا الصعب المشتق ولا المسدود غير الموصول. ومن تأمل موارد الصراط في لسانهم واستعمالهم تبين له ذلك. ("بدائع الفوائد"/2/ص254).
    إذا علمنا أن من أوصاف الصراط أن يكون موصلاً إلى المقصود بطريق سهل، ناسب أن يكون قصيراً لا طويلاً. هذا باعتبار العلم، حيث إن العلم بالله سهل ميسر فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17].
    قال الإمام ابن كثير رحمه الله: أي: سهّلنا لفظه، ويسّرنا معناه لمن أراده، ليتذكر الناس. ("تفسير القرآن العظيم"/7/ص478).
    فالله تعالى برحمته على عباده قد نصب علامات كثيرة لمعرفة الحق.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وقد نصب الله تعالى على الحق أمارات كثيرة، ولم يسوّ الله سبحانه وتعالى بين ما يحبّه وبين ما يسخطه من كل وجه بحيث لا يتميز هذا من هذا. ولا بد أن تكون الفطر السليمة مائلة إلى الحق مؤثرة له. ولا بد أن يقوم لها عليه بعض الأمارات المرجحة ولو بمنام أو بإلهام. فإن قدر ارتفاع ذلك كله وعدمت في حقه جميع الأمارات، فهنا يسقط التكليف عنه في حكم هذه النازلة ويصير بالنسبة إليها كمن لم تبلغة الدعوة وإن كان مكلفاً بالنسبة إلى غيره. فأحكام التكليف تتفاوت بحسب التمكن من العلم والقدرة، والله أعلم. ("إعلام الموقعين"/4/ص219).
    فالعلم بالحق سهل لمن تحراه. عن يزيد بن عميرة قال : لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا. قال: أجلسوني. فقال: إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما. يقول ذلك ثلاث مرات. (أخرجه الترمذي (3804)/صحيح).
    قال الإمام ابن الوزير رحمه الله: علمت بالتجربة الضرورية في نفسي وغيري أن أكثر جهل الحقائق إنما سببه عدم الاهتمام بتعرفها على الإنصاف لا عدم الفهم، فإن الله وله الحمد قد أكمل الحجة بالتمكين من الفهم، وإنما أتي الأكثر من التقصير في الإهتمام. ("إيثار الحق على الخلق"/ص 28).
    فإذا سطعت أضواء الحجج، وقويت فهوم العقل، اتضح الصراط المستقيم، ولا سيما قد ركز في الفطرة ترجيح الحق على الباطل فيسهل سلوك الصراط بتوفيق الله. قال الإمام ابن الوزير رحمه الله: فالمعلوم في الفطر ترجيح الحق على الباطل. ("إيثار الحق على الخلق"/ص 194).
    فمن أجل هذا ذكر شيخ الإسلام والإمام ابن القيم رحمهما الله أن الصراط المستقيم قصير، وطريق الفلاسفة طويل.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله: وكما أن الحركة كحركة الحجر تطلب مركزها بأقصر طريق، وهو الخط المستقيم. فالطلب الإرادي الذي يقوم بقلوب العباد كيف يعدل عن الصراط المستقيم القريب، إلى طريق منحرف طويل؟ والله تعالى فطر عباده على الصحة والاستقامة، إلا من اجتالته الشياطين فأخرجته عن فطرته التي فطر عليها . ("مجموع الفتاوى"/6/ص569).
    الشاهد قوله: كيف يعدل عن الصراط المستقيم القريب، إلى طريق منحرف طويل؟
    وقال رحمه الله في شأن طريقة الفلسفة: هذا الذي قالوه، إما أن يكون باطلاً، وإما أن يكون تطويلاً يبعد الطريق على المستدل، فلا يخلو عن خطأ يصدّ عن الحق، أو طريق طويل يتعب صاحبه حتى يصل إلى الحق، مع إمكان وصوله بطريق قريب، كما كان يمثله بعض سلفنا بمنزلة من قيل له : أين أذنك ؟ فرفع يده رفعاً شديداً ثم أدارها إلى أذنه اليسرى، وقد كان يمكنه الإشارة إلى اليمنى أو اليسرى من طريق مستقيم. وما أحسن ما وصف الله به كتابه بقوله: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾ [ الإسراء : 9 ] ، فأقوم الطريق إلى أشرف المطالب ما بعث الله به رسوله، وأما طريق هؤلاء فهي مع ضلالهم في البعض، واعوجاج طريقهم، وطولها في البعض الآخر إنما توصلهم إلى أمر لا ينجي من عذاب الله، فضلاً عن أن يوجب لهم السعادة، فضلا عن حصول الكمال للأنفس البشرية بطريقهم . ("مجموع الفتاوى"/9/ص153).
    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: كونه هاديا إلى الصراط المستقيم وهو معرفة الحق والعمل به وهو أقرب الطرق الموصلة إلى المطلوب فإن الخط المستقيم هو أقرب خط موصل بين نقطتين وذلك لا يعلم إلا من جهة الرسل. ("مدارج السالكين"/1/ص69).
    هذا البيان واضح.
    وقد اعترف أبو عبدالله الرازي في كتابه "أقسام اللذات" لما ذكر اللذة العقلية وأنها العلم وأن أعرف العلوم العلم بالله، اعترف بأن أقرب الطريق الموصل إلى الله هو طريق القرآن، فقال وهو في غاية الحسرة على عمره وطول بحثه:
    نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال
    وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال
    ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقال
    لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفى عليلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن. اقرأ في الإثبات: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ ﴿إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾. واقرأ في النفي: ﴿ليس كمثله شيء﴾ ﴿ولا يحيطون به علماً﴾. ثم قال: ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.
    (نقله عنه شيخ الإسلام في كتابه "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية"/1/ص 119).
    هذا هو صراط الله من حيث العلم، أنه قريب قصير سهل بتوفيق الله.
    وقد أخبرني بعض الإخوة، ومنهم الشيخ أبو مالك علي البيتي حفظه الله أن الإمام الألباني رحمه الله في رده على مبتغي الرياسة والسلطة قال: إن طريق الله طويل، ولعلنا نوت في وسطه، فلم يكلفنا على تحصيل الإمارة أو تحكيم الشريعة في الشعوب، وإنما خلقنا لعبادته، والله يعطي ملكه من يشاء، أو كما قال رحمه الله. وهو في بعض الأشرطة لم أجده إلى الآن.
    هذا من حيث العمل، وصف رحمه الله طريق الله طويلا.
    ولا بد أن نتذكّر أن من حيث الجزاء هناك صراط آخر، صراط يوم القيامة، وهو جسر ممدود بين ظهراني جهنم. وقد علمتم أن جهنم عظيم واسع.
    عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها». (أخرجه مسلم (2842)).
    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: «لا تزال جهنم يلقى فيها ﴿وتقول: هل من مزيد﴾، حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط بعزتك وكرمك. ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة». (أخرجه البخاري (6661) ومسلم (2848)).
    فمن بطأ في قبوله للحق ولم يسرع في العمل به كما ينبغي لعله يجد الصراط طويلاً والمرور عليه أليماً كثير البلايا على حسب عمله في الدنيا.
    عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : «آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة. فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين». الحديث. (أخرجه مسلم (178)).
    فمن أبطأ يخشى عليه أن يشعر أن الصراط طويل عليه، فلم ينل جزالة كرامات الجنة كغيره.
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه». (أخرجه مسلم (2690)).
    قال الإمام ابن رجب رحمه الله: معناه أن العمل هو الذي يبلغ بالعبد درجات الآخرة ، كما قال تعالى : ﴿ولكل درجات مما عملوا﴾، فمن أبطأ به عمله أن يبلغ به المنازل العالية عند الله تعالى ، لم يسرع به نسبه ، فيبلغه تلك الدرجات ، فإن الله تعالى رتب الجزاء على الأعمال ، لا على الأنساب ، كما قال تعالى : ﴿فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون﴾، وقد أمر الله تعالى بالمسارعة إلى مغفرته ورحمته بالأعمال. ("جامع العلوم والحكم"/شرح الحديث السادس والثلاثون).
    ومن اجتهد في معرفة الحق وأسرع في قبوله والعمل به، هو بتوفيق الله أسرع في نيل علو الدرجات ووفور الكرامات في الجنة، والصراط الموصل إلى الله ودار كراماته قصير عليه إن شاء الله. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة». (أخرجه الترمذي (2450) وعبد بن حميد (1460)/حسن).
    قال الإمام المنذري رحمه الله: ومعنى الحديث: أن من خاف ألزمه الخوف إلى السلوك إلى الآخرة والمبادرة بالأعمال الصالحة خوفا من القواطع والعوائق. ("الترغيب والترهيب"/4/ص131).
    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: إذا جن الليل تغالب النوم والسهر، فالخوف والشوق في مقدم عسكر اليقظة والكسل والتواني في كتيبة الغفلة. فإذا حمل العزم حمل على الميمنة وانهزمت جنود التفريط، فما يطلع الفجر إلا وقد قسمت السهمان وبردت الغنيمة لاهلها. سفر الليل لا يطيقه إلا مضمر المجاعة النجائب في الأول وحاملات الزاد في الأخير. ("الفوائد"/ص 51).
    نعم، الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان.
    عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق» قال: قلت: بأبي أنت وأمي أيّ شيء كمرّ البرق؟ قال: «ألم تروا إلى البرق كيف يمرّ ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمرّ الريح ثم كمرّ الطير وشدّ الرجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً» قال: «وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكدوس في النار»، والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفا. (أخرجه مسلم (195)).
    فكل يجري على الصراط على حسب عمله.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فمن هدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه هدي هناك إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه. وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم. وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط. فمنهم من يمرّ كالبرق ومنهم من يمرّ كالطرف ومنهم من يمرّ كالريح ومنهم من يمرّ كشدّ الركاب ومنهم من يسعى سعياً ومنهم من يمشي مشياً ومنهم من يحبوا حبواً ومنهم المخدوش المسلّم ومنهم المكردس في النار. فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا حذو القذة بالقذة (جزاءً وفاقاً( (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون(.
    ولينظر الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط تخطفه وتعوقه عن المرور عليه فإن كثرت هنا وقويت ذلك هي هناك (وما ربّك بظلّام للعبيد( اهـ.
    ("مدارج السالكين" /1/ص15/دار الحديث).
    هذا هو الجواب عندي، والله تعالى أعلم بالصواب.
    صنعاء، 3 جمادى الثانية 1435 هـ.

  • #2
    جزاك الله خيرا ًفائدة قيمة نرجو المزيد أخي الكريم ــ حفظك الله تعالى ! "إذا علمنا أن من أوصاف الصراط أن يكون موصلاً إلى المقصود بطريق سهل، ناسب أن يكون قصيراً لا طويلاً. هذا باعتبار العلم، حيث إن العلم بالله سهل ميسر فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ "

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيراً ,,اسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يزيدك من فضله و من خزائن علم الله ,,,, بحث طيب نافع ,,,,,

      تعليق

      يعمل...
      X